Skip to main content

Full text of "السادات وإسرائيل.. صراع الأساطير والأوهام - مجدى حماد"

See other formats


شال 
مركز دراسات الهحدة العربيتة 


مجدي حماد 


صراع الأساطير والأوهام 








السادات 
وإسرائيل 


صراع الأساطير والأوهام 


للمزيد من الكتب 


00111/010105/115102.21. ك0 0 جاع ج]. الاللالنا//: كماخطا 


لقراءة مقالات فى التاريخ 
001.005 ماع ع2]. الاللالانا//:مخاطا 
501.0 .5106-21 تط//:قماغط 


السادات 
واسرائيل 


صراع الأساطير والأوهام 


باجالك دنه 


- إعداد مركز دراسات الوحلة العربية 





9783-9953-8287 ج1513 





1. السادات؛ أثور 1918 1981. 2. مصر_ 





3. مصر ‏ العلاقات الخارجية ‏ إسرائيل. 4. مصر ‏ تاريخ القرن العشرون. 
5. الحرب العربية - الإسرائيلية 1973. 6. اتفاقيات كامب دايقيد 1978. 

. الصراع العربي - الإسرائيلي. أ. العنوان. 

22054 





العنوان بالإنكليز 
اعسرول مه غدل 
كممتعسالا لم كطتجاة كه عتكموع. 





مسجملا رفجيهللة 


الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعجر بالضره 
عن اتجاهات يتيناها مركز دراسات الوحدة العربية 








مركز دراسات الوحدة العربية 


طلمهوه كسمه مما بلتمسظ 
جالمجهه كيه يحو لالط 


تصميم الغلاف: إميل مئعم 
© حقوق الطبع والنشر والتوزيع محفوظة للمركز 
الطبعة الأولى 


2019 آذار/مارس‎ ٠ 














القسم الأول 
عملية التحول الكبرى من الصراع إلى التسوية 
الفصل الأول: تركة جمال عبد الناصر ... رد “7لا 








18 
23 
1 
0 
53 
اثانيا: رؤية الآخرين 6 
القسم الثاني 
استرانيججية السادات من الصراع إلى النسوية 





2- عملية الدكتور عصفور 
3- قئوات السادات السرية 








ام الجسم . 

ثالثاً: مبادرات السادات واتصالاته السرية 
١‏ مبادرة فح اقئاة السويس 
2 اتحاد الجمهوريات العربية 
3 اتصالات السادات الأمريكية 















































5 تتائج الانقلاب .. 
خامساً: حال اللاسلم واللاحرب 
الفصل الرابع: حرب تشرين الأول/أكتوير 1973 
مدخل: أجواء ما قبل الحرب 2327 
١‏ التردد السوفياتي 2 
2 الصدمة الأمريكية 24 
أ: إدارة العمليات العسكرية. م2 
١‏ قرار كشف نيات الحرب: الرسالة المشؤومة 26 
2- قرار عدم المحافظة على الهدف . 23 
3 قرار الوقفة التعبوية 22 
4 قرار تطوير الهجوم 
5 قرار عدم المناورة بالقوات 
6 قرار عدم تصفية ثغرة الدفرسوار 6ق 
7 قرار وقف إطلاق النار .... 
8 قرار عدم ضرب مطار العريش ودد 





9- قرار إعادة ضخ النفط 
10 صحيقة اتهام جنائية في حق السادات ... 
1 الحرب في الميزان .. 











إدارة العملية السياسية. 
١‏ حصيلة القتال 
2- لقاء السادات ‏ كينجر ... 
3 قرار فك الاشتباك على الجبهة المصرية. 


355 
356 





















القسم الثالث 
مبادرة القرن 
الفصل الخامس: الطريق إلى إسرائيل 527 
أولآء : تغبير الاسترات 390 
1- تغيير التوجهات السياسية الكبرى 391 
5و3 
اله 


























١‏ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة 
2- اتصالات السادات ‏ بيغ 

إسرائيل وه 
1- الروايات ته 
2 الدواقع اقه 
3- لقاء السادات ‏ الأسد .. 456 
الفصل السادس: طريق المعاهدة 4603 
أو اقيات كامب دايفيد .. 267 
١‏ الفارص إلى تؤتير لني حايقيد 55 





2- مؤتمر ليدز في بريطانيا 













3- كواليس مؤتمر كامب دايفيد .. 477 
4 الاتفاقيتاء 497 
5- الوثائق السرية 502 
6- تقييم الاتفاة 504 


ثانيًء معاهدة السلام 
١‏ نتائج المعاهدة 
2 أهداف إسرائيل من المعاهدة 
3 مذكرة التفاهم السرية الأمري 
4 حل مجلس الشعب .. 

















شهدت السياسة المصرية خلال السبعينيات تغييرات جذرية خطيرة؛ داخلياً وخارجياًء منذ 
تولى السادات الحكمء وبخاصة بعد انقراده بالسلطة؛ والشروع في تغيير التوجهات السياسة 
الكبرىء على نحو متناقض كلياً مع ما كان معتمداً في نظام جمال عبد الناصرء داخلياً وإقليميا 
ودولياً. فضلاً عن بتخاولة فك الارتنا بين الصراع العربي ‏ الإسرائيلي من ناحية» وقضايا 
الاسقلان الوظلي ان ا واي اه 
سلماً أو حرباًء بدون 
يحدث هذا الانقلاب فج 3 
ا ا ا مراحل سن السياسي المصري المعاصر. 
الطريق أمام سلسلة من التطورات المتلاحقة, التي لا تزال تأثيراتها وتداعياتها جارية حتى الوقت 
الراهن. 

استلزم التغيير الذي عمد إليه السادات الحذر الشديد؛ والتدرّج المخطط؛ فمنذ البداية مثلت 
الزعامة الكاريزمية لقيادة جمال عبد الناصرء لااعائقاً منيعاً نقط أمام «العهد الجديد» لترسيخ 
شعبيته: إنما استلزمت أيضاً عدم الإفصاح سريعاً عن التحولات والتغييرات المهمة التي اعتزم 
إجراؤها. وربما أَدَت هذه الحقيقة المزدوجة دوراً مهماً في الغموض الذي أحاط بتوجهات 
السادات وسياساته في بداية عهده؛ إلى جانب «شخصيته المعقدة»: حيث أخذ في التحول عن 
توجهات عهد جمال عبد الناصرء في الوقت الذي حاول فيه الاستناد إلى شرعيته. إلى جانب 
تأكيد الارتباطات العربية؛ التي جعلت من مصر جزءاً لا يتجزأ من المفهوم الواسع للصراع 
العربي ‏ الإسرائيلي؛ والتزامها بالحل الشامل؛ الذي لا يقتصر على عودة سيناء فحسبه أما 
العقبة الأخيرة» والمعضلة, فتمثلت بالاتحاد السوفياتي الحليف الاستراتيجي, والمصدر الوحيد 
اللسلاح اللازم لمعركة التحرير. 













في ضوء ما تقدمء شهدت المرحلة الأولى من عهد السادات» التي امتدت سحابة ثلاث 
سنوات. منذ توليه الحكم في تشرين الأول/أكتوبر عام 1970: وحتى اندلاع حرب أكتوبر عام 
3 إجراءات تثبيت دعائم النظام الجديد. والبحث عن مصادر جديدة للشرعية؛ فمثلت 





مرحلة يخ النظام بين عهدين سياسين لهما توجهاتهما المختلفة. ورغم أن هذه 
المرحلة الانتقالية لم تشهد تغييرات جذرية؛ إلا أنها حملت إرهاصات وأصول التحولات 





السياسية المهمة؛ التي شهدتها المرحلة اللاحقة على حرب أكتوبر؛ حتى نهاية عهد السادات. 

أما التحولات السياسية المهمة؛ التي شهدتها الفترة الانتقالية با. 
3 والتي رفع السادات فيها شعار «دولة المؤسسات وسيادة : 
الواقع بحقيقة «الصراع على التوجهات» الأيديولوجية والسياسية» الذي بدا كأنه «صراع على 
السلطة». الذي انتهى بتصفية «المجموعة الناصرية». وفي التحليل الأخير لتلك الأزمة الداخلية 
يمكن القول إن السادات أضمر منذ البداية إحداث تغييرات جذرية في نظام الحكم وأهدافه 
وتوجهاته وآلياته. لذلك تعمّد خلق مظاهر للصراع وافتعل الخلاقا: وبين قادة المؤسسات 
الدستورية والسياسية. من ثم فإن ما حدث من صراعات؛ مما سيأتي تفصيله» لم يكن خلافاً 
حول «مبادرة فتح قناة السويس». التي أعلنها السادات في 21971/2/5 أو مشروع «اتحاد 
الجمهوريات العربية»؛ الذي أعلنه السادات في 01971/4/25 بقدر ما كان منصيّاً على انفراد 
السادات بالحكمء وعزل المؤسسات السياسية والتنفيذية عن مجريات الأحداث. واعتبار أنه 
وحده السلطة الشرعية الوحيدة, وأن انخاذ القرار حكر عليه دون مشاركة أفراد هذه المؤسسات 
في ممارسة مسؤولياتهم واختصاصاتهم. من هنا كان إعلانه بعد أن تحقق له ذلك: «إن الاتحاد 
الاشتراكي العربي يخدم.. ولا يحكم؟! وهي «بدعة» لا نظير لها في العالم لوصف دور أي 
«حزب حاكم»! 

وقد ساندت السادات القوى المعادية والمتضررة من ثورة 23 تموز/يوليو عام 1952 
والتحول الاشتراكي في مصرء ومن مجمل قيادة جمال عبد الناصر ونظامه وتوجهاته, التي كانت 
|تدرك أن ما يجريه السادات من تحولات هو لمصلحتها. كان واضحاً أن استرضاء القوى 
الرأسمالية داخلياً وعربياً ودولياً يقنضي تغييرات جذرية في البناء الاجتماعي والاقتصادي 
يد لتحقيق كل ذلك أن ينفرد السادات بالسلطة» يحيطه الذين يتوافقون مع 
توجهاته. وتهيئة المناخ بإبعاد كل القيادات الناصرية والتقدمية من المسرح السياسي» واصطناع 
مؤسسات تدين له بالولاء. وتؤيّد ما يراه ويقرره. تسيطر عليها عناصر يمينية وانتهازية, لذلك 
عمدت هذه القوى إلى تنشيط اتصالاتها وعلاقاتها مع السادات. ومع إخلاء الميدان بيدأت تبرز 
هذه العناصر. ويتصاعد تأثيرها في القرار السياسي والاقتصادي, إيذاناً بإعادة توجيه السياسة 





























والسياسي. وكان 





الخارجية, والتحول إلى «قطب الصراع الدولي» الآخرء وفرض الارتباط الوثيق بالولايات 
المتحدة. 

هكذا أعاد السادات تشكيل نظام الحكمء وكون أجهزة لماعدته على تنفيذ توجهاته 
وقراراتى إلا أنه احتفظ بجميع سلطات الدولة في يديه؛ ولم يستطع أحد من هؤلاء القادة 
ة القوات المسلحة الجدد أن يبدي رأياً إلا ما يراه السادات» 
ومن تحدثه نفسه بشيء من هذا القبيل يكون قد حكم على نفسه. وسجّجل اسمه بيده في سجل 
الإطاحة؛ الذي لم تر صفحاته إلا باغتيال السادات. 

.وكان لتلك التطورات الداخلية ردود أفعال لدى القوى الخارجية المؤثرة في المنطقة (الدول 
العربية وإسرائيل والدولتين العظمين). فقد ارتأت بعض الحكومات العربية أن ما أقدم عليه 
السادات يعَدَ مؤشراً واضحاً على تغيير «الخط الناصري»؛ والتوجه بالسياسة المصرية نحو 
النقيض. أما الاتحاد السوفياتي فإنه تعمّد كعادته. عدم التعرض للشؤون الداخلية» وأخذ يراقب 
الوضع يحذرء ويتابع خطوات السادات نحو علاقاته الخارجية إقليمياً وعالمياً. ومدى انعكاس 
ذلك على العلاقات المصرية ‏ السوفياتية» التي تجسدت بشكل مباشرء وبمناورة سياسية من 
الطرفين. في توقيع «معاهدة الصداقة والتعاون» بين البلدين» كل لدوافعه وأهدافه. 

















أما إسرائيل فقد تلقت حسم الصراع لمصلحة السادات بروح الانفراج؛ والاستعداد ليده 
مرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي حيث وصلت في تحليلها النهاني إلى أن 
الأمور قد حسمت لمصلحتهاء وأن تعاملها مع مصر سوف يقتصر على السادات بمفرده دون 
شعبه أو حكومته. الذي من خلاله وحده سوف تستطيع إسرائيل أن تحقق أهدافها السياسية 
والاستراتيجية. لا في مصر فحسبء بل في المنطقة بأسرها. وقد أكد عيزرا وايزمان وزير الدفاع 
الإسرائيلي» في مذكراته بعنوان: الحرب من أجل السلام" وكذلك محمد حسنين هيكل في 
كتابه بعنوان: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل”'» أن شخصية السادات كانت محل 
دراسة تحليلية إسرائيلية» للوقوف على مكوناتهاء وسبر أغوارهاء والتعرّف إلى تفكيرها 
وتوجهاتها. 








برت الولايات المتحدة أن انتصار السادات يمثل أولى خطواته نحو البيت 
الأبيض. فلم تدّع الفرصة تفلت من بين يديهاء وأخذت على عاتقها جذب 3 
وتشجيعه بالطرق الدبلوماسية على ضرورة إعادة العلاقات والاتصالا” 





البلدينء وني 





(1) عيزرا وابزمان, الحرب من أجل السلام. نرجمة غازي السعدي (عنان: دار الجليل, 1984). صن 155 
(2) محمد حسنبن هبكل. المفاوضاث السربة بين العرب وإسرائبل. ج 2: عواصف الحرب وعواصف السلام (الفاهرة: 
دار الشروق. 01996. صن 185 - 186. 





المقابل التخلص من الوجود السوفياتي في مصرء تمهيداً لإخراجه من المنطقة العربية كلهاء 
وإعادة رسم خريطتها السياسية والجغراف تحت مظلة «السلام الأمريكي». 

يعتقد البعض أن السادات كان رجلاً عبقرياًء بالغ الذكاء» سابقاً لعصره. ضحك على 
الإسرائيليين واسترد منهم سيناء مقابل «معاهدة سلام؟. بل إن أنصار الخط السياسي الذي سلكه 
السادات يزايدون بالقول: إن السادات استرد سيناء» بينما عجز السوريون والفلسطينيون عن 
ذلك. لأنهم عارضوه ولم يتبعوا خطه السياسي» وخطاه العملية. وليس ذلك صحيحاً؛ لآن التزام 
السادات منهج الحل الجزني» ورهانه على الدور الأمريكي في حل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي: 
انتهى إلى التبعية الكاملة للولايات المتحدة» واستلام سيناء شبه منزوعة السلاح» والخضوع 
لمنطق السلام الإسرائيلي»» وخروج مصر بالكامل من معادلة الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. بل 
إن التزام السادات هذا المنهج هو السبب الرنيسي في تأزم التسوية الشاملة؛ حتى بالمعنى 
الرسمي الدارج الآن. وفي استمرار احتلال وتهويد الأراضي السورية والفلسطينية. 





مجدي حماد 
القاهرة. تشرين الأول/أكتوبر 2018 


القسم الأول 


عملية التحول الكبرى 
من الصراع إلى التسوية 


في إطار رصد وتحليل «المقدمات»» أو الطريق إلى التسوية» حيث جرت عملية التحول 
الكبرى من الصراع إلى التسوية؛ يمكن القول إن مسيرة «كامب دايفيد» قد صدرت عن طبقات 
عربية حاكمة بعينها أولاً؛ وأنها تعبير عن حال جماهيرية عربية معينة ثانياً؛ وهي حصيلة عدة 
تطورات نظام العربي ثالثأ؛ كما أنها تمت في إطار مجموعة 
من التحولات الجذرية في النظام الدولي» فرضت هيمنة المنظومة الرأسمالية العالمية في نهاية 
الأمر رابعاً. 












إن من الواضح أن «حقبة التسوية» ستمتد إلى الأجل المتوسط؛ على الأقل» ومن هنا أهمية 
إدراك حقائق تلك التسوية» بوصفها تمثل قيوداً على الحركة مستفبلاً؛ بما تتضمنه من التزامات 
» وما تفرزه من آثار سياسية. من هذا المنظور تبرز أهمية متابعة عملية التحول الكبرى من 
الصراع إلى التسوية"". 

في ضوء ما تقدم؛ تبرز عدة أسثلة جوهرية لمتابعة ما جرى وما يجري: لماذا جرى تبني 
اخيار التسوية» في إدراك السادات» من الاصل؟ وما هي السياسات التي عمد إليها 
الترسيخ هذا «الخيار» الاستراتيجي؟ ولماذا «توّج» ذلك «الخيار» وتلك «السياسات» بقرار زيارة. 
إسرائيل؟ 

من هنا أهمية التساؤل عن «التركة» التي خلفها جمال عبد الناصر يوم رحيله؟ التي اعترف 
بها السادات نفسه في مذكراته بعنوان: البحث عن الذات: قصة حياتي. قائلاً: «عندما تسلمت 
الحكم كانت التركة التي تركها لي «عبد الناصر» مبهمة بالنسبة لي أول الأمرء لكن أياً كان 











(1) مجدي حماد. متقيل النوية: 30 عاماً من سلام عابر (ببروث: دار النهضة العربية. 2007). وانظر أبضاً: «قضابا. 
النسوية والصراع العربي ‏ الإسراتبلي: مقابلة مع الاسناذ محمد حسنين هبكل.؛ أجرى الحوار مجدي حماد. المستقيل 
العربي, السنة 2 العدد 3 (أبلولاسبتمير 1981). صن 111 135 





15 


الوضع الذي كانت مصر فيه فقد قبلت التحدي لأصححه... كانت التركة التي ورثتها من 
«عبد الناصر» في حال يرثى لها... من الناحيتين السياسية والاقتصادية»”. فهذه «التركة» كان 
عليه أن يتعامل معهاء وفق توجهاته وتصوراته» وقد أصبح المسؤول الأول والأعلى» لأن 
السادات عمد إلى الإشارة إلى هذه «التركة» كثيرا لتبرير الخروج عليهاء باعتبارها «تركة. 
ومن ثم فتح الباب لاعتماد توجهاته وسياساته مختلفة جذرياً. ما يقود إلى عرض مجموعة من 
القضايا الأساسية. على مدار فصلين: أولهما يرصد تركة جمال عبد الناصرء وثانيهما يتابع 
استراتيجية السادات من الصراع إلى التسوية. 








(2) أنرر السادات. البحث عن الفاث: قصة حبائي (الفاهرة: المكتب المصري الحديث. 1973). ص 279 387. 


16 


الفصل الأول 
تركة جمال عبد الناصر 


من اللافت أن السادات قد اعتمد حرفياً على ذريعة «تركة جمال عبد الناصر»؛ ففي رده على 
محمد إبراهيم كامل عندما ناقشه الأخير في ٠سوء»‏ المشروع الذي تم التوصل إليه في مؤتمر 






عن أحوال مصر الداخلية. لقد ترك لي جمال عبد الناصر تركة مثقلة؛ فأوضاعنا 
الاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء. وكل مرافق البلد منهارة؛ ولن تستطيع مصر أن تخرج 
من أحوالها المترية إلا إذا حصلت على السلام؛ وكرّست كل مواردها للتدمية وعندئذ ستكون 
مصر في مركز أقوى لمساعدة الفلسطينيين في حل مشكلتهم»"". 

فما هي «التركة» التي خلفها جمال عبد الناصر. يوم رحيله. ووجدها السادات أمامه. عندما 
تولى مقاليد الحكم؟ لاشك في أن هذا السؤال يعتبر في مقدمة محددات تقييم ما 
السادات؛ والحكم عليه. 

إن كل نظام جديد من حقه أن يحصل على «فترة سماح"؛ باستعارة التعبير السائد في 
معاملات البنوك يتعرف خلالها أولاً إلى كل المعلومات المرتبطة بتوجهات وسياسات «النظام 
السابق». ودرسها جيداً مع الأجهزة والمؤسسات المعنية في الدولة؛ وبخاصة أجهزة المعلومات 
والأمن القومي» قبل أن يبدأ في اعتماد توجهاته. وتطبيق سياساته» سواه باستمراز بعض 
التوجهات والسياساتء أو بتغيير بعضهاء كلياً أو جني أو باعتماد توجهات وسياسات جديدة 
كلية. ومن المفهوم أن المدى الزمني الذي يمكن أن تستغرقه «فترة السماح» قد يتراوح من ستة 
أشهرء إلى عام على أقصى تقدير. يمكن خلالها أن يرد «النظام الجديد المشكلات» أو 
الأزمات. التي تواجهه. ويعجز عن مواجهتهاء إلى أنه قد ورث «تركة ثقيلة»: لكن لا يتصور أن 














1 محمد إبراهيم كامل. السلام الضائع في كامب دايفد (القاهرة: جريدة الأغالي. 1987). ص 493. 


17 


تستمر الإحالة إلى هذه التعلة لأعوام وأعوام! لكن هذاهق المنهج الذي امشايه الحاديثة وسار 
على «طريقه» خلفه «مبارك». وأضاف إليها 
من ذلك تسود مصرء حنى الآن عام 2018: توجهات سياسية تنسب كل المشكلات التي تعانيها 
مصر إلى عهد جمال عبد الناصر!؟ 
إن تحليل «تركة» جمال عبد الناصر تقتضي عرض ثلاثة عناصر أساسية: أولهاء الموقف 
الأيديولوجي والسياسي الذي تبناه جمال عبد الناصر؛ وثانيهاء الجبهة العسكرية» وعملية إعادة 
بناء القوات المسلحة بعد هزيمة عام 1967: وثالشهاء الجبهة السياسية؛ والاتصالات التي 
تواصلت على طريق التسوية بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم (242) عام 1967 ويخصص 
لكل منها مبحث مستقل. 











أولاً: الموقف الأيديولوجي والسياسي 


في إطار عرض «الموقف الأيديولوجي والسياسي» الذي تباه جمال عبد الناصر. 
شديد. يمكن القول إنه طبّق أهم الدروس الاستراتيجية التي استوعبها من خبرة مشاركته في 
حرب فلسطين عام 1948؛ من خلال توجهاته وسياساته وقراراته. منذ تولى قيادة مصرء رنيسا 
للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. 

وكانت الجولة الأولى من الصراع المسلح بين العرب وإسرائ 
رودسء في آذار/مارس عام 1949 التي عدّها جمال عبد الناصر وقفاً مؤقتاً للنيران» وظلت 
إسرائيل عدواً للعرب أجمعين. وترسخ في إدراكه. عقب انتهاء هذه الجولة الأولى من الصراع» 
.درسان أساسيان: 

أولهماء أن المعركة الحقيقية مع إسرائيل لا بد أن تب نظام الحكم في القاهرة» الذي 
يتجسد في شبكة ثلاثية: الاحتلال والملك والإقطاع» ومن ثم بدأ التفكير والإعداد لتغيير هذا 
النظام برمّته. وقام بتكوين «تنظيم الضباط الأحرار» الذي فتجر ثورة 23 تموز/يوليو عام 1952. 

وثانيهماء أن المؤسسة العسكرية ذ » والمشكلة أصلاً من عناصر العصابات 
الصهيوتية الإرهابية. التي تكون فيها فكراً اجيش الدفاع الإسرائيلي»؛ تعتمد أساساً في 
فكرهاء وفي خططهاء وفي تصرفاتها على القوة والإرهاب والعنف مع العرب. من أجل إنشاء 
«الوطن القومي اليهودي» على حسابهم وتحقيق أهدافها التوسعية في السيطرة والهيمنة على 
المنطقة. كما اتضح في الفكر الصهيوني منذ البداية أن مصرء وما تمتلك من عناصر القوة 
والإمكانات؛ هي العائق الأول أمام إسرائيل. 




















إسرا: 








القد كانت أمام جمال عبد الناصر خبرته عن الصهيونية العالمية التي اعتمدت على القوة 
المسلحة لإنشاء إسرائيل؛ وسجل أقوال قياداتها الاوائل» وبخاصة ديفيد بن غوريون مؤسس 
الدولة» وأول رئيس لوزراء إسرائيلء حيث كان الشعار الذي أطلقه فور قيام إسرائيل: «بالدم 
والنار سقطت اليهودية؛ وبالدم والنار تعود من جديد»؛ و«أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة انشاء 









الدولة». 
ولما كان إنشاء الدولة ليس هدفاً في حد ذانهء بل هو مرحلة على طريق إنشاء "إسرائيل 
الكبرى»؛ فقد أصبحت القوة العسكرية الإسرائيلية لها الدور الأكبر والأهم على هذه الطريق. 


هكذا عبر بن غوريون عن هدف الصهيونية العالمية من إنشانها بقوله: «دولة إسرائيل هي مجرد 





مرحلة على طريق الحركة الصهيونية الكبرى. التي تسعى إلى تحقيق ذاتهاء بحيث لا تشكل هذه 
الدولة هدفاً في حد ذاتهء بل وسيلة إلى غاية نهائية» ومن ثم فهي ليست تجسيداً كافياً للرؤية 
الصهيونية الأصيلة». 


وبعد هزيمة عام 1967 بنتائجها الخطيرة» أصبح "بن غوريون» أكثر وضوحاً في التعبير عن 
أهمية القوة العسكرية لتحفيق التوسع الذي تسعى له إسرائيل» والهيمنة على المنطقة العربية» 
عندما قال: ديجب أن نتتخذ من الفتوحات العسكرية أساساً للاستيطان, وواقعاً يجبر العرب على 
الرضوخ والركوع. أما إلى أين التوسع؟ وأين حدود إسرائيل؟ فكان رده: «إن حدود إسرائيل 
تكون حيث آخر نقطة يصل إليها جنودها»! وقد تعدل هذا «التعريف» ليصبح: *إن حدود 
إسرائيل هي حدود المياه في المنطقة». 

ومن اللافت أن السادات قد أشار في مذكراته. بعنوان: البحث عن الذات: قصة حياني؛ إلى 
أن دايان» وزير الدفاع الإسرائيلي؛ في غمرة نشوته بنصر عام 1967 قد خطب في طلاب 





الجامعات في إسرائيل؛ وقال: «لقد تسلمنا الأمانة من الجيل السابق لجيلناء فوصلنا حدود 
إسرائيل من القنطرة في مصر إلى القنيطرة في سورية» وعليكم أنتمء الجيل الصاعد أن تحموا 





هذه الحدود وتوسعوها». 

حاولت إسرانيل الاتصال والتفاهم مع جمال عبد الناصرء كرنيس لأكبر دولة عربية» وأقوى 
شعب مجاورء له تأثيره الحضاري في شعوب المنطقة العربية» لكن جمال عبد الناصر رفض 
هذه المحاولات. التي كانت تهدف إلى عزل مصر عن القضية الفلسطينية. وعن الأمة العربية.. 
بل اعتبر إسرائيل العدو الأول للعرب. 









عن الفاث: قصة حباني (الفاهرة: المكتب المصري الحديث. 1972). ص 321. 


19 


كما حاولت الولايات المتحدة أن تفرض هيمنة الغرب على الوطن العربي» بوصفها هي 
الوريثة التلقانية لبريطانيا وفرنا بعد الحرب العالمية الثانية» وعرضت مشروع «قيادة الشرق 
الأوسط». في عام 21953 داعية مصر للاشتراك فيه» لكن جمال عبد الناصر رفض هذه الهيمئة 
الامريكية» بل ودعا الدول العربية إلى معارضتهاء فاعتبرت الولايات المتحدة أن جمال 
عبد الناصر هو عدو السياسة الأمريكية في الوطن العربي. وبذلك أصبحت إسرائيل والولايات 
المتحدة أعداء لمصرء وقيادة جمال عبد الناصرء وسياساته في الوطن العربي. 

وفي ضوء ما تقدم خلص جمال عبد الناصر إلى عدة توجهات أساسية: أولهاء أن أعداء 
الشورة والأمة يتمثلون في حلف ثلاثي: الاستعمار وإسرائيل والرجعية ١‏ انيهاء أن 
الولايات المتحدة التي تقود هذا التحالف هي «العدو الأساسي» للامة العربية. وأن «الصراع 
الأساسي» من ثم يتركزء لا في الصراع العربي ‏ الإسرائيلي كما هو شائع؛ إنما في الصراع 
العربي ‏ الغربي» الذي فرض على الأمة العربية أربعة تحديات أساسية؛ هي التخلف والتبعية 
والتجزنة وإسرائيل؛ وثالئهاء أن الصراع العربي ‏ الإسرائيلي هو «الصراع غير الأساسي»» لأنه 
يمثل جزءاً لا يتجزأ من «الصراع الأساسي». وأداة من أدواته في المنطقة. ولا يعني ذلك أنه أقل 
أهمية؛ بل على العكس من ذلك قد يكون الأكثر خطورة. على الأقل في الأجلين القصير 
والمتوسط. لأن إسرائيل هي «العدو المباشر» الذي يعمد إلى خلق الوقائع الجديدة على أرض 
فلسطين كل يوم؛ ورابعهاء أن الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود لا صراع حدود, وأن الولايات 
المتحدة لا يمكن أن تكون وسيطاً أو طرقاً محايداً في الببحث عن حل لهذا الصراع» وكانت 
توجهات السادات على العكس من ذلك بالكامل". 

ومنذ ذلك التاريخ بدأت التحديات الخارجية ضد مصرء وكان أولها معركة الحصول على 
السلاحء ثم معركة الحصول على تمويل لبناء السد العالي؛ التي ظهر فيها العداء الأمريكي 
والإسرائيلي بوضوح: الأولى لا تريد رفع كفاءة وقدرات مصر العسكرية؛ والثانية لا تريد لشعب. 
مصر التنمية الناتجة من بناء السد العالي. 

وكان رد فعل جمال عبد الناصر أن سعى لكسر احتكار السلاح» من طريق تنمية وتصعيد 
العلاقات السياسية مع دول الكتلة الشرقية» وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي» ونجح في ذلك إلى 
الدرجة التي سجل التاريخ أنها كانت نقطة تحول بارزة في نهضة الشعب المصري؛ سواء في 











(3) انظر من أجل فهم أفضل لسجموعة نوجهات السادات, وتنبجة لحوارات ممندة ومباشرة معه. فضلاً عن طرح 
وجهة النظر الأخرى. المصدر الأني: لطفي الخولي. مدرسة السادات الياسية والبار المصري (باريس: منشوراث العالم 
العربي. 1982). وكان الكتاب؛ في معظسه. قد نشر على حلقات في صحيفة الأهالي في حباة السادات؛ وأحدث ضجة 
كبيرة. 








20 


قدراته العسكرية أو تنميته الحضارية؛ وبخاصة أنها اقترنت بدور دولي بارز قام به جمال 
عبد الناصر عندما تولى الدعوة والمشاركة في «مؤتمر باندونغ» في نيسان/أبريل عام 1955 
الذي وضع حجر الاساس لمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز. 

وانزعج الغرب من رد فعل جمال عبد الناصر المناهض للسياسة الغربية» وتأثير ذلك في 
المصالح الغربية في المنطقة العرية» وأهمها المصلحة النفطية» ويخاصة بعدما أمم شركة قناة 
السويس العالمية» لمصلحة الشعب المصري بعدما كانت لمصلحة الغرب.وكان رد فعل الغرب 
بريطانيا وفرنساء بعد تواطنهما مع إسرائيل لضرب مصرء عدوان عسكري شامل عام 1956 
بهدف استرداد قناة السويسء وإسقاط جمال عبد الناصر والثورة المصرية. فشلت هذه الغزوةء 
وسقطت كل من بريطانيا وفرنسا استراتيجياً في العالم. 

في ضوء هذا الانتصار على العدوان الثلائي عمد جمال عبد الناصر إلى تصعيد مبادئ 
وأساليب التحرر الوطني في العالمء بخاصة في الوطن العربي؛ وفي أفريقياء وآسياء وأمريكا 
بنية» حيث ساهم في بلورة تجمع دولي جديد» مناهض لتوجهات الغرب وسياساته. وهو 
منظومة دول عدم الانحياز. 

كما صعد جمال عبد الناصر إلى مرتية الزعيم القومي والعالميء وترددت توجهاته وسياساته 
في أرجاء العالم» كما الدول التي كانت تحت نير الاستعمار أن مبادئ ثورة تموز ايوليو 
52 وثوابتها ناجحة ومثمرة؛ وبخاصة بعد فشل دول عظمى مثل بريطانيا وفرنسا أن تنال من 
مصر الثورة عام 1956. وأثمرت سياسة جمال عبد الناصر في التحرر الوطني في أفريقيا والوطن 
العربي» وتحررت شعوب الدول التي كانت تحت نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والبلجيكي. 

وفي عام 1957 أدرك جمال عبد الناصر أن الثورة ومبادئها قد رسخت في مصر ويلدان عربية 
القوات المسلحة قد أثمر. وأن استقرار الحكم الداخلي قد 
تحقق تحقق» فاراد أن يركز على التنمية, وأدى هذا التفكير إلى منح الثقة الكاملة للمشير عبد الحكيم 
القوات المسلحة ونموها وقدراتها العسكرية. وركز جهوده هو على شتى 
مية؛ وبدأت مصر تضع خطة تنمية خمسية أولى  1960(‏ 1965) 
(6.7 بالمنة) وهي نسبة لم تصل إليها أي دولة في العالم عدا ألمانيا واليابان في ظل تنمية 
مهددة بتحديات استعمارية. وأعداء كثر. في مقدمهم إسرائيل والولايات المتحدة. 

وحدثت هزة عنيفة في مسيرة الثورة بالهزيمة الجسيمة التي نزلت بالقوات المسلحة؛ تحت 
قيادة عبد الحكيم عامرء في عام 01967 والتي انتهت بوقف إطلاق النار. يوم 1967/6/8 ثم 
انتحار المشير بعد ذلك بعدة شهور. رفض الشعب وقواته المسلحة قبول الهزيمة التي تمت 














نموا بمقاار 








2 


من دون مواجهة مباشرة مع جنود مصرء وتحمّل جمال عبد الناصر مسؤولية الهزيمة كاملة 
وشعر بالخطأ في عدم متابعة ومواجهة «عامر»» في الوقت الذي أخذ على عاتقه مسؤولية 
استعادة الأرض المغتصبة بالقوة» تحت شعار «إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»» وتولى 
قيادة الشعب والقوات المسلحة بأسلوب جديد, بادناً بحرب الاستنزاف ضد إسرائيل. 

في ضوء ما تقدم تنبغي الإشارة إلى مسألة مركزية في فكر وإدراك جمال عبد الناصر في 
إدارة المواجهة مع إسرائيل» بعد الهزيمة» وبدء محاولات البحث عن حلء حيث يذهب». 
بكلماته”. إلى «أن المسألة ليست هي جلاء إسرائيل عن سيناء وحدهاء إذا كانت هذه هي 
المسألة فمن الممكن الوصول إليها غداً. 
الأصبحت سهلة. إن العملية تخص مصيرنا؛ مصير العرب. إذا كنا نريد أن نستره 
؛ أن نقبل شروط الولايات المتحدة وشروط إسرائيل» أن تتخلى عن 
الالتزام العربي» ونترك لإسرائيل اليد الطولى في القدس والضفة الغربية وأي بلد عربي» ويحققوا 
حلمهم الذي يتطلعون إليه من النيل إلى الفرات؛ وأن تتخلى عن التزامنا العربي. نقدم هذه 
التنازلات إلى إسرائيل» ونسمح لها بالمرور في قنال السويس» وترفع علم إسرائيل في قنال 
السويس» وتنسحب من سيناء. 

المسألة ليست هي الجلاء عن سيناء وحدهاء الموضوع أكبر من ذلك بكثير؛ الموضوع هو 
أن نكون أو لانكون. موضوع إزالة آثار العدوان أكبر من الجلاء عن سيناء. هل سنبقى الدولة 
المستقلة التي حافظت على استقلالهاء وعلى سيادتهاء ولم تدخل ضمن مناطق النفوذ أم 
ستخلى عن كل هذا؟ 

صحيح إننا مجروحين؛ جزء من أرضنا محتل» لكن رغم هذاء رغم الجرح؛ هل نتنازل عن 
كل التزاماتنا العربية» وكل المثل» وكل الحقوق؛ وثقبل أن نتفاوض مع إسرائيل من أجل الوصول. 
إلى حل؟ هذا ما تقوله إسرائيل: ما تقوله الولايات المتحدة. 

ما هو المقصود بإزالة آثار العدوان؟ عندما نتحدث عن إزالة آثار العدوان من اللازم أن نفهم 
أطراف وأبعاد إزالة آثار العدوان. إنها مسألة كبيرة؛ كبيرة جداء ومسألة أيضاً خطيرة؛ لآن الولايات 
المتحدة أيدت إسرائيل» ساعدتها في الأمم المتحدة وأمدتها بالاسلحة» والمعونات المالية. 
وبمقدار كبر وخطورة المسألة. بمقدار ما تحتاجه من تكاليف وتضحيات. المألة ليست مألة 
حل أزمة الشرق الأوسط؛ المسألة هي نوعية الحل» شرف الحل» شرفنا.. مستقبلنا.. ومصيرنا». 








بتنازلات. إذا انحصرت العملية في سيناء وحدها 












(4) خطب جمال عبد الناصر نقلً عن صفحته على الإترئتة ججوم اطاطسعمة بوه 


22 


هذه هي كلمات جمال عبد الناصرء في خطابه يوم 1968/4/25 بعد 10 شهور فقط من 
هزيمة عام 1967.وهي تعني ببساطة أن الصراع بين الأمة العربية وإسرائيل لم يكن أبدا صراعاً 
مصرياً ‏ إسرائيلياً على سيناء فقط. إنما الصراع بين الامة العربية وإسرائيل هو صراع وجود وليس 
صراع حدود. 

إمريل زرعتها الإبرياة العائمية غنرم هي العطقة: لغبم وطن العربي عين: زتعمل 
كقلعة متقدمة للغرب في قلب الوطن العربيء تجهض أية محاولة للنهضة؛ في المنطقة 
الاستراتيجية الأهم في العالم» حيث يوجد النفط عصب الحضارة الغربية» والأخطر لكي ترث 
دور مصر في المنطقة وتحل محلها. وقد أدرك جمال عبد الناصر ذلك جيداًء لذا ظل حتى 
رحيله يرفض الحلول الجزنية للصراع العربي - الإسرائيلي. 

يقول بن غوريون لوزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس في 14 أيار/مايو عام 1953: 
«أنكم مهتمون بمصرء وأود أن ألفت أنظاركم إلى إن مزال تتذلك نان المريا في تسلكها 
مشر وكلنادنا صلل على بجر لان 'بييض. والبحر الأحمرء وما بين م 






نفس الشريان الحيوي. الذي يمر بين بورسعيد والسويسء وهو مهيأ لحفر 
معو لوو ل ل ا 0 





مستعادة م م ا 
استناداً إلى عرض «الموقف الأيديولوجي والسياسي» الذي تبئاه جمال عيد الناصر بشأن 
الصراع العربي ‏ الإسرائيلي, وما ترتب على ذلك الموقف من مواجهات. يمكن عرض إدارته 
مهمة إزالة آثار العدوان» سواء على الجبهة العسكرية وعلى الجبهة السياسية» حتى رحيله» ومن 
ثم تولى السادات مسؤولية الحكم. وكيف أخذ في التعامل مع «التركة» التي خلفها له؟ 
ثانياً: الجيهة العسكرية 
عنما توفي جمال عبد الناصر كانت قد تمت عملية إعادة بناء القوات المسلحة من الصفرء 


عقب هزيمة عام 1967 وخاضت هذه القوات حرب الاستنزاف (1967 -1970)) التي تعتبر 
الحرب الرابعة بين العرب وإسرائيل وهي الحرب التي اعترف قادة إسرائيل أنفسهم بالهزيمة 
(ك) عالممهلا تحقحا 56 بعالعمهطل! لبعد ملموخ! تملا عماج جمماعااة لمممحا! ف ممما بمماادة صملا لتحدطا 


42م ,1971 كطمملا امع 


2 


فيها. يكفي ما صرح به عيزرا وايزمان, الذي كان وزيراً للدفاع ثم رنيساً للدولة» حيث قال في 
كتابه النسور الزرقاء: «إن حرب الاستنزاف؛ التي سالت فيها دماء من أفضل جنودناء مكنت 
المصريين من اكتساب حريتهم؛ على مدى ثلاث سنوات» للتحضير لحرب تشرين الأول /أكتوبر 
العظمى في عام 1973, وعلى ذلك فإنه سيكون من الغباء أن نزعم أننا قد كسبنا حرب 
الاستنزاف» وعلى العكس من ذلك. فإن المصريين ‏ بالرغم من خسائرهم ‏ هم الذين حصلوا 
على أفضل ما في هذه الحرب» وفي الحساب الختامي» سوف تذكر حرب الاستنزاف على أنها 
أول حرب لم تكسبها إسرائيل» وهي الحقيقة التي مهدت الطريق أمام المصريين لشن حرب يوم 
الخفران في 6 تشرين الأول /أكتوبر». 

في هذا السياق لخص محمود رياضء وزير خارجية مصر الأسبق» الموقف من «حرب 
الاستنزاف». في مذكراته بعنوان: مذكرات محمود رياض. كما يا 
جعلت الحرب استمرار الاحتلال الإسرائيلي مكلفاً بشدة. بحيث إن إسرائيل اضطرت إلى أن 
تقبل في نهاية الحرب ما كانت ترفضه في بدايتهاء وخصوصاً التراجع عن الحلول المنفردة» 
وقبول مبدأ التسوية الشاملة» وأيضاً التراجع عن فرض المفاوضات المباشرة عليناء وقبول 
المفاوضات غير المباشرة. وبصرف النظر عن التطورات التي حدثت بعد ذلك فعلا. فإن هذا 
هو ما قبلته إسرا 














عندما توقف إطلاق النار في نهاية حرب الاستنزاف». 
وكما كتب عبد الغني الجمسي في مذكراته. بعنوان: حرب أكتوبر ‏ مذكرات الجمسي: أن 
إسرائيل في ذلك الوقت. سجل الأني: رقف إطلاق النار قد جرى 
تقباله في إسرائيل بشعور من الرضا. وحينما أعلنت مسز مانير في التليفزيون عن وقف إطلاق 
النارء فإن رد الفعل الشعبي كاد أن يتساوى مع لو كنا قد توصلنا إلى تسوية سلمية. فنشرات 
الأخبار لن تبدأ بالصوت الحزين لمذيع الراديو. وهو يذيع أسماء الشباب الذي سقط في 
المعركة. إن خسائرنا في الأفراد القتلى. وفي المعدات الثميئة» قد جعلت حرب الاستئزاف غالية 
التكاليف بالنسبة لنا»”". 

كما ترك جمال عبد الناصر لمصر حائط الصواريخ الشهير على الحافة الغربية لقناة السويس» 
وكان وقتها أكبر حائط صواريخ في العالم» وأكثرها تطوراً. وفي خلال الأسبوع الأول من تموز/ 
يوليو عام 1970 جرى إسقاط 10 طائرات فانتوم إسرائيلية» فأطلق على هذا الاسبوع: «أسبوع 











(6) محسرد رياض. مذكرات محمود رياض: البحث عن اللام والصراع قي الشرق الأوسط. 1948 1978 (القاهرة: 
دار المسفيل العربي. 1985). ص 131 

(7) محمد عبد الغني الجمسي.. كر مذكراث الجمي (القاهرة: دار المبدان للنشر والترزيع. 02014 
اص 208. 





24 


التساقط السريع للطائرات»: وقد أصبح يوم 30 تموز/يوليوء حيث تم إسقاط أول طائرتين» عيداً 
سنوياً لوحدات الدفاع الجوي المصري. وبوجود هذا الحائط تم تأمين سماء مصر من غارات 
الطيران الإسرائيلي؛ وأصبح العبور للضفة الشرقية؛ وبدء معركة التحريره مسألة وقت. بل إن 
الفريق أول محمد فوزيء القائد العام للقوات المسلحة المصرية» ثم وزير الحربية» بعد الحرب 
مباشرة؛ قد أكد في كتابه: مذكرات الفريق أول محمد فوزي: حرب الشلاث سدوات: 
7 1970: إن جمال عبد الناصر بصفته القائد الاعلى للقوات الملحة كان قد صدق 
بالفعل على «أمر القتال» بحيث تبدأ معركة التحرير فور انتهاء وقف إطلاق النار يوم 7 تشرين 
الثاني/نوفمبر عام 1970, ذلك اليوم الذي صادف ‏ لغرائب الأقدار ‏ ذكرى الأربعين لوفاة 
جمال عبد الناصرء ما يؤكد أن ذلك التقدير كان سليماً ‏ من ناحية. ومعنى ذلك أن «الانتظار» 
قد يكون سياسة قومية واقعية ومشرفة ‏ من ناحية أخرى/". 

القد شدد الفريق الشاذلي. في كتابه: حرب أكتوير: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي» 
على عدم إمكان التقدم في سيناء. يعد نجاح عملية العبور في حرب عام 01973 عن عمق 
(1510) كم شرق القناة. لأن القوات المصرية كانت ستخرج بذلك عن نطاق حماية حائط 
الصواريخ؛ وسوف تتعرض لمجزرة من الطيران الإسرائيلي. وعلى امتداد صفحات كتابه يؤكد 
الشاذلي ضعف القوات الجوية المصرية مقارنة بإسرائيلء وعدم قدرتها على مجابهة الطيران 












الإسرائيلي. ويشيد بقراره عدم الزج بالطيران المصري في معارك كثيرة خلال الحرب. حتى 
يحتفظ به سليماً. ولتوثيق كلامه يقول: إن عدد الطائرات المصرية كان يفوق بنحو 100 طائرة 





عدد الطيارين» وأن قرار السادات إنهاء مهمة الخبراء السوفيات أدى إلى عجز فادح في سلاح 
الطيران. لانسحاب 75 طياراً سوفياتياً كانوا يقودون الطائرات المصرية". 

إن مد هذا الخط حتى نهايته يعني» بوضوح قاطع؛ أن الحرب لم تكن ممكنة سوى بإقامة 
حائط الصواريخء فإذا وضع في الاعتبار أن الحائط قد أقيم في آب/أغسطس عام ١1970‏ في ظل 
قيادة جمال عبد الناصر فمعنى ذلك أيضاً أن الحرب كانت ممكنة منذ آب/أغسطس عام 01970 
ما يؤكد أن ما ورد في كتاب الفريق أول محمد فوزي بعنوان: مذكرات الفريق أول محمد فوزي: 
حرب الثلاث سنوات: 1967 1970؛ وما ذهيت إليه «المجموعة الناصرية» التي انقلب عليها. 
السادات في أيار/مايو عام 1971. عن جاهزية القوات المسلحة المصرية لخوض حرب التحرير 





(8) محمد فرزي. مذكرات الفريق أول: حرب اثلاث سنوات: 1967 1970 (القاهرة: دار المتطبل العربي. 0984).. 
(9) سمد الدين الشاذلي. حرب أكتوير: مذكراث الفريق سمد الدين الشاذلي. ط 2 (القاهرة: رزية للنشر والتوزيع.. 
201). ص 116 


25 


في نيسان/أبريل عام /197ء كان تقديراً صحيحاً. من هنا التساؤل: لماذا أجل السادات اتخاذ 
القرار لنحو 3 سنوات؟ 

وكان جمال عبد الناصر قد صدق على «الخطة جرانيت» قبيل وفاته؛ التي تتضمن ثلاث 
مراحل لحرب التحرير؛ تبدأ بعبور قناة السويس وإقامة رؤوس لخمسة كباري. ثم الوصول إلى 
منطقة المضايق الحاكمة ثم الوصول لخط الحدود الدولية لمصر مع فلسطين المحتلة. 
كما صدق جمال عبد الناصر على (الخطة 200)) التي تحسبت لهجوم مضاد للعدوء في منطقة. 
المفصل الحرج بين الجيشين الثاني والثالث» حددت الخطة مكانه عند البحيرات المرة في 
منطقة الدفرسوار. وهو ما حدث للاسف. عقب قرار السادات المتأخر بتطوير الهجوم يوم 14 
تشرين الأول/أكتوير 1973. 

كما كانت هناك طائرات الميراج الرادعة التي اشتراها القذافي لمصر من فرنساء وقوارب 
العبور. التي كان يتم التدريب على خطط العبور عليها. 

كان ذلك كله يستند إلى اقتصاد مصري قويء يحقق معدلات نمو تقارب نسبة 7 بالمئة 
سنوياً بشهادة البنك الدولي» وبخاصة بعد إتمام بناء السد العالي في تموز/يوليو عام 01970 أهم 
وأعظم مشروع هندسي وتنموي في القرن العشرينء باختيار الأمم المتحدة عام 2000. 

أما من الناحية السياسية؛ فقد كانت انتفاضة الجماهير المصرية, والعربية؛ رفضاً لقرار جمال 
عبد الناصر بالتنحي» ورفضاً للهزيمة الفادحة عام 1967 وتمسكاً بقيادته «معركة التحرير»» وأن 
الحرب مستمرة. بمثابة «بعث للثورة»» على حد تعبير جمال عبد الناصر. وقد استخلص من هذه 
الانتفاضة توجهين أساسين: 

أولهماء «أن هذه الانتفاضة الجماهيرية الهائلة قد أكدت أن قطعة من التراب الوطني قد 
تسقط تحت الاحتلال. لكن أية قطعة من الإرادة الوطنية ليست عرضه لاي احتلال.. وهذا هو 
الفيصل في كل معارك التاريخ: انتصار أم انكسار الإرادة؟» وصدق جمال عبد الناصر عندما قال 
في خطابه يوم 23 تشرين الثاني /نوفمبر عام 11967 إن تقع رقعة من أرض الوطن أسيرة في يد 
ولاهي النصر الحقيقي للعدو. 
وإن تفع إرادة الشعب أسيرة في يد هذا العدو فهذه هي الهزيمة الحقيقية: وهذا هو النصر 
الحقيقي للعدو». أليس هذا ما حدث بعد حرب تشرين الأول /أكتوير عام 1973؟! 

وثانيهماء «أن ما أخبذ بالقوة لا يسترد يغير القوة». انطلاقاً من أن خسارة معركة لا تعني خسارة. 
الحرب» وذلك من منطق يفرق بين الحرب والقتال؛ فالحرب صراع سياسي يكل وسائل القوة. 
في حين أن القتال مرحلة معينة من الحرب؛ يكون فيها الاحتكام إلى السلاح. وهكذا فإن دور 





































26 


القتال في الحرب.. عسكري في حين أن الحرب الشاملة... سياسة. من هنا تولى قيادة الشعب 
والقوات المسلحة بأسلوب جديد بادناً بحرب الاستتزاف. 

في إطار محاولة «البحث عن حل دبلوماسي» يمكن القول إن تجربة البحث عن هذا الحل 
نشأت بعد هزيمة عام 1967ء قبل رحيل جمال عبد الناصر. إن الفترة ما بين أواخر حزيران/يونيو 
عام 1967 إلى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام كانت دبلوماسية الأمم المتحدة هي 
النشطة والظاهرة؛ لكن كل مشروعات القرارات الدولية التي عرضت على الأمم المتحدة 
اصطدمت بواقع التعهدات التي قطعها الرئيس الأمريكي جونسون على نفسه. وعلى بلده قبل 
بده المعركة» ومؤداها أن الولايات المتحدة تتعهد بمنع صدور أي قرار من الأمم المتحدة يدين 

إسرائيل على عدوانهاء وبالتصدي لأي ضغط يفرض عليها الانسحاب من الأرض التي تحتلهاء 
و إلى المواقع السابقة للعدوان إلا بعد حل سلمي تتوصل إليه الأطراف. ولا شك في أن 
التغبيرات التي طرأت على القوة الوطنية والإقليمية والدولية؛ في الفترة التي أعقبت الهزيمة. 
أعطت الولايات المتحدة مركزاً خاصاً في عملية البحث عن حل. وكانت تلك واحدة من 
مفارقات التاريخ الصارخة. 

إن تحليل محددات السياسة الأمريكية إزاء المنطقة العربية؛ وفي ظروف أزمة عام 1967 
بالتخصيصء يؤكد أن كل دوائر صنع القرار في واشنطن منحازة كلية لإسرائيل: وعلى رأسها 
جونسون؛ وقد تحول عداؤه إلى جمال عبد الناصر إلى قضية شخصية في بعض الأحيان» كما 
أن «إطلاق العنان لإسرائيل» كانت جهده الشخصيء كما أن مستشاريه جميعاً دون استناء من 
اليهود. 

وفي وسط هذه الأجواء تأكد جمال عبد الناصر أن أي حل يحتاج إلى السلاح» وأن الحاجة 
إلى السلاح تفرض بدورها الحاجة إلى الاتحاد السوفياتي. وهو ما دعاه لزيارة موسكو في 
تموز/يوليو عام 1967» لإقناع قادتها بأهمية توريد السلاح إلى مصرء إلى ما هو أكثر من مجرد 
توفير مقدرة الدفاع. 

القد لاحت في الافق إمكانية حدوث تغيير ما في سياسة الولايات المتحدة: المنحازة 
لإسرائيل كلياً. عقب رحيل جونسون عن السلطة وفوز نيكسون. وكانت وقاة 
الولايات المتحدة الاسبق وصهر نيكسون» مناسبة الأن ترسل القاهرة و: 








أيزنهاور» رئيس 








27 





قدم فوزي بعد عودته إلى جمال عبد الناصر تقريراً عن الزيارة قال فيه: ١إن‏ الموقف في 
واشنطن لم ينضج بعد للكلام الجاد». مشيراً إلى أن إدارة نيكسون ستنفذ ما وعد به جونون» 
من تسليم الدفعة الأولى من طائرات الفانتوم لإسرائيل» وأجمل بأن الإدارة الجديدة سوف 
تعكف على قراءة ملفاتهاء وبالتالي ما سيصدر عنها في هذه الفترة يكون مجرد انطباعات» لكن 
الذي لفت نظر فوزي هو ذلك الخلاف الذي بدا له بين 8 
الرئيس للامن القومي هئري كيسنجر. إن تحليل فوزي كان 
















وأكد اعتقاد جمال عبد الناصر بأن الحل السلمي لا يمكن له أن يحقق مراء تواكب مع 
فرصة للعمل العسكري النشيط» تساعد على تحقيق عدة أهداف منها: زيادة تعبئة الرأي العام 


المصري والعربيء ولفت أنظار العالم إلى خطورة الازمة. واحتمالاء 
إسرائيل وحكومتها الجديدة؛ فضلاً عن تطعيم القوات المصرية بتجربة النار, والتمهيده 
واستعادة دروس العمليات لمصلحة العملية الكبرى. 

إن التفكير في هذه العملية الكبرى كان قد بدأ فعلاً مذ عودة جمال عبد الناصر من 
الاتحاد السوفياتي في تموز/يوليو 1967 وعندما بدأت شحنات الأسلحة السوفياتية 
وكتب جمال عبد الناصر خطوط توجيه استراتيجي لخوض معركة: 

١‏ تقتضي عبور قناة السويس بالقوة والتمسك برؤوس كباري في الشرق. 

2- تؤدي إلى إلحاق خسائر بشرية كبيرة في القوات الإسرائيلية (لآن نزيف الدم هو وحده 














الذي يزعج إسرائيل). 
3- تطول أسابيع؛ ولا تنتهي في مجرد أيام؛ لأن إسرائيل لا تحتمل بقاء حال التعبئة العامة 
طويلاً. 


4 - تعطي بطول مدتها فرصة لتعبثة الرأي العام العربي. ولفت انتباه الرأي العام العالمي. 

كانت أمام جمال عبد الناصر. منذ نهاية عام 1968 بداية خطوط لعمل واسع على الجبهة.. 
وكانت عملية اختبار هذه الخطوط ومحاولات التدريب عليهاء قد بدأت فعلاً عندما تحولت 
معارك المدافع: التي لم تتوقف على جبهة القتال. إلى عمليات عبور محدود إلى الضفة الأخرى 
من القناة» تدخل إلى المواقع» وتواجه تحصيناتهاء وتشتبك مع قوات العدوء وتتعرض لدورياتها. 

وعندما لاحت أمام جمال عبد الناصر الشواهد تقنعه بأن يترك الأزمة واحتمالات حلها سلمياً 
في نيويورك زاد اقتناعه بأن جبهة السويس. وليست جبهة نيويورك؛ هي الجبهة التي تستحق 
أكبر قدر من التركيز. ويناء على ذلك تزايدت كثافة العمليات العسكرية واتسع نطاقها. وني 
الأيام الأخيرة من شهر نيسان/أبريل عام 1969 كانت الجبهة على امتداد 175 كم مشتعلة بالنار؛ 


28 


ودخلت قوات وصل حجم بعضها إلى مجموعة كتيبة حتى منطقة ممر متلا. كان عبور قوات 
بحجم كتيبة كاملة؛ ووصولها إلى ممر متلاء إشارة واضحة إلى القيادة الإسرائيلية بأن الجبهة 
المصرية أصبحت قادرة على ما هو أكثر من معارك المدافع التي أصبحت حياة كل يوم. كما 
أنها أخطر من عملية إغراق المدمرة ات». بصاروخ بعيد المدىء فالقتال الجاري يحدث عن 
0 اتل قوات على الأرضء وليس مدافع يجري التراشق بها من بعد مسافات» أو 
صواريخ تتطلق من قارب سريع يكاد لايظهر حتى يخفي. ومع الأهمية الكبرى لتراشق المداقع 
ولإغراق المدمرة «إيلات» فإن عمليات العبور إلى سينا مثلت نقلة إمكانات الجيش 
المصري على القتال المباشر. 

في هذه الأوقات فإن التركيز الجوي الإسرائيلي على الجبهة المصرية كان مقلقاًء وأرادته 
إسرائيل عنيفاً لإقناع القيادة المصرية بعدم جدوى عمليات العبور إلى سيناء. وأن الإصرار عليه 
يكلف القوات المصرية خسائر مضاعفة. وردت مصر بخطوة مضادة» فقد راحت تبني قواعد 
الصواريخ المتطورة على طول خط الجبهة حتى يمكن حمايتها من غارات الطيران. 

من ثم ففي عام 1969 وصلت القوات المسلحة إلى توازن قوى مع إسرائيل: وفي عام 1970 
قدم جمال عبد الناصر أكبر دعم استراتيجي إلى القوات المسلحة؛ متمشلاً بصفقة كانون الثاني/ 
ينايرء لمصلحة الدفاع الجوي. الذي نجح في إقامة أضخم حائط صواريخ في العالم؛ وأكثرها 
تقدماًء الذي نجح في تحدي الطيران الإسرائيلي؛ السلاح المتفوق الوحيد لدى إسرائيل.وأدركت 
إسرائيل أن جمال عبد الناصر نجح بسياسته. وجهد القوات المسلحة» في إقامة حائط الصواريخ 
بطول المواجهة غرب قناة السويس. وهو وضع يمكن مصر من بدء الهجوم على إسرائيل عبر 
القناة في أي وقت يقرره. 

وما زاد من إدراك إسرائيل والولايات المتحدة أن الوضع السياسي والعسكري قد انعكس 
اإكلة العرذة عم اكات ني جيرا توي وام + 196ل سنن سكن اجسال عيذ الناسير من حب 
الأمة العربية للحرب القادمة مع إسرائيل وراعيه الأمريكيء فضلاً عن بناء علاقات استراتيجية 
مع الاتحاد السوفياتي. وكان وجود وحدات عسكرية من الاتحاد السوفياتي بكثافة في مصرء 
وتطور قا ات القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي. أثره في 























تغبير ميزان القرى مع التعاون الاستراتيجي مع الحليفة سورية. 
في 22 كانون الثاني /يناير 1970 كان جمال عبد الناصر في موسكوء يجرى لقاء من أكثر 






ر فيه. وبالفعل فإن ما حققه في هذه الزيارة كان هائلء ومختلفاً جوهرياً عن 
كل ما سبقى: حقق الدفاع عن العمق من خلال الطائرات والصواريخ السوفياتية التي ستأتي إلى 


2 


مصرء وأهم من ذلك أن تصعيداً مهماً طرأ على حركة المواجهة... كانت المواجهة حتى الآن 
.بين قوتين إقليميتين في المنطقة. مع وجود القوتين الأعظم في خلفية الصورة. والآن تحولت 
المواجهة كاحتمال صدام بين القوتين الأعظم. لا يريده أحد ولا يستطيعه. وهذا كفيل بتحريك 
الأمور سياسياًء إذا استطاعت مصر أن تتصرف بحكمة وحذرء ومن موقف القدرة. 

هكذا قفي ظرف شهر كانت أسراب الطيران السو تمركزت في قواعد جديدة» غرب 
الدلتاء وفي قلب الصعيد. ثم بدأت بطاريات الصواريخ السوفياتية تأخذ مواقعها. ويوم 18 
نيسان/أبريل عام 1970 توقفت إسرائيل تماماً عن غارات العمق؛ وكان واضحاً أن الأزمة انتقلت 
من الدائرة الإقليمية إلى الدائرة العالمية. 












له الجبهة السياسية 

في إطار متابعة «التركة» التي خلفها جمال عيد الناصر. يوم رحيله؛ ووجدها السادات أمامى. 
عندما تولى مقاليد الحكم: تنبغي الإشارة إلى توجهات جمال عبد الناصر بشأن إجراء مفاوضات 
سياسية مع إسرائيل» سواء قبل عدوانها في عام 1967 أو بعده؛ للمقارنة مع توجهات السادات 
بهذا الشأن. 

لقد ظل من أهم أهداف إسرائيل هو انتزاع الاعتراف بها من جانب أكبر دولة عربية هي 
مصر. لذلك فإن محاولات إسرائيل تحقيق هذا الهدف لم تتوقف؛ حيث سعت إلى الاتصال 
بالساسة المصريين قبل قيام ثورة 23 تموز/يوليو عام ١1952‏ وبعدها. 

افقد سبق لإسرائيل أن حاولت الاتصال بشخصيات مصرية مثل حسين سريء وأحمد عبود 
المالي الكبير» وإسماعيل شيرين مستشار الملك فاروق» وبساسة مقرّيين من حزب الوفد أمثال 
محمود أبو الفتح صاحب صحيفة المصري. 
ناتنغ أنه جرت اتصالات 











جمال عبد الناصر وموشيه شاريت في عام 
1953 من طريق المكتب الصحافي التابع للسفارة المصرية في باريس. ومن طريق غيره من 
قنوات الاتصال بين الحين والآخر. لكن يبدو أن ما أورده ناء غير صحيح وغير واضحء فهو لم 
يوضح على سبيل المثال: من هو الطرف الذي اتصل بالطرف الآخر؟ وهل استجاب جمال 
عبد الناصر لما كان يطرحه موشيه شار يت؟ أم أن ما جرى كان في إطار إيصال رغبة من الطرف 
الإسرائيلي إلى جمال عبد الناصر. شأنها شأن الكثير من المحاولات. 

لقد أزاح محمد حسنين هيكل ذلك الغموضء وصحح الخطأ الذي ورد في كتاب ناتتغ 
حول اتصالات ثورة تموز/يوليو عام 1952 بإسرائيل؛ معتمداً في ذلك على الوثائق الإسرائيلية: 








3 


وعلى الوثائق المحفوظة في رئاسة الجمهورية؛ حيث يقول: «والذي حدثء كما تروي الوثائق 
الإسرائيلية. هو أن أحد مستشاري سفارة إسرائيل في باريس سلّم للوزير المفوض المصري علي 
شوقي خطاباً من بن غوريون إلى اللواء محمد نجيب» وعندما وصل الخطاب إلى القاهرة - 
وكانت وزارة علي ماهر هي القائمة بأمور الحكم فيها خلال الشهور الثلاثة الأولى ‏ كان قرار 
علي ماهر. بعد التشاور مع محمد ن وعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة» ينهم جمال 
عبد الناصرء هو أن هذه المحاولة الإسرائيلية لا ينبغي الرد عليها. ذلك أن الرد بأي جواب يعني 
الدخول في حوار مع إسرائيل لا يريده النظام الجديد. ولا يستطيع تحمل عواقب رض 
الصريح قد يثير على الجانب الآخر ما لا لزوم لإثارته. وبخاصة في هذا الوقت المبكر من عمر 
النظام الجديد. وهو في كل الأحوال مشغول بفتح باب المفاوضات مع الإنكليز من أجل 
الجلاء. وليس في مصلحته أن تتقاطع الخطوط وتتداخل بأي شكل في حوار مهما تكن طبيعته 
مع إسرائيل». 

أما وجه الغرابة كما يراها هيكل: فيتمثل ب أن الوثائق الإسرائيلية تواصل الإشارة إلى 
اتصالات ورسائل يجري تبادلها بين القاهرة وتل أبيب مروراً بباريس. ربما أضفت أنني أعرف 
عن تحقيق جرى في شأن ذلك اللغز عندما بدأت بعض حكايات تتسرب إلى أسماع الحكومة 
الأمريكية» في الظروف التي كثف فيها الرئيس أيزنهاور مساعيه النشيطة لتحقيق سلام في الأرض 
المقدسة». 












ام حدث في تلك الفترة. أواخر عام 1954؛ أن روبرت ماكلوي المبعوث الشخصي للرئيس 
أيزتهاور سأل في القاهرة عن نقطة معيئة قال إنها وردت في سياق رسائل متبادلة 
أبيب من طريق باريس. وبدا ذلك في القاهرة مبعث دهشة وحيرة: ثم تقرر إجراء بحث تطور 
إلى ت منه أن بعض «الشطار» من المصريين في باريس قاموا بعملية لحسابهم 
الشخصي. ووفق تقرير مكتوب ومحفوظ في ملفات رئاسة الجمهورية في مصرء وفي هيئة 
المخابرات العامة أيضاً. فقد ظهر أن هؤلاء «الشطار» تطوعوا لعمل سياسي لا يدخل في 
اختصاصهم. ثم أقنعوا بعض الجهات في مصر وقتها بأنهم تمكنوا من تجنيد دبلوماسي مهم 
بالسفارة الإسرائيلية في باريسء وأنهم حصلوا منه على معلومات سرية» في مقابل مبالغ 
يدفعونها له. وعلى الناحية المقابلة فإن ذلك الدبلوماسي الإسرائيلي جرى إيهامه بأنه فتح خط 
اتصال مع القاهرة. ودار كلام وطارت مبالغ حولتها المخابرات المصرية وقتها إلى باريس 
المصلحة «عملية مهمة». ثم تبين في النهاية «أنها أحلام صغيرة على ناحية» وأوهام كبيرة على 
الناحية الأخرى!». «ووجد جمال عبد الناصر نفسه مضطراً إلى إبلاغ ماكلوي أن ما وصل إليهم 
عن اتصالات تجري في باريس «هجص» (حسب تعبيره) لا أساس له. ثم يعترف بأن بعضهمء 











3 


السوء الحظء وجدها وسيلة الزيادة دخمله. والاستمتاع بمباهج الحياة أكثر في باريس. وأن 
ها. ثم أوضح جمال عبد الناصر للمبعوث الأمريكي ماكلوي 
أنهم ‏ يقصد الولايات المتحدة ‏ كان يجب عليهم أن يستدلوا بالمنطق العادي أن نظاماً قام 
على حركة بدأت من القوات المسلحة» وبدأت كرد فعل لتجربة حرب فلسطينء التي شارك فيها 
عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة» كان مستحيلاً عليها استحالة كاملة أن تقترب» وفي بداية 
أيامهاء من أية مغامرة إسرائيل وراء سيناء» وبخاصة أن أمامها أزمة مع الإنكليز الذين يحتلون 
ضفاف قناة السويس»"", 

القد رفض جمال عبد الناصر أي شكل من أشكال الاتصال بينه وبين قادة إسرائيل» كما أن 
جميع الوساطات التي سعى إليها كل من النائب العمالي البريطاني ريتشارد كروسمان» ومحاولة 
الإدارة الأمريكية في عقد لقاء بب: بن غوريونء أو أي لقاء على أي مستوى. قد لقيت نفس 
الرفض. حتى بعد أن تراجع المطلب الأمريكي إلى مطالبة جمال عبد الناصر بأن يكتب خطاباً 
موجهاً إلى الرئيس الأمريكي أيزنهاور» في الوقت الذي يكتب فيه بن غوريون خطاباً موجها إلى 
أيزنهاور» ما يوفر الفرصة في البحث عن نقاط الخلاف أو التقارب. 

ولقد جرت محاولات من قبل رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي كوسيغين» وناحوم غولدمان 
مستعيناً بوساطة الرئيس اليوغوسلافي تيتوء كما ترد اسم هنري كورييل الذي ترأس أكبر 
الأحزاب الشيوعية في مصر (حركة حدتو) ثم جاء عمدة فلورنس هو الآخر ليتوسطء بعدها كان 
الدور على الرئيس الروماني تشاوشيسكو. وهكذا رغم تعدد المحاولات فإنها لم تحقق أي 
تقارب أو لقاء بين ثورة تموز ايوليو وإسرائيل... فقد ظل جمال عبد الناصر على موقفه. 

ويذكر أحمد بهاء الدين في كتابه ب محاوراتي مع السادات. أن موشيه دايان قد أرغم 
واحداً من الشخصيات الفلسطينية وهو قدري حافظ طوقان. من زعماء الضفة الغربية. على 
حمل رسالة إلى جمال عبد الناصرء يعرض عليه فيها: «أن الروس لن ينفعوه؛ وأن الولايات 
المتحدة لن تنفعه. الروس لن يعطوه سلاحاً يتفوق على السلاح الأمريكي» يمكُنه من هزيمة 
إسرائيل. والولايات المتحدة لم يعد لديها قوة ضغط على إسرائيل كما يتوهم. مهما فكر في 
زلات يعطيها للولايات المتحدة. وأن إسرائيل تعرف تماماً أن القوتين العظمين لا مصلحة 
الإحداهما في إيجاد حل سلمي ينهي الصراع. وأن الولايات المتحدة وروسيا على السواء تحاول 
كل منهما استخدام إسرائيل لتحقيق مصالحهما في إطار صراعهماء وأن متاعب إسرائيل 





إجراءات مناسبة قد تم 































عن: محمد فزاد المغازي, 
شبكة الإنثرنت بتاريخ 23 شرين الأول /أكتوير 3007. 


32 


وشكوكها في أهداف الولايات المتحدة لا تقل عن متاعب جمال عبد الناصر وشكوكه في 
أهداف روسيا. قل لجمال عبد الناصر أن يجرينا مرة وا. ن 
اللشك فينا كإسرائيلينء لكننا تعلمنا الكثير كما تعلم هو الكثيرء إ: 








ندعوه بكل قوة وصدق أن 









يجرب التفاهم مباشرة معنا دون أي وسيط سراً أو علناً! على مستوى عسكريين أو مدنيين! على 
مستوى وزراء أو سفراء! بل على مستوى أصغر موظفين في أبعد سفارتين لنا في العالم! المهم 
أن يحاول أن يجربنا مباشرة وبجدية. الولايات المتحدة وروسيا معاً لن تعطياه أي شيء؛ نحن 





وحدنا الذين نعطيه ما يشاء! ولا سبيل لذلك إلا الاتصال المباشر بدون أي طرف 

كان موقف جمال عبد الناصر الرافض لأي اتصال سري مع قادة إسرا رأثي قائماً على إدراكه 
أن تلك المحاولات من شأنها أن تلحق أضراراً بالعلاقات ين مصر والكثير من البلدان العربيق 
واعتبر: «أن منطق أي لقاء سري مستبعد. والأفضل منه. إذا كان هناك شيء يستحق. أن تكون 
الأمور كلها علنية. لا يخفى منها شيء على الرأي العام العربي». 

القد أجرى بهاء الدين مقارنة بين منهجين متناقضين للاتصال والتفاوض مع إسرائيل. الأول 
يمثله جمال عبد الناصر. والثاني يمثله السادات. فمع جمال عبد الناصر كان الإسرائيليون على 
استعداد لتقديم تنازلات؛ وإعطاء جمال عبد الناصر ما يريد رغم وجود سيناء تحت الاحتلال» 
في الوقت الذي لم يحصل فيه السادات على الكثيرء رغم ما حققه المصريون من نصر عسكري 
في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973. كما أ. بهاء الدين أن الرسالة التي أرسلتها 
إسرائيل إلى جمال عبد الناصرء عبر قدري حافظ طوقان قد أوصلت نفس مضمونها إلى 
السادات وأنه اقتنع بهذا القول. وهو المنهج نفه الذي سيؤكده لاحقاً إسماعيل فهمي ني 
مذكراته» بشأن الاتصالات بين بيغين والسادات. التي قادته أ زَ 
بهاء الدين بين محتوى الرسالة: وبين ما طرحه السادات في مياة شباط /فيراير عام 1971 

أما بعد عدوان عام 1967؟ فقد بدآت الجهود الدبلوماسية من الولايات المتحدة عندما 
شعرت أن مصر عازمة على خوض معركة التحرير بالقوة. مهما كانت التضحيات. وحرصاً منها 
ير ل شه 
بوصفها قاعدة 
من القتال. الذي أثر تأثيراً قاتلاً في إسرائيل. 

في هذا المناخ تحركت محاولات البحث عن حل. :إذامجموعة من الرلاين المتكوريا 
والمتاحة للجميع؛ عن عروض «السلام» الأمريكية - الإسرا 
عام 1967 تؤكد بوضوح أن سيناء لم تكن أبداً با للصراع العربي الإسرائيلي» فلم يعدسر 
الآن أن إسرائيل والولايات المتحدة حاولنا باستماتة إغواء جمال عبد الناصر بقبول صلح منفرد» 
































33 


مقابل استعادة سيناء كاملة» وبدون أية قيودء بشرط الخروج من الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» 
والتعهد بإنهاء حال الحرب مع إسرائيل.وفيما يأتي بيان بهذه العروض: 

أولاً. كانت البداية في 9 آب/أغسطس عام 1967. أرسل الرنيس الأمريكي جونسون رسالة 
إلى الرئيس اليرغلافي تيتوه لنقلها إلى جمال عبد الناصرء يعرض جونسون في رسالته إنهاء 
حال الحرب مع إسرائيل» والسماح للسفن الإسرائيلية بالمرور في قثاة السويس ومضيق تيران 
مقابل إعادة سيناء إلى مصرء وكل ذلك بدون مفاوضات مباشرة بين مصر وإسراتئيل» وبدون 
اعتراف مصر بدولة إسرائيل؛ والتطبيع في شتى المجالات معهاء وبالطبع دون زيارة القدس 
المحتلة؛ وإلقاء خطاب في الكنيست. وفوق رأس رئيس مصر عبارة: «من النيل إلى الفرات 
ملكك يا إسرائيل». وبدون الانتصار المجيد في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973. وقد 
رفضه عبد الناصر لأنه حل جزتيء وأصر على حل شامل للصراع العربي ‏ الإسرائيلي؛ يشمل 
عودة كل الأراضي العربية التي احتّلت في حرب عام 1967. ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني 
في وطنه. 

وفي مؤتمر القمة العربية بالخرطوم في 29 آب/أغسطس عام 1967 حدد جمال عبد الناصر 
معالم المعركة القادمة عندما قاد المؤتمر لإقرار «اللاءات الشهيرة» في مواجهة إسرائيل: 
ال صلح... لا تفاوض... لا اعتراف... لا تصرف في القضية الفلسطينية' 














ثانيأء في أثناء المباحثات في الأمم المتحدة بشأن قرار مجلس الأمن الرقم (242)» عام 
67 يقابل وزير خارجية مصر محمود رياض ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة آرثر 
غولد بيرغ الذي يطلب من رياض نقل عرض جديد من جونسون إلى جمال عبد الناصرء ينص 
على الآني: انسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية (سيناء)» مقابل احترام مصر لسيادة 
إسرائيل والإقرار لها بالملاحة في قناة السويس ومضيق تيران.ويلاحظ هنا أن عرض جونسون 
لم يتضمن شرط الاعتراف بدولة إسرائيل.كان رد رياض هو أن مصر ترفض الحديث عن أي 
انسحاب خاص بسيناء فقط» لأن سياسة مصر ترتكز على الحل الشامل للصراع العربي - 
الإسرائيلي» بمعنى أنها حين تتحدث عن انسحاب إسرائيلي تعني انسحاب إسرائيل من كل 
الأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967. وعندما يقول غولدبرغ: «لكننا سنعيد لكم 
سيناء». يرد رياض: «لن نسمح بإعطاء إسرائيل مكاسب إقليمية مكافأة لها على عدواتهاء ولن 











34 


وعندما صدر ذلك القرار في 22 تشرين الثاني /نوفمير عام 41967 يسجل عيد الغني الجمسي 
في مذكراته؛ بعنوان: حرب أكتوبر ‏ مذكرات الجمسيء قول جمال عبد الناصر أمام مجلس 
الوزراء: «إننا سوف نتعاون مع يارنغ» برغم إيماننا من الآن بفشله في مهمته. وسنستمع إلى 
الولايات المتحدة برغم أنها تريد الآن أن تجعلنا ندخل غرفة مظلمة» اسمها التفاوض بشأن 
القرار 242. إننا سوف نتعاون مع الشيطان نفسه. ولو لمجرد إثبات حسن النية. لكننا نعرف من 
البداية أننا نحن الذين سنحرر أراضينا بقوة السلاح» وهي اللغة الوحيدة التي سوف تفهمها 
. فلتساند أمريكا إسرانيل في غزوتهاء ولتحاول كلتاهما أن تصفي القضية الفلسطيية. 

دا أننا لم نهزم في الحرب» طالما أننا لم نتفاوض مع إسرائيل ولم نوقع صلحاً 
معهاء ولم نقبل تصفية القضية الفلسطينية»8, 

ثالثاً: في عام 1968 رفض جمال عبد الناصرء رفضاً باناء أي حل جزني للصراع العربي - 
الإسرائيلي. كما عرض ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل بعودة سيناء إلى مصر عام 01968 
مقابل سلام منفرد مع إسرائيل» وأصر على عودة كل الأراضي العربية المحتلة معاً. 

رابعاً في 2 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1968 جاء العرض الثالث الأمريكي؛ وكان أول 
مشروع رسمي تقدمه الولايات المتحدة لمصر. عندما قدم دين راسك وزير خارجية الولايات 
المتحدة مشروعه من أجل السلام؛ تتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية المحتلة 
بالكامل» ويتضمن سبع نقاط هي: 

١‏ انسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية بالكامل؛ 

2- إنهاء حال الحرب بين مصر وإسرائيل؟ 

3 - يتبع ذلك فتح قناة السويس للملاحة الإسرائيلية؛ 

4 حل مشكلة اللاجنين الفلسطينيين؛ على أساس سؤال كل لاجئ» بطريقة سرية وبصفة 
شخصية» عن مدى رغبته في العودة إلى فلسطين؛ وفي حال رفضه فله أن يختار أي يلد يريد أن 
يذهب إليه. دون أن يشكل ذلك ارتباطاً مسبقاً على تلك الدول؟ 

5- تمركز قوات دولية في شرم الشيخ» على ألا تنسحب إلا بقرار من مجلس الأمن أو 
الجمعية العامة للامم المتحدة؟ 

6- التفاهم حول مستوى التسليح في المنطقة؛ 

7- توقبع مصر على وثيقة تتضمن هذه الالتزامات. وكذلك إسرائيل. 
























(12) الجمسي؛ المصدر نة 


صن 175 


35 


وهذا العرض أيضاً بدون اعتراف رسميء وبدون مفاوضات مباشرة وبالطيع يدون زيارة. 
. وعندما يتساءل رياض عن مصير الغربية والقدس والجولان؟ يرد عليه 
راسك: إنني أتحدث الآن مع وزير خارجية مصر. وهنا رفض رياض المشروع على الفور. لأنه 
حل جزتي للصراع العربي ‏ الإسرائيلي» ويخالف سياسة مصرء فيطلب منه راسك أن يعرض 
المشروع على جمال عبد الناصرء قبل اتخاذه لقرار خطير كهذاء برفض عودة سيناء لمصر. 

وفي 968/1١6‏ أثناء اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي. أعلن جمال عبد الناصر 
رفض مصر لهذا المشروع الأمريكي ‏ الإسرائيلي الذي عذّه حلاً متفرداً واستطرد في القول: 
"لو ركزنا الحل على انسحاب إسرائيل من سيناء» وتركنا بقية الأراضي العربية المحتلة» فإن 
تلك هي الخيانة بعينهاء لقد قبلنا قرار مجلس الأمن الرقم (242) من أجل الحصول على 
الوقت الكافي لإعادة بناء قواتنا المسلحة, وأنا شخصياً غير مقتنع بالقرار؛ لأن إسرائيل لا تفهم 
غير نحن ملتزمين بعدم إنهاء حال الحرب مع إسرائيل طالما هناك شبر واحد محتل 
من أراضينا العربية» وحتى لو تعهدنا بإنهاء حال الحرب؛ سيكون التعهد معلقاً بالانسحاب 
الإسرائيلي الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة» وأولها القدس؛ مع حل مشكلة اللاجئين 
الفلسطينينء لأن موافقتنا على قرار مجلس الأمنء الخاص بحرية الملاحة في قناة السويس» 
مرتبط بحل مشكلة اللاجنين الفلسطينيين؛ فإذا حلت مشكلة اللاجنين الفلطينيين حل 
مشكلة قناة السويس». وأضاف: «إن دور مصر العربي هو قدرها». ومن الجدير بالذكر أن 
عدداً من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي قد أبدى نوعاً من الاعتراض والتحفظ عن 
قرار مجلس الأمن الرقم (242)» لما يتضمنه من نصوص.ء قد تقود إلى الاعتراف بدولة 
إسرائيل» فكان رد جمال عبد الناصر: «لا بد أن تكونوا على بينة إننا سنحارب لتنفيذ هذا 
القرار» 0 

وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر عام 1968 تلقت الولايات المتحدة رد جمال عبد الناصر 
على مشروعها الرسمي للسلامء جاء فيه: «إن التزامات الدول العربية: المنبثقة من عضويتها في 
جامعة الدول العربية» وميثاق الدقاع المشترك؛ من جانبها في إطار الجامعة» يجعل أي عدوان 
ضد أي منها عدواناً ضد جميع الدول العربية لهذا فإن إنهاء حال الحرب من جانب الجمهورية 
العربية المتحدة (مصر) يتطلب انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العرب 
المشروع الرسمي الامريكي هو آخر عروض من الولايات المتحدة لمصرء في عهد جونون» 





























(13) محاضر اجتساعات اللجنة المركزبة للاتحاد الاشتراكي العربي؛ صفحة م#عددا3 على الاثترنت. 
(13) رياض. المصدر نقسه. صن 153 





36 


وكان مضمونه الأساسي هو انسحاب إسرائيل بالكامل من سيناء دون شروطه مقابل أن تفصل 
مصر نفسها عسكرياً وسياسياً عن اليلدان العربية الأخرى؛ ومصير أراضيها المحتلة. 

وفي حديث لرئيس وزراء إسرائيل ليفي أشكول مع مجلة نيوزويك» يقول: «خلال العقدين 
الأخيرين كررنا دائماً في إسرائيل قولنا بأننا مستعدون لمناقشة مشكلاتنا مع ناصرء إنني لا أزال 
مستعداً لأن أطير إلى القاهرة وأن أنحدث مع ناصر كمنتصرء لكني سأبلغه أن إسرائيل مستعدة 
لإعادة سيناء كاملة إلى مصرء وبدون أي قيد أو شرط» حيث إنه لم تكن لإسرائيل في أي وقت 
طلبات من أجل نزع سلاح سيناء» لكن بالنسبة إلى مرتفعات الجولان والقدس والضفة الغربية 
فإن إسرائيل ببساطة لن تتنازل عنهاء سنرد لناصر سيناء بدون شروطء مقابل أن يهتم بشؤون 
مصرء ولا يتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى»9". 

وبعد وفاة أشكول وتولّي غولدا مائير منصب رنيسة الوزراء في إسرائيل كررت نفس كلام 
سلفهاء عن استعدادها للطيران إلى القاهرة» والتفاوض مع جمال عبد الناصرء إذا وصلتها دعوة 
منه. بالطبع لم يرسل جمال عبد الناصر أبداً أية دعوة كهذه. لكن في 19 تشرين الثاني انوفمبر 
عام 1977 حطت طائرة السادات في القدس المحتلة» بعد أن أعلن عن استعداده لزيارة إسرائيل» 
إذا جاءته دعوة من بيغين رئيس الوزراء الإسرائيلي» الذي أرسل له الدعوة على الفور. 

خامساً. في 9 أيلول/سبتمبر عام 1969 يعلن وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز عن 
مشروع أمريكي جديد للتسوية السلمية بين مصر وإسرائيل» أطلق عليه «مشروع روجرزء 
يتضمن انسحاب إسرائيل إلى حدودها السابقة على حرب عام 1967 في سيناء بالكامل؛ مقابل 
اعتراف مصر بإسرائيل: وإنهاء حال الحرب» كما يتم إجراء مفاوضات بين إسرائيل والاردن 
بشأن الضفة الغربية والقدس ومشكلة اللاجنين الفلسطينيين. 

وقد جاء «مشروع روجرز» في ظل إدراك إسرائيل أن مصر وصلت إلى قدر كبير من التوازن 
الإقليمي في القوى. الأمر الذي جعل العرب يميلون بطبيعتهم وانتمانهم مرة أخرى إلى التضامن 
مع مصر. وفي يوم 9 تشرين الثاني /نوفمبر 1969 تلقى محمود رياض الرسالة الآنية من وز 
الخارجية الامريكي. بخصوص العرض الأمريكي الجديد, الذي عرف باسم: «مشروع روجرز»: 

«عزيزي السيد الوزير 

إنني أعرف أنك مهتم بالكيفية التي سيمكن بها مراعاة الجوانب الأخرى من التسوية العربية 
الشاملة» وأستطيع أن أؤكد لك بأنه لا توجد لدينا النية لمحاولة فصل الجانب المتعلق 


0 :(969ا احصمط؟ 17) يمار 


37 


بالجمهورية العربية المتحدة (مصر) عن الأجزاء الأخرى» فنحن نرى التسوية كما ترونها تسوية 
متكاملة وشاملة. إن المطلوب هو استجابة إيجابية من حكومتكم»”". 

يقول أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل عن «مشروع روجرز» إنه إعلان أمريكي صريح وقاطع 
بضرورة انسحاب إسرائيل إلى خطوط 4حزيران/يونيو عام 1967 على الجبهتين المصرية 
والأردنية وقد اعتبرته مائير بمثابة الكارثة. لذا أعلنت الحكومة الإسرائيلية رفضها «مشروع 
روجرز». لأن إسرائيل لن تقبل بحل شامل للصراع» لكن يمكنها القبول بعودة سيناء لمصرء 
مقابل خروج مصر من الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. 

وكان رد مصر على «مشروع روجرز» أنها لا تقبل حلاً جزنياً بأية حال من الأحوال» ويجب 
أن يكون الحل شاملاً انسحاب إسرائيل إلى حدود 4 حزيران/يونيو عام 1967 

النتذكر هذا جيداًء عند عرض وقائع جرت في عام 1969: أن مصر لا تزال تعاني آثار الهزيمة» 
وسيناء لا تزال محتلة» ورغم ذلك ترقض مصر باستمرار عودة سيناء فقط بدون شروط: دون 
عودة بقية الأراضي العربية المحثلة؛ وضمان حقوق الشعب الفلسطيني. 

وفي حديث أدلى به جمال عبد الناصر إلى جيمس رستون رئيس تحرير صحيفة نيويورك 
تايمزء يوم 1970/2/14 قال: «إنني لا يمكن أن أقبل إعطاء إسرائيل يوصة واحدة من الأراضي 
العربية» وإني أنظر إلى المسألة كمسألة في غاية البساطة» فإذا كان كل طرف يريد السلام» فنحن 
أيضاً تريد السلام. لكن ما الذي يعنيه السلام بالنسبة لنا؟ إن السلام يعني الانسحاب التام عن 
المناطق المحتلة ‏ كما سب أن قلت بما في ذلك القدس. ثم يتبع ذلك أن تعود إلى الشعب 
الفلسطيني حقوقه. في هذا الوقت وفي هذه الظروف يمكن أن يكون هناك سلام» ولن تكون 
هناك حاجة لوجود قوات دولية» ولمناطق منزوعة السلاح. لقد استمرت هذه المشكلة طوال 
عشرين عاماً؛ لأنه لم يكن هناك حل لمشكلة اللاجنين؛ وإذا ظلت هذه المشكلة بلا حل فإنها 
ستستمر عشرين عاماً أخرى. وأرجو أن تكون قد فهمتني. إنه من المهم أن نسأل أنفسنا دائماً: ما 
هو السلام؟ إنهم إذا جلوا عن المناطق المحتلة. وحلوا مشكلة اللاجنين الفلسطينيين؛ فإنه لن 
تكون هناك مشكلة. لماذا لم يكن هناك اعتراف بحق إسرائيل في الحياة كما تفول؟ لأنه كانت 
هناك مشكلة اللاجنين؛ وإذا استمرت مشكلة اللاجنين فلن يعترف أحد لإسرانيل بأي شيء*". 

سادساً. في يوم 12 نيسان/أبريل عام 1970 يقابل جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية 
الأمريكية جمال عبد الناصر, لكي يقدم له عرضاً جديداً للسلام؛ يتضمن تفهُم الولايات المتحدة 
الإصرار مصر على التسوية الشاملة للصراع؛ وتفهم رفضها لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل» 
























(16) رياض. المصدر تقيه. صن 154 


38 


وطلب سيسكو إعطاء الولايات المتحدة فرصة لإثبات حسن نياتهاء بأن تقبل هذا العرضء الذي 
ينص على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967. وقد وعد جمال 
عبد الناصر بدراسة المقترحات الأمريكية» والرد عليها في أقرب فرصة.وبالفعل في خطاب 
جمال عبد الناصرء في أول أيار/مايو عام 1970ء رد على المقترحات الأمريكية. تداء 
علني للرنيس الأمريكي نيكسون بأن على الولايات المتحدة أن ت 

أولهماء أن تأمر إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة كافة» مع تأكيد أن مصر 
تثق أن هذا في قدرة الولايات المتحدة. 

وثانيهماء إذا لم تأمر الولايات المتحدة إسرائيل بالانسحابء بزعم أنها لا تقدر. فسوف 
نصدقهاء لكن عليها في هذه الحال ألا تقدم لها أي دعم جديد. سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً 
أو سياسياًء ما دامت إسرائيل متمسكة بمواصلة احتلالها للأراضي العربية. وإلا اعتبرت شريكاً 
في الاحتلال» وفي جرائمها ضد العرب. 

كما حذر جمال عبد الناصر الرئيس نيكسون من عواقب استمرار الدعم الأمريكي السافر 
لإسرائيل. وتأثير ذلك في مستقبل العلاقات العربية ‏ الأمريكية. 

يقول عد الغني الجمسي في مذكراته. بعنوان: حرب أكتوبر ‏ مذكرات الجمسي: إن تصاعد 
حرب الاستنزاف. إلى جانب التطور الذي حدث في المنطقة بزيادة الوجود السوفياتي في مصرء 

فيانية الصديقة»”'. وهو عامل جديد لا بد أن تضعه الولايات المتحدة 

وجدت أنه من الضروري السعي لإيقاف النار بمبادرة أمريكية. ففي 
مقابلة وزير خارجية إسرائيل إيبان مع نيكسون في أيار/مايو عام 1970 حاول نيكسون معرفة 
موقف إسرائيل من «التغلغل السوفياتي» في مصرء فسأل السوفياتيء 
7 إسرائيل لا يزال كما هوء وسبق أن سمعته من السفير رابين» والذي قال فيه: أعطونا. 
الأسلحة والمعدات» وسئقوم نحن بالعمل؟». 

أسرع رابين بالرد: نعم. وعلّق نيكسون: حسناًء هذا ما كنت أريد معرفته. ثم انتقل إلى 
الحديث عن الغارات الإسرائيلية في عمق مصرء وقال: «لو كانت المسألة هي أنتم والمصريون 
فقط لقلت يجب أن يتحملوها. اضربوهم بقوة بقدر ما تستطيعون. إني أشعر بالارتياح في كل 
مرة أسمع فيها نتراقكم لأراضيهم؛ وضربهم أتفق معكم أن الاتحاد السوفياتي ومصر 
ضعاننا ‏ الولايات المتحدة وإسرائيل ‏ أمام اختبار. لكن المسألة ليست مصر وسورية فقطء 
أء وليس عندي أدنى شك في ذلك. ليس أمامنا خيار. يجب 





بين أحد موق 





















0 


أن نلعب اللعبة بحيث لانفقد كل شيء في الشرق الأوسط. إننا تريد مساعدتكم وعليكم أن 
تساعدوناء دون أن يقع أي ضرر عليكم أو علينا. إننا نقف إلى جانبكم عسكرياء لكن التصعيد 
العسكري إلى ما لا نهاية لا يمكن السماح به. يجب أن نقوم بعمل سياسي». 

وفي رأي رابين في تعليقه على ما دار في هذه المقايلة» أن «هذا التفكير الأمريكي كان خلف 
مبادرة روجرز في 19 حزيران/يونيو عام 61970"". فقد كان رد فعل الولايات المتحدة على نداء 
جمال عبد الناصرء في أول أيار/مايو عام 1970 أن كلف نيكسون وزير خارجيته روجرز مهمة 
الوصول إلى حل من أجل التسوية الشاملة للصراع العربي - الإسرائيلي. ثم حضر جوزيف 
سيسكو وكيل وزارة الخارجية» وقدم مذكرة الإدارة الأمريكية إلى مصر تشمل الآني: 

١‏ عدم إمداد الولايات المتحدة بطائرات الفانتوم إلى إسرائيل؛ 

2 التزام إسرائيل بالانسحاب من كل شير من الأراضي العربية المحتلة. مع ضمان حقوق 
الشعب الفلسطيني؟ 

3- لا مفاوضة مباشرة مع إسرائيل؟ 

4 إخراج بيغين من الحكومة الانتلافية الإسرائيلية «حكومة ماثير» إذا لم يوافق على الرأي 
الأمريكي. 

وتعتبر هذه «المذكرة» حرصاً من الولايات المتحدة على ضرورة وقف إطلاق النار يأي ثمن. 

أما رد قعل المشروع على مائير فقد اعتبرته «كارثة». وكان الجزء الخاص بفلسطين 
والفلسطينيين يمثل كابوسا لا يطاق بالنسبة إلى إسرائيل. 

وفي يوم 19 حزيران/يونيو عام 1970 جاء الرد الأمريكي الرسمي على النداء الذي وجهه 
جمال عبد الناصر إلى نيكسونء متمشلاً ب مبادرة روجرزء التي جاء فيها: 

١‏ - تعيّن كل من مصر وإسرائيل ممثلين لكل منهما في المناقشات التي ستدور تحت إشراف 
المبعوث الدولي غونار يارن رار مجلس الأمن الرقم (242) بكل أجزاته. 

2 هدف هذه المناقشات هو التوصل إلى اتفاق على إقامة سلام عادل وشامل بين مصر 
وإسرائيل» يقوم على الاعتراف المشترك بحق كل منهما في السيادة والاستقلال السياسي» 
والانسحاب الإسرائيلي من أراض تم احتلالها عام 1967» بما يتماشى مع القرار الرقم (242). 

3- موافقة مصر وإسرائيل على وقف إطلاق النارء لمدة ثلاثة أشهرء اعتباراً من أول تموز/ 
يوليو حتى أول تشرين الأول /أكتوبر عام 1970. 














(18) المصدر تقسه. صن 201-200. 


40 


وفي أثناء تسليم الرسالة قدم دونالد بيرغس. رئيس قسم رعاية المصالح الأمريكية في 
اعبت رسي إضارة من الكرية اريك 0 ترجو نن السكرية السيرة 








المفاوضات. والتي استكون غ غير مباشرة بل عبر وشلا 

يلاحظ أن ورود الإشارة إلى الانسحاب لأول مرة. ثم ربط ذلك الانسحاب بجدول زمنىء 
كان يعطي بادرة يمكن الالتفات إليها على أقل تقدير. وقبل جمال عبد الناصر بهذه المبادئ» 
وكانت حقائق الموقف الدولي والإقليمي. وعلى جبهة القتال وفي العمق. تسمح بذلك لاختبار 


فرص السلامء ثم الاستعداد لمرحلة تالية. ورأى جمال عبد الناصر أنه يتحتم عليه قبل بده مرحلة 
جديدة: أن يعود مرة أخرى إلى الاتحاد السوفياني» فقد كان يضع في تقديره طوال الوقت أن 
الاتحاد السوفياتي له حساباته كقوة عظمىء وأن مصر يتعين عليها أن تراعي ذلك وهي تجري 
النفسها حساباتها الخاصة؛ ومن الضروري أن تكون هناك مساحة لقاء بين الحسابات. 

سافر جمال عبد الناصر إلى موسكو يوم 29 حزيران/يونيوء في زيارة نجح فيها في عقد 
صفقة كبيرة من السلاح السوفياتي. أضافت إلى القوات المسلحة مجموعة جديدة من الصواريخ 
في منطقة القناة» فاجأت إسرائيل بإسقاطها صباح يوم 30 حزيران/يونيو أربع طائرات إسرائيلية. 
منها 2 فانتوم و2 سكاي هوك. إضافة إلى أسر 3 طيارين إسرائيليين. وفي الأيام الخمة التالية 
أسقطت خخمس طائرات أخرى» منها 2 فانتوم. 

وكما أشار هيكل في كتابه بعنوان: أكتوبر 73 السلاح والسياسة: فقد عدد جمال عبد الناصر 
دواعي قبوله مبادرة روجرزء عندما التقى القادة السوفيات في أول تموز/يوليو عام 1970؛ في 
أربعة أسباب: أولهاء أن نتانج زيارته الأخيرة للاتحاد السوفياتي في كانون الثاني/يناير أحدثت 
را في الموازين الاستراب مصر وبين إسرائيل, فالعمق المصري اليوم مداقع عن 
والجبهة في وضع أفضل كثيراً؛ وثانيهاء أن مصر لا تريد أن تتسبب في مواجهة بين الاتحاد 
السوفياني وبين الولايات المتحدة. فمصر لا تريد» لآن الاتحاد السوفياتي أعطاها سلاحاً أكثرء 
ووضع رجاله في خدمة الدفاع عن العمق» أن تصل المسائل إلى درجة من التوتر تفلت من زمام 














السيطرة؛ وثالئهاء أن مصر. بقيول المبادرة وما تنص عليه من وقف لإطلاق النار محدود بثلاثة 
أشهرء تريد أن تعطي لقواتها فرصة للحشد والتركيز والتقاط الأنفاس. لأنها حين تنتهي هذه 


الأشهر الثلاثة لا بد أن تكون في وضع يسمح لها بنوع آخر من العمليات. شيء آخر أكير من 
عمليات المدافع والاستنزاف والدوريات المحدودة؛ ورابعهاء أن مصر تريد استكمال إعداد 


4 


حائط الصواريخ على طول الجبهة, ليقدر على حماية القوات المسلحة في أية عمليات على 
الضفة الشرقية لقناة السويس*",. 

في التحليل المصري لهذه المبادرة» كان أبرز ما فيها أنها أعادت القضية إلى الأمم المتحدة» 
وأنها لم تكن عرضاً مقدماً لمصر وحدهاء إنما إطار مفتوح لكل الأطراف» وأنها أعادت المرجعية 
إلى قرار مجلس الأمن الرقم (242): وأنها أكدت لأول مرة تعهد الولايات المتحدة بضرورة 
انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية» رغم أنها مثل قرار مجلس الأمن تحدثت عن 
«أراض» محتلة. وليس عن «الأراضي» المحتلة. 

قبلت مصر المشروع بعد تعديله ليتفق مع الرغبات المصرية في وقف مؤقت لإطلاق النيران 
لمدة 90 يوماً. واتخذ جمال عبد الناصر القرار النهائي بعد أن استشار خمس قيادات دستورية 
في مصرء وكان السبب الواقعي للموافقة على المشروع هو: 

-١‏ تمكين القوات المسلحة من دفع حائط الصواريخ المتطور إلى الجبهة بطول قناة 
السويسء وقد تم ذلك بمهارة فائقة في الساعات الفاصلة قبل سريان وقف إطلاق النارء ليلة 
8-7 آب/أغسطس. ما كان محلاً لشكوى من إسرائيل. ومن الجدير بالذكر أنه عندما جرى 
إبلاغ جمال عبد الناصر فجر ذلك اليوم بتمام المهمة قال: لقد نجحنا في معركة التحرير! 

2 إعطاء فرصة هادئة للقوات المسلحة المصرية كي تستعد وتجهز تشكيلاتها الميدانية 
ومسرح العمليات لمعركة تحرير الأرض بالقوة عقب انتهاء فترة وقف إطلاق النارء 90 يوم 
بحيث يشمل هذا الإعداد التدريب القوي بالأسلحة المشتركة على جميع المستويات على 
العملية ٠جرانيت».‏ 














3 اكتساب جاتب الرأي العام العالمي أدبياً ومعنوياًء بعد قبول مصر وقف إطلاق الثار 
المؤقت» لإزالة الصخب الإعلامي المنتشر في العالم الغربي بأن مصر وجمال عبد الناصر 
يحاربون من أجل الحرب. 

4- اختبار صدقية الولايات المتحدة, التي قدمت المشروع وتبنته. في تنفيذه عن صدقء 
وهي في موقف الحياد بين مصر وإسرائيل» من خلال الامتناع عبن إمداد إسرائيل بالسلاج 
والطائرات. مع العلم أن جمال عبد الناصر كان يشك تماماً في صدقية الحياد الذي أظهره 
يكون 





.يم مشروع روجرز. 





محمد حستين هبكل. أكتوير 73: السلاح والسباسة (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة رالنشر 1993 
0 





42 


وفي يوم 22 تموز/يوليو عام 1970 سلم رياض رد مصر على «مبادرة روجرز» لرئيس قسم 
رعاية المصالح الأمريكية في القاهرة بيرغس» وقد تضمن الرد ارتباط الموافقة المصرية على 
«ميادرة روجرز» بنقطتين: 

الأولى؛ الانسحاب الإسرائيلي الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة؟ 

الثانية. التمسك بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني كما حددتها قرارات الأمم المتحدة. 

وفي مساء 23 تموز/يوليو أخطر سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية إسحق رابين سفير 
إسرائيل بالولايات المتحدة موافقة جمال عبد الناصر على «مبادرة روجرز». في داخخل إسرائيلء 
أثارت كلمة «الانسحاب» في «مبادرة روجرز» الانزعاج إلى حد الإسراع برفضها. وطبقاً لمحضر 
مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم 20 حزيران/يونيوء فإن مناحم بيغين» وزير الدولة في وزارة 
الانتلاف التي كانت تحكم إسرائيل في ذلك الوقتء قال مركزاً على كلمة الانسحاب: 
سنتين ونصف السنة ‏ أي من كانون الأول/ديسمبر عام 1967 حتى الآن. فإن الحكومة 
الاء امتنعت عن استعمال هذه الكلمة. ورفضتها باستمرار في كل ما تبادلته من أوراق مع 
السفير يارنغ ومع الحكومات المعنية. وقد حاول يارنغ وضع كلمة الانسحاب في ردودناء لكننا. 
رفضنا ذلك. وكثيراً ما طلب منا الأمريكيون أن نقولهاء وكثيراً ما أغلقنا آذاننا ورفضنا أن نسمع. 
إن خبراءنا توصلوا إلى تعبيرات استعملناهاء وأدت أغراضها بكفاءة في تجنب كلمة الانسحاب؟ 





















مثل «نشر القوات». و«إعادة نشر القوات». ثم ذكر بيغين زملاءه في مجلس الوزراء بأن أحد 
أعضاء المجلس سأل رئيس الوزراء؛ ليفي أشكول وقتهاء عن الفارق بين الانسحاب وإعادة نشر 
القوات. وقد رد عليه أشكول بقوا ذا قلنا كلمة الانسحاب فهي كلمة واحدة ملزمة» وإذا قلنا 


«إعادة نشرء أو إعادة تمركز القوات» فإن ذلك سوف يكون خاضعاً لمئة تفسير على الأقل. 
وأضاف ميادرة روجرز تعني لا فقط الانسحاب الإسرائيلي الكامل من سيناء. لكنها 
تعني أيضاً الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الضفة الغربية لنهر الأردن» مع ضمان حق 
الفلسطينيين في العودة أو التعويض عن فقدان وطنهم». وسادت وجهة نظر بيغين في اجتماع 
مجلس الوزراء» وأصبحت كلمة الانسحاب» سواء في «مبادرة روجرز» أو أية وثيقة أخرى. 
كلمة مرفوضة من وجهة النظر الإسرائيلية: كما سجل هيكل. في كتابه بعنوان: عواصف الحرب 
والسلام". 





(20) محمد حسنين هيكل, المفاوضات السربة بين الهرب وإسرائيل: ج 2: عواصف الحرب وعواصف السلا 
(القاهرة: دار الشروق. 1996). ص 165 وما بعدها. 


43 


من ناحية أخرى؛ لم يصمد رفض إسرائيل للمبادرة طويلاًء فقد تزايد كثيراً عدد الخبراء 
السوفيات منذ كانون الثاني /يناير عام 1970. ويقول هيكل بالأرقام إنه في يوم أول كانون الثاني/ 
يناير 1970 كان عدد الخيراء السوفيات طبقاً لتقديرات الاستخبارات الروسية يتراوح بين 2500 
و4000 خبير. وفي 31 آذار/مارس 1970 وصل العدد إلى ما بين 6560 و8080 خب 
ذلك في تقديرات المخابرات الإسرائيلية ما بين 10600 و2150١‏ خبيرا ", 





زادوا بعد 








وحسب قول دايان: فإنه رغم قدرات إسرائيل إلا أنه لا يريد أن تواجه الاتحاد السوفياتي بأي 
شكلء ولا أريد لطائراننا أن تواجه طيارين رُوسأ». يضاف إلى ذلك أن إسرائيل وجدت نفسها 
الاتستطيع أن مشروعاً قدمته الولايات المتحدة» فكان أن قبلت «مبادرة روء 
عليه توقف القتال في 8 آب/أغسطس عام 1970 لمدة 90 يوماً. وقد انهارت الحكومة الانتلافية 
في إسرائيل» عقب مواققة غولدا مائير على هذه المبادرة» وكانت قد خخلفت أشكول بعد وفاته. 

وعلى الجانب السياسي كانت «مبادرة روجرز» تعني انسحاب إسرائيل من كل شبر في سيناء 
وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس. وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة أو التعويض حسب 
رغبتهم. يقول محمد حسن الزيات» الذي كان يشغل منصب مندوب مصر الدائم في الأمم 
المتحدة آنذاك. إن جمال عبد الناصر عيّنه مندوباً لمصر في المباحثات النخاصة بمتابعة «مبادرة. 
» وقد أبلغه أن «مبادرة روجرز» تعني انسحاب إسرائيل من كل شبر في سيناء وقطاع غزة. 
والضفة الغربية بما فيها مديئة القدس» كما تعني حت الفلسطينين في العودة أو التعويضء طبقاً 
لقرارات الأمم المتحدة» وعندما يسأله الزيات عن الحد الأدنى للمطالب المصرية؟ يقول له 
جمال عبد الناصر: «حدنا الأدنى هو القدسء وحقوق الشعب الفلسطيني». 

كانت رؤية جمال عبد الناصر الاستراتيجية لجوهر الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» ومعرفته. 
الجيدة بأطماع إسرائيل» وأسلوب المؤسسة العسكرية الحاكمة بهاء هو ما وضح في خطابه 
الشهير يوم افتاح المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي» في 1970/7/22. حين قال: «لقد 
أصبح واضحاً أمامنا الآن جميعاء وبغير اسناء» مهما كان من أمر تنوع اجتهاداتنا السابقة» أنه لم 
يعد هناك بديل عن خوض المعركة لقد تركنا الابواب مفتوحة لكل محاولات الحل السلميء 
ولم نضع غير الشروط التي تطلبها حقوق الكرامة الوطنية بل وحقوق الأمن الوطني والقومي 
2 أبسط صورهماء لكن ذلك كله وحتى هذه اللحظة كان جهدا ضائعاً». وأضاف: «والتيجة 
التي يجب أن نستخلصها بأنفسنا ولأنفسنا من ذلك أنه لم يعد هناك طريق للخروج مما 
نحن فيه الآن إلا أن نشق طريقنا نحو ما نريد عنوة وبالقوة. فوق بحر من الدم؛ وتحت أفق 

















(21) المصبر تقس ص 167. 


مشتعل من الثار» ومهما بدت هذه النتيجة قاسية؛ بما تحمله معها من تكاليف وتضحيات,. فإننا 
لا نجد أمامنا غير ذلك بديلاً لنصون به الشرف والحياة والمستقبل جميعا. إن كل الذين كانوا 
يعتقدون في حل سلمي لم يعد أمامهم الآن ما يقولونه غير إعادة وتكرار وجهة النظر الأخرى 
القائلة منذ البداية «إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القرة»». 

الم يكن لدى جمال عبد الناصر أمل كبير في نجاح «مبادرة روجرز»» وحين أعلن قبولها فقد 
أعلن في نفس اللحظة أن أمله في نجاحها لا يزيد على نصف في المنة. لكن الواجب يفرض 





عليه أن يجرب. وفي الحقيقة فإن أكبر دوافعه إلى التجربة كان الحرص على استمرار الدعم 
السوفياتي وتكثيفه» وتوظيف ما يمكن توظيفه من إمكانات في مرحلة جديدة من صراع؛ كان 









يعرف أنه لا بد أن يكون عسكرياً عند نقطة معينة. وأن تلك هي الحجة الوحيدة التي تقنع 
إسرائيل. أما أكثر ما كان يهمه من قبول هذه المبا: دفع حائط الصواريخ إلى الجبهة. 
فطلب من الفريق أول محمد فوزي القيام بالوثية الأخيرة الحائط الصواريخ المصري حتى حافة 
السويسء بحيث تصبح تلك الوثبة أمراً واقعاًء مع بدء سريان قرار وقف إطلاق النار وفق 
«ميادرة روجرز». 

ثم أبلغ هيكل؛ القائم بأعمال وزير الخارجية إضافة إلى وزارة الإرشاد القومي. وكان يتولى 
ات وقف إطلاق النار مع روجرزء أن عليه أن يكسب ست ساعات إضافية؛ بعد الموعد 
المتفق عليه. في الساعة العاشرة مساءً بتوقيت غرينتش يوم 8 آب/أغسطس عام 1970 لكي 
يتمكن فوزي من إدخال مجموعة بطاريات الصواريخ إلى الجبهة» قبل أن يسري وقف إطلاق 
النار. مع الإشارة إلى أن هناك أيضاً دمى بطاريات صواريخ؛ وأغراض هيكلية» وسيتم استبدالها 
ببطاريات ونجحت العملية بمناورات متواصلة ترتب عليها تأجيل موعد وقف إطلاق 
النار عدة مرات؛ بذرائع مصرية؛ من الساعة (22:00) إلى الساعة (5:00). وبالفعل حقق أبطال 
القوات المسلحة المصرية تعليمات جمال عبد الناصرء بحيث أنه في صباح يوم 8 أغسطس/آب 
عام 1970 كان حائط الصواريخ منتصباً على الحافة الغرر السويس. وعندما جرى إبلاغه 
.بذلك فوراً كان تعليقه: «إذن لقد اتتصرنا في معركة التحرير». 

انهمت إسرائيل مصر بانتهاكها «مبادرة روجرز»» وتحريك قواعد حائط الصواريخ المصري 
حتى الحافة الغربية لقناة السويس» بعد سريان قرار وقف إطلاق النارء وكالعادة تبنت الولايات 
المتحدة وجهة النظر الإسرائيلية بالكامل. قامت إسرائيل بتقديم شكاوى ضد مصر إلى الأمم 
المتحدة. وفي يوم 5 تشرين الثاني /نوفمبر 1970 صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة 
ضد الشكاوى الإسرائيلية» بل ويشدد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل والمبكر من 
الأراضي العربية المحتلة. 





























45 


أعطى جمال عبد الناصر أوامره للفريق أول محمد فوزي بالاستعداد لشن معركة التحرير» 
فور انتهاء مهلة وقف إطلاق النار. في 1970/11/7. كما أكد سامي شرف سكرتير جمال 
عبد الناصر للمعلومات ووزير شؤون رئاسة الجمهورية الأسبق» أن جمال عبد الناصر في آب/ 
أغسطس عام 1970 وقع على خطط العبور «جرانيت!». و«جرانيت2» و«القاهرة 6200 
والأخيرة هي التي تعني الضوء الأخضر والنهائي لبدء تنفيذ خطط تحرير الأراضي المحتلة. بعد 
أن استكمل استعداداته لشن حرب التحريرء باكتمال حائط الصواريخ: وتحريكه حتى حافة 
الضفة الغر, السويسء حيث كان قرار شن حرب التحرير مسألة وقت. وبعد تأمين سماء 
مصر من الطيران الإسرائيلي بدأ العد التنازلي للحظة العبور. 
وووتهزز» عملة وشيكية املع حاط تاريخ الى 
الحافة الغربية لقناة السويس. ولالتقاط الأنفاس استعداداً لحرب التحريرء التي قال عنها جمال 
عبد الناصرء في جلة مغلقة للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في 1968/12/30 
ن شاء الله اليوم الذي تعبر فيه قواتنا المسلحة إلى شرق القناة» لتطرد العدو من سيئاء» 
ولن تكون المعركة هذه المرة معركة أيام ستة أو سبعة» لكنها ستكون معركة حاسمة وفاصلة في 
تحديد مستقبل المنطقة2", 

أغضب قرار جمال عبد الناصر قبول «مبادرة روجرزء الفصائل الفلسطينية» التي خشيت أن 
يكون قبول المبادرة مقدمة إلى سلام مصري ‏ إسرائيلي. وفي آب/أغسطس عام 1970 سافر وقد 
من قادة الفصائل الفلسطينية إلى الإسكندرية للقاء جمال عبد الناصر. ضم الوفد ياسر عرفات» 
فاروق القدومي. صلاح خلف. هايل عبد الحميد عن «فشح»» وضافي جمعان عن 
«الصاعقة». وإبراهيم بكر عن «المستقلين»» في الاجتماع قال لهم جمال عبد الناصر: ولا أقهم 
كيف تهاجمونني دون أن تقفوا على حقيقة بواعثي لقبول مبادرة روجرز؟ أنني موقن أن حظ 
المشروع من النجاح هو واحد بالألفء فإسرائيل لن تنسحب من كامل الأراضي العربية» وأنا لن 
أقبل بأقل من ذلك» بقبولي مبادرة روجرز أكسب وقت. لكي ننصب حائط الصواريخ على حافة 
قناة السويس» لكي أقضي على غارات الطيران الإسرائيلي» ولشن معركة تحرير أراضينا العربية 
المحتلة. والتي لن تتأخر تحت أي ظرف عن ربيع عام 61971. 

هذا ما تخبر به الوثائق عن عروض «السلام» الأمريكية والإسرائيلية لمصر بعد هزيمة عام 
7.. لم تكن سيناء عقبة على الإطلاق» بل كانت مطروحة باستمرار للمقايضة: تعيد إسرائيل 
سيناء لمصر بدون شروط مقابل خروج مصر من الوطن العربيء والقضاء على القومية العربية. 








كان قبول وقف إطلاق الثار وفق ”" 



















(22) محاضر اجتساعات اللجنة التتفيذية العلبا للاتحاد الاشتراكي العربي. صفحة +عهال3 على الانترنت. 


46 


وانكفاء كل دولة عربية على نفسهاء وتفكيك مصر لاقتصادها الوطني» وعمليات التصنيع» 
ومشروعات التسليح. وبرنامج الصواريخ. والبرنامج النووي المصريء. وتدخل ضمن المنظومة 
الغربية. كانت تلك هي الصفقة الأمريكية ‏ الإسرائيلية التي رفضها جمال عبد الناصر رغم 
الهزيمة. لقد حققت إسرائيل عسكرياً أكثر من المتوقع منهاء في المخطط الأمريكي لحرب عام 
7 وكان المنتظر بعد تلك الهزيمة الساحقة أن يسقط نظام جمال عبد الناصرء بكل توجهاته 
السياسية والاقتصادية والاجتماعية» بفعل الهزيمة. ورسم خريطة جديدة للوطن العربيء تسيطر 
عليها نظم موالية للمشروع الإمبراطوري الأمريكي. ومن المفارقات البارزة أن إسرائيل قد حققت 
أكبر انتصار عسكري في تاريخها من حدود كانت تعتبرها غير آمنة عام 1967ء بينما نزلت بها 
أقسى هزيمة في تاريخها من حدود اعتبرتها آمنة عام 1973! 

لكن رفض الشعب المصريء والشعوب العربية؛ استقالة جمال عبد الناصرء يومي التاسع 
والعاشر من حزيران/يونيو 1967ء بعد أن أعلن تحمُّله للمسؤولية الكاملة عن الهزيمة: أجهض 
المخطط الامريكي ‏ الإسرائيلي. وهنا توقعت الولايات المتحدة أن ما حدث كان فورة عاطفية. 
ستنتهي فور تكشف مدى الهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية» وأن نظام جمال عبد الناصر 
سيسقط لا محال» خلال مدة لن تزيد على ستة أشهر بعد الهزيمة» لكن جاء مؤتمر القمة 
بالخرطوم. في 29 آقب/أغسطس عام 1967.ء بمثابة مبايعة جديدة لقيادة جمال عبد الناصر لكي 
يستمر في نهجه المقاوم للمشروع الأمريكي ‏ الإسرائيلي في المن استقبل الشعب 
السوداني جمال عبد الناصر بصورة أسطورية لا توصفء وبخاصة أنها كانت أول زيارة له 
القطر عربي بعد الهزيمة» وبعد أن تكشفت أبعادهاء وما دار في ميادين القتال» كان ذلك 
الاستقبال من مئات الألوف من أبناء الشعب السوداني هو الحدث الأول إعلامياً في العالم 
وقتهاء وقد نشرت كل الصحف العالمية؛ في صدر صفحاتها الأول ى/تغطية للاستقبال» 
وصور التفاف الشعب السوداني حول جمال عبد الناصر. ونشرت مجلة نيوزويك على غلافها 
صورة جمال عيد الناصر محاطاً بآلاف السودانيين. وكتبت تحتها: «المجد للمهزوم.. هذه أول 
فيها استقبال قائد مهزوم بأكاليل الغار كا انحين والمنتصرين»!» وفي هذا 

خرج المؤتمر باللاءات الشهيرة. 

من ناحية أخرى كان جمال عبد الناصر في زيارته السرية إلى الاتحاد السوفياتي عام 1970 
قد نجح في الحصول على أكبر وأهم صفقة سلاح سوفياتي للدفاع الجوي والطيران» ووافق 
الكرملين لأول مرة على أن تنولى أفراد وأطقم سوفياتية إدارة الأسلحة والمعدات والصواريخ 
والطائرات المتطورة؛ الأمر الذي لم يحدث مع أية دولة أخرى. حتى في نطاق «حلف وارسو». 
لذلك اعتبرت الولايات المتحدة أن تأثير هذه الصفقة يعتبر ردعاً عسكرياً وسياسياً لإسرائيل» 


























47 


إضافة إلى أن تكثيف الوجود السوفياتي في مصر سوف يعمق الصراع بين القوتين الاعظمء 
وأصبح الموقف السياسي والعسكري للدول المعنية في الصراع على النحو الآني: 

١‏ مصر؛ نشاط وقاعلية جبهة القتال ضد إسرائيل تتصف بالتحدي والردع» ويخاصة بعد 
بناء حائط الصواريخ «سام» بأنواعه المتعددة. وإسقاط طائرات فانتوم وشكاي هوك الحديثة. 
وأخذت مصر تصغد العمليات العسكرية في الجبهة» للدرجة التي ألزمت القوات الإسرائيلية 
على زام سياسة الدفاع بالدفاع السلبي؛ كما نجحت القوات المسلحة المصرية على 
الجبهة بتصدير الخوف إلى إسرائيل؛ يسبب العمليات الصغرى الجريئة ضد جنودها في الجائب 
الشرقي من القناة. 

2 - إسرائيل؛ تحول الموقف السياسي والعسكري إلى أسوأ حال» حين شعرت أن التصاعد 
المستمر للقتال على الجبهة المصرية أدى إلى مزيد من تعبئة المشاعر العربية ضد إسرائيل» 
الأمر الذي أرغم مائير رئيسة وزراء إسرائيل على أن تعلن أنها لا ترى أية فرصة للسلام ما دام 
جمال عبد الناصر في الحكم؛ وكان جمال عبد الناصر يدرك معنى «السلام الإسرائيلي؟ الذي 
تعلنه ماتير. 

3 الانحاد السوفياتي؛ تحذير رئيس الوزراء الروسي كوسيغين إلى الولايات المتحدة بسبب 
استمرار إسرائيل في مغامراتها ضد الأراضي العربية. وأن ذلك سوف يجعل الاتحاد السوفياتي 
مضطراً لإمداد البلدان المزية ا التي تمكنها من الرد على المعتدي المتغطرس. 


ز وزير خارجيته نحو تسوية شاملة 












2 اوضي»؛ وكانت الإدارة 
الأمريكية قد أعربت عن اقتناعها بأن «سياسة العصا الغليظة» التي نصح بها هنري كيسنجر- 
مستشار الأمن القومي ‏ ضد مصر قد استهلكت» بعد أن جربت الفانتوم ضد المدنيين في مصر 
وفشلت. إشارة إلى قوة العمق المصري. 

5 إنكلترا وفرنسا؛ بوصفهما أعضاء في «لجنة الأربعة الكبار»» التي تألفت للبحث عن 
حل؛ تنضمان في الرأي إلى جاتب العرب. إسرائيل قرار مجلس الأمن الرقم 
(242) عام 1967 وكان لموقف الصلابة في القتال على الجبهة المصرية والإرادة والتضحيات 
التي تتم يوميء دور أساسي في جعل الدولتين تنحازان للجانب العربي. 

وأظهرت هذه المواقف السياسية والعسكرية للأطراف المعنية عدة حقائق» من أهمها: 

أولها: مدى عمق الفجوة بين الموقفين السوفياتي والأمريكي. وبخاصة بعد انضمام إنكلترا 
وفرنسا إلى رأي الجانب العربي» وهو موقف يؤدي إلى عزلة الولايات المتحدة. 











48 


ثانيها: انتهاء مناقشات الأربعة الكبار إلى أن تحقيق السلام مرهون بانسحاب إسرائيل من 
الأراضي العربية مع ضمان أمن إسرائيل. 
6 مية السماء المفتوحة ضد مصرء ويخاصة بعد دخول «صفقة كانون 
الثاني /يناير» السوفياتية العسكرية عام 1970 في الخدمة. 

رابعها: إن زيادة دعم إسرائيل بطائرات الفانتوم المتقدمة سوف يؤدي إلى إشعال الوطن 
العربي كله بالعداء ضد السياسة الأمريكية. 

هكذا كانت رؤية جمال عبد الناصر السياسية والعسكرية قد أكسيت مصر اتجاهات الأربعة 
الكبار. الولايات المتحدة ‏ الاتحاد السوفياني ‏ بريطانيا ‏ فرنساء إلى جانب الحق العربي 
المشروع في تحرير الأراضي العربية المحتلة؛ وإقرار حقوق الشعب الفلسطيني. 

إن جمال عبد الناصرء بعد الهزيمة الضخمة عام 1967. رفض كل تلك الحلول والمقترحات 
للحصول على سيناء بدون شروط» مقابل فك ارتباطه بالوطن العربي؛ ينما السادات» بعد النصر 
العظيم عام 1973؛ يذهب هو بنفسه إلى فلسطين المحتلة. ليحصل في النهاية على سيناء شبه 
منزوعة السلاح. مع قطيعة شاملة مع الوطن العربي؛ وضياع دور مصر الإقليمي والعالمي 
وتبعية للولايات المتحدة. 

هذه كانت أوضاع مصر يوم رحيل جمال عبد الناصر؛ سواء في مجال إعادة بناء القوات 
المسلحة المصرية؛ حتى أصبدحت جاهزة لخوض حرب التحريرء أو في مجال التنمية الاقتصادية 
والاجتماعية؛ أو تعيئة الأمة العربية من أجل المعركة, أو العلاقات الدولية» ويخاصة العلاقات 
الاستراتيجية مع الاتحاد السوفياتي. 

فماذا حدث منذ أصبح السادات رئيساً لمصرء وانتقلت إليه مسؤولية الحل أو الحرب؛ وبدأ 
يواجه مسؤوليانها كاملة» وقد تبدّت أمامه بكل حقائقها. ويكل تفصيلاتهاء ويكل احتمالاتها. 
سواء في ميدان الجبهة العسكرية و«قيادة» الحربء أو على مستوى الجبهة السياسية وإدارة 
المفاوضات؟ 





















49 


الفصل الثاني 
شخصية السادات 


ن الأول/أكتوبر عام 1970 يادر مباشرة إلى تدشين 
أضخم انقلاب جذري في الاء القومية العليا التي اعتمدتها مصرء في مواجهة إسرائيل 
نذ قيامها عام 1948. حتى من قبل صعود جمال عبد الناصرء وهي الاستراتيجية المبنية على 
السراي قن ستتياضا حو عسرا جود الأعرام بريه بكل ما جرت على 15ل 
«الإدراك» المحوري؛ في شأن طبيعة ذلك «الصراع»» فضلاً عن قضاياه ودينامياته. كما إمكانات 
حله. معنى ذلك أن «مبادرة السلام» لم تهبط على السادات فجأة. وهو في الطائرة في أعالي 
السماء. عندما كان يعبر الأجواء التركية؛ عائداً من زيارة إلى رومانياء كما زعم. إنما سبقتها 
ومهدت لها تحولات كبرى. سواء في الإدراك والتوجهات. كما في السياسات والممارسات». 
قادت السادات إلى إسرائيل» وإيرام الصلح المنفرد معها. 

قرر السادات انتهاج استرات المصالحة. كما يوضح الفريق أول محمد فوزي أبعاد ذلك 
التحول ومغزاه. في مذكراته؛ بعنوان: استراتيجية المصالحة'". وكما صرح السادات ذاته لكاتب 
أحمد بهاء الدين بأنه ينوي فك ١١‏ مع الولايات المتحدة؛ ومن أجل ذلك أسقط خيار 
التسوية الشاملة. ورغم عظمة إنجاز القوات المسلحة المصرية في حرب عام 1973 لم يستغل 
السادات ذلك. وظل على موقفه. وعلى الطريق ذاتهاء حتى إلى زيارة إسرائيل 21977 قبل بمبدأ 
المفاوضات المباشرة في الكيلو عل لين القاهرة ‏ السويسء بعد وقف إطلاق الثارء 
وقبل بتسليم أوراق الصراع العربي ‏ الإسرائيلي إلى كيسنجرء بل وافتخر بأن 99 بالمئة من أوراق. 
اللعبة في يد الولايات المتحدة؛ عدو العرب الأساسيء وراعية إسرائيل؛ ووافق على اتفائيتي 
فك الاشتباك على الجبهة المصرية؛ رغم ما بهما من التزامات تتجاوز ما ورد في قراري مجلس 
الأمن الرقمين 242 و338, وأصرّ على رفع الحظر النفطي عن الولايات المتحدة قبل تحقيق 


حين تسلم السادات منصيه رسمياً في 





































ل 





: محمد فوزي. استرائيجة المصالحة (الفاهرة: دار المستقبل العربي. 1986). 


5 


التسوية الشاملة حتى وصل إلى القدس المحتلة ليقدم اعترافاً علئياً بإسرائيل» أدى في خاتمة 
المطاف إلى القبول بأسوأ الشروط؛ وأكثرها ظلماً لمصر. وإهداراً لدماء الشهداء في «معاهدة 








السلام المصرية ‏ الإسرائيلية»: التي وقعها السادات في واشنطن مع رئيس وزراء إسرائيل» سفاح 
دير ياسين» مناحم بيغين» برعاية الرئيس الأمريكي كارترء في 26 آذار/مارس 21979 لتعود سيناء 





إلى مصر شبه منزوعة السلاج. 

ومن اللافت أن كارتر نفه قد أشار إلى أن السادات كان مبالغاً بتكرار القول إن 99 بالمئة 
من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة؛ وذلك في الرسالة المكتوبة التي وجهها إلى 
المشاركين في المنتدى الذي نظمته الجامعة الأمريكية بالقاهرة» في 2018/9/19. بعنوان: 
«كامب دايفيد بعد 40 عاماً» بل لقد عمد كارتر إلى إبلاغ السادات: «أنه لا يشاركه هذا الرأيء. 
فصحح السادات نفسه قائلاً: «عزيزي «جيمي»: إنك على حق؛ فهي ليست 99 بالمئة؛ إنما 
9 بالمئة»”, 

كان خيار السادات بخروج مصر من العروية» والبحث عن حل منفرد للصراع العربي مع 
إسرائيل» هو طلقة البداية لعقود مريرة في التاريخ العربي المعاصر. مزقت الوطن العربيء 
بنسفت خيار التسوية الشاملة» وأضاعت حقوق الشعب الفلسطيني. لم تكن عروبة مصر مغامرة 
الزعامة من جمال عبد الناصرء بل كانت فرض التاريخ والجغرافيا على مصرء ولم 
تكن حروب مصر مع إسرائيل من أجل العرب فقط بل من أجل مصر في المقام الأول» لقد 
أنشأت إسرائيل لعزل مصر في أفريقياء ووراثة دورها في الوطن العربي» وهذا ما استوعيه جمال 
عبد الناصر جيداًء بينما لم يفهمه السادات مطلقاً. 

لقد روى محمد حسنين هيكل في برنامجه «مع هيكل». الذي بخه قناة «الجزيرة»» وقائع لقاء. 
له مع رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق كوف دي مورفيل» الذي قال له إنه جرت في المنطقة 
العربية معركتان: معركة دخول إسرائيل: ومعركة خروج مصرء وأن دخول إسرائيل لا يتحقق إلا 
بخروج مصرء وأن بريطانيا هي الدولة التي ساعدت على دخول إسرائيل؛ والولايات المتحدة 
هي الدولة التي يجب أن تحقق خروج مصرء وأنكم كعرب تنبهتم للمعركة الأولى» الخاصة 
بدخول إسرائيل» وغابت عنكم معركة خروج مصر. إن الولايات المتحدة لا تريد لمصر أن تعبر 
خط قناة السويس. لا مانع لدى الأمريكبين من أن تصبح مصر بلداً أفريقياً جيداء أو بلداً إسلامياً 
جيداًء لكنهم لا يريدون أن تكون مصر بلداً عربياً جيداً. لقد كانت كل مشكلات الغرب مع 
جمال عبد الناصرء بسبب أنه جلب المشرق العربي إلى مصرء واهتم بصوغ مشروع للوحدة 
عرب 




















(2) مجلة أكتوير (19 قذار/مارس 1979). 


52 


متابعة هذه التحولات تخصيص هذا الفصل بكامله لعرض شخصية السادات في 
رض المبحث الأول تغيرات الإدراك التي شهدتها «شخصية السادات» من مرحلة 
إلى أخرى؛ ويتناول المبحث الثاتي. رؤية الآخرين لهذه الشخصية ولتطوراتها. 


أولاً: الإدراك المتغير 

الا شك في أن عملية التحول الكبرى من الصراع إلى التسوية التي قادها السادات في مصرء. 
ناريط ا تغييرات جذرية على المستويات كافة» كانت تعكس التحولات التي طرأت 
بة والإقليمية والعالمية في السبعينيات ‏ من ناحية؛ وإدراك السادات لهذه 
التحولات» وما تفرضه من تحديات» ومن ثم إدراكه ليفية التفاعل معهاء والاستجابة لهاء وفقاً 
لمنظومته الفكرية والأيديولوجية فضلاً عن رؤيته الذاتية» في ظل انفراده ب بصنع القرار - من 
ناحية أخرى. 

ومع تأكيد التداخل الوثيق بين المعطيات المصرية والعربية والعالمية للصراع العر, 
الإسرائيلي تداخلاً عضوياً. بحيث يستحيل الفصل بين مكوناتها فصلاً تحكمياً؛ إلا أن 
الجذري في إدراك القيادة السياسية الرسمية لطبيعة الصراعء وللاهداف المصرية التي تبغي 
تحقيقها من حسم الصراع, إن سلماً أو حرباًء كان لا بد من أن ينعكس بالضرورة على مسار 
«عملية التسوية»؛ ومستقبل «السلام» في المنطقة العربية. 

من هذه المحددات تنطلق الدراسة من التركيز على تحليل "شخصية السادات»: منذ صعوده 
إلى السلطة في مصر عام 01970 إلى هبوطه في مطار «اللد» بإسرائيل عام 01977 وما بعد 
اللوقوف على دوافعها وأهدافها من منظور اتخاذ القرار. حيث تعد مفتاح فهم السياسة المصرية 
داخلياً وخارجيأء وقياس دور السادات ومدى تأثيره على مسار الأحداث رتطرراتاء نظرً إلى كن 
السياسة المصرية تستند» في المقام الأول. إلى دور الحاكم الفرد. في ظل قصور المؤسسات 
الرسمية. وضعف تأثيرها في عملية صنع القرارء وتهافت التفاعل بين القوى السياسية؛ والعناصر 
والبنائية في النظام السياسيء لتمثل «شخصية السادات» محوراً مركزياً لطرح وتحليل 
أحداث المرحلة التاريخية. وتوجهاته وسياساته. وإبراز دوره الحاكم في السياسة الخارجية". 

يقتضي ذلك رصد وتحليل تطور مساراتها وتوجهاتهاء في شأن الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» 
ومن ثم الوقوف على دوافع وتداعيات قبول «التسوية المنفردة» مع إسرائيل وتأثيرها في قضايا 
العمل الوطنيء وارتباطات مصر العربية والدولية. نضلاً عن تحديد مدى انعكاس *رؤية 




















(3) انظر: عبد العليم محمد؛ الخطاب الادائي: تحلبل الحقل الإبدبونوجي للخطاب السادائي. كتاب الأهالي؛ رقم 
27 (القاهرة: جريدة الأعالي. 1990). 


53 


السادات» الذاتية على مسار تلك السياسة وتوجهاتهاء خلال تلك الحقية الحرجة من تاريخ 
مصر المعاصرء وتاريخ الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» والمنطقة بأسرها. 

يحتل الانقلاب الذي قاده السادات على «المجموعة الناصرية» في أيار/مايو عام 1971 
والذي يعتبر المرحلة الأولى للانقلاب على «مشروع جمال عبد الناصر» برمّتهء أهمية خاصة في 
هذا السياق؛ لأن السادات قبل الانقلاب» ليس هو السادات يعد الانقلاب. أساس ذلك أن 
«الانقلاب» لم يكن مقصوراً على أوضاع قائمة: إنما كان انقلاباً كاملاً؛ شمل شخصية السادات 
نفسه. فكان من الطبيعي أن تنمكس ننتائج هذا كله على كل شيء؛ بدءاً من إعادة كتابة الأحداث 
التاريخية المعروفة للجميعء وصولاً إلى صيغة جديدة للمجتمع المصري. 

فقد جرت محاولة فاشلة لكتابة التاريخ بصياغة جديدة. شملت مرحلة التحضير لشورة 23 
تموز/يوليو عام 01952 وتحديد دور الأفراد في تلك الشورة» وفقاً لرغبة السادات» الذي تولى 
بنفسه كتابة المحطات الرئيسية في هذه الصياغة الجديدة. لكن هذه الصياغة الجديدة» لمرحلة 
مهمة من تاريخ مصر الحد, 7 














٠‏ قد أوقعت السادات في تناقضات حادة؛ وجرته إلى الوقوع في 
فخ ترويج أكاذيب ظاهرة. فقد قال السادات وكتب الكثير عن ثورة يوليوء وجمال عبد الناصرء 
في مرحلة تاريخية سابقة؛ بالغ فيها بالإشادة والمديح بحق ثورة 23 يوليو عام 01952 وبقائدها 
جمال عبد الناصر. 

ثم جاءت مرحلة ما بعد أحداث أيار/مايو عام /197ء فانقلب موقف السادات من النقيض 
إلى النقيضء وبهذا تولى تكذيب نفه بنفسه. وبدون تدخل من الآخرين. فقد اعتاد السادات 
كل عام؛ في ذكرى مولده؛ وأمام عدسات التليفزيون أن يحكى على امتداد ثلاث ساعات 
ذكريات حياته. واختار أن يعالج القصة على هواه. ويزوق أو يخفي ما يشاء. وكما يقول هيكلء٠‏ 
في كتابه: خريف الغضب: قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات. فإن «المشكلة أنه لم تتواقق 
روايتان قط من الروايات التي كان يحكيهاء فقد كان في كل سئة يضيف ويحذفء بل ويتناقض 
في روايته لقصة. عن الطريقة التي قدمها بها من قبل. بل وأحياناً كانت القصص الجديدة 
تتصادم بقسوة مع مع ما سبق أن قاله أو كتبه. في ما أدلى به من أحاديث. أو ما كتبه من مقالات 
في عديد من الصحف والمجلاتء التي كان يسيطر عليها أو يرعاها. ويمكن أن يقال إنه كان 
يكتب قصة حياته من جديد مرة كل سنة. بل إن الرئيس السادات شكل لجنة خاصة عهد إليها 
بمهمة إعداد نص تفصيلي لقصة حياته ولآرائه. كما يجب لها أن تكون. وإن كانت اللجنة لم 
.تكن قد فرغت من أعمالها حين وصلت القصة الحقيقية إلى نهايتها الدامية»". 





(3) محمد حستين هبكل. خريف الفضب: قصة بدابة وتهاية عصر أثور الساداث (الفاهرة: مركز الأهرام للترجمة. 
والترزيع. 1984). ص 31 32. 





54 


وهذا يفسر إقدام السادات على سحب كل ما كتبه وما نشره في السابق؛ فأمر بعد وصوله إلى 
السلطة بسحب كل كتبه من الأسواق والمكتيات» وهي ثلاثين شهراً في السجن؛ ثورة على 
النيل» أو قصة الثورة كاملة؛ صفحات مجهولة؛ يا ولدي هذا عمك جمال. بل يقول هيكل؛ في 
كتابه خريف الغضبء إن نسخة مجلة الفصول عدد أول أيار/مايو عام 1935 الذي كان يتضمن 
رد السادات على إعلان طلب «وجوه جديدة» للتمثيل؛ التي كانت محفوظة في دار الكتب 
حسب الاصول المعمول بها وجدت مفقودة من مكانهاء وكأن يداً مجهولة امتدت إليها 
فترعتها". 

هكذاء عرف الناس ولأول مرة أن السادات كان هو المؤسس الأول لتنظيم الضباط الأحرارء 
وليس جمال عبد الناصرء وأن جمال عبد الناصر. الذي كان ترتيبه الثالث في تنظيم الضباط 
الأحرار الذي أسه السادات ‏ كما جاء في مذكراته ‏ قد تسلم منه قيادة التنظيم؛ بعد أن أصبح 
السادات ملاحقاً من قبل أجهزة الأمن الداخلية والخارجية, بسبب نشاطه ونضاله! 
ثم تبع ذلكء أن تحول جمال عبد الناصر إلى مصدر لإزعاج السادات» يرهقه بمشكلاته 














بتكوينه. كان وائقاً كل الثقة أنني سوف أقف إلى 
يِ قوة لها تجربتها ولها تاريخهاء قوة تسانده في الصراعات التي بدأت داخل 
الثورة. ولذلك كان يهرع إلي عندما أعود إلى القاهرة في إجازة. 
ليشرح لي المصاعب التي يلقاها من بعض الأعضاء 0 
عبد الناصر كان يقضي معي خمة أيام كاملة في كل إجازة من 
إجازاتي؛ التي لم تكن تتعدى الأسبوع. هذا إلى جانب أن عبد الناصر كان يضع تجربتي محل 
تقديرء أذكر أنه في سنة 1951 طرأت له فكرة أن تبدأ الثورة بحركة اغتيالات واسعة؛ وسألني ني 
هذا فقلت له «غلط يا جمال, ما هي التيجة؟ إلى أين ستصل؟ إن الجهد الذي يبذل في حركة 
الاغتيالات يساوي تماماً الجهد الذي يبذل في قيام الثورة ولذلك دعنا نأخذ الطريق المباشر 
المستقيم. وليكن هدفنا المباشر هو الثورة»». 

لم يعد جمال عبد الناصر في رؤية السادات الجديدة هو ذلك القائد والمعلم والملهم والأخ 
والصديق, إنما تحول فجأة إلى شخصية العقد. لا تعرف الوفاء في علاقاتها مع الآخرين. 
ولا بد لأي كاتب أو باحث أن يتوقف عند بعض المفردات التي وردت على لسان السادات؟ 
مثل مصطلح «القوة» الذي استخدمه مرتين: أو مصطلح «يهرع» منسوباً إلى جمال عبد الناصر! 


(5) المصدر ته صن 43 












55 


ومن المثير للدهشة أن السادات في رده على سؤال موسى صبري في شأن العلاقة بينه وين 
جمال عبد الناصرء وبخاصة في ظل الصراعات التي كانت تجري في صفوف الحكم. وتبلور 
«مراكز قوى»؛ قال السادات بالحرف: «أنا شخصياً أعطيت صوتي لجمال عبد الناصر في جيبه. 
القد رأيت أنه رجل في قمة الكفاء ام. يحضر ويعرف الموضوع بعد دراسة كاملة» وتحليل 
مستفيض. وتجدنا بعد مناقشات كانت تستمر 17 و20 ساعة - نعود إلى الرأي الذي 
عرضه عبد الناصر في أول الأمر. وهكذا قلت له: : «صوتي معك دائماً»». .. ومن اللافت أن 
تحصن ال تل إن بال مد وجنودة لي زمذ” الامتضامات لئان 0 
«وقد حدث عندما أخرجنا محمد نجيب. . لم أكن موجوداً عندما صدر قرار عودته. 
منزلي» وسمعت قرار مجلس الك . أصدر عبد الناصر القرار ولم يرجع لي 9 
يعلم أن صوتي معه... لم أدخل معه في نقاش أبدأ*! 

وعندما سأله صبري: هل اختلفت مع عبد الناصر؟ كان رد السادات: «من جانبي لم 
أختلف أبداً... وقد حدثت واقعتان فقط من ناحية المناصب لم أقصدهما: الواقعة الأولى؛ 
عندما اقترحت عليه أن أتولى رناسة الاتحاد الاشتراكي... لكنه تجاهل اقتراحي؛ وقال لي: 
الماذا لا تذهب إلى بورسعيد لتستريح مع أسرتك بعض الوقت؟ وفعلاً سافرت في نفس 
اليوم على طائرة إلى بورسعيد. ولم افتح هذا الموضوع معه أبداً.. ومرة ثانية بعد الهزيمة 
طلبت منه أن يطلق يدي في الجهاز التنفيذي لمدة 6 أشهر فقط... لكنه قال لى: نرجئ 
الموضوع إلى ما بعد إزالة العدوان.. ولا أذكر أنني اختلفت معه بسبب ذلك على 


























الإطلاق 107 
كما أن السادات لم يعد يروقه أن يعتقد الناس أن أسلوب إدارته للحكم هو امتداد لمنهج 
جمال عبد الناصر؛ فقال: «إن الناس ينظرون إلي على أنني خليفة جمال عبد الناصرء وذلك 





ليس صحيحاً. فأنا لا أحكم مصر طبقاً لاسلوبه. لكن أحكمها طبقاً لاسلوب رمسيس الثانيء 
ذلك ما يفهمه الشعب المصري وما يريده». يمكن الجزم أن أغلبية الشعب المصري ‏ أصلاً - 
لاتعرف شيئاً عن الأسلوب الذي اتبعه رمسيس الثاني في الحكم, ولا ندري إن كان السادات 
نفسه يلم بتاريخ رمسيس الثاني ومنهجه في الحكم. لكن قد يكون بين السادات ورمسيس الثاني 
نقطة تشابه والتقاء: فقد «أراد رمسيس الثاني أن يخلْد نفسه بأن يكتب هو التاريخ» و؛ 
أكثر الأحجار مقاومة للزمن. شيء واحد لم يفطن له رميس ذلك أن الأجيال التي 

فكرة الخلود ستكتشف أنه لم يكتب التاريخ بل زيّفه. فقد اكتشف علماء التاريخ المصري 








(6) موسي صبري؛ الساداث: الحقبقة والأسطورة (القاهرة: السكتب المصري الحديث؛ 1985). ص 279 3800. 
(7) المصدر تقسه صن 205 - 206. 


56 


القديم أن رمسيس الثاني قد زيف التاريخ؛ فنسب كل انتصارات الآخرين إليه؛ واستخدم في 
تزييف التاريخ أسلوبين: 

أولهماء أن سطر على جدران معابده تاريخ انتصارات لم يكن هو صاحبها ونسبها إلى نقسه. 

وثانيهماء أن قرّض أركان ما شيده أسلافه من معابد» وانتقى منها أحجارها المسطرة بتاريخ 
النصر والحكمة وحشرها في بناء جدران معابده. وهكذا ترك رمسيس الثاني مجموعة من 
التمائيل والمعابد تحمل تاريخاً مغلوطاً جمع مفرداته من خياله. ومما سطر أسلافه من تار. 

وتمادى السادات في أحاديثه المتناقضة ليظهر نفسه في ثوب البطل. والشخصية الاسطورية 
فذكر في كتابه البحث عن الذات: قصة حياتي أنه عندما جرى القبض عليه بسبب تعاونه مع 
عملاء من مخابرات النازي» فإن ما أسف عليه هو أن اعتقاله حال بينه وبين إرسال النص الكامل 
المعاهدة كان قد أعدها ليعرضها على روميل. لقد اتسعت دائرة التضخيم لشخصية السادات 
ودوره» لدرجة أبعدته عن أية مصداقية؛ فكيف يمكن لضابط صغير في المصري أن يقوم 
بإعداد معاهدة مصرية ألمانية. سوف يكون الطرف المقابل له في التوقيع عليها هو الجنرال 
الألماني الشهير روميل! 

إن ما ورد على لسان السادات من أقاويل لا يوجد ما يؤيدها من معاصريه. الذين شاركوا ني 
الإعداد للثورة والقيام بهاء وبخاصة من قبل أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار. ويستغرب 
هيكل هذا التحول الذي شمل دور السادات الجديد المتعلق بالثورة وقيادتهاء وهو الطرف الذي 
الم يكن له دور رنيسي لا في التخطيط للثورة أو في إنجاحهاء بل ولم يكن في بادئ الأمر واحداً 
من بين أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار. إن الغرض من وراء تلك الصياغة التلفيقية 
والساذجة حول دور السادات. لا يخرج عبن كونه محاولة تستهدف الإساءة إلى جمال 
عبد الناصرء بوصفه شخصية تار 



























امتدت انقلابات السادات لتصل إلى حد الانقلاب على انتمائه الطبقي. كما يشير هيكل. 
كتابه خريف الغضب؛ فظهرت عليه وعلى أسرته فجأة أعراض العيقرية والترف. بصور 
للمصريينء فرأوا فيه نسخه من الخديوي إسماعيل. كما أصبحت زوجته جيهان السادات تحمل 
لقب «سيدة مصر الأولى»» وهو تعريف غريب على قواعد البرتوكول المصرية. لكنه منزوع من 
البروتوكول الأمريكي. كما استكملت «جيهان السادات» دراستها عندما أصبح الادات رثا 
للجمهورية» فحصلت على الثانوية العامة» ثم على الليسانس من كلية الآداب» ثم درجتي 
الماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة. كما أصيح معروفاً عنها عند المصريين أن لها دوراً 


مؤثراً في السياسة المصرية» وسرعان ما جمعت حولها بلاطا خاصاً بهاء يتكون من زوجات 





57 


بعض رجال الأعمال والسياسسين والضياطء إلى جانب عدد من سيدات الطبقة القديمة البارزة. 
قبل العور". 

في محاولة تتبع أصول «هذا الانقلاب لدى السادات يشير هيكل في كتايه خريف الغضب». 
إلى أن السادات لم يكن مجرياً. ولا كان مفكراً. «ولقد كان جزء من المشكلة يقع على شخصية 
السادات كما صاغتها ظروفه. إن تلك الظروف لم تنح له فرصة كافية ليتعلم أو يعلم نفسه 
بطريقة جادة ومنظمة... كانت الظروف التي أثرت في شخصية السادات لا تتيح له الوقت قطعاً 
لكي يفكر في أصول المسائل التي كان عليه أن يواجهها الآن. ولم تكن لديه فكرة عميقة عن 
تاريخ مصر. والعوامل الفاعلة في هذا التاريخ. فبعد صباح تعيس في البيت المزدحم بالتوتر في 
بيت كوبري القبة. هرب بالخيال إلى هواية التمثيل؛ ثم هرب من الواقع بالمغامرات مع جواسيس 
خبارات الألمانية» والعمليات الدموية للحرس الحديدي. وقضى جزءاً أساسياً من سئوات 
شبابه في فراغ السجون. وأصعب من ذلك فإنه اكتسب عادات تآمرية: كان من الصعب عليه أن 
يتخلص منها. ولقد تمتع بمزايا السلطة العليا وأدواتهاء دون تقدير كافٍ للمسؤوليات التي ترتبط 
بها. ولم يكن يفهم الطبيعة الحقيقية لمصر ‏ وقد سطحها في ما كان يقوله عن أخلاق القرية - 
لكن طبيعة مصر كانت أمراً مختلفاً عن هذا التسطيح؛ وكذلك كانت علاقة مصر ببقية شعوب 
الأمة العربية. ولقد استطاع فقط أن يفهم أن مصر هي القائد الطبيعي للعرب. لكنه افترض أن 
العرب سوف يكونون مرغمين على اتباعه. في أية طريق يختارهاء وكان ذلك خطأ. إن جوهر 














القيادة» وقوة الفعل الكامنة فيهاء مسألة أعقد كثيراً مما كان يتصوره. لكنه لم يكن يرى ذلك. 
ولقد خلط في هذه المسألة بين الرناسة والقيادة؛ فالرئاسة لها الطاعة بالقانون لكن القيادة 





لايمكن أن تمارس دورها إلا بالاقتناع الكامل بأن الدور الذي تقوم به يعبر عما يشعر الآخرون 
في ضمائرهم» ويعجزون وحدهم عن تحقيقه. وبالتالي فإن الرئاسة سلطة» وأما القيادة هي 
دورء وإذا توقف أداء الدور فإن دعوى القيادة: التي تترتب عليه. تفقد حقها في أن تقود»". 

ويضيف هيكل: إن السادات كان يحتفظ بكل أوراقه قريبة إلى صدره؛ كما يقولون. ولم يكن 
أحد يعرف ما لديه. وحتى إذا أنيح لأحد أن يعرف» فقد كان صعباً عليه أن يتصور كيف يستطيع 
السادات أن يستوعب بطبيعته الخاصة ما لديه؛ ثم أن يحوله إلى مواقفء أو إلى إجراءات 
عملية. لقد ساعدته غريزة المتآمر فيه على حفظ أسراره؛ وربما كانت من ناحية أخرى ترضى فيه 
رغبة نسبة كل شئ إليه وحده. بل وربما ساعدت أيضاً على أن تعطى لقراراته قوة المفاجأق 

(8) هيكل. خريف الفضب: قصة بدابة ونهاية عصر أثور الساداث. صن 97. 

(9) المصدر تقيه ص 139 


وكان هذا هو ما آثر تسميته «سياسة الصدمة العصبية»*". وربما كان تعيير السادات: «سياسة 
الصدمة الكهربائية». 
كما يشير مراد غالب» وزير الخارجية الأسبق» في مذكراته بعنوان: مذكرات مراد غالب: مع 
عبد الناصر والسادات ‏ سنوات الانتصار وأيام المحن. إلى جانب مهم من «أصول» هذا 
الانقلاب لدى السادات؛ منطلقاً من أنه كان يعرف السادات معرفة وثيقة منذ قيام ثورة تموز/ 
يوليو عام 1952؛ ثم توطدت علاقته به عندما أصبح مسؤولاً عن العلاقات مع الاتحاد السوفياتي 
في عهد جمال عبد الناصرء وأنه تعجب من تعبينه لهذه المهمة. وكان وقتها سفيراً لمصر لدى 
الاتحاد السوفياتي؛ بحكم ما يعرفه عنه من كراهيته للاتحاد السوفياتي, لكنه كان بارعاً في 
التمويه. وإخفاء حقيقة مشاعره. ويضيف غالب: «رغم أن السادات قد انحنى أمام تمثال جمال 
عبد الناصر في مجلس الأمة. فور انتخابه؛ تعبيراً عن الإجلال والاحترام: لكنني سرعان ما 
اكتشفت أنه جاء إلى الحكم برؤية تماماء وسياسة تعتمد في أساسها على الولايات 
المتحدة» وتعتمد على الاتحاد السوفياتي. لكنه بحكم طيعته المتشككة بدأ يتصل بالولايات 
المتحدة» في الوقت نفه الذي يظهر فيه الود للسوفيات؛ مثل تعيين الكثيرين من اليسار 
المصري وزراء»؛ ومنهم غالب نفسه. ويتابع: «أعتقد من خلال استقرائي لتاريخ السادات أنه من 
خلال تمرسه الطويل بالعمل السري قبل الثورة قد تطبّع بالمغامرة والتمويه والتآمر... كان 
السادات أيضاً بارعا في الاتصال بقوى مختلفة ومتعارضة في الوقت نفسه: الإخوان المسلمين» 
السراي من خلال يوسف رشاد. قيادة الضباط الأحرارء ومحاولات قتل النحاس باشاء واغتيال 
ن ااي عام اام اام 
المؤامرات. بهذه الصفات استطاع دائماً أن يفاجئ أعداءه بحركة غير متوقعة أو محو محوبا 
بللا انابفت: اد جتقاش :سن مقي ولوب قل الترق» لذي حتاف 
الخفاء لينفذ خططه. حتى بعد ما أصبح رنيساً للجمهورية» ومدافعاً عن قضية مشروعة؛ تستنا 
إلى الحق والعدل وقرارات دولية. فكان من المفترض ألا ينفرد بفرض الحل الذي يراه: أو 
يتصدى للمشكلات دون استشارة وزرائه والمسؤولين والخبراء وتحت أمره أجهزة الدولة 
متكاملة. حافلة بكل الإمكانات والخبرات؛ لكنه اعتمد على ذاته» وضرب بكل ذلك عرض 
الحائط» فلم يشأ أن يقتنع بأن عصر الفرد قد انتهى» وهو ما حدا به على أن يكون وحيداً معزولاً 




















(10) المصدر تقته من 144 
(11) مراد غالب. مذكراث مرئد غالب: مع عبد الناصر والسادات: سنوات الاتتصار وليام المحن (الفاهرة: مركز الأغرام 
اللترجمة والنشر. 3001). ص 173 


بهذا الصددء كما تؤكد ذلك مذكرات العديد من القادة السياسيين والعسكريين الذين عملوا 
مع أو التقى يهم. 
وتطبيقاً لذلك يشير مراد غالب في مذكراته ‏ من موقع السفير السابق في الاتحاد السوفياتي 








لمدة عشر سين  1961(‏ /197)» والخبير في العلاقات المصرية ‏ السوفياتية» والشاهد على 
الاجتماعات المشتركة. حيث تولى وزارنّي الخارجية والإعلام ‏ تعقيباً على قرار السادات في 


شأن «طرد الخبراء السوفيات» من مصر: «لقد كنت متأكداً من أن ما حدث كان لا بد أن يحدث 
يوماً ماء فالسادات كانت له اتجاهاته المضادة للعلاقات مع الاتحاد السوفياتي؛ والتحول نحو 





وفي السياق نفسه احتار الجميع في تفسير الانقلاب الذي أقدم عليه السادات» وتحول إلى 
ظاهرة لا يمكن تجاهلها. كان تفسير الأمريكيين والإسرا 'فردوا التغييرات الان 
عند السادات إلى عوامل وعقد نفسية, رافقته منف طفولته فأثرت سلباً في منهجه وسياساته. فقد 
حمل كيسنجر رسالة من السادات إلى مائير رئيسة وزراء إسرائيل» في 16 كانون الأول/ديسمير 
973 جاء فيها: «عندما أتكلم عن السلام الآن فأنا أعني ما أقولء إننا لم نتقابل من قبل» لكن 
لدينا الآن جهود الدكتور كيسنجر. فدعينا في هذه الاوقات نستخدم هذه الجهود ونتحدث إلى 
بعضنا من خلاله». قامت مائير بإبلاغ كيسنجرء تعليقاً على ذلك. وعلى موافقة السادات على 
نقاطها الست: «هذا شيء طيبء لكن ما أستغريه هو لماذا يفعل ذلك؟!»”0. 

القد سلك هنري كيسنجر الطريق نفسه. واعتمد على البعد النفي ليفسر به حقيقة الدوافع 
والاسباب التي جعلت السادات يقبل ما يمليه عليه الآخرون, رغم أن الظرف الموضوعي 
لا بفرض عليه قبول شروط الآخرين» من ثم كان رد كيسنجر على مائير: «الحقيقة أنني مندهش 
من سلوك الساداتء إنني لا أستطيع أن أفهم حتى الآن لماذا لا يستخدم السادات كل عناصر 
القوة في موقفه لكي يرغمكم على الانسحاب حتى خطوط 4 حزيران/يونيو عام 01967 إن 
السادات يستطيع استعمال هذه الضغوط لكي يفرض اتفاقاً شاملاًء وعلى شروطه؛ وحتى إذا 
قرر استئئاف القتال» فالموقف الدولي كله معه. وسيلقي باللوم على إسرائيل؟* 

ثم تولى الإجابة عن سؤاله» وقال بالحرف الواحد أيضاً: «إن السادات فيما يبدو لي وقع 
ضحية الضعف الإنساني. إنه يتصرف بسيكولوجية سياسي يريد أن يرى نفسه وبسرعة راكباً في 








(12) المصدر تق صن 187 

(13) انظر المصدر الأبي بخصوصي نصوص الوثائق الأمربكية خلال حرب عام 1973 الواردة في الدراسة: ويليام بير 
محر أسرار حرب أكتوير في الوثاتق الأمريكية. ترجمة خالد دارده مراجعة إسساعبل دارد (الفاهرة: مركز الأعرام للترجمة 
والنشر. 3004). 


سيارة مكشوفة؛ داخلاً في موكب منتصر إلى شوارع السويس بينما آلاف من المصريين على 
الجانبين يصفقون له كمنتصر ويهللون». 

ولم يتوقف التحليل النفسي عند حدود فهم وتفسير سلوكيات السادات. وإنما عمد البعض 
إلى رد أسباب الصراع العربي ‏ الإسرائيلي إلى عقد وحواجز نفسية؛ فذكر شيمون بيريز أن 
أسباب العداء بين العرب والإسرائيليين تكمن في الحقد: «إن عدو إسرائيل ليس عنصرا 
ولا شعبا. ولاحكما. ولا نظاماً. إن عدونا هو سياسة الحقد التي تبعها مصر. وعندما يحين 
الوقت؛ سوف يتضح ذلك للمصريين أنفسهم». 

قد يكون ما كتبه عميد العلوم السياسية الفرنسي موريس دوفرجيه حول دور العامل النفسي 
وعلاقته بالصراعات السياسية» وبخاصة في ما يتعلق بتحليل ظاهرة الحرمان عند الأفراد. هو 
المدخل في فهم سلوكيات السادات؛ فعامل الحرمان كما يقول دوفرجيه «من شأنه أن يخلق 
الدى الأفراد رغبة في التعويض. فظواهر العنف والاستبداد يمكن أن تكون ثمرة ضعف نفسي» 
وعجز الفرد عن السيطرة على نفسه. وفرض احترامه على الآخرينء فيختبئ هذا العجز وراء 
الموقف المناقض تخفياً وتسترأ». و«هناك تعليلات نفسية أخرى للاستيداد والتسلط والعنف 
ترجع ذلك إلى إخفاق أصاب الفرد أو أن الآخرين يستخفون به أو يعدّونه دونهم قدراً. 
فالضعاف والحمقى والخائبون يحاولون أن يؤكدوا ذواتهم بإذلال من هم أعلى منهم وبالسعي 
إلى إنزالهم إلى ما دون مستواهم»*". إن جزءاً كبيراً مما قال به دوفرجيه ينطبق على الظروف 
الا التي نشأ فيها السادات؛ ورافقته طوال حياته كما أشار هيكل في كتابه خريف 
الغضب: «فمن التعقيدات الدفيئة في أعماق وجدان السادات أنه ورث عن أمه كل تقاطيعهاء. 
وورث مع هذه التقاطيع مشاعر غاصت في أعماقه إلى بعيد»*". 











ثانيً: رؤية الآخرين 
إن تحديد أبعاد شخصية السادات» وتحليلها يتضح إلى حد بعيد من درس توجهاته 
وسياساته وقراراته. لكن سبر أغوارهاء والتعمق في استكناه دوافعهاء ورصد مبرراتهاء يكمن في 
متابعة إدراك مجموعة من «الآخرين» الهذه «الشخصية» و«الصورة' التي رسموها لما يكمن 
خلف المظاهر الخارجية لهاء من خلال الخبرة المباشرة في التعامل مع «صاحبها». وفي حقيقة 
الأمر فإن «المواقع» التي احتلتها مجموعة معينة من الشخصيات المصرية من السادات» من 





(ا) نغلاً عن: محمد فؤاد المغازي. «حول أحداث مابر عام 1971 بدون اغنصار الحلقة الثالثة. شبكة الإنترتك 





6 


مرحلة إلى أخرى؛ يجعل لروايتها درجة عالية من الصدقية؛ ينطيق هذا الوصف من منظور 
الدراسة على أربعة أشخاص هم: شعراوي جمعة. ومحمد حسنين هيكل. والفريق سعد الدين 
الشاذلي» وإسماعيل فهمي ولهذا كان الاعتماد مبرراً على هؤلاء الأربعة. 

وحيث إن البداية بشهادة شعراوي جمعة؛ وقبل التوضيح. تلزم إشارة إلى مكانه ومكانته في 
المرحلة الأولى من صعود السادات؛ تقد كان جمعة بلا جدال بحكم «الرجل الثاني» في نظام 
جمال عبد الناصر. بعد غياب عبد الحكيم عامرء وتقاعد زكريا محيي الدين. بحكم شواهد 
كثيرة» من أبرزها المناصب التي كان يتقلدها في عهد جمال عبد الناصر ويوم رحيله: وزير 
الداخلية. أمين عام التنظيم الطليعي: طليعة الاشتراكيين؛ الحزب السياسي غير المعلنء الذي 
شكله جمال عبد الناصر برناسته في داخل الاتحاد الاشتراكي» حسب نص الميثاق» أمين 
في الاتحاد الاشتراكي؛ بقرار من جمال عبد الناصرء وبهذ الصفة يشارك في اجتماعات اللجنة 
الضيلية الحلا فون أن كرد له حر لسري .. ومن هنا أهمية شهادته ومذكراته. 

يشير شعراوي جمعة في مذكراته زْ الام ا شهادة 
للتاريخ؛ إلى أنه مع قرار اللجنة الاشتراكي بترشيح 
الادات لمنصب رئيس الجمهور بامكم رمي لك وا 
كل مكان رفضاً لهذا الترشيح. وكان شعراوي جمعة قد شرح في مذكراته مدى الصعوبة التي 
واجهها لإقناع فيادات وأعضاء التنظيم الطليعي. والاتحاد الاشتراكي. ومنظمة الشباب 











الاشتراكي. باتتخاب السادات رئيساً للجمهورية. 
وعلى سبيل المثال أشار جمعة إلى حال فريد عبد الكريم أمين الاتحاد الاشتراكي بمحافظة. 
الجيزق «كان فريد عبد الكريم على رأس الرانض 







بعد أن فشل جميع من تحدثوا إليه في إقناعه بقرار اللجنة 
التقاش بينناء ووضح أنني بعد كل هذا الجهد قد استطعت إقا اعه بأنه لا خيار 1 
إلي وقال ليء وكأنه يقرأ من كتاب الغيب المفتوح أمام ناظريه: السادات رجل غير مأمون. 
ولا يمكن لنا أن نطمئن إليه؛ ولا إلى توجهاته؛ وهو معروف بعدم الوفاء لكل الذين وقفوا مع 
وختم فريد عبد الكريم كلامه معي قائلاً: سوف تكون أنت أول الذين يتخلص منهم السادات 
بعد أن يسحب له الأمر»ا"!. 

كذلك أشار جمعة إلى أن عبد المجيد فريد أمين الاتحاد الاشتراكي بمحافظة القاهرة. ومعه 
أعضاء اء لجنة المحافظة» وعدد من ممثلي العمال؛ قد جاؤوا إليه يتحدثون جميعاً عن أنهم 


(16) محمد حماد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهانة للتاريخ (القاهرة: مركز الأغرام للنشر. 02015 
ص 9 


62 


يجدون صعوبة في إقناع الناس بترشيح السادات لرئاسة الجمهورية» وقال بعضهم: «الناس 
تتحدث عن سوء أخلاق هذا الرجل. وأنه ينقلب على كل الذين عاونوه من قبل» أنت ستكون 
أول من يرى فيك خطراً عليه وسوف يتخلص منك. أنت الذي تدافع عنهء”"! 

ويضيف جمعة: «وفي نفس اليوم» وفي ساعة متأخرة من الليل جاءني عدد من الضباط 
الأحرارء وتحدثوا معي في الأمر طويلاً. سألوني: ما هذا الذي تفعل' : 
السادات خاطئ. وقالوا: نحن نعرف أنور السادات أفضل منك. وقالوا: كان زميلنا في الجيش» 
وهو رجل « » جداء يدبر مقالب لكل من يعرفهم. وقالوا: ليس له صديق؛ وليس له 
وفاء» وأخيراً عرضوا علي التعاون مع زكريا محي الدين. وقلت لهم: خلاصء «سبق السيف 
العزل»»"9 

ويلاحظ جمعة في مذكراته أن السادات منذ انتخابه أخذ يتردد كثيراً على الجبهة» وتعددت 
ألقاءاته وأحاديثه وخطبه حول أهمية المعركة المقبلة وحتميتها. وفي افتتاح الدورة العادية 
المجلس الأمة. في تشرين الثاني /نوفمبر 01970 رفع شعار: «المعركة أولاء والمعركة أخيرأ». كما 
دب على مهاجمة الولايات المتحدة؛ والإشادة بمواقف الاتحاد السوفياتي. وكان يجوب البلاد. 
ويعقد اجتماعات جماهيرية واسعة في أكثر من محافظة. وفي أحد هذه اللقاءات قال بالحرف 
الواحد: *إن أمريكا لم تتعلم من درس فيتنام» وإن جيلناء والجيل الذي سوف يأتي من بعدناء 
سوف يلقن أمريكا الدرس من جديد». ويعقب جمعة: «وأنا حين أسوق هذه العبارة» التي 
لا زلت أذكرهاء أريد أن أؤكد أن الرئيس السادات كان يبدوا في خطاباته متشدداً جداًء ومنحازاً 
لأقصى حد إلى فكرة حتمية «الحل العسكري»... لكن السادات» على ما تبدى منه فيما بعد 
كان يدبر في الخفاء عكس ما يظهر لناء ويبطن خلاف ما يعلئه في خطاباته الجماهيرية»*", 


















من ناحية أخرى فإن أسلوب السادات في إدارة الدولة إشارة مقارنة مع أسلوب. 
جمال عبد الناصرء وبخاصة من ناحية حفظ وثائق الدولة. فقد وضع جمال عبد الناصر أسلوباً 


علمياً لإدارة «مكتب رئيس الجمهورية»» وحفظ وثائقه» كان أقرب ما يكون لإدارة مكتب الرئيس 

الأمريكي. حيث أرسل سامي شرف فور تعيينه مديراً لمكتبه عام 1955. إلى الولايات المتحدة 

الدراسة كيفية إدارة مكتب الرئيس. من ثم فإن كل مياحثات واجتماعات وقرارات ولقاءات 

وخطب جمال عبد الناصر بالنسبة إلى مختلف القضايا الداخلية والخارجية» مسجلة وموثقق 

وأصولها موجودة في أرشيف رناسة الجمهورية. وأرشيف وزارة الخارجية. وأرشيف القيادة 
(17) المصدر تفه. صن 9392. 


(15) المصدر تقد صن 193 194 
(19) المصدر تقسه. صن 105. 


63 


العامة للقوات المسلحة؛ وأرشيف المخابرات العامة» وقد تم ذلك يناه على تعليماته التي 
أصدرها إلى سامي شرف سكرتيره للمعلومات ووزير شؤون رناسة الجمهورية؛ مثل الاسلوب 
المتبع لتسجيل كل ما يدور داخل مكتب الرنيس الأمريكي؛ بما في ذلك تسجيل كل المكالمات 
الهاتفية للرئيسء ولغيره من المسؤولين. 

وقد ظل هذا التقليد متبعاً حتى قيام السادات بانقلابه على الثورة في عام 1971 حيث ألغى 
قرار جمال عبد الناصر السابق. في شأن تسجيل كل المكالمات الهاتفية للرئيسء لذا لا توجد 
وثائق أو تسجيلات لأخطر القرارات والاجتماعات التي قام بها السادات خلال فترة حكمه. 
ولاايمكن الاعتماد إلا على مذكرات بعض ممن عملوا معه. أو على مذكرات الرؤساء 
والمسؤولين العرب والأجانب الذين التقوا به لكن جميع اتصالات السادات مع الجهات 
المعنية. سواء المحلية أو العربية أو الاجنبية؛ لا توجد لها وثائق مسجلة رسمياً. توضح رؤيته 
ومناقشاته مع زواره من المسؤولين؛ وبوجه خاص مع المسؤولين الأمريكيين. 

واقضل دليل على ذلك هو اجتماع السادات المنفرد مع وزير الخارجية الأمريكية هثري 
كيسنجر يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1973, في أول زيارة له إلى مصرء بعد أيام قليلة من 
وقف إطلاق النار في حرب عام 1973. فما دار خلال هذا الاجتماع الخطير لم يسجله أحد غير 
كيسنجر في مذكراته. 

في هذا الاجتماع قام السادات بإبلاغ كيسنجر أنه ليس خلفاً لسلفه جمال عبد الناصر بل 
خلفاً لأجداده من الفراعنة الكبار» ويبلغه أنه ينوى تصفية ميراث سياسات جمال عبد الناصر 
الاقتصادية والاجتماعية. وتوجهاته القومية العربية: وسيعمل على «طرد» الاتحاد السوفياتي من 
المنطقة العربية. ويضيف السادات» حسب كيسنجرء لقد كانت حماقة وطيشا من جمال 
عبد الناصر محاولاته الدائمة لابتزاز الولايات المتحدة؛ وتحقيق أهداف مصر من خلال محاربة 
السياسة الأمريكية في الوطن العربي» وعلى امتداد العالم» وإن مصر خاضت ما يكفيها من 
حروب من أجل العرب» وتتطلع إلى «السلام؟. 

يسجل كيسنجر في مذكراته تلك الكلمات عن السادات: 9إنه يمثل لي أفضل فرصة لكي 
نقلب المشاعر والاتجاهات العربية والمواقف العربية تجاه إسرائيل»ء وهي أفضل فرصة تناح 
لدولة إسرائيل منذ قيامها». ويقول كيسنجر إنه هو الذي أوحى إلى السادات أن المشكلة بين 
مصر وإسرائيل هي «عقدة نفسية»» نتجت من عدم ثقة إسرائيل بنوايا مصر وخوفها على أمنهاء 
وأنه يجب على مصر أن تعطي إسرائيل الإحساس بالأمان. وتهتم بشؤونها فقط؛ بدلاً من 
الاهتمام بمشكلات العرب الآخرين» وكالعادة يوافقه السادات» ويصارحه أن المشكلة الأساسية 

















6 


نجمت من رفض جمال عبد الناصر الاعتراف بالهزيمة عام 1967 وإصراره على الحل العسكري 
للصراع, وتمسكه بحل شامل على كل الجبهات العربية ما كلف مصر الكثير”*. 

هذا الاجتماع بالغ الخطورة ‏ الذي دشن الدخول الامريكي إلى مصرء بعد أن كان جمال 
عبد الناصر قد أغلق أبواب مصر أمام الولايات المتحدة على مدى حكمه ‏ لا توجد وثقة 
واحدة في الدولة المصرية عن تفاصيله. وإن كان كل ما قدمه السادات من تعهدات إلى كيسنجر 
في ذلك اللقاء قد تم فعلاً. ما يثبت صدق ما نقله وسجله كيسنجر عن وقائعه. 

ربما يكون كيسنجر. فعلاً. هو أول من أوحى إلى السادات أن المشكلة بين مصر وإسرائيل 
هي «عقدة نفسية»» لكن الأمر لم يتوقف عند هذا «الوحي»؛ فقد تصادف أننا في «مركز 
الدراسات السياسية والاستراتيجية» بمؤسة الأهرام كنا قد استقبلنا الخبير الأمريكي هربرت 
كيلمان, أحد أبرز علماء العالم » في تخصص ه«علم نفس الصراعات الدولية»» عام 
6 وقبل أن يغادر مصر إذا بصورته تتصدر الصحف في لقاء له مع السادات. هكذا زرع 
«كيسنجر الفكرة قي مسخيّلة السادات» وتولى الخبير الأكاديمي الأمريكي كيلمان رعايتها 
وصقلها وتهذيبهاء حتى «استوت»»: وأصبحت جاهزة للتشغيل. ومن المعروف أن الاستخبارات 
المركزية الأمريكية؛ وريما معظم أجهزة استخيارات المتقدمة؛ لديها قسم خاص لدراسة 
شخصيات كبار المسؤولين في دول العالم. ذات الصلة» لمعرفة مداخل التعامل معهم؛ والتأثير 
تشكيلهاء وصوغ أفكارها. تكررت زيارات كيلمان, ويبدو أنها كانت عملية 
«غسل دماغ» ممنهجة. حتى أخذ السادات يكرر منذ مطلع عام 1977. أن الصراع العربي - 
الإسرائيلي في جوهره ينطوي على «عقدة نفسية»؛ كيف حدث ذلك؟ 

في السياق التاريخي الدولي العام في شأن إبرام «معاهدات السلام؛ يبرز سؤال مهم حول 
الدوافع التي تدعو طرفاً ما في صراع معين إلى البحث عن تسوية أو حل لذلك الصراع؟ وتركز 
الإجابة عن واحد أو أكثر من أربعة دواقع أساسية هي: 

أولهاء تغير جذري في الاسياب الموضوعية التي أدت إلى تفبُر الصراع. 

وثانيهاء تغير جذري في القدرات اللازمة للاستمرار في الصراع» وبخاصة الصراعات 
المسلحة. 

وثالئهاء تغير جذري في التحالفات والارتباطات الإقليمية والدولية المرتبطة بالصراع. 

ورابعهاء تغير جذري في إدراك القيادات السياسية الرسمية؛ إما للاسباب الموضوعية؛ أو 
الإمكان الحل العسكري. 














(30) بير . محرر. أسرقر حرب أكتومر في الوثائق الأمريكية. 


65 


فكيف يمكن تطبيق ذلك على التسويات التي تمت مع إسرائيل؟ في الحدود التي يكون 
من المفهوم فيها أنه يصعب الحديث عن داقع واحدء أو و المثل هذا التحول الخطير فقي 
العلاقات والصراعات الدولية» يمكن القول إن العنصر الرابع بالتحديد؛ أي التغير في إدراك 
القيادات السياسية الرسمية. أي إدراك السادات تحديدا قد دفع الجانب الرسمي المصري, ثم 
الجانب الرسمي العربيء ناحية ذلك «السلام» مع إسرائيل» مع ما هي عليه من عنصرية 
وعدوانية وتوسعية. وكان أبرز تعبير عن ذلك التحول الخطير هو حديث السادات عن الحاجز 
النفسي» بين العرب وإسرائيل» بل والادعاء أنه يفسر 70 بالمئة من عوامل تفجر الصراع! رغم 
أن هذا التغير الجوهري في الإدراك لم يكن يأ على أي تغير في «الأسباب الموضوعية» التي 
فجرت الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. إذاً المسألة في معظمها ‏ كما يرى السادات ‏ مجرد 
.. لا اغتصاب وطن, وتشريد شعبه. ولا احتلال أراض 
عربية» منها سيناء المصرية؛ وفي جميع الحالات فإن كل ذلك لا تتجاوز نسبته مجرد 30 
بالمثة! 

بل إن هيكل يذكر أن السادات» بعد تظاهرات الطعام في كانون الثاني/يناير عام 01977 وإثر 
شعوره بما اعتبره «جحود؛ الشعب المصري تجاه أعماله. وتحساً لا: 
ريما تطيحه» قرر أن يقوم بحرق كل أوراق ووثائق الدولة المهمة؛ وبخاصة التي يمكن أن تُحدث 
مساساً بهء أو إدانة له» في يوم كان يخصصه لهذا الغرض في آخر كل عام وفي حضور هيكل 
نفسه في بعض المرات» حيث كان يخرج كل الوثائق السرية المحفوظة في الخزانة السرية 
الخاصة برئيس الجمهورية؛ وكانت بغرفة نومه. ويراجعها بمتهى الصبر والأناة. رغم ما هو 
معروف عنه من سرعة نفاد الصبرء ثم يقوم بإعادة ما لا تمثل أي مساس به أو إدانة إلى الخزانة» 
ويعمد إلى تمزيق وحرق ما دون ذلك؛ ما أضاع العديد من الوثائق والقرارات المتعلقة بتاريخ 
مصر في عهدة"9. 

من ناحية أخرى يقول هيكل: على الرغم من عبور القوات المسلحة لقئاة السويس إلا أن 
السادات لم ينم طوال ليلة العبورء ويفسر ذلك بأنه عاش معجزة» وكان هو الذي أعطي الإشارة 
فوقعت المعجزة. وشاهد ذلك ما تكرر على لسانه كثيراً فيما بعد عن «جيشي». و«طيراني» 
و«أسطولي». وكثير غير ذلك منسوب إليه شخصياً. كان يريد أن يحتفظ بنسب المعجزة إليه 
وحده. وشاهد ذلك قوله في هذا الوقت المبكر إنه لا يريد أعباء أضافية يجرها وراءه. وأن هذه 
معركته وأنه يفضل أن يخوضها بدون زحام حوله من أحد. حتى من مستشاره للامن القومي 
حافظ إسماعيل؛ والمتحدث الرسمي باسمه أشرف غربال اللذين أرسلهما ليعملا من قصر 














شعبية جديدة ضده 








(20) هيكل. المصدر تقس ص 177 






الذلك كله مطالب 

في حوزته. وإحكام السيطرة 
بالطبع إلى التفكير في إسرائيل» وقاده التفكير في 
إلى التفكير في الولايات المتحدة» وشاهد ذلك» كما سيأتي بياته» ما قعله صباح يوم 7 
تشرين الأول/أكتوبر 21973 متمثلاً «الرسالة المشؤومة» التي أرسلهاء عبر القناة السرية». 


الأمير السابق محمد عبد المنعم» بعيدا من مقره في قصر الطاهرة. .وه 
0 جزة» واستمرا 








فضلاً عن ذلك ففي الاجتماع 9 الذي عقده السادات مع كيستجر. في اللقاء الأول 
بينهماء يوم 7 تشرين الثاني /نوفمبر, أشار كيسنجر إلى إدراكه مبكراً إحدى الخصائص المركزية.. 
التي تميز خخصية الساؤالت» وعي تع نذاد الصير ؛ حيث قال إنه عندما سأل السادات عن 
اتخاذه «قرار الحرب» في تشرين الأول/أكتوبرء متسائلاً: «لماذا لم تنتظر ميادرات الديلوماسية 
الحل الأزمة» وقد وعدت بهاء (يقصد وعده لوزير خارجية مصر «محمد حسن الزيات»)؟ ورد 
السادات: «لكي أعلم إسرائيل درساً بأن الأمن لا يتحقق بالسيطرة». ويضيف كيسنجر: ثم قال 
الي الساداء لديه بذلك «هدفين لا ثالث لهما: أن أستعيد أرضيء وأن أصنع السلام". وقد 
روى لي كيف «روّض نفه على الصبر لكي يحقق هدفه: وأنه تعلم الصبر ن في السجن الذي 
وضعه فيه البريطانيون». ثم علق بنقاذ بصيرة» قائلاً: عفر لفن افا ونا سس 
يتحدث عن الصبر أن لديه رصيداً منه يكفيه لكي يجتاز مرحلة مفاوضات طويلة» تصل به إلى 
حدود 1967 في سيناء» وإلى سلام مع إسرائيل» ولهذا فقد تركت حديث الصبر إلى المشكلات 
التي تواجهنا فعلا»'”. 

وقد أشار سامي شرف إلى خبرة ممائلة» عندما أخذ دولاب العمل في التحرك بعد وفاة 
جمال عبد الناصرء مع الرنيس الجديد. لقد كان يتولى منصب وزير رئاسة الجمهورية المسؤول 
عن شؤون معلومات الرئيس؛ فقام بإعداد «تقارير المعلومات» اليومية, الدورية والقورية» ورفعها 
إلى السادات» وفق النظام نفسه الذي كان متبعاً في السابق. كان من المعتاد أن تعود هذه التقارير 
في اليوم نفسه. مع «تأشيرات» من جمال عبد الناصر لما يتقرر في شأنهاء أما مع السادات فلم 
يعد شيء لمدة أسبوعين كاملين. وعندما سأل السادات عن مصير «تقاريره» مستغرباء أعطاه 
السادات حقيبتّي سفر كبيرتين بهما تقارير الأسبوعينء مؤكداً أنه لم يطلع عليهماء لأن مثل هذه 
التقارير «هي التي قتلت جمال عبد الناصر في هذه السن المبكرة 





























(22) المصدر تق من 212. 





(24) سامي شرف. سواث وأبام مع جمال عبد الناصر: شهادة سامي شرف. الكتاب الخامس (القاهرة: السكتب 
المصري الحديث؛ 2016). ص 1273 وما بعدها. 


67 


ولقد أكد أحمد كامل مدير المخابرات العامة حتى 1971/5/13 في مذكراته بعنوان: أحمد 
كامل يتذكر: من أوراق رئيس المخابرات المصرية الأسبق. نفس ما ذهب إليه شرف؛ حيث 
يقول: إنه فور تكليفه برئاسة المخابرات العامة عام 1970 على نحو مفاجئ» ودون أية خبرة 
بأعمالهاء أو صلة بها من قبلء أنه طلب مقابلة السادات بهدف «استطلاع وجهة نظره لتحديد 
الخط الاستراتيجي لعمل المخابرات»» ولكي يعرف «ماذا يريد منه بالضبط في هذه المرحلة» 
وكيف يتصور وظيفته وعمله ومهمته. وما هو المستهدف بالدرجة الأولى. وبخاصة أنني تابع 
الرئيس الجمهورية» وليس لأحد سوا تعر لتقا أن حلت عملي يجار اا 
ولم أقابله. بخصوص هذه الأسئلة 
لمهام عملي وانتهاء هذه المهمة لم تحدث مكالمة واحدة بين 
ولا مرة. ولم يكن هناك ما يبرر اتصالاً تليفونياً مع الرئيس فقد 
على الورق»". 

ويضيف كامل عن أسلوب العمل: «كنت ‏ حسب تعليمات الرئيس - أرفع تقاريري باستمرار 
إلى مكتبه... لكن بعض التقارير التي كانت تحتاج إلى توجيه الرنيس كانت ترد إلى دون أن أجد 
رداً له عليهاء واضطررت أن أرفع المذكرة الواحدة أكثر من مرة حتى يأتي رد الرئيس عليها في 
النهاية. وحين بحثت عن سبب ذلك؛ لم يكن ثمة مدعاة للدهشة؛ فقد أكد لي مدير مكتبه أن 
الرئيس لا يطلع على البريد جميعه. وقد أفهمني أنه لذلك يقوم بفرز الموضوعات التي تحتاج 
إلى بت سريعء ويقوم بعرضها عليه. وأنه كان يلح عليه كثيراً في قراءتهاء وفي اتخاذ قرار في 
شأنهاء كما كان يتحيّن الفرصة ليعرض عليه كثيراً من الموضوعات في السيارة» سواء وهو ني 
الطريق إلى منزله بالهرم» أو أثناء قيامه برحلة طويلة»'"*". 

وفي السياق ذاته في شأن أسلوب السادات في «إدارة الدولة» يشير كامل إلى أن أول كلمات 
قالها السادات في «أول اجتماع لمجلس الدقاع الوطني؛ عقب أول زيارة سرية له إلى الاتحاد 
السوفياتي. أنه لا يحب العمل طوال النهارء كما كان يفعل جمال عبد الناصرء ولا يحب أن 
يصبح الليل امتداداً لأعباء عمل النهار»ء الذي ينبغي أن ينتهي في الثانية ظهراً قبل أن 
أمام كبار المسؤولين في أجهزة الدولة» أريد تقارير مركزة» ويبغي ألا يزيد التقرير مهما تكن 
أو الموضوع على صفحة واحدة»" 





















(25) أحمد عز الدين أحمد كامل يتذكر: من أوراق رتيس المخابرات المصرية الأسبق (الفاهرة: دار الهلال, 02016 
عن 4! و47. 

(26) المصبر تقسه صن 35 

(27) المصدر تقس صن 64. 


القد سبقت الإشارة إلى أن كيسنجر خبلص إلى: «أن السادات يتصرف بسيكولوجية سياسي 
بريد أن يرى نفسه وبسرعة راكباً في سيارة مكشوفة» داخخلاً في موكب المنتصر إلى شوارع 
السويس بينما آلاف من المصريين على الجانبين يصفقون له كمنتصر ويهللون». وقد جاءت 
اشهادة هيكل» من واقع خبرته المباشرة مع السادات وتركيزه على المظاهر» لتؤكد ما ذهب إليه 
كيسنجر؛ حيث يشير هيكلء في كتابه: أكتوبر 73: السلاح والسياسة: إلى أنه بالرغم من أن 
السادات لم يكن يريد الحرب”*؛ وقد كان شديد التحسب لمخاطرها العسكرية» ومن ثم 
السياسية» على رناسته» وبرغم أن تكوينه العلمي والعملي لم يكن مما يتلاءم مع فكرة الحرب». 
وأن الجانب الذي عرفه وأغرم به في الحياة العسكرية هو الجانب الاحتفالي؛ قفي وسط زحام 
المعركة؛ كان مهتماً بالزي العسكري الذي يرتديه كقائد أعلى للقوات المسلحة! 

وتأكيدٌ رسمياً وعملياً لهذا التوجه أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (18©): في 
تشرين الثاني /نوفمير عام 2013 عن 250 وثيقة سرية في 1400 صفحة, تتعلق باتفاقيات كامب 
دايفيد. التي شارك فيها الرئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر عام 1978؛ مع قادة مصر 
وإسرائيل. وتظهر الوثائق دور الوكالة في تلك الحقبة الدبلوماسية التاريخية» حيث تشير إلى 
قيام الوكالة بمراقبة القادة المصرين والإسرائيليين» ورصد تحركاتهم. وتحليل ميولهم الشخصية 
والسياسية. وتشمل تلك الوثائق ملفات شخصية وسياسية لكل من السادات وبيغين» قرأها كارتر 
قبل قمة كامب دايفيد. وقال كارتر إن الوثاتق ساعدت في التحضير للتفاوض في شأن ما أصبح 
أول معاهدة بين إسرائيل وأحد جيرانها العرب. 

وتحمل إحدى تلك الوثائق» التي ترجع لعام 1979 عنوان «نتائج البحث والرصد المستمر 

قادة المستهدفين»» وتشير إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية استخدمت وسائل مراقبة 

وتنضّت على كل من السادات و, وقد أشارت التقارير عن شخصية الادات إلى أنه «كان 
يريد بشدة أن يظهر كصانع سلام»؛ وأنه كان «له شغف كبير للظهور والشهرة». ووضعته وثائق 
الاستخبارات تحت عنوان: «السادات صاحب جانزة نوبل», رغم أنه لم يكن قد حصل على 
بعد! وقد أوضحت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن الوثائق اعتمدت على 
توضيح البيانات الشخصية» وميول القادة: التي جرى تجميعها من مسؤولين حكوميين» ومن 
مسؤولين في القطاع الخاصء وشخصيات كانت على اتصال شخصي كبير بالقادة» إضافة إلى 
التقارير السرية". 
































(2) محمد حسنين هيكل. أكتوير 73: اسلاج والسياسة (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر. 1993). 
(29) مكتبة الرئبس جيمي كارثر. محاضر جلسات لسجلس الآمن الفومي الأمريكي - من كانون الثاني /بتاير 1977 إلى 
قار بارس 1979 


6 


كذلك أشار إسماعيل فهميء في ثنايا مذكراته بعنوان: التفاوض من أجل السلام في الشرق 
الأوسط. إلى خبرته في التعامل مع السادات؛ فبعد أول لقاء بينهماء في نيسان/أبريل عام 1973 
قبل أن يعينه وزيراً للخارجية؛ يقول فهمي: «تركت السادات ولديٍّ انطباعات مختلطة نوعاً ما 
عنه كإنسان؛ فكان يدو رجلا مخلصاًء ذا شخصية مركبة الشئ» لكن ليست مرهفة 
التكوين» ويميل إلى قول أي شئ يمر بخاطره. لكنه كان يبدو أيضاً معزولاً جداًء دون أية علاقة 
خاصة بأي شخص. لقد كان في الواقع لا يثق فيمن حوله. بل لا يقدرهم حق قدرهم. اليه 
أنه ليست لديه أية أفكار واضحة عن السياسات طويلة المدى. بل كان يميل إلى أن يحيا يوماً 
بيوم» أو لحظة بلحظة؛ حيث يتعامل مع المشكلات كل على حدة بمجرد ظهور كل منها. 
وأخلص من هذا إلى أنني تأثرت بصفاته الإنسانية أكثر من تأثري بعبقريته» وأصابني بعض القلق 
لما قد يحدث لمصر إذا استمر السادات على هذا 

وفي ضوء الخبرة المتراكمة من تعامله المباشر مع السادات؛ وبخاصة بعد تعيينه وزيراً 
اللخا, جل شرب عا 1973 عني لبجقائة عام 197 يتول فهني: اكان السادات مشغولاً 
بعدة مشاعر وأخيلة عميقة ومؤثرة في نفسه. واحتلت مكاناً هاماً في تفكيره هذه المشاعر كانت 
مزيجاً من القوة والضعف. والتقلب والخوف والعزيمة والشبات؛ والرهبة من حرب أخرى. 
وفوق كل ذلك أحلامه بالعظمة"""". 




















ويرى فهمي: «إن السادات كان تواقاً لآن يوقع أية أوراق مع الأمريكيين؛ ففقد أهم أوراقه. 
وقد أثر هذا لا على مصر فحسبء لكن على القضية العربية بأسرهاء وأضعف من مقدرة سورية 
على المساومة في مرحلة لاحقة حول مشكلات أكثر تعقيداً وأهمية. وما يغلق على الفهم أن 
السادات كان يستجيب لكل نقطة بعد أن وافق على تحليلي للوضع. غير أنه فعل هذا وضع 
الضغط كيسنجر, الذي كان يعرف أن أي تأخير لن يكون لمصلحة إسرائيل» وكان كيسنجر أيضاً 
تسوية سريعة ليمنع الاتحاد السوفياتي من لعب دور في عملية اللام في المنطقة 
اليتتخلص من الوجود السوفياتي في 








وأكثر من هذا فإنه كان يمارس ضغطاً شديداً على السادا. 








«وقد نجحت تماماً في إبعاد أية مضامين سياسية عن بنود اتفاق فك الاشتباك؛ غير 
أنه من الناحية العسكرية قدم الرئيس السادات تنازلات كبيرة وغير ضرورية. ما دفع الفريق 
الجمي إلى الب يجب في الظروف الطبيعية أن تعكس ضخامة التنازلات العسكرية في 

(30) إسماعبل فهمي. النفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. ط 2 (الفاهرة: دار الشررق. 2008). ص اق 35. 


(31) المصدر تقس ص 23 
(32) المصدر تق ص 99 








مثل اتفاقات فك الاشتباك هذا الوضع الحقيقي للجيشين المتحار, ن. وكان يمكن أن تكون 
تنازلاتنا ميررة إذا كانت قواننا في وضع لا يسمح لها بأية صورة بمواجهة إسرائيل. ولم يكن هذا 
هو الوضع؛ ففي التحليل النهائي لم تكن هذه التازلات تعكس مقدرتنا العسكرية» بل خوف 
السادات من أي قتال جديد. كان السادات ببساطة غير مستعد, بأية صورة مهما كانت لأن يعيد 
الصدام العسكري مع إسرائيل. وكانت تصريحاته المتكررة التي تفيد بعكس هذا ليست سوى 
تمثيل. ونتيجة لهذا قبل السادات ما كان في الواقع يعتبر عودة إلى الوضع السابق للحرب»””. 
٠‏ على 





فضلاً عن ذلك «وافق السادات؛ وقد دفعه الخوف من تجدد القتال مع إسرات 
مطلبين إضافيين غير مدرجين في الانفاق الأصلي (لفك الاشتباك الأول)» وهما: إعادة فتح قناة 
السويسء وتعمير المدن والمناطق التي دمرت غرب القناة... ويوضح هذا أيضاً أن السادات كان 
مهتماً بصورته الشخصية وعظمته بأكثر من اهتمامه بمصالح مصرء". 

وفي الحقيقة فإن «دافع الخوف» كانت له أصول الأبعد من حرب عام 1973؛ فقد أشار 
الفريق أول محمد فوزيء في كتابه بعنوان: حرب أكتوبر عام 1973: دراسة ودروس: إلى أنه 
رغم أنه كانت هناك عوامل كثيرة ضاغطة أدت في النهاية إلى اتخاذ قرار الحرب. «إلا أن 
السادات لم تكن لديه الجرأة لاتخاذ قرار الحرب فور توليه السلطة» وكان متهيباً الخسائر 
1 كما رز لي دايا كل اجات حتاو ارين ال ب 2001 

















وقد أشار نهمي 9 «دافع الخوف» عند السادات في مناسبة أخرى. وهي إعادة افنتاح قناة 
السويس بعد تطهيرها عام 1975؛ حيث يقول فهمي إن السادات اتصل به وهو في «حال 


هستيرية»؛ وطلب منه الاتصال بالولايات المتحدة لإرسال سفينتين حربيتين أمريكيتين» 
للاشتراك في القافلة التي سوف تلي المدمرة المصرية التي تقله وعندما أبدى فهمي اعتراضهء 
اظل السادات يصرخ معرباً عن مخاوفه. من أن الإسرائيلين سوف يطلقون النار عليه! ويقول 
فهمي: «لقد كان خوف السادات ‏ الذي لم يستطع السيطرة عليه من الإسرائيليين» ورغبته ف 
العظمة الشخصية؛ يكشفان عنه كزعيم يبعث على الضحك... وإلى حد ما: الشفقة. وقد 
يضحك الإنسان منه؛ فكل من هيرمان أيلتس (السفير الأمريكي في مصر) وأنا فعلنا ذلك بهذه 
أنه لا يمكن أن ينسى الإنساء ذا الرجل المضحك أوقع الكثير من الضرر 











(33) المصدر تفي من 168 
(لذ) المصدر تقسه. صن 109 
(35) محمد فرزي. حرب أكتوبر عام 1973: درفسة ودروس (الفاهرة: دار الستضبل العربي. 01985 ص 52. 


7 


بمصر. وقد قال زائر أمريكي لم يحدد هويته لرابين ‏ وربما يكون كيسنجر: إن الخوف من 
الحرب كامن في عظامه». وقد عانت مصر من جراء هذا كما يؤكد فهمي"". 

ويضيف فهمي: إن «المشكلة عند الرئيس السادات هي ميله إلى خلق جو درامي وإعطائه 
أهمية غير عادية. وكثيراً ما توهم أشياء لم تحدث مطلقاًء ثم بيانات متعارضه تماماً مع الحقيقة. 
فقد كان هدفه الوحيد إيهام الناس بحدوث ما يقوله» متناسياً باستمرار أن هناك أكثر من طرف 
لكل حدث سياسي دوليء وأن هناك مستندات أجنبية رسمية لجميع الاتصالات 
والمعاملات»””7. 

من هذا المنظور ضبط السادات متليساً باقتراف «جريمة الكذب». وهي جريمة أخلاقية» قبل 
أن تكون جريمة سياسية وقانونية. وقد تولى السادات بنفه توثيقها في مذكراته. وشهود ذلك 
اثنين من أبرز معاونيه وأعمدة سلطته. وبخاصة في «ثنائية الحرب والسلام» التي تجسد صميم 
مضمون هذه الدراسة هما: رئيس أركان حرب القوات المسلحة سعد الدين الشاذلي؛ ووزير 
الخارجية إسماعيل فهمي. كل منهما مستقلاً عن الآخر. 

أولاً. شهادة الشاذلي» في كتابه بعنوان: حرب أكتوبر: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي» 
تتصل هذه الشهادة بالقرار الذي اتخذه السادات في تموز/يوليو عام 1972. بالاستغناء عن 
خدمات الخبراء والمستشارين والفنيين السوفيات في مصر. إن تسلسل الوقائع المسجلة 
والموثقة جاء على النحو الآتي: 

١‏ استقبل السادات وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان؛ قادماً من الولايات المتحدة» في 
6 تموز/يوليو 1972 وأثار معه. من جديد. موضوع الوجود السوفياتي في مصرء الذى يعيق 
الولايات المتحدة عن التدخل لحل القضية. يرتبط بهذه الزيارة عنصران ذوانا أهمية بالغة: 

العنصر الأول؛ أن أولى خطوات التقارب المصري ‏ الأمريكي. الذي أذت السعودية دوراً 
بارزاً فيهاء تمثل بالقضاء على الوجود السوفياتي في مصر. أهم أولويات السياسة الأمريكية في 














ومن ثم؛ وضمن عوامل عديدة شجعت السادات على اتخاذ قراره تصفية الوجود 
السوفياتي في مصرء تأني الرسالة الشفوية التي بعث بها نيكسون إلى السادات» والتي حملها 





إليه سلطان. لتؤدي السعودية دوراً بالغ الاهمية في هذا الشأن؛ متضمنة تأكيد امتلاك الولايات 
المتحدة وحدها ممتاح حل الأزمق. والتلويح بأن الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات رهن 
بتصفية الوجود السوفياتي في مصر. 

(36) المصدر تقسه, صن 111-110 


(37) المصدر تقس صن 315. 


272 


العنصر الثاني» أن سلطان كان برفقته في هذه الزيارة كمال أدهم مدير المخابرات العامة 
السعودية. وهو صهر الملك فيصل؛ الذي تزوج شقيقته الملكة عفت» وهو رجل استخبارات 
معروف باتصالانه بالولايات المتحدة» وبالغرب عموماًء وبخاصة بأجهزة الاستخبارات الغربية. 

هنا تنبغي الإشارة إلى أن أدهمء. أذَى دوراً 
الحقيقة في عملية التحول الكبرى من الصراع إلى التسوية التي قادها السادات» كما سيأتي 
بيانه. وكان السادات يستدعيه باستمراره وكان صديقاً له من قديم, إلى درجة أن السادات كان 
الشاهد على عقد زواجه. كان أدهم. منذ بداية العلاقة بينهما عام 01954 مستشاراً للامير فيصل 
قبل أن يصبح ملكا على السعودية. ثم أصبح مستشار الملك فيصل الأول والأقرب» ومدير 
المخابرات العامة السعودية» وهي البنت الشرعية للاستخبارات المركزية الأمريكية» وأدهم نفسه 
لم يكن يدكر هذا. بل لقد تكشف لاحقاً أن أدهم كان يشغل مهمة «المنسق الإقليمي 
للاستخبارات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط». كما وثق ذلك عبد القتاج أبو الفضلء ني 
اكتابه يعنوان: كنت نائباً لرئيس المخابرات» الذي تذ تضمن أيضاً من ضمن الوثائق التي جرى 
نشرها بعد اقتحام السفارة الأمريكية في إيران عام 1979 وثيقة توضح أن الاستخبارات المركزية 
الأمريكية قد أنشأت مركزً لها في القاهرة لمكافحة الشيوعية» تحت إدارة أدهم وكان يعاونه عن 
مصر حسن التهامي! كما كان أدهم وكيل شركة بوينغ» المتخصصة في إنتاج الطائرات المدنية 
والعسكرية» في المنطقة العربية". 

2 استقبل السادات الفريق أول صادق وزير الحربية وقتهاء في 1972/7/7ء وأبلغه بقرار. 
وعندما هم «صادق» بالمناقشة: بادره السادات بالقول: إن هذا الإبلاغ «للعلم وا 
لا للمناقشة» على حد تعبير صادقء كما أخيره السادات بنفسه أنه سيبلغ السفير السوفياتي هذا 
القرار في اليوم التالي» وهذا ما كان. 

3 في اليوم التالي استقبل السادات السفير السوفياتي» فقي 7/8 وأبلغه بقراره. 

كل الوثائق والسجلات الرسمية» وحتى الصحف. تقر بهذا التسلسل للوقائع» لأن هذا ما 
حدث فعلاً. أما السادات فقد سجل في مذكراته أنه استقيل السفير السوفياتي» وأبلغه بقرارهء في 
6 وليس في 1972/7/8! وهو بذلك يناقض نفسه؛ فقد نشر في مذكراته ذاتها صورة 
زنكوغرافية للكتاب الذي أرسله إلى الزعيم السوفياتي بريجنيف بهذا الشأن» تؤكد أنه استقبل 
السفير السوفياتي في 91972/7/8. 








رزاً في «توجيه؟ السادات والتأثير فيه وفي 












ب فرئبس المخابراث (القاهرة: مزسة الأهرام. 2016). 
لبحث عن الذاث: قصة حبائي (القاهرة: المكب المصري الحديث.: 401972 ص ذه 


73 


من هنا التساؤل: من هم الأشخاص الذين أسهموا في زرع هذه الفكرة في ذهن السادات» 
وتشجيعه على إخراجها إلى حيز الوجود؟ ولماذا يحاول السادات الادعاء بأنه أخطر السفير 
السوفياتي بقراره في 1972/7/6؟ وهو خطأ مقصود بلا شك؛ لأنه ورد في مذكرات السادات 
مقروناً بمعلومات تؤكد أن الخطأ مقصود. وهو قوله للسفير السوفياتي: «وسأعلم وزير الحريية 
غداً بهذا الأمر» للعمل به. في حين أن الحقيقة هي أنه أبلغ الوزير في اليوم السابق. وقبل إبلاغ 
السفير. معنى ما تقدم أن السادات قد هدف متعمداً تسلل الوقائع» بطريقة مغايرة 
للواقع» لكي يبعد شبهة التأثير في قراره من أية جهة» حتى من وزير حربيته. خلاصة الأمر أن 
حرص السادات على إخفاء الضغوط السعودية والأمريكية عليه. كما تجدها زيارة وزير الدفاع 
السعودي الأمير سلطان. في 1972/7/6 هو الذي دفعه إلى هذا التلاعب في تسلسل الوقائع. 

ويمكن القول إن مقداراً كبيراً من أكاذيب السادات كان من نصيب الشاذلي. بالإشارة إلى 
دوره الكبير في الإعداد لحرب عام 1973 والانتصار الباهر الذي تحقق في أيامها الأولىء فضلاً 
عن أنه من القادة العسكريين القلائل الذين تحققت لهم مكانة وشهرة شعبية واسعة» كقائد 
لسلاح الصاعقة, ثم لنجاحه في العودة باللواء الذي كان تحت قيادته سليماً في غمار هزيمة 
عام 1967. من هذا المنظور يقول الشاذلي في مذكراته: «السادات بياع شاطر؛ فهو عندما يريد 
أن يخفي خطأ ارتكبه. أو عندما يريد أن يبرر قراراً لا يقبله المنطق.. فإنه يلجأ إلى تغليف ذلك 
في سلسلة من الأكاذيب. فإذا نحن قرأنا تصريحاته وما نشره في كتابه البحث عن الذات: قصة 
حياني ثم قارنا ما جاء في هذا الكتاب مع ما جاء في كتب ومذكرات القادة» التي نشرت بعد 
وفاته» فإننا نجد أن السادات ارتكب الكثير من الأكاذيب التي يظهر فيها العمد واضحاً»؛ من 
ذلك" 

١‏ ذكر السادات في كتابه: البحث عن الذات؛ قصة حياتي أنه عزل الشاذلي اعتباراً من يوم 
09 رغم أنه استمر يمارس مسؤولياته كرئيس أركان حرب حتى يوم 1973/12/12 
يؤكد ذلك القرار الجمهوري الذي أصدره بنقل الشاذلي إلى وزارة الخارجية. كان السادات يريد 
أن يربط بين تاريخ قرار العزل «الكاذب» والادعاء الباطل الذي افتراه على الشاذلي عندما ادعى 
أنه كان يطالب بسحب جميع القوات المصرية من شرق القناة. 

2 اذعى السادات أنه كلف الشاذلي بالتوجه إلى الجبهة يوم 1973/10/16 وأنه عاد يوم 
59 , بينما تؤكد وثائق القوات المسلحة. ويوميات الحرب المسجلة. وشهادة الشهود 
من القادة الكبار» أنه ذهب إلى الجبهة مساء يوم 1973/10/18ء وعاد منها يوم 1973/10/20 
وكان السادات يهدف من جراء التلاعب بهذه التواريخ أن يلقي على الشاذلي تبعة عدم القضاء 

















(40) المصدر تقسه. ص 456 293 


74 


على الثغرة حيث إن العدو يوم 1973/10/16 كان يقدر بنحو لواء مشاة وكتيبة دبابات» في حين 
أنه كان قد أصبح مساء يوم 1973/10/18 وقت وصول الشاذلي ‏ فرقتين مدرعتين» بهما 5 ألوية 
مدرعة ولواءان مشاة. 

3- اقعى السادات أن الشاذلي عاد من الجبهة منهاراً. وهي فرية لا تليق برجل الصاعقة 
الشهير» كما زعم أنه طالب بسحب كل القوات من شرق القناة» ولم يكن ذلك صحيحاً بالمطلق. 
القد اكد الجمسي بحسم أن الشاذلي لم يكن منهاراً عند عودته من الجبهة: وأنه طالب فقط 
بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق» حتى يمكن التصدي بها للعدو ني غرب 
ولقد عقب الجمسي على هذا الموضوع بقوله: «الشاذلي ليس من ذلك النوع من الرجال 
الذي ينهار؛ فهو يمتاز بالشجاعة والجرأة. وطبيعة شخصية الشاذلي لا تتسم مطلقاً بالجبن 
والانهيارء بل بالشجاعة والإقدام» فهو حقيقة وعلى مدى تاريخه العسكري كان جسوراً 
ولا يخشى شيئاًء وقد اختلفت مع الشاذلي في بعض أفكاره» لكن لا خلاف على أنه بطل من 
أبطال حرب تشرين الأول/أكتوبرء المجيدة؛ مهما حاول السادات أن يطمس هذه الحقيقة»". 
كان السادات يرمي من وراء هذه الأكذوبة أن بيع إلى الشعب المصري قراره الخاطئ عن طلب. 
وقف إطلاق النارء وهو في موقف الضعفء فكأنه يريد أن يقول للشعب أن «الشاذلي يريد 
سحب كل قواتنا من شرق القناة» أما أنا السادات فإنني نجحت من خلال اتفاقية فض الاشتباك 
في أن احتفظ يقوات في شرق القناة» تقدر بحوالى 7000 ضابط وجندي". 

4- اذعى السادات أن مؤتمر القيادة عقد مساء يوم 41973/10/9. وأنه طلب في نفس الليلة 
السفير السوفياتي ليبلغه بقراره الخاص بوقف إطلاق النارء في حين تؤكد وثائق القوات 
المسلحة» ويوميات الحرب المسجلة» وشهادة الشهود من القادة الكبارء أن الحقيقة هي أن هذا 
المؤتمر كان مساء يوم 1973/10/20 واستمر حتى منتصف الليل. بالتالي فإن قراره بطلب وف 
إطلاق النار كان في الساعات الأولى من يوم 1973/10/21 وقد أكد ذلك حافظ إسماعيل» 
الذي تولى إبلاغ السفير السوفياتي بقرار السادات» هذه الحقيقة في مذكراته”: كما أكدها 
هيكل في كتابه: حرب أكتوبر: السلاح والسياسة”*. وقد لجأ السادات إلى التلاعب في هذه 
التواريخ حتى يتماشى ذلك مع كذبة أخرى حين زعم أثناء انعقاد المجلس الأعلى للقوات 
المسلحة؛ يوم 1973/11/21: إن ليلة 18 -19 هي سبب كل المشكلات التي حدثت» ولو إننا 
عملنا بحسم وقوةء خلال تلك الليلة, لأمكننا القضاء على الثغرة». كان السادات يرمي من وراء 























(1) يرسف حسن برسف, المشبر الجمي ‏ الجنرال الصامت من المبلاد... حثى السمات (القاهرة: كنوز للنشر 
والترزيع. 2012). صن ذا و202. 

(32) السادات, البحث عن الذاث: قصة حبائي؛ من 343 

(43) هبكل. أكتوير 73: السلاج والسياسة. ص 318. 





75 


هذه الكذبة تحميل مسؤولية الثغرة إلى الشاذلي وقت أن كان في الجبهة, ولذلك أراد أن يربط 
بين هذه الكذبة وبين تاريخ عودة الشاذلي من الجبهة. وتاريخ طلب وقف إطلاق الثار. 

5 ذهب السادات إلى حد الكذب على الشاذلي نفه. الذي كان قد رفض تعيينه سفيراً في 
وزارة الخارجية» ولكي يقنعه السادات بقبول منصب سفير مصر في بريطانيا أ' 1 
اتفاقية سرية للحصول على أسلحة من ألمانيا الغربية: وأن منصبه في بريطانيا هو فقط للتغطيق. 
لكنه سيكون مسؤولاً عن الإشراف على هذا الموضوع. قبل الشاذلي على أساس أن خدمته 
سفيراً ستكون امتداداً لخدمته في القوات المسلحة. لكن بعد أن ذهب إلى بريطانياء وأجرى عدة 
اتصالات بهذا الخصوص. اكتشف أن القصة بأكملها لا أساس لهاء وكانت من نسج خيال 
السادات. 

6 يروي الشاذلي كيف مارس السادات الكذب على القيادة السورية من قبل أن تبدأ الحرب 
عام 1973ء ثم في أثنانها؛ حيث يقول: «في شهر نيسان/إبريل عام 1973 أخبرني وزير الحربية 
بأنه يرغب في تطوير هجومنا في الخطة لكي يشمل الاستيلاء على المضايق. فأعدت له ذكر 
المشكلات المتعلقة بهذا الموضوع. وبعد نقاش طويل أخبرني أنه إذا علم السوريون بأن خطتنا 
هي احتلال 1١0‏ 15 كم شرق القناة فقط فإنهم لن يوافقوا على دخول الحرب معناء وأخبرته أن 
بإمكاننا أن نقوم بهذه المرحلة وحدناء وأن نجاحنا سوف يشجع السوريين للانضمام إلينا في 
المراحل التالية. لكنه قال إن هذا الرأي مرفوض سياسياً. وبعد نقاش طويل طلب إليّ تجهيز 
خطة أخرى تشمل تطوير الهجوم؛ بعد العبورء للوصول إلى المضايق وأخبرني أن هذه الخطة 
سوف تعرض على السوريين لإقناعهم بدخول الحرب. لكنها لن تنفذ إلا في ظل ظروف 
مناسية». ثم أضاف قائلاً: «فلنتصور مثلاً أن العدو تحمل خسائر جسيمة في قواته الجوية - 
وهي عنصر التهديد الاساسي ‏ وأنه قرر سحب قواته من سيناء» فهل سستوقف نحن على مسافة 
0 15 كم شرق القناة لأنه ليس لدينا خطة لمواجهة مثل هذا الموقف؟». وعندما قام الشاذلي 
بزيارة سورية للتنسيق في شأن الحرب المنتظرة حذره السادات من إبلاغ الرئيس السوري الأسد 
الخطة المصرية الحقيقية؛ التي تتوقف عند احتلال 10 15 كم شرق القناة فقط» وأن يعرض 
عليه «الخطة المزورة» التي تتضمن الوصول إلى المضايق! ويعقّب الشاذلي: «لقد كنت أشعر 
بالاشمنزاز من هذا الأسلوب الذي يتعامل به السياسيون المصريون مع إخواننا السوريين» لكني 
لم أكن لاستطيع أن أبوح بذلك للسوريين. وقد ترددت كثيراً وأنا أكتب مذكراتي هذهء هل أحكي 
القصة أم لا؟ وبعد صراع عنيف بيني وبين نفسي قررت أن أقولها كلمة حق لوجه الله والوطن. 
إن الشعوب تتعلم من أخطانهاء ومن حق الأجيال العربية القادمة أن تعرف الحقائق مهما كانت 
هذه الحقائق مخجلة». 































76 


من ناحية أخرى يشير سعد الدين الشاذلي إلى إحدى خصائص شخصية السادات» المرتبطة 
بالميل إلى «الكذب». التي تتمثل بالبحث عن هكبش فداء»» يلقي عليه بتبعة أخطائه؛ فيقول: 
لا بد أن مسؤوية ثغرة الدفرسوارء وحصار || الثالث. كانت تقلق السادات» وتدفعه للبحث 










عن شخص لكي يلقي عليه بهذه المسؤولية. هذه هي طبيعة السادات؛ وقد اعترف بها في 
مذكراته» في أكثر من موضعء لكن في سياق آخر. إنه لكي يبرئ نفسه من أية تهمة لا يتردد في 


أن يتهم شخصاً آخر بتهمة لم يرتكبها. ففي اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ في 
:» وكما تقدم, قال السادات بطريقة عفوية» وهو يعرض أحداث الحرب: 9إنها ليلة 
واحدة هي البب في المشكلات كلها التي حدثت» تلك هي ليلة 18 ١9‏ تشرين الأول/ 
أكتوبر. لو إننا عملنا بحسم وقوة خلال تلك الليلة لقضينا على الثغرة. إنها تلك |١‏ 95 
فيها يا سعد في الجيش الثاني». ويقول الشاذلي: «فهمت قصده. ورددت عليه 
الرئيس لقد بذل رجال الجيش الثاني أقصى ما يمكن عمله خلال تلك 
الحربية مغزى رد الشاذلي فقال له. بعد مغادرة السادات: «ما كان لك أن ترد على الرئيس بهذه 
الحدة»!» فكان رد الشاذلي موجزاً. 0 5 

ويضيف الشاذلي: «ثم أثار الرنيس موضوعاً مهما وركز عليه طويلاً. وهو موضوع الجيش 
والسياسة. حيث القوات المسلحة يجب أن تلتفت إلى عملها وألا تتدخل في السياسة. 
إن عملية الفصل بين القوات هي عملية سياسية. وسواء تم التوصل إلى اتفاق أو لا فإن هذا 
لا يعنيكم في شيء. وعليكم أن تهتموا فقط بأعمالكم». ويعقب الشاذا خيرتنا الطويلة 
في القوات المسلحة فإن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تصدر عن رئيس الجمهورية إلا إذا 
كانت رداً على شائعة» أو كان المقصود منها إبلاغ شخص ما برسالة أو إنذار بطريقة مسحرة. من 
اهم يا ترى الأشنخاص الذين يعنيهم الرئيس بهذا الكلام؟ من هم أكثر الناس إلماماً يأسرار حرب 
أكتوبر وخفاياها؟ 

بعد ثلاثة أسابيع من هذا اللقاء جاء الرد على هذا التساؤل. «لقد أقال الرئيس كلاً من 
الشاذلي رئيس الأركان» وواصل قائد الجيش الثالث» وخليل قائد الجيش الثاني» ومأمون قائد 
الجيش الثاني حتى يوم 1973/10/14 من مناصبهم العسكرية» وعرض عليهم وظائف مدنية 
سامية. لكن هذه الوظائف السامية لم تستطع أن تخفي الحقيقة وهي أن السادات تخلص من 
أكثر الناس إلماماً بأسرار الحرب. ويضيف: ولكي يثير السادات الشكوك حول مسؤولية الثغرة 
بين جرى تكريمهم في مجلس الشعبء ولا قادة 
الثاني والثالث» الذين عُزْلوا من مناصبهم»"! 
























(44) المصدر تقسه. صن 478-377 


7 


في نفس السياق يلفت أمين هويديء وزير الحربية ثم مدير المخابرات العامة بعد هزيمة عام 
7 إلى «الكذبة الكبرى؟ التي عمد إليها السادات» في إطار التحضير لحرب عام 1973 
حيث يقول في كتابه: الفرص الضائعة: "وعلينا أن نلاحظ على السادات أنه كان يتبع الازدواجية. 
في قراراته.. أي أن معظم قراراته كانت تآمرية: يوافق على القرار ويصدره. لكنه ينفذ قراراً 
آخرء حتى ولو تم ذلك من وراء مساعديه. وإنه عندما اجتمع مع حافظ الأسد في برج العرب 
في نيان/أبريل 1973 أن الأسد لن يقائل إلى جانبه ما لم يكن الهدف المشترك هو 
تحرير سيناء والجولان» بالضغط المتزامن على إسرائيل» فإن السادات باعه خطة «جرانيت 2» 
(الوصول بقواتنا إلى خط المضايق)» بينما كان ينوى تنفيذ خطة «المآذن العالية» التي لا تنضمن 
ذلك»*””. وهنا الكذب يجري على المستوى الرسمي للعلاقات بين الدول. وفي صميم دائرة 
الأمن القومي. وفي الاستراتيجية القومية العليء وبين «رفاق السلاح» لا في «معركة مشتركة». 
إنما في معركة واحدة» وضد عدو واحد. ولااشك في أن ما بين مصر وسورية» من قبل ومن 
بعد. أكبر كثيراً من مفهوم «العلاقات بين الدول»: كما أن مدار المباحثات كان يجري حول 
التحضير لشن «حرب». أعلى ميادين الخطر على وجه الإطلاق» حيث ينبغي أن تكون الثقة 
مطلقة. وهي حرب تقرير مصير يصدق عليها القول الشهير: نكون أو لا نكون! 

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل يصل هويدي في استنتاجه إلى: «إن السادات كان 
يلعب على الاسد (حين باعه الوصول إلى خط المضايق). وأن الأسد كان يلعب على 
السادات (عندما اتصل بالاتحاد السوفياتي. بعد بداية القتال. لاتخاذ قرار بإيقاف إطلاق النار 
دون علم السادات)... أي أن الرئيسين كانا يلعبان على بعضهما البعضء وليس مع بعضهما 
البعض06! 

ثانيً. شهادة فهمي: تدور هذه الشهادة حول أصول قرار السادات بالذهاب إلى إسرائيل؛ 
حيث يشير فهمي إلى أنه توجه مع السادات إلى رومانياء في 28 تشرين الأول/أكتوبر عام 1977 
حيث كان الرنيس الروماني تشاوشيسكو يرغب في أن يكون همزة وصل بين مصر وإسرائيل» 
وكان قد التقى رئيس وزراء إسرائيل الجديد بيغين» الذي عرض عليه «خطة سلام»» وهي تمثل 
نفس «الوضع النهائي» الذي تلتزم إسرائيل حتى الآن: لا دولة فلسطينية» والقدس هي العاصمة 
الأبدية الموحدة لدوثة إسرائيل؛ ولا انسحاب من الجولان» وكان ذلك أمام السادات مبكراء ومع 
ذلك ذهب إلى إسرائيل. يعقب فهمي: «اتفق معي السادات أن عرض بيغين لم يكن مخلصاء 
لأنه يبرز عدم موافقته على دولة فلسطينية مستقلة» تحت أي ظرف». 




















(45) أنبن هويدي. الفرص الضائعة (بيروت: شركة المطبوعات للترزيع والنشر. 1992). ص 330 338. 
(46) المصدر تقسه ص 340 390. 


ويضيف فهمي أن فكرة زيارة إسرائيل ولدت هناك» حيث أبلغه بها السادات فجأة في قصر 
اء» (وهي منتجع روماني يحمل الاسم المصري نفسه)... «لم نكن نطير فوق 
ران» كما قال السادات في مناسبات عدة» وكما كتب في كتابه البحث عن 











النات: قصة حياتي. وعندما سأله دايان: متى كانت المرة الأولى التي خطرت إليك فيها فكرة 
القدس؟ أجاب السادات: عندما كنت في طريقى لزيارة شاه إيران... والفكرة الأولى التي 


مرت بخاطري كانت شيئاً آخرء هو الاتصال بالأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن... 
وأن أتترح أن يذهب جميعهم إلى القدس... ثم تغير رأيي... لقد بدا لي أن الدول العظمى 
الخمس قد لا تصل إلى ما انتظره منهم وأن فشلهم لا شك سيزيد من خطورة الموقفء وهنا 









قرت أن أذهب بنفسي إلى إسرائيل». 

يؤكد فهمي بحم أيضاً رببساطة؛ إن هذا الحديث لا صحة له مطلقاً؛ فالسادات لم يفكر 
في الذهاب إلى القدس حين بين السحب فوق تركياء أو بعد ما ترك الرياض في طريقه 
إلى القاهرة... لقد فكر في المشروع خلال وجوده في متتجع سيناء برومانياء وتناقش معي عن 
عرض إسرائيلي واضح الانحراف» ينقصه حسن كذلك لم يكن صحيحاً أن السادات 


خلال رحلته إلى طهران فكر في احتمال عقد مؤتمر عالمي في القدس الشرق 
اقترحت عليه هذه الفكرة؛ في محاولة لإقناعه 
هذه الدرجة يمارس السادات جريمة الكذب. مراراً وتكرارً؛ ويوئق ذلك كتابة بنقسه! 
أن السادات بنفسه قد أكد صدق شهادة فهمي في مذكراته. حين أشار إلى أنه لم يناقش فكرة 
زيارة إسرائيل إلا مع إسماعيل فهمي. 

كذلك أكد السادات في كتابه: البحث عن الذات: قصة حياتي أنه تسلم «رسالة خطية» من 
كارترء في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر عام 1977. وأن أحداً غيره لم يطلع عليهاء يل وأضاف: 
وريما لن يطلع عليها أحد بعد بينما يؤكد فهمي أن كذب السادات بخصوص هذه الواقعة جاء 
مملوءاً بالخيلاء والادعاء؟ انوه السادات بأن هناك شيئاً غير عادي في هذه الرسالة؛ ليخلق 
انطباعاً على نحو ما بأن هناك صلة بينها وبين الذهاب إلى القدس. كذلك ادّعى أن هذا الخطاب 
الم يقرأه إنسان آخر غيره. وهذا كله غير صحيح؛ فالخطاب لم يحتو على شيء سوى التماس 
للسادات بأن يؤثر في الاسد والمنظمة. والسادات بنفسه سلم إليّ هذا الخطاب» وقرأته». 
ويضيف فهمي: «والمشكلة عند السادات هي ميله إلى خلق جو دراميء وإعطائه أهمية غير 
عادية... وكثيراً ما توهّمَ أشياء لم تحدث مطلقاًء ثم يلقي بيانات متعارضه تماماً مع الحقيقة.. 
فقد كان هدقه الوحيد إيهام الناس بحدوث ما يقوله» متناسياً باستمرار أن هناك أكثر من طرف 
لكل حدث سياسي دولي؛ وأن هناك مستندات أجنبية رسمية لجميع الاتصالات والمعاملات. 
ومن بين خيال السادات الجامح إدعاؤه أن رده على خطاب كارتر كان رداً خاصاً وأنه هو وحده 
























79 


الذي يعلم محتوياته.. وني واقع الأمر أنني «أناء الذي أعددته له وقد قام بنسخه بخط يدم 
ليتماشى مع الأصول الدبلوماسية بأن خطاباً بخط اليد يرد عليه بمخطوط آخر. وعندما أتأمل 
الماضي لابد أن أعترف بانه مهما حدث فالمسودة التي كتبتها قد تكون هي التي أحيّت فكرة 
السادات بالذهاب إلى القدس.. فلمعرفتي بحيه للكلمات القوية أضفت جملة تعني أنه سيتخق 
خطوة شجاعة ليساعد مجهودات كارتر.. ولم أتصور أن كلمة «شجاعة» ستضرب على وتر 
حساس في خلد السادات» وتشعل فكرته بالذهاب إلى القدسء لكن الحقيقة أن هذا ما 
حدث». 

ورغم أن الرسالة لم تتضمن أية تفصيلات محددة عن قيام السادات بزيارة إسرائيل» إلا أن 
مضمون الرسالة كان مصوباً نحو ذلك الاتجاهء بدفع السادات وحثه على تخطي العوائق 
القائمة. على أساس أن الوقت قد حان لكي يتخذ السادات خطوة جريئة؛ إذا أراد مزيداً من 
التقدم فإن عليه أن يتخذ المبادرة؛ مع إلحاح كارتر على الأهمية البالغة لقبول الأطراف كافة 
الاجتماع معاً. 

استناداً إلى هذين التقريرين ‏ في شأن زيارة السادات إلى إسرائيل» ورسالة كارتر إليه - 
تخلص فائن عوض إلى النتيجة الآثية: «وبرسالة كارتر تبدل فكر السادات بأن إسرائيل هي التي 
تمتلك 99 بالمئة من أوراق الحلء وليست الولايات المتحدة كما كان اعتقاده. لذلك غير وجهته 
نحو القدس. هكذا بدا أن السادات أصبح مستعداً للتسوية؛ بما تتضمنه من قرارات صعب 
وبخاصة التفاوض مع إسرائيل بدون وسيطء ويغير مشاركة الدول العربية إذا لم تكن مستعدة 
الذلك'". 

وني إطار متابعة «مسلسل الكذب» الذي اعتاده السادات» تمكن الإشارة إلى أن السادات قد 
وصل إلى الكذب على الشعب المصري علنأ ودون أن يرف له جفنء ومن ذلك مناست 
: أولاهما ‏ حينما اعتبر «عملية الشغرة» مجرد «معركة تلفزيونية»» وثانيتهما ‏ أن الجيش 
الثالث لم يكن محاصراً أصلاً. وذلك في حديثه أمام مجلس الشعب في الجلسة الخاصة التي 
عقدها لتكريم قادة حرب تشرين الأول/أكتوبر, التي جرت في شباط افبراير 1974. في تلك 
الجلسة دار الحوار الشهير بين السادات والفريق أحمد بدوي الذي تولى مسؤولية قيادة الجيش 
الثالث بعد وقف إطلاق النار» حيث ورد فيه الجزء الآتي: 

السادات: الجيش الثالث كان محاصراً يا بدوي؟ 




















(47) الساداث, البحث عن الذاث: قصة حباتي, ص 316315 
(48) فئئن عوض,ء الساداث ‏ 35 عاماً على كامب دايفيد. ط 3 (القاهرة: مؤزسة الطويجي للتجارة والطباعة والنشر.. 
008 من 127 








يدوي: لايا أفتدم. 

السادات: الأكل كان ببوصلكم بانتظام يا بدوي؟ 

بدوي: نعم يا أفندم. 

كان الراديو والتليفزيون يذيعان هذا الحفل على الهواء» وكان السادات يعلم وهو يدير هذا 
الحوار أنه يكذب على الشعب المصريء وكان يعلم أن مليون ضابط وجندي في القوات 
المسلحة» وعن طريقهم يعلم شعب مصر بأكمله. يعلمون أن الجيش الثالث كان محاصراً. 
اعتباراً من يوم 1973/10/22ء وأنه بقي في الحصار أكثر من ثلاث أشهرء إلى أن تم التوصل إلى 
فك الحصار في إطار «تسوية سلمية». 

كان هذا هو الوجه الذي يواجه به شعب مصر. أما الوجه الآخر الذي يواجه به الولايات 
المتحدة. بخصوص هذه المشكلة. فقد كان شيئاً آخر. ففي أول زيارة قام بها إسماعيل فهمي 
إلى الولايات المتحدة» في 1973/10/19 وتلقى خبر تعيينه وزيراً للخارجية فور وصوله إليهاء. 
من حافظ إسماعيل مستشار السادات للامن القومي. اء على توجيه 
يلح فيها على مطالبة كيسنجر بأن يقدم «خطاب ضمان» من الولايات المتحدة 
تتعهد فيه بألا تقوم إسرائيل بأية عمليات عسكرية ضد قوات الجيش الثالث المحاصرة في 
الضفة الغربية من قناة السويس. معنى ذلك أن السادات كان يعلم لا فقط أن هناك أخطاراً 
محتملة تحيط بالجيش الثالث. فوق مشكلة الحصارء تتمثل بأن تقوم إسرائيل بأية عمليات 
عسكرية ضد القوات المحاصرة» بل أيضاً أن القوات المصرية التي كانت تحيط بالثغرة» لم تكن 
اقادرة» من باب أولى» على قك حصار الجيش الثالث!**, 

يخلص الشاذلي من كل ذلك إلى أن اختراق العدو لمواقع الجيش المصريء في منطقة 
الدفرسوار» لم يكن «معركة تلفزيونية»: بل إن الاحتفال الذي أقامه السادات في مجلس الشعب 
في شباط/فبراير عام 1974ء كان هو «المعركة التلفزيونية» الحقيقية, التي يعلم العالم أجمع 
مدى زيفها"". 

واصل السادات مسلسل أكاذيبه الكبرى حين ادعى أن الاتحاد السوفياتي قصّر في إعطاء 
مصر السلاح والعتاد» إلى حد الادعاء كذياً أن كباري العبور كانت من إنتاج مصرء كما أنه لم 
يكن يطلع مصر على معلومات أقمارهم الصناعية عن إسرائيل. كان السادات بهذه الأكاذيب 
يمهد الطريق للتوجه إلى الولايات المتحدة. يقول الشاذلي في مذكراته بهذا الخصرص» 























(49) فهمي. النفاوض من أجل اللام في الشرق الأوسط: ص 69. 
(50) سعد الدبن الشاذلي. حوب أككوير: مذكرات الفربق سعد الدبن الشاذلي. ط 3 (الفاهرة: رؤية للنشر والترزيع:. 
301) من 563 360 


ويشاركه مراد غالب وإسماعيل فهمي الرأي في مذكراتيهما: «لا يمكن لمنصف أن يقلل من 
حجم ونوعية الأسلحة والمعدات الفنية الحديثة التي قام الاتحاد السوفياتي بإمدادنا بها قبل 
وأثناء الحرب. وفيما عدا القوات الجوية» فلقد كان لدينا قبل قبل حرب أكتوبر أسلحة ومعدات 
لان أَعمًا تملكه إسرائيل. وعندما اندلعت الحرب أقام الاتحاد السوفياتي راج 
وبحرياً نقل خلاله 78000 طن إلى مصر وسورية» وأقامت أمريكا هي الاخرى جسراً جوياً 
وبحرياً نقلت خلاله 61105 أطنان إلى إسرائيل»""*. 

يقول مراد غالب في مذكراته ‏ من موقع السفير السابق في الاتحاد السوفياتي لمدة عشر 
سنين  1961(‏ 1971)» والخبير في العلاقات المصرية ‏ السوفياتية» والشاهد على الاجتماعات 
- وقد تولى وزارة الخارجية عام 1972: «كانت شكوى السادات من السوفيات تزداد 
الهم الاتهامات» ويتهمهم بالتواطؤء وعدم تلبية طلباتنا من الاسلحة. وذهبت إليه في 
استراحة القناطر. وشرحت له رأيي بكل صراحة؛ وأزعجته كثيراً صراحتي. قلت له: إن السوفيات 
لبد أن يتشككوا في اتجاهك؛ فجميع مؤسسات الدولة الحاكمة والمؤثرة في أيدي قيادات 
معروفة بعدم حماسها للعلاقات مع السوفيات, ولا أقول بعدائهاء من أمن إلى وزارة الداخلية 
إلى مجلس الشعب» إلى الصحافة» إلى الجيش وعلى رأسه الفريق محمد صادق الذي يكن 
كرهاً واضحاً لهمء إلى الاتحاد الاشتراكي... فرد وهو يكظم غيظه وقال: لا .. أنت لا تدري 
شينا! فقد كانت هناك اتصالات وتآمر بين السفير السوفياتي, والأجهزة السوفياتية في مصرء 
وبين «الأولاد» إللي أنا قبضت عليهم يوم 15 أيار امايوء ووضعتهم في السجن. ولولا هذا لكنت 
رأيت في مصر انقلاباً سوفياتياً. عدت إلى منزلي وأنا أنعجب وأسائل نفسي: ما الهدف من 
تعيبني وزيراً للخارجية» وهو يضمر كل هذا الشك والكراهية للسوفيات؟0”*. حيث كان سفيراً 
لدى الاتحاد السوفياتي لمدة عشر سنوات» كما أنه ينتمى إلى تيار اليسار الوطني. ثم يخلص 
إلى النتيجة الحاسمة الآنا تأكدت بعد مقابلتي السادات» ومن وقائع أخرى. أنه يضمر 
للسوفيات كل الكراهية والبغضء رغم أن الولايات المتحدة لا تزال تناور وتخادع؛ وتؤيد 
إسرائيل تأبيداً أعمى»'”. 

ويضيف غالب أن السادات أوفد محمود رياض وزير الخارجية لمقابلة بريجنيف بعد 
أحداث ١5‏ أيار/مايوء طالباً منه مفاتحتهم في نقل السفير فينوغرادوف من القاهرة» واتهامه بأنه 
يتصل بكل من سامي شرف وعلي صبري والفريق أول محمد فوزي وغيرهم. ورد عليه بريجنيف 






















(51) المصدر تقس, ص 573571 
(52) غالب. مذكراث مرلد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنواث الاتتصار وأيام الممحن. مس 178 179. 
(53) المصبر تقس صن 196 


32 


قائلاً: نحن ليس لدينا سفراء ينفذون سياسة مخالفة لسياسة الدولة» ثم إن الرئيس السادات نفسه 
قد قدمهم لي على أنهم زملاؤه وأصدقاؤه. وموضع ثقته. فمن الطبيعي أن يتصل بهم. ورفض 
بريجنيف نقل السفير فينوغرادو ف" 

أما إسماعيل فهمي فيرد هذا التوجه. في جانب منه مهم إلى المشاعر الشخصية لدى 
السادات نحو الاتحاد السوفياتي؛ حيث إن «كراهيته ظلت كبيرة كما كانت دائماً». ويضيف: 
«كانت المشكلة من وجهة نظر مصر هي أن السادات لم يستطع قط أن ينتحي جالباً كراهيته. 
اللسوفيات. وأن يقوم بعمل يضع مصلحة مصر في الدرجة الأولى. أي أن يقيم علاقات طيبة مع 
الاتحاد السوفياتي حتى يوازن الروابط الجديدة التي بدأت تنمو بين مصر والولايات المتحدة. 
وحتى عندما تأكد السادات أن الولايات المتحدة ليست مستعدة رد مصر بالعون العسكري 
المطلوب, لم يكن ذلك كافياً لبوضح للسادات أننا في حاجة شديدة إلى العون السوفياتي. 
وفوق كل هذا فإنه كان ينتهز كل فرصة لينفث عن حقده على الاتحاد السوفياتي علناء وفي 
أحاديثه الخاصة. وكانت تصريحاته المتكررة المعادية للاتحاد السوفياتي تختار بعناية» وتعرض 
بصورة بارزة في الصحف المصرية»"". 

فضلاً عن ذلك زعم السادات أن الجسر الجوي والبحري الأمريكي هو السبب الرئيسي 
الذي دفعه إلى المطالبة بوقف إطلاق النارء ويرد الشاذلي على ذلك بقوله في مذكراته: «وإني 
أقول أن هذه مغالطة» فلولا تدخل السادات في إدارة العمليات» واستجابة أحمد إسماعيل 
لهذ التدخلات؛ لما تأثر موقفنا بهذا الجسر الأمريكي. ولأصبح في استطاعتنا أن نطيل أمد 
الحرب إلى عدة شهور أخرى. وهو ما لا تستطيع إسرائيل أن تتحمله. حيث كان هذا هو 
جوهر الخطة التي دخلنا بها الحرب». من ثمة يتضح مدى زيف الشعار الذي رقعه السادات: 
«أنا غير مستعد أن أحارب أمريكا». فضلاً عن أن العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات 
المتحدة هي علاقة وطيدة: يعلمها العامة والخاصة منذ عشرات ١‏ الولايات المتحدة 
تمد إسرائيل بأحدث الأسلحة والمعدات» إلى جانب التكنولوجيا الحديثة» كما تقد لها 
مساعدات مالية ضخمة'. 

في ضوء ما تقدم تذكر الوثائق الإسرائيلية؛ التي تم الإفراج عنها بعد مرور 40 عاماً على 
حرب تشرين الاول/أكتوبرء قول غولدا مائير رئيسة الوزراء في تبرير ما حدث لإسرائيل أمام 
أغرانات»: «السادات أقل من ناصر في كل شيء؛ ورغم ذلك أ 
























(54) المصدر تقد صن 179. 
(55) قهسي؛ النفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. ص 172 
(56) اللشاذلي. حرب أكنوير: مذكراث الفربق سعد الدين الشاذلي. ص 573 573. 





8 


القرارات وحده؛ وكل شىء مركز في يده الآن» فهو قرر «طرد» الروس من مصرء ولم يكن 
هذا منطقياً مطلقاًء لكن ذات صباح يوم صافء قام ولم يسأل أحد. وقال للمستشارين 
الروس: عودوا إلى بلدكم؟. يخيل إليّ أننا مضطرون إلى أن نكون مستعدين لأشياء غير 
نطقية؛ لكن دون أن نصاب بذعرء نحن لا نعيش من أمس في هذه البيثة» والجيران هم 
أيضاً هكذا لا يفعلون دائماً أشياء منطقية. هم ليوا دائماً منطقيين» لكن هل هذا مهم أن 
حرباً تندلع لكونها منطقية أو غير منطقية, لكنها تكون حرباً بعد أن تندلع. ثم يكون لها بعد 



















: نحن لا نعرف لماذا لم تحدث الحرب في أيار/مايو؟ 





نةه هذه سئة الحسم بعد ذلك قال سيحدث في مارسء كنا معتاد ن طوال القت 
على أن السادات رجل غير جاد. يلقى بتواريخ ولاايخجل؛ وبعد ذلك لايفي: وكان كثيرون 
يتندرون عليه ويسخرون منه ويتساءلون كيف يستمر أصلاً؟: كيف يمكن للشعب أن 
يحتمله 8019 

من ناحية أخرى يذهب ديفيد هيرست وإيرين بيسون إلى ملاحظة هامة تربط بين شخصية 
السادات» وإحدى النتائج المدمرة لسياساته بالنسبة إلى العرب. بعد حرب عام 1973 التي بدا 
في أعقابها أنهم يصدد أن يصبحوا «القوة السادسة» في العالم» حيث ينطلقا من حقيقة أن قوة 
العرب تتمثل في وحدتهم. لكن هذه الوحدة كانت هشة. إذ كانوا يفتقرون إلى عناصر «القوة 
»» كما كانت فرصهم عرضية إلى حد كبير؛ فهم يعتمدون على حجمهم؛ والموقع 
الاستراتيجي الذي يعيشون فيه. وحديثاً هطلت عليهم ثروة وقوة للمساومة من جراء النفطء 
وهي كلها تتطلب قدراً من الروح الجماعية لتحويلهم إلى قوة حقيقية. وكان السادات هو من 
حقق هذا القدر من الروح الجماعية» من خلال حرب عام 21973 ثم جاء السادات نفسه فدمر 
.تلك الروح. قلماذا فعل ذلك؟ يقولان: لا شك في أنه كان هناك دور للظروف الموضوعية؛ لكن 
العوامل الشخصية, واحتياجاته النفسية الخاصة» أخذت تلعب بلا ريب دوراً مهما على نحو 
غير طبيعي في تشكيل أفعاله؛ إذ كان العبور يمثل مجده الشخصيء وبعد الانتصار «المخدر» 
لم يعد في استطاعته أن يعترف على الملا بالوقائع الجافة. ولم يكن بوسعه الاعتراف بأن عمل 
السلاح لم يتحول إلى نصر كامل؛ كما بدا لأول وهلة؛ وكان مثل هذا الاعتراف صعباً على أي 
شخصء لكنه بالنسبة إلى السادات كان مثل هذا الأمر مستحيلاً. بإحساسه الفطري يعدم 
ملاءمته. ورغبته القهرية في الانتقام من «الزعيم الخالد» بعد وفاته. ونتيجة لذلك فقد تم بناء 











(57) ترججمة الوثاتق السرية الإسرائيلية عن حرب أكتوير 1973 (القاهرة: المركز القومي للترجسة. 2014). 


84 


دبلوماسية السادات بأكملهاء في فترة ما بعد الحرب» على الخداع المتعمد, لا على المقدمات 
الخاطئة فحسب*. 
ذا كان السادات قد تعهد بإنهاء حال «اللاسلم واللاحرب» 
الذي كان يدّعيه كان يتوجب معه أن يؤدي تلقائياً وسعياً إلى غنائم للمنتصرء فيحصل العرب 
على «السلام العادل والدائم» كما عرفه الإجماع الواسع بيد أن حربه لم تكن كذلك؛ وعليه فقد 
وجد نفسه وهو يرمي عناصر القوة العربية واحداً بعد الآخرء وجرى التقليل من القوة النسبية 
التي تمتع بها بمرور الوقت» حتى وصل إلى حال ضعف ويأسء فأخذ الطريق السهل والوحيد 
الذي يسمح به مزاجه. وقام بمجهود دبلوماسي خفيّ ومنفرد. وكان الأمريكيون هم من زيّنوا له 
أن يسلك تلك الطريق؛ إذ كانت الحرب. والأداء العسكري الرفيع» والجدير بالإكبار لقيم «الدم 
العربي». والأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها حظر النفط. كلها أمور مثلت صدمة هائلة لدولة 
عظمىء تعودت أن تنظر إلى المنطقة العربية بعيون صهيونية'""! 

وتتبقى ثلاث ملاحظات: الأولى؛ عن العلاقة بين السادات وقدراته التمثيلية» وميوله 
السينمانية؛ والثانية» عن العلاقة بين السادات والإعلام الغربي؛ والثالثة. عن حال البذخ والفخامة 
التي أخل السادات يعيشهاء وينعم بها مع عائلته. 














يعشق || ينماء إنما كان يتمنى أيضاً أن يصبح من نجومها. ومنذ فجر شبابه وهو يحلم بالوقوف 
مام تبات اليا 1؛ قفي عام 1936ء كان ما يزال طالباً بمدرسة «رقي المعارف» ية عندما 
استجاب لإعلان بطلب وجوه جديدة للتمثيل في فيلم قادم» فأرسل صورة فوتوغرافية» وكتب 
55 أنه طويل.. وسطه رفيع جداً.. وصدري مناسب.. وسيقاني قوية.. متحكم في 
صوتيء فتارة تجدني أقلد يوسف وهبي.. وتارة تجدني أقلد صوت أم كلثوم». ونشرت مجلة 
روز اليوسف سقوط السادات أمام لجنة التحكيم في امتحان التمثيل. 

ومع أنه لم يصبح ممشلاً. فإنه ظل أسيراً لهوايته. حتى عندما احترف السياسة» وهذا رأي 
يجمع عليه أنصاره وخصومه؛ بل وباعترافه الشخصي. حتى المراقبين الأجانب قد لاحظوا عليه 
ميله الفطري للتمثيل. فتصفه دورين كايز مراسلة إحدى شبكات التلفزيون الامريكية؛ فتقول: 
*إن موهبة السادات في التمثيل كانت موهبة فطرية؛ وكانت تقوده إلى نوع من الأداء المأساوي - 
الكوميدي». 












(58) ديفيد هبرست وإبرين بيسرن الساداث, ترجمة محمد مطاوع (الفاهرة: دار الكتب للنشر والترزيع. 02016 
ص 213-212 
(59) المصدر تقه صن 213 204 


85 


أما هيكل فيصف هذا الجانب من شخصية السادات. في كتابه خريف الغضب. بقوله: 
مشكلة السادات أنه ابن عصر التلفزيون. لم يستطع مقاومة إغراء الإفراط في استغلاله» 





القد كان أول فرعون في تاريخ مصر جاء إلى شعيه مسلحاً بكاميرا. وكان أيضاً أول فرعون يقتله 
شعبه... وعندما اختفى وجهه عن الظهور على شاشات التلفزيون بدا وكأن أحد عشر عاماً من 
حكمه قد تلاشت بلمسة على زر»". 

وينقل هيكل عن السادات في أعقاب هروبه من المعتقل قوله: «وهنا كان علي أن أمثل فعلاً 
أدواراً حقيقية على مسرح الحياة وأنا هارب. حتى لا يقبض علي البوليس. كان علي أن أمثل كل 








الرواية قصة حياته؛ وإن هذا العنوان كان موة 
بيت والده كانت قاسية للغاية؛ فقد كان يضم ثلاث زوجات» 
لكنها الأخيرة في المعاملة من والده. ومن 
الحرفي للكلمة؛ بعد أن كانت أسرتها قد تحررت من «العبودية» بالمعنى انيما كي 
قاحر على الشعور بالانتماء إلى أي مكان... كان تواقاً إلى عطف الناس وإلى فهمهمء وكان 
مستعداً لأي شيء في سبيل الحصول على قبولهم ورضاهم... مجمل ذلك كله جعله في النهاية 
على استعداد لأن يعطي ولاءه لأي شخص أقوى منه تضعه الظروف أمامه. ولقد تعلم على كل 
حال كيف يتحمل صدمات. وأحياناً إهانات لا لزوم لها. ولما كان هناك رد فعل لكل نعل فقد 
تولد في أعماق أعماقه إحساس بالحاجة إلى الانتقام مما كان يعانيه. وهذا ما ولّد لديه نزعة 
العنف المكبوت, الجاهز للانفجار دواماً. إذا أحس أن عواقبه مأمونة. وعلى أية حال فلم يكن 
أمامه في تلك الأيام غير محاولة الهرب. والهرب المستمر إلى عوالم من صنع الأحلام والأوهام. 
إن «السادات الهارب» أصبح «السادات الحالم»؛ و«السادات الحالم» تحول إلى «السادات 
الممثل». ففي معظم حياته كان السادات يمثل دوراً في كل مرحلة. وفى بعض المراحل كان 





يمثل عدداً من الأدوار في نفس الوقت. إنه لم يكف أبداء ولم يخف على أية حال انبهاره 
بالتمثيل وغرامه به وإن فضل دائماً أن يخفي الأسباب التي دفعته إلى اتتحال شخصيات أخرى 





غير شخصيته |١‏ 
شبن جاتن به علط يكت روات سورةا . فوظف موهبته في 


التمثيل في خدمة دهاته في السياسة» ووظف الاثنين معاً في خدمة طموحاته. غير أن الشمن كان 
ظاً لأنه كلّقه حياته. 





(60) حبكل خرف 
0 الصو شام وان 






ة باية ونهاية عصر أثور السادات. ص 20. 


في هنا السياق كانت تتحكم في السادات أكثر من عقدة نقص نفية؛ وأخذ في التعويض 
عنهاء فضلاً عن إشباع رغبته في التمثيل؛ ومن أمثلة ذلك أنماط «الرداء العسكري» التي يدأ 
يخترعها بمزاجه» حتي يرتديها في مناسبات 0 
عسكرية صارمة. اختراعات السادات في هذا المجال تظهره وكأنه يملك البلاده ويحاول تقليد 
الملك فاروق» الذي كان يرتدي أي رداء للقوات المسلحة كما يريد إلا أنه لم يخلط الحابل 
بالنابل» ويخترع مثلما فعل السادات. فمرة يرتدي زي كبير أمراء البحار» رغم أنه لم يخدم إطلافاً 
في القوات البحرية» بل كان «يوزباشي: * - «ضابط لاسلكي في سلاح الإشارة عندما طرد 
من الجيش عام 1949 وعاد إلى الخدمة عام 1951 بعد التضرع إلى الملك قاروق» فجرى 
ات الاسننائية» ترقيتين أمر بهما الملك فاروق فترقى إلى «صاغ: 
بكباشي؛ ». ولما قامت الثورة حصل على ترقية إستناي انممقام: عقيده. 

عرق لاب فر مجلس تيد الخوة انو د فخضع اللواء محمد نجيبء ويذكر أن السادات 
قد ظهر بهذه الرتبة لعدة أيام. ا شور امي يور يها النادات فر ناه متعري م اجام 
على صفحة غلاف مجلة أكتوبر ‏ يظهر فيها كفرعون مصر رمسيسء إلى جانب كارتر في صورة 
«أعلى قائد» للبحرية» وغطاء الرأس قوات بحرية» لون البدلة قوات جوية» » يزين الذراع بأعلى 
رتة لللاح البحريه وعلى الكتف أعلى رتبة للجيش والقوات المسلحة. وصور أخرى بحذاء 
من فريق «السواري» بالشرطة؛ أو سلاح الفرسان (المدرعات)» رغم أنه لم يركب في حياته أي 
حصان, ولا توجد صورة واحدة توثق تمكنه من «الفروسية» وركوب الخيل. ومرة أخرى. 
أ يظهر السادات وهو يرتدي «الرداء الناز ي الألماني» سواء في الصحراء. أو عندما 
























يستعرض الجيشء وكان ذلك يوم مصرعه. عن «النياشين 20 العديدة التي كان 
يزين بها صدره دون أن يكون لها علاقة بالتقاليد العسكرية التي تضع قواعد صارمة لهذه 
المسألة. 

بينما لم يسبق إطلاقاً أن ارتدى جمال عبد الناصر أي رداء عسكري آخر لغير سلاح المشاة 
الذي انتمى إليه. كما لم يرتدٍ أصلاً أي رداء عسكري منف رئيساً للجمهورية عام 1956 
حتى من قبيل الناحية العملية أثناء زياراته إلى «الجبهة؛ بعد هزيمة عام 21967 رغم مخاطر 
ذلك. وكانت المرة الأولى والأخيرة التي ارتدى فيها زياً عسكرياً ‏ تحت إلحاح وإقناع مرافقيف 
خلال زيارته يوغوسلافيا ‏ كانت بمناسبة حفل اللقاء الرسمي مع الرئيس تيتوء وكان الرداء 
العسكري والبروتوكولي هو الزي الرسمي للحفلة. غ2 3 
«السموكينخ وقضل عليه ارتداء رتبة «القائد الأعلى للقوات المسلحة» مثل تيتو أيضاً. 

أما من ناحية العلاقة بين السادات والإعلام الغربي؛ فقد تمخضت «مبادرة السادات»؛ في 
التحليل الأخيرء عن النتيجة الآنية: أن السادات قد خسر العرب مقابل كسب رأي عام أمريكي 















5 






وغربي» وصنْع منه الإعلام الغربي» وبخاصة الإعلام الأمريكيء من وكالات أنباء عالمية. 
ومحطات التلفزيون» والصحافة» «نجماً عالميأ»!! وأخذ الإعلام الغربي ينشط في عملية «التفخ 


في البالون» حتى وصلت إلى مرحلة الانفجار! إن طبيعة الإعلام الغربي» الذي يقوم على 
الدعاية» حينما يصل البالون إلى مرحلة الانفجار تبدأ مرحلة جديدة» تخبو فيها الأضواء عن هذا 
«النجم الساطع» ليحل محلها الظلام. 

وقد أخذ الإعلام الغربي ‏ بعد أن كان يشيد بالرئيس السادات باعتباره «رجل سلام» ‏ يتحول 
إلى الهجوم على السادات, وانتقاد تصرفاته» حتى وصل إلى المرحلة الخطيرة من انفجار 
البالون» وبدأ السادات يشعر بالقلق من انتقادات الإعلام الغربي لسياسته الداخلية والخارجية. 
وبدأ يشعر في داخله بالخوف من أن تحاول الولايات المتحدة التخلص منه. كما تخلصت من 
صديقها شاه إيران. 

كانت قائمة الاتهامات الموجهة إلى السادات من جانب خخصومه وأعدائه تبدأ باتهام نظامه 
بالفساد. مروراً بأنه دمر المشروع الناصريء وصولاً إلى ارتكابه جريمة الخيانة الوطنية والقومية. 
واستند أصحاب هذا الموقف. وأغلبهم من المنمين إلى التيارين القومي والإسلامي. إلى عدة 
اعتبارات: 

أولهاء المنهج الذي اتبعه السادات في تعامله مع أعداء الأمس: الولايات المتحدة وإسرائيل. 

وثانيهاء تعامله مع مؤسسات الحكم. ومساعديه من المصريين: وعلاقاته بشركاته من 
العرب. 

وثالئهاء وهذا هو الأهمء حجم التنازلات التي قدمها السادات إلى كل من الولايات المتحدة 
وإسرائيلء على حساب الامن والمصالح الوطنية والقومية. 

إن حجم المعلومات الموثقة» في شأن قائمة الاتهامات الموجهة إلى السادات؛ والتي لم 
يجر تكذيبها حتى الآن» كان مصدرها هيكل» فقد أورد في مؤلفاته من المعلومات ما يدين 
ويجرّم السادات» دون أن يوجه إلى السادات أي اتهام مباشرء وإن كان الفريق سعد الدين 
الشاذلي؛ كما سيأتي لاحقاً. قد عمد إلى توجيه «صحيفة اتهام جنانية» كاملة بحق السادات. 

أما من ناحية حال البذخ والفخامة التي أخذ السادات يعيشهاء بعد أن أصبح رئيساً 
للجمهورية. والسؤال. وبخاصة, عن مصادر تمويل هذه الحياة المترفة؟ فيمكن القول إن حياة 
الترف والبذخ لم تكن سلوكاً خاصاً ومقصوراً على السادات وحده؛ إنما شاركه في هذا أفراد 
أسرته» وني المقدمة منهم زوجته جيهان السادات... سيدة مصر الأولى. جاء هذا في وصف 
أحمد بهاء الدين الذي كانت تربطه بأسرة السادات علاقات شبه أسرية؛ «أنني أعرف تماماً كل ما 
يوجه إلى السيدة جيهان السادات من اتهامات» سواء كانت اتهامات مالية: أو اتهامات بالتدخل 





38 


في شؤون الحكمء وأستطيع أن أقول إنني شخصياً لست مؤهلاً لمعرفة مدى نصيب هذه 
الانهامات من الصحة؛ فالسيدة جيهان كانت تجمع في تكوينها مزاجين معاً: فهي كما تهوى 
الأبهة والفخامة في أعظم صورهاء فإنها تهوى بالدرجة نفسها ما نسميه الأمزجة الشعبية 
الصميمة؛ تهوى أثمن الفراء والمجوهرات. كما تهوى الطعمية والفول المدس»! 

كذلك فإن سامي شرف فبحكم عمله باعتباره وزير شؤون رناسة الجمهورية» وأقرب الناس 
معرفة بالأمور الخاصة بالرئيس وأسرته. ذكر في شهادته ما يستدل منه أنه كان يعلم الكثير عن 
علاقات السادات المشبوهة مع بعض أمراء الخليج؛ وتصرفاته المالية المتعلقة بالمؤتمر 
الإسلامي؛ وما يتعلق ببند المصاريف السرية, والهدايا التي كانت تصله من أمراء الخليج. 














وعلى ما يبدو فإن ميول البذخ قد ظهرت مبكرة عند السادات؛ وبالتالي كان لزاماً عليه أن 
يبحث عن مصاد, تساعده على تلبية متطليات هذا السلوك المترف. رغم ما قد يترتب 
على ذلك من إساءة تلحق بشخصه. وقد ذكر السادات في كتابه بعنوان: البحث عن الذات: 





قصة حياتي أنه في السنوات الأولى للثورة تقاضى أجراً عن أحاديثه الإذاعية: ما جعله في موضع 
مساءلة: «سألني عبد الناصر عن أحاديثي في صوت العرب, وقال إن الإذاعة دقعت لي حوالى 
0 جنيه مقابل تلك الأحاديث؛ قلت نعم؛ فعلاً حدث؛ واستمر عبد الناصر في كلامه بما يشير 
إلى أن الناس تكلم وأن كلام الناس كثير». 
تأتي شهادة هيكل لتفسر وتربط بين ميول السادات لحياة البذخ» وبين عوامل نفسية 
ضاغطة عند السادات. ومناخ عام يسمح لنمو العلاقات الإنسانية: عبر تبادل الهدايا بين أفراد 
هم بحكم مواقعهم يوجهون سياسات دول ومجتمعات. ففي «خلال سنوات عمل السادات في 
المؤتمر الإسلامي. كان السادات يتلقى الكثير من الهداياء في عالم يؤمن بالهدايا كوسيلة من 
وسائل توثيق الصلات. ومن سوء الحظ أن الهدايا الكثيرة التي تلقاها شجعت لديه ميلاً مكبوتاً 
للترف» ضغطته سنوات الحرمان الطويلة. لكن الحق يقال أنه كان كريماً في تقديم الهدايا قدر 
كرم الآخرين في تقديمهاء! 

ولا يبدو أن هيكل قد قصد تقديم وصف لشكل العلاقات السائدة فحسبء أو قصد أن يدلي 
بشهادة تؤكد كرم السادات تجاه الآخرين؛ إنما ما قصده هيكل هو أن يحرك فضول الباحث 
والقارئ ليسأل: من أين أني السادات بالأموال التي تغطي نفقات يذخه؟ ريناة إذا وضع في 
الاعتبار أن السادات قد نشأ في أسرة فقيرة: لم يرث عن 
وبذخ أسرته. فضلاً عن ذلك. لم يكن دخله من الوظائف التي تولاها يكفي لتخطية ثمن الهدايا 
المتبادلة مع الآخرين. التي شملتء سيارة؛ وفراء. ومجوهرات. وهنا يضع هيكل عدداً من 
المصادر التي ساهمت في تمويل الترف المكبوت عند السادات؛ فيذكر أن السادات تولى رعاية 














8. 


شؤون ومصالح الشيخ عبد الله مبارك الصباح ‏ الثري الكويتي واللاجئ السياسي في مصرء 
والذي كان يشغل منصب وزير الداخلية ووزير الدفاع وولي العهد عندما التقاه السادات عام 
5 وبطريقة سرية لا يعلم بها أحد في البدء. لكن واقعة شهيرة عام 1966 كشفت عن علاقته 
بالشيخ الصباح. 

فعندما وجه الكونغرس الأمريكي دعوة إلى السادات» بوصفه رئيساً للبرلمان المصري»» 
عندها ألمح السادات للشيخ الكويتي إلى أن بدل السفر الرسمي الذي يتقاضاه كان أقل مما 
ينبغي. فإذا بالشيخ الصباح يحرر له شيكاً بمبلغ 25 ألف دولار. ووصل ذلك إلى علم جمال 
عبد الناصر فطلب منه إعادة الشيك إلى الشيخ». بعد أن ألقى عليه درساً في العزة والكرامة. 
ويذكر هيكل أنه عندما أصبح السادات رنيساً للجمهورية اختفت المستندات, باعتبارها الشهادة 
الموثقة على علاقة السادات بالشيخ المبارك الصباح. ومن المفارقات أن هيكل قد نشر هذه 
الواقعة في كتابه بعنوان: خريف الغضبه بعد اغتيال السادات. وكان الشيخ الصباح لا يزال 
على قيد الحياة. فسارع إلى نشر رد على هيكل» تضمن ‏ ضمن ما تضمن ‏ أن السادات لم يرد 
له ذلك الشيك مطلقاً. وكتب هيكل بدوره رداً على الردء أسف فيه أن جمال عبد الناصر قد رحل 
وهو يتصور أن الشيك قد رد إلى صاحبه! ثم كتب فوزي عيد الحافظ سكرتير السادات» وكاتم 
أسراره. أن الشيك جرى صرفه من بنك في بلجيكا بعد اغتيال السادات» وأن «الاجهزة» المصرية 
قد بلغها الخبر أيضاً! 

بعدها يتقدم هيكل خطرة ثانية» في كتابه بعنوان: خريف الغضبء فيكشف عن دور كمال 
أدهمء رئيس جهاز المخابرات العامة السعودية» في حياة السادات» ويحدد تاريخ العلاقة 
الشخصية بينهما إلى عام 1954, والتي استمرت في وقت كانت مصر والسعودية تقفان في 
معسكرين متصارعين بسبب حرب اليمن. والحقيقة أن الصلة بين الاثنين كانت وثيقة إلى حد أن 
صحيفة الواشنطن بوست نشرت على صدر صفحتها الأولى: وبشكل بارز وواضح؛ وبعرض 
الصفحة, في عدد 24 شباط/فبراير 1977ء وبعنوان يارز: «أعمال وكالة الاستخبارات المركزية 
في الشرق الاوسط». وركزت في الموضوع على ثلاث شخصيات مهمة في المنطقة؛ وهم: 
السادات والملك حسين ومهدي تاجر سفير الإمارات في لندنا0. 

القد اعترف الملك حسين بأنه تسلم مساعدات من وكالة الاستخبارات المركزية؛ لكنه أنفقها 
على جهاز مخابراته. وتدعيمه بالاجهزة والمعدات المتطورة. أما السادات فتجاهل الاتهام 
تماماء رغم أنه كان اتهاماً قاسياًء بل ومخزياً. فقد تضمن المقال أن كمال أدهم قد جند السادات 
في الستينيات لمصلحة الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ وأن تجنيده كان أثناء حرب اليمنء 















(62) المصدر نقسه. صن 108107 


وأنه كان يمد السادات بدخل ثابت طوال تلك ١‏ ولقد كان نشر هذه الواقعة ضمن سلسلة 
التسريب الكبير للأسرار الذي أعقب فضيحة «ووتر غيت»؛ ثم كشف وثائق الاستخبارات 
المركزية الأمريكية. كما نشر العباني المريكي بوب وودوود في كت كتابه» بعنوان الحروب السرية 
لوكالة الاستخبارات المركزية' 
عميلاً للاستخبارات المركزية الأمريكية؛ وأنه كان يتقاضي راتبا شهرياً منها عندما كان 
الرئيس الجمهورية. فإذا ما وضع في الاعتبار أن من بين الأسماء التي تولت إمداد السادات 
بالمساعدات المالية هو كمال أدهم لكان من المنطقي والضروري طرح السؤال الآتي: ماذا قدم 
السادات إلى أدهم في مقابل إمداده بدخل ثابت؟ وماذا تعني إشارة هيكل في كتابه بعنوانة 
اخريف الغضب: أنه عندما أصبح السادات رنيساً للجمهورية «كان كمال أدهم من أول الذين 
ترددوا عليه. ثم كان بعد ذلك من أكثر الذين كانوا يترددون عليه»"*. 

كذلك يشير مراد غالب» في مذكراته بعنوان: مذكرات مراد غالب: مع عبد الناصر والسادات - 
سنوات الانتصار وأيام المحن. إلى «ما قيل عن عن الرئيس السادات أنه 



























المتحدة وهو نائب رئيس الجمهورية؛ عام 1966, أنه +١‏ عن الوفد المرافق له بضع ساعات» 
قضاها في مقابلات سرية؛ ثم قابل الرئيس الأمريكي جونسون وخرج من المقابلة وهو يكيل له 
المديح»0. 

والسؤال التالي: ما هي دوافع هيكل في (١‏ 
السادات وأسرته. وهو لا يملك مصادر ذاتية 





لبذخ؟ هل كان بقصد الإشارة 
إلى حال ضعف إنساني أصيب بها السادات, دفعته إلى التورط في علاقات مشبوهة». ن 
مصادر لتمويل سلوكيات ترفه. الأمر الذي يصبح فيه السادات صيداً لصقور الاستخبارات؟ 
وماذا يعني تعبير: أن كمال أدهم كان من أول الذين ترددوا على السادات؟ وماذا يعني تعبير من 
أكثر الذين كانوا يترددون عليه؟ ومعروف عن هيكل أنه يختار كلماته بعناية 
ومغزاها بدقة متناهية! 








جنم ,1987 .سسعة اعد ممدصنق تعاه/ سلج 1918/1987 بام مله عجعالا مممية 134 انما اعد مانا املا 
دم 

(64) هبكل. خريف الغضب: قصة بدابة ونهاية عصر أثور السادات. ص 10 

(65) غالب. مذكراث مراد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنواث الانتصار وأبام المحن. ص 239. 


9 


القسم الثاني 


استراتيجية السادات 
من الصراع إلى التسوية 


كان وصول السادات إلى السلطة مفاجأة له وقدراً بكل معيارء فقد حقق له حلماً راوده من 
شبابه» وإن كان يعيد المنال, فبدأ «معركة الرئاسة» وهو يعلم أن قدراته على الجهد والصير 
والتزامات الزعامة لديه أقل كثيراً مما كان يتمتع به جمال عبد الناصرء وهو ما لم يطقه السادات» 
وحاول التخلص من هذا «الإرث الثقيل». 

لم يكد يصدر بيان وفاة جمال عبد الناصر حتى انُخذْت قرارات بسرعة الانتقال بالسلطق» 
طبقاً للقواعد الدستورية والسياسية القائمة. حفاظاً على استقرار الوضع القيادي في الدولة. 
والاستقرار الداخلي بطريقة قاطعة. في ظل هذا التوجه المركزي كان من الطبيعي أن يصبح 
السادات نانب الرئيس الوحيد هو المرشح الأكثر ترجيحاً لتولي الرناسة. 

ومع أن السادات كان قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من المنصب الرفيع» إلا أنه كان مدركاً 
سلطة «المجموعة الناصرية» ونفوذهاء في تقرير من سيخلف جمال عبد الناصرء بحكم أنها 
تمسك بين أياديها مفاتيح القوة والسلطة والتشريعية والسياسية» على نحو محكم؛ وهو 
ما وضعه السادات في أولويات تفكيره» واعتبارات المهمة السياسية. باستحالة تمرير وصوله 
إلى كرسي الرئاسة دون مهادنة وموافقة هذه المجموعة؛ وفق رؤيتهم واستراتيجيتهم؛ إلى حينء 
لاجتياز أهم وأصعب التحديات على طريق منصب رئيس الجمهورية. 

برغم هذا السياج الحديدي. وما امتلكته هذه المجموعة من أوجه وعناصر القوة والسلطة 
والنفوذ. إلا أن السادات كان مبصراً بثغراته القاتلة» وسرعان ما بدت إمكانية اختراقهاء فكاتت 
دائرة الشك التي تطاردهم جميعاًء فضلاً عن العداء الذي ناصبه أفراد هذه المجموعة بعضهم 
البعض لاعتبارات شتى. وكانت حصيلة ذلك ازدياد رصيد السادات لترشيحه رئيساً للجمهورية. 
وبدلاً من ارتقاء أحدهم للرئاسة انصبت اجتماعات «المجموعة الناصرية» على تأكيد مبدأ 
جماعية القيادة» وتوزيع المسؤوليات؛ وتولّي المؤسسات الدستورية والسياسية» ممثلة 














و9 


بأشخاصهم, المسؤولية كاملة؛ بمعنى عدم الانفراد بالسلطة» اعتقاداً في ضعف شخصية 
السادات وخضوعه. وبدهاء شديد من السادات قر الانحناء للعاصفة؛ ووافق على «المقايضة» 
والنزول على شروطهم بألا يكون هناك «نظام حكم؛ على نحو ما كان في عهد جمال 
عبد الناصر؛ بحيث يقوم أعضاء اللجنة التنفيذية العلياء واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي 
العربي. الحزب الواحد الحاكم في البلاد. بدراسة القضايا المهمة كافة» وأن تتخذ القرارات 
بأغلبية الاصوات. كما يصرّت مجلس الأمة على تلك القضاياء وألا يقوم رئيس الجمهورية 
بمهام رئيس مجلس الوزراءء على أن يباشر الوزراء اتخاذ القرارات في دوائر اختصاصاتهم. 












من ثم يدأت حملة .يم السادات للجماهير» على غير الصورة التي استفرت 
عنه في أذهانهاء فكان من أشق الأمور إقناع قيادات ٠‏ والاتحاد الاشتراكيء 
ومنظمة الشباب الاشتراكي بهذا التر نجحت تلك الحملة المركزة» التي جرى الاعتماد 





فيها على دفع مشاعر الإحساس بالخطرء من القوى المعادية في الداخل والخارج؛ وعلى 
الدعوة إلى الحرص على تهيئة المتطلبات المناسبة لسرعة بدء «معركة التحرير» الحاسمة؛ كما 
تمثل الأمر الأكثر أهمية من ذلك بالالتزام باستمرار «الخط الناصري». وقد طغت تلك 
الاعجارات قز ما عدا رودت كل اللي لسن ؛ السادات رئيساً للجمهورية. 

وفور تقدم السادات إلى مجلس الامة بصك جمال عبد الناصرء وردد القسم 
الدستوريء ثم ألقى بيانه؛ الذي أكد فيه التزامه الكامل بنفس التوجهات والسياسات التي أرساها 
جمال عبد الناصرء فلم يكن أمامه سوى ذلك. كما أجمل «برنامجه' بإيداع بيان وبرنامج 30 
مارسء آخر ما أصدره جمال عبد الناصر قبل رحيله. كأساس لخوض «معركة التحريرك. 
وتوجهات البناء السياسي والاقتصادي والدستوري بعدهاء مؤكداً التزامه الكامل بتطبيقه؛ وإن 
كان مجرد التزام نظري وشكلي أيضاً. لإقناع الجماهير باستمرار طريق جمال عبد الناصرء الذي 
لم يعد غيره ملء قلوبهم. أما الشق الثاني من ٠١‏ أقر به السادات علا أمام الشعب 
بضرورة توزيع المسؤوليات» ضماناً لبقائه في الحكم. إلى حين تتضح معالم الطريق؛ ويأمن 
اجتيازه. هكذا أصبح السادات أء مع تصور أنه ت تحت الوصاية» إلا أنه بكل المقاييس كان قد 
كسب تلك الجولة. وأصبحت بين يديه عصا الشرعية؛ ذات الأهمية الحاسمة في مصر. 

في ضوء ذلك ينقسم هذا القسم إلى فصلين: الفصل الثالث بعنوان: البحث عن حل سلميء 
والفصل الرايع بعنوان: حرب أكتوير عام 1973. 




















الفصل الثالث 
البحث عن حل سلمي 


حين تسلم السادات منصبه رسمياً. في تشرين الأول/أكتوبر عام 1970 أخذ في إجراء عملية 
تغيير جذريء امتدت إلى جميع المجالات الداخلية والخارجية؛ وجرت على كل المستويات 
اقض كلياً مع ما كان معتمداً وسائداً في ظل قيادة جمال 
اد السادات عملية التحول الكبرى من الصراع إلى التسوية. ومن 
ان الدفيئة» وتصوراته الخاصة؛ من خلال تبئي توجهّين أساسيّين 
مرتبطين بالصراع العربي - الإسرائيلي: 

أولهما. الطعن ني الاتحاد السوفياتي في منح الاسلحة المتطورة إلى جمال 
عبد الناصرء وبخاصة منذ الهزيمة عام 1967 إلى آخر زيارة له في تموز/يوليو ١1970‏ وأشاع 
السادات جملة لم تصدر من جمال عبد الناصر مطلقاً. عند سؤاله عن موقف السوفيات حيث 
قال «مافيش فايدة»: أي أن السوفيات لم يتجاوبوا معه. علماً بأن هذا غير صحيحء وأن صفقتّي 
الأسلحة عقب زيارئي كانون الثاني/يناير أول السرية» وتموز /يوليو 1970 صفقتي الصواريخ 
والإلكترونيات. لا تزال القوات الملحة تعتز بها إلى الآن. 

ثانيهماء أن جمال عبد الناصر وافق على «مشروع روجرز». وأوقف إطلاق النيران: تمهيداً 
اللدخول في طريق الحل السلمي والمفاوضات. الأمر الذي لم يكن على بال جمال عبد الناصر 
ولا في توجهاته. ولا هو صحيح على وجه الإطلاق. بل إن من المؤكد والموثق أن قبول هذا 
المشروع كان الهدف منه دقع حائط الصواريخ إلى الجبهة. وهو ما تم فعلاً في الليلة الفاصلة 
البدء وقف إطلاق النارء ما كان محلاً لشكوى من إسرائيل؛ والولايات المتحدة. بزعم أن مصر 
تلاعبت بهماء وخرقت الانفاق. حتى إن جمال عبد الناصر عندما جرى إبلاغه فجراً بجاح 
عملية دفع الصواريخ إلى قناة السويس قال مياش القد تجحت حرب التحريره! وعندما 
بدأت الحرب في عام 1973 كان لحائط الصواريخ دور هائل في تحبيد الطيران الإسرائيليء 















597 


الذي أخذ في الابتعاد تماماً عن نطاق عمل هذه الصواريخ. وهذا ما جنب القوات المصرية 
خسائر جسيمة كانت متوقعة. 

والخطورة في إشاعة هذين التوجهين أن يصدرا من رئيس الجمهورية, ويُتداولا في أوساط 
البحث الأكاديميء ووسائل الإعلام؛ بهدف الطعن والتقليل من إرادة جمال عبد الناصر. ورؤيته 
تجاه الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» كذلك لتمهيد العقول المصرية لقبول خطط ونيات وأهداف 
الرئيس الجديد. لجهة تغيير أسلوب معالجة الصراع العربي ‏ الإسرائيلي؛ وخلافاً لإعلان 
السادات» في بداية حكمه؛ أمام الشعب وللمؤسسات الدستورية» أنه سوف يتبع خطى جمال 
عبد الناصر في المعركة وفي غيرها. 








السادات كانت تستوجب تكريس جهوده على النحو الذي 
يمكنه من الانتقال إلى الولايات المتحدة: قطب المعادلة الدولية الآخر ؟ لذلك اتبع عدة خطى 
تدرجية» دون أن يفصح عنها جملة: مثلت برنامجاً محكماً لحركته. وكان على رأسها إجراء 
الاتصال السري المباشر مع الولايات المتحدة؛ وتعميق الماوضات المباشرة وما يتبع ذلك من 
تغيير الهدف الاستراتيجي للدولة؛ وقبول التسوية الجزنية بدلاً من التسوية الشاملة. وقد استدعى 
ذلك حجب الحقائق عن الشعب ومؤسساته» فكان عليه أن يواجه عدة قوى لكي يمكنه الانفراد 
بإصدار القرار الذي يوصله إلى هدفه. وكانت قوة المعارضة الداخلية في مصر هي أولى هذه 
القوى التي تخلّص منهاء وتلتها قوة الاتحاد السوفياتي» بوصفه مركز الثقل في معادلة التوازن 
الدولي والإقليمي؛ فهو مصدر الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لمصرء وكان التخلص 
منه يحتاج من السادات إلى أسلوب مرن وحذر. وكانت القوة الأخيرة هي الولايات المتحدة 
وإسرائيل» فكان المطلوب طبقاً لتوجهات السادات وتخطيطه أن يوطد العلاقات مع الولايات 
المتحدة بحيث تجعل الموازنة مع إسرائيل متساوية. 

وسعياً للوصول إلى ذلك لرّح السادات للولايات المتحدة بإمكان الاعتماد على مصرء أكبر 
فى المنطقة. إذ يمكن للولايات المتحدةء في حال تجاوبها مع تفكيره وخططهه أن 
نيق وضمان مصالحها في الوطن العربي كله ويتقلص بالتالي الوجود 
السوفياتي في مصرء ومن ثم في المنطقة. مصدر الخطر من وجهة نظر كل من الولايات 
المتحدة وإسراتيل. 

بالوصول إلى هذا الحد تصور السادات أن حل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي سلمياً في 
متناول يده» وأن حلم السلام في المنطقة يمكن أن يتحقق. إلا أن حقائق الأمور. وما أفضت إليه 
رة التسوية» على يديه؛ أثبتت أن السادات كان واهماًء وأن ما تحقق لا يزيد على كونه 
«سلاماً زائفأ». لقد أفسد السادات مخططه بتجاهل التزامات مصر القومية؛ ووزن القوى العربية» 
وما تمثله لمصر من عمق استراتيجي مهم؛ بجانب هدم الجسور مع الاتحاد السوفياتي, ليضع 


























98 


نفسه في شرك الخداع الأمريكي؛ ويكون فريسة سهلة بين أنياب إسرائيل. اختار السادات 
المضيّ قدماً على طريق الولايات المتحدة وإسرائيل بمفرده» دون أن يحتفظ بخط دفاع أو نقطة. 
رجو ٠‏ اعتقاداً منه بأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في 

فضلاً عن كوتها القوة الدولية الوحيدة التي لا تملك إسرائيل عصياناً 








5 ع مجك لعف غافلة عن فكر السادات وتوجهاته؛ لذلك سارعت إلى جذب 
خيوطه واستدراجه للانزلاق في متاهة التسوية. وسراب المحل السلمي. لضرب العناصر التقدمية 
والتطور الاشتراكي داخلياً. وعزل مصر عن الوطن العربي» وفقدان دورها القيادي في محيطه» 
كما عزلها عن القوى الاشتراكية العالمية» وبخاصة الاتحاد السوفياتي» والتلويح يأنه عقبة في 
طريق الحل السلمي. هكذا دفعت السادات في هذا الاتجاه. مع استمرار التلويح بأمل الحل 
السلمي والرخاء الاقتصادي. وتهيئة المناخ القبول ما تمليه إسرائيل» وما يفرضه الأمر الواقعء 
خطوة خطوة. وفعلاً جرت الأمور على هذا النحو. 

كان على السادات أن يحدد موقفه من وقف إطلاق النار على جبهة قناة السويسء الذي 
سينتهي في 7 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1970, حتى قبل أن يتوافر للقيادة الجديدة ممارسة 
سلطاتهاء ولهذا الغرض فقد عقد السادات اجتماعاً مع القيادات السياسية والعسكرية 
المعنية» مساء 30 أيلول/سبتمبرء للتقدم بتوصياتهم في هذا الشأن» في ظل الظروف الداخلية 
المرتبطة برحيل جمال عبد الناصرء فضلا عن ضرورة مراجعة الموقف بعد التطورات 
الإقليمية في المنطقة عقب «أزمة أيلول الأسود»؛ وما ترتب عليها من تدعيم عسكري 











لإسرائيل» وأزمة دفع الصواريخ إلى الجبهة. وما ترتب عليها من إخلال بالتوازن في منطقة 
القناة. وأخيراً إعطاء القيادة الجديدة فرصة من الوقت لتحظى با قدرتها على إدارة 





الأمورء قبل أن تتخطى مفترق الطرق الذي صادفها على غير 
على التوصية بمد فترة وقف إطلاق النار لمدة 3 أشهر إضافية. 
1 . هكذا نُسح المجال أمام السادات ليتفرغ للمهام الداء أكيده عدم الموافقة 
على مد وقف إطلاق النارء إلا بشرط جدية الاتصالات وفاعليتهاء بتحديد جدول زمني 
اللانسحاب. وإن لم يتحقق ذلك فلن يكون المد إلا لفترة واحدة» وعدم قبول تكرار المد لآية 
فترة يعدها. 

أوضح السادات اهتمام مصر بمحادثات يارنغ الوسيط الدولي الذي كلفه مجلس الأمن 
بمتابعة تنفيذ القرار الرقم 242 لعام 1967. إلا أن تلك المحادثات دارت في حلقة مفرغة؛ ولم 
تسفر عن أية نتائج. ومع ذلك فقد كان السادات مهتماً بمعرفة ماهية الدور الذي ستكون 
الولايات المتحدة مستعدة للقيام به ونوع التسوية التي تتصورهاء أكثر من اهتمامه بتلقي 








ار. جرى الاتفاق بالإجماع 
في 5 شباط /فبراير عام 





وو 


مقترحات من طريق يارنغ؛ واهماً أن الولايات المتحدة لها القدرة والرغبة في ممارسة أي ضغط 
على إسرائيل للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة» وأنه ليس أمام إسرائيل سوى أن تنصاع 
لذلك. 

من ثم ينقسم هذا الفصل إلى خمة مباحث: المبحث الأول؛ بعنوان: تقدير موقف؛ 
والمبحث الثاني. بعنوان: عام الحسم؛ والمبحث الثالث. بعنوان: مبادرات السادات واتصالاته 
السرية؛ والميحث الرايع؛ بعنوان: الانقلاب؛ والمبحث الخامس. بعنوان: حال اللاسلم 
واللاحرب. 


أولاً: تقدير موقتف 


القد بدآت البوادر الأولى لهذا الانقلاب الجذري الضخم. الذي قام به السادات؛ في 
الاستراتيجية المصرية العلياء وعملية التحول الكبرى من الصراع إلى التسوية؛ منذ عمد عام 
0 إلى تدشين «قناة ات بية» مع إسرائ بعثة رعاية مصالح الولايات المتحدة 
عضو مجلس قيادة الثورة السابقء 
١فه‏ مع توجهات الثورة الاقتصادية والاجتماعية؛ ولم يعد 
إليها إلا فور وفاة جمال عبد الناصر. فقد كلف السادات أمين إبلاغ إسرائيل» من خلال القائم 
بالاعمال الأمريكي في القاهرة دونالد بيرغس. استعداده للإقدام على الاعتراف يدولة 
إسرائيل وإجراء مفاوضات مباشرة معهاء وكل ما قدمه لاحقاً عندما قام بزيارة إسرائيل عام 
007 

الم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها السادات فتح قنوات اتصال سرية مع إسرائيل؟ 
حيث يشير مراد غالب» وزير الخارجية الاسبق» في مذكراته بعنوان: مذكرات مراد غالب: مع 
عبد الناصر والسادات ‏ سنوات الانتصار وأيام المحن؛ إلى أنه كانت هناك محاولة بعد وفاة 
جمال عبد الناصر من خلال أحمد حمروش المقرب من السادات؛ «ويصف شارل أنديرلانت 
كيف تمت هذه العملية؛ في كتابه سلام أو حروب؟ فيقول: تلقى ناثان يلين مور رسالة مستعجلة 
من صديق له في باريس يدعوه للمجيء فوراً. وكان هذا الصديق هو هنري كورييل الرئيس 
السابق للحزب الشيوعي (حدتو) في مصرء وكان حمروش عضرا في هذا الحزب. وعند وصول 
يلين مور إلى باريس انطلق إلى صديقه كورييل» الذي قال له ويريد أحدهم أن يراك». وفتح 
الباب وظهر حمروش. الذي كان يعمل رئيساً لتحرير مجلة روزاليوسفء وكان يتعاون مع 
السادات. وقد طلب من يلين أن ينقل إلى غولدا ماثير اقتراحاً للتفاوض مع الرئيس السادات» 
فيجتمع موظفون كبار من كلا البلدين سراً على أرض محايدة. ويتعهد الطرفان بألا يذيعا شيئاً 










يل 


عن محادثاتهما إن كتب لها الفشلء لكن مائير رفضت هذا الاقتراح. وقد نشر يلين هذه المقابلة 
في صحيفة يومية في إسرائيل!". 

كذلك أبلغ جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الرسالة ذاتهاء لدى زيارته مصرء 
في أيار/مايو عام 1971 واجتماعه مع السادات. الذي بادر إلى إبلاغه أيضاً أنه سيقوم بعزل وزير 
الخارجية محمود رياض. ووزير الحربية الفريق أول محمد فوزي» وكل «المجموعة الناصرية» 
في السلطة: الذين كانوا يعارضون توجهاته. ويحولون بينه وبين تبني «الخيار الأمريكي - 
الإسرائيلي». 

وكانت أجهزة المخابرات المصرية قد زرعت أجهزة تنصت في مقر السفارة الأمريكية» ومقر 
سكن السفير الأمريكي. بعد حرب عام 1967. ب من جمال عبد الناصرء فيما أطلق عليها 
«عملية الدكتور عصفور»؛ ولم يكن لدى السادات علم بذلك» حتى بعد توليه رئاسة الجمهورية» 
الذلك جلت هذه الاتصالات. وسلم شعراوي جمعة وزير الداخلية آنذاك نصوصها إلى 
السادات الذي أنكر معرفته بمضمونهاء أو تكليفه عبد المئعم أمين بأية مهمة بخصوصها. وقد 
نشرت تسجيلات هذه النصوص كاملة في الكتاب الذي أصدره محمد حسنين هيكل بعنوان: 
حرب 1967. 





1 التحديات الداخلية والخارجية 

المتابعة ذلك التحول ينبغي التوقف عند «تقدير موقف» أولي واجه السادات به نفسه فور 
توليه السلطة. فوضع أمامه ثلاث حقائق: أولهاء أن خيوط السلطة ليست في يده؛ وثانيهاء أن 
حقائق الموضوعات والمشكلات غائبة عنه؛ وثالثهاء أن المسؤولية عليه كلهاء حتى فيما لا دخل 


.. ثم راح يحدد لنفسه مواضع ومواطن التحديات. التي تنتظره؛ وكانت من أهم هذه 
التحديات: 











الجبهة الداخحلية التي تلقت في ثلاث سنوات صدمتين: الأولى» نكسة عام ١1967‏ وني 
هذه كان المصريون مصممين على إزالة آثارهاء والصدمة الثانية كانت رحيل «جمال عبد الناصر 
المفاجئ, الذي كانوا يرون أنه قادر على الوصول بهم إلى بر الأمان» لكن رحيله جعل بر الأمان 
يبتعد وتبهت خطوطه. وفي كل الأحوال فإن الجبهة الداخلية في حاجة إلى جرعات من الثقة» 
وعليه أن يعثر على وسيلة. 





(1) مرلد غالب مذكواث مرئد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنواث الاتتصار وليام المحن (القاهرة: مركز الأغرام 
اللترجمة والنشر. 2001). ص 192 193 


ل 


جبهة القوة والسلطة, وأمامه عليها عدد من الرجال يمسكون في أياديهم بمفاتيحها 
بالكامل» سواء في الحكومة, أو في مجلس الأمة. أو في التنظيم السياسيء وأسباب الاحتكاك 
بينه وبيلهم كامثة. 

وعلى المستوى الخارجيء كانت أمام السادات عدة جبهات؛ فهناك احتلال إسرائيل لسيناءء 
وتدعيم الولايات المتحدة لهاء وتردد الاتحاد السوفياتي في التعامل مع مصر بعد رحيل جمال 
عيد الناصرء إضافة إلى افتقاد التنسيق داخل الجبهة العربية. 

ثم هناك التحدي الأخير المتمثل بالقوات المسلحة المصرية, وأدرك أن هذه الجبهة الأخيرة 
هي الجبهة الرئيسية في كل ما يواجهه. كان الجيش المصري قد عاش محنة حقيقية في ظروف 
عام 1967 وتمالك نفسه بعد انتهاء المعارك. وساعدته القيادة المباشرة التي تولاها جمال 
عبد الناصر بنفسه في تلك الظروف على هذا التماسك؛ كما ساعدته عليه أيضاً عملية إعادة 
البناء والتسليح التي اعتبرها جمال عبد الناصر مهمة عمره؛ وكرس لها نفسه بالكامل. ثم جاءت 
حرب الاستنزاف بوقائعها فأعادت لهذا الجيش جزءا كبيراً من ثقته بنفسه. لكن هذا الجيش كان 
لا يزال في حاجة إلى لوازم حيوية: سلاح أكثر تقدماًء وتدريب أكثر كفاءة» وأرضية سياسية في 
الداخل والخارج أكثر تقبلاً للتضحيات» وأوسع كرماً في المساعدات. وبخاصة إزاء تفوق على 
الخطوط المقابلة تزايدت معدلاته ووتائره. وفوق ذلك كله وربما يله فإن اذاته يعيش 
تحت ضغوط سياسية وعسكرية ونفسية صعبة وقد كان اتفجار عام 1967 محنة مرّعة؛ كما أن 
مسؤوليات لاذنب للتشكيلات المقائلة فيها نزلت على أكتاف الجيش دون وجه حق. ثم إن 
هناك فجوة بين الوسائل الموجودة في يد القوات والغايات التي تحددت لهاء وزاد على ذلك أن 
وجود خبراء سوفيات في الوحدات حتى مستوى الألوية: بقصد تكثيف التدريب» أحدث دون 
قصد أسباباً للاحتكاك والحساسية». 

أدرك السادات أن علاقته بالقوات المسلحة سائرة حتماً إلى اختبار: فهو في وقت من 
الاوقات لا بد أن يصدر أمراً إلى الجيش بالعبورء وإذا لم يفعل ذلك» وفي وقت معقولء فإن 
استمرار التوتر والقلق؛ بل وحتى الملل؛ قد يدفع الجيش إلى الارتداد إلى الوراء. والعودة إلى 
العاصمة نفسها لتغيير نظام ثبت عجزه وتأكد فشله. وهو لا يستطيع أن يصدر أمراً إلى الجيش 
بالعبور إلا إذا كان لدى قيادته ما يدعوها إلى الاعتقاد بأن هناك فرصة متاحة للنجاح. 
يستطع توفير هذا الشرط فإن العصيان ضده مؤكد. 

من درس السادات لكل ما يواجهه على مختلف الجبهات اتضح له أنه ليس أمامه سوى أحد 
مخرجين: إما «مخرج إلى حل». وهو ما كان يفضله بالقطع؛ وإما «مخرج إلى حرب»؛ وهو ما 
الم يكن منه مفرء إذا انسدت كل المسالك إلى الحل. لكنه حكم الضرورات لا حيلة له فيه! 
ولقد كان توجهه الأولء وسط أوضاعه التي وجدها شبه مستحيلة؛ أن يبدأ بتجربة 


















102 


الحل». وكان تشخيصه سليماً لمأزق الحل والحرب» فالحل جزء كبير منه في يد الولايات 
المتحدة. والحرب في جزء كبير منها في يد الاتحاد السوفياتي. وبالنسبة إليه فإن الأفضلية 
للحلء كما أنه يستريح للتعامل مع الولايات المتحدة, ويراهم أكثر انفتاحاً من الاتحاد 
السوفياني» ويتمنى لو أنهم قابلوه في منتصف الطريق, ليلتقي معهم في علاقة صداقة يعرف أنه 
يريدهاء ويسمع منهم أنهم يريدوتها كذلك. وبالنسبة إليه أيضاً فإن الحرب كانت نوعاً من أبغخض 
الحلال لا يقترب من ميدانها إلا حين يجد ساحات الحركة الأخرى مغلقة في وجهه مستعصية 
عليه. ثم إن ميدان الحرب سوف يرغمه على صحبة طويلة مع الاتحاد السوفياتي» وهي كما 
يعرفها ربته صعية تحتاج إلى صبر وإلى أعصاب! 

مع الشهر الثاني من بداية رئاسته» وتسلمه سلطاته الدستورية» كان السادات قد يلور أفكاره. 
واتضحت أمامه خطوط حركة وجدها أقرب إلى تحقيق أهداقه. 











أول هذه الخطوط أنه كان يريد أن يتجنب ضرورة الحرب. ويريد أن يستنفد كل إمكانات 
الحل السلمي. وهو يشعر أن الناس تريد ذلك منه. وإذا استطاع أن يحل القضية بدون أن يملا 
قناة السويس بالدم بدلاً من الماء فإنه سوف يدخل التاريخ باعتباره بطل السلام». 

اثاني هذه الخطوط أنه مطالب بأن يجد طريقاً يؤدي إلى اتصال مباشر مع الولايات المتحدة» 
فهي التي تملك مفاتيح الحلء لأنها هي القادرة وحدها على إسرائيل؛ واستقر على أن الوصول 
إلى الولايات المتحدة يكون من باب السعودية. 


2 - عملية الدكتور عصفور 

بدأ التفكير في «عملية الدكتور عصفور» تحت ضغط أزمة نقص المعلومات لدى أجهزة 
الأمن القومي في مصرء وبخاصة بعد حرب عام 1967. ولقد بدأت أزمة نقص المعلومات بعد 
إحساس جهاز المخابرات أنهم لم يكونوا متنبهين لحكاية تجسس «مصطفى أء 
الاختراق قد حدث,ء لان المعلومات بهذا الشأن جاءت إلى الجهاز من وزارة الداخلية العراقية 
بوجود جاسوس.ء واتضح للعاملين في الجهاز أن القضية أوسع مما تصوروا هم مئة مرة. من هنا 
بدأ الضغط على النقص في المعلومات. واعتبر جمال عبد الناصر أن قضية الحصول على 
المعلومات مسألة هي الأساس؛ وفي ذلك الوقتء بعد حرب عام 1967 وفي أثناء الضغط الناتج 
من الإحساس بأن المعلومات غير متوافرة» وأن من الضروري جلب معلومات أكثرء جرى 
التفكير في أهم عملية؛ ربما في تاريخ الاستخبارات المصرية كلها؛ حيث اكتشف جهاز 
الاستخبارات وسيلة لوضع ميكروفونات في السفارة الأمريكية ومقر سكن السفير. عندما جرت 
مفاتحة جمال عبد الناصر في هذا الموضوع. أدرك أنه ينطوي على عواقب 
قال إذا كانت الوسائل مأمونة؛ فلا مانع من الترخيص لهذه العملية» حتى وإن كان لها عواقب. 

















أ ومع ذلك 


101 


كذلك كان في ذهنه» كما كان في ذهن عدد من الضباط في الأمن القومي أن الولايات المتحدة 
قد قامت بعدة عمليات ضد مصرء واستطاعت أن فيها جهات كثيرة؛ وبالتالي من حق 
مصرء بل ومن واجبهاء إذا كانت أمامها فرصة فلا بد من اغتنامها. 

القد أطلق عليها جهاز الاستخبارات «العصفورة قالت» في البداية. في تعبير دارج أن تلك 
معلومات أحضرتها العصفورة. ثم طورها جمال عبد الناصرء خشية من أن كلمة «عصفورة 
تكون دالة على شيء؛ فبدأ يقول عصفور, ثم أخذ يسميها «الاستاذ عصفور». وانتهت إلى 
«الدكتور عصفور»». ماذا يقول الدكتور اليوم؟ هل هناك أية معلومات من الدكتور؟ كما أن مدير 
المخابرات أمين هويدي كان يبادر إلى سؤال جمال عبد الناصر: متى يجيء إليك الدكتور؟ إذا 
كانت هناك تسجيلات تتضمن معلومات جديدة أو عاجلة. 











إن «عملية الدكتور عصفور» كانت مهمة جداً بالنسبة إلى مصر في ذلك الوقت. لآن صاتع 
القرار المصري أصبح يعرف ماذا يجري داخل السفارة الأمريكية؟ وماذا يقال فيها حرفاً بحرف 
ويوماً بيوم؟ 

ومن المهم أن يلاحظ أن مصر في هذه المرحلة كانت تحاول استعادة نوع من الاتصال مع 
الولايات المتحدة؛ وكان هذا ضرورياً في ذلك الوقت لضرورات المعركة. بمعنى أنه كان هناك 
إدراك عام أن المعركة سوف تطولء وأن الاستعداد لها سوف يقتضي سئوات» قدرت ما بين 
اثلاث إلى أربع سئوات. وهذه السنوات لابد أن يملاها عمل سياسي. ثم أن موازين القوى 
الدولية. في ذلك الوقت. كانت تحتم ضرورة استعادة نوع من الاتصال مع الولايات المتحدق. 
وكان هناك أيضاً إحساس أن عملية من هذا النوع لا يمكن أن تمر من دون مخاطر, لأن زرع هذا 
العدد من الميكروفونات» مهما قيل إنها حديثة» لا يمكن أن تستعصي على الإمكانات المتوافرة 
للسفارة الأمريكية ولحمايتها في القاهرة. في ذلك الوقت من الصراع الدائر في المنطقة. لقد أكد 
جمال عبد الناصر أنه كانت لديه أسباب للترخيص لهذه القناة؛ وأهمها حاجة مصر الشديدة جداً 
إلى المعلومات؛ وهو يدرك أنه في مخاطرة, وأن هذه المخاطرة قد تؤثر في علاقات لم تكد 
ُستأنف مع الولايات المتحدة بصورة أو آخرء وهي قلقة بعد عدوان عام 01967 فإذا كانت هناك 
مخاطرة؛ وهي محوبة» فلا بد من الإقدام عليهاء إن مصر في حاجة إلى معلومات. وبشدة» 
لآن أكبر ما ظهر هو نقص المعلومات من الداخل من العمق. 

إن معنى اختراق السفارة الأمريكية أن هناك كنزاً من المعلومات لا يتهيء وفيضاً مذهلاًه 
وهذه العملية استمرت من أول كانون الأول/ديسمبر 1967 إلى تموز/يوليو 1971 ولثلاث سنوات 
ونصف السنة دون أن يتنبه إليها أحد. إن جمال عبد الناصر لم يكن قادراً على أن يصدق 
المعلومات التي أتاحتها هذه القناة. لأن هذا كنز من المعلومات» ليس في مقدور أحد أن 
يتصوره» وبخاصة أن مصر في حال حرب. 














الكن العملية اكُشفت في غمار قضية «مراكز القوى» عام 1971. ففي المرحلة الأولى كانت 
مقصورة على جمال عبد الناصر. بمعنى أنه كان يتلقى هذه التقارير مباشرة من ضباط الأمن 
القومي الذين أشرفوا على تنفيذهاء لأنه كانت هناك رغبة في حصر الموضوع إلى أبعد مدى. 
كانت كل التقارير القادمة من هذه القناة تعرض شفوياً على جمال عبد الناصر. وهو كان يتصرف 
في المعلومات بما يرى أنه مناسب لبعض الجهات» دون أن يقول عن المصدر. لكن بعد رحيل 
جمال عبد الناصر. ومع تعدد مراكز القرارء بدأ توزيع ثلاث نسخ؛ ثم من ثلاث إلى خمسء على 
بعض المسؤولين؛ منهم علي صبري نانب الرئيس. شعراوي جمعة وزير الداخلية؛ محمد فوزي 
وزير الحربية. سامي شرف وزير شؤون رئاسة الجمهورية. لكن المشكلة بدأت مع تفجر صراع 
«مراكز القوى» مع السادات؛ حيث عمد بعض الفريق الذي يندرج في عداد «مراكز القوى» إلى 
إثبات بعض شكوكهم على السادات؛ باستعمال وثائق «عملية الدكتور عصفور». 

وعرض هيكلء في أحاديثه إلى قناة «الجزيرة»: أحد أخطر تقارير المعلومات التي كشفتها 
«عملية الدكتور عصفور»؛ عندما توجه أمين هويدي. مدير المخابرات العامة» إلى منزل جمال 
عبد الناصر في 6 كانون الأول/ديسمبر عام 1969. ومعه تسجيل لحديث دار بين الوزير المفوض 
الأمريكي في سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل ومديرة مكتبه مع رئيس ب رعاية المصالح 
الأمريكية في القاهرة. وممثل الاستخبارات المركزية الأمريكية في السفارة الأمريكية في القاهرة. 
واستمع جمال عبد الناصر إلى التسجيل؛ الذي جاه جمال عيد الناصر هو العقبة الرئيسية 














في قيام علاقات طبيعية بين المصريين والإسرائيليين. وأن هناك حال من الالتفاف الشعبي 
المصري والعربي حول جمال عبد الناصر. تجعل السلام مع إسرائيل بالشروط الأمريكية 
الإسرائيلية مستحيلاً. وأن مصرء التي كانت من المفترض أنها مهزومة» تبدو منتصرة» في حين 






وأن سمعة دايان أكبر كثيرا من إمكاتاته الشخصية. أن قادة إسرائيل (. اثيرء دايان» 
ياريف. آلون) أجمعوا على أن بقاء إسرائيل» ونجاح المشروع الأمريكي ‏ الإسرائيلي ني 
المنطقة. مرهون باختفاء جمال عبد الناصر من الحياةء وأنهم قرروا اغتياله بالسم أو بالمرض. 
وأن مائير رئيسة وزراء العدو قالت بالنص: «سوف نتخلص منه: «لط امع ااذه #ندى وإلا فإن 
الوطن العربي ضاتع» وسيخرج من نطاق السيطرة الأمريكية. 

هذا ما جاء في التسجيل الخطير الذي سمعه جمال عبد الناصر قبيل وفاته بتسعة أشهر. وقد 
اختفى جمال عبد الناصر فجأة من الوجود يوم 28 أيلول/سيتمير عام 1970 وبهذا زالت أهم 
العقبات التي تحارب المشروع الأمريكي ‏ الإسرائيلي ني الوطن العربي. ٠.‏ وفي 13 أيار امايو 
1 انقلب السادات على الثورة؛ باعتقال «المجموعة الناصرية» في السلطة ليحكم متفرداء 
وجاءت حرب عام 1973, بالأداء المذهل للقوات المسلحة 6 التمنح السادات صكوك 





105 


الشرعية والشعبية لإتمام انقلابه للنهاية» وليفتح أبواب مصر للولايات المتحدة» ليمهد لنجاح 
المشروع الأمريكي ‏ الإسرائيلي في الوطن العربي, ولتقوم علاقات طبيعية بين مصر وإسراتيل. 
وهكذا تحقق كل ما جاء في التسجيل الخطير. 

مع ذلك تنبغي الإشارة إلى أنه ليس مؤكداً أنهم قد وصلوا إلى جمال عبد الناصر. غير أن 
كل ما جرى بعده يثبت محورية مشروعه في التحرر الوطنيء والوحدة العربية» ووحدة المصير. 
لقد جرى الانقلاب على توجهاته الاساسية, والتشهير به على أوسع نطاق. كما جرى التوظيف 
السياسي لحرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 على العكس مما كان يعتقده الذين عبروا قناة 
السويس بقوة السلاح. حتى التوصل إلى معاهدة لا تليق بأي منتصرين» منحت إسرائيل ما لم 
تستطع أن تحصده في ميادين القتال: منتصرة أو منهزمة! 

الم يكن السادات يعلم عن وجود «عملية الدكتور عصفور» وهو نائب رئيس الجمهورية. 
ويقول محمد حسنين هيكل أنه سأل جمال عبد الناصر. عندما كانوا في الطا: 
الحضور مؤتمر القمة العربية في المغربء في اليوم الذي 
جمهورية. هل سيبلغ السادات بوجود «عملية الدكتور عصفور 3 
أيضاً لم ١غه.‏ لآن هناك من قدَّر الخوف على 
«معلومات الدكتور عصفور» من رئيس الجمهورية: وأن هذا كان وضعاً غريباً جداً. ويضيف 
هيكل: «أنني شخصياً أول من أبلغ السادات بهذه المسألة. اتضح أنه لم يكن يعرف». 

من ناحية أخرى. وفي الوقت نفسه. يذكر هيكل: «مع الأسف الشديد أن السادات قال لي 
في أحد الأيام إن كمال أدهم ‏ وهو مستشار الملك فيصلء ومدير المخايرات السعودية في ذلك 
الوقت ‏ جاء له فأخبره السادات إن الصراع مع مراكز القوى سيؤدي إلى مشكلة ل“ 
وسأله: هل أنت متأكد من الأدلة الموجودة لديك؟ وشرح له الرنيس السادات ما لديهء ثم أضاف 
شيئاً عن رغبتهم في استغلال عملية معينة لإلحاق تهمة الاتصال بالولايات المتحدة: بأبعد مما 
هو لازم ومحاكمته في اللجنة المركزية» والقبض عليه. فسأله أدهم: طبقاً لرواية الرئيس 
السادات لي هل أنت متأكد من كل هذه الادلة؟ فأخيره الرئيس السادات عن «عملية الدكتور 
عصفور» بالكامل. وأن الرئيس السادات ختم كلامه مع هيكل بالقول: «الواد كمال كان حيقع 
من طوله لما قلت له. أنا خبطت على رأسي قلت له أنت قلت له؟ قال لي آه لا لا مأمون ما 
تقلقش». ويضيف هيكل: «لقد قام الرئيس السادات بإبلاغ كمال أدهم عن ثقة فيه. أو لسيب أو 
الآخرء وكمال أدهم هو رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقتء وهي البنت الشرعية 
للمخابرات المركزية الأمريكية». وأن كمال أدهم نفسه لم يكن ينكر هذا. ويضيف هيكل: «أنا 
الحقيقة دُهلت؛ لكن ما حدث بعد ذلك أن ميكروفونات العملية عصفور بدأت تتوقف واحدة 






















106 


بعد واحدة بعد واحندة» وفي ظرف ما لا يزيد عن أسبوعين أو عشرين يوماً كانت كل 
الميكروفونات تم العثور عليهاء وأبطل مفعولهاء وسكت الدكتور عصفور إلى الأبدء». 
3- قنوات السادات السرية 

سبقت الإشارة إلى أن السادات. مع الشهر الثاني من بداية رئاسته كان قد بلور أفكاره. 
واتضحت أمامه خطوط حركة وجدها أقرب إلى تحقيق أهدافه: أولهاء أنه كان يريد أن يتجنب 
الحرب. ويريد أن يستنفد كل إمكانات الحل السلميه ٠‏ وإذا تمكن من ذلك فإنه سوف يدخل 
التاريخ باعتباره «بطل السلام؟؛ وثانيهاء أنه مطالب بأن يجد طريقاً يؤدي إلى اتصال مباشر مع 
الولايات المتحدة» واستقر على أن الوصول إليها يكون من باب السعودية. هكذا ففي إطار 
البحث عن حل سلمي؛ كانت هناك محاولتان قام بهما السادات للتواصل مع الولايات المتحدة: 
الأولى؛ عبر قناة سعودية سرية؛ والثانية, عبر قناة مصرية سرية. 





أ القناة السعودية 

تبدو العلاقات بين السادات والملك فيصل غامضة؛ فقد أشار السادات. في مذكراته» إلى 
صداقته بالملك فيصل منذ كان الأخير ولياً لعهد السعودية. وكان السادات يعمل سكرتيراً 
للمؤتمر الإسلامي» ويقول السادات إنه ظل صديقاً للملك برغم حرب اليمن؛ التي كانت مصر 
والسعودية خلالها في معسكرين متصارعين» وكان السادات هو المسؤول السياسي من الجانب 
المصري عن الثورة اليمنية» كما ربطت صداقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم صهر الملك 
فيصل. ومستشاره الأقرب. ومدير الاستخبارات السعودية وهمزة الوصل بين الاستخيارات 
السعودية والاستخبارات المركزية الأمريكية؛ وتوثقت هذه الصداقات خلال حرب اليمن! وهو 
أمر يثير الشكوك؛ وبخاصة بعد أن نشرت صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر في 24 
شباط/فبراير عام 1977 وععلى صدر صفحتها الأولى خبراً يقول: إن كمال أدهم كان طوال 
ات يمد السادات بدخل ثابت». ولم يصدر عن السادات أي تكذيب لهذا الخبر. 

بل لقد ذهب خصوم السادات إلى حد اتهامه بالخيانة؛ وأنه كان عميلاً للاستخبارات 
الأمريكية. وأنه كان يتقاضي راتباً شهرياً من وكالة الاستخبارات المركزية (18©) عندما كان نائباً 
الرئيس الجمهورية. وهم يستندون في ذلك إلى ما نشر في الصحف الأجنبية عام 21978 ثم أكده 
الصحفي الأمريكي بوب وودورد في كتابه الذي نشر في آب/أغسطس 1987؛ الحروب السرية 
الوكالة الاستخبارات المركزية. والذي يعطي لهذا الكتاب أهمية خاصة أنه صدر يناء على 




















(2) ,19877 بطم لد ملق امول حماة) 1981-1987 ,م علا زه اا مويك 134 جلك المج لممنة هما 
م 


107 


أحاديث أجراها بوب وودورد مع كاسي مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ وفي حياة 
السادات» دون أن يصدر عنه أي تعقيب. 

كانت المحاولة الأولى للتواصل مع الولايات المتحدة عبر ١‏ السعودية. متمثلة 
جمع السادات مع كمال أدهمء في تشرين الثاتي/نوقمير عام 1970 الذي قال له ما ملخصه: 
"إن الولايات المتحدة منزعجة من الوجود السوفياتي في مصرء وإن أي اقتراب لهم من أزمة 
الشرق الاوسط سوف يظل محكوماً بهذا الانزعاج». ثم نقل له نصائح الملك فيصل بضرورة 
خخروج الاتحاد السوفياتي من مصرء وبالتالي من الصراع العربي ‏ الإسرائيلي في المنطقة؛ لكي 
تدخل الولايات المتحدة وتجد حلاً لذلك الصراع الدائر قيهاء وصارحه السادات باستعداده 
«لطرد؛ السوفيات» إذا ساعدته الولايات المتحدة على تحقيق مرحلة أولى من الانسحاب. 
وانتهى اللقاء دون أن يحقق السادات المرجو منه. ويشير هيكل» + في كتابه بعنوا خريف 
الغضب, إلى أن أدهم ربما تصور أنه يستطيع أن يخدم السادات بأن ينقل امن تعليقه. وهو 
«أنه على استعداد لإخراج السوفيات من مصر فور التوصل إلى حل للازمة». ورأى بعضهم في 
واشنطن أن تسريب هذا «الوعد الذي قطعه السادات على نفسه» يمكن أن تكون له فائدة في 
الحرب النفسية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. فقد قام عضو مجلس الشيوع 
السناتور جاكسون» وهو من أشد مناصري !. راثيل» بإذاعة القصة كلهاء الأمر الذي سبب حرجا 
شديداً لكل من ن السادات وكمال أدهم أيضا". 

وقال السادات» بعد نهاية المقابلة؛ «أبلغت كمال أدهم أنني أتعهد للملك فيصل بخروج 
السوفيات من مصر إذا خرج الإسرائيليون من سيناء. أما قبل ذلك فأنا لست على استعداد لأن 
أعري نفسي»! وواجهت السادات نتيجة هذا اللقاء مشكلة حقيقية» مع «المجموعة الناصرية»» 
حيث كان من حوله بعض الذين كانوا يشكون فيه من الأصل. وضايقهم أن يقابل أدهم دون 
كور معهم مع أن أجهزة السلطة كانت قد رصدت المقابلة. من خلال «عملية الدكتور 
عصفور». واستفزهم ذلك «الوعد الذي قطعه السادات على نفسه». رغم تأكيده أنه جاء في 
معرض حديث عام مرسل'*. 

عقب انقلاب أيار/مايو عام 1971 الذي أطاح فيه السادات كل شركاته في الحكم من رجال 
جمال عبد الناصرء وألقى بهم في السجون. ولتخفيف شكوك السوفيات في نياته. وبخاصة بعد 
.تخلصه من كل القيادات الناصرية في السلطة, عقد السادات معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد 
السوفياتي. أثناء ذلك كان فيصل في زيارة للولايات المتحدة: فأخبر المسؤولين الأمريكيين أن 

















(3) محمد حستبن هبكل. خريف القضب: قصة بدابة ونهاية عصر أنور السادات (الفاهرة: مركز الأهرام للترجمة. 
رالترزيع. 1988). ص 169 
(3) المصبر تقس صن 119. 


المعاهدة مجرد مناورة لجأ إليها السادات, ولا تعني شيئاًء كما قرر الملك أثناء عودته من 
الولايات المتحدة زيارة مصر ولقاء السادات. وفي اللقاء ركز الملك على نفس النقطة وهي 
عزوف الأمريكيين عن التدخل وحل القضية طالما بقي السوفيات في مصر. كما طلب الملك 
من السادات أن يفتح صفحة جديدة مع «جماعة الإخوان المسلمين». ويقابل وفداً من قياداتها. 
الذين كانوا يعيشون في السعودية عقب صراعهم مع جمال عبد الناصرء وأن ينسق معهم سياسياً 
وإعلامياً لتصفية الاتجاهات والأفكار الناصرية واليسارية على الساحة اللياسية المصرية: كما 
أشار هيكل في كتابه بعنوان: أكتوبر 73: السلاح والسياسة". 

وفي 6 تموز/يوليو عام 1972 زار وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان ومعه كمال أدهم 
القاهرة. كما «م؛ وأثاروا مع السادات من جديد موضوع الخبراء السوفيات الذي يعيق 
الأمريكيين عن التدخل لحل القضية. وطلب الوفد السعودي من السادات أن يخبرهم بقراره 
ببخصوص السوفيات قبل اتخاذه. لكي يستطيعوا مساومة الولايات المتحدة به. لكن السادات» 











منفرداً وبدون التشاور مع أحد. اتخذ قراره بالاستغناء عن خدمات الخبراء والمستشارين والفنيين 
السوفيات في مصرء ققد أبلغ الفريق أول «صادق» وزير الحربية للعلم وا بذ وذلك في 











7 . ثم قام السادات بإبلاغ السفير السوفياتي بقراره في 1972/7/8 ولحرص السادات 
على سرية قرارهء ورغبته في إحداث أكبر تأثير» فإنه فاجأ الجميع بالقراره وهو يتصور أن 
الأمريكيين سوف يكونون سعداء؛ إلى درجة تدفعهم إلى الإستجابة لأي شيء يطلبه» لكن هذا 
لم يحدث. 


فكما يشير عبد الغني الجمسي في مذكراته بعنوان: حرب أكتوير: مذكرات الجمسي: 
تجاهلت الولايات المتحدة تماماً تلك الخطوة الخطيرة من جانب السادات» نظراً إلى غياب أي 
تفاهم مسبق لمصر معها حول إخراج السوفيات» متناسية كل التصريحات التي صدرت رسمياً 
عن الإدارة الأمريكية باستعداد الولايات المتحدة للتحرك نحو التسوية الشاملة. في حال إنهاء 
الوجود السوفياتي من مصر. لكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة أدارت ظهرها تماماً لهذا 
القرار الخطير الذي اتخذه السادات. وكأنه لا يعنيها. 

الاشك في أن قرار السادات. كما يذهب سعد الدين الشاذلي» لم يكن قراراً عفوياًء بل لقد 
شاركت فيه عناصر في الدال والخارج. حرص السادات على إخفائها. إن وصول الأمير 
سلطان وزير الدفاع السعودي إلى القاهرة قادماً من الولابات المتحد: 
٠‏ قبل أن يقوم السادات بإبلاغ الفريق أول صادق بقراره إنهاء مهمة 





راللقاء بينه وبين 





السادات» في 6 تموز/يوا 








حسنبن هبكل. أكتوير 73: السلاح والسباسة (القاهرة: مركز الأهرام للترجسة والنشر. 1993). ص 341. 
(6) المصدر تقس ص 347. 


السوفيات» في 7 تموز/يوليوء يوحي إيحاءً قوياً بأن السعودية والولايات المتحدة قد أدَنا دوراً 
مهماً في دفع السادات لاتخاذ هذا القرار. 
وفي تقدير محمود رياضء في مذكراته بعنوان: مذكرات محمود رياض: 1948 1978 
يقول: كان قرار إنهاء عمل الخبراء السوفيات مفاجأة للاتحاد السوفياتي”'. لقد كان إخراج 
الخبراء السوفيات من مصر هو هدف أمريكيء أعلنه كيسنجر عام 1970 وأشار إليه روجرز في 
. أيار/مايو عام 1971 . ولذلك فإن خخروج السوفيات من مصرء على هذا 
التحوة يمثل هزيمة سياسية للاتحاد السوفيائي؛ بقدر ما يمثل مكباً سياسياً ضخماً للولايات 
المتحدة. ويضيف: وفي تقديري أن من العوامل التي ساعدت على صدور قرار إخراج الخبراء 
السوفيات من مصر هو إسراف السوفيات في ترددهم ‏ من ناحية» وإسراف الأمريكيين في 
وعودهم للرئيس السادات ‏ من ناحية أخرى. 
في السياق ذاته يأتي القرار الذي اتخذه السادات؛ عام 1975 بإلغاء «معاهدة الصداقة 
والتعاون» التي كان قد أبرمها مع الاتحاد السوفياتي عام 1971. ويهذا الخصوص يشير إسماعيل 













فهمي إلى أنه استقيل أحد المحللين الاستراتيجيين الكبار من السوفيات؛ بعد استقالته. حيث 
أخبره «بأنهم كانوا متأكدين من أن فكرة إلغاء المعاهدة قد اقترحها على السادات أحد الرسميين 
السعوديين» وهو ذو مركز رفيع» وكان يزوره قبل التصريح الذي أعلنه السادات في هذا الصدد. 
ولم يكن الامير سلطان من يشك السوفيات في قيامه بهذه المهمة؛ إنما سعودي آخر من حاشية 





الملك فيصلء وكانوا يظنونه عميلاً منتظماً للمخابرات الأمريكية». وهذا الوصف ينطبق على 
كمال أدهم مدير الاستخبارات السعودية. 

بهذين القرارين يكون السادات قد أوفى بالشرطين اللذين فرضتهما الولايات المتحدة؛ في 
شأن الاتحاد السوفياتي. كشمن لإقامة علاقات طيبة معها: أولهماء الاستغناء عن خدمات الخبراء 
والمستشارين والفنيين السوفيات في مصرء الذي استجاب له عام 1972؛ وثانيهماء إلغاء معاهدة 
الصداقة والتعاون المصرية ‏ السوفياتية. الذي استجاب له عام 1975 وبهذا أصبح الباب 
مفتوحاً للبحث في تسوية الصراع العربي ‏ الإسرائيلي, بعد الشروع في تسوية الصراع العربي - 
الغربي. 

بعد قرار السادات إنهاء مهمة الخبراء السوفيات من مصرء قام فيصل بإصدار العديد من 
التصريحات. وتوجيه الرسائل إلى الإدارة الأميريكية. وشركات النفط الأمريكية» للبحث عن حل 
سلميء لعودة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 لكن دون جدوى؛ وواصل فيصل تقديم 











اض. مذكراث محمود رياض: البحث عن السلام والصراع في الشرق الأرسط. 1948 1978 (القاهرة: 
دار المسنظيل العربي. 1985). ص 184 


لل 


الدعم إلى السادات؛ ولم يكن وحده الداعم بل شاركه معظم الزعماء العرب (القذاني» 
وبومدين؛ وأحمد حسن البكر)ء حيث دعموا مصر وقواتها المسلحة اقتصادياً وعسكريا. بعدما 
أدرك الجميع أن الحرب هي السبيل الوحيد للبحث عن حل للصراع. 
مبكرة؛ ففي أوائل الستينيات كانت 
السعودية تخفي قيام أية علاقة مباشرة مع إسرائيل» مفضلة أن يكون التعامل عبر الولايات 
المتحدة على العكس من الاسرة الهاشمية في الأردن. التي ولغت في هذا السبيل المباشر من 
الثلائينيات؛ وكذلك حال الأسرة العلوية المغربية» التي كانت على اتصال سري حميم مع 
أوسط الخمسينيات. عبر ولي عهدها ثم الملك الحسن الثاني. رويداً رويداً هوت 
أسوار التحفظ عند السعودية باللقاء الأول بين واجهتهم عدنان جي وبين ضابط الموساد 
ديفيد كمحي في باريس عام 1964 الذي كان على علاقة وثيقة جداً مع بيريزء وأيضاً بكل من 
شارون ودايان. والثابت أن بوابة العلاقات الإسرائيلية ‏ السعودية» معززة بشقيقتها الأردنية - 
اله » كانت التعاون المشترك في حرب اليمن. ولا شك في أن صفحة حرب اليمن كانت 
الصيغة الحادة للحرب الأهلية الدموية. بين معسكر التحرر العربي وبين معسكر التبعية العربي. 
وجدير بالذكر أن عدنان خاشقجي نقل العديد من الرسائل الخطية بين السادات 
والاستخبارات المركزية الأمريكية وإسرائيل» كما كان من القلائل الذين حضروا المباحثات 
السرية التي عقدت بالمغرب. بين حسن التهامي مندوب السادات وموشيه دايان مندوب بيغين 
في أيلول/سبتمبر عام 1977. كما باشر نشاطاً سرياً وعلنياً واسعاً على الساحة الامريكية: وفقاً 
لما ورد في كناب و د كيسارء بعنوان: عدنان خاشقجي: المال والسلاح والمخابراتا". 
5 إفضائح: من 
فضيحة «إيران كونترا" 1 #إيران التي ربطت بصورة غير مسبوقة» وربما غير ملحوقة» بين 
المتحدة في صفقات سلاح. ويرد خاشقجي على الاتهامات حول 
تورطه في هذه الفضيحة بقوله: «إيران غيت المسؤول عنها الأمريكيون». وحول فشل العملية 














































وكيف كان موقفه؟ رئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان هو الذي كذب عليهم لانه 
أعطى الأوامرء وحينها أجرت معي الصحافية بابرا وولترز لقاءَ صحافياً عن الموضوع» وخرجت 





لكن الأمريكيين «علقوا» فيها». وإن كان لإسرائيل دور في العملية؛ يقول: 
«نعمء كان لها دور لأنها كانت تحمل الأسلحة بطائراتها وتوصلها إلى إيران؛ وكل القضية 
استمرت نحو سنة فقط». وقد كانت له علاقه خاصة قوية مع الرئيس ريغان الذي تفجرت تلك 
جنا مدنا اها وان تييمطسفا ممعلا زه بجسط مق1 للامطلا مذ وذ عاذ طن م7 يلمعا لااممماا 
1936 اما 


كذلك فإن صداقته مع الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون كانت مثيرة جداً. فقد موّل 
خاشقجي حملة نيكسون الرئاسية. وعندما جرى توجيه اتهام أمريكي إليه بتمويل تلك الحملة 
الانتخابية كان رده مثيراً جداً؛ حيث قال: لقد دفعت له لأنه كان محامياً لشركاتي وبالتالي أسدده 





له جزءاً من الانعاب. وليس لاية أسباب سياسية. كذلك قام بتمويل حملة فرناتد ماركوس 
فيليبين الشهير. كما اتهم من جانب القضاء الأمريكي بغسل الأموال لمصلحة زوجة 





ماركوس. عام 1989 ألقي القبض على خاشقجي في سويسراء 
رتبط بمساعدته عائلة ماركوس على إخفاه أكثر من 2 مليار دولار من النقد 
التي سُرقت خلال رناسة ماركوس من 1965 إلى 1986, لكن محكمة فدرالية 
برأنه عام 1990 بعد أن وجدت أنه لم يخرق أية قوانين أمريكية. 

ومن أشهر صفقات السلاح التي توسط فيها خاشقجي كانت «صفقة اليمامة» وهي عبارة عن 
مبادلة السلاح بالنفط. وكانت قيمتها 20 مليار دولار بين السعودية وبريطانيا 
مع فرنسا. 

كما كانت له علاقات مميزة مع الرئيس السوداني الأسيق جعفر النميري. وشارك مع 
بصفة خاصة: في ترتيب وتمويل عملية تهجير «اليهود الفلاشا» من عبر السودان. إلى 
إسرائيل. 








بعد منافسة شديدة 





ومن المعلوم أنه قدم للمحاكمة في الولايات المتحدة» في سياق التحقيقات في شأن ملفات 


عديدة. لعل من أبرزها ما نشر عن غيت" أو «إيران كونترا». 

من ثم تحتل العلاقات الخاصة والوثيقة ن السادات وبين الدوائر الأمريكية والسعودية 
أهمية اسنائية؛ نظراً إلى دورها في التطورات الجذرية التي شهدتها مصرء منذ وصول السادات 
إلى السلطة. إن هناك كتباً قليلة بارزة كتبت عن علاقة السادات بالدوائر الأمريكية والسعودية؛؟ 
وعلى رأسها كتاب محمد حسنين هيكل: خريف الغضب. وكتاب الصحفي الأمريكي روبرت 
دريفوسء بعنوان: لعبة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي. وكتاب 
الصحفي الأمريكي بوب وودوارد: الحجاب. 

ففي كتاب خريف الغفضب تحدث هيكل عن «العلاقة الخاصة» بين السادات وكمال أدهم. 
مدير الاستخبارات العامة السعودية» وأرجعها إلى عام 1954 عندما شاركت مصر في المؤتمر 
الذي انعقد بالسعودية: لتكوين «منظمة المؤتمر الإسلامي»: وكلف جمال عبد الناصر وقتها 
أنور السادات لتولي رئاسة الوفد المصريء ومن خلال هذه المنظمة تعرّف السادات إلى أدهم» 
الذي كان في ذلك الوقت مستشاراً وصهراً للأمير فيصل قبل أن يصبح فيصل ملكاً على 
السعودية. 












ل 


وأوضح هيكل دور أدهم في فتح قناة اتصال خاصة بين السادات ‏ من ناحية» وبين وكالة 
الاستخبارات المركزية الأمريكية ‏ من ناحية أخرى. عقب تولي السادات الحكم وانفراده 
بالسلطة في عام 1971. كما تحدث عن لقاء السادات بوزير الخارجية الأمريكي هئري كيسنجرء. 
في 7 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1973 بعد حرب تشرين الاول/أكتوبر مباشرة» وكيف تم الاتفاق 
في هذا اللقاء على أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن حماية حياة السادات الشخصية» 
وتم تعيين واحد من خبرانها في الشؤون العربية لكي يكون موجوداً باستمرار في مقر الرناسة» 
أي مقر للرناسة يوجد فيه السادات؛ لمراقبة شؤون الأمن! 

وتحدث هيكل أيضاً عن «نادي السفاري؟؟ الذي شاركت في تكوينه استخبارات خمس دول 
هي: مصر (ممثلها أشرف مروان) والسعودية (ممثلها كمال أدهم) وإيران والمغرب وفرنساء 
إضافة إلى الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ بداعي مواجهة المد الشيوعي في أفريقياء التي 
بسبيها تورطت مصر في محاولة اغتيال معمر القذافي, والرئيس الغيني أحمد سيكوتوريء وفي 
الاشتراك في عمل بعض الانقلابات العسكرية في أفريقيا وآسياء ويمكن الاطلاع عليهاء وعلى 
حقيقة نادي السفاري» في هذا الموقع: #اعماعه| الا 





إلا ان كتاب لعبة الشيطان» الذي صدر في واشنطن. يحبع العلاقة التاريخية بين السادات 
والدوائر الأمريكية. ويرسم صورة كاملة لها؛ يقول الكتاب: منذ سنوات ثورة 23 تموز ايوليو عام 
2 كانت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية تمتلك ملفا خاصاً عن أنور السادات. وكان 
هذا الملف يحتوي على معلومات عن سنوات العمل السري التي اندمج فيها السادات قبل 
الثورة وكيف كان هو الوحيد من بين كل من شاركوا في ثورة 23 تموز/يوليو عام 1952 ذا تاريخ 
حافل بالعمل السري. 

واحتوى هذا الملف على معلومات مهمة عن علاقة السادات بالاستخبارات الألمانية 
والجواسيس الالمان. وقد عمل هؤلاء الجواسيس الألمان لمصلحة جهاز الاستخبارات 
البريطانية بعد القبض عليهمء وبعد هزيمة الالمان في الحرب العالمية الثانية. وعن اغتيال أمين 
عشمان رئيس الوزراء المصري في كانون الثاني /يناير عام 1946. ثم انضمامه إلى «الحرس 
الحديدي» الذي رعاه الملك فاروق ورئيس ديوانه أحمد حسنينء للانتقام من مصطفى النحاس 
رئيس حزب الوفد. بعد واقعة 4 شباط/فبراير عام 1942 وكيف شارك السادات في محاولة قثل 
النحاس في نيسان/أبريل عام 1948. 

ويواصل كتاب لعبة الشيطان متبعا ملف السادات فيقول: بعد اندلاع حركة الضباط الأحرار 
في 23 تموز/يوليو عام 1952 ألقى السادات بكامل ثقله وراء الزعيم الحقيقي لهذه الحركة جمال 
عبد الناصر, وربط مصيره بمصيره. ولذلك كان مؤيداً له في كل المواقف التي اتخذها.ء وبخاصة 
في مواجهته الحاسمة ضد اللواء محمد نجيب» في إطار الصراع على السلطة الذي اندلع بينهما. 





لل 


حتى عام 1954» كما أنه تينى موقف جمال عبد الناصر في صراعه ضد جماعة «الإخوان 
المسلمين»؛ التي حاولت الانقلاب على نظام جمال عبد الناصر الوليد. بالرغم من علاقاته 
القديمة بقيادات هذه الجماعة أثناء العهد الملكي. 

ووصل الحال إلى أن قام السادات في كانون الثاني /يناير عام 1954 وعقب قيام مجموعة 
من التابعين لجماعة «الإخوان المسلمين» بالاعتداء على طلاب في جامعة القاهرة؛ بكتابة مقال 
هاجم فيه جماعة الإخوان. ووصفها بأنها جماعة الاتجار في الدين؛ وبعد هذا المقال بيومين 
فقط أصدر جمال عبد الناصر قراراً بحظر هذه الجماعة, واصفاً إياها بأنها مخلب قط للإنكليز 
والاستخبارات البريطانية بعد افتضاح مقابلة مرشدها العام حسن الهضيبي مع السفير الأمريكي 
والسفير البريطانيء ومحاولة قيادات الاخوان نشر مجموعة من المقالات لتوضيح أن الإخوان 
وحدهم هم من يسيطر على الشارع السياسي المصري؛ ولإثبات ذلك حاولت الجماعة القيام 
ببعض التظاهرات المعارضه للثورة. 

كان كمال أدهم. كما يقول كتاب لعبة الشيطان. يبلغ وكالة الاستخبارات الأمريكية أولاً بأول 
بتطور علاقته مع السادات» وبخاصة أثناء حرب اليمن؛ التي مثلت استنزاقاً لمصر وجمال 
عبد الناصر ونظام حكمه بالرغم من أن السعودية ومصر كانتا في ذلك الوقت تقفان في 
معسكرين متضادّين. 

وحين توفي جمال عبد الناصر عام 1970ء بعد أن كان قد عيين السادات نائا ه منذ أقل من 
عام (10 شهور)» لم تصدق الرياض وواشنطن نفسيهماء ولم تملكهما فرحة؛ على حد قول 
الكتاب: كتلك الفرحة التي جاءت مع تولى السادات مقاليد الحكم في مصر. 












لقد كانت السنوات الإحدى عشرة التي تولى فيها السادات حكم مصرء كما يقول مؤلف 
كتاب لعبة الشيطان. نعمة كبرى و. حولت ماجريات السياسة في الوطن العربي والمنطقة 


لمصلحة السعوديه والولايات المتحدة. فبمجرد أن تولى الادات اللطه عمد هذا «التعلب 
السياسي» بتعبير مؤلف الكتاب ‏ عضو الإخوان المسلمين السابق» ونصير جمال عبد الناصر 
الدائم ‏ إلى عقد تحالف مع السعودية» قام على إثره بضرب الناصريين واليسار المصري. وأعاد 
الإخوان المسلمين منتصرين إلى شوارع مصرء ثم اختم ذلك بتوجيه السياسة المصرية نحو 
الانحياز الكامل للولايات المتحدة وإسرائيل! 

ويقول كتاب لعبة الشيطان أنه طوال سنوات السبعينيات لم يتحكم أحد في السادات مثلما 
تحكم فيه الملك فيصل وكمال أدهمء بل الأكثر من هذاء كما يقول الكتاب, أن هناك عدداً من 
السياسيين الذين أحاطوا بالرنيس السادات مثلما يحيط السوار بالمعصم. كانوا يتلقون أموالاً 
ثابتة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والاستخبارات العامة السعودية. ويقول أيضاً إن 
علاقة السادات الخفية مع كمال أدهم كانت بدورها «قناة سرية» مع وكالة الاستخبارات المركزية 


14 


الأمريكية. ومع كيسنجر بالتحديد. وهو صديق شخصي مقرب جداً من كمال أدهم؛ والذي كان 
مهموماً باعتباره وزير الخارجية الأمريكية» بإعداد مسرح المنطقة العربية لحرب باردة ضد 
الاتحاد السوفياتي. وجاء تولي السادات الحكم ليكون اللاعب الرئيسي على هذا المسرح. 
كمال أدهم والسادات إلا أن الملك فيصل كان ما زال خاتفاً من أن 
ب سياسي» يتلاعب بالسعوديين أنفسهم. وأن يكون في حقيقته «ناصر 
إلا أن أدهم وهو زوج الملكة - فيصل أكد للملك أنه يعرف السادات جيداً 
منذ فترة طويلة! وأن عضوية السادات القديمة في جماعة «الإخوان المسلمين» تؤكد وجود 
ميول يمينية لديه. وأن السادات. كما يعرفه أدهم جيداً. أيضاً يعشق مظاهر الفخفخة في الحياة. 
وبناء عليه قرر الملك فيصل تعيين أدهم مبعوثاً شخصياً بينه وبين السادات. لذلك لم يكد يمر 
شهر واحد على وفاة جمال عيد الناصر حتى كان أدهم في القاء ة يلتقي مع السادات» وفي هذا 
الاجتماع قدم أدهم وعداً إلى السادات يأن السعودية سوف تتكفل له بمساعدات هائلة. وعلاوة 
على هذاء وهو الأهم. قدم أدهم وعدا إلى السادات يأن الولايات المتحدة سوف تساعد مصر 
في الحصول على أراضيهاء بشرط واحد هو يام السادات بفض علاقته مع الاتحاد السوفياتي 
وطرد القوات السوفياتية من مصر. 

وفي كانون الثاني /يناير عام 1971 أصبح للمبعوث السعودي أدهم وجود دائم في مصر وفى 
حياة السادات» ولم يكن أدهم مجرد وسيط موقد من الملك فيصل فقطء لكنه أصبح «قناة 
سرية» للتواصل بين السادات ونيكسون؛ وبين السادات وكيسنجرء بعيداً من القنوات الرسمية 
المعروفة في وزارة الخارجية المصرية» وجرى إنشاء خط ساخن بين السادات وفيصلء وأصبح 
أشرف مروان» الذي تولى منصب سكرتير السادات لشؤون المعلومات؛ هو المسؤول الوحيد 
عن هذا الخط. ومن المعروف أن الولايات المتحدة لم يكن لها سفارة في القاهرة في ذلك 
الوقت. بعد قطع العلاقات بين القاهرة وواشنطن عقب هزيمة عام 1967 وثبوت تعاون الولايات 
المتحدة مع إسرائيل في تلك الحرب. 

وفي أيار/مايو عام 1971 بدأ السادات بالتخلص من رجال جمال عبد الناصرء يعدما ادعى 
أن هؤلاء كانوا يخططون للقيام بمؤامرة للإطاحة بهء ووصفهم بأنهم عملاء للسوفيات. وي 
مدير محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في السعودية» حسب كتاب: لعبة الشيطان» 
أن السيناريو المتفق عليه بعد التخلص من الناصريين كان يتمثل في طرد القوات السوفياتية من 
مصرء وهو ما حدث فعلء بالرغم من احتياج مصر العسكري للطيارين الروس من أجل حماية 
العمق المصري من غارات الطيران الإسرائيلي» وللخيراء السوفيات لتدريب الجيش المصري 
على استخدام الأسلحة والمعدات العسكريه الحديثة التي تسلمتها مصر. 

















كر 






وبعد قضاء السادات على 
في القاهرة, واتفق الاثنان خلال هذه |١‏ 

أولهاء أن يواصل السادات طريقه في التخلص من القوات السوفياتيه الموجودة على أرض 
فصر 

وثانيهاء أن يكون هناك تنسيق كامل بينهما في حال قرر السادات دخول حرب ضد إسرائيل. 

وثالثهاء إعادة قيادات «الإخوان المسلمين' المنفية في السعودية وفي بلاد أخرى إلى مصر. 

وبدءاً من صيف عام 1971 بدأ السادات في إطلاق سراح المسجونين من أعضاء هذه 
الجماعة. والسماح لأعضانها بالخارج في العودة» وكل هذا كان بترتيب خاص من الملك فيصل 
ومدير استخباراته كمال أدهم. وقام أعضاء هذه الجماعة يتقدمهم المرشد العام عمر التلمسانيء 
بعد إطلاق سراحهم: بالتوجه إلى القصر الجمهوري؛ وتسجيل أسمى آبات الشكر للرئيس 
السادات» في سجل التشريفات الخاص بالرئيسء وكانت تلك بدايات خروج قوى الإخوان من 
«القمقم». حسب تعبير مؤلف الكتاب» الذي فتحه السادات؛ بترتيب خاص من السعودية ووكالة 
الاستخبارات المركزية الأمريكية. 

وبعد أن أوفى السادات بوعوده للملك فيصل وأدهم بالتخلص من رجال جمال عبد الناصرء 
وطرد الخبراء السوفيات من مصرء وإعادة الإخوان الملمين والعفو عنهم, كان يتبقى أن ينف 
الملك فيصل من جاتبه اتفاقه مع السادات» وهو المساعدة في استعادة الأراضي المصرية 
المحتلة؛ ويخاصة مع تزايد الضغط الشعبي على السادات لاستعادة هذه الأراضي. لكن لم تبرز 
إسرائيل ولا الولايات المتحدة» رغم كل القنوات السرية معهماء أية دلائل على استعدادهما لترك 
شبه جزيرة سيناء؛ بل سعت إسرائيل في يناء بعض المستعمرات هناك مستفيدة من توريط 
السادات لنفسه. وحرقه كل الأوراق التي بيده ما عدا الورقة الأمريكية. 

إلا أن الملك فيصل كان مصمماً على عدم وقوع مصر مرة أخرى في أيدي دعاة القومية 
العربية؛ فأصدر عدداً من البيانات الصحافية ينتقد فيها سياسة الولايات المتحدة في الوطن 
العربي. لكن لم يهتم بها أحد في الدوائر الأمريكية المسؤولة عن صنع السياسات. وفي صيف 
عام 1973 نقل الملك فيصل رسالة خاصة إلى رئيس شركة أرامكو. مشيراً فيها إلى المخاطر 
التي تواجه تدفق النفط من جراء قيام حرب مصرية ‏ إسرائيلية؛ وبرغم ذلك لم تبالٍ الولايات 
المتحدة بتلك الرسالة. وعندما فشل الملك فيصل. في نفس الوقت الذي فشلت فيه اتصالات 
السادات السرية مع كيسنجرء قرر الاثنان أنه لا مفر من الذهاب إلى الحرب. 

ويذهب مؤلف الكتاب إلى أن السادات فتتح مصر على مصراعيها لوكالة الاستخيارات 
المركزية الأمريكية: بمجرد انتهاء حرب عام 1973 معتمداً على إعلانه انتصار مصر بهاء علاوة 








ل 


على أنه سمح لها بوضع أمنه الشخصي تحت حماية عناصرها الموجودة في القاهرة» إلا أن 
الوكالة لم تلتفت إلى «الجن» الذي كانت قد أخرجته من «القمقم؛ بمعرفة السادات. وهو «جن 
الأصولية الإسلامية». فقد كان كل هم الولايات المتحدة هو استخدام السادات كرأس حربة في 
حربهم الباردة ضد الاتحاد السوفياتي» ولما حقق لهم السادات ما أرادوه تركوه يدفع وحده ثمن 
إخراج «الجن» من «قمقمه». حسب تعبيرات مؤلف الكتاب. كما تركوا شاه ايران يدفع نفس 
الثمن لمصلحة الخميني. 


ب القناة المصرية 

أما المحاولة الثانية للتواصل مع الولايات المتحدة فكانت عبر «قناة مصرية سرية»: دشنها 
السادات مع الولايات المتحدة وإسرائيل» من خلال عبد المنعم أمين. الذي اختير عضواً 
بمجلس قيادة ثورة 3 تموز/يوليو عام 1952 في أيامها الأولى» ثم عن بعد ذلك سفيراً في 
لاهاي. وكان القاتمقام أمين» في الشهور المبكرة بعد الثورة. يمسك بخيط من خيوط الاتصال 
مع السفارة الأمريكية في القاهرة. بتكليف من مجلس قيادة الثورة» وكان الموضوع الذي يدور 
حوله البحث هو مفاوضات الجلاء مع الإنكليز. وقد غادر مصر منذ عام 1954 لاختلاقه مع 
توجهات الثورة الاقتصادية والاجتماعية» ولم يعد إليها إلا فور وفاة جمال عبد الناصر. 

وقد اتفق السادات مع أمين؛ بعد جلة طويلة بينهماء على أن يقوم نيابة عنه بالاتصال مع 
الولايات المتحدة؛ ومن خلالها مع إسرائيل» ولعله أراد أن يجرب. وقد كلف السادات أمين 
بإبلاغ إسرائيل؛ من خلال القائم بأعمال السفير الأمريكي في القاهرة. استعداده للإقدام على 
الاعتراف بدولة إسرائيل: وإجراء مفاوضات مباشرة معهاء وإجمالاً تنفيذ كل ما أقدم عليه عندما 
زار إسرائيل عام 1977 . فاتصل بالقائم على رعاية شؤون المصالح الأمريكية. تحت مظلة 
السفارة الإسبانية في مصرء دونالد بيرغس. ث ثم اتصل أيضاً بممثل وكالة الاستخبارات المركزية 
الأمريكية يوجين ترون؛ الذي كان يعمل تحت غطاء سياسيء يضعه في كشف أعضاه البعثة 
الدبلوماسية للولايات المتحدة في القاهرة «مكتب رعاية المصالح». 

جدير بالإشارة هنا أن السادات وقتها لم يكن يعرف بما فيه الكفاية «عملية الدكتور عصفور»» 
حتى بعد توليه رناسة الجمهورية» والقدرات التي الاستخبارات المصرية؛ والحقيقة أن 
هنا الجهاز الكبير كان قد حقق لنفسه مستوى عالياً في مجال الأمن القومي. وقد وصلت كفاءته 
إلى حد أنه تمكن من وضع أجهزة تنصت وتسجيلء منذ عام 1967؛ بتكليف من جمال 
عبد الناصرء في بيت ومكتب القائم على رعاية المصالح الأمريكية بيرغسء وقد شملت الرقابة 
كل غرفة فيه بما في ذلك مكتب ممثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ترون. ومسكنه 
أيضاً. وبالطبع فإن عبد المنعم أمين لم يكن يعرف. 














17 


لذلك سبلت هذه الاتصالات. وجرى تفريغ شريط المقابلة في نفس اليوم» وإرساله إلى 
من يعنيهم الأمرء لكن المهم أنه لم يحدث شيء مما تصوره السادات؛ ولم يكن معقولاً بهذه 
الوسائل أن تتحقق أهداف أو غايات. وقام شعراوي جمعة وزير الداخلية آنذاك بتسليم نصوصها 
إلى السادات الذي أنكر معرفته بمضمونهاء أو تكليفه عبد المنعم أمين بأية مهمة يخصوصهاء 
لكنها رسخت لديه ضرورة الانقلاب على *المجموعة الناصرية». وعزلها وإيداعها السجونء 
بزعم أنها تخطط للانقلاب عليه. بينما هي تمسك بكل مفاتيح اللطة في مصر! وقد نشرت 
تسجيلات هذه النصوص كاملة في الكتاب الذي أصدره محمد حسنين هيكل بعنوان: أكتوبر 
السلاح والسياسة"". 





ثم جرى تدشين «قئاة مصرية سرية» أخرى. وذلك عندما عرض كيسئجر على السادات؛ من 
خلال دونالد كندال رئيس مجلس إدارة شركة بيبسي كولا العالمية في حينه؛ وهو صديق مقرب 
منه. أن يوفد ممثلاً عنه لإجراء حوار مباشر بينهماء بعيداً من الأجهزة الرسمية والإعلامية. بل 
القد رشح بنفسه محمد حسنين هيكل للقيام بهذه المهمة السرية. لكن هيكل رفض هذه الفكرة 
من حيث المبدأً. 

وعقب قرار السادات طرد الخبراء والمستشارين السوفيات من مصرء في تموز/يوليو عام 
2 زار الملك فيصل مصر. عائداً مباشرة من زيارة كان يقوم بها إلى الولايات المتحدة. 
وأوفد مستشاره مدير الاستخبارات السعودية كمال أدهم إلى هيكل ‏ حسب كتابه يعنوان: 
خريف الغضب ‏ لإبلاغه أنه موفد إليه من جانب «الرئيس» و«الملك». وأن اتفاقاً قد تم بين 
القيادات العليا في كل من مصر والسعودية والولايات المتحدة؛ لتنسيق التعاون بين ثلاثتهم 
عبر الاتصال المباشرء دون المرور بأية أجهزة أخرى. مضيقاً أنه سيمثل السعودية» وأن 
كيسنجر سيمثل الولايات المتحدة وأن السادات قد ليمثل مصر. رفض هيكل الفكرة 
من أساسها رفضاً ب يف هيكل أن ذلك كان نموذجا لغرام السادات بمغامرات العمل 
السري. وعملياته الخفية. كما أنه كان نموذجاً للطريقة التي يمكن لشخصيته أن تتأثر فيها 
بشخصية أخرى أقوى منها. لكن أنشنت «قناة الاتصال السرية» في مكان آخرء وتحمل 
مسؤولية إدارتها «شخص» آخر؛ اتضح فيما بعد أنه محمد حافظ إسماعيل. الذي كان 
السادات قد عيّنه في منصب غير مسبوق على الساحة المصرية: «مستشار الأمن القومي»» 
على غرار المنصب الشهير في النظام الأمريكي. الذي كان يتولاه ‏ آنذاك ‏ وزير الخارجية 
الأشهر كيستجر"". 














(9) محمد حسنين هيكل. أكتوير 73: السلا وانسباسة (القاهرة: مركز الأهرام للترجسة والنشر. 1993). صن 139 149 
(10) هبكل. خريف الفضب: قصة بداية ونهابة عصر أنور الاداث. ص ١١!‏ 112 


في السياق ذاته يشير أحمد كامل مدير الاستخبارات العامة حتى 1971/5/13: في مذكراقة 
بعنوان: أحمد كامل يتذكرء إلى أن من دلائل اتجاه السادات للتفرد بالقرار وحده. 
طريق سياسي جديد؛ أنه واصل تعميق قناة سرية مع الولايات المتحدة. ويضيف كاء 
الحوار ضرورياً بالطبع؛ لكنه كان يتم خارج أجهزة الدولة المختلفة. وفي مقدمها وزارة 
الخارجية. وكنت أعلم بحكم موقعي جانباً من طبيعة الحوار. بل إن الاستخبارات المركزية 
الأمريكية هي التي تكفلت» من طريق قناة خاصة ومباشرة» بأن تنقل إلي وأنا على رأس 
المخابرات. بعض التصورات والاقتراحات الأمريكية: التي نقلها المبعوثون الأمريكيون إلى 
الرئيس السادات, وكانت كلها اقتراحات شكلية» تدور حول الموضوع ولا تصل إلى عمقه. 
ولقد قلت يوماً لمندوب الاستخبارات المركزية الأمريكية ‏ الذي جاء ينقل التصورات - إنني 
لا أرى جديداً. وإننا جادون في البحث عن السلام لكنكم تحرجون الرئيس بهذه المواقف 
المائعة؛ التي لا تقدم جديداً. ولا تضيف 0 

ومع قرب نهاية عام 1971 قرر السادات إجراء اتصالات دورية مباشرة بين الفريق أحمد 
إسماعيل مدير المخابرات العامة وقتهاء وبين يوجين ترون ممثل وكالة الاستخبارات المركزية 
الأمريكية. المتخفي ببعثة رعاية المصائح بالقاهرة؛ وكانت رسائل ترون من القاهرة تنتهي في 
إلى مسؤول «الشرق الأوسط؛ في إدارة الاستخبارات المركزية. ثم إلى «لجنة الاربعين» 
بالبيت الأبيض برئاسة كيسنجرء والتي تضم كل أجهزة الاستخبارات والدفاع ني 
الولايات المتحدة» والتي كان يجري من خلالها رسم سياسة البيت الأبيض. ويلاحظ أن هذه 
«اللجنة» كانت بمنزلة قاعدة قوة كيسنجر في مواجهة روجرز وزير الخارجية في حينه. وكانت 
هناك جهود تعزز حركة الاتصالات على هذه القناة السرية وذلك من خلال نشاط كان يقوم به 
عدد من الصحافيين ورجال الأعمال الأمريكيينء كانوا على صلات وثيقة بمواقع صنع القرار. 

من ناحية أخرى ففي ندوة مغلقة عقدها مدير الاستخبارات الخارجية الروسية ميخائيل 
فرادكوف. في عام 2018 مع السفراء الروس في الوطن العربي والإسلامي؛ في شأن مستقبل 
جماعة «الإخوان المسلمين»؛ أشار إلى أن بريطانيا دعمت جماعة الإخوان منذ نشأتها عام 
928 لمواجهة تنامي التيار القومي العربي. وأشار إلى تقرير أمني روسي تطرق إلى العلاقات 
الأمريكية ‏ الإخوانية» مع بداية أفول نجم بريطانيا العظمى في الخمسينيات من القرن الماضيء 
وآثبت أن الجماعة جزء أساسي من أدوات المشروع الامريكي للهيمنة على الوطن العربي 
والإسلامي وبخاصة في مواجهة ثورة جمال عبد الناصر. ومن ثم بدأ المستشار حسن الهضيبيء 




































أحمد كامل يتذكر: من أوراق رئيس المخابرات المصرية الأسبق (القاهرة: دار الهلال: 02016 





ور 


المرشد العام للإخوان المسلمين؛ في تلك الفترة بتجديد العلاقات ما ينا الإخوان المسلمين 
والولايات المتحدة؛ واتفق الطرفان على أرضية التعامل المشترك ضد ثورة 23 تموز /يوليوء كونها 
تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. ومن جانب آخر تستهدف حركة الإخواة المسلمين في 
مشروعها السياسي. وتعمقت العلاقات ما بين الطرفين» ووضعت العقبات والمصاعب أمام 
تلك الثورة ليس في مصر فحسبء بل في بلدان عربية أخرى. في محاولة لوقف مد هذه الثورة. 
وانتقالها في مناطق أخخرى في الوطن العربي. 

وأوضح أنه في بداية سبعيئيات القرن الماضي. وعئد استلام السادات الحكم. شعر بأنه 
مستهدف من جانب رفاقه في الشورة: وأن أيامه ليست طويلة في الحكم. فأشار عليه حسن 
التهامي. وكان مستشاراً له. بأكثر من سيناريو للانقضاض على مراكز القوى المناهضة له في 
مصر. أما السيناريو الرئيسي الذي وافق السادات عليه فهو تعميق العلاقة مع الحسن الثاني ملك 
المغرب» متدداً لمر تقارير كانت تصله بصفته رنيساً للاستخبارات المصرية, تم 
الثاني هو الأكثر قربا في هذه المرحلة. من الولايات المتحدة وإسرائيل والقوى اليهودية في 
أنحاء العالم كافة. ومن هذا الباب» مد السادات اتصالاته إلى الحسن الثاتي. ويشير ميخائيل 
فرادكوف إلى أنه في شباط/فبراير عام 1972 عقد أول لقاء سري بين السادات والولايات 
المتحدة, برعاية الحسن الثاني وكان هذا اللقاء فاتحة للعلاقة بين الطرفين رسمياً وشرعت. 
هذه العلاقة بقنوات مصرية ‏ أمريكية كان أهمها قناة حسن التهامي”. 

وبعدهاء نصحت الولايات المتحدة السادات أنه إذا كان جاداً بالتصدي لمراكز القوى. 
الجذري للسياسة المصرية» فما عليه إلا التعامل والتعاون مع الإخوان المسلمين» 
اركونه نفس الهدف. وأن الولايات المتحدة ستساعده على ذلك. وفي تلك الفترة» 
انفتح المرشد العام للإخوان المسلمين عمر التلمساني على السادات» بطلب وبرغبة أمريكيتين» 
وعمّق الطرقان العلاقات فيما بينهم. ووجد الإخوان في ذلك فرصة للثأر من جمال عبد الناصر. 
ومراكز القوى التابعة له فاندفعوا بقوة مع السادات؛ وكان اتفاقهم يقوم على نقطتين» هما فك 
التحالف مع الاتحاد السوفياتي» كونه اتحاداً كافراً ملحداًء والعمل على تصفية النفوذ الناصري. 

ودعم الإخنوان المسلمون في مصر السادات بكل قوة» حتى في زيارته إسرائيل وتوقيع 
الاتفاقيات معهاء وإن كانوا في العلن يعارضونء فالقوة الرئيسية التي كانت قادرة على التصدي 
التوجهات السادات» ومنعه من أية اتفاقية مع إسرائيل» هم الإخوان المسلمون. ونجح الإخوان 
والأمريكان في إحداث «إنقلاب جذري» في السياسة المصرية» وقطع السادات تدرجاً علاقاته 























(12) انظر: محمد سعد العرضي. حسن التهامي يفتح ملفاته من احتلال قلسطين إلى كامب دابفيد: عبد الناصر.. 
الساداث وسكين المخايراث الأمبركبة (القاهرة: دار دبرات. 1998. 


120 


مع الاتحاد السوفياتي» كما عمد إلى تصفية «النظام الناصري», ما يعني التحول إلى الولايات 
المتحدة. وخفض حدة المواجهة كثيراً مع إسرائيل؛ وبدأت موجة ثقافية جديدة في مصر, دعمها 
الإخوان بقوة. وهي ثقافة «مصر أولا». 


اثانيً عام الحسم 

كانت القوات المسلحة المصرية على أتم الاستعداد لخوض حرب التحرير» قبل رحيل 
جمال عبد الناصر كما تقدم. حيث كان قد صدق بالفعل على «أمر القتال». وأعطى أوامره 
اللفريق أول محمد فوزي بالاستعداد لشن معركة التحرير» فور انتهاء مهلة وقف إطلاق الثارء ني 
7 كما وقع. في آب/أغسطس عام 1970, على خطط العبور جرانيت 
2» و«القاهرة 4200. والأخيرة هي التي تعني الضوء الأخضر والنهائي ليده خطط تحرير 
الأراضي المحتلة» بعدما استكمل استعداداته لشن حرب التحريرء باكتمال حائط الصواريخ» 
وتحريكه حتى حافة الضفة الغربية لقناة السويس. 

وعندما تولى السادات السلطة وأصبح رئيساً للجمهورية وقائداً أعلى للقوات المسلحة» 
أحاطه الفريق أول محمد قوزي وزير الحربية علماً بكل المعلومات والحقائق والأسرار في شأن 
الموقف العسكري آذار/مارس: بما في ذلك الخطط والقرارات التي صدق عليها جمال 
عبد الناصر. ببخصوص شن حرب التحرير» فور انتهاء مهلة وقف إطلاق النارء في 1970/11/7 
والتي كان شاهداً على جاتب منها بحكم منصبه نائباً للرئيس. 

ونظراً إلى رحيل جمال عبد الناصر فقد قرر مجلس الأمن القوميء برئاسة السادات؛ مد أجل 
وقف إطلاق النار 3 أشهر إضافية. بحيث تبدأ حرب التحرير في 5 شباط/فبراير عام 1971 ثم 
تقرر مذّها شهراً آخر إلى 5 آذار/مارس عام 1971. لكن السادات لم يكن راغباً إطلافا في خوض 
هذه الحرب. 

وفي ضوء ذلك شهدت تلك الفترة تصاعد التوتر في المجتمع؛ وتزايد القلاقل داخل 
الجامعات» وشعر الناس بأن البلاد لم يعد لها اتجاه واضحء ومع كل يوم جديد كان الغموض 
ينتشر حول مصير البلدء في ظل حال «اللاسلم واللاحرب؟ التي كانت سائدة. 

تحدث السادات عن أنه لن يسكت على هذا الوضعء بل وتعهد من تلقاء ذاته بالإعلان عن 
أن عام 1971 سيكون هو «عام الحسم»؛ ومن هذا المنطلق عمد. في عام 197ء إلى رفع شعار 
«عام الحسم... إن سلماً أو حربا»» وأعلن أنه لن يدع ذلك العام يمر من دون أن يكون قد اتخذ 
قراره في شأن الوضع الذي كان قد تجمد. قفي خطابه أمام القوات البحرية. في 1971/6/22 
أعلن أن «سنة 1971 حاسمة» ولا يمكن أن يطول انتظارنا إلى الأبد». وأعقب ذلك أمام المؤتمر 


». و«جرانيت 














12 





القومي للاتحاد الاشتراكي» في 1971/7/23 بتصريح قال فيه: «إننا مقيلون على مرحلة حاسمة 
في تاريخ الأمة العربية؛ وهي سنة 1971». وفي ختام دورة المؤتمر ردد هذا المعنى قائلاً: «قلت 
أمامكم. والتزمت أمام شعيناء وأسمعت العالم كله أن هذه السئة ‏ 1971 سوف تكون حاسمة 
في أزمة الشرق الأوسط». 

كما أخذ يردد هذا الشعار طوال ذلك العام هعام الحسم.. إن سلماً أو حربا» ‏ للتغطية على 
توجهاته ونياته الحقيقية: بينما كان يبطن شيئاً آخر. ما ألقى كثيراً من الظلال على «شخصية 
السادات». 
في هذا السياق تشير الوثائق الإسرائيلية التي أفرج عنها بعد مرور 40 عاماً على حرب عام 
3 إلى أن غولدا مائير قالت إنه: مبادرة روجرزء ووقف إطلاق النارء كانت للسادات 
تواريخ مختلفة نهاية السنة» هذه سنة الحسمء بعد ذلك قال سيحدث في آذار/مارس. كنا 
معتادين طوال الوقت على أن السادات رجل غير جاد, يلقى بتواريخ ولا يخجل» وبعد ذلك 
لايفيء وكان كثيرون يتندرون عليه ويسخرون منه» ويتساءلون كيف يستمر أصلاً؟. كيف 
يمكن للشعب أن يحتمله؟”. 

وكان رفض السادات «أمر القتال» لبدء الحرب في الموعد الجديد هو الذي دفع 
الفريق أول محمد فوزي إلى تقديم استقالته. ومعه كل «المجموعة الناصرية». في 1971/5/13 
ماهيأ الفرصة لكي يقوم السادات باعتقالهم جميعاً. في ما عرف بقضية «مراكز القوى» 
15 أيار/مايو عام /197ء ومن ثم رفع الغطاء عن كل ما كان كاء من توجهاته ونياته الحقيقية. 
التي تمخضت في النهاية عن زيارة إسرائيل. 

في ظل هذا الإطار انقضى عام 1971 ولم يحسم السادات شيئاء لا سلماً ولا حرباً في ما 
يخص الاراضي المحتلة, متعللاً بأنه كان هناك «ضباب» ناتج من الحرب بين الهند وباكستان» 
وانشغال الاتحاد السوفياتي بها مع نهاية ذلك العام حيث وقف إلى جانب الهند عسكرياً 
وسياسياًء فاتفجرت التظاهرات من جديد في البلاد. وأصدر السادات قراراً بإبعاد العشرات من 
كبار الكتاب والصحافيين عن عملهم الصحاني نضللا عن اعتقال المنات من طلاب 
الجامعات. 

الم يفسر السادات مصطلح «الضباب؟ الذي استخدمه لتبرير التخلي عن «عام الحسمك. 
ولا استطاع أحد غيره أن يضع تفسيراً له. رغم أن هذا المصطلح أصبح محلاً للتندر والسخرية. 
لكن من اللافت أن تلك الحرب بين الهند وباكستان, التي كانت مغلفة بأقصى درجات السرية.» 
وفاجأت العالم أجمعء قد انطلقت يوم 9 كانون الأول/ديسمبر عام 1971 أي مع اقتراب نهاية 































(13) ترججمة الوثائق السرية الإسرائيلية عن حرب أكتوير 1973 (القاهرة: المركز القومي للترججمة. 2014). 


12 


«عام الحسم» الموعود. دون أن تلوح أية بوادر في الأفق» قبل اندلاعهاء لحسم من أي نوع ني 
مصر. . وليس من المتصور أن السادات كان يرتب لإصدار قرار الحرب في الاسابيع الثلاثة 
المتبقية من ذلك العام» ما يؤكد أنه كان إعلا: دعائياً منبتّ الصلة عبن 1 اقعء وبخاصة أن ما 
نشر من وثائق تلك المرحلة لايشيرء لامن قريب ولا من بعيدء إلى أن القوات المسلحة 
المصرية كانت تخطط لاحتمال الحرب في ذلك العام. ولا تلقت أية توجيهات من السادات 
قائدها الأعلى بالاستعداد للحرب. على غرار ما حدث قبل حرب عام 01973 ما يقتضي التوقف 
لمزيد من كشف نيات السادات الحقيقية. 

فمن ناحية مبدئية كان السادات» باعترافه وبشهادة الشهود. ضد الحل العسكري. بل كان 
يؤمن فقط بمبدأ الحل السلمي. وشرع بالفعل في إجراء الاتصالات اللازمة على هذه الطريق» 
وبخاصة مع الولايات المتحدة. ومن خلالها مع إسرائيل: فضلاً عن اتصالائه من طريق «القناة 
السرية السعودية؛ 

ومن ناحية ثانية تقدم الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية باستفالته من منصبه في ١3‏ أيار/ 
مايو /197. لرفض السادات التصديق على قرار الحربء الذي كان قد صدق عليه جمال 
عبد الناصر قبل رحيله بأيام. ما يعني أن القوات المسلحة المصرية لم تكن بوارد الحرب حتى 
تاريخ تلك الاء فضلاً عن تداعيات الانقلاب الذي قاده السادات في أيار/مايو 1971 
وسيتضح أن الفترة اللاحقة على ذلك التاريخ كانت بدورها مشحونة بتطورات دولية لا تساعد 
على اتخاذ قرار «الحسم» إن سلماً أو حرباً. 

ومن يتضمن محضر اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 1972/10/24 
كما نشره موسى صبري في كتابه بعنوان: وثائق حرب أكتويرء أن السادات قد عرض الآأحي 
بلساتة""5: 

١‏ أنه كانت هناك «أزمة ثقة» بين الادات والقيادة الوفياتية منذ تلمه اللطة. وكان 
توقيع «معاهدة الصداقة» مع الاتحاد السوفياتي أبلغ دليل على حال انعدام الثقة. 

2- أن موقف الاتحاد السوفياتي في شأن صفقات السلاح اللازم لشن حرب التحرير» وحتى 
اللتوصل إلى «تسوية مشرفة». التي كان يجري الاتفاق عليها في زيارات السادات إلى موسكوء. 
خلال عام 1971, أي «عام الحسم». كان يتسم بسمتين أساسيتين: الأولى: المماطلة والتسويف 
في مواعيد إرسال تلك الصفقات؛ و! يق عدم الالتزام بهذه الصفقات من النا 
والنوعية؛ عندما يأتي أوان إرسالها. يضاعف من أهمية وخطورة هذا اللوك الوف اني أن 
السادات كان خبيراً به حسب روايته. حتى في وجود جمال عبد الناصر. افقد أشار في هذا 


















(13) مرسى صبري. وثائق حرب أكتوير (القاهرة: السكتب المصري الحديث. 1975). ص 35-31. 


لغ 


الاجتماع إلى أن الفريق أول فوزي وزير الحربية جاءه ذات يوم ليخبره أن «الروس بعتوا لناء 
2 شباط/فبراير» عام 

. يعقب السادات: «قلت له: لا .. آسف يا فوزي مش هاييجي قبل مؤتمر الحزب الشيوعي 
في 31 آذار/مارسء وقبل ما ينتهي المؤتمر في نيسان/أبريل... ده أسلوبهم أنا عارف. وهذه 
طريقة تعاملهم». وهذا ما حدث فعلاً. 

3 أن التطورات المتالية خلال عام 1971 فرضت درجة عالية من التوتر بين مصر والاتحاد 
السوفياتي» إلى جانب ما يفرضه التوتر المكبوت الذي يفرضه السلوك السوفياتي تجاه صفقات 
السلاح. على سبيل المثال قال السادات أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة: 

أ «والحق أقول لكم أنني عشت ثلاثة أشهر حالكة السواد.. يوليو» وأغسطسء وسبتمير» 
وقبل يوليو كانت عملية مايو (الانقلاب). وفي يوليو وقع الانقلاب الشيوعي في السودان»» 
ورفض السادات طلباً من الاتحاد السوفياتي بالاعتراف بالنظام الجديد؛ بل بخلاف ذلك ساعد 
«النميري» على العودة إلى السلطة» وقمع الانقلاب» وإعدام قادته"". 

ب «وجاء شهر أيلول/سبتمبر وأحسست أننا معلقون في الهواء. السوفيات لا يفهمون 
والولايات المتحدة تناور وتراوغ لحساب إسرائيل»*". هكذا وجد السادات نفسه 

ن التي تعطي السلاح: والقوة القادرة على الحل السلمي. ثم أعلن 
ا أنه قرو قطع كل .بين الولايات المتحدة من اتصالات. ثم حلل الموقف 
قيقاً. بقوله: أهداف الولايات المتحدة بوضوح هي إزالة الوجود السوفياتي 
في المنلقة العربية؛ وعزل مصرء والضاء على النظام. الولايات المتحدة تريد إخخراج إسرائيل 
كاسبة في كل شيء. ولا تريد أن تمارس أي ضغط عليها. وأذ 'إنني أستنتج أن هناك 
تعهدات أمريكية سرية منذ عهد «جونسون» تلزمها باتخاذ هذا الموقف مع إسرائيل وضدناء إن 
الولايات المتحدة تنصور أن إسرائيل سوف تحقق لها أهدافها في '. بل لقد ذهب في 
حديث له إلى صحيفة لوموند. في 2197//1/20 إلى «أن الولايات المتحدة في حال حرب مع 
العرب»! 

اج بعد أحداث السودان «كان فيه وقفة تما. ن الاتحاد السوفياتي. وبعدين اختلفنا 
في أكتوبر» أثناء زيارة السادات إلى موسكو. ويضيف: «فات أكتوبر» نوفمبر» وديسمبرء ووقعت 
معركة الهند.. واتضح لي تماماً أنه مش ممكن نعمل أية عملية في سنة 1971 وبخاصة أن 



































(15) المصدر تق من 190 و2013 
(16) المصثر تقس صن 190 
(17) المصبر تقس صن 193 





124 


الصفقة التي كنا قد اتفقنا على أن تصل مصر قبل نهاية 1971ء لم تكن قد وصلت بعدء بل إن 
التعاقد عليها لم يكن قد تم». فضلاً عن أن ما أطلق عليه «الهجوم الكبير» في فيتنام كان قد 
انطلق قبل الحرب بين الهند وباكستان بحوالي شهرء وكان الدور السوفياتي فيه كبيراً جداً. 

4- يتابع السادات: «في يوم 10 ديسمبر مباشرة استدعيت السفير السوفياني عندي؛ وقلت 
له: واضح تماماً أن عام 1971 انتهى خلاص... ابتدت امبارح معركة الهند. عملياً انتهى عام 
. طب وبعدين؟ قلت له: إبعت للقادة السوفيات وقل لهم أنا عايز آجي لكم موسكو قبل 
نهاية عام 1971». جاء الرد بعد أسبوعين» في 21971/12/27 يفيد أن القادة السوفيات مشغولون» 
وفي 1972/1/31 أبلغ السادات أن الموعد المطلوب قد تحدد في 4 شياط/فبراير عام 1972! 
ويضيف السادات: «الحقيقة أنا كدت في أواخر ديسمبر أن أصدر القرارات إللي طلعتها ني 
ليو» عام 1972. وهي قرارات طرد الخبراء والمستشارين والفنيين السوفيات من مصر. 
في مجال توثيق ما سبقء في شأن إحاطة السادات علماً بالموقف العسكريء وبخاصة 
استعداد القوات المسلحة المصرية لخوض حرب التحرير في ذلك الوقت المحدد. متى ما 
صدر إليها «أمر القتال» من القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ من المفيد الإحالة إلى ما ورد في 
مذكرات الفريق عبد المنعم خليل الذي تولى قيادة الجيش الثاني» في 16 تشرين الأول /أكتوبر 
عام 1973ء خلفاً للواء سعد مأمون الذي أ عندما علم بفشل خطة تطوير 
الهجوم في يوم 14 تشرين الأول/أكتوبرء وجرى نقله إلى المستشفى بالقاهرة» حيث ينقل في 
مذكراته حروب مصر المعاصرة"". وقائع أول لقاء عقده السادات مع كبار القوات المسلحة 
المصرية» في 30 كانون الأول/ديسمبر عام 1970 حيث قال السادات الآتي: 

-٠١‏ يجب أن نستعد للمعركة في أي وقت حتى 5 فبراير عام 1971 ونهيئ الشعب لها. 

2- الخطة (200) ممتازء وسنواجه العدو بأعصاب هادنة.. تخطيطكم ممتاز. 
























وسئلتزم بالخطة الموضوعة للحرب. 
3- لقد كسبنا معركة سياسية ضد الولايات المتحدة وليس لنا حجة» ومن اللازم أن نخوض 





المعركة بمنتهى الكفاءة» بالخطة الموضوعة: وبهدوء أعصابنا. 
4- أننا ستحارب وسنتصر بإذن الله لقد أصبحنا بعد ثلاث سنوات أقوياء وقادرين على 
الحرب» رغم أن أصدقاءنا السوفيات قالوا لا بد من عشر سنوات لنستعيد قدراتنا». 
كتب ير الحربية الفريق أول محمد فوزي أبلغ كبار قادة الجيش أن مصر قررت 
مد قرار وقف إطلاق النار لمدة شهر يبدأ من 5 شباط افبراير 1971 حتى 5 آذار/مارس 21971 











(18) عبد المتعم خلبل. مذكراث الفريق عبد المنعم خليل: حروب مصر المعاصرة (القاهرة: دار المسقبل العربي 
2 من 216 238. 


125 


وأن الوزير أبلغ القادة أن هذا القرار سياسيء وليس عسكرياًء لأننا مستعدون للقتال في يوم 5 
شباط/فبراير» لكننا سننتظر حتى يوم 5 آذار/مارس الذي سندخل فيه المعركة»”". 

بتحليل شهادة الفريق عبد المنعم خليل ‏ مع العلم أنه ليس محصوباً على تيار سياسي بعينه» 
وقد ظل يخدم في القوات المسلحة خلال عهدّي جمال عبد الناصر والسادات ‏ تتضح ثلاث 
معلومات جوهرية: 

أولهاء أن شهادة خليل في تلك الجزنية تتناول الفترة من 31 كانون الأول/ديسمبر عام 1970 
حتى 5 شباط/فبراير عام 1971ء والتي كان فيها الفريق أول محمد فوزي وزيراً للحربية. 

وثانيهاء أن هناك خطة هجومية «ممتازة» للحرب» اسمها الخطة (200)؛ موضوعة في عهد 
جمال عبد الناصرء وتم التدريب عليهاء وهي الخطة المعتمدة لخوض الحرب. 

وثالتهاء أن هناك قراراً من السادات بخوض الحرب في 5 شباط/فبراير 1971ء ثم تأجل حتى 
5 آذار/مارس (197. 

وتضيف مذكرات الفريق عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني خلال حرب تشرين الأول/ 
أكتوبر عام 1973: «والحقيقة التي يجب أن نذكرها هنا أن التدريب على العبور كان قد بدأ مع 
انهاية عام 1967 وبداية عام 1968 حيث بدأت الوحدات في التدريب على عبور الموانع المانية 
في منطقة القصاصين بالشرقية على ترعة صغيرة تسمى البعالوه» ثم تطور إلى التدريب على 

نوفية» كما تم إجراء مناورات 

وبدأ التدريب يتركز على المهام القتالية 
الفعلية. في صورة مشروعات لتدريب مراكز قيادة الوحدات والتشكيلات. دون الإعلان عن 
الغرض من تلك المشروعات, والذي كان لتجهيز الخطط والقرارات للعمليات الفعلية» وكانت 
الجدية القصرى في التدريب هي السمة الواضحة لتلك الفترة, وكثيراما حضر المناورات رئيس 
الجمهورية معبراً عن حرصه على متابعة إعداد أبنائه للمهمة المقدسة»". 

وهذه الشهادة تؤكد بدورها شهادة الفريق أول محمد فوزي عن خطط العبور والاستعداد 
للحرب» وتتعارض بالطبع مع شهادة السادات, التي تشير إلى أن القوات المسلحة لم تكن 
جاهزة لحرب التحرير. 

في ضوء هذه الشهادات يمكن البحث عن حقيقة «عام الحسم» في المعلومات والحقائق 
الموثقة وحدهاء للإجابة عن السؤال الاساسي: لماذا أعلن السادات أن عام 1971 هو «عام 
الحسم.. إن سلماً أو حرباً؟» 



















(19) المصدر تقسه. صن 239 240. 
(20) المصبر تقس صن 2165 


126 


إن مفتاح الإجابة يتركز في هذه الإضافة التي كان السادات برددها باستمرار: "إن سلماً أو 
حري». 
مغلقة تماماًء ولم تصل كل الجهود في شأنها إلا إلى تأكيد هذه 
المسلحة المصرية على أتم الاستعداد لخوض حرب لوي باجيل” قائدها الأعلى جمال 
عبد الناصر يصدر إليها «أمر القتال» لتبدأ الحرب في 7 تشرين الثاني/نوقمبر 1970» الذي تغير 
مرتين لظروف رحيله. ليستقر عند 5 نيسان/أبريل عام !197 من ناحية أخرى. إذا كان الأمر 
كذلك فليس هناك أي معنى للحديث عن «الحل السلمي»؛ ما لم تكن هناك أشياء مخفية 
لا يعلمها أحد غيره» وهذه هي الحقيقة. 

نقطة البداية في الإمساك بأطراف هذه «الحقيقة المخفية» تعود إلى تواكب تطورين في غاية 
الأهمية فور تولي السادات مقاليد الحكمء شهدتهما نهاية عام 21970 بغض النظر عن وجود أية 
علاقة فعلية بينهما من عدمه: أولهماء «قناة الاتصال السرية» التي فتحها السادات مع إسرائيل» 
من خلال السفارة الأمريكية في مصرء مع نهاية عام 1970 وثانيهماء المبادرة التي قدمها موشيه 
دايان وزير الدفاع الإسرائيلي» التي تقوم على انسحاب إسرائيلي جزني شرق قناة السويس» 
وإعادة فتحها للملاحة الدولية. 











فقد تقدم أن السادات قد عمد إلى فتح «قناة اتصال سرية» مع الولايات المتحدة:» تولاها 
عبد المئعم أمين ‏ عضو مجلس قيادة الثورة ؟ فقد كلف السادات أمين بإبلاغ إسرائيل» 
من خلال القائم بأعمال السفير الأمريكي في القاهرة» استعداده للإقدام على الاعتراف بدولة 
إسرائيل» وإجراء مفاوضات مباشرة معهاء وإجمالاً تنفيذ كل ما أقدم عليه عندما زار إسرائيل عام 
7 .. كذلك أبلغ السادات جوزيف سيكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الرسالة ذاتهاء لدى 
زيارته مصرء في أيار/مايو عام /197ء أنه سيقوم بعزل وزير الخارجية محمود رياضء ووزير 
الحربية الفريق يق أول محمد فوزيء وكل «المجموعة الناصرية» في السلطة» الذين كانوا يعارضون 
توجهاته» ويحولون ب «الخيار الأمريكي ‏ الإسرائيلي»: وأنه سيقوم إجمالاً بتغيير 
نظام جمال عبد الناصر تغييراً جذرياً. 

ومن ناحية أخرى فقد تواكب مع فتح «القناة السرية» مع الولايات المتحدة, أن ركزت 
إسرائيل على طرح أفكار سياسية وعسكرية» مع نهاية عام 1970 كان الهدف منها اختبار رد قعل 
القيادة الجديدة في مصر. فكان أن أعلن دايان «مبادرة». في تشرين الثاني انوفمبر» تتضمن 
مقترحات للحل؛ تتمثل بانسحاب إسرائيلي جزني. بعيداً من الشاطئ الشرقي لقناة 0 
على أن تقوم مصر بتطهير القناة وقتحها أمام الملاحة الدولية» ويعبر الضفة الغربية للقناة بعض 
الأفراد المصريين من الفنين اللازمين لإدارة القناة بعد فتحها للملاحة. 
















127 





وقد رفضت مصر هذه «المبادرة» في وقتهاء جملة وتفصيلاً وجاء الرفض من جميع 
السيادية والسياسية في الدولة؛ لكن كان وراء الأكمة ما وراءها؛ فرغم تنديد الساداء 
دايان» في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي. في 1970/12/16. إلا أن مؤشرات حديثه 
دلت على أنها وجدت طريقاً ممهداً في تفكيره وتوجهاته. فرغم أهمية ما طرحه دايان» وأبعاد 
ذلك على المستويين الإقليمي والعالمي. إلا أن أفكاره تلك لقيت ردود فعل مختلفة داخل 
إسرائيل؛ فبدت مائير رئيسة الوزراء غير متحمسة لهاء وجاهر آخرون يرفضها. وربما يفسر ذلك 
امبادرة دايان» لم تكن سوى بالون اختبار لتوجهات السادات وقدراته. ومع ذلك فق 
لفكرة قيولاً الدى السادات؛ أساس ذلك أن كلمة «انسحاب القوات الإسرائل 
من شرق قناة السويس بدون قتال؛ كان له وقعه المؤثر في السادات. جعله يفكر جدياً في 
الاقتراح. وزاد اقتناعه بفكرة دايان وبخاصة عندما علم بتقديرات قيادات الجيوش الميدائية على 
الجبهة عن مدى الخسائر في الأفراد. التي قد تحدث عند عبور السويس بالقوة, تمهيداً 
لتحرير الأراضي المحتلة. فلم يكن السادات على استعداد لتقبل أية خسائر في القوات 
المسلحة: تؤدي في النهاية إلى اهتزاز قيادته الجديدة» وكان موضوع الخسائر عموماً أحد 
المحاذير التي وضعها السادات في أولوية تخطيطه وحساباته منذ البداية. 


وعندما أعلن السادات مبادرته بقتح قئاة التبوين للملاخة الدولية على الملا مفاجباً 
























الجميع؛ كما سيأتي تحمل في طياتها مد أجل وقف إطلاق النار شهراًء ومت انسحاباً 
نياً للقوات الإسرائيلية من قناة السويس إلى الشرق في سيناء: مقابل أن تبدأ مصر في تطهير 
السويس وإعادتها للملاحة الدولية ألم ترد أية !: رة إلى تخفيف القوات؛ ولا ذكر شيء 





بالتحديد عن الخط الذي ستسحب 





إسرائيل. 

في ضوء ذلك يبدو أن السادات قد ربط بين «مبادرة دايان» وبين اتصالاته السرية مع 
الولايات المتحدة؛ وتصور أنها إنما تأتي في إطار التفاعل مع توجهاقة واتصالاته. دون أن يبدو 
ذلك في العلن. وليس أدل على ذلك 0 
شباط /: اير عام 1971 أي بعد نحو شهرين من «مبادرة دايان» المنط معهاء أعلن أمرين في 
الوقت ذاته: أولهماء أنه يقبل هذه المبادرة لأنها «مبادرة دايان»؟ وثانيهماء أنه بق 
با مقرة إنهاء سبادرة روجرزة. يعن لك ديول :هذ #العيلئزة» حير« 












مبدأ الانسحاب الشامل من كل الأراضي العربية المحتلة 


من هدح ان التاداث كان عن فبلا يسن عن محل ملقي» لطر شن ليزي 
ومنهج مختلف؛ وكان تقديره. وثقته الكاملة» أن تلك الطريق وذلك المنهج كفيلان بالتوصل 


128 


إلى «الحل سلماً»» إذا ما عمد إلى إظهار توجهاته ونيانه الحقيقية» يعد أن تخلص من تلك 
«المجموعة الناصرية» بالكامل؛ وأصبح «فرعون مصر» الجديد. على حد تعبيره» بعد أن كانت 
بمثابة الكابوس الجائم على صدره؛ لا فقط بحكم أنهم كانوا يمسكون بكل مفاتيح القوة 
والسلطة, إنما الأكثر أهمية أنهم من أهم «رموز» نظام ومرحلة جمال عيد الناصر, الأمناء على 
توجهاته وسياساته وقراراته. من ثم فإن الانفلاب الذي قاده السادات في جوهره قد هدف 
لافقط إلى حسم معركة على السلطة. إنما كان في الحقيقة. انقلاباً على «النظام الناصري» 
برْسته بكل توجهاته. وبخاصة ما يتصل منها بالصراع العربي ‏ الإسرانيلي» حيث خلد في يقينه 
أنه «صراع حدود لا صراع وجودة""0. 

في ضوء هذا التحليل تصور السادات أنه بفتح تلك «القناة السرية» سيتمكن من ضرب 
عصفورين بحجر واحد: ١‏ حل الصراع العربي ‏ الغربي. باعتباره الصراع الأساسيء بهدف 
اكتساب الولايات المتحدة؛ والغرب عموماء إلى جانبه. والمساعدة على تحقيق التنمية؛ ومن 
هنا فقد أخذ في الترويج لعصر الرخاء؛ 2 أن الحل على هذه الجبهة الغربية هو المدخل الذي 
لا بد منه لحل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي؛ لتحقيق الانسحاب الصراع غير الأساسيء 
من دون أن يعني ذلك أنه أقل أهمية؛ بل قد يكون الأكثر خطورة في الأجلين القصير والمتوسط. 
لأنه يمثل الصراع المباشرء الذي يخلق حقائق فعلية على الأرض الفلسطينية كل يوم وتحقيق 
هذا الانسحاب سيعطيه «شرعية جديدة» تخلصه من أسر «شرعية تموز /يوليو». 











كان في يقين السادات أن الولايات المتحدة. وقد عادت مصر بكل ما تمثله إلى حظيرتهاء 
ستسارع إلى تلقف مبادرته» وتتولى الضغط على إسرائيل لتنفيذ الانسحاب من الأراضي 





المصرية المحتلة» مقابل الاعتراف بهاء وتطبيع العلاقات معهاء وثقل مصر في المساعدة على 
حل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي برمّتهء وفق التصور الأمريكي ‏ الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته. 
حيث لا أحد يعلم ما يدور في || وبين الولايات المتحدة وإسرائيل» فإنه سيظل يتحدث 
علناً عن «عام الحسم إن سلماً أو حرباًء واثقاً أن الحرب مستبعدة تماماًء ووائقاً أيضاً أن الحل 
السلمي ستأتي به الولايات المتحدة, فيكون في مقدوره آنذاك أن يزعم أن إسرائيل قد انصاعت 
الهذا الحل خوفاً من تهديده لها بخوض الحرب؛ استناداً إلى ما تمخضت عنه «حرب 
الاستنزاف»: التي كانت هي «الدافع الأساسي» لصدور «مبادرة روجرز» عن الولايات المتحدة» 
وقبول إسرائيل لها مرغمة ومرحبة. كما سيكون في مقدوره أن يقول إن مصر ستقبل هذا الحل 
السلمي من موقف القوة, لا من موقف الضعفء ولا أحد كان يعلم أن وراء الأكمة ما وراءها! 














: طارق رضوان. عام الحم الساداث والناس: مصر عام 71 (القاهرة: الهبئة المصربة 





129 


ولقد ساعد على ذلكء وبينما الوقت آخذ في النفاد» أن وزير الخارجية الأمريكية وليم 
روجرز بعث رسالة شفوية إلى نظيره المصري محمود رياض؛ عن طريق دونالد يرغس رئيس 








بعثة رعاية المصالح الأمريكية بمصرء ناشده فيها مد أجل وقف إطلاق النار واعداً بأن إسرائيل 
ستقدم أفكاراً موضوعية جديدة تتعلق بالتسوية السلمية بعد ذلك مباشرة. كما أكد أن العناصر 





الاساسية الواردة بمشروعه الأصلي. بتاريخ 1969/12/9 لا تزال سارية. والاهم من كل ذلك 
الإشارة إلى دور الولايات المتحدة. واستعدادها لبذل جهد شامل لمساعدة الأطراف المعنيق 
للتوصل إلى تسوية خلال هذا العام: 1971؛ أي «عام الحسم». هكذا تصور السادات أن 
الولايات المتحدة قد قررت الاستجابة لما عرضه عليها ني الاتصالات السرية» وبخاصة أن 
رسالة وزير الخارجية الأمريكية تتضمن وعداً بأن إسرائيل بدورها هي جزء من المساعي السرية. 
الجارية. 

لكن خاب ظن السادات؛ فقد رفضت إسرائيل هذه المبادرة. أي رفضت منهج الحل 
السلمي. وكما سيأتي بيانه فإن أساس الرفض الإسرائيلي كان يعود ‏ في حقيقته ‏ لا إلى 
استعداد الرئيس الجديدء وهم يعرفون مدى جديته وصدتيته. ولا إلى «الصفقة» التي يعرضها 
عليهم. وهم يعلمون أنها حقيقية» بل وإنها صفقة مغرية» ويسيل لها اللعاب بكل معيارء إنما 
يعود الرفض الإسرائيلي إلى عدم استعدادهم لإبرام اتفاق مع «النظام؛ الذي شيّده جمال 
عبد الناصرء والذي يقبع السادات على قمته من الناحية الرسمية الشكلية. اللطة 
الحقيقية ليست ملك بنانه. إنما في مكان آخرء تمثله مجموعة «القيادات الناصرية؛ التي تولت 
فهم «الشروط» التي تتطلبها 
التي تتلخص في إحداث 
ليناء «النظام الجديد» 














هي تنصيبه. وأن السادات قد فهم مغزى هذه «الرسالة»». 
إسرائيل - كما الولايات المتحدة ‏ من أجل إنهاء الصراع مع 
أضخم انقلاب جذري شهده الصراع العربي ‏ الإسرائيلي 
الذي يصلح لإنجاز هذه «التسوية». 

وكان الأكثر خطورة من الرفض الإسرائيلي ‏ من منظور تصورات السادات وسلوكه. 
وبخاصة اتصالاته السرية التي كان يعول عليها كثيراً لتدشين توجهاته الجديدة مبكراً ‏ أن 
الولايات المتحدة بدورهاء مع نهاية نفس العام 21971 قد رفضت مبادرته؛ بل وحددت 
موقفها باا إلى إسرائيل؛ المتمثل بإعلان دعمها بصفقة أسلحة ضخمة؛ تتضمن معدات 
إلكترونية متقدمة» وبخاصة الطائرات» وتصعيد الدعم العسكري لإسرائيل؛ تجاوباً مع 
الاتجاه الأمريكي الجديد, بالاعتماد على إسرائيل وحدها كي تحقق السياسة الأمريكية في 
المنطقة. وكان ذلك ترجمة واقعية لفشل «المبادرة الأمريكية» كلية. وعلى الجانب الآخر 
مثل ذلك رصيداً جديداً للضغط على السادات لقبول الأمر الواقع. والابتعاد عن التهديد 
بالعودة إلى أسلوب القتال. 








في ضوء هذا الرفض الإسرائيلي الأمريكي كان على السادات آنذاك أن يلجأ إلى البديل 
الآخرء الذي تعهد باللجوء إليه في هذه الحال؛ أي الحل العسكري, وهذا ما وضعه في مأزق 
خطير؛ لأن مناوارته ومبادراته كانت تقوم على إلغاء هذا الحل تماماً. 

لقد سبقت الإشارة إلى أن السادات لم يكن راغباً على وجه الإطلاق في خوض حرب 
التحرير أصلاً وأساساًء وذلك في إطار «منظومة كاملة» من التوجهات والاختيارات الداخلية 
والخارجية: تأتي على النقيض تماماً من «نظام جمال عبد الناصر». ولقد تبنت الدراسة هذا 
التقرير المحوري استناداً إلى نوع من التحليل الفكري والمنطقيء وبخاصة في ضوء ما أخذ 
يتواتر من المعلومات» وينشر من الوثائق. في شأن بعض ما كان يجري في الخفاء» وفي مقدم 
ذلك الاتصالات بين السادات والولايات المتحدة. 

الكن هذا النوع من «التحليل»» مع أنه يستئد إلى معلومات ووثائق منشورة؛ قد ارتقى إلى 
مرتية أعلى عندما أصدر شعراوي جمعة مذكراته. بعنوان: وزير داخ الناصرء شعراوي 
جمعة: شهادة للتاريخ, التي أكدت صدق هذا التحليل. وما يستئد إليه من معلومات ووثائق» 
لأنها تضمنت «اعترافه صريحاً من السادات: أنه لا يريد خوض الحرب» في أكثر من مناسبة 
ومع أكثر من مصدرء و«الاعتراف سيد الأدلة». 

أشار شعراوي جمعة في مذكراته إلى أنه كان على موعد مع السادات في صباح يوم 2 أيار/ 
مايو 1971 في ضوء التوتر الحاد الذي لف الحياة السياسية في مصرء بسبب ملابسات خطاب 
السادات بمناسبة عيد العمال في اليوم السابق» وبخاصة إشارته إلى أنه «لن يسمح بقيام مراكز 
قوى جديدة». كان جدول أعمال اللقاء يتضمن نقاطاً عديدة» كانت أولاها معركة التحرير؛ حيث 
بادر جمعة إلى القول: «نحن جاهزون للمعركة. والفريق أول محمد فوزي مستعد. لكثنا نتساءل: 
ما هي خطتك بهذا الخصوص؟ فكان رد السادات مباشرة: «لا. أنا لا أريد الحرب الآن»21”"! 

ويتابع شعراوي جمعة عندما سألته عن الأسباب لم أكن أتوقع بأي حال من الأحوال أن 
يسوق لي تلك الأسباب الغريبة جداً التي تحدث عنهاء فلا هي أسباب يقول بها قائد ولا هي 
أسباب ترد على لسان سياسيء ولا هي أسباب يمكن أن تقنع طفلاً صغيراً. قال السادات: «أنا 
الو حاربت مع اللجنة التنفيذية الحالية» هناك احتمالين لكل حرب: أن ننتصرء ولو انتصرنا سوف 
ينسبون النصر لأنفسهم. أما في حال الهزيمة فسوف يحملوني المسؤولية عنها». استمر النقاش 
حول هذه النقطة؛ وانتهى دون التوصل إلى اتفاق. 














(22) محمد حماد. وزير داخلبة عيد الناصر. شمراوي جمعة: شهادة للتاريخ (القاهرة: مركز الأغرام للنشر. 03015 
اصن 157-155 


اذا 


وفي مناسبة أخرى سجلت «عملية الدكتور عصفور» تفصيلات اللقاء المنفرد بين السادات 
وسيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية في 9 أيار/مايو عام !197, عندما عاد سيكو إلى 
منزل بيرغس وقص عليه تفصيلات اللقاء. فحسب رواية سيسكو المسجلة: «أخذ السادات 
يشرح لوكيل وزارة الخار. الأمريكية متاعبه الداخلية؛ ويقول له: أنا قررت إجراء تغييرات 
داخلية قريباً في مصر. ويقرر أمامه أنه سوف يتخلص من وزير الحربية الفريق أول محمد فوزي١‏ 
ووزير الخارجية محمود رياض... لآن الاثنين ضاغطين علي كي أحارب. وأنا لا أريد أن 
أحارب. هي إذن رسالة مطلوب إبلاغها إلى من يهمه الأمرء وإسرائيل هي أول من يهمهم مثل 
هذا الآمر. رسالة واضحة أن السادات لا يريد الحرب»”. 

في هذه الظروف» وبخاصة المرارة التي عاشها الساداتء نتيجة الفشل غير المتوقع الذي 
صادف مبادرته؛ التي تصور أنها ستهبط عليه يفتح مبين. عاشت مصر في عام 1972 نوعاً من 
الانفصام بين «السياسة» و«السلاح» تطورات عام 1971 وما أنجزه السادات» وما واجهه 
من مآزق, في ذلك العام. الذي كان شعاره الذي رفعه السادات: «عام الحسم»! لم يكن السادات 
مرتاحا وهو يودع عام !197 ويستقبل عام 1972. كان في العام الذي ودعه قد حقق مكاسب 
الاشك فيها: 

من ناحية أولى. فإن الحظ الذي حالفه ومهد له رئاسة الجمهورية» واصل تحالقه مع 
وساعد قدراته ومهاراته على إدارة معركة مع مراكز القوة والسلطة في مصرء كان يمكن أن تنقلب 
ضده بثقل الموازين» مهما كانت القدرات والمهارات. 
تمكن لا من الرناسة وتأمينها فحسبء إنما استطاع أن يحدد مواضع 
التحدي الذي ينتظره بخياراته: الحل أو الحرب. 

من ناحية ثالثة. أنه أدرك أن القوات المسلحة هي العنصر الحاسم. مهما كان الخيار الذي 
يفضله. أو تفرضه عليه حقائق الأمور. 

وما ضاعف من مأزق السادات أنه عندما كان قد أعلن أن عام 1 سيكون عاماً للحسم. 
إن سلماً أو حربأ كان متصوراً بذلك أنه يمارس ضغطاً على الأطراف؛ بوضع الكل على 
حافة الهاوية, لكنه اكتشف أن إعلان عام الحسم يمثل ضغطاً عليه هوء وليس على بقية 





























ا ا ب ار لس ان 
لها الأولوية على ما عداهاء على وجه الإطلاق. هكذا فعلى النقيض من إصرار السادات على أن 


(23) المصدر نقسه. صن 168167 


132 


تقدم الولايات المتحدة مبادرة للتسوية» ومواصلة الجهد لتطبيقهاء فإن الولايات المتحدة أولت 
العلاقات الأمريكية ‏ السوفياتية كل اهتمامها في المنطقة؛ وعوّلت مسألة التفاوض على 
مسؤولية الأطراف المحلية بشروطها الخاصة بالتسوية» داخل إطار شامل استناداً لقدرة إسرائيل 
على فرض شروطها. إلا أن السادات لم يحبط بعد وظل يحاول جذب الولايات المتحدة 
وإغرانها لتقبل آرائه. لكنه ولى وجهته صوب الاتحاد السوفياتي؛ بصفة مؤقته. إزاء تعثر الجهود 
على الجبهة السياسية؛ فقام بزيارة سرية في أول آذار/مارس عام 1971 وعرض خلالها الموقف» 
وحتمية البدء بعمليات حربية» وحاجات القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات اللازمة. 


عقب رحلة السادات السرية إلى الاتحاد السوفياتي تسلم رسالة من نيكسون. في 4 آذار/ 








مارس عام 1971ء يرفض فيها أسلوب تحديد موعد لإطلاق النار كنوع من على الولايات 
المتحدة» ويطلب مزيداً من الوقت الحكومة الإسرائيلية أن تقنع شعبها بقبول أي 





تنازلات. كما أشار نيكسون إلى اقتناعه بأنه لا بد من الوصول إلى حل للمشكلة» لكن الآمر 
يتطلب فسحة أطول من الوقت. وكان الشيء الإيجابي الوحيد في رسالة نيكسون إشارته إلى 
انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل حزيران/يونيو عام 1967. 

وهنا وضع السادات في مأزق بالغ الصعوبة ما بين حتمية المعركة. واحتمالات بدء عملية 
التسوية السياسية» استناداً إلى وعود نيكسون. وخروجاً من المأزق بعث برسالة إلى يكسون» 
ني 5 آذار/مارس عام 1971ء أورد فيها الأسباب التي دعته إلى عدم تجديد وقف إطلاق الثار 
عند انقضائه. والأهم من ذلك أنه ناشده أن يتقدم بمبادرة لتحقيق اتفاق مرحلي. على غرار ما 
ورد في مبادرته. وعلى الفور صدرت الاوامر إلى وزارة الخارجية للشروع في دراسة فكرة التسوية. 
المرحلية في شأن قناة السويس. 

عندما بدأت المبادرة الأمريكية تأخذ طريقهاء طرحت مائير عدة متطلبات؛ لعل من أهمها أن 
تحتفظ إسرائيل بشرم الشيخ؛ وبطريق يفضي إليهاء كما أن سيناء يجب أن تجرّد من السلاح؛ وأن 
الحدود حول إيلات يجب تعديلهاء كما يجب عدم عودة مصر إلى غزة. أما مرتفعات الجولان 
فستظل تحت السيطرة الإسرائيلية» وأن القدسء هي عاصمة إسرائيل الابدية؛ ويجب أن تبقى 
موحدة؛ مع إجراء تعديلات على الحدود في الضفة الغربية. فكان أن حصلت على ما أرادت 
وأكثر في نهاية المطاف, فيما عدا شرم الشيخ» ولو بصورة ظاهرية. 

وكان رد السادات رفض قبول تجريد سيناء بالكامل من السلاح أو بقاء إسرائيل في شرم 
الشيخ: أما المناطق المجردة من السلاح بصورة محدودة فلن تكون مقبولة» إلا إذا كانت على 
جائي الحدود. وبمجرد النظر إلى «معاهدة السلام» وملحقاتهاء التي تم التوصل إليها عام 
9 يتضح مدى المفارقات والتنازلات التي قدمها السادات دون أي مبررات. هكذا كان 














ددر 


السادات ينتقل من تنازل إلى تنازل» دون أن يدرك أن «التنازلات الجزنية» التي كان يقدمهاء من 
أجل «السلام». هي طريق التنازل الكلي. 

.إبقاء على استمرار المحادثات حول فبيادوة الحل الجزني» شجعت الولايات المتحدة 
إسرائيل على توضيح موقفها كتابة» فعرضت 

١‏ إعادة فتح قناة السويسء والسماح للسفن والبضائع الإسرائيلية بالمرور فيها. 

2 أن يكون وقف إطلاق النار دون أي أجل محدد جزءاً من أي اتفاق مقبل. 

3- تخفف مصر من قواتها إلى الغرب من القناة. 

4 أن خط الانسحاب المقرر في الاتفاقية المرحلية لا يعتير هو الحدود اا 
أن إدراج هذا البند جاء للتخفيف من وطأة ال 
وئيس أكثر من ذلك. 

وكان رد فعل السادات في شأن ما نشرته الصحف من المقترحات الإسرائيلية أن اجتمع مع 
دونالد بيرغسء في 22 نيسان/أبريل» ليؤكد له أهمية عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية 
للقناة» وضرورة السيطرة على ممرات متلا والجدى لاهميتها الاستراتيجية. مع إمكان إنشاء 











ية. مع مراعاة. 
السابقة» بهدف الاستمرار في متاهات التسوية.. 











مناطق مجردة من السلاحء وأن إسرائيل تستطيع الاحتفاظ بشرم الشيخ في المرحلة الأولى» لكن 
لأبامن التومل إل نترية كامة فى رهاس شور مم هده السادات الزلايات الي 
بإنهاء مبادرتها إذا لم تكن إسرائيل مستعدة للتخلي عن الممرات الجبلية. ولم يكن ذلك ليغير 





وعوضاً من ذلك ظلت الولايات المتحدة تننظر الجولة الدبلوماسية السرية القادمة. 
مايا لفل ال 2 5 أيار/مايوه ضمن جولة له 





5 دور الولايات المتحدة لايزال قائماء وقادراً 
على الإمساك بزمام الموقف في المنطقة بشكل شيه منفرد. في الوقت ذاته حد السادات من 
قدرته على المناورة» فلم يكن أمامه إلا القبول بالأمر الواقع إن لم يقبل الشروط الإسرائيلية» أو 
المغامرة بشن عمل عسكري لا يمكن التكهن بنتائجه. 

وكان من أهم محددات ذلك المأزق الذي لف الادات أن القوات المسلحة لم تكن مقتنعة 
بمسألة عام الحسم. من بداية إعلاتها إلى نهايتها الضبابية» فقد كانت متحيرة في أمرها لا تستقر 
على يقين. وكان تقدير السادات نفسه أن حكاية «عام الحسم». في الحصيلة النهائية أساءت 
إليه» من حيث خصمت ضريبة باهظة من صدقيته أمام الجيش وأمام الشعبء وأمام الأمة العربية 


134 


كلهاء وككلة دولية مؤثرة تتتمي إليهاء أو ترتبط بها مصر بأوثق الروابط. وبدا أن الحرب قد تكون 
خيار المقادير, أرادها الناس أو حاولوا تجنبهاء وتفاقمت بوضوح أعراض حال مزعجة أطلق 

عليها في ذلك الوقت حال «اللاسلم واللاحرب». 
هكذا أصبح الخيار العسكري هو الحل الوحيد لإثهاء حال «اللاسلم واللاحرب». وإنهاء 
«الاسترخاء العسكري» في المنطقة, الذي كان قد جرى الاتفاق عليه في القمة السوفياتية - 
الأمريكية عام 1972 كما سيأتي بيانه. والحفيقة أنه كانت هناك عوامل عديدة دقعت السادات 
لاتخاذ قرار الحرب؛ كان أهمها إتمام الاستعدادات العسكرية» وضغط القوات المسلحة من 
أجل تحرير الأراضي المحتلة. وعوامل القلق التي أخذت تفعل فعلها في الجبهة الداخلية. 
وثقل المناخ النفسي الذي تفرضه حال «اللاسلم واللاحرب». التي أدت إلى تفجير اضطرابات 
ضخمة في أوساط الطلاب والمثقفين. إلى أن استمرار التضامن العربي» وتواصل دعم 
مصر كانا رهناً بقدرتها على التحرك إيجابباً نحو إيجاد مخرج من الأزمة. إلا أن الدافع الفقال 
والمؤثر وراء اتخاذ السادات قرار الحرب تمثل بتجاهل الولايات المتحدة جهوده وميادراته» 
1 الوضع. الذي من شأنه 












يفسر ما تقدم أن الهدف من قرار الحرب لم يكن تحرير الأراضي المحتلة بالقوة المسلحة» 
إنما خلق وضع جديد يسمح بتحقيق هذا الهدف بالوسائل الدبلوماسية» اعتماداً على عوامل 
القوى العربية والدولية التي يمكن لقرار الحرب أن ينقلها من وضع السكون إلى وضع الحركة 
الفاعل والمؤثر. فلم يكن السادات يتصور» تيجة لتقدير 0 لموازين القوى 00 أن 





الصراعات الدولية ‏ كوسيلة من وسائل الصراع السياسي الشامل» وفصلاً من فصوله لتحقيق 
الأهداف المعلنة. عن طريق إضافة القوى السياسية. والكفاءة الديلوماسية إلى القوة المسلحة. 

بالفعل كان اتدلاع حرب تشرين الأول/أكتو, بر عام 1973 وتهديد السلام والأمن الدوليين» 
وامتداد قدرتها الفعلية إلى ما بعد مراحل ١‏ 95 
انطلاقاً من الأمر الواقع» إلا أن الظروف المعقدة, والأوضاع الحرجة التي انتهت إليها الحرب» 
وما أقضت إليه من مفارقات صارخة ائجها العسكرية والسياسية ‏ فشتان بين مقدمات 
الحرب ونتانجها السياسية ‏ مثلت مدخلاً قوياً ومبرراً منطقياً لقبول الوساطة الأمريكية المنفردة» 
التي انتهت إلى توا ات كامب دايفيد. ثم «معاهدة السلام» المصرية ‏ الإسرائيلية» على 
امتداد رحلة شاقة من المفاوضات استغرقت ست سنوات كاملة. 











زلا 


القد انعكست آثار حال «اللاسلم واللاحرب» على تحركات واتجاهات وتصرفات بدت 
مسايرة لكل ريح؛ حتى وإن اختلفت مصادر هذه الرياح. ومن بين هذه الآثار مسألة ظهور التيار 
الديني في مواقع مختلفة على الساحة, بتأثير من السعودية: إذ إن الملك فيصل؛ في لقاءات 
متعددة مع السادات» أشار على السادات بصلح مع «جماعة الإخوان المسلمين»؛ التي دخلت 
في صراع دموي مع النظام. أثناء حقبة جمال عبد الناصر وكان رأي الملك لا يفرق بين من 
يسميهم «الناصريون؟: ومن يسميهم «الشيوعيون؟؛ وكانت نصيحته أن يتخلص السادات من 
الفريقين معاًء فكلاهما عدو له وليس فيهم صديق. وبالفعل فإن السادات عقد اجتماع مصالحة 
اشهير في استراحة شركة «جاناكليس» بالإسكندرية» حضره عدد من زعماء الإخوان المسلمين» 
بينهم عمر التلمساني المرشد العام الثالث للجماعة. وسعيد رمضان. كما حضره ممثل الملك. 

وكان رأي فيصلء وكذلك اقتنع السادات. أن التيار الديني هو الذي يستطيع التصدي للتيار 
القومي. والذي هو في حقيقة أمره - في تقدير فيصل ت ار شيوعيء ثم كان أن اتخذ السادات 
النفسه لقب «الرئيس المؤمن». وأصبحت الاشتراكية علماً 











ثالثاً: مبادرات السادات واتصالاته السرية 
كانت الاجواء مهيأة للمعركة. على السطح؛ فقد كانت «خطة المعركة» معتمدة وجاهزة للسير 
في إجراءات تحرير الأرض بالقوة المسلحة. وكانت الحملة المصرية السياسية في مختلف 
أنحاء العالم» وفي الأمم المتحدة؛ قد نجحت كثيراً في عزل إسرائيل”*. وكانت مصر قد وافقت 
على مد وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر تنتهي في 5 شباط/فبراير 1971. وكان على السادات 
أن يتخذ قراراً يوضح فيه موقف مصر: هل يتم تمديد وقف إطلاق النار مرة أخرى؟ أم أن مصر 
لم تعد ملتزمة بقرار وقف إطلاق النار؟ لكن فجأة ظهرت في الأجواء تحركات مريبة وغريبة في 


آن واحد. 


1 - مبادرة فتح قناة السويس 

في يوم 2 شباط/فبراير عام 1971 تقد اجتماع مشترك بين المجلس الأعلى للدفاع واللجنة 
التنفيذية العلياء أعلى سلطة سياسية في مصرء يمقر الق امة للقوات المسلحة» وكانت فترة 
وقف إطلاق النارء الممددة» قد قاربت على الانتهاء. الذي كان يوافق 5 شباط افبراير 
حرص السادات على أخذ رأي الجميع. حتى سكرتير المجلس؛ رغم أنه لم يكن له حق 
التصويتء وكان هناك إجماع على ضرورة خوض المعركة. وطلب الفريق أول محمد فوزي 








(23) وزارة اللخارجية. مبادراث السلام التي قام بها لرئيس محمد أثور الساداث (الفاهرة: الهبنة العامة الشؤون المطايع 
الأمبرية. 1977). 


وزير الحربية مهلة شهر فقطء حتى يتمكن من تغطية الصعيد ببعض الأسلحة المطلوبة» وانعقد 
الاجتماع على ذلك. 

مع ذلك فاجأ السادات الجميع بالقول: 
وأنوي التطرق إلى أفكار جديدة ويمكن 
السلمي»! وقد واجه السادات رد قعل حاداً و الآن اقتراحه غامضء ولم يأتٍ قبل أن 
ينتهي المجلس من المناقشة» بل ويتوصل إلى قرارء وفي بداية الاجتماع لمناقشته بالتفصيل 
الواجب! وانتهى المجلس إلى قرار بالإجماع بالموافقة على مد وقف إطلاق النار لمدة شهر. 
مع تأكيد أنه ما من داع للحديث عن قناة السويس في اجتماع مجلس الأمة. 

اجتمع مجلس الأمة يوم 4 شياط /فبرايرء وهذا بحد ذاته يوم سيئ في تاريخ مصرء ففي 4 
شباطافبراير عام 1942 حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين؛ ووججه المندوب السامي 
البريطاني إنذاراً إلى الملك «فاروق» بتكليف مصطفى النحاس بتأليف الوزارة: خلال ست 
ساعات. أو يوقع على التنازل عن العرش عن الملك. وهي الوزارة التي سجلت وقائع 
التاريخ أنها «جاءت على أسنة الرماح البريطائية». 

في الوقت الذي كانت فيه الشخصيات النافذة: «المجموعة الناصرية» في قمة السلطة» تصر 
على كسر وقف إطلاق النار في الموعد المحدد؛ كان السادات يفكر بطريقة مخايرة تماماً. فقي 
أثناء إعداد خطوط خطابه أمام مجلس الأمة يوم 4 شباط /فبراير عام 1971 كان مطالباً في سياقه 
بأن يعلن موقفه الرسمي من وقف إطلاق النارء وظهر أن تفكيره وصل إلى ميادرة قر إعلاتها. 

في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 4 شباط/فبراير واجه السادات موقفاً عصيبا 
شهده صالون رئيس الجمهورية في مجلس الأمة. ذلك أن الذين كانت في يدهم مفاتيح القوة 
والسلطة عرفوا بما ينوي قوله في خطابه بحكم طبيعة مناصبهمء وأقاموا له على حد تعبيره 
«محاكمة ميدائية». 


رالله أنا حاتكلّم بعد يومين في مجلس الأمة.. 
قناة السويس. تمهيداً للدخول في الحل 
































أشار شعراوي جمعة في مذكراته» بعنوان: وزير داخلية عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة 
اللتاريخ. إلى أنها كانت المرة الأولى في التاريخ أن تحدّث رئيس الجمهورية في آرائ» 
داخل استراحته؛ قبل أن يلقي خطابه بدقائق معدودة. وأضاف أن الخطاب حوى فقرتين ني 
منتهى الخطورة: الأولى؛ تضمنت هجوماً حاداً على بعض البلدان العربية؛ وبخاصة سورية؟ 
والثانية.ء تضمنت التقدم بمبادرة جديدة: تقوم على فتح قناة السويس. وفي نصف الساعة السابقة 
على دخوله إلى قاعة مجلس الأمة لإلقاء خطابه. كانت صفحات هذا الخطاب ميعثرة على 
ماندة والايادي ممتدة إليها تتناولها بالشطب والتعديل. وقد أبدى السادات اقتناعه بالضرر 
الذي سينشأ عن الهجوم على الدول العربية» وبخاصة سورية» وشطب الفقرة الخاصة بها 








137 


أمامهم. أما الفقرة الخاصة بمبادرته فقد تشيث بها جد ورفض بإصرار عجيب أن يجري أي 
تعديل فيها”". 

بدأ السادات خطابه يتأكيد أهمية المعركة» وقال بكل وضوح: إننا لا نستطيع الوقوف 
ساكئين أمام هذا الذي يجري. وواجبنا المقدسء الذي لا يمكن أن ينكره علينا أحدء وهو واجب 
تحرير الأرض» والعودة إلى الاشتباك مع العدوء. استّقبل حديثه استقبالاً حسناً جداً. لكنه عندما 
وصل إلى الفقرة الخاصة بالمبادرة؛ ولم يكد ينتهى منها فإذا بالمجلس تنزل عليه حال من 
الصمت والذهول!". 

جاء إعلان السادات عن مبادرته قائلاً: «لقد بحثت جوانب الموقف مع القيادات السياسية 
والعسكرية» وفي كافة المؤسسات التي يفكر ويقرر بها نظامنا. ودارت مناقشات واسعة في 
مجلس الوزراء؛ وفي مجلس الدفاع الوطني. وفي اللجنة المركزية للاتحاد الاششراكي 
العربي»... ولم يكن ذلك كله صحيحاً. فقد عرض مشروع المبادرة في الاجتماع المشترك بين 
«المجلس الاعلى للدفاع» واللجنة بية العلياء قبل الإعلان عنها بنحو 48 ساعة؛ وبصورة 
مرا ثم عترطى المشزوع بالتسيل» كنا تنم رتم الإلقاق على تعد الجلدرة وبجاديا 
رعية لدراستها مكونة من وزير الخارجية محمود رياضء ووزير الحربية محمد 

















لقد عمد السادات إلى طرح «مبادرته العلنية». التي تؤكد توجهاته ونيّانه الحقيقية, عندما 
أعلن أمام مجلس الأمة: «إن مصر تضيف إلى كل الجهود الميذولة من أجل السلام مبائرة 
مجلس الام الرقم 
(242) عام 1967» إننا نطالب خلال فترة قف إطلاق النار بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيليةة 
مسافة 40 كم. ٠‏ على الشاطئ الشرقي لقن السويس. وذلك كمرحلة أولى للانسحاب على طريق 
جدول زمني يتم بعد ذلك وضعه لتنفيذ قرار مجلس الأمن؛ وإذا تحقق ذلك خلال الفترة التي 


















حددناها فإننا على استعداد كامل للبده فوراً في مباشرة تطهير قناة السويسء وإعادة فتحها 
للملاحة الدولية» ولخدمة الاقتصاد الدولي»؛ مع مد فترة إطلاق النار لثلاثين يوماً أخرى. 


فضلاً عن استعداد مصر لإبرام «معاهدة سلام» مع إسرائيل! 

خرج السادات من قاعة المجلس دون أي خلافاً للمعتاد وعاد إلى الاستراحة مرة 
أخرى؛ وكان الحديث معه صاخباً. وحدث شر كبير ب 
العلياء والوزراء وبخاصة المعنيون منهم؛ وعلى رأسهم محمود رياض وزير الخارج 








(25) حماد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة للتاريخ. ص 1123 
(26) المصدر نقسه. صن 113-109 


138 


السادات أنه جرح أثناء المناقشات التي دارت» سواء قبل الاجتماع وبعده. ولم ينس ذلك أبداء 
الكنه أسرّها في نفسه. 

كانت هذه المبادرة العلنية» التي قدمها السادات على نحو مفاجئ إلى مجلس الأمة. ووفق 
الظروف والملابسات التي أحاطت بها من قبل ومن بعد. غريبة ومستغربة من أكثر من ناحية: 

أولاهاء أن السادات لم يعرض هذه «المبادرة» بتفصيلاتها ومبرراتها للمناقشة داخل «مجلس 
الأمن القومي» المصري. جهة الاختصاص في كل ما يتصل بقضايا الحرب والسلام؛ والأمن 
القومي للبلاد. كما أنه لم يستشر أحداً بخصوصها من الوزراء المعنين على الأقل. لذلك فقد 
ثار محمود رياض جداً عندما عرضت عليه. قبل حضور السادات إلى المجلس» وقال إن هذه 
المبادرة صورة طبق الأصل من «مبادرة دايان». وأن التقدم بها الآن سيؤثر تاثيراً الموتف 
العالمي المناصر لمصر وللقضية العربية؛ وأعلن عدم موافقته على طرحها. ثم أثار نقطة أخرى 
في غاية الاهمية؛ وهي كيف لا يطلع على المبادرة ويناقشها وهو وزير الخارجية؛ بينما يستمع 
إليها مع جميع الناس داخل مصر وخارجها؟! 

9 أن أصداء المبادرة جاءت مذهلة حتى بالنسبة إلى السادات نفسه بجميع المقايسء 
كما عرض شعراوي جمعة في مذكراته'”0. 

فعلى المستوى الداخلي استشاط أعضاء اللجنة المركز: 
حصيلة اللقاءات والاجتماعات تشير كلها إلى أن السادات أخذ في الخروج علناً عن خط جمال 
عبد الناصر. وأنه بدأ يتراجع عن الاتفاقات معه في شأن ضرورة التشاور. وجماعية القيادة؛ وأنه 
لا يريد الحرب» ويخاطب بمبادرته الولايات المتحدة وإسرائيل؛ متغافلاً الشعور الوطني 
والقومي. 

وبدا أمام الجميع أن «مبادرة السادات» ليست إلا صدى لمبادرة دايان» حيث تقوم المبادرتان 
ثم تطهير قناة السويس. وفتحها أمام الملاحة الدولية؛ دون أية إشارة إلى 
٠‏ التي تبدأ بالحل الشامل للقضية كلها؛ بدءاً من الجولان والضفة 
وغزة ثم سيناء» وارتباط ذلك بوضع برنامج زمني ملزم» يوضع لينفذ. بحيث يتحقق الانسحاب 
الشامل من الاراضي العربية المحتلة منذ عدوان عام ١1967‏ وعبور القوات المسلحة المصرية 
والعربية إلى خطوط الحدود الدولية. 

وفي مواجهة التطابق مع «مبادرة دايان»؛ وعندما لفته هيكلء كما ورد بكتابه: أكتوبر 73: 
السلاح والسياسة؛ إلى أن مبادرته ربما يجري تفسيرها باعتباره استجابة لمشروع دايان: أسعفته 
الذاكرة بواء ال له: «تتذكر أن جمال عبد الناصر قبل بمبادرة روجرز لأنها مشروع 











با على تلك المبادرة؛ وكانت 






















(27) المصدر تقس صن 3!! 114 


ودر 


أمريكيء عليه العلم الأمريكي. وبالتالي فهو ملزم للولايات المتحدة (كما قال لبريجنيف)» وأنا 
على استعداد لقبول «مبادرة دايان» لأنها بالضبط «مبادرة دايان»» وهي بالتالي ملزمة». وكانت 
دوافعه في ذلك أنه يريد أن يتجنب عبور المانع الماني واجتياح خط يارليفء التي كانت 
التقديرات وقتها تقول إن تكلفتها ستصل إلى عشرات الألوف من رجال القوات المسلحة 
المصرية. بينما كان تدفق السلاح من الاتحاد السوفياتي محدوداً”. 

أما على المستوى الدولي فيشير شعراوي جمعة في مذكراته إلى أنه كان من الطبيعى أن يثور 
الناس ضد «المبادرة» داخل مصرء وداخل الدول العربية» لكن الغريب أن اك 9 
نارم شو عل عرز متها بي الال قن اتزعنييت البول المؤيبة للموقت العر والشضري 
انزعاجا شديدا من المبادرة. 

كان تيتو قد وصل إلى القاهرة في 14 شباط/فبراير» وني محادثاته وحواراته وأحاديثه كلها 
أعلن رفضه التام لهذه المبادرة؛ وقال إنها لن 000 
في الجهود الدولية المبذولة من أجل تحريك الموقف. ويضيف شعراوي جمعة أن سفراء الدول 
أعريوا في مقابلاتهم 4 الدول الصديقة لمصر من هذه المبادرة» وكان هناك 
اتفاق بين الجميع على أنها لن تحقق أية ننائج وأنها سوف تعرقل مسيرة السلام”*". 

وأرسل محمود رياضء الذي كان في جولة خارجية؛ برقية» أزعجت السادات جداً. حيث 
تضمنت ما قاله له الرئيس الفرنسي بوميدو: إن هذه المبادرة ستؤثر في جهود السلام. وكان من 
نتيجة ذلك أن رياض عندما سئلء أثناء جولته بالخارج عما إذا كانت مصر سوف تسير على 
مبادرة السادات أم مبادرة يارنغ؟ فكان جوابه: إننا سوف نمضي قدماً على أساس مبياقرة يارتغ» 
لأنها أعم وأشمل من «مبادرة السادات». وهي الإجابة التي أزعجت السادات جد وجعلته 
يستشيط غضباً وحقداً على رياض. 

كل هذه الأسباء الغاضبة» وردود الفعل المستكرة. سببت ضغطاً شديداً على السادات» 
وكان عليه أن يعيد ترتيب أوراق مبادرته من جديد. 

وثالثتهاء أن مصر كانت قد نجحت إلى حد بعيد في كشف إسرائيل وتعريتها أمام الدول 
الكبرى ودول العالم الثالث والرأي العام العالمي» ويخاصة إذا وضع في الاعتبار أن منظمة 
الوحدة الأفريقية قد عفدت مؤتمر القمة الدوري عام /197ء وانبثقت منه لجنة من 1١0‏ رؤساء 
أفارقة. للسعي من أجل تنفيذ القرار الرقم 242. وتشكل من لجنة |١‏ حكماء»» ضمت 
أربعة من رؤساء الدول الأفريقية» قامت بزيارات إلى كل من مصر وإسرانيل» لاستكشاف 























(28) هبكل. أكتوير 73: اسلاج والسياسة. ص 152 153 
(29) المصدر تقسة صن 113 - 114 


إمكانات التوصل إلى حل سلمي؛ وأعلنت في نهاية مهمتها أن مصر على استعداد للسلام» لكن 
إسرائيل ترفض الانسحاب. وتمتنع عن إعلان نيتها في عدم ضم الأراضي العربية المحتلة» 
وترفض تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242. ورفعت الأمر إلى منظمة الوحدة الأفريقية» التي 
رفعته بدورها إلى الأمانة العامة للامم المتحدة. حسب التقاليد الدولية المعمول بهاء ليصبح 
وثيقة من وثائقها. هكذا أيقنت أفريقيا أن إسرائيل دولة توسعية» ولا تعمل من أجل السلام. 
القد شهدت هذه الفترة تحولاً كبيراً في الموقف العالمي لمصلحة مصر وتوالت الضغوط 
الدولية على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العرية المحتلة وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 

















2 كما أصيح زء كبير من الرأي العام العالمي أكثر قبولاً لحق العرب في استخدام القوة 
لاستخلاص حقرقهم. 
فقد سافر محمود رياض وزير الخارجية بنفسه إلى الأمم المتحدة لتحريك القضية عالمياء 


وسعياً وراء الحصول على أكبر دعم دولي لقضية تحرير الأراضي العربية المحتلة. وفي هذا 
الإطار كان موقف الأمم المتحدة ممتازاً؛ فقد رف 7 

من الولايات المتحدة لا بيتصر للحق العربي: ووافقت على قرار مقدم من الدول الآلسيرية: 
وتؤيده مجموعة دول عدم الانحيازء بالضغط على إسرائيل لتنفيذ قرارات مجلس الأمنء وإعادة 
الاتصالات مع يارنغ. وكان هذا القرار ضد رغية الولايات المتحدة وإسرائيل. 

وتحركت وفود مصرية, برناسة أعضاء اللجنة التنفيذية العلياء تجوب عواصم العالم؛ لتضع 
حقائق الموقف المصري والعربيء ووقائع التطورات الجديدة؛ تحت نظر زعماء ورؤساء دول 
العالم. سواء بالشرق وبالغرب. كانت الرسالة الوحيدة والمحددة, التي تريد مصر أن تبلغها 
خلال هذه التحركات الدولية: أنه لم يعد أمامها طريق أخرى لاسترداد الأراضي المحتلة غير 
الحرب» وأن مصر ليست على استعداد لمد جديد لوقف إطلاق النار. حتى لا يتحول الأمر إلى 
التسليم بسياسة إسرائيل التي تستهدف فرض الأمر الواقع. 

أعربت كل الدول التي زارتها تلك الوفود عن تفهمها الكامل لموقف مصرء وتأييدها للحق 
العربي, إلا دولة واحدة هي الصين. لم تثق بالرسالة التي حملها الوفد المصري. وقد روى 
رئيس الوفد لبيب شقيرء رئيس مجلس الأمة وعضو اللجنة التنفيذية العلياء أن رئيس وزراء 
الصين شو إن لاي قال له: «أنت تقول إن مصر تعد نفسها للدخول في حرب لاستعادة أراضيهاء 
وأنا لا أوافق أن الرئيس السادات سيقدم على أي عمل عسكري»: حسب مذكرات شعراوي 


جمعة". 















(30) جماد. المصدر تقسة. صن 106. 


4١ 


وفي تلك الأثناء كانت المواقف الدولية المؤيدة للحق العربي تتوالى بصورة لافتة؛ فقد 
التقى الرئيس اليوغوسلافي تيتو مع الرنيس الفرنسي بومبيدوء وكان الصراع الجاري في المنطقة 
العربية أهم ما تناولته المباحثات بينهماء حيث جرى التركيز على الانسحاب من الأراضي 
المحتلة. كما حدث أن صرح بومبيدو الدى استلام أوراق اعتماد سفير إسرائيلء أنه لا يقر ميدأ 
احتلال أراضي الغير بالقوة» ومعنى هذا أنه يقف مع الموقف العربي في ضرورة تنفيف أهم بنود 
قرار مجلس الأمن الرقم (242). 

وفي الوقت نفسه أثارت أنديرا غاندي الموضوع في الأمم المتحدة» بنفس التوجه. وعمدت 

اشرة إلى زيارة مصر تدعيماً لهذا الموقف. وهذه السياسة. 

وزار وزير الخارجية السوفياتية أندريه غروميكو بريطانياء واقتربت وجهات النظر السوفياتية 
والبريطانية حول قضايا المنطقة. وبذلك أخذ الموقف البريطاني يقترب جداً من الموقفين 
الفرنسي والسوفياتي. وأكثر ظر بين 
حول الطريقة المثلى لحل 
رئيس وزراء بريطانيا إدوارد 

كانت السياسة الدولية تتحرك نحو المزيد من مساندة الموقف المصري والعربي؛ وكان 
المناخ العالمي يتقدم أكثر فأكثر لمصلحة قضيته. ما يهيئ الرأي العام العالمي ضد إسرائيل» 
ويجعله أكثر قبولاً لاي إجراء تتخذه مصر لتحرير أراضيها المحتلة» طالما ب 
مصممة على الاستمرار في سياسة فرض الأمر الواقع؛ وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن. 

كل هذه التطورات. التي ترافقت مع التطورات العسكرية الحاسمة على جبهة قناة السويس» 
التي شهدت «أسبوع التساقط السريع لطائرات الفانتوم»» وتدمير خط بارليف بالكامل؛ قبل 
رحيل جمال عبد الناصر. أدت في النهاية إلى أن تعلن الولايات المتحدة» على لسان وزير 
خارجيتها وليم روجرز أن الوقت قد حان لحل «قضية الشرق الأوسط», وأن عام 1971 لا بد أن 
يكون عاماً حاسماًء وبخاصة أنه كان قد قدم «مبادرته» التي قبلتها مصر وإسرائيل في آب/ 
أغسطس عام 1970 

ورابعتهاء أن حدة انتقاد السادات ومبادرته. قد تصاعدت. لسوء حظه. عندما قدم غونار 
يارنغ ‏ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة؛ المكلف بمتابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم (242) 
عام 1967 ميادرة جديدة لحل المشكلة, تستند إلى ذلك القرارء بعد أربعة أيام فقط من تقديم 
«مبادرة السادات»: لكنها أكثر شمولية مما جاء في «مبادرة السادات» نفسه. حتى لقد خلص 
علي صبري إلى «أن الخواجة يارنغ أكثر وطنية من السادات! فقد عرض يارنغ على الدول 
الثلاث التي قبلت القرارء مصر والأردن وإسرائيل» في 8 شباط/فبراير 1971 مشروعه للسلام» 
الذي يتضمن برنامجاً محدداً لتنفيذ ذلك القرار, على الاقل بالنسبة إلى مصر كبداية؛ عبارة عن 

















142 





مجموعة من الأسئلة» تترجم بنوده إلى خطوات محددة من الناحية العملية والإجرات 
كان قد قام بعدة رحلات مكوكية بين الدول الثلاث؛ على مدار ثلاث سنوات 
أن تكون الإجابة بطريقة (نعم) أو (لا). وأخطر يارنغ مصر بمشروعه الذي كان يقرر انسحاب 
إسرائيل الكامل من سيئاء وغزة» كخطوة أولى نحو السلام الشامل. 

وقد ردت كل من مصر والأردن على هذه المجموعة من الاسثلة كلها بالإيجاب» بينما 
رفضت إسرائيل مشروع يارنغ برقته. لأنه يقوم على مبدأ الانسحاب من الاراضي التي احتلتها 
عام ١1967‏ وتخطره بأنها لن تتسحب إلى الحدود المصرية ‏ الفلسطينية؛ مع استعدادها لدراسة 
افكرة إعادة فتح قناة السويس. حتى تسهم في استقرار الوضع على جبهة القتال. وتخفيف 
الضغوط الدولية؛ كما رحبت إسرائيل بما أعرب عنه السادات؛ بصورة غير مسبوقة؛ من استعداد 
مصر للدخول في اتفاقية سلام مع إسرائيل. أما ما ورد في شأن الانسحاب؛ فقد رفضت ! رائيل 
ميدأ الانسحاب إلى خطوط ما قبل حرب عام 1967 على نحو حاسم وبدلاً من ذلك عرضت 
التفاوض من دون شروط مسبقة. وعلى هذا اعتبرت مصر أن رفض إسرائيل قبول مبدأ الانسحاب 
الكامل بمثابة شرط مسبق. وغير مقبول» وفي هذه الظروف انتهت مهمة يارنغ بصورة مباغ 
فقد رفع تقريراً بذلك إلى مجلس الأمنء يفيد أن إسرائيل ترفض السلام. 
المهمة التي كلفه بها المجلس لعدم جدواها. 

لقد أطلق أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل تصريحاً له مغزهه متسائلاً: لماذا توافق إسرائيل 
على مشروع يارنع» الذي يقضي بالانسحاب الكامل من سيناء وقطاع غزة؛ بينما السادات نفسه 
يفترح قيام إسرائيل بانسحاب جزني مقابل فتح قناة السويسء وبدء مفاوضات؟!». 

وخامستهاء أن دخول هذه «المبادرة» حيز التنفيذ الفعلي ‏ افتراضاً ‏ كان سيعني إلغاء 
«الخيار العسكري» لتحرير الأراضي المصرية والعربية المحثلة تماماً؛ حيث سيجعل قناة 
السويسء في حال إعادة افتتاحها للملاحة العالمية» بمنزلة «منطقة عازلة» بين مصر وإسرائيل. 
أساس ذلك أن إعادة فتح القناة للملاحة الدولية, بعد تطهيرها والانسحاب غرباً. معناه منع مصر 
من شن أي هجوم على إسرائيل عبر القناة. إذا رفضت إسرائيل أن تنهي احتلالها لكل سيناء. 
كذلك فإن تطهير القناة يحتاج إلى وقت طويل لكي تصبح صالحة للملاحة» وهذا لا يمكن إلا 
في حال سلام واستقرار أكيد حول القناة. كما أن إعادة تعمير مدن القناة» وبالتالي عودة سكاتها 
إليهاء الذين كان قد جرى تهجيرهم منها عام 1967 فضلاً عن إعادة المصانع التي كانت قد 
أخليت» يعني أنهم جميعاً سيصبحون رهينة في أيدي إسرائيل» وستحقق النتيجة ذاتها. فضلاً 
عن أن معنى انسحاب إسرائيل عدة كيلومترات شرق القناة هو ترك خط بارليف؛ والانسحاب 
وراءه» وليس من المعقول أن تفعل إسرائيل ذلك دون ضمانات أكيدة» و«معاهدة سلام؟ بين 
الطرفين» تضمنها الدولتان العظميان والدول الكبرى. 






























143 


وحين يعترض وزير الخارجية محمود رياض على مبادرة السادات» ويتساءل عن الهدف 
منهاء وبخاصة أنها تمثل تفريطاً في الموقف المصريء وتراجعاً كاملاً عن السياسة المصرية من 
حرب عام 21967 التي تنمسك بالتسوية الشاملة» كما أن جمال عبد الناصر رهن إعادة فتح قناة 
السويس للملاحة الدولية مرة أخرى بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه؛ يجيبه السادات: 
لأنه كان من الضروري إنهاء «مبادرة روجرز»! 

رغم أن دايان يقول في مذكراته: «إن مبادرة روجرز كانت تقرر انسحاب !' 
48 على كل الجبهات». ويقول عنها إسحاق رابين في مذكراته: 
الولايات المتحدة بأن تكون الحدود بين إسرائيل والأردن متطابقا 
وأن تتحرر القدس الشرقية من الاحتلال الإسرائيلي0'6. بينما كانت مائير 
كارثة لإسرائيل؛ لأنها تتضمن لا فقط انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية» 
هذا سيتم مقابل 
اعتراف بإسرائيل» على أي مستوى. ولا حتى مفاوضات مباشرة.وبيغين يصفها بأنها ميونيخ 
جديدة؛ وتفريط في أمن إسرائيل. كما ظلت إسرائيل لمدة ثلاثين شهراًء بعد مبادرة السادات» 
تصر في جميع مباحثاتها غير المعلنة مع الولايات المتحدة على طلب سياسي محدد: أن تعطيها 
الولايات المتحدة ورقة رسمية تسجل فيها تراجعها النهاني عن مبادرة روجرز. 

كانت بسالة القوات المسلحة المصرية؛ وصمود الشعب المصريء وتمشّك جمال 
عبد الناصر بالتسوية الشاملة للصراع العربي ‏ الإسرائيلي» واستمرار حرب الاستنزاف طوال 
الفترة من حزيران/يونيو 1967 حتى آب/أغسطس 1970 هي الدافع للإدارة الأمريكية في عهد 
نيكسون لتقديم مبادرة روجرز للتسوية الشاملة. وكانت خسائر إسرائيل في حرب الاستنزاف هي 
سبب قبولها للمبادرة: لذا فبعد إنهاء السادات مبادرة روجرزء والائقلاب الصامت في السياسة 
المصرية الذي قاده بمبادرة 4 شباط/قيراير 1971 عادت إسرائيل مرة أخرى إلى العنادء ورفض 
التسوية الشاملة؛ والإصرار على المفاوضات المباشرة مع كل دولة عربية على حدة. 

القد فشلت «مبادرة السادات» فشلاً ذريعاً. ولم يرحب بها أحد على الإطلاق؛ لا في الولايات 
المتحدة» ولاحتى في إسرائيل. بل إن سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية» الذي كان وليم 
روجرز قد أوفده إلى إسرائيل بعد مباحثاته في القاهرة. في شأن مبادرته. قد عاد من إسرائيل وهو 
يحمل أسوأ اقتراح ممكن؛ وهو أن إسرائيل تقبل فقط أن تفتح قئاة السويسء دون الارتباط يأي 
شرط آخرء سواء الانسحاب الجزنيء أو الحل الشامل؛ مجرد فتح قناة السويس فقط لا غير. 











مبادرة روجرز 
لكن أيضاً لان 
نة تودعها الدول العربية لدى الأمم المتحدة» لا تتضمن على الإطلاق أي 
















(31) المصدر تق صن 
(32) المصبر تق صن 





وحسب تعبير شعراوي جمعة: كان هذا هو أسوأ حال وصلنا إليه. على صعيد العمل السياسي 
من أجل تحريك القضية الوه 

وكان من العوامل المهمة التي رافقت الحوار حول المبادرة» وكان لها تأثيرها البالغ ني 
مواجهة السادات مع «المجموعة الناصرية». أن علي صبري. نانب رئيس الجمهورية وعضو 
اللجنة التنفيذية العلياء قد تولى نقد مبادرة السادات؛ واستند في رفضه لها على الحجج الآتية: 

١‏ - أن المبادرة لن تحقق كسب الرأي العام العالمي لمصر ‏ كما يتوقع السادات ‏ بل على 
العكس فإنها ستحول اهتمامات الرأي العام العالمي رار مجلس الأمن الرقم (242) 








بصورته الشاملة» وتتركز اهتماماته نحو نقطة واحدة هي فتح قناة السويس للملاحة الدولية. 
وبهذا تكون المبادرة قد سعت إلى تحقيق إذا ما قبست بالنتائج التي جاءت في 







قرار مجلس الأمن الرقم 242, والمساعي المبذولة 
سكرتير عام الأمم المتحدة. 

2- أنه حتى في حال قبول إسرائيل الانسحاب الجزني, وفتح قناة السويس للملاحة. سوف 
يصبح أمن الملاحة عامل ضغط على مصرء أكثر مما هو أداة ضد إسرائيل؛ وتستطيع 
إسرائيل بعدها أن تماطل في الانسحاب إلى حدود ما قبل 5 حزيران/يونيوء فإذا ما فكرت مصر 
في شن حرب لتحرير الأرض فإن فتح قناة السويس للملاحة الدولية؛ سوف يعرّض أمن الجبهة 
العسكرية والجيش المصري للخطر. 

3 - إن المبادرة في جوهرها ونتانجهاء نتيجة لهذا كله. تخدم مصالح إسرائيل؛ بأكثر مما 
تخدم مصالح مصر. وانتهى صبري بأن تقدم باقتراح بديل من «مبادرة السادات»: وهو أن تكتفي 
مصر بمبادرة يارنغ» وتصر على المطالبة بالانسحاب الشامل وفق جدول زمني محدد» في 
الوقت نفسه يستمر الاستعداد للحرب. لان إسرائيل لن تقبل الانسحاب إلا بالقوة"". 

وهنا يلاحظ أن مطلب صبري قد انحصر في استعداد مصر للحرب» وليس في شن حرب 
فورية» كما ورد في حديث هيكل؛ كما يلاحظ أيضاً أن نقد صبري للمبادرة ظل في إطار التحليل 
السياسي والعسكري للمبادرة» ولا يمكن تفسيره وفهمه بأنه مقدمة أو تحرك في اتجاه الصراع 
على السلطة. بل إن ما طرحه صبري يندرج في إطار طرحه بين التشبث بالحق العربي وبين 
التفريط فيه» وأثبتت تطورات الأحداث أن ما قام به السادات كان التسليم التام بشروط الغرب 
كاملة. 


بذ القرار من خلال غونار يارنغ مبعوث 











(33) المصدر تقد صن 118-117 
(4) اقظر: عبد الله إمام. علي صبري يتذكر: بصراحة عن الساداث (القاهرة: دار الخيال. 01999 





145 


الكن من المؤكدء كما يشير شعراوي جمعة في مذكراته؛ أن السادات لم يتحمل أسلوب 
مخاطبة صبري له فهو لا يخاطبه بلقب الرئيسء وإنما استمر يخاطبه بالأخ أنورء أو بالسيد أنور 
السادات» وفي هذا ما يقلل من هيبة ومكانة السادات كرد اللجمهورية أمام الآخرينء 





ولا يمكن النظر إلى هذا الاستنتاج على أنه يمثل عاملاً ا إنما كان عاملاً أساسياء ومؤشراً 
يذكر السادات يضعفه دوماً. 
2 اتحاد الجمهوريات العربية 


سبقت الإشارة إلى أن هيكل؛ ني كتابه: أكتوبر 3 السلاح والسياسة؛ يؤكد أن قصة 
«الاتحاد الثلائي» بين مصر وسورية وليبياء التي تمخض عنها إعلان قيام «اتحاد 
الجمهوريات العربية»؛ كانت هي الورقة التي فجرت كل شيء؛ بين السادات و«المجموعة 
الناصرية»؛ حيث استدعاها السادات فجأق وتم التوقيع عليها بين رؤساء الدول الثلاث؛ ما 
أثار غضب «المجموعة الناصرية». ويضيف هيكل: «وفي كل الأحوال فقد كان السادات 
أول من يعرف أنه ليست هناك وحدة. على الافق القريب أو البعيد. وأن هدفه الحقيقي هو 
الالتفاف من حول الذين كانوا يحاولون تكتيف يديه وقدميه (على حد تعبيره)» ومحاصرته 
بمؤسسات سياسية ودستورية لا فاعلية لهاء إلا بمقدار ما توفره من غطاء لحقائق القوة 
والسلطة»99, 

ففي نهاية الأسبوع الأول من نيسان/أبريل 1971 نشرت صحيفة الأهرام على نحو مفاجئ أن 
«دول ميثاق طرابلس». الذي أبرم قبل رحيل جمال عبد الناصرء ويضم مصر وسورية والسودان 
وليبياء سيعقدون اجتماعاً في القاهرة. سيسفر عن نتائج مهمة. وعقدت الاجتماعات في الفترة 
-١‏ 1971/4/13 وكانت من أغرب الاجتماعات» حيث استمرت الجلسات مغلقة على 
الرؤساء» دون أن تعرف عنها الوفود. المتنا: قاعة الاجتماع. أي شيء! فقط أعلن أن 
السودان قد انسحب من المباحثات لظروفه الخاصة. ثم جرت دعوة الوفود الثلاثة إلى حزم 
















الحقائب للسفر مع الرؤساء إلى ليا 
ويشير شعراوي جمعة إلى لقاء جمعه مع القذافي بمطار القاهرة قبل التحرك إلى بنغازي - 
بحضور علي صبري. والهوني. وعمر المحيشي - متسائلا: «هل هناك ضغوط 





جماهيرية على السادات في مصر... لأنه ضاغط علينا ضغطً كبيراًء حتى نتمم مشروع الاتحاد 
ولست أجد مبرراً لهذا إلا إذا كان هناك ما يضغط عليه هنا في مصر». قال جمعة: هذا غير 
صحيحء وسأله: «هل أبديت رأيك هذا للسادات؟ فقال القذافي: نعم أبديت رأييء ولا أرى 








(35) هبكل. أكتوير 73: انلاح والسياسة. ص 163 


ضرورة في هذه العجلة؛ كما أنني أحتاج إلى وقت لكي أعرض المشروع على الضباط الأحرار 
في ليبياء وبعد ذلك أمهد للعملية كلها». لكن السادات كعادته وضع القذافي في موقف محرج: 
إما أن توافق على الانضمام إليناء أو سئعلن وحدة مصرية سورية بدونك. ما سيعني أن القذاني 
الوحدوي سيبدو كأنه يرفض الوحدة". 

يؤكد جمعة أن السادات كان عازماً على التوقبع على مشروع الاتحاد الثلاثي بسرعة وبأي 
ثمن. ويطرح السؤال المنطقي: لماذا؟ ويجيب بتحديد أربعة أسباب'”": 

أولهاء «أؤكد أن الهدف الرئيسي من وراء مناورة السادات «الوحدوية» تلك هو الالتفاف 
حول قرار الحرب. الذي كان قد اتخذ بما يشبه الإجماع» في اجتماع مجلس الدفاع الوطني... 
وكانت لعبته أن يشغل الناس في استفتاءات. ومعارك انتخابية» ليفوت الوقت المحدد للمعركة». 
وبهذا التوجه يبعث أيضاً برسالة إلى الولايات المتحدة بأنه قد أطاح موعد المعركة بعيداً من 
الموعد الذي كان مطروحاً بما يفيد مناوراته السرية. ومن الغريب أن الوثائق البريطانية التي 
عرضها جمعة قد أكدت أيضاً إلى هذا التوجه. 

وثانيها. استخدام هذه الورقة في ضرب المؤسسات القائمة في مصرء وإجراء تغييرات على 
مستوى القمة. وإعادة تشكيلها بما يضمن ولاءها له فإن إعلان قيام الاتحاد يعني أن دولة 
جديدة سوف تقوم على أساس دستوري جديد؛ بمؤسسات دستورية جديدة» وسوف تلحقه 
انتخابات لمجلس الأمة. والاتحاد الاشتراكي. وقد أكد هيكلء ٠‏ في كتابه بعشوانة خريف 
الفضب. هذا التوجه لدى السادات. قائلاً: «كان السادات يبدو متحمساً اللمشروع؛ وفي نيته أن 
تغيير شكل الدولة سوف يعطيه الفرصة لإعادة تكوين مؤسسات السلطة: كاللجنة المركزية 
ومجلس الأمة»", 

وثالئهاء التخلص من عقدة زعامة جمال عبد الناصرء وقد كان لديه إحساس عميق بالنتقص 
تجاه إنجازاته الضخمة وكاريزميته المشهود له بها. فإذا كان جمال عبد الناصر قد حقق الوحدة 
المصرية ‏ السورية عام 1958 كما أنجز «ميثاق طرابلس». وهو بمثابة اتفاق سياسي: فلماذا 
لا يحقق السادات اتحاداً بين هذه الدول يكون أقوى من «ميثاق طرابلس». وينسب إليه» ويدخل 
اضمن إنجازاته. بعد أقل من عام من توليه السلطة. فضلاً عن ذلك الموقف سبدو وكأنه يزكد 
التزامه بأفكار جمال عبد الناصرء وبخاصة في ضوء انتقادات بعض البلدان العربية لهء وني 
داخل مصر ذاتهاء باعتباره يضع مصالح مصر قبل المصالح العربية 

















(3) حماد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة للناريخ. ص 0ذا - 131 
(37) المصدر تقه ص 130128 
(38) هبكل. خريف الغضب: قصة بدابة ونهاية عصر أثور الساداث. ص 98. 


147 


ورابعهاء أنه كان يريد أن يبدو أمام الولايات المتحدة وإسرائيل كأحد زعماء المنطقة 
البارزين؛ وأنه يستطيع أن يتحدث باسم «مجموعة» من الدول المهمة في المنطقة. هي مصر 
وسورية والسودان وليياء وكان يريد أن يلفت نظرهم إلى ضرورة التعامل معه بطريقة ومستوى 
أفضل مما كان قائماً وقتها. 

ويؤكد شعراوي جمعة «أن لعبة السادات كانت مكشوفة في الداخل والخارج على السواء؟ 
وقد كشفت الوثائق البريطانية» والفرنسية. عن اهتمام غير عادي باتحاد الجمهوريات العربية. 
وانتشرت الوثائق البريطانية بين ملفات السفارات البريطانية في معظم الدول العربية» تطالب 
إدارات شمال أفريقيا بسفاراتها باستقراء دوافع هذا الاتحاد وتأثيراتها على مستقبل الزعماء 
المعنيين ‏ السادات. والأسد والقذافي» ‏ كما امتدت الاتصالات مع سفاراتها إلى أنقره. 
وواشنطنء وموسكوء وبيروت؛ وباريسء وتل أبيب. وعمان. وطرابلس» والخرطوم؛ وروماء 
وبروكسلء ونيويورك, والناتو. ووصل الاهتمام البريطاني إلى حد الاهتمام بالرؤية الفرنسية 
للحدث. ويخلص جمعة من عرض بعض الوثائق البريطانية إلى أنها انتهت إلى أن دواقع 
السادات في التوقيع على الاتفاق كانت تتطابق مع الأسباب التي حددها”". 

ومن المعروف أن اجتماعات ليبا قد انتهت إلى الإعلان عن قيام «اتحاد الجمهوريات 
العربية»» الذي ضم مصر وسورية وليبيا. وقد تفجرت أزمة سياسية حادة في مصرء نتيجة لهذا 
الإعلان. ولكل الملابسات والظروف التي أحاطت بالمباحثات المغلقة بين الرؤساء الثلاثةء 
التي أدت إليهء وبخاصة انفراد السادات التام بالموضوع من البداية إلى النهاية» بينما البلاد في 
انتظار قرار المعركة» ولا شيء غيره. 

كان يوم 20 نيسان/أبريل عام 1971 من الأيام الحاسمة في تكتيكات «المعسكرين»» حيث 
قدّم فيه سامي شرف. وزير شؤون رئاسة الجمهورية؛ مذكرة إلى السادات مرفقة بخطاب مختصر 
رف الواحد: «أتشرف بأن أرفق طيّه تقرير رأي عام من القوات المسلحة. 
بالنظر». كان التقرير الذي ينشر هيكلء في كتابه: أكتوبر 73: السلاح والسياسة» 
صورة منه؛ يتعلق برأي القوات المسلحة في «الاتحاد الثلائي»؛ وحسب الينود التي أثارهاء فإن 
القوات المسلحة كانت ضد ما فعله السادات؛ وحدد التقرير وجه معارضتها في 36 نقطة. 
أبر: إزها: «التساؤل عن الحكمة في إعلان الاتحاد في المرحلة الحالية: وكيف يؤمن البعث 
السوري بالوحدة» الذي تسبب في الانفصال. وهدم الوحدة الأولى »)196١  1958(‏ وأفشل 
الوحدة الثلائية مع العراق عام 1963.. الرئيس القذافي صغير السنء ويفتقر إلى الحكمة 
والخبرة. وقد يترتب عليه مستقبلاً جرّنا إلى مشكلات داخلية وخارجية: وبالتالي إفشال 




















(39) المصدر تقس ص 129 


148 


الانحاد.. هذه العملية فيها تحويل لاهتمامات الجماهيرء بما فيها القوات المسلحة؛ إلى 
اضيع غير المعركة.. التعليق على «17 نيسان/أبريل»» و«الفاتح من أيلول/سبتمبر» بما يمس 
هيبة مصرء لأن هذه التواريخ لا تعبر عن المنطق المصري لها.. الاتفاقية خداع استراتيجي.. 
وسوزية تزيد تدميز مضع :ول تعلزتبا جعنا:: واجعبالاك تكل عزين وجمي معدب المنولة 
السعودية.. مصر هى التي تتحمل العبء كله.. لا ثقة إطلاقاً في حزب البعث... أصبحنا دولة 
لمن ولاء القوات المسلحة؟.. ستحصل إسرائيل على حس هذا الاتحاد على أسلحة 
٠‏ ونبقى لا طأنا حلاً عسكرياً ولااخلاً سلمياً. كيف يتم اتحاد بين دول منشككة في 
بعضها.. ما تأثير هذه العملية على الودان؛ وهو مهم جدا لمصر؟.. كيف سيترجم العدو معنى 
الاتحاد» وما تأثير الاتحاد على سيناء؟.. مصر سححمل الخسارة وليس المكسب.. لا مكاسب 
من هذه العملية في عالم يحسب كل شيء بالماديات»". 








تابعة. 





في 1971/4/21 دعي السادات إلى اجتماع اللجنة !١‏ 
لمناقشة مشروع الاتحاد. ويذكر علي صبري أنه علم بموعد اجتماع اللجنة التنفيا 
خلال الصحف. وهنا تظهر بدايات المنهج الذي اعتمده السادات في تعامله مع «المجموعة 
الناصرية», وهو أسلوب المبا: أن الدعوة لمناقشة مشروع الاتحاد لم تكن تمثل المفاجأة 
الأولى في تعاملاته مع القيادات الناصرية. فلقد سبق أن قام السادات» إمعانا في كسب ود وثقة 
الاتحاد السوفياتي» بإبلاغ السوفيات بخطواته السياسية؛ قبل أن يبلغ بها قيادات المؤسسات 
السياسية والدستورية في مصر. 

عُقد اجتماع اللجنة التنفيذية العلياء فكان علي صبري أول من اعترض على مشروع الاتحاد 
وموجهاً نقداً لاذعاً لتوجه السادات؛ وبخاصة في شأن الأسلوب. وهو طريقة الحكم نفسهاء 
ومتى يؤخذ رأي اللجنة التنفيذية العليا؟ هل بعد إتمام الإجراء. أم قبله؟. وأضاف: 9إنه ليس 
موافقاً على اشتراك مصر في اتحاد الجمهرريات العربية. وأنه يعترض على طريقة السادات في 
الموافقة على اشتراك مصر من دون أن يتشير أحدأ». 

بعدها اتسعت دائرة النقد الموجه إلى السادات؛ حيث طرح ضياء داود على السادات: 
السؤال الآتي: «هل الاتحاد هو اتحاد السادات والأسد وال أم أنه اتحاد الشعب المصري 
والسوري والليبي؟ استاء السادات جداً من هذا الكلام واعتبر أن هذا عدواناً كبيراً عليه. وطلب. 
التصويت على الاتفا: انتيجة 3 أصوات مع المشروع؛ هم السادات وحسين الشافعي 
ومحمود فوزي, و4 أصوات ضده. هم علي صبري وضياء داود وعبد المحسن أبو النور وكمال 
رمزي استينوء وقد أصر السادات على أن يبدي شعراوي جمعة رأيه في الاتفاق. ورغم توضيح 


















(0) هيكل. أكتوير 73: السلاج والسياسة. ص 161 163 


149 


جمعة أنه ليس له حق التصويت, لأنه ليس عضواً متخياً باللجنة. ويحضر اجتماعاتها بصفته 
«أمين التنظيم» بالاتحاد الاشتراكي. بقرار من جمال عبد الناصر وأمام إصرار السادات أقر 
جمعة أنه من المعترضين على الاتفاق». 

نقل السادات الخلاف حول مشروع اتحاد الجمهوريات العربية إلى اللجنة المركزية للاتحاد 
الاشتراكيء بعد أن تأكد له رفض أغلبية أعضاء اللجنة العليا لمشروع الاتحاد. وأمام 
أعضاء اللجنة المركزية. عاد علي صبري ليوجه النقد إلى السادات» وتضمن نقده إشارة إلى أن 







العليا اجتمعت ودرست موضوع الاتحاد ولم تصل إلى ن 
أن اللجنة اجتمعت ورفضت الاتحاد بأربعة أصوات مقابل ثلاثة». 

وفي 1971/4/25 واجه السادات هزيمة سياسية بسبب موقف صبري مرة أخرى. فإلى جانب. 
أ من القيا 
الجميع أن القيادة الليبية لا ترغب في إقامة مثل هذا الاتحاد» وبهذه السرعة» وعدم ثقة 
القذافي في البعثيين السوريين. وأن القذافي وافق على الاتحاد مع سورية إرضاء لمصرء 
وأضاف: «لقد ذهبت أنا والشافعي إلى بنغازي ونحن متفقان على أن تتم الخطوة التي سيتم 
التوصل إليها خلال ثلاث سنوات. لكننا فوجننا هناك أن الاجتماعات منفردة قلت للسادا. 
لا أوافقء ويجب عرض ذلك على الاتحاد الاش اشتراكي. أجابني السادات: أنا لازم أرجع بورقة» 
قلت أية ورقة؟ قال ورقة الوحدة». كما ذهب صبري في حديثه إلى أبعد من ذلك» فذكر أن 
السادات كان يطالبه بعدم الثقة في البعشين. وهذا يعني أن السادات كان يتلاعب بقضية الوحدة 
العربية. 

كانت الظاهرية للخلاف الدائر بين السادات وصبري أمام اللجنة المركزية هي هزيمة 
السادات سياسياً. لكن الأهم من هذاء أن الخلاف بينهما قد ساهم في فرز مواقف الأفراد. وتأكد 
السادات أخرى أنه أضعف الأطراف؛ فعندما طلب التصويت على مشروع الاتفاق. لم ترتفع 
في اللجنة المركزية غير 4 أصوات بالموافقة» من بين مجموع أعضائها البالغ 150 عضواً. بالتالي 
فقد تصاعدت حدة الأزمة عندما عمدت المستويات السياسية العليا في مصر إلى الإعراب عن 
رقضها الاتحاد. سواء اللجئة بة العليا واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي, ما عدّه 
السادات موجهاً ضده شخصياً. رغم أن توجيهات شعراوي جمعة إلى قيادات وأعضاء «التنظيم 
الطليعي» داخل هذه المستويات كانت محددة؛ لا تتمثل برفض الاتفاق برمّته» إنما تأجيل 
القرار النهائي» وحيث أصر السادات على رفض هذا التوجه بحدة؛ ويالغ الغرابة» وبخاصة عند 
مناقشته في اللجنة التنفيذية العلياء يكون التوجيه بإدخال بعض التعديلات الضرورية على 
























اذ 





150 


الانفاق. وهذا ما انف عليه بالفعل في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي؛ ما سمح 
بتمرير الاتفاق. 

انتهت الأزمة في اللجنة المركزية بإدخال تعديلات جوهرية على مشروع الاتحاد؛ بحيث 
ظل إطاراً شكلياً يصلح لان يكون مفردات «بيان سياسي». فعلى سبيل المثال: استبدلت كلمة. 
«دولة». بكلمة «اتحاد»؛ وبالتالي تم تجميد إنشاء مؤسسات سياسية ودستورية جديدة. ولم يعد 
في مقدور السادات تنفيا انقلابه السلمي على «المجموعة الناصرية». أما بخصوص الفقرة 
الخاصة بانخاذ القرارات؛ فتغير النص وأصبح اتخاذ القرارات بالإجماع, بديلاً من النص السابق 







ترفضوا ما يعرض عليكم ومن هنا يتخذ ضدكم إجراءات معيئة يخطط لها منذ انتخاب 
وهذا ما حدث بالفعل؛ لذلك تشكل الفترة اللاحقة على إقرار الاتفاق» وت 
«المجموعة الناصرية» من السلطة» وعلى رأسها شعراوي جمعة؛ في 1973/5/13 توضيحاً 
هائلاً لجوانب متعددة من شخصية السادات. كان السادات قد قرر أن بيدأ مرحلة من اك 
التي رآها ضرورية, لكي يمكنه الانفراد بالسلطة. وجاءت ضربة البداية في مناورات السادات في 
خطابه بمناسبة عيد العمال. في 1971/5/1 فبعد أن فرغ الخطاب. الذي كان قد أعده 
له محمد حسنين هيكل كالمعتاد. أخرج ورقة من جيبه كان قد كتبها بنفه. لآن هيكل رفض 
وضعها في الخطاب. تناول فيها الهجوم على من أسماهم «مراكز القوى»؛ كان نصها: «إنه ليس 
من حق أي فرد أو جماعة. مهما كان ذلك الفردء أو تلك الجماعة. أن تزعم لنفها قدرة منفصلة 
عن قدرة هذا الشعب,. وأن تدّعي لنفسها موقفاً تستطيع من خلاله أن تفرض رأيها على جموع 
الشعبء أو أن تتستر وراء شعارات. أو مناورات تحاول أن تشكل مراكز القوى. ليبقى الشعب 
وحده سيد مصيره». 

في صباح اليوم التالي 1971/5/2 التقى جمعة مع السادات. الذي بادر إلى عتابه لأنه عارض 
اتفاقية الاتحاد في اللجنة التنفيذية العلياء كما أنه أصدر توجيهاته إلى اللجنة المركزية بطلب 
التأجيل ولم يعمل على منع علي صبري نائب رئيس الجمهورية من مواصلة حديثه أمامها. 
ويشير جمعة في مذكراته: «حاولت أن أشرح للسادات خطأ استتاجاته بهذا الخصوصء وقلت 

: أنت تعطي أذنك لبعض الناسء وكثير منهم لا هم لهم غير خلق و ربينك» وذكرته 
بقصة كان هو بنفسه قد رواها لي سابقاً. إذ إنه كان قد اجتمع مع عدد من أعضاء جماعة 























(41) حساد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة للتاريخ. ص #د1. 


اكر 


«الإخوان المسلمين»» وساعتها قالوا له: إن عداءنا لجمال عبد الناصر ونظامه انتقل إلى شعراوي 
جمعة وسامي شرف. وقلت له تعقيباً على ذلك: والله أنت نائب جمال عبد الناصرء والمفروض 
أنك رئيس الجمهورية؛ وأنت أحد الذين حاكموا «الإخوان المسلمين»؛ والمفترض في هذه 





الحال أنت ينتقل العداء إليك أنت» ولا ينتقل إلينا نحن. لكنه كان سعيداً بسماع مثل هذه 
الاحاديث. ذكرته بالواقعة. وقلت له: أنت لا تزال تستمع إلى الكثيرين الذين يحاولون إيجاد 






ثغرة بيننا وبينك016*, 





كان «جدول أعمال ذلك اللقاء يضم أربعة موضوعات: أولهاء قرار المعركة» وكان قول 
السادات قاطعاً: أنا لا أريد الحرب الآن! كان السادات لا يزال يأمل في أن تقدم له الولايات 
المتحدة حلاً يمك به في يديه ولم أوافقه نهانياً على رأيه. وثانيهاء زيارة وليم روجرز وزير 
الخارجية الأمريكية إلى مصر بعد عدة أيام» حيث أكد السادات اعتقاده أن الولايات المتحدة 
مقدمة على حل الأزمة في المنطقة. واختلفتا أيضاً. وثالثهاء موضوع علي صبري. حيث بدأء 
السادات بأنه سوف يقيله. وكانت المعلومات المؤكدة لديناء وكما ذكر السادات بنفسهء في 
مذكراته بعنوان: البحث عن الذات: قصة حياتي» أنه كان قد سبق إلى إبلاغ السفير السوفياتي 
بذلك» لإبلاغ حكومته أن هذا الموضوع شأن داخلي محضء وأنه ليس موجهاً ضدهاء". 
واختلفنا أيضاً. حيث أخبرته أن الإقالة قبل زيارة روجرز ستبدو «عربونً» للولايات المتحدة. وإذا 
ما جرت بعدها فسيقال أنه «يدفع الشمن»» لهذا يفضل تأجيل الموضوع إلى ما بعد معركة 
التحرير. ورابعهاء موضوع الاتحاد الاشتراكي؛ حيث قال السادات بشكل مباشر: أريد حل 
الاتحاد الاشتراكي! والسبب رغيته في التخلص من عدد من قياداته. مثلما ذكر صراحة عضو 

جنة 3 3 مجلس الامة. وضياء الدين داوود أمين الدعوة والفكر. 
أكدت له أنه لا يملك دستورياً وقانونياً هذا القرار. وأضفت أن «المؤتمر القومي» هو الذي 
انتخبك رنيساً للاتحاد الاشتراكي. فكيف تأتي أنت وبقرار منك تحل الذين انتخبوك؟ ويعقب 
جمعة: هكذا اختلفا في الموضوعات الاربعة» وبدا كأنه اقتنع بما عرضت» ووعد بإعادة التفكيرء 
بينما اتضح لاحقاً ا أن الحقيقة كانت غير ذلك بالمطلق» لآن السادات يعدّ «خبيرا» ن في إظهار 
عكس ما يبطن. بل قفي خلال الأيام القليلة التالية حقق كل ما يسعى إليه في تلك الموضوعات 
الأربعة: تأجيل قرار الحرب إلى أجل غير مسمى ‏ تأكيد التوجه ناحية الولايات المتحدة ‏ عزل 
علي صبري وكل «المجموعة الناصرية» ‏ حل الاتحاد الاشتراكي» وكذلك مجلس الأمة". 























(42) المصدر تقسه ص 155 156 
(ذه) أثور السادات, البحث عن الفاث: قصة حباتي (القاهرة: المكتب المصري الحديث؛ 19723). ص 295. 
ا(44) احماد. المصدر تقسة. صن 156 159 


152 


فضلاً عن ذلك. وفي اللقاء نفسه. يقول شعراوي جمعة في مذكراته: «قال لي السادات وهو 
يغريني: أنت سوف تشرف على تنفيذ قرار حل الاتحاد الاشتراكي. ثم بعد ذلك نغيّر الوزارة 
بالكامل؛ وتختار الناس إللي انت عاوزهم... وفي الحقيقة أنني ضحكت من هذه الطريقة التي 
يريد السادات من خلالها أن يجعلني كبش الفداء. ويكون علي أن أنحمل تغبير الصورة القاتمة.. 
التي تحوي كل هؤلاء الوطنين الصادقين, ثم يأتي هو بعد ذلك ويقول لي: مع السلامة». وقد 
أشار جمعة في مذكراته إلى أنه سبق أن رفض نفس العرض بتولي رئاسة الوزراء بعد وفاة جمال 
عبد الناصرء لكن لاء ات مختلفهء حيث أبلغ السادات مبررات رفضه بالقوا 
تعرف أننا اتفقنا على أن يستمر الوضع الوزاري للمجموعة التي كانت حول الرن 
عبد الناصر بلا أء في السلطات أو في المناصب. حتى لا يقال عنا 
وأننا «استغليناء الموقف. وطالبنا بمناصب أو مزايا لم تكن موجودة من قبل؛ في ظل وجود 
الرئيس جمال عبد الناصر. لقد أكدت لنا التجارب أن العمل السياسي لا يجب أن يبنى 
على أساس حسابات شخصية: أو حسابات عاطفية, ولا يجب أن يحكمه أو يتحكم فيه مثل 
هذا التردد خوفاً من بعض الكلام الذي يمكن أن يقال. وبخاصة أنه قيل أكثر منه. رغم عزو 
عن المناصب... لذلك أعتيرء وبعد التجربة. واستلهاماً لدروسهاء أن رفضنا لعولي رئاسة الوزا 
في ذلك الوق كان خطأ كبيراً. وكانت النتيجة الطبيعية التي ترتبت على هذا الخطأ أن جاء 
آخخرون من خارج دائرة الانتماء إلى فكر ومدرسة جمال عبد الناصر. وبمرور الوقت امتلكت 
هذه المجموعة القدرة على احتواء السادات. وتوجيهه إلى وجهات أخرى»". 

يتابع جمعة: «وعاد السادات إلى إغرائي من جديد في لقاء 1971/5/2, فقال: سأصدر قراراً 
بتشكيل لجنة لتخليد جمال عبد الناصر برناستي» وعضوية محمود فوزي رئيس الوزراء» وأنت 
تتولى أمانة هذه اللجئة. أحسست أن السادات انتقل من إغرائي إلى توريطي. وبدا لي مكشوفاً 
وهو يحاول أن ينصب لي مصيدة من جديد. كنت موقناً أنه بصدد إعلان قرار ضد علي صبريء 
وهكنا أجد نفسي في موقف لا أحسد عليه؛ علي صبري يقال» وشعراوي جمعة يتولى مسؤولية 
الجنة لتخليد جمال عبد الناصر. ويضيف جمعة: لا يمكن الادعاء أنني كنت الوحيد المقرب من 
جمال عبد الناصر, فقد كان هناك كثيرون غيري؛ وسوف يغضبهم عدم الانضمام إلى هذه 
اللجنة؛ ولم أكن مستعداً لتحمل «غضبة» كل هؤلاء. وعلى رأسهم محمد حسنين هيكل وسامي 
شرف» فقلت له: طيب ندخل معنا سامي شرف» فقال لي: لا .. سوف يقولون «مراكز القوى». 
الأنضل أن يعمل سامي من الباطن. وعندما اتصلت بكل من شرف وهيكل تأكد توقعي تماماً 
ولهذا سارعت في ساعة متأخرة من مساء اليوم نفسه إلى إبلاغ فوزي عبد الحافظ سكرتير 























ورثنا عبد الناصرء 





















(35) المصدر تقس ص 99. 


ذكر 


السادات أنني ناقشت هيكل في موضوع لجنة تخليد جمال عبد الناصرء وبلغ الرئيس السادات 
أننا اتفقنا على تأجيل الموضوع إلى فترة أخرى. واستطعت أن أفلت من المصيدة التي كان 
السادات ينوي أن يضعني فيها. والغريب أن السادات عمد بعد ذلك إلى تشويه هذا اللقاء الذي 
خطتي. فقال لي: حاضر يا أقندم 
سوف أنفل. وكانت هذه هي طريقة السادات في تزيف التاريخ؛ أن تضيع الحقيقة في ركام من 
الاكاذيب». 


يوم 6 أيار/مايو ألقى السادات خطاباً ني «مسجد الحسين»؛ في عيد المولد النبوي (كفة). 
ولم يتطرق إلى الصراع الدائر بتحديد. لكنه ابتدع فيه شعار: «دولة العلم والإيمان». 

وعلى الطريق ذاتها يقول شعراوي جمعة في مذكراته: إن مجلس الأمة أمة عقد اجتماعاً في 
560؛ وعندما سئل السادات من بعض الأعضاء عن «مراكز القوى؛ قال: لا يوجد حاجة 
اسمها «مراكز قوى». وأكد أن الخلافات انتهت. قا رجنا من منطق الصراعء وأن الهم 
الوحيد هو المعركة. ويشير جمعة إلى أنه كان «يتوجس خ ة من هذا الاجتماع» خشية أن 
يحدث فيه شقاق جديدء وكان من المتوقع أن تشن المجموعة الموالية لأنور السادات داخل 
المجلس هجوماً حاداً على الاتحاد الاشتراكي وعلى قياداته. ما يؤدي ينا إلى الدخول في 
مواجهة جديدة وصدام لا تحمد عواقبه ولذلك أصدرت توجيهات بالاتفاق مع اللجنة 
العليا للاتحاد الاشتراكي. وأمانة تنظيم «طليعة الاشتراكيين»» إلى المنظمين في مجلس الاء 
يكون هدف الحديث والمناقشات في حضور السادات هو الصلح والالتنام ولمّ الشمل؛ إضافة 
إلى حماية الانحاد الاشتراكي وعدم السماح بالمساس به». ويؤكد جمعة: «كانت لدينا 
معلومات بأن أحد الأعضاء من البحيرة اسمه أحمد يونس سيثير المجلس ضد علي صبري 
انائب الرئيس الذي أقيل يوم 2 مايوء وضد الاتحاد الاشتراكي. وما يسمى «مراكز القوى؟؛ وكان 
يونس مقرباً لوجيه أباظة» فاتصلت به وطلبت منه أن يعطي تعليماته لأحمد يونس بعدم فعل ما 
ينتويه». وهكذا كان. 





إنني قابلت شعراوي جمعة وقلت 















يفتح جمعة هامشاً في شهادته حول أحمد يونس. قائلاً: "قدمت إلى المحاكمة بعد وضعي 
تحت الحراسة: وكانت المحكمة مكونة من ثلاثة قضاة. ومعهم أربع شخصيات عامة؛ منهم 
اثنان يمثلان اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي باعتباري كنت عضراً بهاء كان من بينهم يونس 
وحين وقفت أدافع عن نفسي في موضوع الحراسة» وقلت: لست أملك أي شيء؛ وتساءلت: 
حراسة إيه؟ وليس لدي ثروة» وهذا شرف لي والحمد لله ونظرت إلى يونسء وقلت بيتا من 
الشعر: «فقل للشامتين بنا أفيقوا/سيلقى الشامتون كما لقيناء» وهي من قصيدة للشاعر الجاهلي 





(36) المصدر نقسه. صن 159 160. 


«ذو الإصبع العدواني».. وتشاء الظروف أن يختلف يونس مع السادات فيما بعد ويأمر بوضعه 

تحت الحراسة وتشكل له محكمة كما فعلوا معي. وحدث له ما جرى لنا». 
يواصل جمعة شهادته فيقول: «في استراحة رئيس الجمهورية» ومعنا ليب 
المجلسء عرضت على السادات أن يحضر ضياء الدين داوود للتصالح معه. لكنه رفض. وكان 
السادات يناور من جديد. أكدت عليه الموعد المقرر سلفاً. في 1971/5/13» ليوقع السادات 
التعليمات الأخيرة للمعركة» والتي تبقى وزير الحربية جاهزاً لخوضهاء بحضور محمود رياض 
وزير الخارجية؛ والفريق أول محمد فوزي وزير الحربية» وشعراوي جمعة. وسامي شرف. 
والغريب أن السادات طلب عدم حضور وزير الخارجية» وعندما أبلغته أنني أخيرت رياض 
ضر جزءاً من الاجتماع ثم ينصرف! في جميع الحالات كان السادات قد 












خذ قراراً ب جتماع لن يعقد؛ حيث كان. قبلها بأيام؛ قد أبلغ جوزيف سيسكو وكيل 
وزارة اللخارجية الأمريكية أنه سيتحرك قريباً لتصفية معارضيه وعلى رأسهم وزيري الخارجية 
والحربية: لكنه كان يمارس لعبته المفضلة في المراوغة» وكما سيأني بيانه كانت تسجيلات هذا 
اللقاء لدينا بالكاملء من خلال «عملية الدكتور عصفور»»1”. 

ويضيف شعراوي جمعة في مذكراته: «جاءتنا معلومات كانت تحتم عليئا سرعة التحرك في 
مواجهة ما يخطط له السادات. وللاسف الشديد جاء تحركنا متأخراً جداء سبقنا السادات إلى ما 
حدث في 12 أيار/مايو""**؛ الذي بدأ بعزل شعراوي جمعة نفسه. ثم إعلان استقالة معظم 
«المجموعة الناصرية» من السلطة؛ وقبول تلك الاستقالات» ثم تحديد إقاماتهم. مساء ذلك 
اليوم. 

وكان من أبلغ ما قيل بهذه المناسبة ما قرره اللواء أحمد كامل مدير المخابرات العامة في 
حينه» في أثناء اجتماع عقدته قياد: الطليعي» مساء 25/12 للنظر في الخطوات المقبلة. 
في ضوء المعلومات السابقة التي عرضها عليهم شعراوي جمعة. حيث قال كامل: «مهمتي أن 
أحمي الدولة ورنيسها من المؤامرات؛ وأنا وسط مأساة الآن حين أواجه وضعاً غريباً أن الذي 
يتآمر على البلاد هو نفسه رئيس الدولة"'”! فكان من المنطقي أن يتعجب كامل» حسب 
مذكراته. بعنوان: أحمد كامل يتذكر. من القضية كلهاء قا: ا 
لا أفهم أي تفسير 5 أيار/مايوء فقد كان بمقدور الرئيس السادات» بموجب سلطاته؛ أن 
ينهي الأمر لمصلحته دون سجن أو محاكمة أو خلافه. ولم يكن في ن 
يقومون به بل لعلّي أضيف ‏ حتى مع توافر النية للعمل الحاسمء وهذا ليس صحيحاً - أنهم لم 





















(47) المصدر تقسه. صن 172171 
(38) المصدر تقيه. ص 172 
(39) المصدر تقه صن 174 





و15 


يكونوا قادرين على ترجمة هذه النية إلى فعل. أما بالنسبة لي فأنا لا أعرف لماذا دخلت السجنء 
كانت التهمة: «علم ولم يبلغ» لكنني لست مضطراً لان أكرر نفس الاسئلة القديمة: علمت 
بماذاء ولم أبلغ عن ماذا؟»01, 

في ضوء ما تقدم يمكن القول إن القضايا التي جري حولها الخلاف أو النزاع بين السادات 
و«المجموعة الناصرية» كانت موجودة من قبل أن يتولى السادات رئاسة الدولة» فالصراع 
العربي ‏ الإسرائيلي قضية قائمة. ومشروع اتحاد الجمهوريات العربية قد صاغه ومهّد له جمال 
عبد الناصرء تحت عنوان: «ميثاق طرابلس». لكن ما فعله السادات هو توظيف هذا الإرث من 
القضايا في خدمة تحقيق هدفه المرحلي وهو الانفراد بالسلطة. 

الذلك يجب النظر إلى مبادرة افنتاح قناة السويسء واتفاق اتحاد الجمهوريات العربية» بأنهما 
«بالونات اختبار» أطلقها السادات وكان الغرض منها: الكشف عن مصادر القوة والضعف عند 
القيادات الناصرية. ووسيلة لقياس الولاء عند الأفراد.. ولمن؟ فكيف جاءت ردود أفعال 
القيادات الناصرية؟ 

من الملاحظ أن أن السادات كان يركز اهتمامه حول نقطة جوهرية تتمثل في «فرز المواقف»: 
فبعد أن ينتهي المتحدث من عرض وجهة نظره في القضايا المطروحة كان السادات يصر على 
أن يسأله عما إذا كان موافقاً على الاتفاقية أم معارضاً لها. إن السادات لم يكن يعنيه رأي أعضاء 
اللجنة التنفيذية العليا ببخصوص مشروع الاتحاد. بقدر ما كان يحرص على تحديد مواقفهم»ء 
هل المتحدث مؤيد لموقف علي صبري أم مؤيد لموقف السادات؟ هذا وفق رواية الناصريين 
أنفسهم. وهذا يعني أن اعتراف الناصريين بذلك. وتجاهل دلالاته يسقط عنهم تهمة التآمرء لكن 
لايعفيهم من المسؤولية والنتائج التي ترتبت على النهج الذي انّبعوه في تعاملهم مع 
السادات. وقد تأكد هذا الأسلوه بشكله الفج؛ مرت 

الأولى» عندما دعي السادات إلى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي 
لمناقشة مشروع الاتحاد. في 1971/4/21 حيث أصر السادات على أن يبدي شعراوي جمعة 
رأيه في الاتفاق» ورغم توضيح جمعة أنه ليس له حق التصويت. لأنه ليس عضواً منتخياً 
باللجئة» ويحضر اجتماعاتها بصفته «أمين التنظيم» بالانحاد الاشتراكي بقرار من جمال 
عبد الناصرء وأمام إصرار السادات أقر جمعة أنه من المعترضين على الاتفاق. 

والثانية. عندما عقد اجتماع مشترك بين «المجلس الأعلى للدقاع واللجنة التنفيذية العليا 
للاتحاد الاشتراكي. في يوم 2 شباط/فبراير عام 01971 وكانت فترة وقف إطلاق النارء الممددة» 


















(50) عز الدبن. أحمد كامل بتذكر: من أوراق رئيس المخابراث المصرية الأسبق. ص 24. 


156 


قد قاربت على الانتهاء. الذي كان يوافق 5 شباط/فبراير حيث حرص السادات على أخذ رأي 
الجميعء حتى سكرتير المجلسء رغم أنه لم يكن له حق التصويت. 
القد تكرر استخدام السادات لأسلو رب «المباغتة» في تعاملاته مع القيادات الناصرية؛ من 
نحو: قرار المبادرة. وقرار اتحاد الجمهوريات؛ وكان السادات يعتقد أن هذا الأسلوب يصيب 
خصومه بالصدمة التي تفقدهم توازنهم. لكن مشروع اتحاد الجمهوريات العربية كان فيه ما 
يكفي لإنذار القيادات الناصرية بالخطرء فالمشروع قد حصر اختياراتهم في أحد أمرين: 
الاختيار الأول: إذا قبلت القيادات الناصرية إتمام مشروع الاتحاد. عندنذ يستطيع السادات 
القيام بانقلابه السلمي ضدهاء فقيام اتحاد بين الدول العربية الثلاث يتطلب بناء مؤسسات 
سياسية وتشريعية جديدة. وهذا ما أكده هيكل فيما بعد: «إن السبب الحقيقي لمعارضتهم كان 
اخوقهم؛ الذي له ما يبرره» من أن تضع نهاية الاحتكارهم السلطة. فإتمام الوحدة سيترتب عليه 
قيام مؤسسات,» وإجراء انتخابات جديدة. وكان هذا هو نفسه. بطبيعة الحال» من بين أسباب 
رغبة الرئيس في إتمام الوحدة 
الاختيار الثاني: أن ترفض القيادات الناصرية المشروع وتفد عليه محاولة الانقلاب» وهذا 
ما توقعه السادات من خلال حواره في الدوائر الضيقة. لكنه استطاع أن يحول هذا الرفض إلى 
تمرد على قرارات ومشروع بدأه جمال عبد الناصر, الأمر الذي يعطيه فرصة توجيه التهمة لهم 
بعدم الولاء لناصر والناصرية» ويا ة طلاب سلطة وتسلط» وهذا بالفعل ما حدث. 
مؤشر آخر لا يقل أهمية في دلالته. بنكوص السادات المتكرر عن وعوده في شأن 
المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار السياسيء فقي أوائل تشرين الثاني /نوفمبر عام 1970 تعهد 
السادات أمام القيادات الناصرية «أن اللجنة التنفيذية العليا ستنظر في جميع الأمور التي تهم 
بصورة دورية مرة كل أسبوعين. وأن اللجنة المركزية سوف 
تجتمع هي الأخرى بصورة دورية مرة كل شهر». لكن تأكد فيما بعد لهذه «المجموعة الناصرية» 
أن السادات لا يلتزم بما تعهد به أمامهم. فلم تجتمع اللجنة بية إلا في نيسان/أبريل اجو 
بغرض الموافقة على مشروع الاتحاد؛ الذي لم يستشرهم فيه السادات أصللا أي بغرض 
الموافقة على انقلابه السلمي ضدهم! وبالرغم من أن ضياء الدين داوود ذكُر السادات» في لقاء. 
معه. بأن «عدم انعقاد اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية يؤدي إلى البلبلة: لأنهم ألفوا في ظل 
جمال عبد الناصر أن يجتمعوا اجتماعات دورية» وأنه خلال المدة من قيام اللجئة وحتى وفاته 
لم يتخلف جمال عبد الناصر عن قيادة الاجتماعات ولو لمرة واحدة ولم تتأجل لمرةء فكانت 
الاجتماعات الاسبوعية تجرىء والاجتماعات النصف شهرية تتم؛ واجتماعات المؤتمر العام 
تتم في موعدهاء ويعرض عليهم كل شيء. أما الآن فإنهم يفاجؤون بأنهم خارج الأحداث 
تمام». وكان جواب السادات فيه من الوضوح بأكثر من اللازم» ويكشف خططه وأغراضه؛ فقد 
































البلد. وسوف تجتمع اللجنة ١‏ 











157 





«انتفضء أمام الجميع قائلاً: «لا.. العملية أكبر من هذاء وأنا لن أضع على حريتي قيداً وأنا 
أمارس سلطاتي الدستورية, وأنا في سبيل إيجاد حل جذري لهذه المشكلة». يواصل داوود 
قوله: «خرجت من اللقاء معه وأنا أحس أنه سيعصف بهذه المؤسسات بالتأكيد» (ص 160)! 

لم تتوقف التحذيرات وتعدد مصادرها عند هذا الحدء فقد وصل إلى علم «المجموعة 
الناصرية»» من مصادر ثقة» ومن شخصيات معروفة» تحذيرات قاطعة؛ وكان المصدر هذه المرة 
هو مجدي حسنين أحد الضباط الأحرار, فأبلغهم بالإجراءات والقرارات التي ينوي السادات 
اتخاذهاء وقد سمعها منه مباشرة. لم يقصد السادات عن عمد تسريب مثل هذه المعلومات إلى 
«المجموعة الناصرية» من طريق مجدي حسنين؛ إنما كان يغرض ضم حسنين إلى معسكرهء 
فلم يكن من مصلحة السادات إنذار «المجموعة الناصرية». وهكذا توافر لدى «المجموعة» من 
المعلومات الكثير.. الكثير. 

إضافة إلى ذلك فقد تجمع لدى شعراوي جمعة هو الآخر معلومات بصورة مباشرة من 
السادات نفسه. فقد أخطره بعزمه على إقالة علي صبريء فكان رد جمعة على السادات: 
الوقت غير مناسب؛ فنحن ننتظر زيارة روجرزء وسوف تفسر إقالة علي صبري الآن أنها بمثابة 
هدية تقدم لروجرز قبل حضوره؟. 

إضافة إلى ما سبق» فقد طلب السادات من جمعة «حل الاتحاد الاشتراكي, لكنه رفض؛ أن 
الاتحاد الاشتراكي هو أعلى سلطة في البلاد, ولا يملك أحد حله.. ولم يرتح السادات لهذا 
الرأي؛ فقد كان مصمماً على أن يحل الاتحاد الاشتراكي ليأني يعناصر جديدة. وقد تأكد له 
ضرورة إجراء هذا التغبير بعد اجتماع اللجنة المركزية» الذي ناقش فيه قضية الاتحاد بين مصر 
وسورية وليبياء (ص 159). 

حتى عندما يدأ السادات في تنفيذ خططه للتخلص من «المجموعة الناصرية»؛ والتي يدأت 












بإقالة علي صبري. ثم تبعها بإقالة شعراوي جمعة وعلى الرغم من كل هذاء كان في مقدور 
القيادات الناصرية السلطة تدارك الأخطاء. والتخلص من السادات. فما يزالون 





يسيطرون على أهم مؤسسات السلطة: بما فيها الجيش والإعلام والاتحاد الاشتراكي والبرلمان. 
لكن بدلاً من التحرك ضد السادات بدافع ضمانات أمنهم كأفراد. وبدافع حرصهم على إنجاز 
المعركة العسكرية كأسلوب وحيد من أجل تحرير الأرضء إذا هم يتقبلون تبريرات وتفسيرات 
السادات» في شأن القرارات التي أتخذها ضد علي صبريء بأكثر من كونه أصبح شخصاً من 
العسير التعاون معه. بعد الهجوم الذي شنه عليه صبري في اللجنة المركزية. 

من ناحية أخرى من اللافت أن التجربة قد أثبتت أن توقع أغلبية من حاول جمعة إقناعهم 
بانتخاب السادات رئيساً للجمهورية؛ بأن السادات لا أمان له. وأن جمعة نفسه. الذي يداقع عنهه 
سيكون أول من يطيح بهم؛ كان توقعاً صحيحاً إلى حد بعيد. ولأن السلطان» أي سلطان» يكره 


158 


من رأوه صغيراء أو من كان لهم فضل عليه في صعوده؛ فقد عمد السادات بالفعل إلى الإطاحة. 
بكل «المجموعة الناصرية» التي أيدت انتخايه ا للجمهورية رغم كل الأصوات المعارضة» 
بل ومحاكمتها بتهمة الانقلاب على السلطة الشرعية؛ والتآمر على الرئيس وعلى الدولة. 

وبعد ذلك أخذ السادات مبكراً ف في التخلص من حلفاته. ومن كل الذين وقفوا إلى جانبه. 
وساندوه في مواجهة تلك «المجموعة الناصرية». في 1971/5/13, حتى تمكن من عزلهاء. 
واحداً بعد الآخرء ومن ثم توطيد دعائم حكمه. لم تكد تمر سنة على تلك الأحداث حتى أزاح 
السادات الفريق أول محمد صادق من وزارة الحربية وقيادة القوات المسلحة؛ وهو أهم شريك 
له في انتصاره في أيار/مايو عام 1971 . كما وُجد اللواء الليشي ناصف» القائد السابق للحرس 
الجمهوري. والذي اعتقل «المجموعة الناصرية»؛ منتحراً تحت شقته في لندن. حيث قيل إنه 












ألقى بنفسه من النافذة في ظروف غامضة؛ كما سجن حليف السادات القوي محمد عيد السلام 
الزيّات» وكان أن يصل الدور إلى هيكل» فعزله من الأهرام حصنه الحصين ثم سجنه. 


لقد اتبع السادات خطة ذكية» وهي التخلص من الذين ساعدوه في ترسيخ دعائم حكمه. 
حتى لا يمنّوا عليه في أي يوم من الايام» ويتصوّروا أنهم شركاؤه؛ وحتى لا يمارسوا صلاحياتهم 
القوية التي استمدوها من أدوارهم في أحداث أيار/مايو عام 1971, لأن السادات لم يكن ني 
حاجة إلى شركاء في السلطة؛ وكان يسير منذ البداية نحو الانفراد بكل شيء. 

فقد تخلص أولاً من الفريق أول محمد صادق وزير الحربية؛ بداعي عدم تنفيذ أوامر رئيس 
الجمهورية في شأن الاستعداد لخوض المعركة. إلى حد عدم إبلاغ تلك الأوامر إلى عدد من 
أعضاء المججلس الأعلى للقوات المسلحة؛ ما يمس شرف الرجل الوطني والعسكريء ثم حاكمه 
وقضت المحكمة بسجنه عاماً «مع إيقاف التنفيذ». بحيث يبقى السيف معلقاً برقيته طوال 
الوقتء إذا ما عن له أن يتكلمء وبخاصة أنه كا: ف مع السادات في فكرة «الحرب 
المحدودة»؛ ويرى ضرورة أن توضع الخطة على أساس «حرب تحرير شاملة» حتى الحدود 
الدولية لمصرء وفق ما سبق أن صدّق عليه جمال عبد الناصر قبل رحيله مبا: 

ثم تخلص من اللواء الليثغي ناصف قائد الحرس الجمهوريء فعزله أولاً من ثم جرى 
اغتياله في لندن. بزعم أن توازنه قد اختل فسقط من «البلكونة» إلى الشارع: ووجد جثة هامة. 
ويقول مراد غالب» وزير الخارجية الأسبق ووزير الإعلام أثناء العرب دي لكا 
كان يردد دائماً أن رجال السادات وراءه يريدون قتله"". وقد أبلغني شخصياً السقير مصطفى 
الفقيء نائب سفير مصر في لندن وقتهاء أن يبان الحكومة المصرية عن «الحادث؟ لم يراع أنها 
تتعامل مع شرطة «سكوتلند يارد» البريطائية العريقة؛ لآن المبنى لا توجد به بلكونات أصلاًء 

















(51) غالب. مذكراث مراد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنواث الانتصار وأيام المحن. ص 197. 


ور 


إنما كانت هناك كثبة من خلفها نافذة» لا يمكن فتحها بدون تحريك الكنبة» وأنه جرى تحريك 
الكنبة من موقعها داخل الشقة ليمكن فتح النافذة خلفهاء ثم «ألقي» به من النافذة. 

كما يقول صلاح الشاهد في شهادته؛ التي وردت في كتابه بعنوان ذكرياتي في عهدين «بعد 
عدة سنوات» وفي يوم واحدء قدمت والفريق الليثي ناصف استقالتينا من ديوان رئاسة الجمهورية. 
والحرس الجمهوريء فقد أراد رئيس الديوان حافظ إسماعيل تنظيم الديوان بحيث يجعل كبير 
الأمناء وقائد الحرس الجمهوري لا يتصلان بالرئيس إلا من طريقه هو. ويقول الشاهد: «لا أنا 
قبلت هذا الوضع ولا الليثي ناصف» قبل هذا الوضع؛ وقبل السادات استقالتنا لسبب واحدة 
فقد كان يرسل حافظ إسماعيل إلى الولايات المتحدة لإجراء مباحثات سرية؛ ولم يكن يرغب 
أن يعرف أحد ما يدور»”". 

وأضاف إن الفريق سعد الدين متولي كبير الياوران أكد له» قبل أن يلقي السادات اليمين 
الدستورية» إن السادات لن يُبقي على أي فرد من الذين عملوا بجائب جمال عبد الناصر في 












منصبه. وأنه قد طلب من الرئيس السادات تعبينه سفيراً لمصر في أية سفارة؛ لأنه لا يملك ما 
يعيئه على العيش. 

ويقول الشاهد أيضاً إن الفريق الليثي قبل وفاته كان في حال عصبية شديدة؛ لانه 
أبداء بعد الجهد الكبير الذي يذله في إ: ذه مصير السادات كرئيس لمصرء ومساندته له في 


أحلك الظروفء وفي أصعب المواقف. وكانت الدولة كلها تقف ضده في تلك اللحظات» 
وانتصر السادات على الجميع بفضل هذا الدور. عز على الليثي ناصف بعد كل هذا الجهد أن 
يقبل السادات استقالته فوراً. 

ويستطرد صلاح الشاهد في شهادته قا إن من قراءتي للتاريخ أن الذي يقوم بثورة» لا بد 
يبعد كل من كانوا معه وآزروه في تلك الثورة» وهذا ما أطلقت عليه الثورة 
الشورة تأكل أبناءها». وكان لا بد أن يعمد السادات إلى إبعاد الليثي ناصف بعد 
انجاحه في اعتقال القيادات الناصرية في 15 أيار/مايو عام 1971 واستمراره رئيساً لمصر». 

وأعقب السادات ذلك بعزل محمد حسنين هيكل من مؤسة الأهرام» مصدر قوته ونفوذه» 
اثم أخذ في التشهير به. إلى حد الزعم بأنه لاايصوم شهر رمضان المبارك؛ ويجاهر بالإفطار ني 
داخل المؤسسة: وصولا إلى انهامه بالخيانة العظمى عام 21976 ثم محاكمته أمام المدعي العام 
الاشتراكي» وسحب راز سفره لمنعه من مغادرة مصر عام 1978ء كما اتهامه بأنه «عميل» 
للخميني. لمجرد أنه كان قد أجرى حواراً معه بعد الثورة الإيرائية عام 21979 وأخيراً جرى اعتقاله 
ضمن اعتقالات أيلول/سبتمبر الشهيرة عام 1981. ورغم أن هيكل لم يعتد على «الرد» على أي 
























(52) صلاح الشاهد. ذكرياني في عهدين (القاهرة: دار المعارف. 1998). ص 34. 


160 


انتقادات توجه له. إلا أنه أعلن أنه مضطر إلى مخالفة هذه القاعدة للرد على مزاعم السادات 
التي وصلت إلى حد اتهامه بالخيانة العظمى. فكتب مقالاً شهيرًء بعنوان: «نقط على حروف»» 
تكفي الإشارة إلى ققرة واحدة منه. ترد على «تهمة الخيانة العظمى»؛ أشار فيها إلى أن «التوجيه 
الاستراتيجي للقتال» في حرب تشرين الاول/أكتوبر عام 21973 وهو أخطر وثائق الحرب قاطبة» 
الذي أصدره السادات إلى الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية في 1973/10/1 لا يحمل 
من «السادات إلا توقيعه», لان هيكل نفه هو من قام بصياغته! فهل مثل هذا الشخص يمكن 
أن يتهم بهذه الجريمة؟! 

ويقول مراد غالب في مذكراته: أن السادات قد صبر على هيكل حتى انتهت حرب عام 
1973 وقال كلمته المشهورة: «أنا لا أقبل ممن يعمل معي أن يعتقد في نفسه أنه الملقن على 
خشبة المسرح»! وانتهت هذه العلاقة كما يعرفها الجميع في ظروف مأسوية؛ حيث عمد 
السادات إلى ضم هيكل إلى زمرة من خيرة المثقفين والسياسين في مصره وأودعهم السجن 
جميعاء لا لشيء إلا لكونهم قد تجرؤوا وعارضوه» وتحقق بذلك ما كان يقوله السادات دائماً 
«أنه لامفر لكل من يحكم مصر إلا أن يكون فرعونأء"! 

أما محمد عبد السلام الزيات» الذي خدم مع السادات طوال السنوات التي تولى فيها رئاسة. 
مجلس الأمة. وكان له دور بارز في انقلاب أيار/مايوء فقد عزله السادات أولا من منصبه. ثم زج 
به في السجنء في قذ ابر مزعومة لمصلحة الاتحاد السوفياتي» ضمن اعتقالات أيلول/ 
اسبتمبر الشهيرة عام 1981 

ثم تحول إلى عزيز صدقي رئيس الوزراء؛ الذي تولى المنصب بعد محمود فوزيء والذي 
استغل السادات ما يتمتع به من صدقية واحترام» في صفوف الشعب المصري بصفة عامة؛ وفي 
محيط العمال بصفة خاصة؛ بوصفه «أبو الصناعة في مصر». حيث كان أول من كلفه جمال 
عبد الناصر بتولي وزارة الصناعة في مصرء فور إنشائها لأول مرة في مصر عام 1956 وقام 
بالدور الأساسي في إنشاء القطاع الصناعي العام, ليذيع بياناً مانداً للإجراءات التي اتخذها 
السادات في 1971/5/13. ثم قام بإعفائه من منصبه عام 1972. ويذكر محمد عبد السلام 
الزيات» الذي تولى وزارة الإعلام في تلك الليلة: ١إن‏ أول بيان أمرت بإذاعته من بيانات التأيد 
أبلغنى به عزيز صدقي». ويؤكد: *إن المجهود الذي قام به عزيز صدقي في هذه الليلة والذي 
حاول السادات أن يطمسه» لا بد وأن يذكرء فقد أجرى عدة اتصالات مع جميع رؤساء إدارات 
المؤسسات. وشركات القطاع العام ومع العديد من الزعماء النقابيين» وأمكنه أن يؤمن جبهة 
العمال». 















(ذ5) غالب. المصبر تفسه؛ ص 197. 


16 


3- اتصالات السادات الأمريكية 

بدأ السادات اتصالاته وعلاقاته مع الولايات المتحدة مبكراً جداً من حكمه. وكانت هناك 
اتصالات سرية معها في محاولة منه لاستعادة العلاقات بين الدولتين فكانت هناك 
اتصالات تجري بين اللواء أحمد إسماعيل علي رئيس جهاز المخابرات العامة في ذلك الوقت 
وبين مندوب الاستخبارات الأمريكية في بعثة رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة يوجين ترون 
منذ بداية عام 1971 وأيضاً بدأت الاتصالات بمناسية حضور مندوب الرئيس الأمريكي؛ الوزير 
ريتشارد دسون. جمال عبد الناصر لبداية ترتيب علاقات واتصالات بين السادات وبين 
الإدارة الأمريكية. 





تدشين الاتصالات السرية 

أصدر يفغيني بريماكوف ‏ المراسل الصحافي الشهير لدى القاهرة في عهد الاتحاد 
السوفياتي. ورئيس الاستخبارات ورئيس الوزراء الاسبق في عهد الاتحاد الروسي ‏ كتاباً يضم 
مذكراته. بعنوان: الكواليس السرية للشرق الأوسط (النصف الثاني من القرن العشرين وبداية 
القرن الحادي والعشرين). ومن اللافت أنه أشار فيه إلى متابعته «انحراف السادات»» بالمعنى 
الايديولوجي. عن خط جمال عبد الناصر الاشتراكي. وبالتالي فك التحالف مع الاتحاد 
السوفياتي. والتحول إلى الولايات المتحدة. 

ينطلق بريماكوف من «أن مصر ظلت هي الهدف الرئسي للسياسة الأمريكية في المنطقة 
العربية» وأخذت تبحث عن مدخل إلى السادات بعد فترة قصيرة من وفاة جمال عبد الناصرء 
آملين في أن يتمكنوا من وضعه تحت سيطرتهم. وقد سهل الانقلاب الذي قام به السادات في 
أيار/مايو عام 1971 تنفيذ المخطط الأمريكي». ويضيف «أن الولايات المتحدة عملت في 
البداية» سر من طريق السعودية» خوفاً من أن يكون الاتصال المباشر غير مثمر في ذلك 
الوقتء وبخاصة أن السادات كان طوال الوقت يخلق وهماً باستمرار نهج سلفه»؛ ويشير 
بريماكوف إلى دور كمال أدهم في هذا المجال. مع ذلك استطاعت وزارة الخارجية ومجلس 
الأمن القومي في الولايات المتحدة التأكد من وجود نغمات في تصريحات السادات تشير إلى 
استعداده مباشرة «اللعب؟ مع الولايات المتحدة. وكانت مبادرة السادات في شأن فتح قن 
السويس؛ و«وقف العداء»؛ مع قدر من انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الشرق من القناة. 
«إشارة» حقيقية للامريكيين". 

















(54) بفجيني بربساكرف. الكوفيس السربة للشرق الأرسط (النصف الثاني من القرن المشرين وبدابة القرن الحادي 
والمشرين). ترجمة نبيل رشوان (القاهرة: المركز القومي المترجسة. 2016). صن 160 161. 


162 


كل هذه التطورات مجتمعة, إضافة إلى تحليل «شخصية السادات»: وتحليل خطاباته 
الأولى» إلى جانب معلومات من مصادر سعودية. حدد قرار الولايات المتحدة في إطلاق بالون 
اختبارء فجرى تكليف وزير الخارجية روجرز بالتوجه إلى مصرء ومقابلة السادات. لكن لم يكن 
الدى نيكسون ولا كيسنجر ولاروجرز أساس لتوقع أن تصيح أول مقابلة رسمية مع السادات 
مثمرة إلى هذا الحد. قفي أثناء ثقائه مع روجرز انتقل السادات» فجأة» إلى موضوع آخرء وبدون 
مواربة سأل روجرز: لماذا لا تثيرون مسألة «الوجود السوفياتي في مصر»؟! روجرز الذي كان 
يعرف من خلال كمال أدهم توجهات السادات» وجد فرصة نادرة للحصول على تأكيد مباشر 
للمعلومات التي أبلغه بها أدهم من السادات نفسه دون يذل أي مجهود يذكر. أكد السادات 
أمام روجرز أنه بعد أول مرحلة لانسحاب القوات الإسرائ قناة السويس سيغادر الخبراء 
السوفيات مصر"*. 

ويشير بريماكوف إلى لقاء جمعه مع الصحافي الامريكي أنديرسون. مراسل مجلة نيوزويك 
في القاهرة يوم 1971/5/12 الذي أخبره بحديث دار قبل اللقاء بأيام بين السادات وبيرغس» 
رئيس بعثة رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة» الذي كان يتأهب للسفر إلى واشنطنء طلب فيه 
السادات من بيرغس أن يبلغ نيكسون أن كل اتفاقاته مع رو- ذه في إنهاء الوجود السوفياتي 
في مصرء تظل قائمة. وقال: «لا تعيروا بعض تصريحاتي اهتماماًء فهي ذات طابع اضطراري. 
والقرار الرئيسي أنا اتخذته بالفعل»". 
بريماكوف عملية التحول الجذري من ميدأ التسوية الشاملة» إلى مبدأ التسوية 
الجزنية. إلى مبدأ الصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل. ويرى أن نقطة البداية تمثئلت بتولى 
كيسنجر ملف المنطقة. حيث يشير إلى أن كيسنجر كتب في مذكراته» بعنوان: سنوات البيت 
الأبيضء أن نيكسون أقدم على خطوة بدأت يها سيطرته الميدانية على «الدبلوماسية الشرق 
أوسطية»”*. فماذا تلك الخطوة؟ 

.يرد بريماكوف: أن مائير التقت نيكسونء في كانون الأول/ديسمير عام 1971 وتوصلا إلى 
«تفاهم مشترك حول مشكلات استراتيجية وتاكتيكية: منها وقف البحث من طرق لتسوية شاملة 
البعض الوقت... وفي مقابل هذا من الضروري بذل الجهود الموجهة لعقد اتفاق مؤقت مع 
مصرءا 
























(55) المصدر تقد صن 2162 
(54) المصدر تقد ص 166. انظر أيضأة 6 بم باتو سطس ميد لع سومار 
7ك ممتصح امعان (79وا بمسمملا علانا تحاط .مجم مذ عانقلا 13 بجوتمدةك ل وأا 

139 بو ,1973 بوسمدله6و مطمم اما 
(54) بريساكرف. المصدر نقسه. ص 170 


ويتابع: يبدو أنه في ذلك الوقت لم تعد قناة الانصال السعودية تحقق طموح الولايات 
المتحدة والسادات معاًء لذلك جرى فتح قناة اتصال سري مباشرة؛ بين جهازّي الاستخبارات 
في البلدين تتخطى وزارتي الخارجية. وفي عام 1972 أبلغ السادات الولايات المتحدة موافقته 
على مبدأ التسوية الجزثية. ويضيف: وبعد فتح قناة الاتصال السرية سرعان ما انخذ السادات 
قراراً بإنهاء مهمة المستشارين العسكريين في مصر”"". 

وفي ما يتعلق بالروايات الدعانية التي كان يصدرها السادات في شأن رفض مبدأ التسوية 









الجزة اصة في أثناء زيارائه موسكو. وعند لقاءاته مع القادة السوفيات في القاهرة» كتب 
كيسشجر. في مذكراته» بعنوان: سنوات البيت الأب ض «كنا بالطيع ترى أفضل»"". 





ويرصد بريماكوف مسيرة «الاتصالات السرية»؛ فيقول أنه رغم أن السادات لم يكن يلتقي 
أحداً من السوفيات. إلا أنه قابله ومعه الصحافي الوفياتي بيليايف» عدة مرات» وعلى ما يبدو 
أن هذا جعله أكثر ميلاً إلى الصراحة معهماء ويخاصة أنه كان يحاول أن ييدوا أمامهما باعتبار أله 
«أبو الأمة» وهذه كلماته ‏ والشخص الذي يتحكم في التاريخ. وكان هناك شعور بأن مجد 
جمال عبد الناصر يصيبه بالتوترء وكان يريد أن يبين لهما أنه كان يقوده في الحرب «إلهام من 
أعلى»؛ وليس منطق العمل العسكري. ثم ينقل ما سجله في لقاء معه. حيث قال السادات: 
بة عبارة عن فطيرة ذات طبقا. الثالث تعرض لحصار من الإسرائيليين في 
والقوات المصرية بدورها قامت بحصار ديابات الجنرال شارون» الذي عبر إلى الضفة الغربية 
لقناة السويسء بما يعني أنه حتى المرحلة الأخيرة من الحرب كان الموقف متوازن. مارس 
جنرالاتي ضغوطا عليّء لقطع الممر الضيق الذي يصل دبابات شارون بالقوات الإسرائيلية 
الأساسية» وضرب رأس الجسر الذي استولى عليه. كان كل شيء لهذا الغرض موجوداًء وكان 
لدينا ضعف عدد الدبابات والمدفعية ا 












قدرة لمقاومة البنتاغون» واتفاقنا معكم سيتعرض للخطر»» فسالناه 
عن أي اتفاق تتحدث؟ لكن السادات غير الموضوع»"". 
ثم يشير بريماكوف إلى لقاء جمعه مع الملك حسين ورنيس وزراء الأردن زيد الرفاعي 
بعمان» حيث كان حسين غاضباً جداً من السادات» «نحن أظهرنا ومعنا الدول العربية 
الأخرى التضامن مع مصرء وشاركنا في حروب 1948 و1956. و1967» لكنه عندما بدأت حرب 
1973 لم يخطرنا السادات بها. والآن بنفسه وقع. دون التشاور مع أحد. على اتقاق (بجلاء 





(59) المصدر تقسه. صن 170. 
رمم 00د بم نذا بكوم تسوك 
(61) بريساكرف. المصدر نفسه. ص 177. 


إسرائيل عبن جزء من الأرض المحتلة في سيناء عام 1974 المؤلف). لقد أضاع السادات 
التفوق الذي حصل عليه الجانب العربي. وبدلاً من صفقة واحدة, اعتماداً على الظروف 
الجديدة التي ظهرت بعد تشرين الأول/أكتوبر 1973 أعطى كل شيء للأمريكبين منفردأ». وهنا 
تدخل زيد الرفاعي في الحديث» قائلاً: «أعتقد أن السادات اتفق بالفعل مع كيسنجر قبل عام 
ونصف من اندلاع حرب تشرين الأول/أكتوبر؛ فقد كنت عند السادات قبل الحرب» بهدف 
استنناف العلاقات الدبلوماسية بين بلديناء وفي نوبة صراحة قال لي السادات: إن كيسنجر يقترح 
عليه أن يقوم بعمل ماء لكى يسمح له بالدخول إلى مجال النشاط السياسي بغرض تسوية 
الصراع». السادات ربط كلمات كيسنجر هذه بنواياه عبور قناة السويسء والاستيلاء على رأس 
جسر بطول القناة على الضفة الشرقية» على الرغم من أن هذا سيكلفه 10 15 الف جندي 
وضابطء فسأله الرفاعي: أوليس هذا الشمن باهظاً؟ هناء وفق كلام الرفاعي. أجابه السادات: 
«حجم الخسائر يمكن تقليله بالوسائل السياسية0»؟ 





ب - زيارة وليم روجرز 

كان وليم روجرز وزير الخارجية الأمريكية أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يستقبله 
السادات رسمياً منذ وصوله إلى السلطة. ومع أهمية هذه الزيارة في حد ذاتها؛ إلا أنها شهدت 
أيضاً لتناء في غاية الخطورة بين السادات وجوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية. 
الذي كان ضمن الوفد الذي رافق الوزير. وتقتضي ليم روجرز إلى مصرء واللقاءات 
التي شهدتهاء إشارة موجزة إلى العلاقات المصرية ‏ الأمريكية منذ رحيل جمال عيد الناصر إلى 
انقلاب السادات في أيار/مايو عام /197ء بهدف إلقاء الضوء على العلاقة بين السادات وبين 
الولايات المتحدة. 

في 28 أيلول/سيتمير عام 1970 كانت العلاقات مقطوعة بين مصر وبين الولايات المتحدة» 
وكان يمثلها في مصر دونائد بيرغسء القائم بالأعمال ورنيس بعثة رعاية المصالح الأمري 
الذي كان يعمل تحت مظلة العلم الإسباني. وكانت مصر قد قبلت «ميادرة روجرز»» ووافقت 
على وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهرء تبدأ في 8 آب/أغسطس عام ١1970‏ تجددت لمدة ثلاثة 
أشهر بعد رحيل جمال عبد الناصر. 
أت العلاقات الجديدة بين السادات وبين الولايات المتحدة. فمئذ أن وطلت 
قدماه رئاسة الجمهورية شرع السادات في إجراء الاتصال مع الولايات المتحدة. كان قد وصل 
وفد أمريكي للمشاركة في تشبيع جنازة جمال عبد الناصرء برئاسة إليوت ريتشاردسون» ويضم 

















(62) المصدر تقسه. صن 2179178 


في عضويته أستيرن الذي كان مراققاً اللسادات أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة في الستينيات. 
وأثناء لقاءاته معهما أبدى السادات تلهفاً على التدخل الأمريكي لحل الأزمة. ولم يكت بذلك 
بل كتب «رسالة سرية» عاجلة إلى نيكسون. يؤكد فيها رغبته في «اللام؟. ويناشده فيها التدخل 














الأمريكي والتحرك بسرعة. وكان هذا هو أول اتصال بينهما. إلا أن البيت الأبيض تجاهل الرسالة 
الأسباب عديدة؛ لعل أهمها أن هثري كيسنجرء. الرنيس لشؤون الأمن القومي آنذاك كان 
متفقاً مع التقييم !| (سرائيلي بأن السادات ليس زعي ادأء ولن يبقى طويلاً في السلطة. 





بعد ذلك كما يشير شعراوي جمعة في مذكراته. حدث ما لم يكن يخطر على بال أكثر 
الكارهين للسادات. أو أشد المتشككين في وطنيته. كانت البداية» التي رصدتها «عملية الدكتور 
عصفور»؛ عندما توجه عبد المنعم أمين إلى منزل دونالد بيرغسء وقدم نفسه إليه ياعتباره كان 
يا في مجلس تيادة الثورة» وأنه قدم من أجل إيجاد صلة بين السادات والولايات المتحدة. 
ويضيف شعراوي جمعة: «و|| إن ما حدث من عبد المنعم أمين كان مفاجأة لنا بكل 
المقائيس؛ كيف يحدث مثل هذا الاتصال؟ وكيف يجرى مثل هذا الحديث بين ممثل لرنيس 












الجمهورية وقائم بأعمال دولة وعلى الأخص إذا كانت هذه الدولة هي الولايات 
المتحدة؟ ولماذا هذا الشخص بالذات؟ وهو ليس في السلطة؟ وهو ليس جزءاً 








القائم؟ ثم إنه ترك السياسة منذ فترة طويلة جد وابتعد منزوياً منذ عام 9691954 

وكما أبلغني شعراوي جمعة شخصياً بعد خروجه من السجنء وكما نشر في مذكراته» أنه 
توجه بهذه المعلومات إلى السادات» الذي نفى بشدة» وحينما فوجئ بأن لديه كل المعلومات» 
وسلمه شريطي تسجيل لوقانع الزيارتين اللتين قام بهما أمين إلى بيرغسء تراجع السادات وقال: 
*إن عبد المنعم أمين هو الذي تصرف من تلقاء نفسه في هذا الموضوع»"! 

ويبدو أن هذه التجربة قد دفعت السادات إلى الاعتماد على نفسه في الاتصال مع الولايات 
المتحدة, وبدأ في إيجاد صلة مباشرة بينه وبين بيرغسء من خلال بعض المصريين من ذوي 
العلاقات الجيدة مع بيرغسء وبدأ في مقابلته في حضورهم؛ لكنه ما لبث أن أخذ يقابله على 
انفراد. والغريب حقاً هو أن كل هذه الاتصالات كانت تجرى بعيداً من القنوات الشرعية 
والرسمية» وبخاصة من وراء ظهر وزارة الخارجية. بينما أصبحت عبارة عن اتصال مباشر بين 
رئيس الدولة وقائم بالأعمال لدولة أخرى. العلاقات معها مقطوعة؛ ويجري الاتصال به وإرسال 
معلومات أو طلبات دون علم أجهزة ومؤسسات الدولة؛ وبخاصة أنها لم تكن مسجلة حب 
الاصول. ولا أحد يعلم ماذا كان يدور في مقابلات السادات مع بيرغس! 








(63) حماد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراري جمعة: شهادة للتاريخ. ص 163 - 164. 
(64) المصدر تقس صن 164 


وني هذه الأثناء أذ السادات في توطيد صلته بالإعلام الأمريكيء الذي كنف بدوره اهتمامه 
به» وتوطدت بصفة خاصة صلة السادات بالصحاقي الأمريكي الشهير أرنو ب« راف. وأ (أصبح 
وكثير من الأفكار الخاصة بالعلاقات بين مصر والولايات المتحدة كان 
بورشيغراف أحد مصادر الوحي بها. وللعلم فإن بورشيغريف كان من الاصدقاء المقريين اجداً 
من هئري كيسنجر مستشار الأمن القومي آنذاك؛ وهو الذي سينشر في مجلة نيوزوويك» قبل 
استة أشهر من حرب عام 01973 ما يشيه سيناريو تلك الحرب. في ضوء اللقاءات السرية التي 
أجراها حافظ إسماعيل مع كيسنجر في ذلك العام. 

وفي كانون الأول/ديسمبر عام 1970 توفي الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاورء وشارك في 
تقديم العزاء وفد برناسة محمود فوزي رئيس الوزراء. وأرسل الرئيس نيكسون» صهر أيزتهاور. 
خطاب شكر على هذه المشاركة المصرية في التعزية. واستغل السادات الفرصة التي سنحت 
له وكتب رسالة رسمية إلى نيكسون يرد له فيها الشكرء ويطلب منه مرة أخرى التدخل لحل 
المشكلة. 

إضافة إلى ما سبق كانت هناك اتصالات بين أشخاص أو أجهزة كانوا ضد نظام جمال 
عبد الناصر. من بعض البلدان العربية التي على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة ومع السادات» 
ويشير شعراوي جمعة في مذكراته وبخاصة إلى كمال أدهم صهر فيصل ملك السعودية؛ ومدير 
مخابراتهاء وهي اللقاءات التي كانت تفصيلاتها تصل إلى الأجهزة المصرية؛ من خلال «عملية 
الدكتور عصفور». وكانوا يخطرونه باستمرار أن الولايات المتحدة على استعداد للتدخل في حل 
المشكلة العربية مع إسرائيل» على أساس شرطين: 

أولهماء تغيير نظام جمال عبد الناصرء جملة وتفصيلاً. 

وثانيهماء إخراج الاتحاد السوفياتي من مصرء بالمعنى الشامل للكلمة. 

أما زيارة وليم روجرز إلى مصر فقد كانت أول لقاء علني ورسمي بين السادات ومسؤول 
أمريكي رفيع المستوى؛ وقد شهدت هذه الزيارة مجموعتين من اللقاءات: أولاهماء الاجتماعات 
الرسمية بين الوفد المصري والوفد الأمريكي؛ وثاتيتهماء اللقاءات بين السادات وسيسكو. 

في ضوء الاتصالات والتطورات التي كانت جارية بين السادات وشخصيات أمريكية؛ رسمية 
وغير رسمية» علنية وسرية» أعلن وليم روجرز أن الأجواء السائدة في مصر تسمح بأن تتدخل 
الولايات المتحدة لحل المشكلة؛ وأعرب عن رغبته في زيارة مصر. 

ويشير شعراوي جمعة إلى أنه تحضيراً لهذه الزيارة أعدت وزارة الخارجية مذكرة ممتازة؛ 
تحلل فيها العلاقات المصرية ‏ الأمريكية؛ منذ عام 1967 حتى وقت كتابة المذكرة والدور 
الامريكي في عرقلة الحلء والمساندة الامريكية المستمرة لإسرائيل» لضمان تفوقها على العرب 














167 


جميعاًء وفي الوقت نفسه تعمل على منع العرب من محاولة تحرير أراضيهم المحتلة. فضلاً 
عن شكل العلاقات التي كانت في عهد جمال عبد الناصرء وما بعده. ورصدت المذكرة كل 
المحاولات الأمريكية المستمرة من أجل عرقلة جهود الأمم المتحدة. ومواققها ضد القرارات 
التي تدين إسرائيل» أو تتحدث عن الحقوق العربية, بما فيها مهمة المبعوث الدولي غونار يارت 
نفسها. وكان الهدف من هذه المذكرة أن يهتدي بها السادات في مباحثاته*". 

جاء روجرز إلى مصر في 5 أيار/مايو عام 1971 وعقد ثلاثة اجتماعات: الأول مع محمود 
رياض وزير الخارجية؛ والثاني. مع محمود فوزي رئيس الوزراء؛ والثالث؛ مع السادات. 





وفي الاجتماعين مع رياض وفوزي كان الكلام المعتاد عن الانسحاب وخطواته وبرنامجه» 
ودور مجلس الأمن. بيشما ركز روجرز على نقطتين: 

الأولى أن الوجود العسكري السوفياتي في مصر يعقّد المشكلة, وأن الولايات المتحدة 
لايمكنها أبداً أن تتجاهل هذا الوجود. الذي يثار دائماً في الكونغرسء وأن ذلك من شأنه ألا 
يمكنها من مساعدة مصر على حل المشكلة. 
ية» أن الولايات المتحدة تطلب عدم ربط وقف إطلاق الثار بأية. 
أن توافق مصر على وقف إطلاق النار إلى الابد. والولايات المتحدة من ناحيتها سوف تضغط 
على إسرائيل من أجل التوصل إلى حل 

وهذا يعني بمنتهى البساطة أن الولايات المتحدة تطلب من مصر طرد الاتحاد السوفياتي» 
والتوقف عن القتال. والاعتماد على الولايات المتحدة. ويبساطة أكثر لا يعني هذا يأية حال من 
الأحوال الحصول على «السلام» إنما يعني الاستسلام. 

وعقد الاجتماع مع السادات» في 6 أبار/مايو عام 1971 حيث تركزت المباحثات بينهما 
على مناقشة «مبادرة السادات». التي كانت لا تزال مطروحة على الطاولة من الناحية النظرية. 
وفي البداية لعب روجرز على وثر محبب عند السادات. وهذا الأسلوب يكشف أنهم يدركون 
أبعاد شخصية السادات إدراكاً تام ويدركون شغفه وحبه للدعاية لشخصه. وكان هدفهم واضحاً 
وهو جذبه إليهم أكثر. قال روجرز: «سيدي الرئيس. إن الولايات المتحدة. بكل كتابهاء وكلٍ 
أدبائهاء وكل سياسبيهاء يبدون إعجابهم الكامل بسياستك»! سر السادات كثيرًء وبدا مستعداً 
أكثر للمضي قدماً في الحركة باتجاه السياسة الأمريكية. 

وبعد ذلك جرى بحث مهمة يارنغ» والقرار الرقم (242). والخطوات اللازمة للانسحاب. 
لكن روجرز ركز من جديد على أن الوجود السوفياتي في مصر عقبة في سبيل حل أية مشكلة. 

















(65) المصدر نقسه. صن 164 165. 


168 


وأضاف إننا لا يمكننا إيقاف إمداد إسرائيل بالسلاح في الوقت الذي يزودكم فيه الاتحاد 
السوفياتي بالسلاح. كما طلب من السادات أن يجعل وقف إطلاق النار غير محدد المدة. 

ويشير السادات إلى أن روجرز كان «سعيداً جداً بمبادرة السلام التي قمت بهاء وقال لي: 
أتعرف أنك أوجدت لنا حلاً للمشكلة؟ سألته: كيف؟» فأخبره روجرز أن غولدا مائير طلبت 
السفير الأمريكي في إسرائيل» وقالت له: «اكتب لروجرز ولنيكسون. وقل لهما إنني أنا غولدا 
مائير رئيسة وزراء إسرائيل أتحدى أي زعيم عربي أن يقول: إنه على استعداد لإبرام اتفاق سلام. 
مع إسرائيل» فإذا حدث هذا قل لهما فسوف أكون على استعداد لكي أضع كل أوراقي على 
الطاولة». ثم استطرد روجرز قائلاً: «لقد وصاتنا هذه الرسالة منذ فترة طويلة, فإذا ينا نفاجأ بك 
في 4 شباط/فبراير عام 1971 - ودون أن تعرف ما قالت غولدا مائير ‏ تعلن أنك على استعداد 
لإبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل؛ أعجينا بذلك كل الإعجاب, ولذلك طلبت زيارتك». فسأله 
السادات: «ماذا تريد مني أن أفعل؟». فرد روجرز مصر قدمت كل ما يمكن تقديمه. 
وأنها ذهبت إلى أبعد مدى في سبيل إقرار «السلام»» «لقد قلت كل شيء في مبادرتك» ونحن 
معك», وأن الولايات المتحدة لا تريد من السادات أكثر مما قدم, وأنه في طريقه إلى إسرانيل» 
وسوف يضغط عليهاء وأنه سبيلغ غولدا ماثير: «إن السادات قد قبل التحدي» حتى دون أن يعلم 
به ولذلك أرجو أن تكوني عند وعدك, وتضعي كل أوراقك على الطاولة. حتى يتسنى لأمريكا 
أن تدخل. وتحل المشكلة»". 
















في ضوء هذه المباحثات سافر روجرز إلى إسرائيل» وكان الاتفاق أن مساعده سيسكوء الذي 
غادر معه إلى إسرائيل» ليبحث إمكانية التوصل إلى حل وسط؛ واستطلاع رأي قيادتها في مسألة 
الانسحاب الجزئي من سيناء» والسماح بحرية الملاحة في القناة. سيعود إلى القاهرة, إذا 
انجحت جهوده هناك؛ أما إذا بدت بوادر تدل على احتمالات نجاح أكبرء فإن روجرز نفسه 
سيعود إلى القاهرة. وعاد سيسكو إلى القاهرة» وقابل السادات؛ ومن ملابسات المقابلة ظهر 
فشل محادثاته في إسرانيل؛ وبالتالي وقفت الازمة مرة أخرى أمام الطريق المسدود. فقد كانت 
وجهة نظر إسرائيل» التي زادت الأمر مرارة وتعقيداًء على النحو الآتي: 

١‏ الاتفاق حول إعادة فتح قناة السويس من دون ارتباط بالانسحاب النهاتي. 
وقف دائم لإطلاق النار. 
3- رفض قاطع لعبور القوات المصرية إلى شرق القناة. 
4- الاحتفاظ بمدنيين إسرائيليين في تحصينات خط بارليف بعد الانسحاب. 











(66) المصدر تقسه. صن 369 370. 


169 


5 مرور السفن الإسرائيلية عبر القناة بمجرد فتحها للملاحة. 

6 عمل ترتيبات مصرية ‏ إسرائيلية مشتركة واستبعاد دور الأمم المتحدة. 

رفضت مصر الموقف الإسرائيلي؛ فقد نسفت إسرائيل اتفاق الحل د سيا 
غير مجبرة على قبوله. هكذا فشلت رحلة روجرز في إرساء قاعدة عمل مشترك لتحقيق تسويا 
سياسية, إلا أنها أرست خط اتصال افتقده ابلدان ‏ مصر والولايات 0 
طويلة. 

القد أصيب السادات يخيبة أمل؛ فلم يتحقق أي «حسم إن سلماً أو حرباً عام 01971 رغم ما 
أقدم عليه من تنازلات مسبوقه. وبخاصة قبوله الحل المرحلي بدلاً من الانسحاب الشامل. 
وفي ضوء ذلك كان تقييم السادات أن السياسة الأمريكية تهدف من زيارة روجرز إلى الضغط 
على مصرء وليس الضغط على إسرائيل؛ وهي تمضي قدماً في تيع القضية. ويشير إلى أنه 
استدعى القائم بالأعمال بالسفارة الأمريكية أكثر من مرة؛ يطلب منه «أن يكت يكحب إلى روجرن 
ليخبره بما حدث مع إسرائيل» لكن دون جدوى. تماماً كما كان يفعل السوفيات معي. إسرائيل 
مستمرة في غرورهاء وأمريكا متحفظة, لا تتكلم. ولا تتخذ أي موقف»*. 








اج لقاء السادات مع سيسكو 

حين عاد سيسكو إلى القاهرة تقابل مع السادات مرتين؛ ضمت الأولى إليهما محمود فوزي. 
ومحمود رياض» ودونالد بيرغس. وعرض فيها رد إسرائيل السابق الإشارة إليه. ثم كانت المقابلة 
الثانية التي جمعت بينهما على انفراد. في 9 أيار/مايوء وهي الأكثر خطورة على الإطلاق في 
سجل تنازلات السادات المفتوحة للولايات المتحدة. وقد وصلت تفصيلاتها إلى من يعنيهم 
الأمرء التي رصدتها «عملية الدكتور عصفور» عندما عاد سيسكو إلى منزل بيرغس وقص عليه 
تفصيلات اللقاء. ومن ثم يؤكد شعراوي جمعة: «إن هذا الاجتماع يفضح اتجاهات السادات 
الحقيقية. ولو طال بنا الوقت في الحكم لكان من الواجب أن يحاسب على الكلام الذي قاله 
لسيكو. ذلك بأنه أساء إلى البلد. وانحرف عن سياستها الثابته» وأساء إلى موقع رئيس 
ذلك أنه أخذ «يشرح لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية متاعبه الداخلية؟ 











أمام سيسكو أنه سوف يتخلص من وزير الحربية الفريق أول محمد فوزيء ووزير الخارجية 
أن الإثنين ضاغطين علي كي أحارب. وأنا لا أريد أن أحارب». هي إذاً رسالة 








(67) المصدر تقس صن 378 


مطلوب إبلاغها إلى من يهمه الأمرء وإسرائيل هي أول من يهمه مثل هذا الأمر. رسالة واضحة 
أن السادات لا يريد الحرب. 

النقطة الثانية» أن السادات وعد بحل اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكيء والتخلص منهاء 
عا أبلغ سيسكو أنه سوف يجري بعض الاعتقالات» وأنه مقدم على تصفية المعارضين له. 

أما النقطة الثالثة» الاهم والأخطر في ما قاله السادات لسيسكوء فقد كانت تدور حول 
إسراتيلء حيث أسرّ السادات لسيسكو أنه يفضل أن يأني موشيه دايان رنيساً لوزراء إسرائيل» لانه 
في نظره أحسن من غولدا مائير» ولآن دايان ممكن التفاهم معه. بعكس مائيرء وقال له بالحرف: 
إنني أصلي من أجل أن يأتي دايان رئيساً للوزراء: ممم عط 6 مهبره +5 م0 ما ردم 1» 

«معلكتماص 

والغريب أن سيكو فهم الرسالة ودلالاتهاء لكنه آثر أن يتأكد مما سمعه بأذنيه من رئيس 
الجمهورية؛ فسأل السادات في محاولة للتأكد مما سمعه بأذنيه: هل هذه رسالة تريد إبلاغها إلى 
دايان» فرد السادات: «نعم!» وجرى إبلاغ الرسالة على الفور"». 

يضيف جمعة: انتهى اللقاء» وخرج سيسكو وفي جعبته صيد ثمينء وذ 
بيرغسء وراحا يراجعان ما دار في الحديث مع السادات. وهما غير مصدقينء وناقشا معاً كيفية 
توصيل الرسالة إلى دايان» واستبعدا أن تكون قناة التوصيل عبر السفير الإسرائيلي في واشنطنء» 
وكان وقتها إسحق رابين» وكانت العلاقات بينه وبين دايان سيئة. واتفقا على أن يتم استدعاء 
الملحق العسكرى الامريكي في إسرائيل إلى الولايات المتحدة» ويتم تلقينه مضمون الرسالة 
ونصهاء ليقوم بدوره بإبلاغها إلى دايان. 

هذا الحوار بين سيسكو وبيرغس شمل أيضاً هجوماً عنيفاً على محمود رياض وزير 
الخارجية. لأن خطه يخالف خط السادات. ومن ناحيته هاجم سيسكو كلاً من أشرف غريال 
القائم بالأعمال المصري لدى واشنطن؛ ومحمد رياض مدير مكتب وزير الخارجية؛ الذي 
رفض لاحقاً مصاحبة السادات في زيارته إلى إسرائيل؛ بعد استقالة إسماعيل فهمي. وتقدم أيضاً 
باستقالته من منصبه كوزير دولة للشؤؤن الخارجية؛ احتجاجاً على تلك الزيارة. وقال سيسكو 
عنهما: «لست أنصور أن يقف هؤلاء مع وزير الخارجية ضد رئيس الجمهورية»"". ويكرر 
شعراوي جمعة في مذكراته تأكيده أن «هذا الحديث الذي دار بين السادات وسيسكو يمثل دليل 
الخيانة الحقيقي؛ رئيس الجمهورية يعطي بنفه الفرصة للآخرين للتدخل في شؤوننا الداخلية. 




















(68) المصدر تقس صن 167 
(69) المصدر تقسة. صن( 








1 


ويجرى فيه مهاجمة مسؤولين مصريين يقفون على أرضية وطنية صلبة؛ ضد خط السادات» لأن 
«خط السادات» هو خط الولايات المتحدة. وهو خط إسرائيل». 

وفي مذكراته التي صدرت عام 1986 بعنوان: الولايات المتحدة والعرب؛ قال محمود 
ارياض: «وقد اطلعت مؤخراً على التحقيقات التي تمت مع شعراوي جمعة بواسطة النيابة العامة 
في حزيران/يونيو عام 1971. وقد ورد فيها أن شعراوي جمعة أثناء اجتماعه مع أعضاء التنظيم 
الطليعي للاتحاد الاشتراكي ذكر ما يأني: إنني نقلت إلى الموجودين بعض ما علمته مما دار بين 
بيرغس وسيسكوء وما دار فيه من حديث يتصل يأمور كثيرة: منها ما يمس سلامة البلادء وأرجو 
إعفاني من ذكرها». كما يضيف رياض: «إن شعراوي جمعة قرر أن يطلعه. بعد خمسة عشرة سنة 
كاملة. على الحديث الذي دار بين سيسكو وبين بيرغس عصر يوم 9 أيار/مايو عام 1971 وهو 
الحديث الذي رفض الإقصاح عنه أثناء تحفيقات النيابه العامة معه. في قضية أيار/مايوء”7. لآن 
أية إشارة إليه كانت ستقود مباشرة إلى توجيه تهمة «الخيانة العظمى؛ إلى السادات بدلائل 
دامغة» ما يغير من موقف جمعة في القضية تماماً. وهو نفس الموقف العظيم الذي التزمه الفريق 
أول محمد فوزي في التحقيقات ذاتهاء أمام النيابة العسكرية» عندما رفض تماماً الإشارة إلى أن 
السبب الحقيقي لتقدمه باستقالته يرجع إلى رفض السادات التوقيع على «أمر القتال» لمباشرة 
معركة التحريرء على أساس أن مثل هذه الإشارة» رغم أنها قد تخلي ساحته من تهمة الشروع في 
انقلاب؛ إلا أنها ستمثل إساءة بالغة إلى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة التي 
تستعد لخوض المعركة» حيث ستكشف أنه لن يقرر الدخول في معركة عسكرية لتحرير 
الأراضي المحتلة. 














رابعاً: الانقلاب 

ظل موضوع كسر وقف إطلاق النار محافظاً على أولويته وحساسيته. فما كاد شهر آذار/ 
مارس عام 1971 يقترب من نهايته حتى بدأ الإلحاح مرة أخرى في موضوع كسر وقف إطلاق 
النارء وانعقد اجتماع مجلس الأمن القومي .يوم 26 آذار/مارسء ودارت فيه مناقشات واسعة؟ 
حول ما يفرضه الالتزام الوطني» وحول ما تقتضيه الكرامة المصرية والعربية؛ وحول سلامة 
النظام نفسه إذا بدا تقاعسه عن مطلب تحرير الأرضء مضافاً إلى ذلك خطر أن تبرد حرارة 
أثير استمرار الهدوء على جبهة القتال. ومما من مسار الاجتماع فإن السادات وجد 
نفسه ضمن «أقلية» يمكن أن تدم بوصف «الانهزامية»: وقرر أن يجاري كعادته. والنتيجة أن 





(70) الممصدر تقسه, صن 170. 
(71) محسرد رياض. مذكرات محمود رياض: أمريكا والعرب (الفاهرة: دار المسغيل العربي؛ 1986). صن 118 119 


172 


الاجتماع انتهى إلى قرار بكسر وقف إطلاق النار في الأسبوع الأخير من شهر نيسان/أبريل» 
والبدء في عمليات عسكرية على طول الجبهة؛ وتحدد يوم 26 نيسان/أبريل ليكون بمثابة الضوء 
الاخضر الذي يمكن أن تبدأ بعده المعركة في أية لحظة؛ حيث تكون القوات المسلحة قد 
استكملت كل استعداداتها وتجهيزاتها على امتداد الجمهورية. 

إن حال الحصار التي لفت السادات وقتها كانت أكثر استحكاماً من مجرد مواجهة قرار 
بالحرب؛ فقد بدا أن الصراع على السلطة يكاد يتحول إلى فتنة» تلوح أشباحها في اجتماعات 
التنظيم السياسي؛ وفي مجلس الامة؛ بل وفي مجلس الوزراء... هكذا أخذ السادات في 
التحرك لكن استعادة لحظة «البدايات»؛ فور رحيل جمال عبد الناصرء لها أهميتها. وقي هذا 
السياق تكون الإحالة إلى محمد حسنين هيكل أكثر من ضرورية. 


1 - الصراع على السلطة 

كان دور هيكل جوهرياً وأساسياً في ما جرى من أحداث الانقلاب في أيار/مايو عام 1971م 
ومتميزاً عن بقية الآخرين الذين ساهموا بقدر ما في تثبيت السادات منصيه. تكفي الإشارة 
إلى ما سجله هيكل نفسه. في كتابه بعنوان: خريف الغضب. رفي السنوات الأربع 
الأول من رناسة السادات كنت كما اعترف هو في حديث صحفي أدلى به إلى مجلة الأسبوع 
العربي اللينانية ‏ أقرب إليه من أي شخص آخر. وكان الرئيس السادات في ما أظن صادقاً فيما 
قاله. وأعتقد أنني لعبت دوراً مؤثراً - سواء كوزير للإرشاد أو كعضو في مجلس الأمن القومي 
وقتهاء أو كرنيس لتحرير الأهرام ‏ في المداولات والمشاورات السياسية التي أدت إلى اختيار 
السادات رنيساً للجمهورية بعد رحيل جمال عبد الناصر»”". 

في هذا الإطار يقول مراد غالب. وزير الخارجية الأسبق؛ في مذكراته بعنوان: مذكرات مراد 
غالب: مع عيد الناصر والسادات ‏ سنوات الانتصار وأيام المحن, «لقد لعب هيكل دوراً مهما 
في اختيار السادات للرناسة وتدعيم سلطته؛ والقيام بالحملة الدعانية اللازمة للرئيس الجديد. 
وكان له الدور الأكبرء بل الوحيد. في اختيار رئيس وزرائه» وهو محمود فوزي؛ وأصبح هيكل 
المستشار الأول والاوسع بجانب السادات. كما ساعد هيكل مساعدة أساسية على 
التخطيط للتخلص من رجال جمال عبد الناصرء ولم يكن على وفاق معهم. ولا كان يكن لهم 
الكثير من الود. فقد كان دوره محورياء بل كان هو العقل المدبر وراء تطور الاحداث. فضلاً عن 
ذلك كان يطلع السادات ‏ وكانا جارين في السكن ‏ على كل المعلومات التي تتواقر لديه عن 
نشاطهم وتوجهاتهم. وحذره قبل ١3‏ أيار/مايو من أنه يواجه خطراً داهمأء”. 


















(72) هبكل. خريف الغضب: قصة بدابة ونهاية عصر أنور الساداث. ص 17. 
(73) غالب. مذكواث مراد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنواث الانتصار وأيام المحن.. اص 197 201 


ليل 


ونتيجة لهذا الدور اعتبر عدد من المحللين السياسيين والباحثين أن هيكل هو «مهندس 
انقلاب أيار/مايو عام 1971». فلا شك في أن النجاح الذي حققه السادات في تعامله مع الرأي 
العام المصري والعربي» يعود إلى هيكل وتوجيهاته ونصائحه التي قدمها إلى السادات. والتي 
وفرت له الاختيار الأفضل للقضايا والحركة والتوقيت بشكل مدروس النتانج. فهو الذي أشار 
على السادات أن يركز في أحاديثه الموجهة إلى الرأي العام على قضية الديمقراطية» بوصفها 
القضية المركزية لسياساته المستقبلية. في خطابه يوم 14 أيار/مايو عام 1971, ما كان أمراً حاسماً 
في إدانة «المجموعة الناصرية»» ودمغها بالميل إلى التسلط والقمع والإكراه. إن هذا الدور الذي 
ساهم به هيكل في إسقاط «المجموعة الناصرية» وانفراد السادات بالسلطة؛ قد خلق عند 
السادات إحساساً بالحرج» انعكس على علاقاته مع هيكل؛ التي وصلت فيما بعد إلى حد 
القطيعة. 

حول تلك العلاقة مع السادات سجل هيكلء في كتابه بعنوان: خريف الغضب: «كانت 
علاقتي بالسادات تختلف كثيراً عن علاقتي مع جمال عبد الناصر لقد كنت طرفاً في حوار مع 
جمال عبد الناصر. لكن السادات الذي بدأ مرحبا بالحوار, قد انتهى بأن لم يعد طرفاً في الحوار 
مع أحد, لا معي ولامع غيري. وربما كان يشعر بالفاء بين علاقتي به وعلاقتي مع جمال 
عبد الناصر. وربما كان إحساسه بأنني لعبت دوراً في توليه السلطة لم يكن يعطيه سعادة. 
فالإنسان عادة لا يسعد بأن يكون مديئاً لأحد». 

كان هيكل قد حم موقفه إلى جانب السادات, وبعد أن تفرقت بينهما البل كتب 
تبريراً لهذا الموقف قائلاً: إنه كان يدرك محدودية قدرات السادات ومدى ضعفه. 
وبخاصة إذا كانت المقارنة مع جمال عبد الناصر ‏ من ناحية» وإذا وضعت الظروف التي 
كانت تمر بها مصر آنذاك. بما فيها رحيل جمال عبد الناصر نفه ‏ من ناحية أخرى. لكنه 
تصور أن أعباء المنصب ووقر المسؤولية سوف تقوى كل العناصر الإيجاية في شخصيته. 
وسوف تساعده في التغلب على جواتب الضعف فيها. ويضيف هيكلء في كتابه بعنوان: 
خريف الغضبء أنه استرجع تجربة هاري ترومان. الذي خلف فرانكلين روزفلت في 
مقعد رئاسة الولايات المتحدة مع اقتراب نهاية الحرب العالمية النا: بدا ترومان في 
ذلك الوقت ‏ وبعد روزفلت ‏ شخصية باهتة ومجهولة» لا تستطيع أن تقود الصراع 
الإنساني الكبير في تلك الحرب إلى نهايتها المطلوبة والمحققة» لكن ترومان ‏ أمام 
تحدى التجربة العملية» وهيبة المنصبء وجسامة المسؤوليات التي كانت ملقاة على 
عاتقه. وهو يجلس على مقعده في المكتب البيضاويء وأمامه صور رؤساء عظام سبقوه 
إلى تبؤ سدة الرناسة ‏ صار شخص آخرء ورنيس له شأنه في سلسلة رؤساء الولايات 











174 


المتحدة في العصر الحديث. ولقد تصورت أن نفس الشئ يمكن أن يحدث للسادات.. 
لكن السادات خيّب توقعاته!*"! 

لقد توقع هيكل أن السادات سيكون له دوراً مخالفاً للدور الذي اختاره السادات لنفسه. كان 
السادات واحداً من بين الرؤساء الذين تابع هيكل أدوارهم على المسرح السياسي الدولي؛ بعد 









الحرب العالمية الثانية» وعقب رحيل الكثيرين من جيل الشوار العظام» أمثال ماوتسي تونغ»ء 
هوشى منه» ديغول؛ نهر ٠‏ وجمال عبد الناصر. فقد جاء السادات من رحم ثورة وسائل 








الانصال» فظهر عصر القادة النجوم اللامعة؛ وتضم قائمتها أسماء مثل البابا بول الثاني: جاكلين 
كيندي؛ هنري كيسينجر ليش فاليسياء وعلى وجه اليقين اسم الرئيس السادات. «ومع ذلك فإن 
الشهرة في النهاية لا يمكن أن تكون بديلاً للسياسة»"7. 

الكن قبل أن يصبح السادات واحداً من قادة عصر النجوم اللامعة. كانت توقعات هيكل 
وتنبؤه أن يصبح واحداً من بين جيل كبار الحرب العالمية الثانية. لكن السادات بعد أن ترسخ 
موقعه على رأس هرم السلطة في مصرء وبمساعدة هيكل» لم يصبح «ترومان العرب؟؛ فسار في 
اتجاه استوديوهات هوليوود. وبعد سنوات من حكمه المطلقء تكشفت أمام هيكل حقيقة 
السادات؛ ولم يفلح موقعه. ووقر المسؤولية في التغلب على أسباب القصور والضعف فيه كما 
الم تفلح عوامل الأمن والطمأنيئة أن تساهم فتظهر أحسن ما فيه. 

وينتهي هيكل إلى وصف حقبة السادات؛ وما خلفته من آثار. في مقدمة كتابه: خريف 
الغضبء بقوا ذلك أحدث على مستوى الامة العربية كلها آثاراً سوف تكشف عواقبها 
يوماً بعد يوم. إن ذلك العهد كله كان مع الأسف ‏ خطاً تاريخياً. والخطأ التاريخي أقدح من 
الجريمة ‏ على حد تعبير دزرائيلي - وبخاصة حين يكون الخطأ على مستوى يسمح له بالتأثير 
على مصائر الأمم». 

ويضيف هيكل في كتابه واقعة لها مغزاها: قفي جلسة ضمّت كلا من جمال عبد الناصر 
والسادات وهيكلء في صيف عام 1969 كان جمال عبد الناصر يتحدث عن مشكلاته الصحية» 
بينما كان يتأهب للسفر إلى مصحة «تسخالطوبو» بالاتحاد السوفياتي التي كان يعالج بها من 
التهاب أعصاب الساقء وقال ضمن ما قاله: «إنه سوف يسأل الأطباء مرة أخرى عما إذا كانت 
مشكلاته الصحية يمكن أن تعطل حسن أدائه لواجباته؟» فاندفع السادات يقول له: «ما هذا 
الذي تقوله يا معلم؟. ومن الذي يستطيع أن يأتي بعدك؟ تقد طردت الملك وطردت الإنكليز. 
وبنيت السد العالي. وحققت إرادة الوحدة العربية» وغيّرت وجه مصر كلها. إنني أرني لهذا 











(73) هيكل؛ المصبر تفسه. ص 170. 
(75) المصدر تقسة. ص 27 


175 


الرجل المسكين» بصرف النظر عمّن يكون». ورد جمال عيد الناصر: «هل تتصور أن الأمريكان 
سوف يتركون مصر في حالها عندما أذهب؟ لا تتصور لحظة يمكن أن يحدث». ثم 
استطرد: «من يدري أنهم لا يقومون الآن بإعداد رجل مثل سوهارتو (الذي حكم إندونيسيا بعد 
الانقلاب على سوكارنو عام 1966)» في مكان ما من صفوف الجيش». فقال السادات بصوت 
ملاه بنبرة وعيد: «لو أن أحداً دلني على مثل هذا الرجل؛ وأين هو لقطمت رقبته بيدي هاتين»*"! 

القد تحقق ما كان جمال عبد الناصر يتوقعه من الأمريكيين؛ من أنهم لن يوقفوا عداءهم 
لمصر قبل أن يسلم نظامه بشروطهم كاملة» سواءٌ كان في السلطة أو خارجها. كذلك توقع 
جمال عبد الناصر أن الأمريكيون يقومون بإعداد شخص ماء على شاكلة سوهارتو في إندونيسياء 
ليتولى نقس الدور في مصر. 

القد نسي السادات في غمرة الأحداث ما قاله أمام جمال عبد الناصر وهيكل؛ رغم أن هيكل 
قد أشار في كتابه إلى أن السادات كان قد كلفه بكتابة خطابه أمام المؤتمر القومي للاتحاد 
الاشتراكي» في تشرين الثاني /نوفمبر عام 1970. بعد توليه الرئاسة. فحرص على أن يضمن 
الخطاب مجمل هذه الواقعة. حتى يقولها السادات بنفسه. وحتى يكون ارتباطه بما تحقق من 
أهداف ارتباطاً مجلاً عليها”! 

كما نسي السادات أيضاً ما قاله هو يوماً لصحيفة النيويورك تايمزء وما كرره أمام عدسات 
التلفزيون الفرنسي في 1971/3/24 وما دأب على ذكره في خطابه السياسي بصفة دورية» من 
تحديد مناطق محرمة ليس من حقه الاقتراب منهاء أو اتخاذ قرار في شأنهاء باعتبارها ثوابت 
الاتراجع عنها: 

أولهاء أنه لا اعتراف بإسرائيل» ولا تفريط بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني؟ 

وثانيهاء أن الولايات المتحدة هي العدو الأول للشعب العربي؛ وبأن هدفها الاستراتيجي هو 
القضاء على مصر ليتسنى لها القضاء على العرب؟ 

وثالئهاء أنه الالتزع سلاج سيناء؟ 

ورابعهاء أن إسرائيل عدو سافل وغادر. 

اثم بعد ذلك: فقد حذر الجميع من أن من يقبل التفريط في تلك المبادئ فإن اشعينا هنا 
سوف يحطم أي شخص يفكر في ذلك»» وكانت هذه هي مأساة السادات أنه اعتقد أن ذاكرة 
الشعوب سلة بغير قاع. بل إن تحديد أبرز أوجه الخلاف بين السادات و«المجموعة الناصرية» 
كانت تتمثل بالآتي: 











(76) المصر تقسة. صن 8ذا. 
(77) المصثر تقس صن 8ذا. 


176 


١‏ أن السادات لا يريد الحرب» وأنه يفكر في الصلح مع إسرائيل؟ 

2 - أن فكر السادات يتجه إلى الغرب. أكثر مما يتجه إلى الشرق؟ 

3- أن السادات لن يلتزم بمبدأ جماعية القيادة. بل يسير نحو الانفراد بالسلطة. وهو يعتقد أن 
السلطة كلها يجب أن توضع في يد رئيس الجمهورية وأن لا يدع القرار في يد هؤلاء المتشنجين 
في الاتحاد الاشتراكي ومجلس الامة» أو غيرها من المؤسسات؟؛ 

4- أن المواجهة القادمة؛ سلماً أو حرباًء في عرف السادات؛ تقتضي دعم صفوف الوحدة 
الوطنية؛ والطريق إلى ذلك يكون بتخفيف زخم عملية التحول الاجتماعي. ورد بعض الامتيازات 
التي تسلمتها الثورة الاجتماء » وإعطاء أصحابها دوراً أكير في الحياة السياسية. 

القد تحول التأريخ لبداية الانقلاب الذي قاده السادات على المشروع الناصري إلى معركة 
سياسية. و( الانقلاب على المشروع الناصري قد بدأ تنفيذه بعد أن توافرت الشروط 
الموضوعية لهذا الانقلاب. والتي وفرت له النجاح. فأحداث أيار/مايو عام 1971 وفرت تصفية 
«المجموعة الناصرية». لكن هذا الانقلاب الذي جرى في أيار/مايو عام 1971 لم يكن ني 
ظاهره انقلاباً مباشراً على المشروع الناصريء إنما وفر ذلك الانقلاب الشرط الأول. فهيّأ وأنجز 
المرحلة الأولى للانقلاب الشامل فيما بعد على المشروع الناصري. فبعد أحداث أيار/مايو عام 
لم تكن هناك مؤشرات واضحة ومباشرة تشير إلى أن هناك نيات أو محاولات انقلاب 
على المشروع الناصري. ثم جاءت حرب تشرين الاول/أكتوبر لتستكمل بدورها الشرط الثاني 
وبتوافر الشرطين توافرت الظروف الموضوعية للبدء في الانقلاب على المشروع الناصري 
بشكل بدأ في البدا مباشر لكن معدلات الانقلاب كانت متسارعة» وأصبح التخفي أو 
الإنكار أمراً غير ممكن. 

وإذا كان القبول من جانب السادات باستمرار الخلل في موازين القوة بينه وبين «المجموعة 
الناصرية»» في مرحلة انتقالية سابقة» مهدت له الوصول إلى رئاسة الجمهورية؛ كخطوة تكتيكية 
فرضها الواقع السياسي وظروف وفاة جمال عبد الناصر الفجائية» إلا أن القبول باستمرارها يمثل 
خطراً قائماً قد يطيح به في أية لحظة. وعليه تأسس الهدف المرحلي لدى السادات بشكل محدد 
نحو تصحيح الخلل في موازين القوة في هرم السلطة؛ أي الانقلاب على «المجموعة الناصرية». 























والتخلص منهم قبل أي شيء آخر. 
من هذا المنطلق يذكر السادات في كتابه البحث عن النات: قصة حياتي أنه: «منذ أول يوم 
اتوليت فيه. 1. في إرادة التحدي». ويخ «في أول اختبار قوة معي لكي يفرضوا ‏ أي 





«المجموعة الناصرية» ‏ الوصاية على قراراتي؛ كان واضحاً أن الصراع في أوجه؛ فإما أن يجهزوا' 


17 


علي وإما (على الأفل) أن يحدوا من سلطتي نهائيء بحيث لا أستطيع أن أنخذ أي قرار إلا 
بموافقتهم». 

القد ورد في مذكرات السادات وخطيه وتصريحاته أنه كان يقظاً وحذراً تجاه "المجموعة 
الناصرية». وهذا يفسر ويكشف رؤية السادات الواضحة لخريطة الصراع, والقوى الفاعلة فيد 
ومن ثم تحديد الأهداف. فلم يكن صعياً على السادات أن يدرك السيطرة الواضحة للقيادات 
الناصرية على مؤسسات الحكم. وأن سيطرته المحدودة والمقيدة انحصرت في مؤمسة الرناسة. 
كما بات واضحاً لدى السادات أن حسم الصراع على قمة الهرم السياسي أصبح متوقفاً بالدرجة 
الأساسية على كيفية إدارة هذا الصراع. لهذاء كان على السادات ومؤيديه منذ البداية أن يتوصلوا. 
إلى بدائل من شأنها أن تدعم من قوته» وتضعف من قوة خصومه من الناصريين. وتمثلت هذه 












البدائل في التوجه مباشرة إلى الرأي العام المصري والعربي لكسب تأييده. كبديل عن تأييد 
المؤسسات السياسية والتنفيذية والدستورية التي تسيطر عليها «المجموعة الناصرية»» وذلك 
على عدة مستويات: 

أولها. على المستوى المحلي: ظهور السادات أمام الرأي العام العربي يأنه الناصري الرقم 
واحد. 


وثانيهاء على المستوى الإقليمي: الاستمرار في تأكيد ترويج مصطلحات الوحدة العربية. 
والأمة العربية الواحدة. والدفاع عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينيء باعتبارها القضية 
المركزية لحركة التحرر العربية: كما كانت في عصر جمال عبد الناصر. 

وثالئها. على المستوى الدولي: استمرار سياسات مصر المعلنة. كما كانت أيام حكم جمال 
عبد الناصرء لكن بمزيد من المبالغات يظهر فيها السادات تشدده في رفض الشروط الإمبريالية 
الغر, بلايات المتحدة؛ التي تصب في النهاية لمصلحة إسرائيل» مع إشادته بدور 
الاتحاد السوفياتي. بهدف كب تأيده. أو على الأقل تحييده. 

من الملاحظ أنه بقدر ما وجّه السادات من إشادة إلى جمال عبد الناصر والاتحاد السوفياتيء 
بقدر ما كان هجومه شرساً على الولايات المتحدة. وكان السادات يدرك تماماً أن أية محاولة 
المد جسور التعاون أو الصداقة مع الولايات المتحدة علاتية حينذاك» يعرّضه لمخاطر غير 
محوبة. لذلك كان هجومه عنيفاًء وعدائه ظاهراً للولايات المتحدة؛ ويبدد أية شكوك في 
احتمال التقارب معهاء بكونها العدو الأساسي للامة العربية والسند الرئيسي لإسرائيل» ولأن 
سياساتها تستهدف إخضاع مصرء بل لقد أعلن أن هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي هو: 
«القضاء على مصرء بعدها يصبح من السهل القضاء على قوى التحرر في المنطقة». 





178 


وحدد السادات دور الولايات المتحدة في حماية إسرائيل؛ بوضع كل ثقلها ودعمها 
الاقتصادي والعسكري والسياسي. وعلى حساب وزارة الدفاع الأمريكية لمصلحة إسرائيل. ولم 
يكتف السادات «بذلك بل راح يذكر العرب بالمواقف العداية المستمرة من جانبه الولايات 
المتحدة ضدهم. وتجاه الجمهورية العربية المتحدة على وجه الخصوصء فهم الذين حاولوا 
إقحام العرب في أحلاف تخدم استراتيجيتهم (حلف بغداد. مشروع أيزنهاور). والغارة التي 






شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 1955/2/28 كانت بناء على توجيه أمريكي. وكانت الطائرات 
والطيارين والقنابل أمريكية؛ موقف مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن غولد بيرغ 


المندوب الصهيوني للولايات المتحدة؛ على حد تعبير السادات ت على 
رفضه إعادة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطنء التي قطعت عقب حرب حزيران/يونيو 1967 

واللانت للنظر أنه في الوقت الذي سلط فيه السادات هجومه العنيف ضد الولايات 
المتحدة. اءانه بالصحافة العالمية من نصيب الصحافة الأمريكية فقط. فكان لقاءه الأول 
مع صحيفة نيويورك تايمز بعد ثلاثة أيام من توليه سلطته الدستورية في 1970/10/21ء تبعه لقاء 
آخر في 1970/12/28 ثم لقاء ثالث في 1971/2/16 أما لقائه بالإعلام الأوروبي فكان من 
نصيب التلفزيون الفرنسي في 1971/3/24 


في لقانه مع صحيفة نيويورك تايمز. حدد السادات أسباب العداء بين مصر والولايات 








بخصوص إسرائيل سنورده كاملاً. لانه يتضمن رفضاً قاطعاً الاعتراف بإسرائيل: أو إجراء أية 
مفاوضات مبا: معهاء وتوقع أن من يقدم على مثل هذه الخطوة سيحطمه الشعب المصري. 
وفي ما يأني نص الإجابة التي وردت على لسان السادات» بخصوص الصراع العربي - 
الإسرائيلي: 

«س: هل يمكن أن يكون العرب مستعدين للاعتراف بإسرائيل كدولة؟ 
ج: إن ما نحن على استعداد له محدد في قرار مجلس الامن الرقم (242)» لكن لا تطلب 
مني أن أقيم علاقات دبلوماسية معها. فإن هذا لن يحث أبداً. 


اس: أبداً؟ 








ج: أبدا. 
س: حتى إذا استطعتم حل مشكلة الانسحاب إلى خطوط ما قبل 5 حزيران/يونيو 1967؟ 


179 





ابداً.. ابداً.. أبداً.. إن ذلك لا يمكن لأحد أن يقرره. وليس لدى شخصي الصلاحية 

فيه أيضاً. إن شعبنا هنا سيحطم أي شخص يفكر في ذلك». 

وفي لقاته مع التلفزيون الفرنسي كر السادات رفضه القاطع الاعتراف بإسرائيل» ورفضه أن 
تكون صحراء سيئاء منزوعة السلاح: 

«س: لقد وافقتم ‏ كما أعتقد ‏ على اشتراك قوة من الدول الاربع الكبرى في تحقيق ضمانات 
التسوية؟ 

اج: نعم. ولكن يجب أن يمتد عمل هذه القوة على جانبي الخطوط ولا تقتصر على ناحيتنا 

عن لكان عل تواتقوت علن تزع باتعا 

ج: لا. إنني لا أوافق على هذا. فإن منطقة منزوعة السلاح في أرضنا يجب أن تقابلها منطقة 
منزوعة السلاح بنفس المساحة على الجانب الآخر». 

الكن من المهم أن يوضع في الاعتبار أنه في الوقت الذي كان فيه السادات يشرح رؤيته 
للطرف الغربي. من خلال لقائه بوسائل الإعلام الغربي. كانت تجري اتصالات سرية بينه وبين 
الولايات المتحدة. يقول عبد الهادي ناصف !: علاقة السادات بالاستخبارات الأمريكية» 
وما حدث في 15 أيار/مايو عام 1971 لم يكن بعيداً عن القرى الخارجية؛ كان كلام الملك 
فيصل الذي أسرٌ به إلى السادات مباشرة» على النحو الآني: إن الذي كان بين الأمريكيين وبيننا 
كلناء هو جمال عبد الناصرء وجمال عبد الناصر قد راح؛ والولايات المتحدة مستعدة للحل 
بشمن واحد هو طرد السوفيات. وكان همزة الوصل في اتصالات السادات بالأمريكيين هو كمال 
أده وكانت علاقته بالسادات علاقة شخصية ووطيدة»”, 

ويؤكد هيكلء بدوره» حقيقة اتصال السادات بالأمريكيين من طريق كمال أدهم بقوله: «لا 
في أن شكوك الروس في السادات قد تزايدت من تسرب ملحوظة أبداها السادات» بشكل 
سف له» وربما كان متعمداً؛ كان كمال أدهم قد تكلم مع الرئيس عن مخاوف الأمريكيين من 
استمرار الوجود السوفياتي في مصرء وشرح السادات له ضرورة ذلك؛ لكنه أضاف أنه بعد 
















المرحلة الأولى من انتهاء الانسحاب الإ فإنه سوف يتعهد بإخراج الاتحاد السوفياتي. 
وكان هذا الكلام قد تسرب من خلال سيناتور جاكسون. وهو واحد من مؤيدي إسرائيل 


المعروفين: ومن أعداء الاتحاد السوفياتي في الكونغرس»””. 


(78) تفلاً عن: محمد فؤاد المغازي. «حول أحيداث مابر عام 1971 بدون اخنصار.؛ الحلقة الخامسة, شبكة الإتترنت 
بشاريخ 29 نشرين الأول /أكتوبر 2007. 
(79) هبكل. أكتوير 73: السلاج والسباسة: ص 165. 


ويتعجب هيكل من موقف الغرب تجاه السادات» الذي أعجبوا به وهو كان معزولاً إلى 
أبعد الحدود في عالمه؟ لماذا أصبح السادات» الذي أسماه كيسنجر في محاضرة له سنة 1972 
«مجرد بهلوان سياسي». بعد ستين بالعدد شخصية عظيمة تمائل شخصية بسمارك حسب تعبير 
كيستجر نقسه؟ 

الغريب أن «بسمارك» خلق ألمانيا الموحدة من ولاية واحدة فيهاء في حين أن السادات فرق 
وحدة الأمة العربية وهو يرأس أكبر دولة من دولها. ثم لماذا كان الحزن على السادات في الغرب 
أكثر منه في أمته؟ ولماذا شيّعه إلى مثواه الأخير عدد كبير من الساسة الأجانب. بينما لم يشترك 
في موكب الجنازة سوى الموظفين الرسميين المصريين» وبعض الزوار الأجانب؟ لماذا سقط 
الساداء .ه السرعة من ذاكرة مصر والعالم» كرجل كان كل تصرف من تصرفاته يملا شاشات 
التلفري 

"إن كثيرين» وبخاصة في الغرب» يجب أن يسألوا أنفسهم لماذا يعجز بعض الزعماء الذين 
يتحدثون لغة الغرب ويقولون للغرب ما يجب أن يسمعه؛ عن أن يكونوا مسموعين في أوطانهم» 
وأن يحصلوا على ثقة مواطنيهم؟ إن قائمة مثل هؤلاء طويلة بدءاً من شانغ كاي تشيك في 
الصينء وسوهارتو في إندونيسياء والشاه في إيران وموبوتو في زائيرء وماركوس في الفيليين» 
والسادات في مصر وآخرين غيرهم». 

القد نجح فرد واحدء ظل طوال عشرين سنة يمثل أداة الثورة المضادة ‏ في رأي الكثيرين- 
في سد قيزة 33 تمر زليوليوة رجلاً كان أكثر من غيره يرفع عقيرته بالوفاء للناصرية وجمال 
عبد الناصر رجلاً ظل عشرين عاماً يكيل المديح للزعيم جمال عبد الناصرء دون أن يخجل» 
وكانت من بعض صفاته المعروفة عند الشعب المصري ‏ بالذات ‏ أنه الشخص الوحيد الذي لم 
يقل كلمة «لاء في مواجهة أي قرار أو موقف أو توجه ذهب إليه جمال عبد الناصرء حتى لقد 
شاع أن جمال عبد الناصر كان يلقبه بالبكباشي «نعم»! 

هناك واقعة شخصية في هذا السياق ذاته. تتمثل بحوار كان حاداً وحساساً دار بيني وبين 
الاستاذ: هيكل عام 1981 حول وقوفه إلى جانب السادات» وموقفه من الانقلاب الذي قاده 
على «المجموعة الناصرية» . وقبل أي تفصيل من المهم الإشارة إلى حكمة كان بلتم بها الألتاذ 
حين يشير إلى آخرين» » أو يستشهد بهم في كتاباته؛ حيث كان يقوا 7 اس أحياء 
وأقوياء»» والمعنى واضحء وحيث رحل عنا الأستاذ إلا أن حكمته 
شأن حوار منشور بتفصيل في مقابلة أجريتها معه. في مجلة المستقبل العربي”". كانت وجهة 














يوا 













(80) «قضابا النسرية والصراع العربي ‏ الإسرائبلي: مقابلة مع الاستاذ محمد حسنين هيكلء؛ أجرى الحوار مجدي 
حماد. المستقبل العربي. السنة 4. العدد 1ل (أبلول/سبتسير 1981). 





1 


انظري أنه «المهندس الحقيقي لعملية الانقلاب التي قادها السادات منذ 13 أيار/مايو عام 
. وأن مقالته بعنوان: «تحية للرجال» كان الهدف منها خدمة موقف السادات الذي يرفض 
اتخاذ قرار الحرب. وأن الذهاب إلى حد أن «المجموعة الناصرية» كانت تريد توريطه في 
الحرب كانت تدرك أن الهزيمة واقعة لا محال. ومن ثم يسقط السادات. ويتولون هم الحكمء 
كان مبالغاً فيه إلى أقصى حد! وكان تقديرى أن هذا الزعم يحولهم إلى «مجموعة شياطين» 
متسائلاً: حكم ماذا؟ إن مصر ستصير خرابة؛ ومن يحكمها ربما يستقر في السودان. إذا 
بها هزيمة جديدة. كما أن رد «المجموعة الناصرية» على مقالته بعنوان: «تحييد أمريكا؛ له 
جدارته؛ حيث ذهبوا إلى أن «تحيد أمريكا؛ 3 ية 
والاستسلام لإسرائيل. وكان سؤالي واضحا: «هل هذه المجموعة كانت ترى ما لا تراه أنت؟!» 
وبخاصة أن توقعاتها بهذا الخصوص قد صدقت كلها. 

في هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن الخلاف بين هيكل و«المجموعة الناصرية» كان يدور 
في جانب منه. حول توقيت البدء بالمعركة العسكرية ضد إسرائيل. وكان رأي هيكل أن 
«المجموعة الناصرية» تتعجل الحرب يهدف حسم صراعات في داخل النظام؛ في وقت لم 
تتوافر فيه بعد الظروف الموضوعية للحرب. في حين اعتبرت «المجموعة الناصرية» أن كتابات 
هيكل في صحيفة الأهرام تمثل موقفاً متخاذلاً وانهزامياً وأن مقالاته تشيع اليأس في الشعب. 
والجيش معاً. وبخاصة بعد المساجلات الصحفية التي دارت بين هيكل وعبد الهادي ناصف 
حول الحرب. ومخاطر عبور الجيش المصري إلى سيناء. بعد مقاله الشهير: #تحية للرجال». 

فضلاً عن ذلك لم يكن هيكل و«المجموعة الناصرية» على وفاق في تقيم الدور الأمريكي. 
وبخاصة بعد نشر مقاله: «تحيد أمريكا»؛ حيث يرى هيكل إمكانية تحيد الدور الأمريكي في 
الصراع العربي - الإسرائيلي. ويرفض «النغمة» التي تقول إن الذي نواجهه أمامنا في ميدان القتال 
هو الولايات المتحدة؛ وليس إسرائيل. والصحيح أن بيننا وبين الولايات المتحدة مواجهة 
سياسية؛ أو صراعاً سياسياً وهدف هذا الصراع هو الفصل بين إسرائيل والولايات المتحدة كحد 
أقصى. أو حيد الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل كحد أدنى» وذلك من طريق توجيه ضغط دولي 
وعربي ومصري ضد الولايات المتحدة. هذا الضغط يقنع الولايات المتحدة بأنها تواجه تقلصاً 
مخيفاً في هيبتها كقوة عظمىء والهيبة على رؤوس الدول العظمى كالتيجان على رؤوس 
القياصرة. هكذا أخذ هيكل يروج بالتدرج للتقارب مع الولايات المتحدة قائلاً: *إذا كانت 
إسرائيل قد انتصرت على العرب في معارك بفعل التأييد الأمريكي فإن هذا التأريد الأمريكي ليس 
داتماًء إنما الدائم هو المصالح الأمريكية فقطء ومن هنا فإن التأبيد الأمريكي ليس سلاحاً أبدياً 
في يد إسرائيل» وهذه هي عبرة الأيام». 




























152 


مع ما تقدم تنبغي الإشارة إلى أنه رغم الخلاف. أو الخصومة؛ أو العداء» بين هيكل 
و«المجموعة الناصرية» فإن ما كان ما يجمع بينهم من توافق تجاه قضايا مهمة أكثر كثيراً من 
قضايا الخلاف؛ فمثلاً: 

اجتمعت «المجموعة الناصرية» وهيكل على حتمية المعركة العسكرية ضد إسرائيل» وجاء 
موقف الاثثين متوحداً حول الهدف, واختلا حول التوقيت. 

توحد الطرفان في ولائهم وإخلاصهم لمؤسس الناصرية جمال عبد الناصرء ومن ثم التقى 
الطرفان حول الناصرية بوصفها مشروعا للنهضة: قادرا على قيادة التطور الحضاري في المنطقة 
العربية. 

كانت مساحة التقارب بين هيكل و«المجموعة الناصرية» حول الغايات والمصالح القومية 
اللامة العربية متطابقة تقريباًء حيث يسعى الجميع إلى تحقيق سلاماً قائماً على العدل, وأن 
تصبح مصر حرة مزدهرة؛ وأن يتوحد الوطن العربي حلم أمة. 

تطابقت رؤية الطرفين حول أهداف الولايات المتحدة في المنطقة العربية» واتحصر الخلاف 
بينهم في إطار كيفية إدارة الصراع معها. فعندما توجه السياسي السوفياتي بوناماريوف بسؤال 
إلى هيكل عن الموقف الرسمي الأمريكي. وعن الاهداف الحقيقية التي تسعى الولايات 
المتحدة إلى تحقيقها في المنطقة العربية» أجاب هيكل: «إن الولايات المتحدة تريد ‏ أساساً - 
حلاً سلياً لمشكلة الشرق الأوسطء بشرط أن يكون الحل أمريكياً. ويعني هذا أن الحل لا بد 
أن يتضمن ثلاثة شروط: 

أولهاء أن يؤدي إلى طرد التفوذ السوفياتي من المنطقة كلها؟ 

وثانيهاء أن يترك مصر ضعيفة» غير قادرة على التأثير بأي نفوذ على الإطلاق في الوطن 
العربي؟ 

وثالثهاء أن تظهر التجربة الثورية المصرية في مظهر التجربة الفاشلة. 

ووافقني بوناماريوف على هذا التحليل». 

على الجائب الآخرء فقد توحد موقف القوى المعادية للناصرية من هيكل و«المجموعة 
الناصرية» على حد سواء. فكان هناك شعور بالرضا والارتياح لدى الإدارة الأمريكية. عندما 
استُبعد هيكل عن مؤسسة الأهرام, وهو نفس الارتياح والرضا وإن كان بدرجة أعلى عندما 
أصيحت «المجموعة الناصرية» خارج السلطة. يروي هيكل كيف استقيلت الإدارة الأمريكية 
سقوط «المجموعة الناصرية»: «كان الأمريكيون بطبيعة الحال سعداء بسقوط جماعة علي 
صبري. لكنهم حاروا في تفسير توقيع معاهدة مع السوفيات بمثل هذه السرعة». 

















دل 


انحصر الفارق الجوهري بين «المجموعة الناصرية» وهيكل في أن الأخير توافرت له فرصة 
إيصال رأيه إلى أوسع قطاع للرأي العام العربيء وحتى الدولي المهتم بقضايا الصراع في 
المنطقة. بحكم مكانته وموقعه. بينما لم تحظ «المجموعة الناصرية» بهذه الامتيا 
كيف كانت البداية؟ في وصف المشهد الأخير للذين تجمعوا حول جثمان جمال عبد الناصر 
«كان السادات آخر الذين وصلوا إلى بيت جمال عبد الناصر. لكنه كان من أوائل 
الذين دلوا إلى الصالون الكبير الذي شهد اجتماع القلة التي أحاطت بفراش جمال عبد الناصر 
في لحظاته الأخيرة. كان الجو شديد التوترء وكان يمكن لأي مراقب أن يجد على وجوه هؤلاء 
الرجال ملامح تنبئ بصراعات وانقسامات. يمسك بها الحزن والمفاجأة في تلك اللحظة. لكنها 
0 ح بأمور وأمور يمكن أن تحدث بعدها». لكن هيكل لم يذكر الأسباب التي جعلته 
متأكداً إلى هذا الحد من حدوث صراعات مع الأعضاء البارزين في قمة السلطة: في وقت لم 
2 ادرة واحدة يمكن أن يستخدمها هيكل سنداً في بناء رأيه. أم أن الحذر 





















لقد تنبأ هيكلء ومن خلال قراءة أولية وسريعة لوجوه من التنُوا حول جشمان جمال 
عبد الناصرء أن صراعاً على السلطة قادم. وتحمل إشارة هيكل تحذيرات واضحة إلى من يهمهم 
الأمر أن يتنتهوا إلى ما هو متوار في نات «المجموعة الناصرية»» التي باغتها حادث وفاة جمال 
عبد الناصر فأصاب عصب التآمر لديها بالشلل المؤقت. وعندما أفاقوا وزال تأثير الصدمة؛ كان 
هيكل أول من استشعر الخطر وأوّل من نيه السادات وحذره في لقاء معه. وهو يعتذر عن 
الاستمرار في المنصب الوزاري؛ قائلا: ألمح من بعيد صراعات سلطة» فإن الكل بدأ يفيق 
من الصدمة. وفي الأهرام ‏ الصحيفة ‏ أستطيع أن أكون بعيداً من الصراعات. وأن أشارك في 
حوار الحوادث والتطورات طليق اليد متحررً». 

توالت النصائح التي وجهها هيكل إلى السادات» فأشار عليه. بعد أن استمع إلى شرائط 
صوتية مسجلة أن يتأكد من ولاء كل من اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوريء والفريق 
محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة. كان الغرض من وراء ن هيكل 
هو أن يضمن السادات وقوف الحرس الجمهوري والجيش إلى جانبه. من طريق ضم ناصف» 
وصادق لمعسكره. 

هكذا كان هيكل سباقاً إلى ترويج مقولة «الصراع على السلطة»؛ بل إن مصطلح «الصراع 
على السلطة» قد جرى تداوله ‏ بعد ساعات من وفاة جمال عبد الناصر ‏ في حديث دار بين 
هيكل وعدد من القيادات الناصرية هم شعراوي جمعة, أمين هويدي؛ سامي شرف. جاء 
استخدام هيكل لذلك المصطلح كتعليق على ما ذكره شعراوي جمعة حول تصرفات أنور 
السادات وحسين الشافعي وعلي صبري الذين هيتصرفون وكأنهم يمثلون حكومة ثلاثية؛ على 














184 







ما يجعلني أرى ضرورة بحث الموقف مع ب 
0 النكن واضحين في شأن موقف كل منا. انل بط نام افتهاة 
ونصيحة صغيرة أقدّمها. أما ظام ن سيق فيما ب 
وزراء» فلا تفعلوا ذلك بحضوري. لأني قد استقر رأبي على الخروج» وترك الوا ِ 
إليكم أن تحاولوا العمل معاً كناصريين؛ فإن فعلتم ذلك 
فإنكم ولا شك سيرون ردود فعل تؤدي في النهاية إلى صراع على السلطة؛ وإذا حدث تصادم 
في الآراء. فإنني سأؤدي دوري فيه كصحافي. أما إذا نشب صراع على السلطة؛ قائم على 
الأشخاص. فلن يكون لي شأن به. وستعاني البلاد كلها منه». ويواصل هيكل حديثه فيصف 
أ . ويخاصة عندما أخذ سامي شرف يصيح 








يق 9 «اسمع..لا بد لك أن تواجه حقائق ١‏ 
الل فدات وسيحكم على كل منكم فقطء من الآن فصاعدا بم يمكن أن يقدمه من 
أجل مصلحة البلد. إنها صفحة جديدة تُتحت أمامكم جميعاً». 

بعد ذلك شاع استخدام مصطلح «الصراع على السلطة؛ إشارة إلى خروج «المجموعة 
الناصرية على السلطة الشرعية؛ محمُّلاً إياهم النتائج المترتبة على ذلك. بعدها كثر استخدام 
مصطلح «الصراع على السلطة» في مفردات الخطاب السياسي الذي التزمه السادات» وفي 
مذكراته: البحث عن الذات: قصة حياني» وفي وسائل الدعاية والإعلام التابعة للنظام. 

بعد حمس سئوات من نشر رواية هيكل أنيح لأحد الوزراء من تلك «المجموعة الناصرية». 
وهو أمين هويدي أن يدلي بشهادته في كتابه: مع عبد الناصر, الذي صدر في عام ١1980‏ فنفى 
ما ذكره هيكل. وروى رواية مختلفة تماماً عن رواية هيكل؛ فكتب: «لم يلق هيكل أبداً بكل هذه 
النصيحة عن الناصرية والسلطة والصراع؛ ولم يتحدث شعراوي جمعة أبداً عن السادات 
والشافعي وعلي صبري. كما لم يتحدث عن «الترويكا» الروسية» ولم يصرخ سامي شرف أو 
ييكيء ولا هو أنكر وفاة جمال عبد الناصر. أبداً لم يحدث شيء من هذا كما صرّره هيكل في 
أسلوب غلبت عليه الإثارة الصحفية. لكن كل ما ذكره شعراوي جمعة لهيكل هو أننا قررنا 
التخلي عن السلطة عقب تشيع ٠ ١‏ وبعد انتقال السلطة بالطريقة الدستورية؛ وسأله عن 
رأيه في ذلك». رحب هيكل أيْما ترحيب بالفكرة, وذكر أيضاً أنه سيترك المنصب الوزاري ليتفرغ 
الرناسة تحرير الأهرام» مضيقاً أنه لكل زمن رجاله. وعلى الجميع أن يعيدوا النظر في أفكارهم 
كنا قد اجتمعنا مراراً وهذا أمر عاديء وقررنا أن نتخلى عقب نقل السلطة بالطريقة الدستورية؛ 
النفسح المجال للسيد أنور السادات ليختار معاونيه؛ ولو أنني كنت مزمعاً على أن أتخلى في 





185 


أقرب وقت ممكن. ورأى شعراوي «أن يستشير هيكل في الأمر لأن من عادته أنه كان يستشير 
هيكل وسامي في كل أمر يقدم عليه»"". 

نزولاً على مقترحات هيكلء جرى الاحتكام إلى نصوص الدستور المؤقت لعام 1964 في 
شأن اعتماد السادات رئيساً للجمهورية؛ ثم تولى بنفسه إعداد البيان الخاص بوفاة جمال 
عبد الناصر. واقترح أن يقرأ البيان السادات. حتى تشعر الناس أن السلطة قد انتقلت بسلام» 
بعدها تولى هيكل إدارة الحملة الانتخابية للمرشح للرئاسة: السادات. وبعد أن أصبح السادات 
رئيساً للجمهورية قبل اقتراح هيكل أن يتولى محمود فوزي رناسة الوزارة: كل شيء تقريباً يتم 
بمشورة هيكل وجرى تطبيقه بغير أدنى اعتراض من «المجموعة الناصرية»: ما يجعل القبول 
بمنطق «الصراع على السلطة» بينهم وبين السادات هو إقحام متعسف من قبل هيكل لا يملك 
أي دليل للأخد به. 

ويبدو أن هيكل قد تنبه إلى التناقض الواضح في روايته. وبخاصة أن «المجموعة الناصرية» 
الم تبدِ ما يمكن أن يمثل دليلاً مادياً على نيتها إطاحة الرئيس السادات, وأن رضا تلك 
المجموعة واضح؛ فلجأ إلى تفسير هذا القبول من جانب «المجموعة الناصرية» بالأخذ يكامل 
مقترحاته بغير اعتراض أو شبهة اعتراضء بأنه لا يشكل دليلاً على صفاء نية هذه المجموعة» 
إنما كانت الظروف غير مهيئة لهم للتخلص من السادات» وأن: «معنى الاخذ بما 
عليه الآخرون ‏ لأن أحداً لم تكن لديه خطة بديلة مقبولة: أو لآن أحداً لم يجد متسعاً من الوقت 
اليخطط من جديد ‏ أن السادات هو الذي سيصبح رنيساً للجمهورية بالنيابة. 
حضور هذا الاجتماع تحفظات مختلفة على أنور السادات؛ لكن ضرورات الاستمرار ع 
أعتقد أي اعتبار غيرها في ذلك الموقف الحرج». 

تكشف تناقض آخر من خلال النصائح التي وزعها هيكل على أطراف الصراع؛ فلقد ثبت أن 
التحذير الذي وجهه هيكل إلى «المجموعة الناصرية» من السادات كان أسيق على التحذير 
الذي وجهه إلى السادات. فبعد وفاة جمال عبد الناصر مباشرة لم يتردد هيكل في توجيه 
النصيحة والتحذير إلى «المجموعة الناصرية» ‏ مباشرة ‏ منبها إياهم بعدم الاستهانة بقدرات 
السادات, والنظر إليه كشخصية ضعيفة يمكن السيطرة عليهاء وقدّم لهم مثالاً جرى مع مصطفى 
النحاس. الرجل الثاني بعد سعد زغلول» عندما اختارته قيادات حزب الوفد لخلافته» متصورين 
أنه الأضعف» ثم اكتشفوا بعد فوات الوقت أن هذا الذي تصوروه الأضعف استطاع أن يطردهم 
واحداً بعد واحد من الوفد؛ ويبقى هو على القمة. وللحق كانت النصيحة التي وجهها هيكل 





























راع ات 
2004). ص كاطا ‏ 353 


أكثر: أمين هويدي. 58 عاماً من المواصف: ما رأبته قلته (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والتشرء. 





إلى «المجموعة الناصرية» صحيحة, فقد تحقق ما توقعه هيكل بالكامل؛ حيث كرر السادات ما 
فعله النحاس وتخلص من كل «المجموعة الناصرية». 

ويستغرب علي صبري من قلب الحقائق» عندما يستبدل الخلاف السياسي إلى صراع على 
السلطة: «لم أكتم ألمي من محاولات الصحف وأجهزة الإعلام أن تصور الخلاف على أنه كان 
مجرد نزاع على السلطة؛ كيف يكون نزاع على السلطة» وقد كانت أطراف النزاع كلها في السلطة؟ 
وكان الدستور يحدد اختصاصات ووظائف كل مسؤول. فإذا ما نشب خلاف في قمة السلطة» أو 
نزاع حول توزيع الاختصاصات والسلطات, فكيف بالمتنازعين لا يحتكمون إلى الدستور وإلى 
المؤسسات الدستورية بالطريق الديمقراطيء ويلجؤون بدلا من ذلك إلى السب وتلفيق 
الاتهامات؟ وإذا كان ما حدث نزاعاً على السلطة فكيف يمكن تجريد هذا النزاع مما صاعبّه من 
اختلاف واضح بين الرئيس السادات وييني في الرأي والموقف السياسي من قضايا المصير 
الوطني التي طرحت 

القد كانت هناك طائفة من الخلافات المعلنة وغير المعلنة. والتباين في الرؤية والتوجه؛ بين 
هيكل و«المجموعة الناصرية». إلى حد القطيعة. التي أثرت بدورها في اختياراته التي انتهت 
بالانضمام إلى معسكر السادات في مواجهة هذه المجموعة. في الوقت نفسه لم يكن هيكل 
بغافل عن. أو غير مدرك. حاجة السادات إليه. وهذا يمثل ره 
بالنسبة إليه ضمانات أمن. واستمراراً للمشاركة السياسية» و: ا 
وبمؤسة الأهرام؛ كما أضفى إصرار هيكل على استقالته من منصب وزير الإعلام صدقية بأنه 
00 «هناك صراعات مع 
بعض الأعضاء البارزين في الاتحاد الاشتراكي وفي مجلس الأمة. ولن أكون في هذه الحال إلا 
نا في طريق الرئيس الجديدء في حين أني أستطيع من مكاني في تحرير الأهرام أن أكون 
سنداً مفيداً له». لكن هيكل لم يذكر الأسباب التي جعلته متأكداًء إلى هذا الحد. من حدوث 
صراعات مع الأعضاء البارزين في مجلس الأمة والاتحاد الاشتراكي؟ 

كما أن ترك هيكل منصبه الوزاري لم يكن لينهي مطلقاً دوره في توجيه السياسة المصرية. 
ويحصر دوره في إطار صحيفة الأهرام. لقد ظل هيكل واحداً من بين أفراد قلائل أذوا أهم 
الأدوار في توجيه ورسم الخطوط العريضة والأساسية للعمل السياسي في مصر طوال حياته. 


2 إسقاط المجموعة الناصرية 

حسبما أشار هيكل في كتابه: أكتوبر 73: السلاح والسياسة: تأكد السادات أنه ليس هناك ما 
يخشاه من جاتب الج ! الجيش أعدٌّ نفسه لمهمة معيئة» ولن يقبل أن يزج به في صراع 
داخلي. ومن باب الاطمننان قرر أن يتحدث في الموضوع صراحة مع اللواء الليثي ناصف» قائد 
























17 


الحرس الجمهوريء فهذا الحرس لديه كتيبتان من الدبابات» وهو يستطيع؛ إذا ألم بجوانب 
الموقف. أن يحمي رئيس الدولة. ويجعل أي تفكير في التعرض له بالقوة عملية مكلفة. ومن 
باب الزيادة في الاطمئنان رأى أن من الضروري له أيضاً أن يتحدث في الموضوع صراحة مع 
الفريق محمد أحمد صادقء رئيس أركان حرب القوات المسلحة» ذلك أن صادق عارف 
بالأحوال» ولن يقبل بإقحام الجيش في ما لا دخل له فيه. وفي كلل الظروف, كما أكد هيكل؛ 
فإن وزير الحربية لا يستطيع تحريك لواء واحد بدون أمر يصدره رئيس أركان الحرب. وفضلاً 
عن ذلك فإن صادق كان قد التقى هيكل عرّضاً أثناء حضور جنازة بجامع عمر مكرم الشهير 
بقلب القاهرة. في نيسان/أبريل» ولفته إلى أن هناك أموراً تقتضي التنبد. وأن على «صاحيه» ‏ 
يقصد السادات ‏ أن يأخذ حذره! 
أخذ السادات في التحرك؛ وبدأ من باب الاحتياط بما هو حال وعاجلء فاتصل مباشرة بقا: 

الحرس الجمهوري اللواء ناصف. وكانت صلته به حتى هذه اللحظة» حسب الاصول» 
من طريق وزير الدولة لشؤون رناسة الجمهورية سامي شرف. وقد حصل السادات على تأكيدات 
من قائد الحرس الجمهوري بأنه «جندي ملتزم سوف يقوم بواجبه مع الشرعية الدستورية؛ وإن 








كان يرجو من الرئيس أن يبذل كل جهده حتى لا تصل الأمور إلى درجة الصدام بينه وبين 
المجموعة». أما في ما يتعلق بالفريق صادق فقد طلب السادات إلى هيكل أن يقوم بالاتصال 











بين الاثنين. ذلك بأنه يخشى لو استدعاه أن تظهر نواياه 
رئيس الجمهورية 


ابه نظراً إلى وجود صلات ود ساب 
في حين أن لقاءه مع الفريق ناصف سوف يبدو طبيعيا في إطار العلاقة 
وقائد الحرس الجمهوري. 

إن الطلقة النهائية في المواجهة الحاسمة بين السادات ومجموعة القوة والسلطة 
الممسكة بكل المفاتيح هى أشرطة التسجيل التي جاء بها زائر ما بعد منتصف الليل» 
وسلمها للرئيس مساء 1973/5/12. وكانت الطلقة الثانية هي قرار السادات إقالة علي 
صبري. نائب رئيس الجمهورية وعضو اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي. من جميع 
مناصبه. وكان من سوء الحظ أن هذا القرار تصادف في توقيته مع الموعد المقرر لوصول 
وزير الخارجية الأمريكية وليم روجرز. وبدا الإجراء. مع ما يشاع» على غير الحقيقة؛ عن 
صداقة علي صيري للاتحاد السو ش فداء على عتبة الباب قبل أن 
يخطو روجرز فوقها!ء كما سبق أن أبلغه شعراوي جمعة بتلك المحاذير. ثم أطاح السادات 
وزير الداخلية القوي شعراوي جمعة. وكل «المجموعة الناصرية» في انقلاب 13 أيار/مايو 
الشهير عام 1971. 

إن من اللافت للنظر أن الانقلاب قد جرى يوم ١3‏ أيار/مايو عام 1971 لكن السادات» 
لسبب ما لم يتضح إلا بعد «سلامه؛ مع إسرائيل؛ اختار يوم 15 أيار/مايو عيداً للاحتفال بهذا 

















اتي» وكأنه تضحية 


الانقلاب طوال حياته. إن 15 أيار/مايو هو العيد القومي للكيان الصهيوني الذي اغتصب 
فلسطينء وأقام فوق أرضها دولة إسرائيل؛ في 15 أيار/مايو 1948 هكذا يبدو «التوحد؛ بين 
السادات وإسرائيل منذ البداية. 

فهل كانت مصادفة أن نشارك إسرائيل احتفالاتها بيومها القومي بحجه احتفال مصر بيوم 
«ثورة التصحيح؛ في 15 أيار/مايو من كل عام؟ 

وهل كانت مصادفة أن نشارك إسرائيل احتفالتها بنصر 5 حزيران/يونيو عام 1967 حتى يجري 
الاحتفال معهم بحجه افتاح قناة السويس؟ 

إذا كانت الضرورة الملحة سبباً في سرعه قيام #ثورة التصحيح". 
ضرورة ملححة في افتاح قناة السويس يوم النكسة؟ 

وبمناسبة احتفالات إسرائيل بعيدها القومي نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تقريراً عن 
النشيد الوطني لمصر! حيث كشفت قصة تغيير النشيد الوطني لمصر عام 1979 من نشيد 
«والله زمان يا سلاحي اشتقت لك في كفاحي». إلى نشيد «بلادي بلادي» الذي أعاد توزيع 
ألحانه الموسيقار محمد عبد الوهاب. وفي تقريرها قالت معاريف إن الحكومة الإسرائيلية 
عام 1978 تغيير النشيد الذي يحتوي على كلمات 
الحرب والسلاح! وأضاف التقرير أن تغيير النشيد كان استجابة لطلب إسرائيل! 

القد أطلق السادات على أحداث يوم 13 أيار/مايو «ثورة 15 مايو», أو «ثورة التصحيح؟ 
واعتبرها عملية تصحيح لثورة تموز ايوليو. وتحدث عن ثورة تموز ايوليو باتهامات كثيرة» منها ما 
ذكره في كتابه: البحث عن الذات: قصة حياني من أنه «بقدر ما كانت ثورة يوليو عظيمة.. عملاقة 
في إنجازاتها. كانت أيضاً عملاقة في أخطائهاء”". وتحدث أيضاً عما سببته الثورة أو ما حدث 
في عهد جمال عبد الناصر من انتكاسات. وأشار إلى أن هناك أشياء أساسية ثلاثة أدت إلى 
استنزاف ثروة مصر: أولها ‏ الوحدة مع سورية؛ وثانيها ‏ حرب اليمن. وثالثها ‏ هزيمة عام 
7.. ومن المعروف أن السادات كان له دور أساسي في الوحدة مع سورية وحرب اليمن» 
وهما حدثان أساسيان في تاريخ مصرء لكنه لم يحمل نفسه المسؤولية: إنما حمل الآخرين 
المسؤولية في هذا الأمر. 

الكن بعيداً من التواريخ يبدو تصرف هذه «المجموعة الناصرية» حتى الآن أميل إلى 
«الكوميديا السوداء» أكثر من أي وصف آخر يسيب الخفة والرعونة التي تخلوا بها عن السلطة. 
مسؤولون يتحكمون في وزارات السيادة كافة: والقوات المسلحة: والمباحث العامة والمخابرات 
العامة والمخابرات الحربية» والحرس الجمهوري. والتنظيم الطليعي والاتحاد الاشتراكي 








ترى هل كانت هناك 














(82) السادات. البحث عن الذاث: قصة حباني. ص 389. 


ل 


ومنظمة الشباب, ولديهم أجهزة تجسس على السفارة الأمريكية.. مسؤولون يعلمون خطط 
السادات المغايرة لسياسات جمال عبد الناصر. بل إنهم سمعوا بآذانهم خطة السادات للقيض 
عليهم ورميهم في السجون. ولم يتحركوا! 

القد بدأ السادات حكمه بمواجهة «جبهة القوة والسلطة». حيث عمد إلى إطاحة كل 
«المجموعة الناصرية» رفاقه في الحكمء إثر اعتراضهم على أسلوبه الفردي في اتخاذ القرار. 
واعتراضهم المتكرر على سياساته المناقضة لمبادئ ثورة 23 تموز /يوليوء والأهم إصراره 
على رفض التصديق على قرار المعركة. الذي كان جمال عبد الناصر قد صدق عليه بالفعلء 
بعدما اكتمل الاستعداد لحرب التحريرء وفي ظل تفوق القوات المسلحة المصرية بالنسبة 
الى الإسرائيلية» كما يوثق الفريق أول محمد فوزي في كتابه: مذكرات الفريق أول محمد 
فوزي: حرب الثلاث سنوات: 1967 1970. ففي أول اجتماع عقده السادات مع كبار قادة 
القوات المسلحة المصرية؛ في 30 كانون الأول/ديسمبر 1970 قال الساداء ب أن 
نستعد للمعركة في أي وقت حتى 5 شباط/فبراير |0197 ونهيئ الشعب لها .ثم تقرر مد 
وقف إطلاق النار لمدة شهر يبدأ من 5 شباط/فيراير 1971 حتى 5 آذار/مارس 1971 لكن 
السادات استمر في مناوراته» ورفض التصديق على أمر القتال» رغم أنه أخذ يروّج علئ. في 
كل خطاباته: «إن عام 1971 هو عام الحسمء إن سلماً أو حرباً»؛ ومر العام دون حسم من أي 
نوع؛ يخص قرار الحربء أو التوصل إلى حل. لكن حدث حسم من نوع آخرء وفي ميدان 
آخرء وإن كان وثيق الصلة بنيات السادات الحقيقية في شأن موقفه من الحرب» ومن الصراع 
العربي ‏ الإسرائيلي برمّته؛ وذلك عندما قام بعزل كل «المجموعة الناصرية» من السلطة» 
التي كانت تصر على بدء معركة التحرير التي طال انتظارهاء واستكملت الاستعدادات 
لضمان النصر فيهاء وهو في الحقيقة إنما كان يعزل نظاماً بأكمله بأيديولوجيته وتوجهاته 
وسياساته. 

ومن المعروف أنه عقب تقديم أفراد هذه «المجموعة الناصرية» استقالاتهم. في ١3‏ أيار امايو 
قام السادات بالقبض عليهم؛ وألصى بهم قضية «انقلاب على الشرعية»: وأودعهم 
السجون.وقد بلغ عدد المقبوض عليهم خلال يومي 14 و15 أيار/مايو أكثر من ألفّي قيادي. أو 
شخصية مهمة؛ أو كادر مسؤول في الهيئة التنفيذية أو التشريعية, أو قيادة في أجهزة الاتحاد 
الاشتراكي العربي» حسب تقدير عبد الله إمام» في كتابه: انقلاب السادات: أحداث 15 مايو 
1. وهو بهذه الضربة الحاسمة لكل «رموز النظام الناصري؛ قد تمن لا من الرئاسة وتأمينها 
بهذا الانقلاب الشامل فحسبء إنما استطاع أن يحدد مواضع التحدي الذي ينتظره بخياراته: 
الحل أو الحرب. ثم إنه أدرك أن القوات المسلحة هي العنصر الحاسم. مهما كان الخيار الذي 
يفضله أو تفرضه عليه حقائق الأمور. 























3- روايات المؤامرة 

من الغريب أن السادات قدم «رواية» أخرى بالغة الغرابة لتبرير «قرارات الانقلاب»؛ حيث 
قال في مذكراته: «كان المفروض أن أذهب في يوم الخميس 3! أيار/مايو سنة 1971 إلى مديرية 
التحريرء لكني علمت أنهم دبّروا كميئاً هناك لاغتيالي. فأجلت الرحلة معتذراً بأني مجهد. 
وقررت أن أتخلص منهم. لكن كان لا بد من إلى أن أتى يوم ١١‏ أيار/مايو فجاءني ضابط 
بوليس شابء ثم تكن له سابق معرفة. وهو يحمل معه شريط تسجيل عليه مكالمة تليفونية بين 

اثنين من مراكز القوة. بنذ فيه تآمرهم علي وعلى الدولة, وكيف كان الإذاعة محاصرة يوم 
جلسة اللجنة المركزية للاستفتاء على مشروع الوحدة» حتى إذا لجأت إلى الإذاعة لأخاطب 
الشعب أحاصر هناك ويغتالوني. عندما وصاني هذا الدليل قا أن أصفيهم على الفور. 
فلم يعد هناك شك في تآمرهم على مصرء بدأت بإقالة وزير الدا: لية زعيم التآمر»”""! 

يبدو أن البطل الحقيقي في قضية انقلاب أيار/مايو هو التسجيلات التليفونية» وقد فصل هذا 
الموضوع موسى صبريء المقرب جداً من السادات, في كتابه: وثائق 15 مايوء حيث يذكر «أن 
طه زكي. الضابط المسؤول عن مراقبة التليفونات في المباحث العامة بوزارة الداخلية. كان 
يحمل حقيبة سوداء صغيرة داخلها أشرطة قيل إن فيها حصيلة أجهزة تنضّت وضعت 
في منزل السادات؛ ومكاتب رئاسة الجمهورية» وذلك لحساب سامي شرف... هذا بالإضافة 
إلى تسجيلات لمحادثات بين المسؤولين؛ تنفيذاً لأوامر شعراوي جمعة؛ وزير الداخلية. 
ويضيف صبري: أرسلت الشرائط إلى الرئيس ليسمعها بنفسه حتى الساعة الرابعة صباحاًء 
واستدعى الضابط طه زكي. وطالبه بالاستمرار في المتابعة؛ وأن فوزي عبد الحافظ لديه 
تعليمات صريحة باستقباله في أي وقت». بينما يؤكد هيكل؛ في كتابه خريف الغضب أن 
إنات السادات لم تكن موضوعة تحت المراقبة: لكن الرقابة وضعت على تليفونات جميع 
يتصل بهم بلا استخناء"". 

ويقول أحمد كامل مدير المخابرات العامة حتى 21971/5/13 في مذكراته يعنوان: أحمد 
كامل يتذكر: «لم تكن التقارير التي حملها رسول السلام ‏ كما قيل بعد ذلك هي التي كشفت 
عن تفاصيل الاتصالات بين مجموعة الوزراء. لكن كانت تقارير المخابرات» والتي وضعت 






























الذي 






تحت تصرف الرئيس قبلهاء هي التي أدت هذه المهمة». ثم يقرر بوضوح من موقع العارف 
بمضمون هذه الاتصالات: «والحقيقة أنه إذا تجوزنا عن هذه النقطة» فلم يكن لدى المجموعة 
إمكان صنع انقلاب. حتى لو أرادت»"". 


(83) المصدر تفه. ص 296 297. 
(84) هيكل. خريف الغضب: قصة بدابة ونهاية عصر أثور الساداث. ص 96. 
(85) عز الدين. أحمد كامل بتذكر: من أوراق رئبس المخابراث المصربة الأسبق. ص 20. 


لور 


كما يقرر بحسم وقطع في موضع آخر من مذكراته» بعد أن عرض أصول الخلاف بين 
السادات وهذه «المجموعة»» وإقراره بقيام #علاقة خاصة» سابقة وممتدة بينه وبين السادات» 
وأنه في هذا الخلاف كان أقرب إلى السادات: «لكنني مع ذلك أقترف ظلماً فادحاً للأشخاص 
والأدوار والتاريخ إذا أقررت بأنه كانت هناك محاولة انقلاب» أو حتى شبهة انقلاب»*". 

ومن اللافت أن أحمد كامل يشير في مذكراته إلى أنه التقى السادات في 1971/5/9 
لاستنذانه في السفر إلى موسكو لمقابلة «أندروبوف» رئيس الاستخبارات السوفياتية» والرئيس 
السوفيائي بعد ذلك. وتحديد موعد السفر. لكن السادات لم يرد. ويضيف: «كان اللقاء قد 
انتهى» وخرج معي من غرفته إلى الصالة. ووقف على الباب الخارجي لبيته. وهو يوصلني بود 
واضح. لم يد عليه شيء. لكنني كنت أحس أن أمراً ما يعتمل في داخله. وأنه يوشك أن يتخف 
في شأنه قرارً... سألني: متى تعتقد أنك ستسافر إلى موسكو لتقابل «أندروبوف؛ 
الرئيس خلال أسبوعين. استطرد بصوت عميق دون تفكير: لا .. مش حتلحق تساقر»! 

ويتابع أحمد كامل: إنني كنت أتصور أن قرار الحرب سوف يتخذ قبل مرور هذين 
الأسبوعين. لكنني عندما أبلغت سامي شرف هذا الحوار "جحظت عيوني غير مصدقء وأنا 
أسمع سامي شرف يعلق على ما قاله السادات ضاحكاً ذلك يعنى أمراً واحداً.. إنه 
سوف يخلعك من رئاسة المخابرات قبل أسبوعين»". إن توقع شرف لا فقط قد أصاب كبد 
الحقيقة» إنما زج بهما معاً في غياهب السجن بعد أيام. وإذا وضع في الاعتبار أن أحمد كامل 
قد التقى السادات في 1971/5/9 وأن أشرطة تسجيل المكالمات قد وصلت إلى السادات في 
١١‏ أيار/مايوء فإن ذلك يؤكد أن «الانقلاب» الذي قاده السادات كانت جارية من قبل» 
وأن ذريعة «أشرطة التتسجيل» كانت نوعاً من «الإخراج السينمائي*!”*. 

ويؤكد عبد الله إمام في كتابه: انقلاب السادات.. أحداث مايو 1971 أن التسجيل الذي 
سمعه السادات كان حواراً بين فريد عبد الكريمء عضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي. 
وصديقه الكاتب الساخر محمود السعدني. وقال السعدني في حديثه: إن السادات لو فكر في 
الذهاب إلى الإذاعة فلن يمكنه أحد». ويؤكد إمام أن حسن طلعت. مدير المباحث العامة في 
ذلك الوقتء قال إن تليفون فريد عبد الكريم كان موضوعاً تحت المراقبة بقرار من السادات 
إليه كل موجه وتوشع على مكتيم ولكبه لويكن 
يقرأ. تحدث السادات عن هذه المسألة في خطابه يوم 4 أيار/مايوء قائلً: «كانوا يقولون إن في 
بيتك تسجيلاً عليك؛ بيت رئيس الجمهورية الخاصء كنت بأقول لهم بلاش كلام فارغ» 























(86) المصدر تقية. صن 37. 
(87) المصدر تقس صن 1917 


192 


في بيت رئيس الجمهورية» وجدنا جهاز 
أجيب الجهاز الإلكتروني اللي يبحث 


ويؤسفني أن أقرر أنه انضح أن أوضة مكتبي في 
امبارح بالليل» لأن بعد ده كله. وبعد كل ما جرى 
عن أجهزة ال 

هكذا أخذت قصة التسجيلات حيزها الكبير» وظل مصدرها الوحيد هو ما قاله السادات: 
والمؤيدون لموقفه في هذا الصراعء إلى أن تم الرد عليها فيما بعد. ومن المستغرب أن هذه 
الواقعة» التي تحدث عنها السادات في خطابه بتفصيل مسهبء لم يوجه عنهاء أثناء المحاكمات» 
سؤالاً لوزير الداخلية شعراوي جمعة, ولم يسأل فيها مدير المخابرات العامة أحمد كامل» ولم 
يستجوب فيها مدير المباحث العامة حسن طلعتء ولا هي دخلت ضمن قائمة الانهام ني 
القضية؛ ولا تحدث عنها الادعاء! 

ويرد أحمد كامل بوصفه مدير المخابرات العامة وقتدذ عليها في مذكراته. قائلاً: «في يوم 
الخميس 3 أيار/مايو اتصل بي فوزي عبد الحاقظ وقال: الرئيس السادات يطلب إرسال جهاز 
خاص من المخابرات العامة» للكشف عن أجهزة التسجيل والتنصت التي يعتقد أنها زرعت في 
بيته ومكتبه. تحركت بسرعة؛ واستدعيت نائب رئيس المخابرات شخصياء وكلفته يأن يذهب 
























تنصت مهما تكن دقته» وطلبت منه أن يحدثني تليفونياً من بيت الرئيسء وقبل أن يغادره. وينقل 


لي نتيجة عملية البحث» وذهب البحث في البيت وقناً طويلاً جداء 
وفي تمام الساعة الثامنة والنصف اتصل بي نائبي, قبل أن يغادر بيت الرئيس» وقال لي إنهم 
قاموا ببحث شامل ودقيق ولم يجدوا أية أج ات أو تنصت من أي نوعء وأن ٠‏ 
والمكتب نظيفان تماماً»» ويؤكد كامل: هما أشيع بعد ذلك عن زرع أجهزة تسجيل أو تنصت في 
وموئق قفي م التعارات اناا 


ومعه طاقمه. وا. 













ابي ارين لا ميم كلب ولقراب ردان 








اك الم قار ريطاي د ا الو عار اك 1 
الم يخط فيه حرفاً واحداًء إنما نشر على صفحة ما ذكره السادات في الخمسيئات بكتبه عن ثورة. 
3 تموز/يوليو عام 1952. وعن جمال عبد الناصر وفي الصفحة المقابلة ما أعاد «نسجهء 
للوقائع ذاتهاء فكان أن أصدر السادات قراراً بمنعه من دخول مصر. لقد نسي السادات أو 
تناسى» ما ذكره شعراوي جمعة في مذكراته: إن مجلس الأمة عقد اجتماعاً في 1971/5/10 
وعندما سئل السادات من بعض الأعضاء عن «مراكز القوى»؛ قال: لا يوجد حاجة اسمها «مراكز 


(88) المصدر تقسة. صن 23-23 


دور 


اقوى». وأكد أن الخلافات قد انتهت. وكان السادات يناور من جديد. يضيف جمعة: أكدت عليه 
الموعد المقرر سلفاًء في 1971/5/13. ليوقع السادات التعليمات الأخيرة للمعركة والتي تبقي 
وزير الحربية جاهزاً لخوضهاء بحضور محمود رياض وزير الخارجية: والفريق أول محمد 
فوزي وزير الحربية» وشعراوي جمعةء وسامي شرف. ويؤكد جمعة: في جميع الحالات كان 
السادات قد اتخذ قراراً بأن هذا الاجتماع لن يعقد؛ حيث كان. قبلها بأيام؛ قد أبلغ جوزيف 
سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أنه سيتحرك غية معارضيه. وعلى رأسهم وزيري 
الخارجية والحربية؛ لكنه كان يمارس لعبته المفضلة في المراوغة؛ وكما سيأتي بيانه كانت 
تسجيلات هذا اللقاء لدينا بالكامل. من خلال «عملية الدكتور عصفور»”". 

كانت التهمة الوحيدة التي وجهها السادات ونظامه إلى تلك القيادات» هي محاولة الانقلاب 
على السلطة الشرعية, بينما هيكل نفسه. في كتابه بعنوان: خريف الغضب. يشكك في وجود 
أدلة حاسمة على ذلك: «الحقيقة أنه لم تكن توجد في الملفات الظاهرة أدلة حاسمة على 
الإعداد لمحاولة انقلاب» إنما كانت هناك مجرد إشارات وتلميحات سجلتها المحادثات 
التليفونية بين الأطراف». وكان الدليل الوحيد الذي أشار إليه هيكلء» واعتبره وثيقة تدين القيادات 
الناصرية بتورطهم في التخطيط للإطاحة بالرئيس السادات, هي تلك الورقة التي كتبها الفريق 
أول محمد فوزي بخط يده ب اريخ 1 » وفيها يأمر رئيس أركان حرب القوات المسلحة 
المصرية الفريق محمد أحمد صادق ‏ الذي احتفظ بها ولم يظهرها إلا في مذكراته عام 1982 - 
بتوزيع قوات عسكرية لتأمين مدينة القاهرة ومداخلهاء والسفارات» وكذلك مبنى الإذاعة'*". 

ويذكر هيكل أن تاريخ إصدار هذا الأمر العسكري جاء توقيته مع حدوث الأزمة بين السادات 
و«جماعة علي صبري» في اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكيء وكان تبرير 
الفريق فوزي لإصداره هذه الأوامرء بعد ذلك» أن هذه الأوامر الصادرة عنه لم يكن وراءها أي 
استعداد لعمل انقلاب ضد الرئيس السادات؛ لكنه كان إجراء في إطار الاستعدادات للمعركة. 
العسكرية ضد إسرائيل. وعند مراجعة الوثيقة المكتوبة بخط يد الفريق فوزي"*". من كتاب 
خريف الغضب لا وجود لهذا التاريخ. 

ويشكك هيكل في حجة الفريق فوزيء ويرى أنها لم تكن مقنعة بالقدر الكافي؛ فقد كان 
صدور الامر مع الأزمة التي حدثت في اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية العليا مسألة 
يصعب إخضاعها للمصادفات وحدها. كما أن فوزي كان يعلم أن المعركة مع إسرائيل لست 
حالاً. ويتساءل هيكل: «هل كان للقوات المسلحة ‏ بتوجيه من الفريق فوزي ‏ دور مرسوم يكاد 
























(89) حساد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة للشاريخ. ص 171 172 
(90) هبكل. خريف الفضب: قصة بعابة ونهابة عصر أثور السادات؛ صن 160 103 
(91) المصدر تقس صن 102 


يصل إلى حد الانقلاب؟ ويجيب بنفسه على سؤاله: كل هذه الأسئلة احتمالات قابلة لكثير من 
الظنون والتساؤلات». فإذا كانت «الحقيقة أنه لم تكن توجد في الملفات الظاهرة أدلة حاسمة 
على الإعداد لمحاولة انقلاب» إنما كانت هناك مجرد إشارات وتلميحات سجلتها المحادثات 
التليفونية بين الأطراف» ‏ من ناحية:, وإذا كنا إزاء «احتمالات قابلة لكثير من الظنون 
والتساؤلات» ‏ من ناحية أخرى؛ حسب كلمات هيكل حرفياً. فأين مؤامرة الانقلاب؟ كذلك 
تجب الإشارة إلى أن الضغط من أجل المعركة كان هائلاً منذ رحيل جمال عبد الناصرء وأن 
تأجيلاً اضطرارياً لمدة ثلاثة أشهر قد تقرر نظراً إلى رحيله؛ ثم جرى تمديده لمدة شهر واحد 
انتهى في 7 آذار/مارس عام 21971 ما يعني أن قرار بدء العمليات العسكرية كان يمكن أن يتخذ 
في أي وقت مذ ذلك التاريخ. وليس من المتصور في كل الحالات أن يننظر قرار «تأمين 
القاهرة» إلى ما بعد اتخاذ قرار الحرب. أو قريباً منه. لأن الأمر يتضمن مهمات وأعمالاً كثيرة. 

ويضيف هيكل أن الفريق صادق لم يصدر تعليماته إلى ضباط آخر: 
انتظاراً وترقبأء وطبقاً لرواية صادق فإن فوزي لم يأخذ منه 
بدوره إلى أنه أعطى مثل هذا «التمام» إلى فوزي. حتى من قبيل «المناورة». خلافاً لكل التقاليد 
العسكرية المعمول بها على الدوام؟ فهل من المعقول أن الفريق أول فوزي لم بأبه لذلك؟ وهل 
من المعقول أن يصدر أمراً. بهذه الخطورة التي صورها هيكل. في إطار خطة أشمل لتنفيذ 
انقلاب» في 21 نيسان/أبريل» ثم لا يتابع خطوات التنفيذ على وجه الإطلاق؛ حتى قدم استقالته. 
في ١3‏ أيار/مايو؟ 











تضمنت أن «مصدر الأوامر: فوزي + شعراوي + سامي' 
لتأكيد تهمة الانقلاب: «ثم إن مصادر التعليمات التي قررها الأمر العسكري كانت مصادر 
سياسية حزبية؛ ولم تكن مصادر عسكرية. وحتى إذا كان الذين حدد أسماءهم كمصدر 
اللتعليمات سوف يقومون بهذه المهمة بحكم مناصبهم الرسمية» فقد كان مما يدعو إلى الدهشة 








شؤون رناسة الجمهورية ‏ بالذات ‏ لا يمكن وصفهما بأنهما «مصادر سياسية حزبية»؛ فهم 
وزراء قبل أي اعتبار آخرء وكلاهما له دور أساسي في «تأمين العاصمة» بغير جدال؛ الأول 
مسؤول عن الدفاع المدني؛ وحماية المنشأت الحيوية والمهمة؛ والثاني مسؤول عن «أمن رئيس 
الجمهورية' قبل أي اعتبار آخرء كما أن الحرس الجمهوري تابع له. وهو يضم وحدات عسكرية 
اشاركت في حربي عام 1967 وعام 1973. وإذا كانت هناك «خطة مركزية كبرى» عنوانها: إعداد 
الدولة للحرب» بنودها يعود إلى كل مسؤول في موقعه. دون الحاجة إلى العودة إلى 
رئيس الجمهورية أو حتى رنيس الوزراء في كل خطوة, لأنهم عاصروا إقرار تلك الخطة منذ بدأ 
العمل لإزالة آثار العدوان» ومن باب أولى وزراء الحربية والداخلية وشؤون رئاسة الجمهورية. 








5و1 


كما أن الأمر العسكري لا يشير مطلقاً إلى ما أطلق عليه هيكل تعبير "إغلاق العاصمة»؛ لآن 
ذلك الأمر يخلو من أية ترك تفصيلاء : 
«المهمة» بالكامل إلى رئيس الأركانء ما يؤكد أن خطوطها العامة كانت مقررة» ضمن خطة 
إعداد الدولة للحرب. حيث كان «الغرض» حرفياً: «تأمين القاهرة ‏ أي احتمالات ‏ نظام الكود - 
أماكن التجمع ‏ أرقام تل (التليفونات).. إلخ»! وإذا كان «فوزي» بتعبير هيكل: «عسكري 
كفء». فضلاً عن ما هو معروف عنه من درجة عالية من الانضباط والصرامة؛ فهل كان يغيب 
عنه إقحام «مصادر سياسية حزبية» دون مقتضى في «أمر عسكري؟؟, وإذا كان هذا «الأمر» هو 
جزء من الترتيب (اب» فهل كان هذا «العسكري الكفء». بالغ الانضباط والصرامة» 
يلقي به إلى أي طرف آخر دون أن يكون واثقاً من ولانه؟ وهل يلقي به إلى رئيس الأركان 
تحديداً متصوراً أنه لن يفهم مغزاه ومراميه؟ كما أن كلمة «مصادر حزب التي استخدمها 
هيكل. بالتحديد يالغة الغرابة» كما أنها تثير الكثير من الريبة. 

إن إلصاق تهمة التخطيط من قبل القيادات الناصرية للقيام بانقلاب ضد السادات أمر يصعب 
اتصديقه. لكثرة التناقضات التي وردت في شهادة هيكل نفسه. فضلاً عما تكشّف فيما بعد من 
حقائق تؤكد استبعاد هذه الفكرة. إن تصور أن القائد العسكري محمد فوزي, الذي كان يتمتع 
بالكفاءة العالية كجنرال محترف بشهادة أعداته وخصومه. يقوم بالتخطيط والمشاركة في عملية 
انقلابية. سوف يلعب فيها الجيش المصري الدور الأول والأساسي. ثم يقوم هذا القائد 
العسكري الكفء بتقديم استقالته. وهو يعلم أن تقديم الاستقالة يلخي وعلى الفور كل ما له من 
سلطات وصلاحيات بالجيش المصري. ثم يكتفي هذا القائد الكفء فقط بعقد اجتماع لكبار 
القيادات العسكرية. وتبليغهم استقالته لان رئيس الجمهور البلد للولايات المتحدة.. ثم 
يذهب إلى منزله لا يمكن أن يكون قد فكر أصلاً في تدبير انقلاب. 

بعد ما يقرب من تسع سنين عاد هيكل لينفي ما سبق ورواه في كتابيه الطريق إلى رمضان 
وخريف الغضب. بل وينفي عن جميع من حضروا جمال عبد الناصرء شبهة التآمر 
أو الصراع على السلطة. إنما أظهر أنهم جميعاً قد أعربوا عن عزمهم على تخطى الكارثة بروج 
الجماعة: «كان هناك أنور السادات وحسين !١‏ افعي وعلي صيري وشعراوي جمعة وسامي 
شرف واللواء الليثي ناصف وأناء وكانت هناك فترة صمت ثقيل» وأحسست أنني أستطيع أن 
أتكلم نقد كنت أمام الكل من أقرب الناس إلى جمال عبد الناصر, ثم أنني كنت من أبعد 
الناس عن صراعات السلطة؛ فالكل يعرف أنني أحصر طموحي كله في إطار مهنتي؛ قلت إن 
أهم شيء هو الاستمرارء وأن نحاول قدر ما نستطيع ملء الفراغ بعدهء ثم قلت لا بد أن ن 
رنيساً يتولى السلطة ‏ ولو مؤقتاً - على الفور. وإذا اتفقنا على ذلك فإن القاعدة الوحيدة التي 
أعتقد أنها تحكم موقفنا هي الاحتكام إلى الدستورء وأحسست أن أنور السادات استراح لما 





























196 


قلت. وللإنصاف فإن أحداً لم يعارض. كان الكل على مستوى المسؤولية في تلك اللحظة 





الحرجةة, 

ومثلما ررّج هيكل مقولة «الصراع على السلطة». أطلق على «المجموعة الناصرية» تسمية 
«جماعة علي صبري». وقد لفت النظر تكرار استخدامه لذلك ا في كتاباته وصفاً 
اللقيادات الناصرية. االجماعة» يضفي عليهم أنهم يمثلون أقلية» المت حول شخصية 


مركزية هي شخصية علي صبري. وهو توصيف يطلق في الغالب على المجموعات الخارجة 
عن القانون. وقد شاع واتسع استخدام مصطلح «جماعة علي صبري» في وسائل الإعلام 
المصرية» كما ورد في أول بيان صدر عن المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكي بتكويئه الجديد» 
يؤيد فيه السادات؛ فجاء وصف «المجموعة الناصرية» في البيان بأنهم مجموعة خارجة عن 
القانون» وليست لهم علاقة لا بالناصرية ولا بالاشتراكية. غير أن هذه الجماعة التي تمثل «أقلية» 
كانت تسيطر على أغلبية الأعضاء في مجلس الامة؛ وأعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي» وهما 
أكبر المؤسسات الجماهيرية في النظام الناصريء بل ويذكر هيكل أن سيطرتهم امتدت إلى أبعد 
من المؤسسات الشعبية» فوصلت إلى جهاز المخابرات العامة؛ والتنظيم الطليعي «طليعة 
الاشتراكيين» في الاتحاد الاشتراكي. 

ورغم وجود خلافات بين أفراد هذه الجماعة؛ فإن هيكل قد أوجد لهم أرضية مشتركة 
توحدهم وهي: «المصالح المشتركة في الحيلولة دون أي شخص من خخارج جماعتهم تكون 
اله سلطة حقيقية في اتخاذ القرارات. كانوا يريدون أن تبقى كل السلطة داخل الحكومة 
والحزب والجيش في أيديهم. كانوا سكارى بحب السلطة» وإن لم يكونوا مرتشين» لكن 
السلطة التي أرادوها بعد وفاة جمال عبد الناصر كانت أبعد ما تكون عن مضمون اجتماعي. 
كانوا يرددون مبادئ وأقوال جمال عبد الناصر بطريقة عمياء. وكانوا يريدون أن يجعلوا من 
الزعيم الراحل هرماً رابعاً وأن يكونوا هم أنفسهم الكهنة الأوائل الدائمين والوحيدين 
الضريحه». 

من ناحية أخرى فإن السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه. في شأن إمكانية أو معقولية «تآمر» 
المجموعة الناصرية على السادات وعلى الدولة: هل هم في حاجة أصلاً إلى أي مناورات 
العزل السادات مباشرة» بل ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى»؟ وذلك في ضوء ما كان متوافراً 
الديهم من تسجيلات «عملية الدكتور عصفور». وبخاصة في شأن «القناة لعي ات 
السادات مع الولايات المتحدة. وإسرائيل؛ عندما أرسل عبد المنعم أمين لمقابلة دوناا 
القائم بالأعمال في بعثة رعاية المصالح الأمريكية في مصرء لفتح خط اتصال مع إسرائيل» 
ويعرض عليها تسوية سلمية؛ بينما الدولة كلها تتنظر منه التوقيع على قرار الحرب ‏ من ناحية. 
واللقاء الذي عقده مع جوزيف سيكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية؛ في 1971/5/9 كما 

















197 


سيأني بيانه» وأبلغه أنه بصدد القيام بعملية تغيير عميقة في قمة السلطة في مصرء وتصفية 
شاملة لكل هذه المجموعة؛ وعلى رأسهم محمود رياض وزير الخارجية؛ والفريق أول محمد 
فوزي وزير الحربية» لأنهم يصرون على خوض معركة التحريرء وهو لا يريد الحرب ‏ من ناحية 
أخرى. 

ويبقى الليثي ناصف هو ضحية تلك الأحداث؛ كان ناصف ناصرياًء وكان جمال 
عبد الناصر هو الذي اختاره لقيادة الحرس الجمهوري. وكان يثق فيه ثقة عمياء. وعندما احتدم 
الصراع على السلطة عام 1971. ذهب ناصف إلى سامي شرف وزير شؤون رئاسة الجمهورية» 
والمسؤول عن الحرس الجمهوري وسأله: «أتحرك لمصلحة مين؟» كان رد شرف: «نفذ أوامر 
رئيس الجمهورية». وبالفعل نفذ ناصف كلام شرف؛ فتحرك للقبض عليه وعلى باقي 
المجموعة؛ فور صدور أوامر السادات له بذلك. ولآن السلطان؛ أي سلطان. يكره من رأوه 
صغيراً أو من كان لهم فضل عليه؛ فقد منح السادات ناصف رتبة فريق وأعفاء من منصيف 
وأرسله إلى لندن حيث سيتم إلقاؤه من البناية التي يسكن بهاء والترويج أنه انتحر بسيب حال 





وفي شهادة أحمد كامل رئيس جهاز المخابرات العامة؛ كما وردت بمفكراته. يقول: إن كبار 
قادة القوات المسلحة ذهبوا إلى الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية. وقالوا له لا نقبل على 
كرامتنا أن يكون السادات هو رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة؛ ونطلب منك 
إما أن يأني زكريا محيي الدين رئيساًء أو أن تتدخل أنت شخصياً وتتولى رئاسة الجمهورية. 
والجيش كله معك. وبالفعل أجرت المخابرات العسكرية استقصاء للرأي في الجيش؛ ووجدت 
أن الأغلبية ضد رناسة السادات؛ ومؤيدة لتولي زكريا محبي الدين أو فوزي الرناسة بدلاً منهه 
لكن المجموعة الناصرية أجهضت هذا الطرح» وضغطوا على الفريق أول فوزي لتمرير تولي 
السادات رناسة الجمهورية”. 

مع العلم أن جميع أفراد هذه المجموعة ممن عملوا إلى جوار جمال عبد الناصرء وكانت 
تمسك بين أياديها يكل مفاتيح القوة والسلطة في مصرء في الدولة وني 
الحاكم «الاتحاد الاشتراكي» يغير استثناء؛ فععلى المستوى التنفيذي كان من بينهم: وزراء 
الحربية والداخلية والخارجية وشؤون رئاسة الجمهورية والإعلام» ومديري المخابرات العامة 
والمباحث العامة والمخابرات الحربية؛ وعلى المستوى التشريعي كان من بينهم: رئيس 
مجلس الآمة ونوابه ورؤساء اللجان ومعظم أعضاء المجلسء لأنهم هم الذين يتولون الترشيح 
للعضوية من خلال التنظيم السياسي. وعلى مستوى التنظيم السياسي كان من بينهم: أمين 












(92) عز الدبن. أحمد كامل بتذكر: من أرراق رئيس المخابرات المصرية الأسبق. ص 60. 


198 


التظيم الطليعي الذي يمسك فعلياً بكل خيوط السلطة» وهو شعراوي جمعة, ويهذه الصفة 
كان مسؤولاً عن الترشيح لكل المناصب التنفيذية والتشريعية والسياسية والقضانية. وكل 
أعضاء التنظيم الطليعي؛ كما أنه كان يشغل منصب أمين ٠‏ في الاتحاد الاشتراكي. ولهذا 
اقرر جمال عبد الناصر أن يشارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية العليا أعلى مستوى للسلطة. 
دون أن يكون له حى التصويت, والأمين العام للاتحاد الاشتراكيء وأغلبية أعضاء اللجنة 
ية العلياء وتقريباً كل أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي» وكل منظمة الشباب 














الاشتراكي. بل ليم الطليعي. التي كاد 
بعد رحيله. ولم يشغلها السادات حتى جرى حل التنظيم. وإن كان قد تولى رئاسة الاتحاد 
الاشتراكي. 


فضلاً عن ذلك هل من المعقول. أو من المتصوٌّرء أن يقوم أفراد تلك «المجموعة» التي 
«تتآمر» على الرئيس وعلى الدولة بتقديم استقالاتهم طواعية؟ ومن الغريب أنهم تصوروا أنفسهم 
في ظل «نظام ديموقراطي»؛ فتقدم الوزراء إلى رئيس الجمهورية الذي عينهم؛ بينما الآخرون 
باستقالاتهم» حسب الأصولء إلى المؤسات التي تولت انتخابهم؛ فتقدم رن مجلس الأمقء 
والقيادات التي استقالت معه. إلى أعضاء المجلسء كما تقدم أعضاء ١‏ بة العليا 
.باستقالاتهم إلى اللجنة المركزية التي انتخبتهم. ثم تقدم أعضاء اللجنة المركزية إلى المؤتمر 
القومي العام الذي انتخبهم! وكان تصور هؤلاء أن تلك المؤسسات ستجتمع للاستماع إليهمء 
العرض دوافعهم للاستقالة. بل و«الحكم» بينهم وبين رئيس الجمهورية. لكن السادات ببساطة 
لم يعر هذه الاعتبارات الدستورية والقانونية أي اعتبار فقبل هو استقالاتهم جميعاًء وأصدر 
قرارات بحل هذه المؤسسات جميعها! 

ومن اللافت للنظر أن السادات صدق على الحكم الذي أصدرته المحكمة على الفريق أول 
محمد فوزي وزير الحربية بالسجن 15 عاماًء بداعي تقدير دوره في إعادة بناء القوات المسلحة. 
المصرية. بعد هزيمة عام 1967ء وبعد ذلك أصدر قراراً بالإفراج عنه. واستقبله علناء وقدم له 
الشكر في لقانهما على أنه لم يذكر السبب الحقيقي الذي دعاه إلى تقديم استقالته. والذي 
يتمثل برفض السادات توقيع قرار الحرب. بل وأصدر قراراً آخر بأن يعامل فوزي معاملة وزير 
الحربية في السلطة مدى الحياة: رغم تقاعده! 

وفي السياق ذاته أشار شعراوي جمعة في مذكراته إلى الاجتماع الذي عقدته «أمانة التنظيم 
الطليعي» برناسته. في 197//5/12. لمناقشة تطورات الموقف الداخلي. وما حدث في الاحتفال 
بعيد العمال في أول أيار/مايوء وكذلك إقالة علي صبريء وما يثار داخل لجان الاتحاد الاشتراكي 
مناقشاتنا انتهت إلى استتاج قوي اتفقنا 
عليه جميعاً؛ وهو أن السادات لا يريد المعركة. ويريد ضرب المؤسسات, وأنه خرج عن خط 














حول الموقف ضد تصرفات السادات. ويضيف: 





وول 


جمال عبد الناصرء وتراجع عن كل النقاط التي تم الاتفاق عليها أثناء ترشحه؛ بل خرج عن 
كلمته التي قالها في مجلس الامة: «جنت إليكم على طريق عبد الناصرء وليس معي غير بيان 
0 آذار/مارسء وهو دليل العمل»»”". 

ويقول جمعة: «كنت قررت تأجيل الحديث حول الحوار الذي دار بين السادات وجوزيف 
سيسكوء كما سيأني بيانه تفصيلياء لآخر لحظة. وحين قمت بعرض تفاصيل ما جرى 5 
وبخاصة ما قاله السادات لسيسكو من أنه يصلي من أجل أن يأتي دايان رنيساً للوزارة في 
إسرائيل» وأنه ينتوي إجراء تغييرات داخلية قريب ووعده فيها أنه سيتخلص من وزيري الخارجية 
والحربية» لأنهما يضغطان عليه لكي يحارب. عندها ثارت ثائرة الحاضرين بالاجتماع: وغضبوا 
جميعاً. وقالوا لم يعد الأمر يتوقف عند حدود أنه لا يريد المعركة» وأنه يسعى بشتى الطرق إلى 
تأجيلهاء بدون مبررء وفقطء لكنه بهذا الكلام الذي قاله لسيسكو يُدخل نفسه في خخانة «الخيانة 
العظمى». ووسط ثورة الحاضرين من هول ما سمعوه للتوّء أشار البعض إلى «ضرورة تدخل 
القوات المسلحة»» ورفض التطرق إلى مثل هذا الإجراء من حيث المبدأ. واتفقنا على ضرورة 
ون تله الترايجية تلح بيع اللالائ» أن تمد لحطله وسيانة يلاي ؛ لتو 














للاسف الشديد كنا قد بدأنا متأخرين جداً... وكان السادات قد سبقنا بخطوات كثيرة لتحفيق 
ممخططائه»'*". 

بل إن سعد زايد الذي كان يتولى وزارة الإسكان في حينه. وهو أصالا من «الضباط 
الأحرار»» كان قد طلب من هذه «المجموعة الناصرية»: عربة مصفحة وعدة جنود لاعتقال 
السادات» في ضوء تلك المعلومات التي توافرت لديهمء وإعلان أنه استقال في الإذاعة 
والتليفزيون» لكنهم رفضوا طلبه. 

أما «حكاية» التديير لاغتيال السادات, التي أشار إليها مرتين في مذكراته» فهي تثير لا فقط 
الاستغراب» إنما السخرية أيضاً من جرأة مزاعمه؛ فقد كان في متناول أياديهم طوال الوقت». 
وكان من الأفضل اعتقاله ومحاكمته لا فقط بتهمة التهرب من التصديق على قرار المعركة» إنما 
أيضاً بتهمة «الخيانة العظمى»: وكانت الأدلة متوافرة ودامغة» بل ومخزية. فضلاً عن ذلك كان 
السادات قد زار الجبهة عدة مرات بعد انتخابه را للجمهورية» يرافقه وزير الحربية الفريق أول. 
محمد فوزيء وما كان أسهل من انطلاق رصاصات «صديقة طائشة» من أحد الجنودء من 
«طريق الخطأء لاغتيال الساداتء إذا ما كان ذلك في الخاطر أو في النية. ولا بد من تكرار 











(93) حساد. وزير داخلبة عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة للتاريخ. ص 173 174 
(94) المصبر تقس صن 175174 


التأكيد هنا أن الذين يبادرون إلى الاستقالة لا يمكن أن يكون لديهم أي تخطيط باتجاه «التآمر» 
أولاًء ومن ثم لا يمكن أن يكون قد طرحوا أصلاً إمكانية الاغتيال. 

ينطبق الأمر نفسه على «الحكاية» التي كررها السادات في مذكراته وفي خطبه في شأن 
«محاصرة الإذاعة»؛ مرة أولى أثناء اجتماع اللجنة المركزية مشروع الاتحاد الثلاثي» 
مع سورية وليبياء رغم أن توجيهات شعراوي جمعة لأعضاء اللجنة كانت تتمثل بتأجيل 
تصور «التآمر». وعلى الأقل «المواجهة. 
كان يقضي بالتوجيه برفض الانفاق مباشرة» وبخاصة بعد أن كانت أغلبية أعضاء اللجنة 
ية المليا قد رفضت ذلك الاتفاق» عندما عرضه السادات عليهم» ٠‏ قبل عرضه على 
:. ومن المعروف أن 3 
#مواجهة * من نوع أخرء فعندما انتهى السادات من عرض الموضوع من وجهة نظره؛ طلب. 
علي صبريء نائب رئيس الجمهورية وعضو اللجنة التنفيذية العلياء أن تناح له فرصة عرض 
وجهة النظر الأخرى «المعارضة». فضلاً عن رأيه في الأسلوب الذي انتهجه السادات في 
التوصل إلى هذا الاتفاق» وعندما أخذ في عرض وجهة نظره قاطعه السادات عدة مرات» 

حتى اضطر صبري إلى طلب الاحتكام إلى أعضاء اللجنة في شأن استمراره في الحديث». 

افقام السادات بعرض الأمر للتصويت؛ فكانت النتيجة الموافقه على استمراره في الحديث 
بأغلبية 146 صوتاً مقابل 4 فقطء حيث كانت اللجنة مشكلة من 150 عضراً. فلماذا الفكير 
في «محاصرة الإذاعة»؟! 
وفي إطار «التشويق الدرامي» واستمرار «مسلسل الأكاذيب». وخلافاً للحقيقة. وصف 
السادات ذلك الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية» في خطابه الذي أعلن فيه تفاصيل 
«المؤامرة», بأنه كان مثالاً للفوضى. وأن أعضاء اللجنة عمدوا إلى التشويش على المتحدثين» 
وإحداث هرج ومرج في محيط الصفوف الخلفية, التي أخذت تصيحء على حد ت - 
هيه سيما أونطة» هانوا فلوسناء» وهو تعيير دارج في مصر في دور السيئما الهابطة. 
احتجاجاً من المشاهدين على سوء العرض السينمائي. وفي هذا السياق يقول شعراوي جمعة 
في مذكراته: «هذه الجلسة من اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي. ٠‏ والتي 
أعتبرها في غاية النضج السياسي» حاول السادات أن يشوّه صورتهاء وتحدث طويلاً. وفي أكثر 
من مرةه محاولاً تصوير الاجتماع بشكل غوغاني؛ وغير منظم. وأن الأعضاء يضربون الطاولات 
.بأيديهم» ويدبدبون بأرجلهم على أرض القاعة. وللحقيقة فإن شيئاً من هذا لم يحدث على 
الإطلاق' 



































(95) المصدر تقسه. صى 1423 


20 


وقد أشاع السادات أيضاً أن الإذاعة كانت محاصرة 
خبر «استقالة شعراوي جمعة» في نة والنصف مساء التي أعقيها مباشرة. 
بعد ساعتين ونصف الساعة, إذاعة خبر استقالات «المجموعة الناصرية» في نشرة أخبار الساعة 
الحادية عشرة مساءً. تحسباً في زعم السادات لتوجهه إلى المبنى لإلقاء خطاب إلى الامة. 
ولذلك فقد أصدر السادات توجيهاته إلى محمد عبد السلام الزيات» أحد رجاله الأقوياء ووزير 
الدولة لشؤون مجلس الأمة. بأن يتحرك بهدف «الاستيلاء على مبنى الإذاعة والتليفزيون». 
وعندما وصل الزيات إلى المبنى لم يجد أي شيء غير عادي. ووصل إلى مكتب وزير الإعلام 
بمنتهى اليسرء وبدأ في مباشرة مهام الوزير حسب توجيهات رئيس الجمهورية. 

إن رواية الزيات في هذه الليلة الحاسمة تستحق التوقف عندها؛ فقد أشار في مذكراته 
بعتوان: السادات القناع والحقيقة» :» إلى أن السادات بعث إليه برسالة عاجلة يطالبه بالتوجه إلى 
منرل 20 عاجلاً. 5-7 بالسيارة. 8 إليه من الرئاسة. ووصل منزل الرئيس فور البدء 


لة 1971/5/13ء مرة أخرى؛ بعد إذاعة 

















المنزل غير السادات؛ وكان يليس ملابسه |0 
هيكل.. كان هيكل في حال قلق شديد. ولم يتوقف عن السير جيئة وذهاباً إلى الصالون وهو 
يقول: «ربنا يستر.. ربنا يستر». وكانت | جيهان في حال ذعر بِْنء أما السادات فكان 
جالساً إلى جانب التليفون وهو يضع الطبنجة إلى جانبه» كان الصمت يخيم على جميع من 
في المنزل. وأردت أن أقطع هذا الصمتء قلت للسادات: «طبنجة إيه يا ريس اللي انت 
حاططها جنبك... دا أنا دخلت البيت بسيارتي الخاصة؛ ولم يسألني أحد من الحرس إلى أين 
أنت ذاهب. والحال عادية تماماً في الخارج؛ ولو كانت اك مؤامرة لنفذت بكل بساطة» 
علينا أن نفكر سريعاً إيه اللى حنعمله؟... أمامنا مهمتان عاجلتان, السيطرة على الإذاعة» 
وضمان أمن القاهرة. قال السادات: أنا طلبت الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري. وجاي 
حالاً لضمان أمن القاهرة الزيا. هيكلء وقال: «عليك يا زيات تروج 
الإذاعة. قلت لهيكل: «أنت أقرب إلى جو الإذاعة منيء فقد كنت وزيراً للإعلام». فقال: «أنا 
مش ممكن أروح أي حته.. ونظرت إليَ السيدة جيهان نظرة فيها رجاء. وقبلت المهمة وأنا 
أقدر خطورتها»» (ص 128). 

يفسر الزيات سبب موقفه: «الليلة كانت تسمح لأي مغامر أن يستولي على الإذاعة 
والتليفزيون» بل أن يستولى على السلطة». ويضيف: «قابلني وأنا في طريقي إلى اللخروج الليثي 
ناصف. وقال لي إنه بدأ في توزيع قواته في القاهرة وإنه يأسف لأن القوات لن تصل إلى 
الإذاعة إلا في الساعة السادسة صباحاء وطمأنني على الحال في القاهرة».. ومن المعروف أن 














202 


قوات الحرس الجمهوري قامت بدور بارز في تلك الليلة لتأمين تآمر السادات؛ وحماية العناصر 
المؤيدة له. 

وصل الزيات إلى الإذاعة. مساء 13 أيار/مايوء ودخل إلى المبنى لمواجهة الموقف. بعد 
إذاعة استقالات «المجموعة الناصرية»؛ و«سبقتها ولحقتها أناشيد مثيرة» بتعبير الزيات في 
مذكراته. وظل الزيات داخخل الإذاعة حتى الساعات الأولى من صباح 4 أيار/مايوء وكان دوره 
من الأدوار المهمة التي حسمت هذا الصراع لمصلحة السادات ضد خصومه فالإذاعة وقتنف 
كانت الأداة الإعلامية الرئيسية والمؤثرة» ويكشف في مذكراته أنه فور توجهه إلى مكتب وزير 
الإعلام المستقيل محمد فائق. حاول أن يخلق جواً من الرهية والتهديد. ويؤكد: «استدعيت 
المؤولين الذين تصادف وجودهم في مبنى الإذاعة؛ وكان بينهم محمد عروق. رئيس إذاعة 
صوت العرب. وسعد زغلول. وإسحق حناء ومنير حافظ الذي كان مديراً للاستعلامات؛ وكتبت 
على عجل قرارا بتعيين نفسي وزيراً للإعلام» دون الرجوع إلى السادات, بالإضافة إلى عملي 
وزير دولة لشؤون مجلس الأمةء وكلفت المسؤولين بإذاعة القرار». 

وبا 








باره وزيراً أصدر الزيات أوامره بوقف إذاعة الاستقالات. ووقف إذاعة «الأناشيد 
ويؤكد: «لم يخالف هذه الأوامر إلا محمد عروق. فقد أعاد إذاعة الاستقالات من 
إذاعة صوت العرب» ثم غادر المبنى مباشرة. وعينت سعد زغلول محله مشرفاً على إذاعة صوت 
العرب والإذاعة العامة وبدأ استدعاء جميع المسؤولين عن الإذاعة من منازلهم. وكان اهتمامي 
الأول بالقسم الهندسيء فقد كنت أعرف أن هناك محطات في أبي زعبل وفى طرة وغيرهما من 
الأماكنء ويمكن استخدامهاء وأجر. ريت اتصالات بجميع المحافظين في المحافظات التي تقع 
نيها هذه المحطات للانتقال فوراً إليهاء والمحافظة عليها ومتابعة ما يجري فيهاء وقررت أن 
تكون إذاعة صلاة الجمعة من مسجد الإذاعة» وكان مقرراً أن تذاع من إحدى المحافظات. 
وعندما جاء وقت الإذاعة الصباحية كانت درجة الأمان قد وصلت إلى 90 بالمئة». 

يكشف الزيات: «خلال هذا أمكنني تدبير خط مباشر بين الإذاعة ومنزل السادات» وأخذت 
أتلقى بيانات التأييد وبعض الاخبار. وأذكر أن أول بيان أمرت بإذاعته من بيانات التأريد أبلغني به 
عزيز صدقيء الذي كا: رئيس الوزراء ووزير الصناعة. وكان قد وصل إلى منزل السادات 
بعد مغادرتي له مباشرة» ويؤكد: إن المجهود الذي قام به عزيز صدقي في هذه الليلة. والذي 
حاول السادات أن يطمسه. لا بد وأن يذكرء فقد أجرى عدة اتصالات مع جميع رؤساء إدارات 
المؤسسات. وشركات القطاع العام ومع العديد من الزعماء النقابين» وأمكنه أن يؤمن جبهة 
العمال». 

كان الفريق محمد أحمد صادق. رئيس أركان حرب القوات المسلحة؛ هو الورقة التي اعتمد 
عليها السادات في تأمين موقف الجيش لمصلحته. وحسب مذكراته التي نشرتها مجلة أكتوبر. 


















20 


في 20 تشرين الثاني /نوفمبر عام 2011» يعترف بأنه كان يفسد ما يقوم ببئائه الفريق أول محمد 
فوزي وزير الحربية. في هذا المجالء كتأمينه لقيادة قوات الصاعقة؛ ويقول: اوخلال هذه الفترة 
المشحونة لم يكن الفريق فوزي يعلم أنني أفسد ما يقوم ببنائه» ويؤكد أنه في يوم 12 أيار امايو 
كان قد عاد إلى منزله وسمع نبأ الاستقالات الجماعية في الإذاعة؛ فعاد فوراً إلى الوزارة» 
ويقول: «اتصلت بالرئيس السادات لأول مرة تليفونياً؛ وقلت له إن القوات المسلحة خارج 
الصراعء وإنها لا تكن أي ولاء إلا للسلطة الشرعية ولمصرء وعليه أن يتصرف وهو على يقين من 
ذلك»» فرد: «أنا كنت أبحث دلوقتي لتحلف اليمين كوزير للحربية» 
فأوضحت لا أستطيع أن أترك مكاني حالياً في القيادة. وعندما أطمئن إلى استتباب الوضع 
سآني». 

يضيف صادق: «اتصلت بقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة؛ وقادة الجيوش؛ وقادة 
المنطقة المركزية» والرؤساء ومديري الإدارات» وطلبت منهم البقاء في أماكنهم وعدم التحرك إلا 
بأوامر مني شخصياً. وطلبت من المجموعة 39 قتال بقيادة العميد إبراهيم الرفاعي أن تؤمن 
مبنى وزارة الحربية والقيادة العامة». 

ويذكر سامي شرف في مذكراته. بعنوان: سنوات وأيام مع جمال عبد الناصرء أن أشرف 
مروان أبلغه بتعيبنه سكرتيراً للرئيس للمعلومات» ويؤكد شرف: «أشرت عليه ببعض الإجراءات 
التي يجب عليه أن يتتخذها لتأمين الأشرطة والعهدة من الأموال العامة والمصروفات السرية 
والاسلحة وطليت من محمد السعيد سكرتيري الخاص أن يسلم أشرف مروان الأشرطة التي 
كانت في عهدته. وقام قعلاً بتسليمها إليه مباشرة وبهدوء»؛ يؤكد شرف: «الكلام الفارغ 
والقصص الخيالية, التي دارت حول تسليم الشرائط» وإطلاق رصاصء ومطاردات بالسيارات» 
لم تحدث وأتحدى من يثبت غير ذلك»!". 

ومن المعروف أن وزير الإعلام محمد فائق كان قد ترك مكتبه فور إذاعة خير الاستقالات» 
بما فيه استقالته هو أيضاًء وتوجه إلى منزله. حسب الأصول. فهل من يعمدون إلى الاستقالة 
طواعية؛ ويتركون مراكزهم التي تعطيهم السلطة, ويذهبون إلى بيوتهم؛ يمكن أن يفرضوا حصاراً 
على مبنى الإذاعة والتلفزيون تحسباً لتوجه رئيس الجمهورية إلى المبنى لإلقاء خطاب إلى 
الآمة؟ 

فضلاً عن ذلك؛ وكما تقدم؛ أشار هيكل في كتابه: أكتوبر 73: السلاح والسياسة: إلى أن 
السادات تحدث صراحة مع اللواء الليثي ناصفء قائد الحرس الجمهوريء فهذا الحرس لديه 














(96) سامي شرف. سنواث وليام مع جمال عبد الناصر: شهادة سامي شرف, ط 3 (القاهرة: السكتب المصري الحديث. 
4 ص 1573 وما بعدها. 


كتيبتان من الدبابات وهو يستطيع إذا ألم بجوانب الموقف أن يحمي رنيس الدولة: ويجعل أي 
تفكير في التعرض له بالقوة عملية مكلفة. 

ومن باب الزيادة في الاطمتنان رأى هيكل. كما ورد في كتابه خريف الغضب””. أن من 
الضروري له أن يتحدث صراحة أيضاً مع الفريق صادق. رئيس أركان حرب القوات المسلحةء 
الذي أشار هيكل إلى أنه كان قد حسم أمره إلى جانب السادات؛ حسب لقاء سابق يينهما ني 
نيسان/أبريل عام 1971ء حيث قال له: «قل لهذا الرجل أن يصحو من نومه. وأن يأخذ حذره» 
الكن السادات طلب من هيكل أن يقوم هو بذلك لكي لا يلفت 1 'نظار» الذي أكد له أن صادق 
الن يقبل بإقحام الجيش في ما لا دخل له فيه. وفي كل الظروف فإن وزير الحرية لا يستطيع 
تحريك لواء واحد بدون أمر يصدره رئيس أركان الحرب. فمن أين إذاً يمكن أن تأتي القوات 
المسلحة لحصار مينى الإذاعة والتليفزيون»؟ ومن الذي كان «يتآمر» منذ البداية؟ 

القد أخبرني شخصياً وجيه أباظة» وكان من الضباط الأحرار الذين شغلوا وظائف 
متعددة؛ أنه حين كان محافظاً للغربية لاحظ أن السادات يعقد لقاءات متكررة في المحافظة مع 
مجموعة من ١‏ إليهء ومن أبرزهم صديقه محمود جامعء وعديله محمود أبو واقيه. الذي 
كان متزوجاً من شقيقة جيهان رؤوف زوجة السادات؛ وأنه زرع في وسط هذه المجموعة أحد 
رجاله ليعرف ماذا يدور فيهاء حيث كانت لافتة للنظرء رغم أنها كانت تعقد بطريقة سرية؟ بهذا 
الاسلوب علم وجيه أباظة أن محور هذه اللقاءات كان يدور حول حديث السادات في شأن 
مرض جمال عبد الناصر, الذي يؤكد أنه مرض خطيرء وأن الوفاة متوقعة في أية لحظة» ومن ثم 
يفكر المجتمعون في ما عليهم أن يفعلوه في هذه الحال؟ ولا شك في أن المعنى واضح. 

وقد أضاف أباظة أنه سارع إلى جمال عبد الناصر وأبلغه بتفصيلات هذه الواقعة. لكن جمال 
عبد الناصر هدّأ من روعه؛ وقلل من شأن ما تنطوي عليه؛ وأبلغه أنه «سيتصرف في الموضوع». 
وبعد عدة أيام فوجئ أباظة بزيارة غير متوقعة من السادات. الذي بادره إلى القول: «هل تتجسس 
عليٌ يا وجيه؟». فكان رده: ليس في الأمر أي تجسسء إنما من واجبي حمايتك طالما أنت في 
محيط المحافظة التي أتحمل مسؤولياتهاء وأنت ناتب رئيس الجمهورية. كان من الطبيعي أن 
يلاقي هذا الرد سخرية من السادات. 

هناك واقعة شخصية أخرى في هذا السياق» تتصل بتطورات الأحداث بعد إعلان قبول 
استقالة شعراوي جمعة. وقبول مجموعة الاستقالات التي أعلنت من الإذاعة؛ مساء يوم 13 أيار/ 

قفي اليوم التالي مبا: في القطار العائد إلى القاهرة من أسوانء من دون أن 

يعرفني أحد من ركابه؛ بعد انتهاء دورة التوجيه السياسي لمجموعة من المبعوثين إلى الخارج. 





























(97) هبكل. خريف الغضب: قصة بدابة ونهاية عصر أثور السادات. ص 103 


205 


للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه. كان الجميع في انتظار «الخطاب» الذي أعلنت 
الإذاعة أن السادات سيوجهه إلى الأمة. والمذيع يعلن من وقت إلى آخر: أيها السيدات والسادة» 
تنتقل الإذاعة بعد قليل إلى القصر الجمهوري بالقبة لإذاعة خطاب الرئيس أنور السادات» ثم 
يعقب ذلك بث أغان وطنية. وللعلم تأخر الانتقال ساعة كاملة عن الموعد المحدد؛ إلى السابعة 
ماءً بدلاً من السادسة. وهذه قصة أخرى تستحق أن تروى لاحقاً. 

كانت عربة القطار تعج بعد كبير من أعضاء مجلس الامة بمحافظات الصعيد وعلى رأسهم 
محمد عثمان إسماعيل. الذي كان محافظاً لأسيوط؛ واستعان به السادات كثيراً بعد هذه 
الاحداث» حيث أصبح أميئاً عاماً مساعداً للاتحاد الاشتراكي العربي. بعد إعادة تشكيله» وقد 
قام بدور بارز في دفع عناصر من جماعة «الإخوان المسلمين؟ الذين أفرج السادات عنهم وعقد 
اتفاقاً مع قادتهم. بعد «تسليحهم بالمطاوي والسنغ والجنازير» إلى الجامعات للاعتداء على 
الطلاب من العناصر الناصرية واليسارية؛ وكانت هذه الموجة هي بداية «توحش» هذه الجماعة 
من الجامعات إلى عموم مصرء حتى انتهى الأمر إلى السادات ذاته». أخذ إسماعيل يشرح بفخر 
كيف قام بجولات في محافظات الصعيد, منذ اء على توجيهات السادات. من أجل 
اتربيط» نواب الصعيد الموثوق فيهم لانتظار اللحظة المناسية التي سيجرى إبلاغهم بهاء عبر 
«كلمة سر معيئة» من خلال الإذاعة. وفور سماعها عليهم التوجه فوراً إلى القاهرة. حيث سيعقد 
مجلس الامة اجتماعاً طارناً لإسقاط عضوية رئيس المجلس ونوابه. ومجموعة من رؤساء 
اللجان والاعضاء. المعروف أنهم ينتمون إلى «المجموعة الناصرية». وكان هذا الحشد من 
نواب الصعيد في طريقهم إلى القاهرة. بعد تلقي الأمر بذلك عبر «كلمة السرء من خلال 
الإذاعة؛ حتى قبل أن يلقي السادات خطابه الذي شرح فيه ما حدث في اليوم السابق. الذي لم 
يكن هناك من يعلم بعد أبعاده وخفاياه. 

أما قصة «ساعة التأخير» في الانتقال إلى الإذاعة لنقل خطاب السادات» فهي بالفعل تستحق 
أن تروى؛ وربما تكون الإشارة جديرة في البداية إلى طرة شخصياً. وفرضتها 


































اصة قرارات 
تموزايوليو الاشتراكية» وكذلك حفلات «أم كلثوم؛ الشهرية ‏ هو الذي يتولى التنويه في الإذاعة؛ 
كما كان معمولاً به. من وقت إلى آخر: بعد قليل نتقل إلى القصر الجمهوري لإذاعة خطاب 
السيد الرئيس. وعندما حان الوقت إذا بهذا المذيع اللامع؛ ومن رفضه الباطني لهذا الرئيس 
الجديد. يعلن : أيها السيدات والسادة, الآن تنتقل الإذاعة إلى القصر الجمهوري بالقبة 
الإذاعة خطاب الرئيس جمال عبد الناصر! واستدرك سريعاً بتصحيح الإسم: الرئيس «محمد أنور 
السادات»: لكن المعنى والمغزى كان قد تطاير. فما كان من أحد القيادات من الفلاحين في 





206 


عرية القطارء من شدة رفضه الداخلي فكرة أن جمال عبد الناصر قد رحلء إلا أن قال: «هل كانوا 
مخيينه؟»! 

وقد قرر السادات. في إطار «حملة التطهير» الشاملة في جميع المؤسسات والأجهزة 
المصرية» عزل معوض من الإذاعة مع مجموعة من أبرز نجوم الإذاعة المصرية عبر تاريخها 
الطويلء باعتبارهم من أنصار «المجموعة الناصرية». وفي الحقيقة من المؤمنين بخط جمال 
عبد الناصر. 

القد تولى محمد حسنين هيكل رواية قصة «ساعة التأخير» في الانتقال إلى الإذاعة لنقل 
خطاب السادات لاحقاً. فمن المعروف أن السادات قد عمد إلى التدكيل بكل الذين وقفوا معه 
وساندوه وأيدوه في هذه المواجهة الفاصلة مع «المجموعة الناصرية». وكان من أبرزهم هيكلء 
وقد ذهب السادات إلى إلصاق الكثير من التهم به جزافاًء حتى وصل الأمر إلى تهمة «الخيائة 
العظمى»» كما تقدم ثم اعتقله ضمن اعتقالات أيلول/سبتمير الث اغتياله يشهر واحد. 
وعندما خرج هيكل من المعتقل مع مجموعة كبيرة من المعتقلين؛ بقرار من الرئيس الجديد 
محمد حسني مبارك أجرى حواراً مع مجلة المصورء كشف فيه دون أن يقصدء سر «ساعة 
التأخير» في الانتقال إلى الإذاعة لنقل خطاب السادات هذه. حيث قال إن السادات قد عرض 
عليه الخطاب الذي سيلقيه. ولفته أن معظم الخطاب قد ركز على أن «المجموعة الناصرية» 
كانت تريد أن تمنعه من استقبال جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية» ومن بعده 
وليم روجرز وزير الخارجية. رغم أن الحل في اعتقاده. حل «السلام والرخاء». سيأتي من خلال 
الولايات المتحدة؛ دون أن يشير في تلك المرحلة إلى أن «الولايات المتحدة تمتلك 99 بالمئة 
من أوراق الحل»؛ رغم أن المعنى كان متضمناً في ثنايا خطابه. وأشار هيكل إلى أن وجهة نظر 
«المجموعة الناصرية» كانت تتلخص في أن جمال عبد الناصر كان قد أكد, بالتجربة منذ هزيمة 
عام 1967. أنه لا أمل في حل سلمي من طريق الولايات المتحدة» وأن فرصة نجاح «مبادرة. 
روجرز» لا تزيد على النصف في المئة. فضلاً عن أن دماء الشهداء في مدرسة أطفال بحر البقرء 
وعمال مصنع أبو زعبل» وكلاهما بأطراف القاهرة. لم تجف بعد وكانت القوات الإسرائيلية قا 
ضربت الموقعين باستخدام طائرات الفانتوم حديثة الصنعء التي حصلت عليها من الولايات 
المتحدة. 

عرض هيكل وجهة نظر «المجموعة الناصرية» على الساداتء وأكد له أنها جديرة بالاعتبار. 
وآن من المحقق أن يخسر السادات جولته. أو ألا يحقق خطابه الغاية المأمولة؛ إذا ما ركز على 
هذا البعد الأمريكي, وأن من الأفضل له أن يركز على موضوع الديمقراطية والحريات؛ ومراقية 
المحادثات الهاتفية والتسجيلات» وبخاصة أن هيكل يعتقد أن «المجموعة الناصرية» كانت 
تمثل «وجه الإكراه» في التجربة الناصرية: وعلى حد تعبيره كان لنظام جمال عبد الناصر 


















207 


وجهان: وجه الإنجازات العظيمة الذي يستند إلى أنه يمثل الفكرة والمشروع والأمل» ووجه 





الإكراه» المستمد من أن هذه المجموعة تمثل أدوات | ٠‏ ومن ثم فإن الانطباع الجماهيري 
العام عنها يميل إلى السلبية. حتى في عهد جمال عبد الناصر. وقد أعاد هيكلء في كتابه خريف 
الغضب. هذه الواقعة". 





ويضيف هيكل: «ولست أعتقد شخصياً أن هذه الإنجازات ‏ ومنها تحقيق الاستقلال» وتأميم 
قناة السويس. والدور الذي قامت به مصر في عالم عدم الانحياز وضد النفوذ الإمبريالي في 
الشرق الوسط كحلف بغداد. والإصلاحات التي تحققت لظروف العمال والفلاحين» ومجانية 
التعليم؛ والإصلاح الزراعي. وعملية التحول الاشتراكي الذي شمل بناء دولة الرفاهية رغم 
الهجمات المستمرة من جانب قوي الاستعمار وإسرائيل - كان يمكن أن تتحقق من دون قدر 
معين من الإكراه. لكن الإنجازات الايجابية توقفت بعد هزيمة عام 1967 لآن موارد البلاد كلها 
وجهت إلى المعركة '١‏ بينما بدأت أعمال الإكراء تظهر أكثر وضوحاً. وعندما توفي جمال 
عيد الناصر أخذ دعاة الإكراه ومنفذوه على عاتقهم أن يجعلوا منه أيديولوجيا للنظام الجديد. 
وقد كانوا يشغلون كل المناصب الرئيسية في الدولة تقريياً. وقد أحس الشعب بهذا وأصبح يكره 








من رأى فيهم طغاة جددأ». 
بمراجعة حساب المدة الزمنية من وفاة جمال عبد الناصر حتى دخول «المجموعة الناصرية» 
السجنء كانت سبعة شهور وبضعة أيام فقط. في هذه || أن تولى السادات سلطاته 










الدستورية في 15 تشرين الأول/أكتوبر عام 1970 وحتى مياء اط/فبراير عام 1971 لم يبد 
أن هناك خلافاً ذا أهمية قد حدث 
وبينهم. . أو جرى ارتكاب مخالفات اشترك فيها أحد أفراد تلك «المجموعة الناصري '. معلى 
ذلك أن عمر الخلاف الحقيقي بين السادات و«المجموعة الناصرية» لا يتجاوز ثلاثة أشهر 
ونصف. يمكن أن تؤرخ له مبادرة 4 شباط /فبراير وتتتهي ليلة القبض على الأغلبية منهم في 13 
أيار/مايو عام 1971. إن ذكر عمر الفترة اللخصومة بين السادات و«المجموعة الناصرية»» 
ببين صعوبة أن تتم ممارسات من الإكراه بالقدر الذي يدفع هيكل إلى أن يتوقع تكرار حدوث 
حالات من الإكراه ترتكيها القيادات الناصرية في المستقيل» ويصبح معها الإكراه سمة من 
سمات الحكم؛ وظاهرة يتوقعها ويخشاها الشعب المصري. 

الكنهم لم يجدوا من جرائم الإكراه ما يدين هذه «المجموعة الناصرية»» كجرائم التلاعب 
بالاموال العامة, أو قيامهم بأعمال يعاقب عليها القانون ضد المواطنين, أو استغلوا مواقعهم 
الوظيفية في أغراض شخصية: أو استخدام نفوذهم في إثراء أسرهم أو أقربانهم. كما لم يذكر 








(98) فيكل. المصدر تقسة. من 106 


هيكل بالتحديد, ما نوع السيطرة؟ وما وسائل تلك السيطرة؟ وهل هي سيطرة بالتسلط من خلال 
أدوات السلطة؟ أم اتفاقاً حول قضايا اتفقت الأغلبية وبالاقتناع على التمسك بها؟ وما المقصود 
من وراء أن السلطة التي أرادوها أبعد ما تكون عن مضمون اجتماعي؟ المثبت تاريخياً أن هذه 
المجموعة, و«زعيمها»؛ علي صبري تولت بإسهاماتها المشاركة في بناء التجربة الناصرية» وما 
أنجزته من مكاسب اجتماعية للطبقات الفقيرة» ويندر في التاريخ المصري على اتساعه أن نجد 
اتجربة سياسية قد اهتمت بالمشكلة الاجتماعية للاغلبية العظمى من الشعب المصري كالتجربة 
الناصرية. أما «زعيم» هذه الجماعة علي صبري فقد كان أول رئيس وزراء لمصر ينفف أول وآخر 
خطة تنمية اقتصادية واجتماعية خمسية في الفترة من 1959 - 1960 إلى 1964 1965 حققت. 
نتائج هائلة. 

فضلاً عن ما تقدم أكد هيكل أمام السادات ملاحظة في غاية الأهمية؛ تتمثل بأنه يتفق مع 
القول أن دماء هؤلاء الشهداء. في مدرسة أطفال بحر البقرء وعمال مصنع أبو زعبلء بالفعل» لم 
تكن قد جفت بعد في الأذهان الشعبية. وذكر هيكل أنه إلى الادات وقال له بالحرف 
الناس لا يهمهم إذا كانوا منعوك أو لم يمنعوك من المفاوضة مع روجرزء إن 
هناك قضية أخرى تسبق غيرها من القضايا الآن في ضمير الناس» وهي قضية الديمقراطية؛ هذه 
التي أتصور أن يتركز عليها كل خطابك الآنء ورحت أجادل الرئيس حتى أقتنع في النهاية 
بأن لا يشير على الإطلاق إلى حكاية منعه من التفاوض مع روجرزء ويركز بالكامل على قضية 
الدب 4 
ويخلص هيكل إلى أن «التلميذ» قد تفوق على «أستاذه؛ فقد قام السادات بحذف كل ما 
كان مخصصاً في خطابه للحديث عن اتصالاته مع الولايات المتحدة؛ وركز تماماً على موضوع 
الديموقراطية والحريات» ومراقبة المحادثات السياسية والتسجيلات؛ هكذا استغرق هذا الحوار 
بين هيكل والسادات؛ فضلاً عن ما قام به السادات من إحذف إلى أصل الخطاب بعد 
هذا الحوارء قرابة ساعة كاملة» وترتب على ذلك تأخير إلقاء الخطاب هذه الساعة. 
التهم الرئيسية التي وجهها السادات» وإعلامه من ورائه إلى «المجموعة 
الناصرية»» وبخاصة شعراوي جمعة وسامي شرف قيامهم بالتجسس على السادات نفسه. وعلى 
عدد من رفاقهم الناصربين وعلى الألوف من المواطنين» لدرجة أن قضية التجسس حركت 
خيال كتّاب القصص البوليسية والجاسوسية فكتبوا قصصا ترجمت إلى مسلسلات تلفزيونية 
وأعمال سينمائية. 

في هذا السياق من المهم الإشارة إلى ما سجله هيكل في كتابه بعنوان: أكتوبر 73: السلاح 
والسياسة. حيث يقول: *إن الرنيس السادات روى في كتابه البحث عن الذات أنه رفض قراءة 
الملفات التي تضم تسجيلات تليفونية» والحقيقة أنه داوم على قراءتها عندما اكتشفها أول 























القد كان من بين 





20 


مرة»'"". كما يشير» في كتابه خريف الغضبء إلى أن جيهان السادات حاولت أن تعرّض قصوره 
في شأن قراءة ما كان يتحتم عليه أن يقرأه» فأصبحت قارئة نهمة لبعض الأوراق» وكانت تهتم 
كثيراً بتقارير مراقبة التليفونات» وتقارير المخابرات» وتقارير اتجاهات الرأي العام" 

فضلاً عن ذلك قام السادات» بعد إلقاء ذلك الخطاب بعدة أيام» بحركة إعلامية ومسرحية. 
ضخمة؛ تتلاتم مع شخصيته. حين ظهر في عرض تلفزيوني مثيرء وقام بإشعال النار في أكوام 
من شرائط تسجيل المحادثات الهاتفية» قيل إنها تسجيلات تنصت وتجسس على المواطنين 
وعلى حياتهم الخاصة؛ وذلك في قلب القاهرة» وسط حشد من الإعلاميين والجماهيره التي 
أخذت «تهلل» و«تكبر»! في الوقت الذي لم تقدم أجهزة الإعلام والدعاية المصرية عرضاً ولو 
الواحد من هذه الشرائط ولم يدر المصريون أن ما قام به السادات هو إشعال النار لتحرق مرحلة 
.تاريخية بأكملها! 

كان الغرض من عرض تلك المشاهد الدعائية هو تصوير المرحلة الناصرية بأكملها على أنها. 
مرحلة غلب عليها الطابع البوليسي في علاقتها مع المواطنين وفي علاقة الناصريين بعضهم 

. تالي الوصول إلى الاستتاج الذي قال به ميكل مجموعة هدقها السيطرة على 

أثبتت الأحداث التاريخية اللاحقة أن هذا لم يكن له نصيب من الحقيقة. 

يروي 5 شرف أن ما جرى يخصوص قضية تسجيلات المكالمات الهاتفية مسألة مختلقة 
تماماًء تخالف المعلومات المضللة التي روجها السادات. وأجهزة الإعلام والدعاية التي وقفت 
إلى جانبه. قفي بداية عام 1967 استحدثت شبكة اتصالات تليفونية كان قد أحضرها صلاح نصر 
مدير المخابرات العامة؛ وهي شبكة اتصالات تعمل بنفس الطريقة التي تقوم بها شبكة 

















الاتصالات الموجودة في البيت الأبيض تقريباً. وهي تشمل مجموعة محددة من خطوط الدوائر 
في بيض رهي تشمل 
الهاتفية المغلقة لتضمن سريا المكالمات. وكان تجهيزها مبنياً على أنه عندما ترفع السماعة 


يعمل الجهاز ويسجل المكالمة تلقائياً ومن غير تدخل من أحد في وقف التسجيلء أو تغير 
المادة المسجلة؛ ويتم تسجيل المكالمة كاملة. فهذا التسجيل خاص بكبار المسؤولين أثناء 
كل و وين دم والتسجيل يكون لإدارة ومناقشة مسائل عامة ومواضيع 








بالتالي فهي مسألة رسمية تهدف إلى تسجيل المكالمات وحفظها بعد ذلك للتاريخ 
والمستقبل للاستخدام الرسميء تماماً كما يحدث في مكتب الرئيس الأمريكي بالبيت 5 





(99) هبكل, أكتوير 73: السلاح والسياسة. صن 138. 

(100) هيكل. خريف الفضب: قصة بدابة ونهاية عصر أنور الساداث. ص 96. 

(101) نفلاً عن: محمد فؤاد السغازي, «حول أحداث مابو عام 1971 بدرن اختصار.؛ الحلقة الخامسة. شبكة الإثتونت 
بتاريخ 29 تشرين الأرل/أكتوبر 2007. 





20 


وكل من أبدى رأياً لا يستطيع أن ينكره» وكل المسؤولين جميعاً يعلمون أن هذا النظام يسجل 
المكالمات. ويضيف شرف: أن المحقق وجه إليه السؤال الآني: «قلت في التحقيق إن هناك 
عدداً من المسؤولين يسجل لهم منذ أيام جمال عبد الناصرء وأنك سألت السادات هل نستمر 
في التسجيلات أم لا؟.. وطلب السادات استمرار التسجيلات» فأكدت ذلك. 

ويقدم سامي شرف تفسيرا وا نحاجاً يكشف «أن ما جرى مع «المجموعة الناصرية» 
لايعدو عن كونه مسلسلاً التهم باطلة» فلو أننا كنا تتجسس على السادات لكنت عرفت 
بما دار بيئه وبين كمال أدهم. الذي حرضه على طرد السوفيات» وعلى إعادة صياغة الاقتصاد 
المصريء كما شجعه على الحملات على جمال عبد الناصرء ولكنت عرفت ما كان يدور بينه 
وبين الدوائر الضيقة الخاصة لاتخاذ قراراته التي تضم كلاً من هيكل وسيد مرعي وجيهان 
وغيرهم من المصريين والأجانب». 

ويؤكد أحمد كامل مدير المخابرات العامة حتى 21971/5/13 ذ 
كامل يتذكرء هذه ١‏ 















قضية مراكز القوى عام 1971 - أنه تم ضبط أجهزة 
الثاني عشر في مبنى الاتحاد الا راكيء ولا شك في أن وضع هذه الأجهزة كان أمراً طيعياً 
جد ويعبر عن حقيقة من حقاتق الزمن الذي نعيشه فأجهزة 2 





للدرلةه إذ ليس من المعقول أن يتذكر الرئيس؛ وسط ضغوط العمل وأعبائه اليومية» جميع 
التفاصيل والأحاديث اليومية؛ حتى بغرض المتابعة. وهذا الاجر سر عبار 0 
وثائق «ووتر غيت» الأمريكية'”*". 

القد أكد هيكل ما أشار إليه شرفء بغير قصد. قمن المعروف عن هيكل حرصه الشديد على 
تدوين «وقائعه اليومية» كتابة» بمنتهى الدقة وفي نفس اليوم قبل أن يخلد إلى النوم. وقد أعاد 
هو تأكيد ذلك في مقدمة كتابه: أكتوبر 73: السلاح والسياسة. حيث قال عن مصادر الكتاب: 
"كانت هناك أيضاً مذكرات كتبتها عما رأيت وسمعت, وكنت أكتبها في حينهاء لا أنتظر 
ولا أعتمد على الذاكرة. عارفاً أن الكتابة على الورق هي وحدها التي تحفظ التفاصيل حية 
ونابضة» حتى وإن ابتعدت الحوادث؛ وتزايد وقر السنين»0*". 

وعندما أراد توثيق جانب من أحاديثه الهاتفية مع السادات قال في كتابه: «ومن حسن الحظ 
أن الذين كانت في يدهم مفاتيح القوة والسلطة كانوا يضعون تليفونه تحت المراقبة؛ كوسيلة 













(102) عز الدين. أحمد كامل بتذكر: من أوراق رئيس المخابرات المصربة الأسبق. مس 33. 
(103) هيكل. أكتوير 73: السلاج والسباسة. ص 17. 


2 


من وسائل مراقبة الرئيس أنور السادات نفسه. وهكذا فإن نص الحديث مسجل ضمن عدة 

ملفات لتسجيلات تليفونه. يصل عدد صفحاتها إلى (3219) صفحة». ويضيف: «ولا بد أن 

أعترف بالفضل لهم. ومع أني كنت أحتفظ في مذكراتي بإشارات سريعة إلى الأحاديث 

التليفونية المهمة» فإن العثور على التسجيلات في ما يعد أعاد رسم الصور أمامي بجميع 
تفصيلاتهاء"*, 

وبمراجعة النصوص التي أوردها هيكل في سياق توثيق روايته يتضح أنها جميعها «تسجيلات 

يف باسطة جهة محددة في الدولة» وتوزع على مسؤولين 





رسمية». يجري إعدادها بطريقة 
معينين حسب قواعد وأصولء أي أنها «وثائق دولة» يجري رصدها حسبما أشار إلى ذلك سامي 
شرف وأحمد كامل. فضلاً عن أن حصول هيكل على «ملف التسجيلات» يؤكد أن شرائط 
تسجيل المحادثات الهاتفية لم يجر حرقهاء في غمار المهرجان التلفزيوني الذي أخرجه 
السادات» والأهم أنه يؤكد أنها «وثائق دولة» محفوظة حسب الأصول. 

وفي السياق الاستعراضي ذاته قام السادات بأول ضربة معول لهدم أحد السجون المصرية 
الشهيرة إن عهد التسجيلات والمعتقلات قد انتهى. وبمناسبة تضخيم موضوع 
الاعتقالات في عهد جمال عبد الناصر عموماً. وفي هذه المرحلة تحديداً التي استغل فيها 
السادات هذا الموضوع للترويج لضربته؛ تجدر الإشارة إلى ما ورد بهذا الخصوص في مذكرات 
شعراوي جمعة. حيث يقول: «حتى يوم إقالتي ذهيت الوزارة صباحاً كالمعتاد... واطلعت على 
«البوسطة - البريد»» ووجدت فيها كشفاً بالإفراج عن 150 معتقلاً وبعدها سييقى في المعتقلات 
كلها 100 فرد من الإخوان المسلمين» وكان يوجد 150 فرداً ليس لي علاقة بهم؛ كانت المخابرات 
الحربية قد قبضت عليهم في سيناء في عمليات أمنية» ما يعنى أن المعتقلات التي يقول السادات 
أنا صفيتهاء صفيت في عهد جمال عبد الناصرء وفي عهدناء”*". 

فمن الذي كان يتآمر؟! 

في حوار تلفزيوني أجراه أحمد منصور بنه قناة الجزيرة مع حرم الرئيس جيهان السادات» 
في عام 2000, أشار المحاور إلى ما حدث في الاحتفال بعيد العمال في أول أيار/مايو عام 
حين رفعت جماهير العمال صور جمال عبد الناصر. وهو الأمر الذي لم يعجب جيهان 
السادات؛ فكتبت في كتابها سيدة من مصر عن هذا الحدث ما يأني: #شعره 
أن المؤامرة أصبحت علنية ومنظمة أيضاًء لآن صور عبد الناصر رفعت في وقت واحدء لقد 
عرف الشعب الآن أن وزراء السادات ضده. وحين وصل السادات إلى البيت أسرعت إليه 














رعب» ورأيت 





(104) المصدر تقسه صن 170. 
(105) المصدر تقفسه صن 176. 


22 


وصحت: «هل رأيت ما يفعلون؟». فكان أول قرار اتخذة السادات في اليوم التالي هو إعفاء 
علي صبري من منصب تاتب الرة 
ويضيف المحاء 







الأسرع في التخلص من الآخرين» إنهم جميعاً ضدك؛ ولديهم قوة على تحريك الجماهير.. ما 
الذي تننظره؟». فبدأ السادات يخطط للتخلص منهم». وكلام جيهان السادات هذا يوضح تماماً 
أنه لم تكن هناك مؤامرة عام 1971 لقلب نظام الحكم كما ادعى الادات أيامهاء وأنه كان لدى 
السادات أهداف أخرى في القضاء على من تبقى من أعوان جمال عبد الناصر وهو الأمر الذي 
أوضحه أيضاً صلاح الشاهد في مذكراته. 

يسأل المحاور: «هل كان السادات في القوة التي تمكنه من التخلص من الآخرين» بصدق 
وكقراءة للحدث في ذلك الوقت؟». فترد جيهان السادات: «نعمء نعم كان في إيده خيوط مهمة 
عد وهو اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري اللي يقدر يمسكهم؛ وكان مرتب معاه. 
ناصف كان رجل مخلصء وقعد مع أنور السادات» وتفاهم معاه يعني اتكلم معاء. أنا ماأعرفش 
التفاصيل؛ إنما مجرد إنه قعد معاه حس بشيء من الاطمئنان؛ إن رئيس الحرس الجمهوري كله 
معاه في الخط». 

وعندما جاء أشرف مروان إلى السادات حاملاً استقالات «المجموعة الناصرية» تقول جيهان 
السادات في هذا الحوار إن السادات قد ضحك كثيراًء وقال: «والله سهلوها علي كتر خيرهمء 
بدل ما أنا أشيلهم كلهم. هم شالوا أنفهم؛ ثم رفع سماعة التليفون وكلم اللواء الليثي ناص 
رئيس الحرس الجمهوري, وقال له: «نفذ ما اتفقنا عليه». فاستدرك المحاور متسائلاً: "يعني 
كان هو معد خطة مسيقة للقبض عليهم أو تحديد إقامتهم؛ وترتيب الأمور بعد ذلك؟ فردت 
جيهان السادات: «نعم.. نعم.. نعم»! 

في السياق ذاته يقول صلاح الشاهد في مذكراته: في شباط/فبراير عام 1971 ذهبت إلى 
السعوديه لتأدية فريضة الحجء وقبل السفر طلب منى السادات إبلاغ الملك فيصل ضرورة 
حضوره في زيارة لمصر. وعندما تشرفت بمقابلة الملك أبلغته برغبة الرئيس السادات فواقق» ثم 
طلب مني إبلاغ السادات ما يتردد عن قيام بعض «قوى مضادة» بتدبير حركة ضد السادات» 
وقال لي: «قل له خلي بالك من علي صبري وشعراوي جمعه وسامي شرف ومحمد فوزي 
وضياء الدين داوود ولبيب شقير وعبد المحسن أبو الثور ومحمد فائق». وعندما عدت خخشيت 
إبلاغ السادات؛ حيث كانت مقابلتي الأولى معه في مكتبه بقصر عابدين» وغرفة المكتب بها 
تسجيل. وكانت أمانة الرسالة الإبلاغ في أول دقيقة أرى فيها الرئيس السادات» فطلبت منه أن 
يذهب معي إلى دورة المياة لإبداء رأيه في إصلاحهاء وأبلغته الرسالة همساً حتى لا تلتقطها. 

















21 


أجهزة التنصت» فقال ضاحكاً: «لا.. لا .. يا أبو صلاح قول كلام غير ده!» وما لا يعلمه البعض 
هو أن صلاح الشاهد كان زميل دراسة مع السادات في مدرسة فؤاد الأول الابتداتية. 
فمن الذي كان يتآمر؟! 


4 دلالات توقيت الانقلاب 

لم يل عامل توقيت اندلاع الخلاف بين السادات و«المجموعة الناصرية» هو الآخر من 
دلالات واضحة, فظاهرة الربط بين انتهاء المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار وتقدم السادات 
بمبادرة 4 شباط/فبراير 197 ثم طرح مشروع الاتحاد بعد انتهاء المرحلة الثالثة لوقف إطلاق 
النار مباشرة» لم يكن مصادفة؛ ولو كان الأمر مجرد صدفة عابرة؛ قلماذا لجأ السادات إلى اتخاذ 
اقراراته بدون مشاركة «المجموعة الناصرية»؟ إن دلالات التوق تطرح يدورها تساؤلات حول 
قرارات السادات ومواقفه. مثل التنازلات التي كان يتقدم بها إلى الولايات المتحدة وإسرانيل في 
مقابل مكاسب ضعيفة؛ من وجهة نظرهمء ومن غير أن يكون مجبراً على ذلك (نموذج مبادرة 4 
شباط/فبراير 1971)! 

ويمكن القول إن أهداف السادات كانت واضحة لهم؛ وأن مسعى السادات الحقيقي هو 
لكسب مزيد من الوقت» وكان من الطبيعي أن تطرح المماطلة التساؤل لماذا؟ وكان هذا من 
شأنه أن تطرح فكرة الانقلاب عليهم؛ حتى ولو كان هذا الطرح مجرد طرح نظري. وهذا يقود 
إلى الاستنتاج أن فكرة الانقلاب عليهم من قبل السادات لم تكن مطروحة؛ لأن عناصر تصديقها. 
أو مجرد الحديث عنها مضيعة للوقت. وقد تقود إلى نتائج لا تخدم الهدف الاستراتيجي: وهو 
المعركة العسكرية» فهم كانوا مطمئنين إلى أن الحل العسكري لا يقابله بديل آخر للتعامل مع 
إسرائيل. وأن السادات سيرغم على القبول به. وبالتالي فإن خلافاً على أمور محسومة يعد أمراً 
لا مبرر له. وقد ينعكس بالسلب على الجبهة الداخلية في مصرء وعلى معنويات القوات 
المسلحة. 

القد ثبت فيما بعد. وباعترافه. وبشهادة شعراوي جمعة وهيكلء أن السادات كان يحاول 
بالفعل تجنب القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل؛ وعندما تأني هذه الشهادة على لسان هيكل 
الذي وقف من «المجمرعة الناصرية» موقف الخصم. هنا تصبح «المجموعة الناصرية' في 
موقف الضحية؛ على عكس ما صورته آنذاك أجهزة الدعاية» والكتابات التي انحازت إلى 
السادات؛ بعد أن أصبحت القيادات الناصرية في السجون. وتأتي كتابات هيكل على رأس 
قائمة النقد والإدانة لهذه «المجموعة الناصرية». 

القد كتب هيكل يقول: «الحقيقة أن السادات كان يبحث عن أعذار. في سنة 1971 كان قد 
أعلن «سنة الحسم» التي سوف تشهد المعركة لا محال. لكن شيئاً لم يحدث؛ وكان عذره الذي 











214 


تذرع به هو الأولوية التي أخذتها الحرب في شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان. وجاءت 
سنة 1972 ولم تقع المعركة. وكان يمكن أن يكون العذر هو تأخر السوفيات في إمدادات 
السلاح. لكن الاتحاد السوفياتي سارع إلى تقديم إمدادات من السلاح لم يسبق لها مثيل». غير 








أن المعلومات التي أوردها حول موقف السادات من المعركة العسكرية مع إسرائيل 
جاءت متأخرة خمس عشرة انقلاب أيار/مايو 21971 لكنها تؤيد صحة رؤية «المجموعة 






وتبرر تمسكهم في شأن المعركة العسكرية. كان جمال عبد الناصر يعمل ليل نهار 
وإلى أقصى حد. وبخاصة في مجال إعادة بناء القوات المسلحة. وقد جرت عملية إعادة البناء 
بكفاءة هائلة» كما ظهر من حرب الاستنزاف. كما أن جمال عبد الناصر لا بد أن يكون قد شعر 
بقدر من الرضا عندما وقع فيما بعد خطة العملية "جرانيت واحد. وهي الخطة التي استعدت 
قواتها لعبور القناة على خمسة محاورء إلى درجة أن مناورات هذه العملية المعقدة عبر مانع 
مائي لا نظير له جرت عشرات المرات وعلى مستوى الفرق. 
إذل الماذا انهم هيكل مجموعة القيادات الناصرية بتهمّي «التهرّر واللامسؤولية»؟: وذلك 
عندما ربط بشكل متعسف بين قضية الحرب ورغبة «المجموعة الناصرية» في التخلص من 
اتا يد يقدم أي دليل يؤيد أن تلك المجموعة كانت تخطط للتخلص من السادات 
من طريق الإسراع في الحرب؛ فكتب يقول: «لقد بدا لي من الخطأ أن يتخذ قرار في شأن مسالة. 











خطيرة» كمسألة الحرب والسلام؛ من دوافع تقوم على اعتبارات السياسة الداخلية البحتة» وهو 
ما تحاول جماعة علي صبري أن '. وليؤكد هيكل صحة رؤيته فقد استشهد بأن الروس 





كانوا يشاركونه نفس الرؤية 
مغامرة عسكرية ليثبتوا جدارتهم؟. 

القد كان هناك مركب من الإحساس المتزايد بالثقة في مقابل الإحساس الواعي بالضعف في 
صفوف «المجموعة الناصرية»؛ وقد انعكس الإحساس ‏ الظاهر ‏ لدى تلك المجموعة 
بامتلاكهم لعناصر القوة المتمثلة بمؤسسات الدولة فاطمأنوا إلى أن السادات لا يملك إمكانية 
الانحراف» حتى وإن رغب في ذلك. وبالتالي فهو لا يشكل أي نوع من الخطورة» سواء عليهم 
كأفراد أو على النظام الناصري. هكذا وقعوا ضحية خطأ مزدوج التأثير: الخطأ الأول عندما 
بالغوا في تقييم ضعف السادات,. والخطأ الثاني عندما بالغوا في تقدير قوتهم. 

يقول عبد الهادي ناصف: «كان أمامنا رجل عادي ‏ أي السادات ‏ ليس في تاريخه أي إنجاز 
شخصيء سوى أنه كان رفيق جمال عبد الناصرء ضمن أعضاء مجلس 00 
.بالشخصية الضخمة التي يمكن لها أن تهيمن على المؤسسات الموجود 
لم يكن صحيحاًء ل ا ا د ل لي 
ناصف» ولا هو بالشخصية الخارقة أيضاًء إنما السادات كانت له تجربته السياسية؛ وهي تجربة 





كان الروس يخشون أن يندقع خلفاء جمال عيد الناصر إلى 






25 


أسبق من الناحية التاريخية على تجاربهم» تشكلت في ظل ظروف أكثر تعقيداً وصعوبة» فصقلته 
بالدهاء السياسيء والقدرة على التحكم في انفعالاته. والتلون بما ينلاءم مع الظرف والموقف 
السياسي؛ بما له من موهبة وقدرات في «فنون في الوقت الذي كان عمر التجربة 
السياسية لأغلب القيادات الناصرية يقاس بالعمر الزمني لثورة 23 تموز ايوليو”*". 

كذلك لم يكن السادات على هذا النحو من الضعفء رنيساً مقيد الصلاحيات ضمن مؤسسة 
تخضع وبصورة مباشرة لرقابتهم. إن حرصهم وتمسكهم بقضية الحرب قد أنساهم 
! إلى أن مؤسة الرئاسة لها قوتها الذاتية المنفصلة عن شخصية الحاكم» 
صحيح أنها تقوى بقدراته وتضعف بضعفه. لكنها تظل تمثل شرعية الحكم بالنسبة إلى 
المصريين. ويعتبر هيكل أن «المجموعة الناصرية» لم تقدر: «قوة الشرعية في يلد كمصرء 
اعتبد ملرال وتريسته على النظام في الري وما هستبعه من حاجة إلى ستلطة مركزيف لقد كاه 
المصريون دائماً حساسين جداً النسبة إلى موقع السلطة الشرعية» وهم يعرفون أن أنور السادات 
هو رنيسهم الشرعي المنتخبء وكان ذلك مصدر قوة عظيمة له». 

القد توارد على مؤسسة الرناسة المصرية أفراد ‏ يحملون لقب فرعون وخليفة وسلطان وملك 
ورنيس ‏ لكنها ظلت الوعاء الذي يجمع بين مركزية السلطة ووحداتية الحاكم» ويخضع لها 
أقدم جهاز بيروقراطي في التاريخ البشري» يوظف ولائه بصورة تقليدية لرأس الدولة» ويلتزم 
بموقف حيادي تقليديء لم يتبدل منذ أن تأسست أول دولة في التاريخ: تجاه أي صراع على 
السلطة. فحقق هذا المنهج الحيادي مصالح العاملين في جهاز الدولة. في أي زمان. وفي ظل 
أي حاكم. 

كان من المفترض أن تكون «المجموعة الناصرية؛ أول من يدرك دور وخطورة جهاز الدولة 
وأن يتذكروا النقد الذي كان جمال عبد الناصر يوجهه إلى الجهاز البيروقراطيء اه عائقاً 
حقيقياً أمام التقدمء وعازلاً بين القيادة والشعب» اذات مرة: «طبعاً الثورة يجب أن تعمل ما 
في وسعها لانتزاع جذور هذه الظواهر البيروقراطية. والسلاح الرئيسي اللي نستطيع بيه أن نقضي 
على البيروقراطية وعلى الانحراف هو تطوير الديمقراطية الاشتراكية» والتوسع في الديمقراطية 

الاشتراكية' . لكن قم لح محاولات يس جهاز الدلة: وظل على حاله بلي أله عدن 
انجح السادات في انقلابه على «المجموعة الناصرية»» التي كانت بالأمس تحتل المركز القيادي 
في جهاز الدولة بأكمله. لم يصدر عن هذا الجسد البيروقراطي أي رد فعل؛ بل ظل يؤدي وظيفته 

قليدية متمكاً بموقفه الحيادي التقليدي والتاريخيء وكأن ما يجري خارج 



























ازي؛ "حول أحداث مابر عام 1971 بدرن اختصار.؛ الحلفة الخامسة شبكة الإثترنت 
بتاريخ' ثشرين الأرل/اكرير 207 


216 


أسواره لا يعنيه في شيء, وأن التخبيرات التي تجري في قمة هرم السلطة تجري وفقاً للقواعد 
الإدارية المعمول بها منذ القدم. وتشم بقرار صادر عن مؤسسة الرناسة» التي يمثلها في هذه 
اللحظة محمد أنور السادات. 

في الوقت الذي كانت فيه «المجموعة الناصرية» تشعر بثقلها الكمّي والنوعي في مؤسسات 
الدولة. كان هناك إدراك واع من قبل السادات بضعف موقعه. وكان عليه أن ينشط نحو تدعيم 
معسكره. بضم الاعوان والمستشارين من أفراد النخبة الحاكمة. وكان من بين من استجاب لنداء 
السادات. أو قرر بإرادته الانضمام إلى معسكره. مجموعة من الشخصيات المعروفة للرأي العام 
المحلي والعربي والدولي؛ يأتي في المقدمة منهم: 

١‏ محمد حسنين هيكل أشهر كاتب سياسي وصحافي في الوطن العربي» والمعروف 
بصلاته القربية والوثيقة من جمال عبد الناصرء ولأن دوره كان مركزياً ومحورياً في المشاركة 
السياسية قبل وبعد وقاته؟ 





2- عزيز صدقي أول وزير للصناعة في تاريخ مصرء حيث قاد حركة التصنيع في مصرء كما 
تولى رناسة الوزارة في عهد السادات؛ لمدة قصيرة؟ 

3 سيد مرعي تقلد منصب وزير الزراعة والإصلاح الزراعي. ثم نائب رئيس الوزراء» تزوج 
بعد من ابئة السادات؟ 

4 عشمان أحمد عثمان صاحب شركات «المقاولون العرب». التي أممت في أثناء حكم 
جمال عيد الناصرء لكن ظلت لها معاملة خاصة» تزوج نجله هو الآخر من إبنة السادات فيما 
يعد 

5- محمد عبد السلام الزيات كان ماركسي التوجه. وعمل لفترة طويلة مع السادات أيام كان 
رئيساً للبرلمان؛ وقامت بينهم علاقة ودية. وقد تولى وزارة الإعلام ليلة انقلاب أيار امايو وسيطر 
على الإذاعة والتلفزيون» ومختلف أجهزة الإعلام. ثم أصبح أميئاً أول للجنة المركزية للاتحاد 
ب أول لرئيس الوزراء. 
التي وقفت إلى جوار السادات ئة استشارية له لكن بعض 

شخية ‏ من أمثال (هيكل. صدقيء الزيات) ‏ لم يتوقع أن دعم السادات. وتثبيت 
موقعه. سوف يصل في نتائجه المستقيلية إلى حد تصفية المشروع الناصري. 

فقد اعتبر عزيز صدقي أن الخلاف في الرأي مع رئيس الجمهورية ومعارضته هو تعد على 
شرعية الحكمء وهو مقدمة للصراع على السلطة؛ بالرغم من أن صدقي محسوب على التيار 
الناصري؛ أو من مؤيدي المشروع الناصري. 















27 


أما موقف محمد عبد السلام الزيات فكان يمثل رؤية أغليية القيادات الماركسية» التي كانت 
على اقتناع بأن السادات يمكن أن يسمح بمشاركة أوسع للماركسين والشيوعيين في الحكمء. 
أوسع مما كانت عليه أيام حكم جمال عبد الناصرء وهذا ما حدث بالفعل؛ لكن لفترة 





5 نتائج الانقلاب 

القد ظلت أحداث انقلاب أيار/مايو 197١‏ ونتائجه مادة خصبة للمهتمين بدراسة التجربة 
الناصرية, الأمر الذي فتح الباب لتعدد الآراء والمواقف في تقييم ما جرى. فتارة تستخدم 
نتائجها في تصفية حسابات شخصية بين الأفراد الذين شاركوا في صنع هذه الأحداث» وتارة 
أخرى في نقد التجربة الناصرية إلى الحد الذي ينكر فيه البعض وجود تجربة ناصرية تستحق 
كل هذا الاهتمام وأنها كانت تجربة فاشلة» كما تذهب جماعة «الإخوان المسلمين»؛ وقطاع 
كبير من حزب الوفد الذي يعتبر أن ما جرى في 23 تموزايوليو 1952 ليس ثورة؛ إنما مجرده 
انقلاب عسكري. وهناك من يذهب إلى أن انتقال مصر من مرحلة الثورة إلى مرحلة الثورة 
المضادة قد بدأ بأحداث أيار/مايوء وهذه رؤية تعكس توجه قطاع كبير من التيارين الناصري 
واليساري. 

وهناك من يرفض أن يؤرخ بداية الانقلاب على التجربة الناصرية بأحداث أيار/مايو 1971 
مثل هيكل» الذي يرفض الخوض في تفصيلات ذلك. ويرى آخرون أن إسقاط النظام الناصري 
قد تم بفعل هزيمة عام 1967 وأن البقاء المصطنع للنظام الناصري بعدها يعود بالدرجة 
الأساسية لوجود جمال عبد الناصر. 











1 احتكار السلطة 

مهما يكن من خلافات في الرأي والمواقف. فمما لا شك فيه أن نتائج أحداث أيار/مايو قد 
ساهمت بشكل مباشر فقي انفراد السادات بالسلطة» الأمر الذي اتعكس على خطابه السياسي؛ 
قطغت فيه المفردات الآمرة الناهية» التي لا توحي بأن هناك فرصة لتطبيق شعار السادات في 
المشاركة السياسية في المستقبل. 

القد كشفت أحداث أيار/مايو عن الكثير من الثغرات الموجودة في جد النظام الناصريء 
ويخاصة ضعف أداء المؤسسات السياسية والدستورية؛ فظهر عجزها حتى عن توفير الحماية 
النفسهاء ومن ثم حماية النظام الناصري؛ فتم التخلص من قيادات المؤسسات الدستورية 
(البرلمان). الاتحاد الاشتراكي العربي بجميع تشكيلاته ‏ اللجنة التنفيذية العلياء اللجنة المركزية 
التنظيم الطليعي ‏ بقرار من السادات. 





218 


كما أظهرت أحداث أيار/مايو أن الاداء السياسي للقيادات الناصرية شابهُ الكثير من القصور 
والضعف. رغم ما توافر لتلك القيادات من فرص العمل السياسيء وفي المواقع القيادية. غير أن 
الأخطاء التي ارتكبتها القيادات الناصرية بقيت في دائرة أساليب التعامل فيما بينهم وبين 
السادات. بينما ظلت تحليلاتهم للقضايا محل الخلاف معه. كنظام الحكم؛ وقضايا الحرب 
والسلام. صحيحة. 

هكذا تأكد بعد انقلاب أيار/مايو صحة ما كان يحذر منه علي صبري في ما يتعلق بانفراد 
السادات بالقرار السياسي. بغير مشاركة من أحدء ليصبح الحاكم المطلق لأنه: «أضمر أن تكون 
رئاسة الجمهورية, أو بالأحرى أن يكون شخص رنيس الجمهورية» هو المؤسسة الدستورية 
الوحيدة التي تملك السلطة وتملك القرار». وفد لفت صبري عدداً من أفراد «المجموعة 
السادات»؛ كان منها: إن السادات سوف 









هيضربكم بالجزمء وهيهد كل اللي يناه جمال عبد الناصر». 
وقد عكس ذلك في التطبيق ظاهرة أخرى تمثلت بعدم ثقة السادات في أركان نظامه من 
المصريين» ما دفعه إلى استبعاد كل من وزارة الخارجية» ووزارة الحربية. 


ب استبعاد وزارة الخارجية 

مع أن السادات كانت لديه القناة السعودية: لاتصالاته بالولايات المتحدة: فإنه بدأ يشعر 
بحاجته إلى قناة اتصال مصرية تنقل ما يريده سرا إلى واشنطن. ومع قرب نهاية عام 
أنشأ السادات قناة اتصال سرية خاصة تولاها الفريق أحمد إسماعيل علي مدير المخابرات 
ترون ممثل الاستخبارات المركزية الأمريكية بمصر. الأمر الذي 
أنهى عملياً أي دور لوزير خارجية مصرء وخبراء وزارته في إدارة شؤون مصر الخارجية» بل 
أكثر من هذا فقد تعطل دور وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز في التعامل مع قضايا الصراع 
العربي ‏ الإسرائيلي؛ عندما تولى أمرها كيسنجر. 

ولقد لاحظ آخرون ممن تعاملوا مع السادات بصورة مباشرة» ومن بينهم الرئيس الأمريكي 
جيمي كارترء ظاهرة انعدام الثقة يين السادات وبين مساعديه من المصرين المرافقين له؛ في 
الوفد التفاوضي في كامب دايفيد. كتب كارتر في مذكراته. بعنوان: الحفاظ على الإيمان؛ التي 
نشرت في تشرين الثاني/ن فمبر عام 1982 بعد عام من مقثل السادات: «لاحظت في كامب 
دايفيد أن السادات يريد أن يتخذ قرارات مصر بنفسه. ولم يكن يحب وجود أحد من مساعديه 
معنا. وكان يبدو بصورة أو بأخرى غير مرتاح إذا كانوا قريبين منا. كان السادات يقضي وقناً قليلاً 








العامة. في حينه؛ مع يو 





29 


مع مساعديه؛ على العكس من بيغين». أما التفاوض مع مناحم بيغين فكان أكثر مشقة. يصفها 
كار انا نعد أية صيغة نراها معقولة» ثم كنت آخذها إلى السادات؛ الذي كان يلقي 
عليها نظرة سريعة ويوافق عليها بسرعة» وأحياناً يدخل عليها تعديلات طفيفة. ثم كنت آخذ نفس 
هذه الصيغة إلى بيغين» وإذا بنا نقضي ساعات وأحياناً أياماً يشترك فيها الوفد الإسرانيلي كله 
(ص 192). 

ثم تأتي رواية وزير خارجية مصر محمد إبراهيم كامل الذي رافق السادات في مفاوضاته 
في كامب دايفيد» واستقال أثناءهاء لتؤكد صحة ما ورد في مذكرات كارترء وكيف كان السادات 
يتخذ القرار السياسي بصورة أ: جعلت كامل يقول: «إن المشكلة الأولى بالنسبة لي 
أصبحت تصرفات الرنيس السادات العفوية والمرتجلة» والتي يفاجننا بها دون سابق إنذار. والتي 
تشكل خروجاً واتحراة بعه. وغالياً ما ينتهي ذلك إلى 
أوضاع تسيء إلى موقفناء ما يتطلب منا مجهوداً إضافياً لإصلاحه. وقلت ألا يرى أسلوب 
الجانب الآخر؟ وأن مناحم بيغين لا يقدم على خطوة قبل أن يقتلها بحثاً مع مجلس وزراته. 
وأضفت أني أصبحت في حيرة من أمره. وأجد صعوبة كبيرة في العمل معه» (ص 176). 

هذا المنهج الذي فرضه السادات في طريقة تعامله مع القضايا المصيرية لمنطقة بأكملها. 
دقع بوزير الخارجية أن ينظر إلى رنيسه نظرة ريبة وشكء قلم يعد يصدق أن كل ما يقوله السادات 
يمثل الحقيقة. 

ويفسر «كامل» ذلك بقوله: «لا شك في أن إسرائيل كانت قد تجمعت لديها دراسة تحليلية 
كاملة لشخصية السادات وسيكولوجيته» شارك في تكوينها ما زودها به هنري كيسنجر من 
مفاوضاته المكوكية في سنتي 1974 و1975 ودراستها تصريحات السادات وأحاديثه وتصرقاته. 
وما كان يتقله إليها عيزرا وايزمان من خلال اجتماعاته المنفردة وأحاديثه المطولة مع السادات 
إلى غير ذلك من المصادر». 

ويصف كامل كيف كان يسمع لأول مرة عن زلات قدمها السادات لإسرائيل دون 
استشارته. أو الحوار معه في شأنهاء مبرراً ذلك بقوله أنه يقدم هذه التنازلات من أجل الولايات 
المتحدة والرنيس كارة بأ وكيف تراجع السادات عن موقفه بقطع مفاوضات كامب. 
دايفيد» والعودة إلى مصرء بعد أن أبعدناء كل أعضاء الوفد المصريء وأنفرد به كارتر. بعدها أبلغ 
السادات وزير الخار بة كامل: "إن كارتر رجل عظيم, وأنه سيوقع علي أي شيء يقترحه الرئيس 
الأمريكي؛ دون أن يقرأء. وعندما سأله كامل: لماذا توقع عليه دون أن تقرأه؟ إذا أعجبنا فعلناء 
وإلا فلا نوقع». صاح فيه السادات: «بل سأوقع عليه حتى دون أن أقرأه؛ 

الخلاصة التي انتهى إليها كامل» ومن خلال تجربته مع السادات في كامب دايفيد. تتمثل 
بالآني: «لم أعد أفهم شيئاً مما يدور في عقله أو من تصرفاته وتقلباته غير المتوقعة» وقلت 







































22 


النفسي إن مثل هذا الشخص لو كان رب عائلة صغيرة لسارعت بالحجر عليه: فما البال وهو 
رئيس مصرء يتحكم في مصائر أربعين مليوناً من البشر. هل هو بهذه البلاهة أم هل أصابه 
الجنون؟ ولماذا يتحول إلى عبد ذليل في حضرة كارتر. يتلقى تعليماته كأنه موظف عنده.. 
لماذا؟» (ص 177 178). 
التفاوض الذي سلكه السادات ورد في شهادة أحمد بهاء الدين ما يؤكد 
ن السادات ومعاونيه من وزارة الخارجية: «ففي المراحل السابقة من الاتصالات 
إسرائيل» عن طريق الولايات المتحدة. تمكن كارتر من تتجاوز كثير من العقبات التي 
كائوا يقيمونها في وزارة الخارجية". 
انم استمع بهاء إلى الرواية الآنية من السادات: قال لي كارتر في إحدى المقابلات: 

إسرائيل تكرر حجة ليس لدي أي رد عليهاء إنهم لا يزالون غاضبين بشدة لأنك ترفض لقاء علنياً 
مباشراً ورسمياً بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي؛ إنهم يكررون أن رفض مصر هذا 
اللقاء المباشر العلني أمام العالم كله. وأمام الرأي العام المصري والعربي. مصر ليست 
جادة في التوصل إلى سلام حقيقيء وأنها تريد أرضها بدون مقابل؛ وإلا فما الذي يجعل مصر 
تصمم على الاتصالات السرية أو على المناقشة عن طريق طرف ثالث؟ وأنا أدرك الصعويات 
التي تواجهك لكي تقدم على هذه الخطوة. وحساباتك لردود فعل الرأي العام. وفي النهاية 
وجه كارتر السؤال الآتي إلى السادات: على كل العقبات» واطمأنت نفسي إلى أن 
إسرانيل مستعدة لأن تستجيب لكل الطلبات التي تراها ضرورية» فهل أنت مستعد في هذه 
الحال لأن تقدم على هذه الخطوة, التي لا مفر منهاء وأن يتم لقاء رسمي وعلني على مستوى 
سفراء أو وزراء أو رؤساء وزارة. وجهاً لوجه؟ وأجاب السادات: «نعمء وفي هذه الحال أنا 
متمد لذلك». 

ويتابع بهاء الدين: بعدها فتح السادات ورقة مطوية كانت في يده. وقال لي: هذا خطاب 
شخصي جداًء لم يطلع عليه مخلوق» بخط كارترء إنه يقول لي فيه أنه يعتقد أن الجائب 
الإسرائيلي وصل إلى ما نريدء وأنه آن الاوان لان أنفذ وعدي السابق له؛ بأن اقترح طريقة للقاء 
رسمي مباشر على مستوى عال بين مصر وإسرائيل» ولم يعطني السادات الخطاب لكي أقرأف, 
لكنه أخذ يطويه عدة طيات حتى أبقى منه سطراً واحداً في آخر الخطاب تمكن قراءته. وقال لي: 
أقرأ هذه الجملة! قرأت سطراً بخط كارترء هو آخر سطر قبل توقيعه. يناشد السادات أن يلبي ما 
قاله له مستخدماً عبارة: «5885191:0/7 .948 ٠/010‏ 70 518460 1» وترجمتها إلى العربية 
تعني: «أرجوك يا سيادة الرئيس». أو «إنني أتضرع إليك». أو «إنني أناشدكى أو «إنني 
بذ مني السادات الخطاب وطواه وأعادة إلى جيبه؛ وقال لي: «أرأيت! الرئيس 
يناشدني ويستعطفنيء إنه يعرف مدى شعبيتي في الولايات المتحدة! ولعلك قرأت 










حول ذ 
























22 


في الصحف الأمريكية أنني لو رشحت نفسي للانتخابات في الولايات المتحدة لنجحت!" 
(ص 99. 

ويستتتج بهاء الدين من هذا 3١‏ هذه الواقعة أثارتني جداء أثارتني لأنني شعرت أن 
السادات قد أصبح فعلاً فوق سحابة عالية من الأحلام» لا يمكن إنزاله منهاء وأن الإعلامين 
الإسرائيلي والأمريكي والغربي الهائلين قد أثرا فيه بأكثر من كل تصوراتيء ولا أنسى هنا أن 
أروي واقعة تكشف عن الطريقة التي كانوا يعزفون بها على الأوتار التي تؤثر في السادات؛ بعد 
أن درسوا شخصيته بدقة. والمدى الذي إليه الإسرائيليون باللعب على عواطف السادات» 
وأعود لأحاول الإجابة عن سؤال لم يطرح نفه إلا بعد ذلك بزمن. فقد جاء في مذكرات 
الكثيرين من الجانب الأمريكي مثل كارتر وفانسء ومن المصريينء الدهشة من السادات؛ فكان 
يتساهل أحيانا. أثناء مفاوضات كامب دايفيد. في بعض الأمور أكثر مما كان يتساهل كارتر. ما 
كان يثير دهشة هذا الأخير» (ص 102). 












ج ‏ استبعاد وزارة الحربية 

ب أيار/مايو عام 1971 أصبح السادات طليق اليد. فلم يعد مجبراً على أن يشرك 
مز عاك الدولة. والشخبة السياسية التي تشاركه السلطة. في القرارات المصيرية المتعلقة بمصر 
وبمحيطها العربي. .. وتحول مبدأ عدم المشاركة الحقيقية في القرارات السياسية, الذي اعتمده 
السادات» إلى قاعدة في تعاملاته مع المصريين في داخمل دائرة السلطة أو خارجها؛ فالرئيس 
يصدر أوامره وتعليماته. وعلى العاملين معه بغير حواره أو مراجعة ك الأوامر 
والتعليمات. 

لقاعدة تهميش مؤسسات السلطة» وخضوعاً لقاعدة المضطر الذي يريد أن يحقق 
خطوات ترضي الرنيس الأمريكي وبالتالي إسرائيل» عمد السادات إلى استبعاد وزارة الحربية من 
المشاركة في أخطر القرارات العسكرية. مثل قرار إنهاء عمل الخبراء السوفيات» الذي فاجأ به 
وزير الحربية الفريق أول محمد صادقء الذي اعترته الدهشة حين أطلعه السادات على نياته يوم 
7 تموز/يوليو عام 1972 قبل يوم واحد من قيامه بإخطار السفير السوفياتي بقراره الخطير. فتم 


















إخراج السوفيات من مصر بطريقة مهينة. رغم أن وجودهم كان بطلب من جمال عبد الناصرء. 
وأن هناك اتفاقاً جرى بينه وبين القيادة السوفياتية يقضي بترحيل الخبراء السوفيات قبل اندلا 
الحرب بين مصر وإسرائيل بوقت كافٍ. وكان السادات على علم بهذا الاتفاق. 


فلماذا أقدم السادات على اتخاذ قراره بدون استشارة المؤسسة العسكرية؟ ولماذا كان 
الإعلان عن قراره بهذا الاسلوب المهين للسوفيات؟ وهل توقع السادات أن يحصل لمصر على 
مكاسب من الأمريكيين والإسرائيليين في مقابل هذا الإجراء؟ 


22 


هنا يمكن إدراج تعليق كيسنجر على إجراءات السادات في شأن الخبراء السوفيات في 
مصرء حيث يمكن تقيم ما قاله كيسنجر لقرار السادات: «لماذا لم يقل لنا ما كان 
ينوي أن يفعله. ربما لو قال لنا لكنا قدمنا له شيئاً في المقابل»؟ ففي السياسة» كما في أي شيء 
آخرء فإن أحداً ليس مستعداً لان يدفع ثمناً ني شيء حصل عليه بالفعل (ص 113). بهذا يكون 
السادات قد أضاع مكاسب كان يمكن لمصر أن تحصل عليها مقابل إبعاد السوفيات تماماً عن 
المشاركة الفعالة في قضية الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. 

أم أن الثمن الذي رغب السادات في الحصول عليه مقابل طرد الخبراء السوفيات هو أن 
يكون وحده في دائرة الضوء والشهرة» كما يذهب البعض؟ وهل يمكن أن تصبح الشهرة 
بديلاً من تحقيق المصالح الوطنية؟ من هذا المنظور يقول هيكل: «كان السادات يعرف أن 
قرار إخراج الروس سوف يكون قراراً دراماتيكياً إلى آخر درجة, وأنه سوف يثير العالم كله 
ولم يكن لديه الاستعداد لأن يشاركه في أضواء هذه اللحظة أحد. ولقد تصور أنه بمجرده 
إعلانه قرار طرد السوفيات فإن الامريكيين سوف يكونون سعداء إلى درجة تجعلهم يستجيبون 
لأي شيء يطلبه. وفي ذلك كانت حساباته خاطئة». ويضيف هيكل: «وفي 1 
وللإتصافء فإن الاتحاد السوفياتي لم يقصر في معاملة مصر أثناء حرب تشرين الأول /أكتوبر 
عام 1973 أو بعدها مباشرة» ولا يمكن لأحد أن يتجاهل ‏ بصرف النظر عما قيل أو يقال أن 
كل ما تحقق في حرب تشرين الأول /أكتوبر تحقق بسلاح سوفياتي. وبعد حرب تشرين الأول/ 
أكتوبر مباشرة فإن الاتحاد السوفياتي قدم لمصر 250 دبابة من طراز تي 62 هدية من اللجنة 
المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي. تعويضاً عن خساتر الحرب. كما أنه باع إليها فيما بعد 
ثلاثة أسراب من طائرات الميغ 23 المتطورة. ومع ذلك فقد كانت مكافأته هي استبعاده من 
مؤتمر جنيف كانون الأول/ديسمبر عام 1973. وفي نيسان/أبريل عام 1974 كان السادات 
عنيفاً في هجومه على الاتحاد السوفياتي» بزعم أنه قضّر في التزامه بتعويض مصر عن كل 
خسائرها في القتال» دون أن يشرح الاساس الذي جعله يتصور أن هناك التزاماً سوفياتياً 
بتعويض مصر عن خسائرها». 

وينفي الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ما قاله السادات عن 
موقف الاتحاد السوفياتي من قضية دعم مصر عسكرياً. مؤكداً أن ما كان يقول به أو يكتبه 
السادات مليء بالأكاذيب. وبخاصة حول ما ذكره السادات من: «أن السوفيات لم يعطونا شيثاء 
ونحن الذين صنعنا الكباري التي عبرنا عليها». ويضيف الشاذلي أن السادات قد تسبب في 
إحداث كوارث عسكرية جسيمة, ثم نسبها لغيره من الأفراد. كما جرى بخصوص الثغرة 
العسكرية على الضفة الغربية لقناة السويس. وأن السادات كان يكذب على العرب: «المصيبة 
الكبرى أننا في بلد ما يقوله رئيس الجمهورية هو الصحيح؛ وما يقوله الآخرون خطأء (ص (29). 


















22 


إن استبعاد كل من وزارة الخارجية ووزارة الحربية في المشاركة بالرأي يطرح العديد من 
الأسثلة: ماذا لو أن الاتحاد السوفياتي تعامل مع قرار السادات بطريقة مختلفة» فأوقف دعمه 
الاقتصادي, والعسكري. والسياسي لمصرء رداً على الإهانة الموجهة إليه من السادات؟ وهل 
كان بإمكان الجيش المصري أن يحقق ما حققه في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 يدون 
الدعم العسكري السوفياتي؟ ولماذا كان السادات يوجه نداءه إلى الشعب المصري يطالبه فيه 
بمعاداة الولايات المتحدة ثم يسلك هو سياسة مناقضة تماماً لنداءاته؟ وعلى حد ت 
«الولايات المتحدة.. لما أقول الأعداء يبقى هم الأعداء الاصليين» وليس الإسرائيليين؛! 









د صعود الحل السلمي 

أما حول قضية الحرب والسلام فكان اقتناع السادات مقصوراً على النسوية السياسية للصراع 
العربي ‏ الإسرائيلي لاعتقاده باستحالة تحقيق نصر عسكري على إسرائيل» وقد صرح هو 
بذلك في حوار له مع هيكلء قائلاً: «إن جمال عبد الناصر وقع في خطأ كبير حين لم يعترف 
بعد حرب 1967 أن مصر مُزْمت,. ثم يتصرف على هذا الأساس». ومن مفارقات الأقدار أن 
الرجل الذي اقترن اسمه فيما بعد بالانتصار الاستراتيجي الذي حققه الجيش المصري في حرب 
تشرين الأول /أكتوبر عام 1973ء لم يكن في دخيلة نفسه يستوعب أن العبرة في الصراعات 
ليست بالاحتلال المؤقت لأجزاء من الاراضيء طالما أن الحرب لم تنته. والتاريخ لم يتوقفء 
لكن المشكلة تنشأ وتتفاقم حين يقع احتلال الإرادة الوطنية» وحين تتعطل بذلك حركة التاريخ» 
(ص 286). 

وتأبيداً لما قال به هيكل. يذكر الفريق الشاذلي أن السادات لم يكن واثقاً من كسب المعركة. 
ائيل» ولم يكن على دراية كافية بالتغيير النوعي الذي وصلت إليه القوات 
نهاية أيلول/سبتمبر عام 1973 سلمني وزير الحربية أحمد إسماعيل 
قيع السادات؛ يحدد واجب القوات المسلحة في العمليات بشكل عام 
ي وهي: #حسب إمكانيات القوات المسلحة»؛ كانت هذه 
الجملة من الناحية النظرية تعني أن الت ة العامة للقوات المسلحة هي التي تملك القرار الأخير 
في تحديد ما هو ممكن وما هو غير ممكن. وكان أحمد إسماعيل سعيداً بهذه الجملة. وإن كان 
تطور الاحداث فيما بعد قد أثبت أن السادات كان أكثر ذكاء عندما كتب هذه الجملة؛ لأنها 
تعطيه حق التنصل النهاني من أي قرار تقوم به القوات المسلحة وهي تعللم أنه ليس في طاقتهاء 
(ص 50). 

هذا في الوقت الذي تبنت فيه «المجموعة الناصرية» الاعتقاد بأن انسحاب إسرائيل من 
الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران/يونيو عام 1967 لن يتم بغير القوة» أي بغير الحرب. 













224 


وأمام الرأي العام العربي فقد ظهر تطابق في مواقف السادات و«المجموعة الناصرية» في تبني 
الحل العسكري. فأعلن السادات أن الصدام العسكري قادم ولا مفر منه. من خلال إجابته عن 





سؤال حول: "إمكانية الحل السلمي للمشكلة؟ أجاب السادات مردداً شعار جمال عبد الناصر: 
لد كان اقتناعنا دائماً وسيظل أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»؟”". 





بخلاف موقف السادات ومعرفته بأحوال الجيشء كانت «المجموعة الناصرية» على علم بما 
وصلت إليه القوات المسلحة من التطور النوعيء في مجال التسليح والتدريب» وذلك لوجود 
كل من علي صبري الذي تولى الإشراف على العلاقات المصرية ‏ السوفياتية في مجالات 
التسليح» وبخاصة ما يتصل منها بالقوات الجوية والدفاع الجر ٠‏ والفريق أول محمد فوزي 
القاند العام للقوات المسلحة ووزير الحربية. الذي أشرف على إعادة بناء القوات المسلحة بعد 
حزيران/يونيو عام 1967. من هنا كانت ثقة «المجموعة الناصرية» في قدرة الجيش المصري 
على تحقيق نصر عسكري على إسرائيل ليست قائمة على التمني. إنما من معرفة مباشرة ودقيقة 
بقدرة القوات المسلحة المصرية. وتأكد هذا من خلال ما ورد في شهادة هيكل ‏ وإن كانت 
متأخرة - في وصفه للاداء الرائع اللقوات المسلحة المصرية في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 
973 التي قال فيها: ١إن‏ أحدا لم يتوقع أن يتصرف الجيش المصري بالطريقة التي تصرف بهاء 
ولم يتصور أحد أن يصل مستوى الأداء إلى هذه الدرجة من القدرة والكفاءة». 











ه- معاهدة الصداقة المصرية ‏ السوفيائية 

بعد أسبوعين على انقلاب أيار/مايو عام !197؛ أعلن في 1971/5/27 عن توقيع معاهدة 
صداقة بين مصر والاتحاد السوقيائي» هدنها #توثيق التحالة بين البلدين في مواجهة الإمبريالية 
تنمية العلاقات 
التجارية والملاحية. على أساس نظام الدولة الأكثر رعاية»» وعلى أن «تتعهد كل من مصر 








والاتحاد السوفياتي أن لا يدخل في أحلافء أو يشترك في أعمال موجهة ضد الطرف الآخر». 
وحددت مدة الاتفاقية بخمسة عشر عام تتمدد تلقائياً لمدة خمس سنوات أخرى؛ في حال 





عدم إعلان أحد طرفي المعاهدة إنهاء التعامل على أساسها. 

غير أن قراءة نصوص المعاهدة تعكسء بوضوح.ء عدم الثقة بين طرفيهاء حتى وإن كانت 
معاتي الألفاظ تؤكد عكس ذلك فالقول بأن مصر والاتحاد السوفياتي في خندق واحد في 
مواجهة الإمبريالية. وتأكيد تعهد كل منهما عدم دخول أحلاف. أو الاشتراك في أعمال موجهة 
ضد أي من أطراف المعاهدة لا تحتاج إلى تعزيز وجودها بنصوص معاهدة: أطرافها يجري 


: محمد قاد المغازي. حول أحداث مابر عام 1971 بدون اختصار.؛ الحلقة الخامسة شبكة الإترنت 





225 


التعامل فيما بينهما وفقاً لقواعد تبادل المصالح» وحتى الأمن؛ رغم تعرض علاقات مصر 
والاتحاد السوفياتي للشد والفتور أحياناً. 

كانت المعاهدة نتيجة فرضتها توازنات محلية ودولية على السادات والاتحاد السوفياتي في 
قبول العمل معأ فكان على الاتحاد السوفياتي أن يقبل حقيقة حيعة اذ الادات اصح صاحب افر 
السياسي في مصرء برغم وجود شكوك تتزايد في نياته. في الوقت نفسه كان على السادات أن 
يضع توقيعه على اتفاقية الصداقة والتعاون التي حملها بودغورني معه إلى القاهرة» لأن الحل 
العسكري لا يزال أحد اللخيارات المطروحة, والتي تفرض على السادات أن يحتفظ بعلاقاته مع 
الاتحاد السوفياتي بسبب الدعم السوفياتي لمصر. 

غير أن توقيع الانفاقية لم يكن كافياً لتبديد الشكوك, وطمأنة الاتحاد السوفياتي من ناحية 
السادات؛ فأقدم على خطوة كانت الأولى في تاريخ مصر السياسيء عندما عمد إلى التحالف 
الداخلي بينه وبين أبرز رموز الحركة اليسارية والشيوعية المصرية» فأسئد إلى قيادات التيار 
بية وتشريعية» وعيّن محمد عبد السلام الزيات أميئاً أول للجنة 
المركزية للاتحاد الاشتراكي, ثم عير بعد ذلك ناتباً أول لرئيس الوزراء. كذلك عيّن إسماعيل 
صبري عبد الله نائباً لوزير التخطيط» ثم وزيراً للتخطيط؛ أما فؤاد مرسي فقد عُيّن في بادئ الأمر 
أميئاً لبرنامج العمل الوطني في اللجنة المركزية» ثم وزيراً للتموين» كما عيّن أبو سيف يوسف 
عضواً في مجلس الشعبء وأصبح لطفي الخولي مقرراً للجنة الشؤون العربية. 

القد أثمرت الصفقة بأن تولت الأفلام اليسارية تقديم التفسيرات السياسية والأيديولوجية 
النظام السادات؛ على صفحات منبرهم الإعلامي: مجلة الطليعة؛ التي تصدر عن مؤسسة 
الأهرام؛ وكان أبلغ تعبير عن تلك الصفقة. وذلك التوجه. الكتاب الذي أصدره لطفي الخوليء 
وهو رئيس تحرير مجلة الطليعة؛ بعنوان بالغ الدلالة والغرابة: مدرسة السادات السياسية واليسار 
المصري! ولقد ازداد الأمر غرابة عندما كان السؤال عن مدرسة السادات السياسية؟! فكان رده 
الطفي الخولي: ألا تتحدث عن مدرسة تحية كاريوكا في الرقص؟! 

وقد عبر فؤاد مرسي عن تعاون القيادات الشيوعية مع السادات بقوله: «يجب أن نسجل أنه 
للمرة الأولى في تاريخ ثورة 23 تموز/يوليو عام 1952» يقْدم النظام على التعاون مع الاشتراكيين 
الماركسيين بصورة رسمية وعلى أعلى مستويات السياسة والدولة». 

وعند سؤاله: كيف يقبل الماركسيون المصريون التعاون مع السادات؛ في حين أنه سجن 
علي صبري وعدداً من اليساريين القياديين والكتاب؟ أجاب فؤاد مرسي بقوله: «هناك تناقض 
ومأساة في الموضوع. إن جزءاً من النظام الذي كان قريباً منا موضوعياًء ويطرح قضايا وشعارات 
قريبة مناء لم يقبل في صفوف الاتحاد الاشتراكي إلا الأقلية مناء ولم يسمح بوجودنا في 











226 


المسؤوليات المهمة على المستوى السياسيء على العكس فإن 
النا فرصة العمل الوطنيء وعلينا أن نبرهن أننا جديرون بذا 
القد توافر للرموز الماركسية والشيوعية فرصة أوسع لالدفاع عن الاتحاد السوفياتي» في 





الرئيس السادات هو الذي أتاح 





مواجهة الحملة العدائية التي بدأ داخل مؤسسات الاتحاد الاشتراكي. وكان هناك 
تسريب إشاعات عن تذمر قيادات الجيش من أسلوب التعاون مع الحليف السوفياتي» 





في مجال توريد الأسلحة ومواعيد تسليمها لمصرء ولا يستبعد أن يكون السادات وراء تسريب 
تلك الإشاعات. بالرغم من دقاعه الحار عن الانحاد السوفياتي. 

كان تاريخ الأحزاب الشيوعية» في أغلبه. هو تاريخ مسلسل وقوعهم في أخطاء تاريخية» 
وفي حال مجموعة الشيوعيين في مصرء فقد كانت نتانجه هي أن تلك النخبة من الشيوعيون 
وقعوا في خطأ عندما وقفوا في موقع الخصومة من جمال عبد الناصرء وكرروا نفس الخطأ 
عندما وقفوا موقف التأييد من السادات! 





إن أكبر الدلائل نفياً للتآمر على السادات هي تلك الاستقالات الفردية التي تقدموا بها إلى 
الرئيس المفترض أنهم يعدون العدة للانقلاب عليه. أما السبب الذي أضفى عليها شكلاً من 
أشكال الاستقالات الجما: فهو تقارب الوق في الإعلان عنهاء رغم أنه ثب كت عا ترا 
لروايات أصحابهاء أنها تت فردياًء وبغير تنسيق جرى بينهم» فأمكن التخلص منهم بسهولة 
الانهم ساهموا بالقدر الأكبر في ذلك. 

ومن غرائب الأقدار أن توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين مصر والاتحاد السوفياتي لم يكن 
كانياً لتبديد الشكوك. وطمأنة الولايات المتحدة أيضاً من ناحية السادات؛ ولقد سألوا أنفسهم: 
ما الذي يعنيه هذا القرار؟ ولماذا تخلص السادات من أعوانه الذين كانوا يتصورونهم موالين 
اللسوفيات» وهي خطوة اعتبروها اتجاهاً إلى اليمين؟ ثم إذا هو فجأة يأخذ زاوية حادة باتجاء 
اليسارء ويعقد معاهدة مع الاتحاد السوفياتي. إن جمال عبد الناصر ‏ مع كل كراهيتهم له لم 
يقدم على هذه الخطوة! 





و المحاكمات وأحكام الإعدام 

إن المحاكمات والأحكام التي شهدتها تلك «القضية»؛ كانت «تصنع» في الرئاسة» وتصدرها 
المحكمة. كان هناك بعض الوزراء من أنصار السادات» لكنهم عارضوه في أمر اعتقال عدد من 
زملاتهم. وقالوا له: «ليست هناك مؤامرة فالوزراء قد استقالواء ولو كان وزير الحربية يريد قلب. 


0 محمد فؤاد المغازي. ١حول‏ أحداث مابو عام 1971 بدرن اخنصار.؛ الحلقة الخامسة. شبكة الإترنت 
بتاريخ 29 نشرين الأول /أكتوير 2007. 





227 


نظام الحكم لما قدم استقالته قبل قيامه بعملية الانقلاب. لكن السادات أصر على محاكمة 
الوزراء ومعارضيه بعد أن اعتقلهم جميعاً في 15 أيار/مايو عام 1971 ووصل في إصراره إلى 
حد إعلان رغيته في إعدام بعضهم' 

القد تعددت الروايات حول محاكمة القيادات الناصرية؛ وكيف صدرت الأحكام ضدهمء 
فهناك إن الأحكام قد وضعها السادات وزوجته وفي حضور محمد عبد السلام الزيات. 
وينفي الزيات ذلكء لكنه يروي أن أحد أعضاء المحكمة وهو المستشار يدوي حمودة قد هدد 
بالانتحار إذا نفذ حكم الإعدام في القيادات الناصرية» تنفيذاً لطلب السادات. وبالفعل فقد 
صدر الحكم بإعدامهم؛ إلا أن السادات خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤيدة» كما رفضت 
المحكمة العسكرية طلب السادات إصدار حكم على الفريق أول محمد فوزي بالإعدام» ورأت 
في ذلك سابقة خطيرة أن يعدم قائد الجيش. فضلاً عن أنها لم تجد في القانون العسكري ما 
يسمح لها بتوقيع حكم الإعدام على الجرائم التي نسبت إليه. 

فبعد انتهاء حمله الاعتقالات بدأت النيابة العامة التحقيقات, وكان يشرف عليها النائب العام 
المستشار محمد علي ماهر وكان يطلع السادات أولاً بأول على نتانجهاء لكن فجأة سحب 
التحقيق من الثائب العام؛ وتم تحويل القضية إلى المدعي العام الاشتراكي. وهي وظية 
تماماً على النظام القضاني المصري. وجهاز ادعاء جديد استحدثه السادات» القانون الرقم 0 
لسنة 1971 خصيصاً ليتمكن من الالتفاف على القانون والدستور في محاولاته الانتقامية من 
أعدائه» الذين لايصل القاتون المصري الطبيعي إليهم. 

.وكان النائب العام في مقابلته الأخيرة مع السادات قد أبلغه أن أقصى عقوبة يمكن توقيعها 
على أي من المتهمين لن تتجاوز ثلاث سنوات» إذا ما عرضت القضية على محكمة الجنايات» 
وهذه العقوبة ما كانت تشفي غليل السادات وتعطشه إلى الانتقام. من هنا ججاء قرار السادات 
إقصاء النيابة العامة عن التحقيق» وتكليف المدعي العام الاشتراكي بمباشرة اك 
على محكمة خاصة:» وق تولى المنصب مصطفى أبوزيد فهمي؛ الذي اتخذ مو 
في مناقشات اللجنة المركزية لمشروع اتحاد الجمهوريات العربية؛ مؤيداً لموقف السادات» بل 
وأوجد له مخرجاً. 
























ويروي محمد عبد السلام الزيات» في كتابه: السادات القناع والحقيقة فيقول: «اتصل بي 
حافظ بدوي رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الخاصة؛ التي ألفها السادات لمحاكمة 
تهمين في «قضية مراكز القوى»» وطلب مني موعداً عاجلاً. على أن يكون ذلك في منزلي 
لاهمية الموضوع وسريته. وجاء حافظ بدوي إلى منزلي في حال هلع شديد. بادرني بشكر 
طويل في شخصي. الوحيد الذي يستطيع أن ينقذه من المأزق الذى وقع فيه. سألته أن 
يوضح لي الموضوعء فقال إن هناك ضغوطاً شديدة على المحكمة لإصدار أحكام بالإعدام 








228 


3 نء وأن السيد بدوي حمودة» رئيس مجلس الدولة وعضو هيئة المحكمة؛ قد 
هدد بالانتحار بإلقاء نفسه من على كوبري قصر ١‏ إذاها متت عام إعداوء لكي عاق 
واستجاب بعد ضغوط شديدة للحكم بالإعدام» يشرط أن يعد السادات وعدا صريحاً بتخفية 
حكم الإعدام. وقال لي حافظ بدوي إنني الوحيد الذي يستطيع أن يحصل من السادات على 
هذا الوعد. 

ويستطرد الزيات في شهادته فيقول: لم أكن أريد أن يبدأ السادات عهده؛ وأنا مستشاره» 
بمذبحة دموية تذكرنا بمذبحة المماليك» وفي قضية, مهما قيل حولهاء فهي قضية سياسية 
لا تتجاوز صراعاً على السلطة حسم لمصلحة السادات. كان اقتناعي في ذلك الحين أنها ليست 
أكثر من ذلك. لكن الحقيقة تكشفت لي بعد أن اكتملت الصورة» لقد كانت خطوة على الطريق 
الذي رسمه الساداتء أو رُسم للسادات, تتابعت بعدها خطواته على نفس الطريق لتصل بنا إلى 
ما وصلنا إليه. يتابع الزيات: ذهبت إلى السادات وعرضت عليه بعض المسائل؛ وفاتحته في 
الموضوعء سألته إذا كانت هناك نية مبيتة على إعدام أحد المتهمين؛ فرد علي 
العزم على إعدام علي صبري وسامي شرفء ولم أستقر بعد على رأي نهائي في شأن الآخرين». 

لزيات اوهذا قول في منتهى الغرابة لأن السيد سامي شرف لم يتفق مع باقي 

المتهمين على استقالتهم الجماعية؛ أو تآمرهم على السادات. بأمارة أنه سعى للوساطة من أجل 
علي صبري عند السادات كما قالت جيهان السادات في كتابها. فلماذا أراد السادات إعدامه؟ ما 
هو السر الحقيقي في رغبة السادات الغريبة بإعدامه؟ حاولت بكل وسيلة هداني إليها الله أن 
أثنيه عن نيته. واستمرت محاولاني أكثر من أربع ساعات. قصصت له فيها قصصاً من التاريخ 
رمف بالف اعرد كنا وعفوه عن الكفار, واننقلت من الترغيب إلى التهديد, وأ 

شير إلى أن الإعدام سوف يحول المتهم السياسي إلى شهيد» وأنه سيخلق منهم أبطالاً في 
- اوفي هذه الجلسة رأي وجهاً جديداً للرئيس ء 
وإصراره يزدادء وعبارات الكراهية تتكرر على لسانه وهو يردد: «أنا انتظرت هذه اللحظة منذ 
وقت طويل». وأدركت فجأة بعد 4 ساعات من محاولة إثنائه عن عزمه استحالة محاولتي. ونظرة. 
متعطشه إلى الدماء تطل من عينيه. انتفضت واقفاً بلا وعي وأنا اقول: «يستحيل علي وأنا 
مستشارك أن اتحمل عبء هذا القرار»» ولفحتني أمواج الكراهية والتهديد؛ وهو 
عارمة قا إذا كنت تريد الاستقالة فالباب مفتوح٠ ٠‏ ولا تتصور أن لك فضلاً علي لجيه 
سيكون فيما بعد». 
الزيات: «طليني السادات بعد ذلك لمقابلته ولم أكد أجلس على مقعدي حتى 
بادرني إلى القول: «إن أحداً من المتهمين لن يعدم وأضاف أنه مضطر إلى تخفيف أحكام 
الإعدام؛ لآن المحكمة العسكرية التي كانت تحاكم الفريق أول محمد فوزيء المتهم الأول في 


































229 


القضية» لم تجد في القانون العسكري ما يسمح لها بتوقيع حكم الإعدام على الجرائم التي 
» وعلى ذلك لم يصبح من المناسب أن يصدق على حكم بالإعدام على المتهمين 
المدتين بنفس الجرائم؟. إلى منزلي وأنا اتعجب من هذا الوجه الجديد الذي اكتشفته 
في السادات» وبدأت من هذا اليوم آخذ حذري من السادات!». 








خامساً: حال اللاسلم واللاحرب 

أصدرت مصر إعلاناً رسمياً بعدم التزامها بقرار وقف إطلاق النارء بدءاً من 7 آذار/مارس 
171 وهو تاريخ انتهاء الفترة الثالثة لوقف إطلاق النارء التي كان السادات قد حددها كآخر 
فرصة لللدول المعنية بالصراع لكي تأخذ فرصتها في الوصول إلى حل سلمي. دون أن يعني 
ذلك إعلان بده الحرب؛ فلم يصدر السادات عقب هذا الإعلان أية تعليمات للقوات المسلحة 
الفتح النيران» أو استنناف القتال. 

فقد مر عام 1971 دون حسم أي شيء, لا سلماً ولا حرياً. وفي إطار رصد الأوضاع في مصر 
العام الذي يليه عام 1972 أمكن إجمال الصورة بهذا الاصطلاح الذي شاع وقتهاء تحت 
عنوان: حال «اللاسلم واللاحرب»؛ فقد ظهرت في الأجواء أعراض حال من التمزق والتآكل 
والإحساس بالضياع؛ لان سيادة حال «اللاسلم واللاحرب» راحت تضغط على أعصاب الجميع 
بشدة» وعلى نحو يبدو وكأنه لا خلاص منها. 

الا شك في أن هذه الحال كانت لها أسباب موضوعية تمثئلت يشعور سائد لدى القيادة 
المصرية بأن العدو أقوى عسكرياً بسلاحه. وأقوى سياسياً بتحالفاته الدولية» وفي نفس الوقت 
تبدى في مصر نوع من الانفصام بين السياسة والسلاحء فالسياسة ليست واثقة من قدرة السلاحء 
ولا السلاح واثق من كفاءة السيا. نة لهذه الاحوال ظهر على جسم الجبهة الداخلية طح 

من البؤر: كان شباب الجامعات في حال غليان عبر عن نفسه باضرابات وتظاهرات وصدامات 
مع قوى الأمن. بالطبع اعتقالات» وكان هناك صدام مع المثقفين 
اعتيره السادات تعريضاً به. ورد عليه بهجوم مركز على الاسم الأول الذي تصدّر قائمة الموقعين 
على البيان» وهو الأديب الكبير توفيق الحكيم. 

مع ذلك كان السادات لا يزال على استعداد لأن يطرق من جديد باب الحل السلمي» لكن 
الإشارات جاءته من الولايات المتحدة بأن ذلك ليس في المتناول الآن على الأقل» وجبهة 
الحرب كانت أكثر من متعثرة لآن مسار الحوادث كان يدفعها نحو الخطر. لا شك في أنه مما 
زاد الأوضاع تعقيدا في بداية عام 1972. أن العلاقة بين السادات ووزير حربيته الفريق أول 
صادق لم تكن على ما يرام. إن صادق لم يكن الاختيار الأول لدى السادات لمنصب وزير 
الحربية؛ بعد استقالة الفريق أول فوزي؛ بل كان أحمد إسماعيل؛ إنما اختار صادق؛ لوقوفه 




















20 


بجانبه في أزمة «مراكز القوى». ولم تكد تمضي أسابيع حتى أحس السادات أن صادق ليس 
رجله المناسبء لا في المكان المناسب» ولا في الوقت المناسب. قت هناك النتيد بن 
الرجلين؛ منها: أن صادق لم يكن 
أ أصلاً. بصلاحية السادات رئساً ادي يه 
فضلاً عن أن يكون قائداً أعلى للقوات المسلحة. ومنها: أن صادق كان كثير الانتقاد للسلاج 
السوفياتي, والاتحاد السوفياتي نفسه. وكان يعر عن ضيقه من وجود الخبراء السوفيات في 
الجيش المصري علا وكان هذا شعوراً عاماً لدى ضباط » لذلك ليس من قبيل المبالغة 
أن يقال إن قرار السادات. في تموز/يوليو عام 21972 الشهير بطرد الخيراء السوفيات من مصرء 
كان في جزء منه راجعا إلى المنافسة بين الرئيس والوزير على كسب مشاعر ضباط القوات 
المسلحة. 

وانتهى الأمر يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 1972 بقرار السادات إقالة وزير الحربية محمد 
صادق. ومساعده؛ وقائد القوات البحرية؛ وقائد المنطقة العسكرية المركز: 
وعزلهم جميعا من مناصبهم. كان الخلاف قد تفجر بين السادات وهؤلاء القادة قبلها ييومين في 
اجتماع مجلس الأمن القومي» عقب عرض السادات فكرة بخصوص حرب محدودة: تجعل 
مصر تكسب مجرد عشرة سنتيمترات على الضفة الشرقية لقناة السويسء تبدأ بعدها عملية 
التفاوض السياسي. وعندما رفض القاء ٠‏ أنهى السادات الاجتماع 
غاضباًء وأقالهم بعدها بيومينء وقام ت بتعيين الفريق أول أحمد إسماعيل وزيراً للحريية؛ والفريق 
سعد الدين الشاذلي رنيسا للأركان. واللواء محمد عبد الغني الجمسي رنيساً لهيئة العمليات. 

اثم كانت هناك جملة من الدوافع التي جعلت السادات يقدم على طرد الخبراء السوفيات- 
بخلاف منافسته مع صادق ‏ ملخصها أن السادات كان يريد الحل السلميء وهذا الحل يراه في 
يد الولايات المتحدة» وهذه يفصل بينه وبينها الوجود السوفياتي في مصرء كما كان يقول له 
أصدتاؤه السعوديون والإيراتيون حلفاء واشنطنء فضلاً عن الولايات المتحدة ذاتها التي كان 
يرى فيها #خلاصه»؛ فكان القرار طرد الخبراء السوفيات. 

القد شعر الغرب عموماً بالمتعة والدهشة معاً؛ وكان مرد هذه المتعة أن الاتحاد السوفياتي قد 
تلقى ضربة جديدة؛ بعد سقوط «المجموعة الناصرية» قبلها بعام» في مسعاه للحصول على اليد 
الطولى في ١‏ العربية, أما الدهشة فتعود إلى أن السادات بقراره إنما كان يلقي جات التقل 
التفاوضي الكبير الموجود إلى جانبه؛ ممثلاً بالوجود السوفياتي, وكان هو المقابل بالنسبة إلى 
الولايات المتحدة لكي تضغط على إسرائيل للانسحاب من سيناء. وكان السادات على علم 
عميق بذلك؛ فقد قال كيسنجر ذات مرة: إن الولايات المتحدة كانت حريصة على طرد الروس 
من مصرء ولم تكن السعودية أقل حرصاً على ذلك من الأمريكيين. وكما بدا فقد اتضح أن 











يةء ومدير المخايرات» 




















اق2 


السادات كانت تربطه صداقة طويلة وغامضة جداً برجل الأعمال القوي كمال أدهمء صهر 
الملك فيصل وريس مخابراته. لكن إذا كان السعوديون قد أثروا في السادات من خلال تلك 
العلاقة. فقد كان ذلك التأثير ضحخماً؛ يسيب الدور الكبير الذي أدّته عوامل متعددة في الشؤون 
العربية والدولية حينها؛ كشخصية الملك فيصل القوية» وسقوط «الشورة ٠‏ 
شيء كان هناك ذلك الظهور الطارئ لثروة هائلة من باطن الأرضء وهي الثروة التي وقعت في 
حجر بلد ضعيف بشدة» ومتخلف» ويفتقر إلى السكان""*". 

الكن ما حدث أن قرار طرد هؤلاء الخبراء لم يُحدث أثره المطلوب تماماً لدى الولايات 
المتحدة» والبيت الأبيض فيها بالذات» وكيسنجر في ذلك البيت الأبيض على وجه التحديد» 
رغم أن الدهشة هناك كانت أكبر. فقد كتب كيسنجر في مذكراته» بعنوان سنوات البيت الأبيض: 
«لماذا لم يقل لنا السادات ما كان ينوي فعله؟ ربما لو أبلغنا مسيقاً لكنا قدّمنا له شيئاً في 
المقابل. في السياسة. كما في كل شيء آخرء فإن لا أحد مستعد لدفع ثمن لشيء حصل عليه 
بالفعل» وريما لأعطيناه ما يوازي فض الاشتباك الثاني» الذي أعقب حرب 1973ء بدون هذه 
الحربء ما يتمثل بالانسحاب إلى مسافة 40 كم داخل سيناء» أي إلى خط المضايق!». 


ومن المفيد هنا الإشارة إلى رواية إدوارد شيهان» في كتابه بعنوان: العرب والإسرائيليون 
وكيسنجرء عمًا قاله كيسنجرء فور سماعه نبأ طرد اللخبراء السوفيات. إذ قال «إن كيسنجر صعق 
من النبأء وتساءل قائلاً لمعاونيه: لماذا قدّم السادات ثنا هذا المعروف؟ لماذا لم يتصل بي؟ 
الماذا لم يطلب أولاً كل أنواع التنازلات التي يمكن أن نقدمها له؟» ثم كان تعليق كيسنجر بعد 
ذلك: «إنه غاضب أيضاً لآن هناك فشلاً في مجال المخابرات» فهو لم يعلم بقرار الطرد إلا من 
برقيات وكالات الأنباءء©"", 

في هذا السياق يشير مراد غالب في مذكراته» تعقيباً على موضوع «طرد الخبراء السوفيات»: 
«لقد كنت متأكداً من أن ما حدث كان لا بد أن يحدث يوماً ماء فالسادات كانت له اتجاهاته 
المضادة للعلاقات مع الاتحاد السوفياتي» والتحول نحو الولايات المتحدة». ويضيف أنه التقي 
وفداً من الكوتغرس الأمريكيء في أيار/مايو عام 1973ء وكان وزيراً للإعلام» وطلبوا منه ايضاحاً 
حول دوافع السادات وراء «طرد الخبراء السوفيات»؛ وقالوا: القد تعجبنا كثيراً. وأخذنا نقول 
بعضنا لبعض: «لقد قدم لنا خدمة ولم يحصل على ثمن. وكان يستطيع أن يحصل على ثمن 
مناسب لهذه الخطوة». ويتابع غالب: وذكر لي أحدهم أن انقساماً حدث في الكونغرس؟؛ 














00 
عن 069 2170 

زولا ممدح يتما ر39وا بسموملا علدنا هلط ميمت سملا سمال مقا 13 بتاع له مال 

22 197308 مسد ه96 دما 





فبد هبرست وإبرين بيسون. الساداث. ثرجمة محمد مطاوع (القاهرة: دار الكتب للنشر التوزيع. 02016 


22 


فالبعض أكد ضرورة تقديم مكافأة كبيرة إلى السادات» لأنه قدم للولايات المتحدة خدمة عظيمة 
بطرد الوجود السوفياتي: بينما كان فريق آخر منهم يقول: ولماذا نعطيه ثمناً أو مكافأة؟ لقد قطع 
علاقاته العسكرية مع السوفيات» وأصبح بلا سندء وسوف يأت 
نملي عليه ما نريد. وللاسف - كما قال عضو الكونغرس - فإن الرأي الأخير هو الذي انتصرء 





إلينا راكع وعندئذ نحن الذين 





بدعم من اللوبي اليهودي"1". 
وفي نفس الوقت فإن كثيرين في مصر كان رأيهم أنه من الضروري البحث عن علاج 
للصدمة المفاجئة» وتقرر كمحاولة أخيرة إرسال بعثة على أعلى مستوى يرأسها عزيز صدقي 








رئيس الوزراء إلى الاتحاد السوفياتي. ولم يكن السادات يتوقع كثيرا من مهمة تلك البعثة. وكان 
ظنه أن السوفيات سوف يعودون إلى تكرار نفس مواقفهم السابقة بنفس عباراتها تقرياً. لكن 
لم تكن في الحسبان؛ وهي أن السوفيات وافقوا على أن 
يشحنوا كل الطلبات المتأخرة من صفقات أسلحة سابقة» وتزويد الجيش المصري بأسلحة لم 
تظهر من قبل على مسرح عمليات المنطقة. وكانت هذه البعثة تضم عدداً من العسكريين» 
وبالتالي فإن ما وافق السوفيات على تقديمه أصبح معروفاً في القوات المسلحة. وأحدث تأثيراً 
الابد من حسابه. 

كانت هناك بالطبع صدمة الاتحاد السوفياتي العنيفة من قرار إنهاء مهمة خبرائه من مصره 
وفي البداية كان هناك الغضب للكرامة الجريحة» حين راح ثمانية آلاف من الخبراء السوفيات 
وعائلاتهم يغادرون مصر بطريقة مهينة» وكأنهم فلول من اللاجثين يهربون أمام خطر زاحف 
عليهم. كان تعليق الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف على قرار السادات: «لقد أعطى السادات 
للأمريكيين أقصى ما يحلمون يه لكن للاسف دون ثمن مقابل». ويشير مراد غالب في مذكراته. 
وكان وزيراً للخارجية مشاركاً في بعثة صدقي: لقد ظهر التأثر الشديد على وجه بريجنيف» 
وقال: «ما الذي فعلناه لكم لكي توجهوا لنا هذه الإهانة؟ لقد قاتلنا معكم. وسالت دماؤنا مع 
دمائكم على ضفاف القناة. وفي غيرها من الأماكن. وكنا نقتسم لقمة العيش معكم». واغرورقت 
عيناه بالدموع وهو يقول: «لقّد كنا نخفي عن الشعب السوفياتي موتاناء الذين قتلوا على 
أرضكمء حتى لا نوجد لديه أي نوع من الضغيئة أو الكراهية للشعب المصري ولكم' 

ودار صراع مكتوم في الاتحاد السوفياتي بين القيادتين السياسية والعسكرية وفي ذروة 
الخلاف أشار غريتشكو إلى أن «السادات لن يحارب مهما كان ما نعطيه له من سلاح؛ ومن 






بعئة صدقي ذهيت وعادت 

















117 غالب. 
(112) المصير 






مراد غالب: مع عبد ناص والساداث: سنواث الانتصار وأبام المحن. ص 187. 
ص قا 





21 


الخير ألا نترك أنفسنا شماعة له يعلق عليها تردده أمام ضباط الجيش المصري؛ وأمام الشعب في 
مصرء وأمام أصدقائنا في الوطن العربي». 

الغريب أن محمود فوزي؛ وزير خارجية مصر ورئيس وزرائها الأسبق. يروي في مذكراته أنه 
كان هناك عرض قدمته الولايات المتحدة إلى جمال عبد الناصرء يتضمن انسحاب إسرائيل من 
سيناء؛ وتوقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل» تضمن حياد مصر مقابل قيامه بطرد الخراء 
السوفيات؛ لكن جمال عبد الناصر رفض: لإصراره على تحرير كافة الاراضي العربية التي 
احتلت في حرب عام 1967ء بيئما استجاب السادات لنصيحة فيصلء وطرد الخبراء السوفيات» 
لكنه لم يحصل على المقابل الذي توقعه؛ لإصراره على فردية قراره» ورغبته في الحصول على 
السبق الإعلامي. 

إن كل هذه الظواهر كانت تضغط على السادات» وتصنع من حوله حالاً من شيه الحصار 
النفسي. وعلى وجه اليقين فإن ضغوطها عليه كانت شديدة؛ إلى درجة أن حساباته الخاصة 
أوصلته إلى أنه قد يكون من الأفضل أن يبادر إلى كسر وقف إطلاق النارء بادثاً العمليات 
العسكرية, وبالفعل أصدر تعليماته للفريق أول أحمد إسماعيل بالاستعداد للعمل المسلح على 
الجبهة في شهر كانون الأول/ديسمبر 1972 وهو ما رفضه إسماعيل الذي كان قد بدأ التنسيق 
مع الجهة السورية للتخطيط المشترك. 

الغريب أيضاً أن محمود فوزي يروي في مذكراته أنه كان هناك تفاهم بين جمال عبد الناصر 
والرنيس تيتو على أن اتخاذ مصر لخطوة جوهرية؛ مثل إخراج الاتحاد السوفياتي من المنطقة 
لن تمررها مصر إلا بمقابل إجبار الولايات المتحدة لإسرائيل على الانسحاب من الأراضي 
العربية المحتلة. في إطار حل شامل للصراع» لأن غرض جمال عبد الناصر الحقيقي من وجود 
الخبراء السوفيات كان رفع مستوى المواجهة من المستوى الإ 
المستوى العالمي. بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة؛ حتى لقد ذهب صراحة في 
اجتماعات مجلس الوزراء إلى أن استراتيجيته تقوم على «توريط» الاتحاد السوفياتي في مصرء 
حتى تصل العلاقة بين البلدين إلى مستوى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. 

ونفس المعنى أكده مراد غالب في مذكراته؛ حيث أشار إلى أن «هناك 
غاية الأهمية, بالنسبة إلى الوجود العسكري السوفياتي» وللاسف لم تكن معروفة؛ فقد كان 
هناك تفاهم بين جمال عبد الناصر والرئيس تيتو. يعطي للرنيس اليوغوسلافي الحق في الاتصال 
بالرئيس الأمريكي جونسون. ومن بعده نيكسونء لإقناعهما بمقايضة الوجود العسكري 
السوفياتي وإنهانه. في مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلت عام 171967 




















(113) المصدر 





ص 233. 


234 


لذا تبدو علاقة السادات بالاتحاد السوفياتي من أكثر العلاقات تعقيداً فالحقائق والأرقام 
تثبت قيام الاتحاد السوفياتي بتسليح مصر وسورية والعراق والجزائر واليمن وليبيا بكميات 
ضخمة من الأسلحة الحديثة والمتطورة؛ التي خاض بها العرب كل حروبهم ضد إسرائيل» وقد 
عوض الاتحاد السوفياتي مصر مجاناء عن خسائرها التي بلغت (80 بالمئة) من أسلحة ومعدات 
جيشها في حرب عام 1967 وساعد الاتحاد السوفياتي جمال عبد الناصر على إعادة بناء 
الجيش المصري من الصفر. بل إنه خلال المرحلة الأخيرة من حرب الاستئزاف تولت قوات 
سوفياتية. من كتانب صواريخ وطائرات وطيارين» مع القوات المصرية» حماية سماء مصر من 
غارات العدوء وإقامة حائط الصواريخ على حافة الضفة الغربية لقناة السويس. 
الم يضر الاتحاد السوفياتي في إمداد مصر بكميات هائلة من العتاد والسلاح بأسعار 
خيصة: وفوائد متدنية» مع تأجيل السداد, بل إن أغليها لم يسدد ثمنه. كان هذا كله يتم في إطار 
الاستراتيجية العالمية للدولة السوفياتية» كقوة عظمى في أهم منطقة استراتيجية في العالم. ورغم 
ذلك قام السادات بإشاعة أكاذيب عن تقاعس الاتحاد السوفياتي عن إغاثة مصر أثناء المعركة. 
وهى تشبه أكذوبته عن شاه إيران, بادعاء أنه سارع إلى دعم مصر بالنفط أثناء الحرب» الذي 
تنبت كل الوثائق أنه هو الذي قام بتزويد إسرائيل بكل طلباتها من النفط منذ نشأتها عام 1948 
وحتى أطاحته الثورة الإيرانية عام 1979ء وبخاصة أثناء حرب عام 1973. وكما أن كيسنجر يثبت 
في مذكراته رفض الشاه عبور الجسر الجوي الذي دفع به الاتحاد السوفياتي لنجدة مصر 
وسورية أثناء تلك الحرب سماء إيران» ما يتيح وقناً أطول وظروفاً أفضل لإسرائيل. 























235 


الفصل الرابع 


حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 


مدخل: أجواء ما قبل الحرب 

من المفيد البدء برصد حقائق الموقف السياسي والعسكري الذي وجده السادات أمام؛ 
وهو يتخذ القرار النهائي بإطلاق حرب التحريرء يوم 6 تشرين الأول /أكتوبر 1973. لا شك في 
أن أهم هذه الحقائق يتمثل بعدم إجراء أي تغيير رسمي في الاستراتيجية المصرية العلياء 
السياسية والعسكرية: التي كانت معتمدة في عهد جمال عبد الناصر. وهذا أمر منطقي؛ لانه لم 
تكن هناك أي تغييرات في المعطيات على جانبّي الصراع؛ تبرر هذه التغييرات. حقاً رحل جمال 
عبد الناصر, لكن الرئيس الجديد كان قد حضر كل الاجتماعات التي تقررت فيها هذه 
الاستراتيجية» سواء بوصفه رئيساً لمجلس الامة» أو نائباً لرئيس الجمهورية؛ كما أعلن استمرار 
التزامه بهاء لكن المشكلة كانت في «نياته المبطنة» ‏ من ناحية. و«اتصالاته السرية» ‏ من ناحية 
أخرى. 

وقد اجتمع الأمران معاً «النيات المبطنة» و«الاتصالات السرية». حين فتح «قناة الاتصال 
المصرية السرية» مع إسرائيل؛ عبر السفارة الأمريكية في القاهرة. يعرض عليها تسوية سلمية. 
نة ذلك عندما رفض تماماً توقيع "أمر القتال», ما دقع الفريق أول محمد فوزي 
إلى الاستقالة: في 1971/5/13. وحيث إن «المجموعة الناصرية» في السلطة كانت تعلم بأمر 
هذه الاتصالات؛ من خلال «عملية الدكتور عصفور»؛ من دون أن يعلم بها السادات نفه. فقد 
سارعت بدورها إلى تقديم ا. 
التآمر لقلب نظام الحكمء وبخاصة أنهم كانوا 
والحرب. المهم أن هذه القناة لم تأتٍ بالنتيجة التي كان يتوقعها. 

كذلك خاب مسعى السادات حين سلك طريق «قناة الاتصال السعودية السرية»؛ وقام بإنهاء 
الوجود السوفياتي في مصرء من خبراء ومستشارين وفنيين: مدنيين وعسكريين؛ عام 01972 يناه 





وقد اتضحت 











237 


على نصيحة الملك فيصل. وكان تصريح كيسنجر لافناً: «لماذا تدفع ثمناً لشيء حصلت عليه 
بالفعل»؟! 

ثم ازداد الموقف السياسي. والعسكريء سوءاً في عام 1972 نتييجة لصعود سياسة «الوفاق 
الدولي». ففي مطلع السبعينيات كانت الدلائل تشير إلى أن سياسة االوفاق الدولي» قد أصبحت 
خطاً ثابتآً لدى كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة؛ التي كانت تهدف إلى إنهاء حال 
الحرب الباردة؛ وكسر حدة سباق التسلح. وبدء مرحلة التعايش السلمي بين الشرق والغرب. 
وكان وجه الخطورة في هذه السياسة هو أثرها في الصراع العربي ‏ الإسرانيلي, والازمة القائمة 
في المنطقة العربية بعد هزيمة عام 1967 حيث أصبح واضحاً أنه لن تقوم مواجهة بين الاتحاد 
السوفياتي والولايات المتحدة بسيب الدول الصغيرة. هكذا كان على السادات مواجهة التردد 
السوفياتي من ناحية» والصدمة الأمريكية من ناحية أخرى. 





1 - التردد السوفياتي 

في الحقيقة كانت لهذا التوجه الاستراتيجي أصوله السابقة لدى الاتحاد السوفياتي» من 
اناحية مبدئية» وقد عبر عن ذلك مراد غالب, في مذكراته» من واقع حواره مع الزعيم السوفياتي 
خروتشوف. عندما رافقه في رحلته بحراً لزيارة مصرء قائلاً: «بينما كنت مع خروتشوف على 
السفينة أرمينياء وهي متجهة إلى الإسكندرية في عام 1964» قال لي خروتشوف: أنتم في حاجة 
إلى السلام؛ وكذلك الفيتناسين» وحين يكون وضع دولة عظمى في الميزان» فعلينا أن نضع في 
اعتبارنا حسابات كثيرة. وعلى أي الحالات عليكم العمل من أجل السلام. وأضفت من جانبي 
أقول: سيادة الرئيس إن أية قوة من القوى العظمى لن تطلب منك أن تخوض الحرب ضد 
إسرائيل» هذا القرار هو قرارنا نحنء وعلينا أن نقرر إذا كنا ندخل هذه المعركة أم لا؟. بصرف 
النظر عن أبة قوة أخرى. وكئت أقصد أن الاتحاد السوفياتي لن يحبذ قيامنا بالمعركة. فهي في 
الواقع معركة مصرء وإنني أرى أننا استخدمنا كل الطرق. من خلال استقراء لكل الجهود التي 
بذلت مع الولايات المتحدة: ومع إسرائيل من خلالهاء ولا مفر من المعركة؛ ولا مر من 
الانتصار فيهاء". 

كما كانت لهذا التوجه الاستراتيجي أصوله السابقة لدى الاتحاد السوفياتي» يضما يانهام 
اسياسة التهدنة مع الولايات المتحدة» واتباع «منهج الترابط» بين المشكلات الدولية» وإجراء 
صفقات على هذا الاساس. فعقب حرب عام 1967 بأيام عقدت قمة سوف أمريكية في 
«غلاسبورو»؛ من 23 إلى 25 حزيران/يونيو 21967 بين الرنيس الأمريكي جونسون ورنيس الوزراء 




















(1) مراد غالب. مذكراث مرئد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنوات الاتتصار وأيام المحن (الفاهرة: مركز الأعرام. 
للترجسة والنشر. 2001). ص 208 209. 


238 


السوفياتي كوسيغين؛ وبعد انتهاء اللقاء تبين أن أزمة «الشرق الأوسط» تحولت إلى «مقايضة»؟ 
لان جونسون عرض «صففقة» على كوسيفين تعلق بتحديد إنتاج الصواريخ بعيدة المدى. وكان 
كوسيغين على استعداد لقبولها على الفور, لأنه وهو رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي كان يدرك 
أكثر من غيره» فداحة تأثير سباق التسلح على الاقتصاد السوفياتي. وانتهى الاجتماع إلى «تأكيد 
رغبة الطرفين في تخفيف حدة التوتر. والتوصل إلى تسوية سلمية لأزمة الشرق الأوسط». 
والغريب أن كوسيغين لم ينتبه إلى أن تخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط يختصر دور 
الاتحاد السوفياتي في المنطقة؛ ذلك أن الحاجة إلى الدور السوفياتي تنشأ من حاجة البلدان 
العربية: وبيخاصة مصرء إلى سلاحه. فإذا خف التوتر ونقصت الحاجة إلى السلاح؛ تقلص 
الدور السوفياتي وانحصرء والعكس صحيح بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ بوصفها الطرف 
الوحيد القادر على التأثير في سياسة إسرائيل, ما دام البحث جارياً عن تسوية سلمية. وربما تنبه 
كوسيغين إلى أنه يعطي ميزة للولايات المتحدة في المنطقة العربية» لكن أولوياته الاقتصادية 
سبقت في تقديراته كل الاعتبارات الأخرى في «مؤتمر غلاسبورو». 

وعندما قدم كوسيغين إلى مصر للمشاركة في جنازة جمال عبد الناصر عام 1970 طلب أن 
يجتمع مع «القيادة المصرية»» وبالفعل اجتمع مع مجموعة من أعضاء اللجنة العليا 
اللاتحاد الاشتراكي» وأعضاء مجلس الوزراء. وراح يسوق لهم مجموعة من النصائح تحض 
على: التمسك بوحدة القيادة. وتجنب الخلاف ‏ محاذرة المغامرات غير المحسوبة» والبعد 
مهاج التدكير اهدي تي بعل المي للمراع مم [سراتيل: 

ولم يترك كوسيغين شكاً لدى سامعيه؛ فقد لص كلامه بقوله: «نحن نريد أن نساعدكم على 
استعادة أراضيكم المحتلة, لكننا لا تعتقد أن الحرب المسلحة ضرورية لتحقيق هذا الهدف. إنما 
يجب أن نعطي الفرصة كاملة للعمل السياسي. وفي مطلق الأحوال فإننا نرجوكم أن تعرفوا أننا 
السنا على استعداد لمواجهة خطرة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ ونأمل بالفعل أن يكون ذلك 
مفهوماً لديكم جيداً سركي أملاة: امسا ارجاني»: كناتسيل يكل ترجته شور 
73: السلاح والسياسة'0". 


























وربما كانت أهم إشارة تبدِّت بعد زيارته أن صفقات سلاح إضافية سبق الاتفاق عليها. 
وأعدّت بالفعل للشحن إلى مصرء جرى تأجيل إرسالها. وكان مؤدى الإشارة أن الاتحاد 
السوفياتي يخشى أن يتشجع خلفاء جمال عبد الناصر. ويراودهم وهم تعزيز مركزهم في الداخل 
بالإقدام على مغامرة قبل الأوان مع إسرائيل. 





(2) محمد حسنين هيكل. أكتوير 73: اسلاج والسياسة (القاهرة: مركز الأهرام للترجسة والنشر. 1993). صن 135 


239 





م جاء اجتماع القمة السوفياتية ‏ الأمريكية الذي اتعقد بموسكو في أيار/مايو عام 1972 
في مناخ دعم الوفاق الدولي. فدخلت القضية العربية في حابة المساومات الدولية: وفقدت 
تصدرها للمشكلات الدولية التي تستدعي الحل السريع. وقد تجلى ذلك في قرار المؤتمر التزام 
الدولتين العظميين «سياسة الاسترخاء العسكري في الشرق الأوسط». وكان ذلك يعني عدم 
الحل المشكلة. وبالتالي قبول استمرار الاحتلال الإسرائيلي للاراضي العربية» 
وعدم قبول نشوب أية حرب بين العرب وإسرائيل: حتى يجري حل الأزمة» والنتيجة النهائية أن 
يرضخ العرب للأمر الواقع؛ وأن تنمكن إسرائيل من فرض شروطها للحل. 

القد كان هناك تباين بين مصر والاتحاد السوفياتي في شأن أهداف التسلح؛ وكذلك بالنسبة 
إلى المعركة: كانت مصر تتعجل نوعية جديدة من السلاح. لأنها تتعجل المعركة؛ التي تريد أن 
تمحو بها آثار هزيمة عام 2.1967 والثأر لكرامتهاء بينما كان السوفيات يرون استحالة ذلك؛ وأن 
عزيمة مصر تحتاج ليس أقل من عشر سنين. لبناء قوة عسكرية ضاربة يؤتمن دخولها المعركة؛ 
وبخاصة معركة ضارية ضد إسرائيل» المؤيدة من الولايات المتحدة. وكان أساس الموقف 
السوفياتي مزدوجاً: 

من ناحية أولى. التشكك في مقدرة القوات المسلحة المصرية على إدارة عمليات عسكرية 
شاملة لتحرير سيناء» ومن ثم ضرورة تأجيل المعركة الشاملة لأجل غير محدد. وكان تسليم 
الاح يها مع هذه الرؤية. 











ومن ناحية ثانية» تحاشي المواجهة مع الولايات المتحدة: بقدر المستطاع. ومن ثم ضرورة. 
إعطاء الفرصة كاملة للحوار معهاء لحل القضية حلاً سلمياً. 

هنا لا بد أن يوضع في الاعتبار تردد الاتحاد السوفياتي في الأصل» وخشيته من استخدام 
القوة العسكرية لتحرير الأراضي العربية المحتلة. وتحفظه بالنسبة إلى دخول الدول العربية في 
سباق تسلح مع إسرائيل؛ لكي تبقى متقدمة عنهم بدرجات» تحول بينهم وبين «المجازفة» 
بالحرب. مع تصاعد الشكوك وانعدام الثقة في توجهات السادات» بالرغم من تأكده أن الولايات 
المتحدة لن تتحرك مطلقاً في اتجاه الحل السلمي. 

وفوق ذلك كانت هناك حقيقة لا بغي أن تغيب عند التحليل والتقيم؛ تتمثل بأن الصراع 
العربي - الإسرائيلي يشكل أحد ميادين المواج الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة» 
وكانت مصر مركزاً لهذه المواجهة. وكان الأمر يختلف بالنسبة إلى للولايات المتحدة وإسرائيل؟ 
حيث تعد إسرائيل امتداداً عضوياً للولايات المتحدة, بينما العلاقة بين مصر والاتحاد السوفياتي 
مختلفة ومتباينة. 














20 


في هذا السياق يشير بريماكوف. في مذكراته؛ بعنوان: الكواليس السرية للشرق الأوسط 
(النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين)! إلى أن إبلاغ الاستخبارات 
السوفيانية عن تحركات وحدات عسكرية مصرية وسورية على الجبهة: استدعى القلق في 
موسكو من ضربة إسرائيلية وقائية. كما حدث عام 1967 فجرى فجأة ترحيل عائلات 
الدبلوماسيين والخبراء السوفيات من مصر وسورية» قبل اندلاع حرب عام 1973 بيومين فقط. 
ومن ثم يذهب إلى أنه «في نفس الوقت أضيئت إشارة خاصة عن تهديد بخطر صدام عسكريء 
كل الدلائل كانت تشير إلى أن الاتحاد السوفياتي لم يكن يريد أن تعتقد الولايات المتحدة أنه 
يريد حلاً عسكرياء وهذه الإشارة كان ينظر إليها على أنها تحذير جدي من الخطر القادم»". 


2 - الصدمة الأمريكية 

إضافة إلى ما تقدم؛ تلقى السادات ضربة علنية دولية أخرى صادمة من الولايات المتحدق» 
التي كان يعوّل عليها الكثير؛ ففي مستهل عام 1973 كانت مصر قد بدأت نشاطاً دبلوماسياً 
مكف بالاتصال بالدول الخمس الكبرى صاحبة المقاعد الدائمة في مجلس الأمن. وبينما كان 
بيذ الاتحاد السوفياتي واضحاء والموقف البريطاني الذي اتخذته حكومة المحافظين بانسحاب 
أ. والفهم الفرنسي لموقف مصر قوياًء والموقف الصيني 

3 بياً ومعادياً. 

كانت الولايات المتحدة ترى أن على مصر أن تقدم تنازلات» حتى يجري تحريك ١‏ 
وأنها لا تستطيع ولا تملك الضغط على إسرائيل. وأعلن الرئيس الأمريكي نيكوا 
المشكلة تتمثل بكيفية التوفيق بين السيادة المصرية على الأراضي المصرية كاملة» وبين 
مقتضيات الأمن الإسرائيلي»' 















القد طليت مصر دعوة مجلس الأمن إلى الاجتماع البحث الأزمة» وأن يقدم الامين العام 
اللأمم المتحدة تقريراً عن مهمة ممثله الخاص يارنغ؛ المكلف تنفيذ قرار المجلس الرقم 
2 منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1967 حتى انعقاد المجلس في تموز/يوليو 1973. وفي 26 
تموز/يوليو جرى التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به مجموعة دول عدم الانحيازء 
الكن الولايات المتحدة أسقطته باستخدام حق الفيتو. ووضح اللعالم مدى التأييد الذي حصل 
عليه الح العربي؛ حيث صوتت 14 دولة لمصلحة القرار» الذي يدين استمرار الاحتلال 
الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة. 





(3)/ بفغيني بربماكوف, الكوليس السربة للشرق الأوسط (النصف الثاني من القرن العشرين وبدابة الفرن الحادي 


بل رشوان (الفاهرة: المركز القومي لمترجمة. 2016). ص 175. 








24 


في ضوء ذلك لم يكن هناك مفر أمام السادات من اتخاذ قرار الحرب» وبخاصة في ضوء 
التعبثة العسكرية, والتعبئة الشعبية في مصرء وفي الأمة العربية كلهاء إلى جانب إجماع القيادة 





فضلاً عن حصيلة اللقاءات السرية التي عقدها مستشار السادات لشؤون الأمن القومي حافظ 
إسماعيل. مع مستشار نيكسون لشؤون الأمن القومي هنري كيسنجر؛ والتي تتلخص في أن 
«العرب جثة هامدة»» وأن تدخل كيسنجر يقنضي «تسخين؟ أو شعريكء الجبهة. وكما سجل 






أنكم مهزومون, فلا تطلبوا ما يطليه المتتصر . لايد أن تكون هناك بعض | 
حتى تستطيع الولايات المتحدة أن تساعدكم... فكيف يتسنى في مرق المهزو أذ تلا 
شروطكم على الطرف الآخر؟ إما أن تغيروا الواقع الذي تعيشوة 
و كا لا تون ول حل مال 035 ا ول را 
التي تعرضونها. وأرجو أن يكون معنى ما أقوله واضحاً؛ فلست أدعو السادات إطلاقاً إلى تغير 
الوضع العسكري. إذا ما حاول ذلك فسوف تنتصر إسرائيل مرة أخرى. أشد مما اتتصرت عام 
67 !. وفي هذه الحال يصعب علينا أن نعمل أي شيء. وسوف تكون هذه خسارة كبيرة لمصر 
وللسادات شخصيا. وهو رجل أحب أن أتعامل معه في يوم ماه". 

2 
كل محاولاته للحل السلمي» وتأكده من أن ازلات المطلوبة أمريكياً 
ا مع جاهزية القوات المسلحة التامة لبدء الحرب» وتململ الشعب 
المصري. وزيادة التظاهرات المناهضة لحكمه وسياساته داخل مصر. اتفق السادات مع الأسد 
قبل بده الحرب» على أن خطة الجيش المصري هي «الخطة جرانيت»؛ المصدقة من جمال 
عبد الناصر, التي حددت الهدف النهائي للحرب. في وصول القوات المسلحة المصرية إلى 
خط الحدود الدولية بين مصر وفلسطين المحتلة. وأن «الوقفة التعبوية» للقوات المصرية 
ستكون عند الوصول إلى منطقة المضايق الجبلية في سيناء. بينما كان السادات متفقاً مع قادة 
الجيش المصري على تنفيذ الخطة (جرانيت 2) المعدلة» التي توزعت على القوات المصرية. 
والتي تختلف عن الخطة المتفق عليها مع السوريين. وتنقسم (الخطة جرانيت 2) إلى مرحلتين: 
المرحلة الأولى تتمثل بالعبور واتخاذ مواقع دفاعية شرق القناة بعمق (12-10 كم). 
المرحلة الثانية الوصول إلى خط المضايق الجبلية (إن أمكن). 














(4) أنور السادا 





عن الفاث: قصة حبائي (الفاهرة: المكتب المصري الحديث. 1973). ص 378 379. 


222 


كان رأي العسكريين في الاتحاد السوفياتي» الذي أمدّ مصر بالسلاح» منذ صفقة الأسلحة 
عام 1955 وحتى حرب تشرين الأول /أكتوبر 1973, وساهم في وضع «الخطة 
هدف القوات المصرية المبدني يجب أن يكون احتلال المضايق وتأمينها. 
كنقطة ارتكاز للهجوم حتى خط الحدود الدولية؛ وأن إمكانات القوات المسلحة المصرية 
وقدراتها تستطيع إنجاز ذلك. 

ومن المفارقات الثي يشير الفريق أول عبد الغني الجمسي في مذكراته. بعنوان: حرب 
أكتوير: مذكرات الجمسيء إلى أهمية تسجيلها؛ أنه في الوقت الذي قررت فيه مصر وسورية 
دخول الحرب معا. خلال آب/أغسطس 1973 كانت إسرائيل ترى في نفس الشهر أنها ليست 
في حاجة إلى «السلام؛ مع العرب, وأنها فرضت الأمر الواقع على الدول العربية بالقوة 
العسكرية؛ منذ حرب حزيران/يونيو عام 91967 

فقد كان ناحوم غولدمان. رئيس المنظمة الصهيونية العالمية» في زيارة لإسرائيل خلال آب/ 
أغسطس 1973. لإعداد كتاب عن مستقبل إسرائيل؛ بعد الاستماع إلى آراء القادة من السياسين 
والعسكريين هناك. كان لدى غولدمان سؤال محدد يريد الإجابة عنه من كل الذين التقاهم: 
«أيهما أفضل لإسرائيل» ويجعلها أكثر قوة: الأراضي التي تحتلها أم التسويات السياسية؟». 

كان رد دايان: «إن السلام الذي تريده إسرائيل قد تحقق منذ عام 1967. نحن نسعى لخلق 
سلام بيننا وبين العرب بطريقة غير رسمية» ولسنا بحاجة إلى السلام الرسمي. وربما كان السعي 
وراء هذا السلام الرسمي يضر بالحال التي نحرص عليها؛ وهي تثبيت الآمر الواقع الذي فرضته 
حرب 967 تثبيتاً يدخل في صياغة سلام غير رسمي». 

قال غولدمان إن سؤالي محدد, أرجو أن تكون الإجابة عنه محددة. وهو: «هل تعتقدون أن 
قوة إسرائيل في الأراضي أم في التسويات؟». 
اب دايان قائلاً: "إني لا أرضى إلا بسلام القوة؛ الذي يحقق لإسرائيل ١‏ الحدود الآمنة. 
وبالطبع لن يستطيع أحدنا أن يحدد مساحة هذه الحدود؛ لأنها تتغير تلقانيا نظراً إلى طبيعة تمو 
وتوسع إسرائيل. وإذا كنا نسعى لأن نكون نحن بديل القوى الكبرى في الشرق الأوسط فيجب 
أن تكون لنا أنياب. وهذه الأنياب عسكرية واقتصادية وجغرافية» والناب الأول أي الناب 
العسكري؛ يحقق الأنياب الأخرى» (ص 298). 

فضلاً عن ذلك كتب الجمسي في مذكراته «أن إسرائيل خططت للحرب مع مصرء قبل 
نشوب حرب تشرين الأول/أكتوبر ؛ ففي الوقت الذي كنا نخطط فيه لتحرير أراضينا كانت 

















(5) محمد عبد الغني الجمسي. حرب أكتوير: مذكراث الجمسي (القاهرة: دار المبدان للنشر والترزيع. 02014 


اص 297. 


243 


إسرائيل تخطط لاحتلال مزيد من الأراضي؛ فقد وضع دايان؛ وزير الدفاع الإسرائيلي, في أوائل 
عام 1973 خطة عسكرية. رسم خريطتها بنفسه. وعرضها على الجنرال أليعازر رئيس الأركان. 
أطلق عليها اسم «الحزام الأسود» وكان تحقيقها يحتاج إلى عوامل أهمها: أولًء ضم جنوب 
لبنان إلى إسرائيل؛ ثانيًء م ضم أجزاء أخرى من سورية؛ ثالثا. إنشاء خط محصن يشيه خط بارليف 
في غور الأردن» لحماية المستعمرات؛ ورابعاًء تحويل سيناء إلى مركز تجارب للمفاعلات 
الذرية». ولم تتوان إسرائيل في تنفيذ مخططها؛ ففي الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 1973 
عد اجتماع طارئ لمجلس رناسة أركان الجيش الإسرائيلي» بحضور مائير رنيسة وزراء إسرائيل» 
شرح فيه دايان خطته وتوقيتاتها والهدف منها. وكان دايان يقدر أن تتم العملية في الفترة من 22 
إلى 25 تشرين الأول/أكتوبرء لكن في ضوء الموقف الذي كا اقشه مجلس الاركان توجهت 
ماثير بسؤال إلى دايان عن رأيه؛ فقال: ‏ سأجعل ضربتي مبكرة كثيراً؛ ستكون ضربتي صباح 
الثامن من تشرين الأول/أكتوبرء وبالفعل وافقت مائير على الخطة. لكن يشاء الله سبحانه أن 
تكون لمصر المبادرة لأول مرة في تاريخ الحروب الإسرا أ عبورنا المشرف يوم 
6 تشرين الأول/أكتوبر» أي قبل الهجوم الإسرائيلي بيومين فقطء (ص 299)! 

في ضوء ما تقدم ينقسم هذا الفصل إلى ب يعالج المبحث الأول إدارة العمليات 
العسكرية؛ بينما يركز المبحث الثاني على إدارة العملية السياسية. 

















أولاً: إدارة العمليات العسكرية 


في ظهيرة يوم السبت 6 تشرين الأول/أكشوبر 1973 بدأت الحرب الخامة بين العرب 
/ إسرائيلء ومع فجر 7 تشرين الأول/أكتوبر 1973 كانت القوات المسلحة المصرية قد حققت 
فقد قامت بتحطيم معظم النقاط الحصينة في خط بارليف. وعبر إلى الضفة الشرقية 
السويس 100 ألف مقاتل مصري. وكانت خسائر مصر 5 طائرات. و20 دبابة» و280 شهيداء 
كان ذلك إعجازاً بشرياً بكل المقابيس العسكرية العالمية. ولم يكن ذلك لولا التحالف 
والتنسيق المصري ‏ السوريء لآن الطيران الإسرائيلي ركز نحو 80 بالمئة من قوته على الجبهة 
السورية لمنع الاندفاع السوري نحو إسرائيل» وذلك لقرب العمق الإسرائيلي من الجبهة 
السور وجه نحو 20 بالمثة فقط من قواته على الجبهة المصرية» وذلك لوجود عمق 
كبير له ممشلاً بصحراء سيناء. يمنع القوات المصرية العابرة من تهديد العمق 













الإسرائيلي. 
يكفي القول إنه كان متوقعاً أن تفقد مصر في عملية العبور فقط 26000 ألف شهيد أماا 
خسائر إسرائيل فبلغت 30 طاترة» و300 دبابة» وعدة منات من القتلى؛ وآلاف الجرحى. 


244 


لكن التطورات اللاحقة قد وجهت ضربة في الصميم لاحتمالات المحافظة على هذا النصر 
الكبير التي لاحت في الأفق. بعد نجاح عملية العبورء عندما أخذ السادات يتولى قيادة العمليات 
٠‏ خلافاً لوعده يعدم التدخل في الخطط العسكرية؛ ويخاصة بعد قراره التزام 

قفة التعبوية»: الذي أتاح لإسرائيل فرصة الانفراد بالجبهة السورية؛ ثم قراره المتأخر بتطوير 
الهجوم نحو المضايقء وحدوث ثغرة الدفرسوارء حيث بدأت الأمور تتأزم على الجبهات 
العربية» واستعادت إسرائيل زمام المبادرة» وبخاصة مع الدعم العسكري الأمريكي لنجدتها من 
ْة الأيام الأولى للمعركة؛ وذلك نت لة: أولهاء قرار كشف 
نيات الحرب: الرسالة المشؤومة التي وجهها إلى نيكسون؛ وثانيهاء قرار عدم المحافظة على 
الهدف؛ وثالثهاء قرار الوقفة التعبوية؛ ورابعهاء قرار تطوير الهجوم؛ وخامسهاء قرار عدم المناورة. 
بالقوات؛ وسادسهاء قرار عدم تصفية الثغرة؛ وسابعهاء قرار قبول وقف إطلاق النار؛ وثامتها. 
قرار عدم ضرب مطار العريشء حيث كانت تنزل به الإمدادات الأمريكية العسكرية لدعم 
مكل أثناء الحرب» وتاسعهاء. ا قرار إعادة ضخ النفط. 
التسعة يستبع إضافة اثنين من العناصر وثيقي الارتباط بها: الفقرة 
إنما رد الفعل الواجب على هذه القرارات» ممن يح له تقديمهاء 
بحكم التخصص والاختصاص» وهو الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة 
المصرية أثناء حرب عام 1973 وهي: صحيفة اتهام جنائية بحق السادات, والفقرة الحادية عشرة 
التي تعالج «الحرب في الميزان». 

ومن سوء الحظ أن الانتصار الضخم الذي تحقق لم يستطع ‏ وراء الفرح والاعتزاز - أن يؤثر 
في الخطة التي كان السادات قد رسمها لنفسه. كان لا يزال يفكر بمنطق «التحريك» أو 
«التسخين». ولم 
يستطيع بإطمننان وثقة أن يرفع مستوى تطلعاته ومطاليه. كان الموقف قد تغير تغيراً أساسياً بعد 
ملحمة العبور الرائعة» بينما كان هو لا يزال عند 
يحدث بين التاريخين» بينما الواقع أن المسا 
























للازمة في المنطقة. كانت الأمة العربية لأول مرة قد تحركت معاً على أكثر من جبهة بقواتها 
المسلحة. وكان سلاح النفط مشهراً. وكانت الإمكانيات العربية المالية والنفسية عند أقصى 


درجات قوتهاء وكانت القوتان العظميان وجهاً لوجه في موقف خطر. وكانت أوروبا الغربية أكثر 
استعداداً لدور إيجابي. وكانت إسرائيل تعاني هزيمة قاسية وتحت ضغوط هائلة. لكن السادات 
كان في ذلك الوقت لا يزال كما كان قبل المعركة» يتصور أن مفاتيح الموقف في يد الولايات 
المتحدة, وأنها وحدها تستطيع تدبير الأمور! 





245 


1- قرار كشف نيات الحرب: الرسالة المشؤومة 

الاشك في أن المبادرة «السرية» التي عمد إليها السادات. وهي الأكثر خطورة بجميع 
المعايير؛ تتمثل ب «الرسالة» التي وجهها إلى كيسنجرء عبر قناة الاتصال السرية بينهماء التي كان 
يديرها مستشاره للامن القومي حافظ إسماعيل؛ بعد 14 ساعة فقط من اندلاع الحرب عام 1973. 
نقد سبقت الإشارة إلى قصة إنشاء هذه «القناة». وفي ضوء الهدف منها قام إسماعيل بزيارتين 
سريّتين لمقابلة كيسنجر؛ الأولى» بالولايات المتحدة» في شباط افبرايرء حيث أجرى حواراً 
مباشراً حول الموقف المتفجر في المنطقة مع كيسنجر, عام 21973 في المزرعة الخاصة بصديقه 
دونالد كندال رئيس مجلس إدارة شركة بيبسي كولا العالمية؛ والثانية - في أيار/مايو بباريس عام 
درو 

وقبل ستة أشهر من اندلا الحرب عام 1972 كنب الصنائي الشهبر أرنو بورشيغراف في 
مجلة نيوزويك, المقرب جداً من كيسنجر: إن اللقاء الأخير الذي جمع بين إسماعيل وكيسنجر 
عام 1973 قد وضع أصول «الحرب؛ وبخاصة بعد أن سمع من كيسنجر في الزيارة الأولى؛ أنه 
لا يستطيع التدخل في «أزمة خامدة» لأن «العرب جثئة هامدة»: أي أن المطلوب هو «تسخين 
الجبهة» حتى يمكنه التدخل. من الجدير بالذكر أن المعلومات التي تضمنتها المقالة. 
والسيناريوهات التي رسمتهاء كانت قرببة إلى حد بعيد من سير العمليات العسكرية الفعلية التي 
جرت على أرض الواقع عندما اندلع القتال في تشرين الأول /أكتوبر عام 1973ء وهو ما دعا 
البعض إلى أن يعتبر تلك الحرب هي «حرب تحريك».. لا «حرب تحرير»”"! وقد اتضح فيما 
بعد. عندما نشر حافظ إسماعيل مذكراته. بعنوان: أمن مصر القومي في عصر التحديات» أن 
كيسنجر قد استخدم حرفياً كلمي «تسخين» و«تحريك» الموقف على خطوط المواجهة؛ لكي 
يتسنى له التدخل في الازمة. 

الم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إنما كانت هناك «رسالة» أخرى. تتفوق كثيراً على هذه 
«الرسالة المشؤومة»؛ تحيط بها الكثير من الشكوك والظنون, تتمثل بقيام أشرف مروان 
بإبلاغ مدير الموساد شخصياً بموعد الحرب, عندما التقاه في لندن. فجر 5 تشرين الأول/ 
أكتوبر عام 3 أي قبل يوم واحد من انطلاق الحربء وإن كان قد ذكر أنها ستتدلع في 
الساعة السادسة مساءً. بدلاً من الثانية بعد الظهرء وكان هذا هو الموعد المحدد سلفا. 
قبل أن يغادر القاهرةء ني 2 تشرين الأول/أكتوبر! ونشر بعد ذلك أنه كان جاسوساً 
لإسراتيل. 














(6) محمد سيد أحمد. بعد أن سكت المداقع (بيروت: دار القضايا. 01975. 


246 


يقتضي ما تقدم عرض ثلاثة عناصر: أولهاء رسالة السادات إلى كيسنجر؛ وثانيهاء جدل 
أشرف مروان؟ وثالثها. حقيقة المفاجأة الاستراتيجية التي تحققت يوم 6 تشرين الأول/أكتوير عام 
و 


1 رسالة السادات إلى كيستجر 

في صباح يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 01973 ولم يكن مضى على بدء المعارك أكثر من 
عشرين ساعة, والقوات المسلحة المصرية والسورية تحقق الانتصارات الساحقة؛ وفي خطوة 
مفاجئة» بعث السادات برسالة إلى وزير خارجية الولايات المتحدة كيسنجرء وقد وقعها حافظ 








إسماعيل مستشار الرنيس للامن القومي يشرح فيها السادات نيات مصر وأهدافها 55 
الحرب. جاء فيها بالنص في البند الرقم (6) من الرسالة: *إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات 





أو توسيع نطاق المواجهة»”: 
«مم تاق مامه عا معلتي عن كلمع دعهميم مذلا ممومعل ها لمعامة امد مل عن 
هذه الرسالة لا تزال سرية» ولم يُفرج عنها حتى الآن. وقد ترافق هذا مع رسالة أخرى أرسلها 
السفير الأمريكي في إيران ريشارد هيلمز إلى كيسنجرء يخبره فيها في شأن برقية أرسلها السادات 
إلى شاه إيران» يطلب منه فيها إبلاغ الرئيس الأمريكي نيكسون رغبة السادات في إرساء السلام 
في المنطقة العربية» لكن بشروط محددة. لقد فوجنت الإدارة الأمريكية بهذه الاتصالات 
المصرية؛ ولم يكن لديهاء حتى تلك اللحظة اتصالات مباشرة قوية مع مصر بل كانت توسط 
الملك فيصل وغيره لإبلاغ مصر بالموقف الأمريكي. 
في نفس صباح يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 1973 كانت العلاقة بين «السلاح» و«السياسة» قد 
وصلت إلى قمة الدراما على الجبهة المصرية؛ ففي حين كان «السلاح» ورجاله يتقدمون على 
الجسورء كما لو أنهم يقومون بعملية تدريب. والعدو عاجز عن تحديد مناطق جهودهم 
الرئيسية, أو الكشف عن نياتهم || كانت «السياسة» في إدارة هذه الحرب تتطوع بكشف 











هذه «النيات»؛ من خلال الاتصالات السرية. وكشف «خطوط السلاح»: قبل أن يمضي على 





اندلاع القنال 14 ساعة فقط. ففي الوقت الذي كانت الفرق المصرية الخمسء بطول جبهة قناة 
السويس. تنتهي من تحقيق مهمتها المباشرة بعبور القناة. واقتحام خط «بارليف». وتكيد العدو 
أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والسلاح والمعدات» وقيل أن تندفع لتحفيق مهمتها التالية بتوسيع 
رؤوس الجسور شرق القناةء وصد ودحر الهجوم المضاد الرئيسي للعدوء كان السادات قد 
أرسل إلى نيكسون من خلال كيسنجرء عبر القناة السرية؛ برسالة عاجلة لإبلاغه عدة نقاط. لعل 


(7) الأمالي. #الكلتةوار 


247 





أخطرها وأهمها على الإطلاق» وربما كانت هي ميررها الحقيقي, البند الرقم (6) فيها: 
لانعتزم تعميق مدى الاشتباكات» أو توسيع نطاق المواجهة». وكانت هذه أول مرة ‏ ربما في 
التاريخ كله يكشف فيها طرف محارب لعدوه نياته كاملة. 

كانت هذه الرسالة شكلاً وموضوعاً علامة خطيرة» تجعلها بداية تحول لا شك فيه في 
الصراع كله. من ناحية الشكل؛ فإن هذه الرسالة جرى إيصالها إلى كيسنجر من طريق 
الثانية». أي «القناة السرية» التي تمر من طريق وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية 
وربما كانت هناك حاجة إلى هذه القناة عندما كانت الرغبة في تجنب وزارة الخارجية 
والاتصال من وراء ظهرها بمستشار الأمن القومي كيسنجر في البيت الأبيض. لكن كيسنجر 
أصبح الآن وزيراً للخارجية لا من وليم روجرزء وبالتالي فإن الاتصال به من طريق القناة 
السرية لم يعد يخدم الهدف المقصود من الأصلء وكان واضحاً أن كيسنجر يدرك طبيعة هذا 








من خلالها. ولما كان ذلك كله قد جرى قبل الحرب. وقبل الصورة المعجزة للعبور في اليوم 











السابق؛ فإن الجانب المصري. سواءٌ وعى ذلك أو غاب عنه. عاد إلى استئناف الحديث مع 
كيسنجر من حيث تركه آخر مرة. في شباط/فيراير 1973» مع أن الصورة العامة بعد القتال اختلفت 
تماماً عما قبله. 

أما من ناحية الموضوع؛ فإن بعض العبارات كانت» ولا تزال. 
التي وردت في الرسالة التي جاء ف ان 
الاشتباكات» أو توسيع نطاق الموا. ربما في التاريخ كله يقول فيها طرف 
محارب لعدوه بنياته كاملة. ويعطيه من التأكيدات التي تمنحه من حرية الحركة السياسية 


والعسكرية» على النحو الذي يراه ملائماً له. على كل الجبهات. ذلك أن هذا التعهد معناه أن 
إسرائيل - وقد كانت الرسالة في خاتمة المطاف واصلة إليها. أنها تستطيع أن ت رتيب موقفها 
بأعصاب هادنة. وتستطيع تنظيم أولوياتها. وقد كان ذلك ما حدث فعلاً. واختارت إسرائيل 
الوائقة من نيات الجانب المصري أن تركز كما تشاء على الجبهة السورية» ثم تعود بعد ذلك إلى 
الجبهة المصرية لتصفية بقية الحساب. 

من اللافت أن إسماعيل كان قد أشار إلى هذه «الرسالة السرية» بعد عدة سئوات. عندما 
أصدر مذكراته؛ وقد تضمن النص المنشور «خمس نقاط» فقطء لكنه «أغفل» هذه النقطة 





248 


تحديدا وهي النقطة السادسة في الأصل الذي تم إرساله؛ ما دفع هيكل إلى الرد عليه في 
صحيفة الأهالي ليذكره بهذه النقطة. موضحاً أن نص الرسالة كاملاً منشور في مذكرات كيستجر: 
سنوات البيت الأبيض. الغريب والمريب في هذا «الإغفال» أن هذه النقطة السادسة كانت ذات 
طابع إجرائي عمليء بخلاف غيرها من النقاط التي سبقتهاء والتي كانت تشير إلى مبادئ 
وغايات في شأن التسوية السياسية! والأكثر غرابة أن "إسماعيل» قد أكد هذا المعنى ب 
حيث كتب» في مذكراته بعنوان: ن مصر القومي في عصر التحديات» ما يأني: 
الموضوعية لم تكن رسالتنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر تعرض أمراً إ 
حول «عدم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع نطاق المواجهة»! فلقد أردنا تحديد الميادئ قن 
تحكم موقفنا من التسوية السياسية للنزاع العربي الفلسطيني ‏ الإسرائيلي... بإنهاء الاحتلال 
الأراضي. ٠‏ وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني»". 

وفي تقييمه لهذه «الرسالة المشؤومة» أشار عبد الغني الجمسي إلى ما كتبه كيسنجر في 
مذكراته. تحت عنوان: «بدء الاتصال بالساداء , : 
مباشر مع القاء كانت اللهجة ودية وكان الفحوى دليل عقلء لاسياسة». ويضيف: إن 
شروط التسوية ٠لا‏ تمثل سوى نقطة انطلاق» والسادات يعرف من خلال ما جرى بيننا من 
اتصالات ومحادثات. أن لديه أفكاراً غير قابلة للتحقيق. فلم يخالجني شك في أننا لسنا بصدد 
اتفاقية بل إنه يسعى إلى إجراء محادثات». بل إن كيسنجر قد هاله إقدام السادات على صك 
هذه الرسالة قائلاً: «والاتصال بنا في حد ذاته؛ في الظروف الحالية» يشكل له خطراً. وهو 
لايستطيع أن يسمح للخطر بأن يتفاقم. من حيث تخليه عن سورية, أو الابتعاد عن الاتحاد 
السوفياتي. الذي لا غنى له عن مساعدته لإكمال المسيرة». ويستطرد كيسنجر في شرحه قائلاً: 
*إن الجدير بالاهتمام هو وصول المذكرة لا مضمونها. كان السادات يدعونا إلى الإسهام في 
مشروع السلام. إن لم نقل إنه يكلفنا بذلك» في حين كنا نطالب الأمم المتحدة بأن يتخلى عن 
تلك الأراضي التي احتلتها جيوشه. ولا يفوتني أن أذكر أن المذكرة تتضمن مؤشراً يوضح أن 
السادات متفهم جيداً لتلك الحدود التي يتمكن من الوصول إليها: «إننا لا نعتزم تعميق مدى 
الاشتباكات أو توسيع نطاق المواجهة»6. إن هذه الجملة الواردة في المذكرة لا تخلو من التنويه 
بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل؛ بعد الأراضي التي اكتسبتهاء أو 
تحميل الولايات المتحدة كامل مسؤولية ما يحدث كما فعل جمال عبد الناصر عام 1967 
(ص 379 -380). 
























(8) محمد حافظ إسماعيل, أمن مصر القومي في عصر التحدياث (القاهرة: مركز الأغرام للترجمة والنشر. 01987 
اصن 319317 





249 


ويعقب عبد الغني الجمسيء بما عرف عنه من انضباط عسكريء لكن بلهجة حاسمة» قائلاً: 
«لا شك في أن العمل السياسي للدولة لا بد أن يتمشى مع العمل العسكري. الذي تقوم به 
قواتها المسلحة. وإني أرى أن العمل السياسي لم يكن في مصلحة العمل العسكري. عندما 
نصت البرقية المصرية على: أن مصر لا تعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع نطاق المواجهة» 
(ص (38). 

إن الحروب كقاعدة عامة تتضمن عنصرين على جانب كبير من الأهمية: أولهماء عنصر 
المفاجأة؛ وثانيهماء عنصر النيات. إن «عنصر المفاجأة» يؤدي دوراً محورياً في المعارك 
العسكرية, لكنه يفقد دوره فور اندلاعهاء ليخلي الساحة لدور «عنصر آخر» يصعبء بل يكاد 
يستحيل: معرفته. هو «عنصر النيات»؛ نيات الطرف الذي حقق «المفاجأة»؛ ويندفع لاستثمار 
أثرها. 

من ثم لا شك في أن «رسالة السادات» كانت غريبة بكل معيار؛ فهي تحمل نيات الجيش 
المصري. وكلمة نيات تساوي أكثر من مليون معلومة عسكرية صريحة في الأهمية؛ فالنيات 
لأي جيش هي خططه المستقيلية في تطور القتال» وهي معلومة كان على أي من الأعداء دقع 
الملايين مقابل معرفتهاء والمفترض أن تكون في أكثر خزائن الدولة سرية. لكن السادات قدم 
انيات مصر العسكرية للولايات المتحدة» وربما يكون قد قام بذلك لفتح باب دبلوماسي مع 
الإدارة الأمريكية» إلا أن هذه الرسالة بكل الأحوال خطأ عسكري فادح. 

في توضيح ذلك باختصار شديد؛ يمكن القول إن «نيات مصر» قدمتها رسالة السادات التي 
بعث بها «إسماعيل» عبر «قناة الاتصال السرية»: بعد 14 ساعة فقط من اندلاع الحربء إلى 
كيسنجرء ومنه بالمنطق وصلت فوراً إلى إسرائيل! هكذا تمكنت إسرائيل من تركيز مجهودها 
العسكري على الجبهة السورية. حتى ردت القوات المسلحة السورية عن المناطق التي كانت 
قد نجحت في تحريرها أيام الحرب الأولى؛ ثم استدارت إلى الجبهة المصرية لتحدث «الثخرة» 
الشهيرة في منطقة الدفرسوارء وتحاصر الجيش المصري الثالث ومديئة السويس. 

هذه الرسالة. وفي هذا الوقت المبكر جداً من الحرب. تكشف نيات واضحة لدى السادات 
في كسب سياسي محدد من الحرب. إلا أن الخطوط العريضة لهذا المكسب السياسي لم تكن 
واضحة, ولا تتفق مع التفوق المصري على ساحة القتال» الذي اجأ الإسرائيليين والأمريكيين 
على السواء. للاسف الشديد كان هذا التقارب المبكر سبباً في ما بعد في نجاح الولايات 
المتحدة الأمريكية سياسياً في ما فشلت في تحقيقه عسكرياً. 

كانت تلك الرسالة من الرسائل النادرة في التاريخ التي يقول فيها طرف محارب لعدوه نياته 
كاملة. ويعطيه من التأكيدات ما يمنحه حرية الحركة في معركته السياسية والعسكرية. وقد قام 
كيسنجر بنقل هذه الرسالة فور وصولها إليه إلى غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل. 



























2 


لم يوجه هيكل» في كتابه أكتوير 73: السلاح والسياسة, إلى السادات 
الرسالة. لكنه أورد من الوثائق. وما أتبعها من تحليلاته. ما يكفي لتوجيه تهمة «الخيانة العظمى» 
اللرئيس السادات. فما حملته تلك الرسالة من شأنه أن يعض الأمن القومي المصري لخطر 
حقيقي, هذا فضلاً عمّا تعرض له الأمن السوري. ومن ثم الأمن القومي العربي. من خطر 
حقيقي قد وقع بالفعل. 

ترتب على هذه الرسالة المشؤومة قيام الجيش الإسرائيلي بالتركيز على الجبهة السورية؛ ثم 
يعود يعدها للجبهة المصرية, وبالفعل؛ ركز الإسرائيليون جهودهم الحربية لمدة 48 ساعة على 
الجبهة السورية؛ لقربها من عمق إسرائيل والمواقع الحساسة فيهاء وساعدهم على ذلك أن 
الجيهة المصرية. وبعد نجاح عملية العبور العظيمء تفرغت لتبيت رؤوس الكباري (الجسور) 
على الضفة الشرقية. 

تعتير هذه الرسالة المشؤومة» ولغز إصرار السادات على عدم ضرب مطار العريشء الذي 
استقبل الجسر الجوي الأمريكي لنجدة إسرائيل منذ بده الحرب؛ ولم يتم ضربه وتدميره بالطيران 
المصري طيلة زمن الحرب. وهو شريان الحياة لقوات العدوء من أغرب ألغاز حرب تشرين 
الأول/أكتوبر. 

الم يكتفٍ السادات. في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1973 بإبلاغ الولايات المتحدة أنه لا ينوي 
تطوير القتال» وكشف أمر الجيش المصري وظهره. بعد ساعات من بده القنال» لكن قام بأكثر 














من ذلك. ما يضر الجيوش العربية والجيش المصري. فقد أهدى إلى الولايات المتحدة» بعد 
حرب 1973 الأسلحة السوة .مة ووصلت الطائرات الميغ 23 والميغ 21 والسوخوي. 
وسواها من الأسلحة السوفياتية الصنع؛ إلى المنطقة السرية والمحروسة المعروفة (51) .8.864 


في وسط صحراء نيفاداء التي يتم فيها اختبار الاسلحة السوفياتية والتطورات والابتكارات 
ب بل أيضاً حضر طيا رون إسرائيليون للتدرب على مزايا الطائرات السوفياتية 
التاريخ 2501© ب1115600) فيلماً (يونيآء وئق 
هذه الحقيقة بتفاصيل تثير الغضب. وقد أذاعت هذا الفيلم القناة الألمانية سات 3 (3 530 بل 
والصور عن الطيارين الإسرائيليين» وهم يقفون أمام الطائرات الميغ 23» والميغ 21؛ والسوخوي 
المصرية» وكيف أن ذلك أفادهم بشكل ضخم. في تزويدهم بخبرات قيمة جداً في مقاتلة 
الطيارين الذين يستخدمون هذه الطائرات. 

هكذا انتقل الصراع من حال اللاسلم واللاحرب»: التي سادت من عام 1967 إلى عام 
1973» إلى «حال اللانصر واللاهزيمة»؛ بمعني أن العرب لم يحققوا نصراً حاسماً.. لكنهم 0 
يعودوا منهزمين ‏ من ناحية, وأن إسرائيل لم تنزل بها هزيمة ساحقة.. لكنها لم تعد منتصرة. 

















25١ 


اناحية أخرى» هذه المعادلة الجديدة» التي تمخضت عنها الحرب» هي التي هيأت الأرضية 
عر نكسن 


ب جدل أشرف مروان 

في هنا السياق المرتبط بخفايا «عنصر المفاجأة» وأبعاده. تجدر الإشارة إلى ما تواتر نشره 
مؤخراً في إسرائيل في شان تمكن الاستخبارات الإسرائيلية من «تجنيد أشرف مروان» ‏ صهر 
جال عل لاص لي عمل في رناسةالجمهوية في هده وي مكب الانات لوو 
المعلومات ‏ حيث حمل أسماء كودية منها: «الصهر» و«الملاك» و«بابل» و«المنبع» وتصاعد 
الجدال بعد أن نشرت إسرائيل أنه كان عميلاً لهاء بيئما جاءت مؤشرات وتصريحات مصرية 
تؤكد أنه كان يتحرك في إطار عملية بارعة خططت لها الاستخبارات المصرية. 

وحتى توضع «ظاهرة أشرف مروان» في مكانها؛ من المفيد الإشارة إلى القرار الرئاسي 
أشرف مروان سكرتيراً للرئيس السادات لشؤون المعلومات؛ الذي جرى العثور عليه 
مروان في منزلهء وعرضته أرملته على «عمرو الليثي»: مقدم برنامج «أخبار مصرء في التلفزيون 
المصريء في 15 كانون الأول/ديسمبر عام 2009. مع ملاحظة أن قرار تعيين مروان قد صدر في 
3 أيار/مايو عام 1971 في غمار «الانقلاء الشهير ذلك اليرم» ما يوحي بالكثير من الدلالات 














«التسجيلات الهاتفية» في »1971/5/1١‏ التي زعم أنها كانت «دليل الإدائقة الذي تحرك على 
0 ضد «المجموعة لاسر إليه عندما 






0 كان رده: خلال 0 فاستطرد السادات بصوت عميق دون تفكير 1 للا 
مش حتلحق تسافر»! لقد تصور «كامل» الذي كان مفرّياً من السادات» ويحسن الظن به أن 
قرار الحرب» لكن سامي شرف أبلغه عندما استمع إليه: إن ذلك يعنى أمراً 
أ.. أنه سيعزلك قبل أسبوعين.. وهو ما حدث فعلاً؛ حيث عزلهما معأ وسجنهما معاً! 
وفي قرار التعيين جرى تحديد صلاحيات مروان في الآتي": 

١‏ تمثيل جهاز الاستخبارات العامة المصرية أمام جميع أجهزة استخبارات العالم. 








(9) محمد نعيم؛ رجل الساداث في الموساد؛ اعثراقاث جنرال إسرائيلي عن أشرف مروان قي الموساد (الفاء 
البوم. قطاع التغافة. 2017). انظر أبضاً: عسرر اللبثي؛ العمبل يابل: قصة صعود وسقوط أشرف مروان (الفاهرة: دار ١‏ 
0 





252 


2- تمثيل رئيس الجمهورية شخصياً أمام جميع رؤساء وملوك العالم. 

3 - لا يكون أي تحرك من القوات المسلحة المصرية إلا بإذن منه شخصياً. 

4- الإشراف على جهاز أمن الدولة؛ والاستخبارات العامة. والاستخبارات الحربية: في ما 
يخص أمن وسلامة رئيس الجمهورية. 

انت تلك الصلاحيات كبيرة ومطلقة» ولا تقل عن صلاحيات رئيس الجمهورية نفسه. 
5 اه للبند الأول من قرار التعيين؛ الذي يسمح بإجراء كل الاتصالات مع جميع 
جهزة الاستخبارية في مختلف دول العالم؛ فلم يتضمن حظراً أو قيداً على اتصال مروان 
بأجهزة الاستخبارات المعادية. إلا أن الأهم من ذلك هو البند الأخير؛ الذي يتضمن شهادة» 
تعادل ألف شاهد. على أن مروان في الواقع هو السادات نفسه! 

(1) المعلومات المنشورة: لقد صدرت مئات الكتب والأبحاث والدراسات» على مدار 
العقود الماضية؛ التي سعت إلى فهم كيفية حدوث المفاجأة الاستراتيجية المصرية ‏ السورية 
في حرب عام 1973.ء التي توصف بأنها «الإخفاق» في توقع الحرب. إنها عقدة نفية لا تزال 
ترافق إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة جرت إماطة اللثام وإزالة السرية عن عدد من الوثائق» 
وأجزاء من تقرير «لجنة أغرانات» الرسمية التي تشكلت عقب «الإخفاق» برئاسة رئيس 
المحكمة العليا الإسرائيلية» شيمون أغرانات. لكن أجزاء من تقريرها لا يزال يخضع للسرية 
حتى اليوم. 

وترددت طوال هذه السنوات روايات عديدة في إسرائيل؛ رافقها تبادل اتهامات؛ لا تزال 
مستمرة حتى يومنا هذاء مشحونة بالغرائز والعواطف والمعسكرات» بين جرالات تلك الحرب. 
و«حرب الجرالات» هذه لا تزال تدور رحاهاء وتتمحور حول عدم قدرة إسرائيل على توقع 
والهجوم المفاجئ ضدها. فشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»» المسؤولة عن وضع التقيمات 
القومية الاستراتيجية» برناسة إيلي زاعيراء عشية الحرب وخلالهاء تنهم شعية الاستخبارات العامة 
«الموساد» ورنيسه أثناء الحرب» تسفي زاميرء يعدم توفير الإنذار» بينما يوجه الموساد وزامير 
الاتهام إلى «أمان» وزاعيرا بتبنيهم «مفهوم» أن مصر لن تجرؤ على المبادرة إلى شن حرب ضلد 


















«أمان» بهذا الإنذار. ولا يزال السجال دائراً حتى اليم حول ما إذا كان مروان جاسوساً لإسرائيل» 
المجرد طمعه بالمال. أم أنه جاسوس مزدوج؛ عمل يموجب خطة مصرية محنكة. جرى بموجبها 
دفعه لأن يكون جاسوساًء وتضليل الإسرائيليين. 


251 


درت ي السنزلت الأخبرة عه عل حول عله الح احنها سدع ١‏ لق يزان 





بهدف إنهائها من خلال إطلاق عملية سياسية, التي قادت في النهاية. وبعد سنوات. إلى «اتفاقية 
سلام» منفرد يين مصر وإسرائيل. 

في السياق ذاته نشر شبتاي شافيط؛ رئيس الموساد في أعوام 1989 1996 مقالاً مطولاً في 
صحيفة يديعوت أحرونوت. في 2016/10/6, عبّر فيه عن دعمه لرواية زاميرء بل إنه أشار إلى أن 
«المعلومات التي جمعها الموساد. خلال السنوات التي سبقت الحرب؛ كان ينبغي تفسيرها 
كإنذار واضح للحرب. والنظرية المركزية التي يطرحها شافيط هي أنه أقصي الموساد عن 
صناعة القرار. ويحسب هذه النظرية» فإن من يريد فهم خلفية حرب يوم الغفران؛ يتعين عليه أن 
يكون شاهداً على أن العلاقات بين دايان وزامير كانت فاترة جداً. لآن زامير يعَدَ مقرّباً أو تحت 
رعاية إيغال يادين. منافس دايان الأكبر. وكانت العلاقات فائرة إلى درجة أن زامير لم يدع أبداً 
إلى المداولات لدى دايان. بينما كان زاعيرا الصديق الودود لدى دايان» وكان يعدّه لتولي منصب 
رئيس هيئة الأركان العامة». كان شافيط نفسه يتولى منصب رنيس دائرة العمليات في الموساد 
أثناء اللحرب. . وبحكم منصبه هذا كان مسؤولاً عن الاتصالات مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية 
الأخرى؛ ومقرباً من زامير؛ وحضر اجتماعات للحكومة. والمجلس الوزاري المصغر للشؤون 
السياسية والأمنية. 

وبعد ربع قرن من حرب تشرين الاول/أكتوبرء صدر كتاب الملاك: الجاسوس المصري 
الذي أنقذ إسرائيل؛ الذي تحول إلى فيلم؛ والذي يمثل وجهة نظر الموساد. والذي ألفه هيوري 
بار-جوزيف»» أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفاء وثيق الصلة بالموساد. والذي يشير إلى 
التقليد الصارم في إسرائيل بضرورة وأهمية أن تحتفظ إلى الأبد بأسماء عملاتها في الخارجء 
وتوفر كل الحماية لهم؛ ولاتسمح أبداً تحت أي ظرف بإعلان اسم العميل أثناء حياته أو بعد 
وفاته لان مخالفة هذه القاعدة سوف تجعل آخرين يترددون؛ طالما أن ما يفعلونه في السر 
يمكن أن يظهر في العلن! بينما اتهام أشرف مروان بأنه جاسوس لإسرائيل قد خرج عن هذه 
القاعدة. وبشكل صارخ. ظهر اسم مروان في الصحافة الإسرائيلية؛ وكان سبب تسرب الاسم 
معركة كبرى بين الموساد وبين آمان. كان الموساد يعتبره أهم عميل في تاريخه الحديثء بينما 

















254 


الاستخبارات الحربية لا تقول إنه عميل مزدوج إنما تقلل من أهميته. وقد تسبب ظهور اسم 
مروان كجاسوس في مشكلات ضخمة في إسرائيل» وفي تبادل الاتهامات. وقد عم الغضب 
الموساد لأن معرفة اسم عميل يعرضه للخطر ويخيف العملاء في المستقبل» وبعد سلسلة من 
التحريات تحرف أن من أفصح عن السر هو زاعيراء رئيس الاستخبارات الحربية أثناء حرب 
973!. وانتهى الأمر بمعركة قضانية بين كل من رئيس الموساد ورنيس أمان. انتهت بإدانة زاعيرا 
لأنه أفضى بالاسمء وأضرٌ بمصلحة إسرائيل العلياء وبعد الإدانة بثلاثة أسابيع مُتل مروان"". 

يقول الموساد إن أهم عميل له في تاريخه هو مروان» وإنه أبلغه معلومات شديدة الأهمية 
السنوات طوال. وإن الاستخبارات الحربية لم تأخذ بالجدية الكافية ما قدمه الموساد نقلاً عن 
مروان» وانتهى ذلك بعبور الجيش المصري قناة السويس في حرب عام 21973 التي كانت كارثة 
كبرى على إسرائيل» ما أدى إلى تحقيقات واسعة. حاول رئيس الاستخبارات الحربية زاعيرا 
الدفاع عن نفسه بأن معلومات مروان كانت غير دقيقة» وأنه ربما يكون جاسوساً مزدوجاء أو 
عميلاً ضعيف المستوى. وعندما زادت حدة الخلاف بين الجهتين» بعد نحو 25 عاماً من 
الحرب. صرح «زاعيراء بما يشير إلى أن العميل بابل هو مروان"". 

حب المعلومات المنشورة بدأ اتصال مروان بالسفارة الإسرائيلية في لندن عام 1970ء وكان 
الرد سلبياً. وكرر المحاولة بعد وفاة جمال عبد الناصر بأشهر قليلة» وكان الرد سلبياً أيضاً. وني 
عام 1971 وفي زيارة لكبار رجال الموساد إلى لندن عرفوا اسم من اتصل بالسفارة الإسرائيلية 
في لندنء وتأكدوا أنه زوج ابنة جمال عبد الناصرء وبعد الاختبارات المعتادة في مثل هذه 
الحالات جرى تجيده. الموساد أن دخول أشرف عالم الجاسوسية له سببان: الأول 
مادي؛ والثاني» معنوي, ليشعر بأهميته وخطورته. 

التقى مروان رئيس الموساد في أوروباء وسأله عن علاقته بالنظام الجديد بعد رحيل جمال 
عبد الناصرء قام مروان بإعطائه وثيقة فبها كل التفاصيل السرية لتكوين الجيش المصريء وحين 
سأله عن معلومات مثل النشاط الكيمياتي في مصلنع أبوزعيل» وعد بإحضار المعلومات التي 
لايعرنها. وصل الامر إلى أعلى سلطة في إسرائيل وهما: غولدا ماثير وموشيه دايان 
والاستخبارات الحربية» ثم قام مروان بإعطاء معلومات عن رأي القيادات المصرية في حرب 
الاستنزاف. وبعد أن تعددت المقابلات» سافر رئيس الموساد بنفسه للقاء مروان في لندن. 
وأعطى مروان تقريراً مفصلاً عن علاقات الخبراء السوفيات بالجيش المصريء ونوع التدريب» 



























(10) بوري بار جرزيف, ؛السلاك؛!: الجاسوس الذي أنقذ إسرائيل. ترجمة فادي فؤاد (بيروث: الدار العربية للعلرم. 
ناشرون, 2017). 


الي داه مذكرات رفس المخاوات الحرية لوي حوب بوم الففرن: لوقع 





255 


وبخاصة دورهم في أجهزة الصواريخ المضادة. وطلب منه الموساد أن يحضر في المرة القادمة 
معلومات عن نية الرئيس المصري. ورأي قادة || في الهجوم المحتمل لتحرير سينا 
وأيضاً الخطة الكاملة للجيش المصري. وفي الزيارة الثالية» سلّم مروان خطة الجيش المصري 
كاملة. 

وكان مروان قلقاً في الخروج من دائرة السلطة بعد وفاة جمال عبد الناصرء لكنه استطاع أن 
يقفز بسرعة فائقة إلى مركب السادات» ويكتسب ثقنه. وسانده في أثناء انقلاب أيار/مايو عام 
71 واكتسب أيضاً ثقة جيهان السادات. وقد ساعد مروان من طريق علاقة وثيقة مع 
عبد السلام جلود. الرجل الثاني في النظام الليبي» في أن تشتري ليبيا طائرة خاصة للرئاسة 
المصرية؛ كما طائرات ميراج من فرنسا وتعطيها لمصر. وكانت في أشد الحاجة إليها. كما قام 
مروان بعمل علاقة وثيقة مع كمال أدهم. وهو أيضاً مؤسس الاستخبارات السعودية: وبذا سهّل 











مروان عمل السادات مع السعودية وليبيا. 
وقد سلّم مروان وثيقة تفاصيل مقابلة السادات, الأصلية؛ مع زعماء الاتحاد السوفياتي عام 
2 الذين اسلتوها : بدورهم إلى الاستخبارات الأمريكية بدون الإدلاء بالمصدر والتي أكد 


فيها السادات أنه لن يخاطر بدخول مصر الحرب قبل تسلمها أسلحة معيئة: مقاتلات هجومية 
وصواريخ بعيدة المدى. من الاتحاد السوفياتي. وهو الشرط الأساسي الذي أسّس خطط 
إسرائيل منذ عام 1970 . إن هذه الفكرة أفنعت الموساد بأنه مهما كانت التحذيرات التي تصلهم 
فطائما لم تحصل مصر على هذه الأسلحة الجديدة؛ التي لم يكن الاتحاد السوفياتي راغباً في 
تزويد مصر بهاء فليس هناك شيء يدعو إلى القلق. بحسب جوزيف فإن مساهمة مروان في 
غرس الفكرة لدى إسرانيا كانت حاسعة. ويقول جوز ن مصر غيرت الخطة؛ وتخلت عن 
شرط الحصول على تلك الاسلحة من الاتحاد السوفياتي» وعندما أبلغ مروان بهذه التغييرات 
أوائل عام 1972 جرى تجاهله. 

كذلك أعطى مروان تفاصيل دقيقة عن الاجتماع العاصف للمجلس الاعلى للقوات 
المسلحة, الذي عقده السادات مع قيادات الجيش عام 1972. حول خطة الهجوم؛ وقدرات 
الجيش واستعداده. وبخاصة نقص القوات الجوية؛ وترتب عليه إقالة وزير الحربية بعده 
بيومين. بداعي أنه لم ينفذ تعليماته في شأن إعداد القوات المسلحة للحرب. وتقرر تغيير 
الخطة «جرانيت» إلى ١‏ انيت 42: ثم خطة «المآذن العالية»؛ التي تهدف إلى العبور 
واحتلال مساحة شرق بعد أسبوع من الاجتماع. قابل مروان» رئيس الموساد في 
الندن» وأخبره بتغيير الخطة وتفاصيلهاء وأن السادات أخذ قرار الحرب وبقي التوقيت. الم 
يصدق قادة الجيش الإسرائيلي أن الخطة تغيرت؛ ولم يصدق تقرير «الموساد». الذي كان له 
مصدر آخر غير مروان. وعقب وصول التقريرء اجتمع مجلس الوزراء المصغرء وأخذ دايان 




















256 


رسالة مروان بجدية» لكن المجلس لم يتفق على اعتبارها شيثاً مهماًء ولم يتخذ قرارات 
محددة. 

وتسلم الموساد من مروان بياناً بجميع كميات الأسلحة التي وصلت مصر من الاتحاد 
السوفياتيء وأنواعها بالتفصيلء وأجمعت الأغلبية العظمى من رجال الموساد على صحة 
المعلومات التي قدمها مروان. وأنه أعظم جاسوس خدم إسرائيل: لكن اند 
الاستخبارات الحربية لم يتأكدا بالكامل من نياته. ولم يتهماء ب 

في كانون الثاني /يناير عام 1973. أخبر مروان إسرائيل بأن السادات قرر الهجوم دون انتظار 
أسلحة جديدة» وآن تقديره أن الهجوم سيكون في أيار/مايو بالتعاون مع سورية. وحصلت 
إسرائيل من مصادر أخرى على معلومات تؤكد صحة معلومات مروان» وأنه سيتم بالاتفاق مع 
سورية. في !1 نيسان/أبريل عام 1973 أعطى مروان تفاصيل الهجوم الذي سوف يبدأ بالمدفعية 












يليها هجوم من 178 طائرة؛ ثم يبدأ العبور عبر 5 نقاط على 
السويس. وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر تُقذت الخطة. 
وكان مروان هو الذي أبلغ إسرائيل الهجوم بعد أيار/مايوء إلى نهاية أيلول سبتمبر/أو 





أوائل تشرين الأول /أكتوبر. وحضر مروان الاجتماع السري بين السادات وفيصل؛ الذي جرى 
فيه الاتفاق على كل تفاصيل مساعدة السعودية» لكن السادات لم يخبر فيصل بميعاد محدده 
وقال: «إن الموعد قريب». 

في أيلول/سيتمير عام 1973 أبلغ مروان الموساد الذي بدوره أخبر الشرطة الإيطالية عن 
عملية هجوم صاروخي على طائرة ركاب إسرائيلية في روماء وقبض على القائد 
للمجموعة. بعد فشل هذه العملية, بدا أن السادات قرر إبعاد مروان عن الدائرة الضيقة حوله. 
ولم يصبح على علم بتفاصيل دقيقة عما سوف يحدث. وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن 
السادات شك في أن له علاقة باستخبارات أوروبية. وأخبر مروان الموساد أن السادات أصبح 
لا يخبره بأسراره. وقد شك الموساد بعد الحرب بأن تردد مروان في إخبار إسرائيل بموعد 
الحرب بدقة قبل اندلاعها سببه أنه علم به فقط يوم 5 تشرين الأول /أكتوبرء ويعتقد مروان أن 
إسرائيل كانت تعلم بالموعد, فلا شيء جديداً يمكن أن يضيفه. 

ويقول المؤلف إن الخطأ الأكبر من الاستخبارات الحربية» وقيادة الجيش الإسرائيلي؛ أنها 
الم تعط أهمية لتقارير الموساد عن تحضير مصر وسورية للحرب. وحتى غولدا ماثير لم تعره 
اهتماماً. حين اجتمعت سرياً 3 الملك حسين. يوم 25 أيلول/سيتميرء وأخبرها بمعلوماته أن 
الحرب قريبة. وأهملوا تقريراً آخر من الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ لاعتقادهم بأنه منقول 
من الملك حسين. وراقيت إسرائيل التحركات والاستعدادات المصرية والسورية» وتأكدت أن 
الحرب قادمة بعد اتصال من مروان يوم الجمعة الساعة الثانية والنصف صباحاً. 




















257 


كان أشرف مروان في روما يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 1973ء مع وفد مصري ‏ ليييء وعرف 
أن الحرب قد قاربت على البدء. فاتصل بالوسيطة الإسرائيلية في لندنء وطلب مقابلة مدير 
الموساد يوم الجمعة 5 تشرين الأول/أكتوبر في لندن. وذلك بواسطة كود متفق عليه. وعاد الوفد 
إلى مصر وذهب مروان إلى لندن. وفي المقابلة أخبر مروان رئيس الموساد أن الحرب ستبدأ يوم 
6/تشرين الاول. في الساعة السادسة مساء. وكانت إسرائيل قبل ذلك بساعات بدأت في 
استدعاء الاحتياطي لصد الهجوم المصري السوري المتوقع. 

أنهي عمل مروان برئاسة الجمهورية في ١‏ آذار/امارس 1976: وجرى تعيينه رئيساً للهيئة 
العربية للتصنيع العسكري. وبعد إنهاء عمله في الهيئة عام 1979 استمر مروان في توصيل 
معلومات ومواقف سياسية إلى الموساد. لكن أهميته قد ضعفت» حتى حدثت 
الموساد, بعد أن اكتشفوا أن أحد رجالهم استمر سنوات طويلة في توصيل معلومات مزورة من 
عميل سوري. لم يكن له وجود حقيقي. وعندما حاولوا أن يسجلوا أحاديث مروان. خلافاً 
لشرطه معهمء حدث خطأ جرى اكتشافه. وكانت نهاية العلاقة بينهما. 

يزعم أوري بار جوزيف. في كتابه في مجمله أن مروان أنقذ إسرائيل من كارثة» بعدما أبلغ 
رئيس الموساد في 5 تشرين الأول/أكتوبر 1973 أن مصر وسورية ستشنان هجوماً مشتركاً في 
السادسة من مساء اليوم التالي 6 تشرين الأول/أكتوبر. مشدداً على أن معلومات مروان دفعت 
إسرائيل لحشد قوات الاحتياط لتصل في الوقت المناسب إلى الجبهة السورية؛ لتصد الهجوم 
السوري وتعيده إلى خطوط ما قبل إطلاق الثار. 

ولتفنيد تلك النقطة, التي تمثل عصب الكتاب. فإن ما يهم في الحديث عن مروان» وتحذيره 
إسرائيل من أن الحرب ستنشب في الساعة السادسة من مساء 6 تشرين الاول/أكتوبرء وهل 
ساعدت تلك المعلومة إسرائيل أم ضللتها؟ هو تأثير ذلك في سير المعارك؛ تكفي العودة إلى 
اليوم الأول للحرب حيث حققت القوات السورية نجاحاً كبيراًء واستطاعت تحرير ثلثي 
الجولان. أما على الجبهة المصرية فحدّث ولا حرج. 

وفي رده على هذا السؤال يعترف أوري بار جوزيف. في كتابه. بأن ذلك أثر بشكل حاسم 
في سير المعارك على الجبهة المصرية؛ وقال نصاً في أحد الأفلام الوثائقية عن حرب أكتوبر 
«نعم.. نعمء أثر ذلك في سير المعارك؛ حيث أصدر شموئيل قائد المنطقة ال 
أوامره لأطقم الدبابات الإسرائيلية بعدم التحرك من مرابطها في سيناء إلى حافة القناة إلا في 
الساعة الرابعة عصرا أي قبل الموعد الذي أخبرنا به مروان بساعتين» حتى لا يعرف المصريون 
أن موعد الحرب قد سرب». 

الكن الهجوم لم يأتٍ في الساعة السادسة مسا إنما جاء في الساعة الثانية ظهراً.. وهنا 
يطرح هذا السؤال نفسه: هل أثر فارق الأربع ساعات بين موعد الهجوم المضلل والموعد 




















25 


الحقيقي في سير المعارك؟ نعم فخلال الأريع ساعات كان الجيش المصري قد حقق الهدف 
السياسي من الحرب» وبدأ فتح ١‏ رات في السائر الترابي؛ وعبرت الدبابات المصرية قناة 
السويسء وأخذ «القادة المصريون في تنفس الصعداء». حسب ما قاله الشاذلي في مذكراته عن 
الحرب. ليس هذا فحسبء لكن نصف ساعة فقط كانت كافية لتغيير مسار المعركة هنا تفيد 
العودة إلى المؤرخ العسكري البريطاني إدغار أوبلانس في كتابه عن حرب أكتوبر - الذي يعد 
من أكثر الكتب حيادية عن الحرب ‏ حيث قال: «ودخلت خطة الدفاع الإسرائيلية «عش الحمام" 
حيز التنفيذ بعد نصف ساعة من انطلاق الهجوم المصري؛ واندقعت الدبابات الإسرائيلية 
بأقصى سرعتها نحو مرابطها بين حصون خط بارليف. إلا أن جنود المشاة المصريين كانوا قد 
حسموا سباق الزمن لمصلحتهم؛ واحتلوا وفخخوا مرابط الدبابات الإسرائيلية: الأمر الذي 
مكنهم من سحق الهجمات المدرعة الإسرائيلية المضادة بسهولة» (ص 2/2). 

ومن الكتابات الإسرائيلية نفسها يمكن فهم كيف تدع مروان كبار القادة الإسرائيليين؟ وعلى 
رأسهم رئيسة الوزراء مائيرء ووزير الدفاع دايان» ورئيس الموساد زامير, وأخيراً رئيس أمان زاعيرا. 
باختصار شديد قضت عملية مروان ‏ حسب العفيدة السوفياتية التي كانت تعتنقها مصر وقتها 
على المستويين العسكري والاستخباراتي ‏ بتزويد إسرائيل بنحو 95 بالمئة معلومات صحيحة. 
لكنها محسوبة بدقة. وفي اللحظة الحاسمة ينقلون عبره معلومات كاذبة تقضي على أهمية 
المعلومات المسرّبة؛ وتقلب موازين المعركة. هكذا قال زاعيرا: «مروان خدعنا عندما قام 
بإبلاغنا بموعد الحرب في السادسة مساءً. لكن الحرب بدأت في الثانية من بعد الظهرء وخلال 
الساعات الأربع كانت القوات المصرية قد أتمت عبور القنال؛ بعدما نجح عميلهم المخلص 
في خداعنا جميعاً». بعدما استخدمت الاستخبارات المصرية ذلك التكتيك الروسي التقليدي. 

كانت مهمة مروان بيساطة. حسب ما قاله «زاعيرا» في مذكراته. بعنوان: مذكرات رئيس 
الاستخبارات الحربية الإسرائيلية ‏ حرب يوم الغفران: الواقع يحطم الأسطورة. تتمثل بزرع 
مفهوم في إسرائيل بأن مصر لن يمكنها شن الحرب ما لم يتحقق شرطان أساسيان: الأولء 
الحصول على طاترة. تستطيع قصف المطارات في عمق إسرائيل؛ والثاني؛ الحصول 
على صواريخ سكود لقصف المدن الإسرائيلية؛ حال استهداف إسرائيل العمق المصري؛ كما 
فعلت في أواخر احرب الاستنزاف. وقبل حرب عام 1973. لم يتحقق هذان الشرطان. وكان هذا 
«المفهوم» راسخاً بقوة لدى دوائر صنع القرار الإسرا أن يتولى زاعيرا منصبه في تشر 
الأول/أكتوبر 1972ء ولم يقل مروان هذا صراحة لإسرائيل» لكن قادتها ا..-: ا 
من خلال وثيقتين» مدموغتين بخاتم «سري للغاية»؛ سرّبهما مروان» تسجلان محاضر جلسات 
بين جمال عبد الناصر والسادات والقادة السوفيات. وطالما لم يتحقق هذان الشرطان فإن 
الحرب ستكون مستحيلة. 
































259 


الكن لماذا أخبر مروان إسرائيل بتلك المعلومة؟ للإجابة عن هذا السؤال الصعب تجب 
العودة إلى ما قبل الحرب بأيام» فقد رصدت إسرائيل حشوداً لقوات سورية ومصرية على 
الحدود. لكن إسرائيل كانت مطمئنة في ذلك الوقت من أن هجوماً مشتركاً لن يحدث؛ بسبب 
عقيدة «المفهوم؛ سالفة الذكرء وفسرت الحشود السور «استعداد لرد انتقامي» على 













المعركة الجوية التي دارت بين الطيران السورى والإسرائيلي يوم 13 أيلول/سبتمبر عام 1973 
وخخسرت فيها سورية 13 طائر الحشود المصرية بأنها 
تأتي في سياق مناورات الخريف السنوية» لكن هذا التصور تغيّر فجأة صباح يوم 4 تشرين 


الأول/أكتوبر حيث أجلى الاتحاد السوفياتي» بعد أن أبلغ بموعد الحرب» أسر مستشاريه من 
مصر وسورية في متزامن. الامر الذي أدى إلى إعلان حال الطوارئ في الجيش 
الإسرا ابلي » وبحسب مذكرات السادات فإن الإجراء السوفياتي قد أزعج القادة المصريين بشدة» 
اعتراف سوفياني بأن ثمة حرباً قادمة. وأنه يخشى على أسر مستشاريه في 








سبق يتضح أن القياء السياسية المصرية كانت مقتنعة في صباح الرابع من تشرين 
الأول/أكتوبر بأن الإسرائيليين قد استتنجوا من الخطوة السوفياتية أن ثمة حرباً على وشك 
الحدوث» وكان لا بد من تخدير الإسرائيليين ومنحهم موعداً مضللاً عن الحرب. 
جدير بالذكر أن ضابطاً آخر من الاستخبارات الحربية الإسرائيلية» هو العقيد المتقاعد شيمون 
ميندسء قد أصدر كتاباً مختلفاًء عام 2018, عن حرب عام 1973 ودور مروان» بعنوان: جهاد 
السادات. انطلق فيه من الحكمة التي تقول: «في الحرب» تكون الحقيقة هي أول الضحايا» 
مقولة الروائي المسرحي اليوناني إسخيلوسء الذي عاش منذ 500 سنة قبل الميلاد» وقد 











استشهد بها «ميندس» في كتابه. ليؤكد أن حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 كانت نجاحاً عظيماً 
للمصريين» وفشلاً كبيراً للإسرائ 





وقد قرر من خلاله مواجهة كوادر المؤسة الاستخبارية الإسرائيلية» يما أعدَّه من دراسات 
لكي يؤكد بحسم: «إن مروان كان رجل السادات»”9. 
أ» لأنه شرح كيف تولى السادات ملف زرع مروان داخل 
الموساد منذ عام 1969 ونجح في إقناعهم بأن لديهم *إيلي كوهين» جديداً ثم فوجتوا 
بالحرب» لأن ما قدمه من معلومات كانت مضللة. 





رقت سبع سنين من الببحث وات 
كتاب ميندس انتقدته الرقابة الإسرائ 






02 20180 مسح امد ممماة عاو اه معطا املمك ليج اذ مممتوو 
(13) انظر شرحاً تفصيلبً للكتاب في المصدر الثني: نعبم. رجل الساداث في الموساد: اعتافاث جنرال إسراتبلي عن 
أشرف مروان في الموساد. 





20 


يعيد الكتاب بهذه الطريقة الاعتبار إلى مروان» الذي كانت إسرائيل قد كشفت من قبل عن 
تورطه في التجسس لمصلحة الموساد وقيامه بتحذير إسرائيل يوم 5 تشرين الأول /أكتوبر 1973 
من قيام مصر وسورية بشن هجوم عسكري على إسرائيل في تمام الساعة السادسة من مساء 
اليوم التالي. 

وتساءل ميندس في كتابه: إذا كانت إسرائيل تمتلك عميلاً بهذه القوة والخطورة: ويعمل 
بالقرب من دوائر صنع القرار في مصر خلال تلك المرحلة: فكيف إذاً فوجنت إسرائيل بالحرب» 
إلا إذا كانت تمتلك معلومات مضللة قدمها لها العميل المصري العبقري*". 

فضلاً عن ذلك يلاحظ ميندس في كتاب جديد له بعنوان: حرب منخفضة التكاليف. أن 
«هناك العديد من أوجه الشبه مروان وكثير من قصص خخداع الاستخبارات في الماضي» 









لكنها لم تكن تقليداً لهاء إ: ابتكاراً مستقلاً. لم يكن مروان أول من عرض على 
الإسرائيليين التجسس مقابل أموال فقد عرض البعض على السفارة الإسرائيلية في لندن عروضاً 





ممائلة ورفضوا جميعاً... كان ذلك جزءاً من خطة السادات. كانت الوثائق التي عرضها أشرف 
مروان ممتازة» ولم تكن ثمة مشكلة في معرفة كيف حصل عليهاء كانت القصة مثيرة للشكوك. 
لكنها كانت تنطوي في داخلها على الطعم؛ فقد شعر الإسرائيليون أنهم يجلسون بالفعل داخل 
عقل السادات» ويعرفون كل أفكاره» لكن هذا الإحساس «اللطيف»؛ كما يقول المؤلف. كان 
الطباعاً كاذباً». 

ويتابع أن «قضية زرع مروان متواترة في قضايا اتتجسس المعروفة: لكن التقنية كانت متطورة 
جداًء نفي عمليات الخداع عموماً ينقل العملاء للعدو قليلاً من المعلومات» في حين أنه في 
حال مروان فتحت الاستخبارات المصرية أمام الاستخبارات الإسرائيلية جميع أسرار مصر. وهو 
ما قال عنه رئيس الموساد في كتاب له إن مروان أتاح لنا النظرة الأولى إلى أدق أسرار الإدارة. 
المصرية. نقل إلينا مروان في اللقاءات الأولى معلومات يالغة الأهمية؛ تتعلق كلها بالمجال 
العسكري؛ ويدو أنه أدرك أن هذه المواد هي تذكرة دخول إيجابية من وجهة نظرناء وكأنه كان 
يتفاخر أمامنا انظروا ماذا أستطيع أن أفعل؟!» (ص 216). 

ويرى أنه «من الصعب تحديد مهمة مروان الرئيسية» فبعيداً من المقولة العامة بأن مهمته 
كانت تخدير إسرائيل؛ والسماح بشن الحرب بشكل مفاجى. فإن الوضع كان أكثر تعقيداً. نقد 
أنتجت عقلية السادات الخصبة والماكرة مفهوماً جديداً ومخالفاً لما كانت تؤمن به إسرائيل. 
انقسمت مهمة مروان إلى قسمين: الأول. تقوية التصور الإسرائيلي التقليدي بأن مصر لن تشن 














(13) المصدر تقيه. 


26 


الحرب» طالما لم تحصل على سلاح متكافئ لما تملكه إسرائيل؛ والثاني؛ أن يخفي عن إسرائيل 
النقاط الرنيسة التي قد تلقي الضوء على الاستعداد للحرب. 
بل لقد ذهب أهارون رعمااه في كنايه يعنوال : تاريخ إسرائيل؛ إلى أن زاعيرا رئيس 









الاستخبارات الحربية الإسرائيلية أثناء حرب 1973. ومعه عدد كبير من المخالفين» أكدوا أن 
الثفة في بابل كانت «أكبر هزيمة تلا في تاريخها»»! 
المؤرخ الأمريكي هوارد بلوم؛ من جهته. في كتابه عشية الدمار التفاصيل؛ أن مروان 


سافر إلى لندن تحت سائر استكمال دراسته العليا في الكيمياء عام 1969 وكجزء من قصة 
السائر انجه إلى الشاعرة الكويتية سعاد الصباح قرينة عبد الله الصباح؛ لطلب دعمها الماليء 





اليهودي إيمانويل هربرت. الذي قام بدور همزة الوصل بين الملك حسين وإسرائيل؛: وهو إجرا 
مدروس ضمن خطة زراعة عنصر استخبارات محترة قدم ملفاً تضمن محضر اجتماع السادات 
والقادة السوفيات في آذار/مارس 1971ء لطلب طائرة رد تخترق العمق الإسرائيلي؛ ليضمن 
ويؤكد جدية مصر في الحرب. وسعيها لامتلاك سلاح ردع؛ ما قد يشجع على 
تسوية سياسية؛ استهدفها السادات. 

نفى زاعيرا ولاء مروان لإسرائيل» وأجَل نشر مذكرانه عن الحرب حتى عام 1991 لتسقط 
القيود الأمنية عن وثائقهاء فيوثق آراءه. أكد عدم أخذ معلومات مروان عن شن الحرب في 
السادسة من مساء 6 تشرين الأول/أكتوبر مأخذ الجد. لسابق 3 
الأول/أكتوبر عام 1972 وفي أيار/مايو عام 1973 وفي كل مرة 
المليارات. وصف مروان بالجاسوس المزدوج؛ المدسوس من الاستخيارات المصرية للتلاعب 
بإسرائيل» ولص دوره في خطة الخداع الاستراتيجي التي دي يي بقوله: «إن مروان قدم 
إلينا معلومات مهمة. حتى جاء وقت الحرب» قأطاح بنا تماماء (ص 98). 

وفي الجزء الأخير الذي اخحم به زاعيراء الفصل الذي تحدث فيه عن خطة الخداع المصرية 
من كتابه بعنوان: مذكرات رئيس الاستخبارات الحربية الإسرائيلية - حرب يوم الغفران: الواقع 
يحطم الأسطورة؛ كتب الآني: : #حسب اعتقادي فإن ما ت اؤه من معلومات عن الموساد في 
شأن هدف زيارة السعودية ولقائه مع الملك فيصل. وما تم إخفاؤه عن الموساد من معلومات 
عن اللقاء المصرء ري السوري في الإسكندرية في آب/أغسطس» وكذلك القرار الحقيقي والوحيد 
عن موعد الحرب ضد إسرائيل» ووصول معلومة في نفس الوقت تفيد أن السادات قد أرجأ 
الحرب إلى نهاية العام, كل ذلك يشهد على أن «المنيع» كان تتويج نجاح خطة الخداع 
المصرية». هذا التصور تحاول إسرائيل طمه الآن بكتاب الملاك, والفيلم الذي أنتجته عنه. 

















262 


الكن الخداع المصري سيظل يلاحق الجنرالات الإسرائيليين ليذكرهم دوماً بالهزيمة المذلة التي 
الحقت بهم يوم عيد الغفران؛ نتيجة مفاجأة سبيها تقصير استخباراتي ذريع؛ استعرضه زاعيرا 
.بالتفاصيل الدقيقة في كتابه. بل لقد أكد زاعيرا لموقع والاء الإسرائيلي؛ أن «مصر تستحق أن 
تأخذ نيشاناً على خطة الخداع الاستراتيجي»: وإخفاء كل ما يشير إلى استعدادهم للحرب» 
والوثوق في معلومة أن الهجوم المصري في السادسة مساء. موضحاً أن إسرائيل كانت تعلم يوم 
5 تشرين الاول/أكتوبر أن هناك هجوماً مصرياً. وأنه خلال اجتماع حضره مع ماثير ودايان» 
00 يكاروة يباك بن نمراق كني عللومة 
نشر أهارون بيرغمان المؤرخ الإنكليزي اليهودي مادة غزيرة عن شخصية مروان. قبل أن 

يصدر كتابه الجاسوس الذي هوى إلى الأرض؛ وكان وراء الكشف عام 2002: في كتابه بعنوانة 
تاريخ إسرائيل» عن اسم مروان وحسب معلومات بيرغمان. وهو الوحيد الذي اهتم مروان بالرد 
على اتصالاته الهاتفية: وقابله مرة واحدة من أجل الحوار معه. حول ما أثير عن قضية تجسسه 
المصلحة الموساد والحقيقة حول كونه عميلاً مزدوجاء أم جاسوساً لإسرائيل؟ لكنه ظل دائماً 
يعتقد أن مروان كان جاسوساً مزدوجأء وأنه خدع إسرائيل. كما أكد في كتابه أن أهمية مروان لم 
تكن في قيمة المعلومات العسكرية التي كان يقدمهاء بل في مجرد وجوده داخخل دائرة صنع 
القرار المصري!!ء وأهدى نسخة من كتابه حروب إسرائيل؛ إلى مروان تحمل الإهداء الأتي: 
«إلى أشرف مروان بطل مصر»! هكذا حسم بوضوح قضية ولاء مروان لمصلحة مصر. 

من ناحية أخرى يروي بيرغمان تفاصيل محادثاته الهاتفية مع مروان» وموافقة مروان على 
اقتراحه بكتابة مذكراته.النقطة الهامة في شهادة بيرغمان تمثل بأنه أراد أن يبدأ كتابة مذكرات 
مروان من عام 1969ء ولكن مروان أراد أن تبدأ مذكراته بعد أيار/مايو 21971 عندما أصيح 
مستشار السادات. وبدأ عملية الاتصال بالإسرائيليينء التي لا يعلم بها سوى مروان والسادات. 

هذه الشهادة التي سجلها مروان تؤكد شهادة سامي شرف سكرتير الريس للمعلومات ووزير 
شؤون رئاسة الجمهورية حتى ١3‏ أيار/مايو 1971» الذي أكد أن أحداً لم يكلف مروان بالاتصال 
بالإسرائيليين» أنه كان خاضعاً لمراقبة محكمة من مكتب الرئيس» ومن جهاز الاستخبارات 
العامة حتى ١3‏ أيار/مايو 1971. 

كما تؤكد شهادة أمين هويدي رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية من آب/أغسطس عام 
967 حتى نيسان/أبريل 1970 والذي أكد أن مروان لم يُكلف بإجراء أية اتصالات مع إسرائيل 
خلال هذه الفترة. 

تنسف شهادة مروان تضارب الروايات الإسرائيلية حول موعد اتصاله بالإسرائيليين؛ فقد 
ذكروا في البداية أن اتصاله بهم جرى عام 1969 ثم قالوا إنه تم في عام 1970. الطريف أن 
مؤلف كتاب الملاك يذكر أن الاتصال حدث في عام 1970 في صفحات الكتاب الأولى؛ ثم 

















263 


ينشر شهادة مروان, في الصفحات الأخخيرة من الكتاب؛ التي تؤكد حدوث الاتصال بعد أيار/ 
امايو 1971 

أزعجت رؤية زاعيرا الموساد. وبخاصة أنها وجدت صداها في الكتابات السابقة وغيرهاء ما 
دعا زامير إلى رفع دعوى قذف ضده أمام المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2004, انهمه بالكشف. 
عن هوية مروان. صدر الحكم في 25 مارس/آذار عام 2007 مؤكداً أن مروان كان جاسوساً 
لإسرائيل!!» وأدان زاعيرا لتسريب هويته لأشخاص غير مخوّل لهم. صدر الحكم في 14 
حزيران/يونيو. بعد 13 يوماً من وفاة مروان. استهدف رد شرف؛ وغسل سمعة للموساد. بعد 
تعرضها لاتهامات بابتلاع طعم الاستخبارات المصرية؛ إضافة إلى محاولة تجنب الشبهات 
ة بالمسؤولية عن اغتيال مروان. اهتم جوزيف في كتابه الملاك بتكذيب ما ردده مروان 
عن كتابته مذكراته!!. ليُسقط الدافع الرنيسي لإمكان تورط إسرائيل في اغتياله» فهي تتضمن 
تفاصيل خداعه للموساد... المذكرات هي الوحيدة التي اختفت خلال الحادث. 

(2) حرب 1973: يتضمن ما نشرء بصفة خاصة. أن مروان طلب مقابلة رئيس الموساد. يوم 
5 تشرين الأول /أكتوبر 1973 بلندن» حسب «كود سري» متفق عليه بينهماء يفيد أن الأمر يتعلق 
بحرب وشيكة؛ وأن اللقاء بينهما تم بالفعل في ذلك اليوم بالعاصمة البريطانية: وأن مروان نقل 
إليه أن القتال سيندلع في الساعة السادسة من بعد ظهر يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 
وكان هذا هو الموعد المقرر بالفعل يوم مغادرة مروان القاهرة إلى ليياء فروماء ثم لندن. معنى 
ذلك أن مروان نقل إلى إسرائيل بالفعل موعد الحرب الحقيقي في حينه؛ مؤكداً أنها ستندلع في 
اليوم التالي للقاء مباشرة وهنا صحيح. لكن بعد الموعد «الحقيقي الجديد», أي قبل الموعد 
السابق بأربع ساعات. وليس من المعروف حتى الآن. وربما لن يعرف أبداً. هل كان هذا هو 
نص الرسالة التي تحرك بها مروان من القاهرة لهدف معين في إطار خطط الخداع الاستراتيجي 
التي لجأت إليها مصر لخداع إسرائيل؛ أم أنه تحرك بهذا الموعد. وقام بإبلاغه لرئيس الموساد. 
دون أن يعرف أن الموعد قد تغير بعد سفره. نتيجة المناقشات مع الجانب السوري؟ حيث تقرر 
في النهاية أن يكون الموعد النهائي هو الساعة الثانية من بعد الظهرء يوم 1973/10/6, كما 
حدث بالفعل. ودون أن يعرف مروان بهذا التغيير؟ 

السؤال الكبير والخطير هنا: لماذا قرر السادات إبلاغ إسرائيل بموعد انطلاق الحرب؟ من 
المهم جداً للإجابة عن هذا السؤال الإشارة إلى وجهة نظر إسرائيلية في الرد عليه تتمثل بماا 
ذهب إليه ميندس؛ مؤلف كتاب جهاد السادات؛ في كتاب جديد له بعنوان: حرب منخفضة 
انطلق في كتابه إلى الحديث مما يطلق عليه «المعضلة الكبرى» في قضية مروان. 
التي تتعلق بتحذير إسرائيل من شن الحرب. وهو يرى أنه لا يوجد تفسير واحد لذلك؛ بل عدة 
تفسيرات واعتبارات» قد يتناقض بعضها مع بعض. 


























264 


فمن وجهة نظر السادات لم يكن الضرر الحادث من تحذير الإسرائيلين من نشوب الحرب 
كبيرًء لأن الزمن المتبقي حتى بداية الحرب لم يكن ليمكن الإسرانيليين من عمل الشيء الكثير. 
وفي مقابل هذا الضرر ‏ إن حدث ‏ كانت هناك مجموعة من الاحتمالات التي وضعها السادات 
في الحسبان: 

أولهاء أن الحرب ستعقبها بالضرورة مفاوضات سياسية مهمة» ولم يرغب السادات في أن 
يفقد مروان صدقيته لدى إسرائيل» وأراد أن يكون أنبوب التأثير السياسي في صانعي القرار فيها. 
وقد حصل مروان على مكافأة خاصة من رئيس الموساد زامير عن التحذير بالحرب بلغت مئة 
ألف دولار. 

ثانيهاء أن تحذير مروان كان من شأنه أن يضع القيادة الإسرائيلية تحت الضغطء ويجعلها 
تتخذ قرارات خخاطنة؛ كأن تهاجم الطائرات الإسرائيلية» في هجمات خاطفة. حائط الصواريخ 
المصري, وقد كان المصريون مستعدين لمثل هذا السيناريو. وفي جميع الأحوال سينظر إلى 
إسرائيل على أنها دولة عدوانية. 

ثالثهاء إن إسرائيل إذا شنّت هجمات جوية؛ أو استدعت قوات الاحتياط» دون أن يقدم 
أعداؤها سبباً وجيهاً لذلك؛ لكانت قد كشفت نفسها أمام كيسنجر. الذي حذرها مراراً من شن 
هجوم على مصر. 

ثم يقر ميندس أن الموقف عشية حرب تشرين الأول/أكتوبر قد يخلق انطبعاً بأن عملية زرع 
مروان قد فشلت, لكن الأمر لم يكن كذلك؛ فقد أدى مهمته بنجاح؛ وزرع المفهوم المصري عن 
الحرب في العقل الإسرانيلي. وكانت قمة نجاحه في صيف عام 1973» عندما لم يخبر الموساد 
بوصول طائرات الميراج من ليبياء وصواريخ سكود من الاتحاد السوفياتي. أو الاتفاق بين 
السادات والملك فيصل في لقاء سري حضره مروان قبل الحرب مباشرة؛ عن استخدام سلاح 
النفط. أو تعهد السوفيات بدعم مصر أثناء الحرب. وغير ذلك من الأمور الحاسمة التي أخفاها 
عن الموساد. وفى المقابل أبلغ مروان الموساد عن خطر الحرب في شهري نيسان/أبريل/وأيار/ 
مايو عندما لم يكن السادات مستعداً بعد لشن الحرب لأسباب عملياتية (ص 218). 

ويضيف ميندس: إذا كان مروان عميلاً إسرائيلياً» مثلما يقولون. لكان فور وصوله إلى باريس 
في 4 تشرين الأول/أكتوبر» واتصاله هانفياً بضابط الاتصال الخاص به دوبي ‏ وحتى على 
افتراض أنه كان محاطاً بالناس. ويصعب عليه الحديث ‏ لكان اكتفى بإبلاغ دوبي بالاسم 
الكودي المتفق عليه للحرب الفورية: "أشلجن»» ولم تكن هناك ضرورة للسفر إلى لندن ني 
اليوم التالي لمقابلة رئيس الموساد, وإبلاغه بأن الحرب غداًء ما كان يعطي إسرائيل فسحة من 
الوقت (نحو 48 ساعة) للاستعداد للحرب. لكن هذا كله لم يحدث. ويتساءل ميندس: هل من 
المنطقي أن يسافر مروان» أحد شركاء سر الحرب» واليد اليمنى للرئيس السادات؛ إلى روما قبل 
























265 


4 أيام من اندلاع الحرب؟ هل من المعقول أن يعود رفاقه إلى مصر يوم 5 تشرين الأول /أكتوبر 
ويسافر هو إلى لندن» قبل يوم واحد من الحرب؟ لقد أراد السادات أن يخلق موقفاً درامياً يدقع 
مائير إلى أن تتعامل مع الرسالة ب ة: وأن تعمل في هذا الاتجاه. وعندما قال مروان 
«الحرب غداف كان يدفع إسرائيل لان تبادر ببدء الحرب. والسادات بذلك كان 
الخطوة الاولى؛ بمعنى أن تستخدم سلاح الطيران لتوجيه ضربة مسبقة» وهو 
يعلم نتيجة ذلك. فقد كان يعلم تماماً أن سلاح المشاة الإسرائيلي غير جاهز تماماً للحرب؛ وهو 
ما يعني أن تقديراته الاستخباراتية كانت سليمة تماماً. والجيش المصري كان جاهزاً على امتداد 
القناة» يما في ذلك أنظمته الصاروخية 
الأولى للحرب» فقدت إسرائيل أكثر من 100 طائ 
حيث كانت القوات المصرية مهاجمة ومكشوفة ما يعني 
لقوات المصرية. وهي في وضع وتحصينات ادف ا 
كثيراً. وهذا يعني أن مبادرة إسرائيل بشن الحرب لم تكن ها إن لم تلحق بها ضرراً جيم 
0 

وأين المفاجأة هنا؟ يتساءل البعض. ويرد ميندس بقوله: الرد على ذلك يوجد في المفاجأة 
التامة لظروف بدء الحرب. فقد كنا معتادين على أن الخداع مبني على الكذب. ت 
أعطى رئيس الموساد من طريق مروان» معلومة صحيحة ودقيقة تماماً. وغنية جداً ب 
لدرجة أن كل القيادة الإسرائيلية - رئيسة الوزراء. 3 اعتمدت على رئيس الموساد)» ووزير 





































5 التي قامت بها الاستخبارات المصرية قبل حرب عام 1973 
اسوة د شاي ما سكن مستا سلس دع ع . فهذا هو 





في حين أن الإنجاز الحقيقي حققه مروان عندما 
الإسرائيلية التقدير الذي أراده السادات؛ وذلك في صورة «مصيدة عسل 
البقلاوة». التي التهمناها بالهناء والشفاء. في غرفة عمليات الحرب التابعة للجيش المصري» 
(صفحات متفرقة). 
وأخيراء ولحسم تلك القضية. يجب طرح هذين السؤالين: الأول السيب الذي يدفع ضابط 
مصري متزوج من ابنة جمال عبد الناصر. لكي يتجه بنفسه إلى السفارة الإسرائيلية ليقامر برقبته 
ويعرض خيانة وطنه؟ الإسرائيليون يقولون إن الدافع هو المال. لكن ألم يكن في إمكان مروان 
أن يستغل نفوذه كصهر الرئيس» ويكون «فاسدا» بدلاً من أن يكون «خاتناً» ليحصل على 





2066 


المال؟! لماذا كشف الإسرائيليون عن اسم مروان خلال حياته؛ إذا كان فعلاً عميلاً لإسرائيل» 
رغم أن ذلك يتعارض مع أهم قواعد الاستخبارات؟ في ضوء ما سبق يمكن أن يكتشف الباحث 
عن الحقيقة لحساب من كان يعمل مروان, ومن هو الطرف الذي تعرض لأكبر عملية خداع ني 
التاريخ! أما محاولة الإجابة عن السؤال الكبير والخطير ذاته: لماذا قرر السادات إبلاغ إسرائيل 
بموعد انطلاق الحرب؟ من وجهة نظر تحليلية؛ فتجب الإشارة إلى أن الإجابة عن هذا السؤال 
يمكن أن تعالج في ضوء احتمالين كلاهما محيّر ومربك: 

الاحتمال الأول. أن مروان تحرك من القاهرة» بعد أن كانت الحرب قد تقررث نهائياً. 
وانطلقت بعض التحركات العسكرية المرتبطة بها بالفعل؛ وهو يحمل «الموعد 
للحرب. في حينه. وهو الساعة الساعة السادسة مساء يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973 وكان 
هذا هو الموعد المقرر بالفعل يوم مغادرة مروان القاهرة إلى ليبياء في 2 تشرين الأول/أكتوبرء 
ومنها إلى روماء ثم لندن. لكن الموعد تغير إلى الساعة الثانية بعد ظهر اليوم نفسه. ولم يجرٍ 
إبلاغ مروان بذلك التغييرء وهذا هو الموعد الذي قام بإبلاغه إلى مدير الموساد. لكن هذا 
الاحتمال ينطوي على عدم إمكانية الاتصال بين السادات ومروان في مثل هذه المهمة 
الخطيرة وهو احتمال صعب جدأء وبخاصة أن «الموعد الجديد» قد تحدد في 3 تشرين 
الأول /أكتوبر. 

الاحتمال الثاني أن مروان جرى إبلاغه بتخيير الموعد إلى الساعة الثانية بعد الظهرء لكن 
السادات قررء لسيب غير معلوم, أن تستمر مهمة مروان كما هي بحيث يجري إبلاغ إسرائيل أن 
الحرب ستندلع في الساعة السادسة من بعد الظهرء أي بعد أربع ساعات من الموعد الحقيقي» 
لانه من غير المتصور أن ينقطع الاتصال بين السادات ومروان في مثل هذه المهمة الخطيرة: 
وبخاصة أنه غادر ليبيا إلى روما ثم إلى لندن. 

في هذا السياق يشير محمد حسين هيكل في كتابه بعنوان: أكتوبر 73: السلاح والسياسة.. 
إلى أنه كان إلى جانب السادات بمنزله. مساء يوم 7 تشرين الأول/أكتوبرء «راح السادات 
يتحدث حديثاً مرسلاًء كان واضحاً أنه يفرج عن نفسه بعد كبت شديد. ولقد راح يستعيد 
ذكريات أيام سابقة على الانتظار والإحباط. وأبدى رضاه عن المقادير التي تدخلت لتغيير موعد 
بده المعركة؛ الذي تسرب إلى الإسرائيليين» بموعد آخر جاءهم مفاج 6" لم يكن من 
المفهوم ماذا يقصد السادات بموضوع «تغيير موعد بده المعركة»؟ وهل لتلك الإشارة علاقة 
بمهمة مروان» دون أن يفصح عنهاء أم لا؟ طالما كان الحديث مرسلا وفيه التفريج عن النفس 
بعد كبت شديد؟ كما لم تكن تلك «المهمة» قد تسريت أخبارها بعد. 


























(15) محمد حستين هيكال. أكتوير 73: السلاح والسباسة (القاهرة: مركز الأهرام للترججمة رالنشر. 1993). ص 7ش 


260 


إسرائيل تحتاج من 48 إلى 72 ساعة للتعيثة العامة للحرب؛ مروان ضمن خطة الخداع 
الاستراتيجي أبلغهم قبلها بنحو 24 ساعة فقط. وبموعد خطأء منح مصر أربع ساعات. كانت 
كافية لإنجاح العبورء وإنشاء رؤوس كباري بالضفة الشرقية للقناة. وفي جميع الحالات فإن 
التغبير في الموعد لايغير من الأمر شيئاًء لأن «الخير» وصل إلى إسرائيل في الساعة الخامسة 
من فجر يوم 6 تشرين الأول/أكتوبرء وعقد مجلس الوزراء المصغر اجتماعاً على الفور» برناسة 
مائير» التي أعلنت أن «المعلومات» التي لديها جاءت من مصدر رفيع المستوىء لا يرقى إليه 
الشك. مع ذلك لم يقرر المجلس انخاذ أي إجراءات. 

يضاف إلى ذلك جزء من إفادة دايان أمام لجنة أغرانات: «لقد اعتقدت الاستخيارات 
العسكرية والموساد على حد سواء أنه لن تقع حربء وأن المصريين حتى اليومين الآخرين 
والسوريين لا يتجهون إلى شن حرب. واعتقد الأمريكيون في فترة معيئة أن المصريين يتأهبونٍ 
الحرب؛ لكنهم تراجعوا عن ذلك» وقالوا إن ما يحدث في مصر تدريباً عسكرياً وليس استعداداً 
لحرب حقيقية» طبقاً لما ورد في المجموعة الأولى من الوثائق التي أقرجت عنها إسرانيل عام 
013 في الذكرى الاربعين لحرب تشرين الأول /أكتوبر» والتي تتضمن محاضر التحقيقات 
كاملة. وقد ورد في تلك الوثائق الإسرائيلية فقرات تستحق التركيز عليها؛ فأثناء الاجتماع الذي 
دعت إليه ماثير فجر يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر قال دايان إن الولايات المتحدة أعلنت أنها 
لاترى أن هناك تأهباً للحرب» بل إنهم لا يعرفون تفسيراً لترحيل عائلات الروس من مصر 
وسورية» بينما قال رئيس الموساد «إنهم جاهزون تكتيكيا وعمليا للحربء وفقا للخطة التي 
نعلمهاء كل شيء جاهزء لكن المصريين يعلمون أنهم سيخسرون الحرب» والسادات في وضع 
لا يضطره إلى ذلك؛ كما أنه يعلم أن ميزان القوى لم يتحسن لمصلحة يلاده. 

وسألت مائير: لقد سبق له أن أصدر تواريخ وأصدر تصريحات» هل الأمر مختلف هذه 











المرة؟ 
ورد رئيس الموساد: الأمر لم يصدر بعد وربما يتراجع السادات في اللحظات الأخيرة وفي 
مقدورنا أن نؤثر في ما ينوى الإقدام عليه. 


وسأل غاليلي وزير الدولة للإعلام: كيف يمكن التأثير فيه؟ 

رد رئيس الموساد: أولاً. بإعلان التعبئة العامة؛ ثانياً. لو استعنا بالأمريكيين؛ وأبلغنا السادات 
عن طريقهم أننا نعلم أنك تنوي الهجوم؛ ونحن نحذرك من ذلك» نحن في الانتظار» فلم تعد 
تملك عنصر المفاجأة» ومن الآن وحتى المساءء قد يؤتي التحذير ثماره". 

أشار رئيس الأركان ديفيد بن أليعازر إلى برقية عميل رئيس الموساد ‏ يقصد مروان ‏ قائلاً: 
البرقية محل ثقة. بالنسبة إليناء هذا تحذير مقتضب جداء لو هاجموا خلال عشر ساعات فنحن 











268 


متأهيون لأقصى درجة في الجيش النظامي» ونحن في حاجة إلى 24 ساعة على الأقل لاستدعاء 
الاحتياط. 





لا إلى استعداد إسرائيل للحرب. إنما على العكس العمل على دقع إسرائيل إلى التفرغ لعملية 
جياض ايرب عن علري تريب رخفت مهف يتنا توامل الثرات السطحة المسنرية 
والسورية معاً استعداداتها للحرب كما هو مخطط. 

ام طالب وزير الدفاع بإعلان تعبئة أفكر في الأمر وتأثيره ني 
الوضع الاقتصادي غداًء لو نشبت الحرب. اختتم وزير الدفاع المناقشة بتكليف رئيس الأركان 
بإعلان التعبثة العامة"*. 

نشر شلومو غازيت مقالاً في صحيفة هآرتس. بعنوان: «لماذا اعتمدنا على العميل المصري 
أشرف مروان؟*» في ذكرى تحرير سيناء» في 2018/4/24, قال فيه: عندما بدأت الأنباء ني 
الوصول عن تدهور محتمل يمكن أن يصل إلى حرب ‏ بداية في الجيهة السورية» وبعد ذلك 
كيف يمكن تفسير المناورة العامة للجيش المصري ‏ تجاهل النظام المعلومات التي تم 
الحصول عليها من المصادر الاستخبارية المختلفة» طالما أننا الم نسمع أي شيء من مروان”7". 

التغير كان في 4 تشرين الأول/أكتوبرء عندما تلقى الموساد برقية من مروان» طلب فيها 
الالتقاء بسرعة مع رئيس الموساد في لندن. من خلال استخدام كلمة السر التي تم الاتفاق عليها. 
مسقا للإشارة إلى أن الأمر يتعلق بحال «تهديد بشن حرب». في اليوم التالي» 5 تشرين الاول/ 
أكتوبرء وصل نبأ إلى الاستخيارات العسكرية عن إخلاء عائلات الخبراء والمستشارين 
السوفيات» من مصر وسورية» هذا النبأ أدخل أجهزة الجيش الإسرائيلي إلى حال تأهب من 
الدرجة (ج)» وهي درجة التأهب الاعلى التي عرقتها إسرائيل منذ حرب عام 911967" 

رئيس الموساد سافر في صباح اليوم التالي إلى لندنء قبل خروجه أب 
العسكرية عن اللقاء المخطط له. ولم يبلغ رئيسة الحكومة عن هدف سفره. في نفس اليوم 
وصل نبأ من مصدر (8200). عن مبادرة مشتركة» مصرية ‏ سورية لمهاجمة إسرائيل. رن 



















تقرير رئيس الموساد بعد الالتقاء مع مروان". 





(16) نرجمة الوثات السربة الأسرايلية عن حرب أكتوير 1933 (القاهرة 
(17) شلومر غازيث, الماذا اعنمدنا على العمبل المصري أشرف مروان.؛ 
(18) المصدر تقيه. 
(19) المصدر تقيهر 


ركز القومي للترجمة. 2014). 
هآرني. 298/4/34. 


269 


في الساعة الخامسة فجرا يوم 6 تشرين الأول/أكتوبرء تلقى مدير مكتب رنيس الموساد 
تقرير هاتفي من لندن. حذر من هجوم مصري ‏ سوري سيتم تنفيذه في عيد الخفران. عند حلول 
الظلام. رئيس المكتب وزع التقرير على رئيس الحكومة؛ ووزير الدفاع ورئيس الأركان» ورئيس 
الاستخبارات العسكرية. ولدهشتي. ن الذين تلقوا التقرير حالآء وتم استدعائي لجلسة 
لدى وزير الدفاع مع رئيس الأركان ورئيس الموساد. ولأنهم لم يرغبوا في إزعاج من قامت 
بالاختزال التي تعمل في المكتب في هذا الوقت المبكر (كان الوقت قبل الفجر)ء طلب مني 
تسجيل ملخص النقاش الذي جرى. لن أسهب. كان واضحاً أنه من الضروري القيا. 
قوات الاحتياط على الفورء بغرض الاستعداد في الجبهتين مع سورية ومع مصر. لقد كان 
خلاف بين رئيس الأركان ووزير الدفاع فقط بخصوص حجم القوات التي يجب تجنيدها. على 
سؤال وزير الدفاع ما هو حجم القوات المطلوبة على الفورء للدفاع» أجاب رئيس الأركان: 
فرقتان» فرقة لكل جبهة. لكن عندما طلب رئيس الأركان تعبئة فورية لكل الاحتياط» رفض وزير 
الدفاع» لأنه خاف من أن تنهم إسرائيل بالمبادرة إلى شن الحرب. بعد ساعة صادقت ريسة 
الحكومة ماتير على طلب رئيس الاركان القيام بالتعبئة الشاملة. رغم أنها لم توافق على طلبه 
القيام بضربة استباقية. 

وبعد أن استّدعي الوزراء من إجازاتهم. اجتمع مجلس الوزراء مكتملاً في الساعة الثانية 
عشرة ظهراً وبينما كانوا يناقشون احتمال وقوع الحرب في المساءء تم إبلاغهم أن الحرب قامت 
بالفعل؛ «قبل ساعات معدودة من ساعة الصفر التي أبلغ عنها العميل المصري. بدأ هجوم 
مشترك. للاسف هذا حدث قبل ساعات من تجنيد الاحتياط. واستعداده للدفاع. بدون علاقة 
بهذه المسألة فإن كثيرين في الجيش الإسرائيلي لم يستعدوا كما يجب لحال التأهب (ج). التي 
أعلن عنها رئيس الاركان قبل ذلك ييوم. وكان هناك وحدات في خط الجبهة, التي تصرفت يعدم 
مسؤولية. وواصلت اجواء الراحة والروتين». 

وتكشف الوثائق أنه في جلسة مشاورات اليوم الثاني للحرب بمكتب رنيسة الوزراء: قالت 
مائير: يجب أن نبلغ كيسنجر أن الأوضاع سيئة. وقال إسحاق رابين: لقد عبر المصريون. 
وأصبحوا يسيطرون بقوات المشاة وأسلحتهم المضادة للديابات على طول خط القناة بنقاطه 
الحصيئة. 


وفي جلسة مشاورات مساء نفس اليوم حضر وزير الدفاع وقال: «إنني لم أقدر جيداً قرة 
العدو ولا قدرته القتالية» بينما بالغت في تمجيد قواتنا وقدرتها على الصمود, إنهم يقاتلون 
بشكل أفضلء ويصيبون دباباتنا بأسلحة خاصة؛ وتكيدنا مئات الخسائر في الأرواح؛ بينما 1000 
ماسورة مدفع مكنت الدبابات من العبورء وحالوا دون اقترابنا». 


















2 


كما ينبغي أن يوضع في الاعتد بارء على الجبهة الأخرىء أنه في الساعة الواحدة والنصف من 
بعد ظهر يوم 6 تشرين الأول /أكتوبر أغلقت كافة الأبواب المصفحة في المركز رقم 10*» مقر 
القوات المسلحة المصرية؛ وتوجه اللواء الجمسي رئيس هيئة العمليات إلى السادات 
قائلاً: «سيادة الرئيس لقد سبق السيف العذل: أي أن معرقة إسرائيل بأمر الحرب في ذلك 
الوقت لن تؤثر في شيء. وللعلم كان الخطر الوحيد هو قيام إسرائيل بضربة إجهاض بلاحها 
الجوي» لكن مثل هذا الاحتمال لا يضع في حسابه حائط الصواريخ المنيع بامتداد الجبهة على 
طول قناة السويسء الذي أثبت فعاليته الهائلة عندما انطلق هجوم الطيران الإسرائيلي. 

هنا تنبغي الإشارة إلى أن السادات كان قد كرّم مروان. ومنحه أكبر وسام عسكري مصري. 
بالإشارة إلى دوره في حرب تشرين الأول /أكتوبر عام 01973 عندما ترا منصب مدير مكتب 
الرئيس لشؤون المعلومات؛ وتولى رئاسة «الهيئة العربية للتصنيع العسكري». 

وبعد مصرع مروان بلندن أصدر الرئيس مبارك بياناً رسمياً أكد فيه أن مروان «كان وطناً 
مخلصاً. وأدى العديد من الأعمال الوطنية» وأنه لم يحن الوقت للكشف عنهاء. كما شارك نجله 
جمال مبارك في مقدمة الصفوف الأولى في الجنازة العسكرية التي حظي بها كمزيد من 
التكريم؛ التي حضرها أيضاً كبار رجال الدولة» وعدد من قيادات الاستخبارات المصرية. 
وشيعت الجنازة من مسجد عمر مكرم الشهير في قلب القاهرة» حيث أقيمت صلاة التي 
أنها شيخ الأزهرء وهي أمور لها مغزاها. لكن مبارك رفض طلباً أعرب عنه هيكل؛ بضرورة إجراء 
تحقيق رسميء على أعلى مستوى. في ما يتردد عن علاقة مروان بالموساد. 

اعتبر البعض التكريم في الحياة وبعد الوفاة بمثابة إقرار رسمي ببراءة مروان من تهم 
الجاسوسية لمصلحة إسرائيل» فضلا عن مصاهرته جمال عبد الناصرء الذي اعتبر بمثابة درع 
واق ضد السقوط في بثر الخيانة والعمالة, ما حاول مروان نفه إثباته خلال لقائه هيكل بلندنء 
حيث أخرج له قصاصة من الورق كانت منشورة في صحيفة الأهرام تحمل خبر تكريم السادات 
اله وهو ما لم يقتنع به هيكل في سرده المثير عن مروان وتفاصيل لقانهما معاء كما ورد في 
كتابه: مبارك وزمائه من المنصة إلى الميدان. 

وقد أخبرني هيكل شخصياً عن لقاء مطول بينه وبين أشرف مروان بلندن: قائلاً إن أشرف 
مروان بادر إلى مد يده إلى الجيب الداخلي لجاكسه» وأخرج منها ورقة؛ وكانت قصاصة من 
جريدة الأهرام» ن السادات في تكريم أشرف مروان» عندما ترك منصبه 
في رناسة الجمهورية؛ إلى رناسة الهيئة اللصناعات العسكرية» ونظرت في القصاصة ثم 
طويتها وناولتها الاشرف». وسألني: األا تكفيك شهادة أنور السادات حين يقول إنني قدمت 
خدمات كبيرة لمصر؟!!». وقلت لأشرف صراحة: إن ما قرأته منسوباً للرئيس أنور السادات 
لا يجيب عن سؤاليء وأنه يعرف قيمة أي كلام مرسل مما يقال في المناسبات. وعلى أية حال 






























2 


فإنه إذا رأى أن يكتفي به فهذا حقه. وأما بالنسبة لي فإنه ببساطة لا يكفي. إن ما نحن بصدده 
الايمكن الرد عليه إلا بما هو واضح ومحدد وقابل للإقناع». وتابع: «بدا عليه الحرج وسألني: 
«هل تتصور أن صهر جمال عبد الناصر جاسوسء وأنت كنت أقرب الأصدقاء إليه وتعرقه»ى. 
وقلت بصراحة: «دعني أكون واضحاً معك. لا شهادة حسن سير وسلوك 
ولا صلة مصاهرة مع جمال عبد الناصر تعطيان عصمة لأحد. نحن أمام مشكلة 
«لسوء الحظ دخل عليئا 
في الفندق «خالد عبد الناصر». بينما مروان يوشك أن يتابع؛ وهكذا غيّرنا الموضوعء ثم خرجا 
معاً حسب ترة بينهماء وفي اليوم التالي سقط مروان 

كذلك فإن «لجنة أغرانات»؛ التي تولت التحقيق الرسمي في «التقصير» الإسرائيلي في حرب. 
عام 1973 لم تشر لاامن قريب ولا من بعيد إلى «قصة الملاك» حتى بدون الإشارة إلى "مصدر 
المعلومات». التي كانت كفيلة في حال صحتها بإحال العديد من المسؤولين الإسراتيليين إلى 
المحاكمة؛ طالما كانت لديهم هذه «المعلومات» التي أمدَّهم بها «الملاك» في شأن اندلا 
القتال في الساعة السادسة من مساء يوم 6 ت* تشرين الاو ل/أكتوبر عام 01973 وبخاصة إذا وضع 
في الاعتبار مكان ومكانة وحساسية «مصدر المعلومات»» الذي تشير «التسريبات» التي تم 
ترويجها إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية قد تمكنت من » منذ عام 1969! 

يشير محمد السيد صالح إلى أنه فور وقاة أشرف مروان الخامضة. في حزيران/يونيو 2007 
اثار جدل حول نفس الإشكاا اسوس' أم «وطني شريف؟؟ كانت الصحافة أكثر جرأة مما 
هي عليه الآن. اجتهدت الفضانيات. الكل أدلى بدلوه» قصص وحوارات من القاهرة ولندن»ء 
وعواصم غربية حول نفس القضية. وأنه حاول يومها أن يصل إلى شخصية مختلفة» لديها قول 
قصل في هذا الأمر. 

وعنما سأل أمين هويدي. وزير الحربية ورئيس الاستخبارات العامة الأسبق. قال: ٠لا‏ توجد 
ورقة واحدة في الاستخبارات العامة في شأن مروان» أما وإن كان مبارك قد شهد له بالوطنية 
تيسأل عن ذلك» وقد تكون لديه دلائل وقرائن على ذلك. فقد كان نائباً للرئيس السادات لنحو 
ست سنوات. وقد تكون من مهامه الاطلاع على ملفات حساسة 

أما اللواء فؤاد نصارء رنيس الاستخبارات العامة الأسبق» فقد شرح رأيه بالتفصيل في ما 
يتعلق بشهادة مبارك بوطنية مروان؛ قائلاً: مبارك رجل عسكري. يعرف ما يقوله بهذا الشأن. وإن 
كان قد قالها ولو بشكل مقتضب. فإن لديه الدليل على ذلك. وأضاف: إن السادات كان لديه ما 
يشبه وحدة استتخبارات خخاصة يديرها من الرئاسة» وأنها أحياناً كانت تقوم بتكليفات خاصة دون 
أن تدري الاستخبارات العامة عنها شيئاً. كان السادات مؤمناً بتوزيع الأدوار. كان يتخيّر رجاله 
في شخصيات بعينها كان يكلفهم بمهام خاصة؛ ويعودون إليه 











































ملف أشرف مروان. 





بعناية فائقة؛ وعندما يضع 


22 


شخصياً. في مرحلة تالية كان نانب الرئيس مبارك على صلة بالملفات الاستراتيجية التي يحركها 
السادات بنفه.ء ولذلك فطالما أنه قد شهد لمروان فإن لديه ما يؤكد أنه كان وطنياً عن حق». 

ويلاحظ صالح إن كثيراً من الأجهزة الوطنية» خلال سنوات التحضير للحرب وحتى نهاية 
عصر السادات؛ عمل في مهام متعلقة بجمع المعلومات. كان مديروها لهم خط اتصال مفتوح 
بالرناسة. فسأل علي السمان عن ذلك. وهو خير تجيد لما أقصده في هذا المجال؛ قال لي: 
«كنا نرسل تقاريرنا إلى الرئيس... والمسؤول عن هذه الخطوط المفتوحة كان الرئيس». 
سمعت شهادة متطابقة من مرسي سعد الدينء أن خطوطهم كانت مفتوحة مع السادات ونائيه. 
ويعقّب صالح: رغم يقيني أن مروان كان يتعامل مع السادات مباشرة؛ وأنه لعب دور العميل 
المزدوج بمهارة. وساعد في ترسيخ «الخداع الاستراتيجي» لإسرائيل: وإقناع قادة أجهزتها 
الاستخباراتية بعدم جاهزية مصر للحرب. إلا أنه ينبغي أن نصدق ونحلل ما قاله اللواء 
عبد السلام المحجوب. نائب مدير الاستخبارات العامة الأسبق. من أنه تولى تدريب مروان 
على القيام بعمله مع الإسرائيليين» كما ذكر أن من كان يتعامل مع مروان من الجانب الإسرائيلي 
هو ضابط التشغيل رافي ان. وتلك هي المرة الأولى التي يعلن فيها ذلك الاسم. وأنه مستعد 
المناظرة علنية مع هذا الضابط الإسرائيلي الذي كان مسؤولا عن التعامل مع مروان. ثم مرت 
شهور طويلة على هذه الدعوة» لكن الرجل لم يستجب لذلك التحدي؛ بل ولم يتطوع أي أحد 
بقبول هذا التحدي من الموساد نيابة عنه. وختم المحجوب: «سنتحدث في الوقت المناسب»! 
والأهم في شأن هذا الرجل أن لديه رواية فاصلة حول مروان. وهذا وقتها للظهور للنور. 

ويختتم صالح قائلاً: إن هذه التصريحات عمرها عشر سنوات تقريباً. كانت وقتها لدينا 
حرية نسبية في الحصول على تصريحات ومعلومات من قيادات الجهاز السابقين» لكن القانون 
الرقم (100) استخبارات» فرض العديد من القيود بهذا الصدد. ما جعل الصمت التام مفروضاً 
على الجميع. لكن في المقابل ينبغي أن نشجع هؤلاء القادة العظماء على الحديث؛ حتى نعطي 
النموذج في العطاء للجيل الجديد؛ ونخرج بعضهم من حال الإحباط العام؛ ويأننا بلا إنجازات 
أو بطولات9*, 

الواجب هو تقديم رواية وطنية مصرية؛ ودعمها بشهادة زاعيراء التي قال فيها إن مروان قد 
تلاعب بإسرائيل؛ وأهان استخباراتها ومؤسساتها لمصلحة مصر... وإن مصر تستحق وساماً 
على نجاحها في استخدام مروان لتضليل إسرائيل. ودعمها كذلك بشهادة الرئيسين السادات 
ومبارك؛ في شأن الدور الوطني الذي قدمه مروان. فضلاً عن الصلة القوية التي ربطته طوال 
الوقت مع مدير الاستخبارات المصرية الاسبق عمر سليمان. 























(30) محمد السيد صالح. 





ات السبت. الشروق. 2018/9/12. 


21 


ج - حقيقة المفاجأة الاستراتيجية 


لاشك في أنه من دواعي الفخر والاعشزاز أن تجري الإشادة 
الاستراتيجيء التي وضعتها الاستخبارات المصرية» في تضليل إسرائيل في 8 
وموعد يدء لقا نكن ل هلا هر دامع اميت إلا أل بطل م كلا يجري على الي 
الإسرائيلية من مناقشات واستعدادات قبل أيام من اندلاع القتال» كما أنه يغفل حق هؤلاء الرجال 
الأبطال. من المصريين والسوريين» الذين واجهوا عدواً شرساً. كان يعلم بما يراه أمامه رؤى 
العين من استعدادات؛ وإن كان غير متأكد من نياتها أو مدى جديتها. كما 
قول رئيس الاستخبارات الإسرائ 
انعلمهاء كل شيء جاهزء لكن المصريين يعلمون أنهم سييخسرون الحرب. والسادات في وضع 
الايضطره إلى ذلكء كما أنه يعلم أن ميزان القوى لم يتحسن لمصلحة بلاده». كما أضاف 
صراحة في شأن عنصر المفاجأة: «لو استعنا بالأمريكيين. وأبلغنا السادات عن طريقهم أننا نعلم 
أنك تنوي الهجوم. ونحن نحذرك من ذلك؛ نحن في الانتظارء فلم تعد تملك عنصر المفاجأة 
ومن الآن وحتى المساء. قد يؤتي التحذير ثماره. 

وليس أفضل من الوثائق الإسرائيلية في هذا المجال. ولقد سبقت الإشارة إلى أبرز ما جاء 
في محاضر اجتماعات المجموعة الوزارية لإدارة الحرب بين يومي 6 و9 تشرين الأول /أكتوبر 
عام 1973. وهي المجموعة الأولى من الوثائق التي أفرجت عنها الحكومة الإسرائيلية عام 2013 
في الذكرى الأربعين للحرب. أما المجموعة الثانية من الوثائق فتضم شهادات المسؤولين 
والسياسين والعسكريين والقادة الميدانيين أمام «لجنة أغرانات»» التي تشكلت بعد الحرب» 
اللتحقيق في أسباب التقصير الذي أدى إلى الهزيمة؛ وتحديد المسؤولين عنها"*. 

وكان التحقيق مع دايان, مشلا يدور حول سؤالين جرى طرحهما على الجميع: الأوله 
المعلومات التي توافرت لديك منذ يوم 1973/9/13 عندما أسقطت إسرائيل طائرة سورية. حول 
مساعي «العدوء ونياته لشن الحرب؛ وكذلك تقديرات الموقف. والقرارات التي اتخذت في هذا 
الشأن؛ الثاني. هو استعداد الجيش الإسرائيلي. والخطوات التي انخذت في هذا الشأن منذ يوم 
3 حتى يوم 1973/10/6 بوجه عامء خلافاً لتقديرات الموقفء طبقاً للخطط العامة 
التي كانت لدى الجيش الإسرائيلي. 

وكان من إجابة دايان: أنه يأخذ معلوماته من الاستخبارات العسكرية والاستخيارات» وقد 
اعتقدت الاستخبارات العسكرية والموساد على حد سواء أنه لن تقع حرب؛ وأن المصريين 
حتى اليومين الأخيرين والسوريين لا يتجهون لشن حرب. واعتقد الأمريكيون؛ في فترة معينة» 























(21) ثرجمة الوثائق السرية الإسرائبلية عن حرب أكتوير 1973. 


24 


أن المصريين يتأهيون لحرب, لكنهم تراجعوا عن ذلك؛ وقالوا إن ما يحدث في مصر تدريباً 
عسكرياً. وليس استعداداً لحرب حقيقية. 

كما يدور حديت ظزيل عول العيل الهام اللي الثقاة ريسن السرباة سام الجسة في 
الندن» وحذر من وقوع الحرب. لكن تم حذف اسمه. فرغم مرور أربعين عاماً على الحرب إلا 
أن لحظة الإفراج عن هذه الوثائق لم تأت بعد إلا أن لدى إسرائيل ما تخفيه من أسرارء وتخشى 
أن يؤثر في أمنها القومي حتى هذه ١‏ 
ذ شهر تموز/يوليو كانت هناك إنذارات بالحرب؟ 
: أعتقد أنه أساساً بدءاً من نيسان/أبريل شعرت أنهم ذاهيون للحرب. في مثل هذا 
التاريخ أو تاريخ آخر, التواريخ كانت غير مستقرة. ومن حين لآخر حددوا تواريخ لم تصدقء 
وحتى صباح يوم الحرب رب لم أكن متأكداً أنه هو اليوم المقصود بالحرب حقاً. 

وفي موضع آخر يقول دايان إن رئيس الاستخبارات العسكرية عنده معضلة في فهم رسالة 
العميل بوم 5 ت تشرين الأول/أكتوبرء وفهم نوعية هذه المناورة» هل هذه مناورة أم لا هل هي 

ناورة فنية؟ أم مناورة من هذا النوع أم ذاك؟؛ وقد قال مرتين إن لديه تساؤلات 

ية هذه المناورة» وليس هل هذه مناورة أم لا؟ وعدد المناورات المختلفة التي لا يمكنه 
التعرف عليهاء لكي يقرر أي نوع تلك التي جرت يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر. 

وللعلم فإن شهادة زاعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية قد ذهبت إلى حد اتهام الموساد بأن 
ما كان يعتبره أهم جاسوس له في مصرء كان في الواقع مجرد طعم ابتلعه. وتسبب في ضرر بالغ 
لإسرائيل. وقد روج زاعيراء حتى وقت قريب في كل أحاديثه أن الموساد ورّط إسرائيل في أكبر 
عملية خداع قام بها المصريون ضدها بإجادتهم تشغيل مروان كعميل مزدوج. موت مروان 
المفاجئ حدث بعد أسبوعين من الإعلان الرسمي عن أنه عميل للموساد. وللمرة الأولى التي 
يتم الإعلان فيها عن أحد عملاء الموساد صراحة. وهي المرة الأولى التي تحدث في تاريخ 
دولة إسرائيل: حيث يتم الكشف عن جاسوس «خان وطنه» لمصلحة إسرائيل: حيث كان هو 
المصدر الأفضل لدولة إسرائيل؛ والسؤال هو لماذا تم الكشف عنه والإعلان عن سره؟ لماذا تم 
الكشف عن معلومات تسم يكل هذا القدر من السرية؟ ومن الذي باء؟ ومن الذي تسيب في 
قتله؟ 

















فهل كان مروان طعماً استخبارتياً مصرياً حركه السادات لتنويم القيادات الإسرائيلية وشل 
حركتهاء استطاع إقناعها أن مصر لن تتخذ قراراً بالحرب إلى أن تحصل من الاتحاد السوفياتي 
على قاذفات (طائرات) بعيدة المدى. وصواريخ بعيدة المدى من طراز «سكود»؛ تهدد العمق 
الإسرائيلي؟ ولا شك في أن مساهمة مروان في غرس هذه الفكرة كانت حاسمة: يقول أهارون 


275 


زائيفي لواء احتياط ورئيس سابق للاستخبارات العسكرية: حينما تتملكنا فكرة لفترة طويلة 
ونصدقها لانستطيع بعد فترة رؤية الواقع. حتى ولو كان جلياً. إن السادات كان يريد سيناء» 
وإسرائيل تحاقظ على توازنها بالحصول على معلومات من عميلهاء فهو الوحيد الذي يستطيع 
انقاذ ما يريده السادات من أيدي الإسرائيليين. 

وتذكر الوثائق أن مائير قالت أمام لجنة أغرانات: إن الاستخبارات العسكرية فسرت رفع 
الاستعداد في الجيش المصري بأنه نتيجة تخوف من شن عملية إسرائيلية؛ وعندما زاد التأهب 
في الأيام الأخيرة فإن ذلك كان بهدف امتصاص الهجوم المتوقع. وذكرت ذلك نشرة 
الاستخبارات العسكرية عندما كنت متوجهة إلى ستراسبورغ يوم 30 أيلول/سبتمبر. «وعندما 
عدت مساء الثلاثاء الثاني من تشرين الثاني /أكتوبر قابلني وزير الدفاع في ركن ما بالمطار. 
وطلب عقد لقاء لأنه يريد أن يبلغ عن تطورات على الجبهات. فحددنا اليوم التالي الأربعاء». 

وفي تبريرها لما حدث تقول مائير: «إن السادات أقل من ناصر في كل شيء؛ ورغم ذلك 
أصبح يتخذ كل القرارات وحده؛ وكل شيء مركز في يده الآن» فهو قرر طرد الروس من مصرء 
ولم يكن هذا منطقياً مطلقاً لكن ذات صباح يوم صاف. قام ولم يسأل أحد. وقال للمستشارين 
الروس: عودوا إلى بلدكم؟. يخيل إلى أننا مضطرون إلى أن نكون مستعدين لاشياء غير منطقية. 
لكن دون أن نصاب بذعرء نحن لا نعيش من أمس في هذه البيثة» والجيران هم أيضاً هكذاء 
لايفعلون دائماً أشياء منطقية» هم ليسوا دائماً منطقيين, لكن هل هذا مهم أن حرباً تندلع لكونها 
منطقية أو غير منطقية؟ لكنها تكون حرباً بعد أن تندلع؛ ثم يكون لها بعد ذلك منطقها الخاص 
بها 

إن الاستخبارات العسكرية قالت إن ما يحدث تشكيل دفاعي. لكن طبقاً للمدرسة السوفياتية 
فإن ذلك التشكيل يمكن أن يتحول على الفور للهجوم, ويما أنني لم أكن رئيس أركان قط 
فإنني لم أعرف ما التشكيل الدفاعي وغير الدفاعي. وذات يوم صاف. جاء الناسء وقالوا أنهم 
غيروا التشكيل؛ وأنه هجوميء هم لم يقولوا إنهم ليست لديهم القدرة. فكل شيء معد وهم 
قادرون على فعل ذلك. لكن ليس من المنطقي أن يفعلوا. 

فى اجتماع يوم الأربعاء 3 تشرين الأول/أكتوبر لم يكن هناك شيء غير الضغط على الولايات 
المتحدة ليرسلوا لنا ما هو ضروريء لكن السبت 6 تشرين الأول/أكتوبر حضر وزير الدفاع» 
ومعه رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية, الذي قال إن هناك متغيراً مقلقاً وهو 
مغادرة الأسر الروسية من مصر وسورية. 


- هل أبلفكم أيضاً أن رئيس الموساد تلقى معلومة تحذيرية؟ 


















26 


صحيح.. لم أعرف أنه غادر لكنه تلقى استدعاة عاجلاً وعرفنا أنه غادر لمقابلة مصدر... 
الاسم محذوف. 

- رئيس الموساد سافر فجراً بعد أن استدعاه صديقه على عجل في شأن تحذيري. 

أريد أن أسألك: هل هو خاضع لك مباشرة؟ هو تلقى هذه المعلومة» بحسب ما نعرف الآن» 
في منتصف الليل» وتشاور هاتفيا مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية» وأجريا كل أنواع 
ات. ثم غادرء هل هذا على ما يرام أنه لم يبلغنك؟ 

مائير: الح في تلك اللحظة غضبت قليلاً. لكن الغضب سرعان ما تلاشىء لأن هذا 
لا يحدث دائماًء ومنذ اجتماع الأربعاء لم أكن مطمئنة: لكن لم أعتقد أن في وسعي أن أتجادل 
مع مسؤول شعبة الاستخبارات؛ ومع رئيس الأركان. 

وفي موضع آخخرء تقول مائير: أريد أن أعترف بجرم اقترفته. في حق هذا المصدر طوال كل 
قلت لرئيس الموساد: هل تثق به؟» وبما أنني لست محترفة» فقد كنت أفكر 
طوال الوقت ربما هذه معلومات مضللة في كثير من الحالات؛ لكن مع هذا أخذنا هذا المصدر 
على محمل الجد. 
سألوهاء في جلسة سرية بلجنة أغرانات في الهزيمة: لماذا لم ترفعي حال الطوارئ» 

لتعبئة العامة خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول /أكتوبرء بعد أن لاحظتٍ الحشود 

تتجمع منذ يوم 13 أيلول اسبتميرء والحشود المصرية التي تلتها اعتباراً من 
هذا بالفعل في أيار/مايوء عام 1973 عندما 

















0 في أيار/مايوء قدمت تقديراً 
السادات لن يحارب» وأن الحشود المصرية مجرد مشاورة. 
وافقت على طلب رئيس الأركان بإعلان الطوارئ واستدعاء الاحتياط. بعد هذا المجهود 
والتكاليف. التي بلغت ستين مليون ليرة إسرائيلية. ت لها أن رئيس الاستخبارات العسكرية» 





ذلك تقول مائير إنها تلقت في أيلول اسبتمبر وتشرين الأول /أكتوبر تقديرات 
الاستخبارات؛ الذي أصبح محل بأن احتمال قيام المصريين والسوريين بشن حرب 
احتمال أقل من ضعيف. وبالتالي فقد استندت إلى تقدير الاستخبارا. 

هنا فاجأها أحد أعضاء لجنة التحقيق بسؤال قائلاً: ولكنك رنيسة الوزراء وصاحبة القرار. 
فلماذا لم تتخذي الإجراء اللازم؟! هنا اضطرت مائير إلى الاعتراف المذهل الذي قالت فيه: 
«لقد كانت عندنا صورة عن شخصية السادات تفيد بأنه رجل هزلي يدعو للسخرية وغير جاد في 






27 


أقوالهء وكان يضحك على شعبه دون خجلء فيعد بالحرب ولا ينفذ دون حياء وكان إذا شعر 
بأن جيشه يتململ يقوم بإشغاله. بدفعه إلى مناورة على الجبهة لإلهاء الجنود والضباط» 
وأضافت: «كانت كل المصادر تؤكد لنا هذه الصورة؛ وكنا نتندر عليه في مجلس الوزراه. أما 
الآن. فأنا مديئة له باعتذار أمامكمء فلقد نجح في خداعي وخداع جميع القادة». 

وتقول عدت إلى البيت يوم الجمعة. عشية يوم الخفرانء ٠‏ مطمئئة تماماًء كان لدي ضيوف 
اسابقاً لشعية الاستخبارات العسكرية» وقلت له 
إن الفارق بيني وبينك» أنني عدت إلى البيث غير مطمئئة. ولم أستعد الطمأنيئة حتى الآنء أنا 
لا استطيع منذ الحرب» ولم أستطع إن كانت لدي تقديرات» القول أن هذا مذنبء وأنا لا من 
الصعب بالنسبة إلي أن أمشي في هذا الطريق السهل. وتذ لد معزي لوالا ما امن 










اشأن بطولة القوات المسلحة المصرية والسورية ‏ من ناحية» وسجل المناقشات والاستعدادات 
التي كانت جارية في صفوف القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية: التي دعمها بلاغ 
مروان ‏ من ناحية أخرى. كان من المستحيل إخفاء تحركات ما لا يقل عن مئة ألف مقاتل على 
الجبهة المصرية» حين يعمدون. حسب الاصطلاح العسكري. إلى «الفتح للهجوم؟: فيخرجون 
حجماً من الاسلحة والمعدات من مخابثها ومن مواقعها لا يسهل تتخيّله وبخاصة إذا وضع في 
الاعتبار ما أشارت إليه ماثير من أن المدرسة العسكرية السوفياتية يمكن أن تتحول من حال 
الدفاع إلى وضع الهجوم على الفورء وأن القوات الإسرائيلية لا تبعد عنها سوى 200 متر. 

في الرواية الإسرائيلية تظهر الموساد وكأنها تعمل وحدها في الساحة وكأنه لا يوجد أمامها 
استخبارات أخرى» في مصر ولا في دول أخرى. هى حال من «السوبرمانية» الاستخبارية» التي 
تكون لدى الاستخبارات من الثقة في الذات ما يكفي لكي تؤسس 
على إجراء وسلوك من الجودة العظمى» يستحيل أن يكون : 
عندما اتصل مروان بالسقارة الإسرائيلية في لندن. كان الإجراء بسيطا جداء ومستوفيا الشروطه 
زوج بنت «الرئيس العظيم» يقدم عرضا بنقل المعلومات عن مصر مقابل المال. لم تكن لقصة 
أخرى أن تمر على الاستخبارات الإسرائيلية» وبخاصة أن الاستخبارات المصرية استُخدمت من 
























2 






قبل وسائل أخرى لدس أشخاص داخل المجتمع الإء 
كانت الخطوة بهذا الشكل في نفس المستوى من العبقرية التي كانت لخطة عبور 3١‏ 
تشرين الأول /أكتوبرء الأولى قامت بها الاستخبارات» والثانية قامت بها القوات الملحة» 
والهدف زرع مجموعة من المفاهيم التي تجعل الموساد, وغيره من أجهزة الاستخبارات والقيادة 
الإسرائيلية كلهاء تعتقد عن يقين أن مصر لن تحارب لتحرير أرضها أب 

لا شك في أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد كوّنت مجموعة من المفاهيم التي تجعلها 
جاهزة لكي تتلقى المفاهيم الجديدة التي قدمها لها مروان. المفهوم الأول. أن هزيمة عام 1967 
قد قصمت ظهر القيادة المصرية؛ بل مصر كلهاء بحيث لن تكون مستعدة للحرب مرة أخرى. 
ونتيجة لذلك فإن التحليل الإسرائيلي للمقاومة المصرية في رأس العش قبل نهاية شهر حزيران/ 
يونيو عام 1967 وتدمير المدمرة إيلات» وحتى حرب الاستنزاف» لم تكن أكثر من «حلاوة 
الروح» أو محاولة إرضاء الجبهة الداخلية. المفهوم الثاني؛ نتج من الصورة المأسوية لحرب 
حزيران/يونيوء وهو أن الجندي المصري غير قادر على القتال» وإذا قاتل فإنه سرعان ما ينهار. 
إسرائيل لم تكن تحتاج إلى معلومة مروان بموعد الحربء ولا إلى المعلومة ذاتها 
عندما جاءتها من مصادر عربية: لأن عملية الحشد المصري الهائل لم يكن من الممكن إخفاؤها 
بشكل مطلقء وبخاصة مع الساعات الأخيرة عندما اندفعت الجسور إلى المقدمة تمهيداً للعبور. 
كانت لدى إسرائيل معلومات كاملة عن تحركات القوات المصرية؛ لأنها كانت تجري تحت 
سمعها وبصرهاء لكن كل المعلومات جرى استبعادهاء وقبول ما وصل إلى القيادة الإسرائيلية 
من أنها مجرد مناورات مصرية للتدريب» وشغل القوات. لم تكن إسرائيل تدري الفارق بين 
الجيش الذي حاربته عام 1967 والجيش الذي سوف تحاربه بعد أيام. 

في إسرائيل كان انتقال مروان من رنيس إلى آخر دليلاً على مهاراته وقدراته لكي يأتي لهم 
بالمعلومات؛ وليس لأنه في الدولة المصرية فإن الملفات المهمة. والخاصة بالأمن القومي. 

































تتفل بأمانة من رئيس إلى آخرء ومن جمال عبد الناصر إلى أنور السادات. وفي إطار «خطة 
الخداع الاستراتيجي» كانت هناك فرضيات متعددة. من 





أراضيها المحتلة من قناة السويس حتى الحدود الدولية؛ ولذلك فإن مصر لا تستطيع أن تحارب 
ما لم تكن في حال من التكافؤ الاستراتيجي. الذي لا يتحقق إلا بوجود «سلاح رادع»؛ ومكافئن 
للاسلحة الاستراتيجية الإسرائيلية» وبخاصة في الطيران. وكان ذلك هو ما باعه مروان إلى 
الإسرائيليين؛ فقد بات ما يبحث عنه الإسرائيليون هو المدى الذ: 
الحصول على «سلاح الردع»؛ وما لم يكن يعرفونه هو أن الاستراتب 











(2) عبد المنعم سعيد, «أشرف مروان..!.؛ اللمصري البوم. 3018/9/18. 


29 


إلى استراتيجية أخرى هي «الحرب المحدودة»» وفي هذه الحرب فإن مصر تكثف خخططها على 
قدر ما لديها من أسلحة؛ وتؤدى معركة تكفي لخلق موقف دولي وإقليمي لبده عملية تحرير 
الأرض المصرية المحتلة كلها بالقوة والدبلوماسية معاً. هذا «المفهوم» الذي غرسه مروان 
بمهارة شديدة هو الذي أعطى القوات المصرية الوقت الكافي للعبور» ويخسائر معدودة» لآن 
دايان» حتى بعد أن عرف بالموعد الذي قدره لهم مروان. ظل رافضاً إعلان التعبثة العامة؛ التي 
لم تيدأ حتى الساعة التاسعة من صباح 6 تشرين الاول/أكتوبر.. كان هذا «المفهوم' ذاته هو 
الذي سيّب المفاجأة للولايات المتحدة» بعد أن باعته إسرائيل إلى واشنطن على أنه الحقيقة 
المقدسة. 

هي مباراة من جانب واحدء تسجل فيها إسرائيل الأهداف كما يتراءى لهاء وفي الوقت الذي 
تحدده. لم يشغل بال الموساد أن مروان كان هو الذي أجرى صفقة طيران الميراج مع ليبياء 
وكان على صلة بأجهزة متعددة فرنسية وبريطائية وإيطالية» وعدد من الاستخبارات العربية أيضاً. 
دته إلا إذا كان يربطها خيط واحد من السرية 











من ثم فإن إدراك مسألة مروان بدقة إنما يقتضي وضعها في إطار «المفاجأة الاستراتيجية» 
التي حققتها مصر وسورية» في حرب تشرين الأول /أكتوبر 001973 

كتب الباحث الإسرائيلي آفي شليم» في دراسة شاملة نشرت عام 21975 يعنوان: 
تقديرات الاستخبارات الوه ال حرب يوم الغفران» أن «التاريخ العسكرة 
الحالات المتمائلة لكمال المفاجأة الاستراتيجية, التي حففتها مصر وسورية في 6 تشرين الاول/ 
أكتوير 1973». 

وفي مذكراته ذكر نيكسون أن «أنباء الهجوم الوشيك على إسرائيل أخذتنا بالمفاجأة بشكل 
كامل». وفي مذكراته سنوات القلاقل كتب هنري كيسنجر وزير الخارجية «أن الهجوم المصري 
السوري كان مفاجأة استراتيجية وتكتيكية «كلاسيكية»: حيث نتجت من «سوء تفسير الحقائق 
التي كانت متاحة للجميع لكي يرونها' 

وفي دراسة أجراها مجمع أجهزة الاستخبارات الأمريكية عام 21975 بعد الحرب» ذكرت أن 
الهجوم على إسرائيل كان مفاجأة «كلاسيكية». حيث نجمت أولاً عن وجود معلومات كافية 
ودقيقة. وثانياً فشل تحليل هذه المعلومات بدقة بسبب مفاهيم مسبقة. هذا التشديد على كلمة 
«الكلاسيكية» في التعبير عما جرى في تشرين الأول /أكتوبر عام 1973 كان وضعاً للحرب في 


















(23) اعتمد العرض التالي على المصدر الآثي: عبد المنعم سعيد. «المفاجأة الاسترائيجية:؛ المصري البوي. 
5و0 


20 


سياقها التاريخي لعشرات الحروب التي جرت دراستها من زاوية عنصر «المفاجأة»؛ وتناولت 
العلاقة بين المعلومات المتاحة والمفاهيم والمدركات التي جعلت التفسير غير دقيق؛ وفي 
أغلب الأحوال تجعله مستقراً داخل ما جرى الاستقرار عليه. وفي عام 1977 كتب مايكل هاندل 
عن #حرب يوم الغفران وحتمية المفاجأة». 

في كتاب نشر عام 1962 عن جامعة ستانفورد الأمريكية؛ بعنوان بيرل هاربر: التحذير والقرار. 
تناول المؤلف روبرتا هولستتر هذه العلاقة بين المعلومات وتفسيرهاء في ما خص الهجوم 
الياباني على بيرل هاربرء وهو الهجوم الذي جرى على جواهر الأسطول الأمريكي؛ وبعده لم 
تجد الولايات المتحدة بدا سوى الدخول في الحرب العالمية الثانية. الأطروحة الأساسية في 








هذا الكتاب كانت أن المفاجأة لم تحدث نتيجة نقص في المعلومات» إنما في سوء إدراكها؛؟ 
وهو ما حدث نتيجة «الإشارات» ‏ أي العلامات واللافتات والبراهين التي تقول شيئاً ما عن نوع 
من الخطرء أو النيات الخاصة به و«الضوضاء الخلفية» ‏ التي هي نوع آخر من الإشارات التي 


تتناقض مع الإشارات الأخرى. 

كتب بارتون ويلي في عام 1973 عن «العملية بارباروسا": الغزو الألماتي لروسيا في الحرب 
العالمية الثانية؛ وقد ميز ما بين المعلومات غير ذات القيمة» التي تعقد عملية تحليل المعلومات. 
وتجعلها دون جدوىء والمعلومات المدسوسة عمداً من قبل الخصم لكي تضلل الطرف 
المعنى. 

وفي الدراسة الشاملة التي أعدها ألكسندر جورج وريتشارد سموك عام 1974. عن الردع في 
السياسة الخارجية الأمريكية. جرى التميز ما بين «البيئة النفسية» للقرار. و«البيئة العملياتية له 
وحذروا بشدة من أخطار التحيزات العرقية. وبينما أكد هولسحر أن مفاجأة بيرل هار 
بسبب الميل الإنساني لرؤية ما نريد أن نراه أو نتوقع رؤيته. فإن جورج وسموك قدّما أن ذلك 
جزء من مجموعة من الحواجز النفسية؛ التي عادة ما تقف حائلاً دون رؤية الحقيقة المائلة.. 
ومن ثم تحدث المفاجأة. 

أشار هاندل في ما يتعلق بحرب أكتوبر إلى ثلاثة أنواع من الضوضاء: أولهاء تلك التي يقوم 
بها الخصم. من خلال الخداع الاستراتيجي أو التكتيكي؛ وثانيهاء الضوضاء التي تد نْ 
وجود بيئة دولية أو إقليمية صراعية؛ وثالثهاء الضوضاء التي ينزلها الطرف المعني بنفسه؛ من 
خلال مفاهيمه ومعتقداته ومدركاته. 

وربما كان روبرت جيرفز أكثر من وضع إطاراً شاملاً لتفسير حدوث المفاجأة الاستراتيجية 
عام 1976 عندما وضع الشروط الستة لحدوث المفاجأة: وأولهاء صورة الخصم؛ وثانيها. 
تحليل المعلومات على ضوء الاهتمامات الجارية؛ وثالثهاء تفسير الرسائل القادمة على ضوه 
الرغبات والتوقعات؛ ورابعهاء استخدام أمثلة تاريخية لتفسير وقائع راهنة؛ وخامسهاء تفسير 








ير حدلت 














28 


المعلومات في ضوء المعتقدات المستقرة» وإذا كانت مخالفة لهاء فإن قبولها يكون في حدود 
تغيير طفيف في هذه المعتقدات؛ وسادسهاء ل يخص مستقبل الرسالة. إنما من مرسلها الذي 
يتصور أن ما أرسله واضح تماماً ينما هو غامض ومتناقض. 

وعلى ذلك فإن الصورة التي كانت مستقرة لدى إسرائيل ‏ وكذلك الولايات المتحد: 
حرب عام 1973 هي أن العرب منقسمونء وقادتهم غ, 
وأنه لا يوجد أمامهم إلا الخيار الدبلوماسي 
العظمى في ذلك الوقت. فإنه خوفا من هزيمة عربية أخرى لن يسمح للعرب بشن 

كان في مفاجأة تشرين الأول/أكتوبر من كل ذلك. وما كان على مروان إلا 
إسرائيل بالفعل من تحيزات في التفكير والتفسير» حول ما يعتقدونه عن جوهر العرب. وقدراتهم» 
ومدى عزم القيادة المصرية على استرداد أراضيها. 

وعندما جرت مناورات أيار/مايو. عام 1973 التي أبلغ بها مروان إسرا بأنها الحرب. فإنه 
كان مقبولاً منه بعد ذلك أن يفسر عدم حدوثها بأن السادات قد «ثقلت أرجله»» على عكس 
الواقع الذي كان أنها للإعداد للحرب» والتدريب على عبور الحواجز المائية. فضلاً عن «خطة 
الخداع الاستراتيجي». 

الحديث المستمر عن الخلافات المصرية ‏ السوفياتية» ويخاصة بعد طرد السادات للخيراء 
السوفيات من مصرء جعل إسرائيل تفسر جلاء أهالي الديلوماسيين السوفيات من القاهرة. 
الحرب مباشرة. على أنه كان مجرد «أزمة عربية سوفياتية» أخرى. رغم أن موسكو اتخذت هفا 








قادرين على شن حرب ضد إسرائيل» 






















الإجراء. الذي جرى في علنية مبالغ فيهاء من أجل إرسال تحذير إسرائيل بأن الحرب وشيكة. 
وعندما أبلغ مروان «إسرات عد الحرب في لندن, مساء يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر كان 
يعلم أن الساعة منتصف الليل القدسء وأن الليلة هي يا ران» التي جعلت 


وصول الخبر متأخراً أمراً متوقعًء حتى إن وزير الدفاع دايان لم يعرف بالخبر إلا في الساعة 
الرابعة صباحاً. كان الهدف ليس الإبلاغ عن الحرب» إنما تأخير عملية الإسرائيلية حتى 

يتم العبورء مع الإبقاء على صدقية مروان في ذات الوقت. قصة مروان ليست فيلماً من أفلام 
الجاسوسية: إنما هي جزهء لا يتجزأ من معركة وطنية كبرى. وشرط من شروط «المفاجأة 
الحرب عظيمة. 

وأخيراً؛ فقد علقت مصر رسمياً على الجدل الواسع حول مروان» حيث أصدرت الهيئة العامة 
للاستعلامات الحكومية بياناً رسمياًء في 2018/9/18 أكدت فيه أن «أشرف مروان هو آخر 
شهداء حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 41973. في نفي للادعاءات الإسرائيلية بأنه أدلى 
بمعلومات خطيرة لمصلحة إسرائيل. 












22 


وقالت الهيئة: «كعادته.. غرّد نتنياهو على حسابه بتويتر بمناسبة عيد الغفران» وذكرى مرور 
40 عاماً على كامب دايفيدء معترفاً بفشل الاستخبارات الإسرائ 
بحرب تشرين الأول /أكتويرء كما اعترة 
«هذه التغريدات تكشف بما لا يدع مجالاً للشك في وطنية بعض الرموز 
الوطنية المصرية أبرزهم الراحل أشرف مروان, الذي نعتبره آخر شهداء حرب أكتويرء والذي 
حاول الموساد التشكيك في ولانه لوطنه. من خلال «فيلم الملاك»: الذي يعرضء الآنء كما 
أنها اعتراف ضمني بقوة ونجاح خطة الخداع الاستراتيجي المصرية». 


2 قرار عدم المحافظة على الهدف 

إن المحافظة على الهدف من القتال مبدأ أساسي من مبادئ الحربء بل إنها هي المبدأ 
المحوري الذي تتأثر به جميع مبادئ الحرب الأخرى. لذلك فإن المهمة التي تخصص للقوات 
المسلحة يجب أن تكون واضحة: وأن تكون في حدود إمكانياتها. وحيث إن الحرب هي امتداد 
اللسياسة بوسيلة أخرى؛ فإن القيادة السياسية هي التي تخصص المهمة التي تكلف بها القوات 
المسلحة. لكن القيادة السياسية عادة. إلى مناقشة هذه المهمة مع القاء العسكرين تبل 
إصدار قرارهاء حتى تضمن إمكان نجاح القوات المسلحة في تنفيذهاء لان تغير الهدف أثناء 
القتال يعني تكليف القوات بمهمة جديدة عليهم. ولم يتدربوا عليها من قبل: وقد لا تكون في 
حدود إمكاناتهم» وبخاصة إذا كانت من المهمات الكبرى. 

من هذه الناحية يشير سعد الدين الشاذلي إلى أنه منذ اليوم الأول لميلاد خطة هجومية عام 
971 باسم: «المآذن العالية». كانت القيادتان السياسية والعسكرية على اقتناع بحقائق 
ثلاث 0 

أولاهاء تفوق العدو الساحق في القوات الجوية؛ 

وثانيتهاء تفوق العدو في مجال الحرب البرة 
القوات الجوية؛ والمدرعات» وفي وسائل الاتصال المؤه 

وثالشهاء أن الولايات المتحدة تؤيد إسرائيا 

وفي ظل هذه الحقائق وضعت خطة «المآذن العالية»: وحيث إن توازن القوى بين مصر 
وإسرائيل. رغم ما لحق به من تطورات على الجانبين» قد استمر على حاله عندما اندلعت 
المعارك عام 1973 فإن الحقائق الثلاث التي أدت إلى وضع الخطة الهجومية ّ 
وبالتالي فإن الهدف المحدد للقوات المسلحة بقي كما هو. بل أكثر من ذلك 


















الحركة» كنتيجة حتمية لحم 
والسريعة بين الأرض والجو؛ 
تأبيداً مطلقاًء سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. 











(3) الشاذلي. حوب أكتوير: مذكرات الفريق سمد الدين الشاذلي. ص 582 584. 


283 


أن وزير الحربية أحمد إسماعيل» بما عرف عنه من طبيعة حذرة» طلب من القيادة السياسية أن 
'تحدد مهمة القوات المسلحة في وثيقة مكتوبة. 

أصدر السادات في 1973/10/1 التوجيه الاستراتيجي السياسي للقتال إلى القائد العام 
يحدد له مهمة القوات المسلحة: التي كانت على النحو الآأني”*': «تحدي نظرية الأمن 
الإسرانيلي» وذلك عن طريق عمل عسكري. حسب إمكانيات القوات المسلحة. يكون هدفه 
إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدوء وإقناعه أن مواصلة احتلاله لارام رض عليه ثمنا 
لا يستطيع دفعه. وبالتالي فإن نظريته في الأمن ‏ على أساس التخويف النفسي والسياسي 
والعسكري ‏ ليست درعاً من الفولاذ يحميه الآن أو في المستقبل». 

ثم أصدر السادات في 1973/10/5 التوجيه الاستراتيجي العسكري للقتال إلى القائد العام 
يحدد له مهمة القوات المسلحة, التي كانت على النحو الآني: «بناة على التوجيه السياسي 
والعسكري الصادر لكم مني في أول أكتوبر [تشرين الأول] عام 1973 وبناء على الظروف 
المحيطة بالموقف السياسي والاستراتيجي» قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام 
الاستراتيجية الآنية: 

أ إزالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف إطلاق النار» اعتباراً من 6 أكتوبراتشرين 
الأول] عام 1973. 

ب تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات. 

ج ‏ العمل على تحرير الارض المحتلة على مراحل متتالية» حسب نمو وتطور إمكانات 








القوات المسلحة. 
تنفذ هذه المهمة بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحة 
السورية». 


لكن السادات عمد إلى إجراء تغيير جوهريء غير معلن رسميا على الاستراتيجية المصرية 
العلياء السياسية والعسكرية: انياته» الكامنة. و«اتصالاته» السرية: النيات الكامنة ياتجاه 
الحل السلمي, والاتصالات السرية مع الولايات المتحدة. يقول كيسنجر في مذكراته: التغيير 
الكبير: «إن القناة السرية بين السادات والإدارة الامريكية كانت تعمل بانتظام؛ وأن تسخين 
الموقف. وكل ما يتصل بالحرب المحدودة؛ تم الاتفاق عليه خلال هذه الاتصالات». كذلك 
كان ينقل رأي الإدارة الأمريكية إلى السادات؛ مع ما يرافق ذلك من ضغوط؛ صديقه كمال أدهم. 











(25) الجمسي. حرب أكتوير: مذكراث الجمي. ص 305.303. 
(26) المصدر تقس ص 307. 


24 


وكذلك رجل الأعمال الأمريكي الكبير ديفيد روكفلر الذي زار السادات عدة مرات» كان آخرها. 
في 1973/9/27 تكمن خطورة هذا التخيير في توجهين محوريين: 

أولهماء أن السادات قد بالغ في التأكيد. بل وتحذير الشاذلي الذي كان متوجهاً إلى دمشق» 
من إبلاغ حافظ الأسد بحقيقة الخطط المصرية الحقيقية. لأن الأسد كان قد اشترط أن يكون 
الهدف هو الوصول إلى الحدود الدولية للمشاركة مع مصر في الحرب. 

وثانيهماء أن نجاح عملية العبورء والتزام «الوقفة التعبوية» التي أمر بها السادات؛ لم يكن 
يعني تحقيق الهدف المصري الاستراتيجي السياسي والعسكري المعتمد في عهد جمال 
عبد الناصرء حيث كانت الخطط الاصلية تحدد ذلك الهدف بالوصول إلى المضايق» ويخاصة 
أنه خط دفاعي يمكن التحصن فيه. كما أن دايان كان يعتبره الخط الواقعي لحدود الأمن 
الإسرائيلي. معنى ذلك أن السادات قد أخطأ في تحديد هذا الهدف. رغم النجاح الهائل الذي 
حققته عملية العبور في يومي 6 و7 تشرين الأول /أكتوبر. وعلى حد تعبير الفريق أول محمد 
فوزي. في كتا, : حرب أكتوبر عام 1973: دراسة ودروس: «يمكن الجزم بأن عمليات 
قواتنا في حرب تشرين الأول /أكتوبر عام 1973 قد توقفت دون أن تتحدى في الواقع نظرية 
الأمن الإسرائيلية 1 التي تتحصن عند خط المضايق”0. 

وحسب الشاذلي: «لقد كانت خخبطتنا أن نضع العدو أمام خيارين» كلاهما مُر بالنسبة له 
وكلاهما حلو بالنسبة لنا؛ كان الخيار الأول: هو أن يقوم بهجمات مضادة على قواتناء وقد اتبع 
هذا الخيار يومي 8 و9 لكنه فشل في تحقيق أي نجاح. واعتباراً من يوم 10 بدأ يلجأ إلى الخيار 
الثاني: وهو التوقف عن شن هجمات مضادة قوية. كانت المبادأة بأيديناء وكان العدو يتصرف 
كما نريد له أن يتصرف طبقاً للخطة؛ 

ويضيف الشاذلي: إذا ما التزم السادات, القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ بالتوجيه 
الاستراتيجي للقتال. الذي أصدره كتابياء وإذا ما «تمسك أحمد إسماعيل القائد العام بمبدأ 
المحافظة على الهدف. لكان في إمكاننا أن نبقى في هذا الوضع عدة أشهرء بينما لا يستطيع 
العدو أن يتحمل هذا الوضع بضعة أسابيع. فلم يكن من الصواب إذن أن ننى تفوق العدو 
علينا في القوات الجوية» وفي أسلوب الحرب البرقية (الحقيقتان الأولى والثانية)؛ وأن ندقع 
بقواتنا إلى عمق سيناء. ولم يكن من المقبول أن يبرر السادات أخطاءه بالقول «إني لا أستطيع 
أن أحارب أمريكاء. تقد كنا نعلم أن أمريكا سوف تؤيد إسرائيل سياسياً وعسكرياء كما 
فعلت في الحروب السابقة (الحقيقة الثالثة). ولو أننا التزمنا بمبدأ المحافظة على الهدف لما 




















(27) محمد فرزي. حرب أكتوير عام 1973: درئسة ودروس (الفاهرة: دار المستظيل العربي. 1985): ص 8. 


285 


استطاعت إسرائيل أن تزحزحنا عن مواقعنا شرق القناة» مهما تحصل على مساعدات 
أمريكية: 


كان السادات قد انحرف عن الهدف السياسي والعسكري. الذي حدده في بداية العمليات»: 
بسبب انبهاره بالأداء الرائع للقوات في معركة العبور» فتدخل في إدارة المعركة مباشرة؛ وقرر 
تطوير الهجوم» باستخدام الاحتياطي المدرع غرب القناة في المعركة» طمعاً في مكاسب أكيره 
فأحدث خطلاً في توازن القوات. أدى إلى فشل العمليات من ناحية: وتمكن العدو من اختراق 
الدفاعات؛ ونقل المعركة عبر ثغرة الدفرسوار إلى غرب القناة من ناحية أخرى, دون أن يحقق 
السادات هدفه السياسي. 

الم تتوقف نتانج قرار عدم المحافظة على الهدف عند هذا الحدء مع ما ينطوي عليه من آثار 
وخيمة, بل امتدت إلى نتيجة أخرى ذات تأثير بعيد المدى. وتتصل بعنصر «إرادة القتال»» وهي 
مقوم أساسي من مقومات المعركة الناجحة. على سبيل المثال بدأت حرب الاستنزاف 
(1967 -1970) مبكراً بسبب توافر «إرادة القتال» لدى الشعب المصري والقوات المسلحة 
والقيادة السياسية. ثم أضيفت إليها المقومات الأخرى بعد ذلك. وهي القدرة البشرية والتسليح. 
وقد أدت توجهات وتصرفات السادات إلى توجيه ضربة قاصمة لعنصر «إرادة القعال»؛ حين 
اضطرء تحت ضغط عسكري من العدوء إلى طلب وقف إطلاق النار يوم 1973/10/20 بعد 
فشله في إدارة المعركة العسكرية» ما أدى إلى إهدار النصر الذي حققته القوات المسلحة في 
بداية الحرب. 

وعندما لم يلتزم العدو بقرار وقف إطلاق النار. واستمر في اجتياح القوات الضعيفة في 
الضفة الغربية للقناة» استنجد بقوات من الدولتين العظميين. وقد صاحب استنجاده بقوات 
أثير سيئ في معنويات القوات المسلحة والشعب المصري. ونفس التأثير السيئ حدث 
انتيجة ترديده: «إن حرب أكتوبر هي آخر الحروب». ودإننا لا قبل لنا بمحاربة أمريكاء» زاعماً أن 
الدعم الأمريكي لإسرائيل» الذي بدأ يوم 973/10/13اء هو الذي أدى إلى نجاح الثغرة» وتدفق 
القوات الإسرائيلية غرب القناة» لا قراراته الخاطنة» وبخاصة تجريدها من القوات المدرعة بنقلها. 
إلن انرق القباة للمشاركة ني تطوس الوتجوي بلا المونة سناع الهلا ومن النمنها عله 
هجوم محتمل للعدو في منطقة الدفرسوار تحديلاً. 

وقد هيطت «إرادة القتال» في جبهة قئاة السويسء بالرغم من أن الموقف العسكري كان 
لا يزال في مصلحة القوات المصرية. عندما رفض السادات التصديق على خطة إبادة الثغرة. 
وبالتالي فك حصار الجيش الثالث. ومدينة السويسء بحيث لا يترك هذا الموقف الشائن يحدث 




















(28) الشاذلي. حرب أكتوير: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. ص 583 585. 


286 


أثره السيئ في الشعب» وفي صفوف قواته المسلحة» بل وفي مراحل المفاوضات التالية 
اللمعركة. إلا أن السادات رفض التصديق على تنفيذ الخطة بل وأطاح برئيس الأركان الذي كان 
يبغي التصرف الذي يعطي أملاً في القضاء على الجيب الإسرائيلي وتوابعه. 

واستمرت «إرادة القنال» في الهبوط عندما تبين للقوات المسلحة وللشعب. السيئة 
التي وصلت إليها تئازلات السادات في اتفاقيات فك الاشتباك؛ وكان من اللافت اعتراض 
الجمسي على الشروط المهينة التي فرضها كيسنجر على السادات» حيث قال له: «إن تأثير 
ذلك على القوات المسلحة سيكون سيئاً جدأ». في نفس الوقت الذي تطاول فيه السادات 
على القوات المسلحة: كذباً. في قوله مخاطباً كيسنجر في أسوان: «في البداية واجهتني 
مصاعب لإقناعهم بالحرب. والآن تواجهني المتاعب لإقناعهم بالسلام”. وتناسى السادات 
أنه هو الذي رفض المعركة في ربيع عام 1971 في الوقت الذي كان ميزان القرى لمصلحة 
مصر تماماء وهو الذي أجهض الانتصار الرائع في عملية العبورء بقرار «الوقفة التعبوية»» ثم 
قراره تطوير الهجوم بزعم تخفيف الضغط على سورية» ورفضه التصديق على قرار تصفية 
الشغرةا"", 








3 - قرار الوقفة التعبوية 
التعبوية» في العلوم العسكرية بتوقف مؤقت لاعمال القتال» على أن 
يوضع في الاعتبار أن أفضل التوقيتات لها عندما تلوح في الآفاق احتمالات تغير شكل الصراع 
. وتحوله إلى القنوات السياسية» وأن من أهم أهدافها الاء خبرات القتال 
المكتسبة أثناء العملية الأولى» وتطبيقها أثناء العملية التالية» مع خلق توازن في مسرح العمليات» 
بين التشكيلات التعبوية في تحقيق المهام. فكيف يمكن تطبيق كل هذه المفاهيم, بعد أن تحول 
الصراع بقوة من المسرح العسكري إلى المسرح السياسي؟ 
لة البداية بتقرير عبد الغني الجمسي: لقد حققت قواتنا المسلحة «مهمتها المباشر» 
طبقاً لخطة العمليات. يوم 9 تشرين الأول/أكتوبرء وأنشأ كل من الجيش الثاني والثالث «رأس 
كبري جيش» بعمق 15 كيلومتراً في سيناء» تمهيداً واستعداداً لمهامها في العملية الهجومية. 
وكان لا بد من استمرار الهجوم. 

كان السادات قد عرف تفاصيل الصورة على نحو أكثر دقة» صباح 8 تشرين الأول /أكتوبرء. 
من اتصال تليفوني أجراه مع أحمد إسماعيل. وفي هذا الاتصالء رغم الصورة الداعية إلى 














0 انق بم برقو .0ن معد جعهملا عالاذا جاح بممال) لمسممطونا لد جما بهعتمونكا ب جواة 
(30) الجمسي. المصدر نفسه. مس 528. رفوزي. حرب أكتوير عام 1973: دراسة ودروس. ص 23 244. 


2 


التفاؤل» طلب السادات إلى وزير الحر, تطوير المرحلة الثانية من الهجوم المصريء 
التي كانت تستهدف الوصول إلى المضايق» وذلك لسببين أبداهما له: أولهماء انتظار رد كيسنجر 
على رسالته في اليوم السابق» وقد تعهد له فيها بأن «مصر لا تعتزم تعميق مدى الاشتباكات» أو 
توسيع نطاق المواجهة». وكان إسماعيل على علم بهاء باعتبار أنه هو نفسه الذي أنشأ القناة 
الثانية (السرية)» وأشرف على الاتصالات من خلالهاء أثناء عمله في الاستخبارات العامة: ثم 
ظل يتابعها حتى عندما أصبح وزيراً للحربية. وثانيهما.ء أنه «لا مانع من ترك الإسرائيليين يخبطون 
رؤوسهم في حائط المواقع المصرية» ويتكبدون أكبر قدر من الخسائر في حالتهم العصبية 
هذ 

إن من المهم عرض وجهة نظر عبد الغني الجمسي في مذكراته. بعنوان: حرب أكتويرة 
مذكرات الجمسي. بشيء من التفصيل؛ وهو أكثر حياداً وموضوعية من كل من أحمد إسماعيل 
وسعد الدين الشاذلي في النظر إلى السادات» فضلاً عما يتميز به من احترافية وانضباط إلى 
كان التخطيط لحرب تشرين الأول /أكتو, 









التجمع الرئيسي للقوات الإسرا: 
الهدف السياسي من الحرب. وقد أفصح السادات عن الهدف الاستراتيجي العسكري. في 
تتاب عندما قال: قينا حتت سراي لوت 1 11 1 
ولم يعد أمامنا إلا المرحلة الثا: 
الأول/أكتوبر لتقرر مصر متى تستأنف الهجوم وتطوره شرقاً م في اتجاء المضابق» تفيذاً لخطة 
الحرب؟ كان ترك العدو الإسرايا ل ا ا له. ولا ينتظر 
أن تتخذ القوات الإسرائيلية أوضاعاً دفاعية حتى نهاية الحربء بل إنها ستحاول اختراق أحد 
القطاعات بالجبهة. حتى يكون دفاعها إيجابياً نشطاً. وقد تصل بعض قواتها إلى خط القناق, 
ولذلك يجب حرمان العدو من القيام بهذا العمل» بالمحافظة على المبادأة في أيديناء ولا يتحقق 
ذلك إلا بتطوير العمليات الهجومية شرقاً». 

«لقد كانت القوات الإسرائيلية في سيناء في وضع سيئ من الناحية المعنوية والقدرة القتالية» 
بعد الفشل الذي لحق بهاء والخسائر الكبيرة التي تحملتها... كان ذلك يجبر إسرائيل على انخاذ 
الأوضاع الدفاعية. على مواجهة واسعة حوالى مئة كيلومتر من القنطرة شمالاً حتى السويس 
إبأ. كان من رأيي ضرورة استغلال الموقف لتطوير الهجوم شرقاً. طبقاً للخطة؛ دون أن 
نتوقف طويلاً. حتى نحرم العدو من فرصة تدعيم مواقعه أمام قوات الجيش. وهذا يعني أن 
استنناف الهجوم يتم في الظروف الافضل لناء والاسوأ للعدو». 





وهي الوصول إلى المضا, 



















(31) السادات. البحث عن الذاث: قصة حبائي. ص 384. 


28 


يضيف الجمسي أنه ناقش الفريق أول أحمد إسماعيل في هذا الموضوع؛ يوم 9 تشرين 
الأول/أكتوبر. خلال مقابلتين معه. داخل مركز العمليات, لكنه وجد منه الحذر الشديد, الذي 
كان يعرفه عنه. من سرعة التقدم شرقاً. لاعتبارين: الأول» الانتظار لتكبيد العدو أكبر خسائر 
ممكنة من أوضاع قواتنا في رؤوس الكباري؛ وثانيهماء أن القوات البرية المهاجمة ستعرض 
بشدة للطيران الإسرائيلي؛ في وقت لا تتمكن فيه المقاتلات وصواريخ الدفاع الجوي من توفير 
الحماية الكافية لها. 
ويقول الجمسي إنه أوضح له «أن استدناف هجومنا يترتب عليه التحام قواتنا مع قوات 
العدوء الأمر الذي يحد من تأثير السلاح الجوي الإسرانيلي» كما يجب استغلال طاقة قواتنا 
الجوية, التي أثبتت قدرتها ضد طيران العدو خلال الأيام الأربعة 6 9 تشرين الأول/أكتوبر. 
فضلاً عن أن صواريخ الدفاع الجوي. خفيفة الحركة برغم قلتهاء إلا أنها مؤثرة: وفي نفس 
الوقت يمكننا تحريك بعض كتانب صواريخ الدفاع الجوي, بطيئة الحركة. على وثبات للأمام». 
3 إن احتفاظنا بالمبادأة باستنناف الهجوم؛ استغلالاً للنجاح الذي تحقق. 
بنجاح. برغم أننا تحمل الخسائرء لكنها خسائر 
نبولة. وفي المقابل فإن طول الانتظار يعطي فرصة أفضل للعدو ليكون في موقف أقوى. عندما 
نستأنف الهجوم». 
«وكان القرار الذي وصل إليهء برغم مناقشتي الطويلة معه أنه لا بد من عمل «وقفة تعبوية»» 
ثم يلي ذلك استنناف الهجوم على ضوء تطور الموقف, وهو قرار ثابت في ذهنه لا يحيد عنه. 
وفي نهاية المناقشة بعد مقابلتين طويلتين يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر مع الفريق أول أحمد 
إسماعيل... قلت له: أرجو أن تتذكر أن خطة الحرب تقضي بتطوير الهجوم لاحتلال المضايق. 
بعد نجاح الهجوم واقتحام القناة «بعد وقفة تعبوية أو بدونها. أي أن مبدأ التطوير شرقاً إلى 
المضايق هو مبدأ مقرر لا خلاف عليه 

















الاندفاع شرقاً للسيطرة على خط المضايق الاستراتيجية (50-40 كيلو شرق القناة)» بعد إتمام 
العبور. والاستيلاء على خخط بارليف» وتوسيع رؤوس الجسور في الشرق. 







يقول عبد الغني الجمسي في مذكراته: «كان توة 
عوامل نجاحه. .وكان من الواضح أنه كلما طال وقت الا 
يوم 9 تشرين الأول /أكتوبر كان لدى العدو فرصة تدعيم موقفه العسكري. وتجعل قواته أكثر 
(32) الجمسي. حرب أكتوير: مذكراث الجمسي. ص 219 21. 


289 


اثباتاً في مواجهة قواتنا المهاجمة. وبمعنى آخر كلما كانت فترة الانتظار أقصر كان ذلك أفضل 
لنا». «والحقيقة التي أقررها أن خطيط لحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 لم يكن مقصوراً أبداً 
على الاستيلاء على خط بارليف كهدف نهائي. بل كان التخطيط يهدف إلى تحقيق هدف 
استراتيجي عسكري أبعد من ذلك؛ وهر الوصول إلى خط المضايق؛ والاستيلاء عليه كهدف 
.. سواء بعد وقفة تعبوية» أو بدون هذه الوقفة. حسب الموقف. أي أن تطوير شرقاً في 
اتجاه المضايق كان مقررا في جميع الحالات»”. 

ثم يتابع: «لقد كان القائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل حذراً أكثر مما يجبء وأبطأ مما 
يجب. الأمر الذي دعاء إلى الانتظار الطويل ‏ عمل وقفة تعبوية ‏ من يوم 10 حتى يوم 13 
تشرين الأول /أكتوبر. وكان يرى كما قال: «كان علي ألا أغامر». وكان عليه أن يغامر بعد أن 














حاولت خلال الحرب معرفة مبررات البطء في تطوير الهجوم شرقاء وهل كان هناك قيد سياسي 
على القائد العام يتطلب ذلك؟ إلا أن الفريق أول أحمد إسماعيل لم يفصح لي عن هذا القيد لو 
كان موجوداً. ولما أصدر الرئيس السادات قراراً بذلك للقائد العام في الساعات الأولى من يوم 
2 تشرين الأول/أكتوبر لتطوير الهجوم. بعد تدهور الموقف العسكري في الجبهة السورية» 
أسرع الفريق أول أحمد إسماعيل بإصدار الأوامر في نفس اليوم للتطوير... اتضح من هذا 
التصرفء أن الوقفة التعبوية» 10 13 تشرين الاول/أكتوبرء كانت باتفاق وموافقة !' 





السادات والقائد العام أحمد إسماعيلء كما أن قرار تطوير الهجوم ‏ بعد الوقفة 
قراراً سياسيأًء””"» أي كان قرار السادات. 

من هنا يفهم مغزى إشارة الجمسي بأسلوبه المهذب المنضبط: «يقع عبء إدارة العمليات 
الحربية» لتنفيذ الخطة, على القيادة العسكرية» دون تدخل من القيادة السياسية» وهو الاسلوب 
الصحيح لإدارة العمليات»'''. والمعنى واضح: إن «مؤامرات السياسة» أهدرت «انتصارات 
السلاح. 

ورغم كل نصائح الاتحاد السوفياتي بضرورة أن يصدر السادات أوامره بتقدم المدرعات 
المصرية إلى خط المضايق عقب نجاح العبور التي وصلت إلى حد أن الزعيم السوفياتي 
بريجنيف أرسل إلى السادات رسالة يوم 8 تشرين الاول/أكتوبر يقول له فيها: *إطلق المدرعات 
إلى المضايق». إلا أن السادات ظل عند تعهده في رسالته المشؤومة يوم 7 تشرين الأول /أكتوبر 
إلى كيسنجرء كان إطلاق المدرعات إلى المضايق عنصرا متفقا عليه في الخطة مع السوريين» 








(ذ3) المصدر تقب مض 33! 
(34) المصدر تقس ص 328 
(35) المصبر تقس صن 429 








كما أنه يعطي القوات المصرية مواقع دفاعية طبيعية أفضل وأقوى من أية تحصينات لتدعيم 
رؤوس الكباري على الضفة الشرقية للقناة» كما أنه يخفف الضغط عن سورية. 

قد اعتبر محمد حسنين هيكل حرب عام 1973 جدالاً بين «السلاح» و«السياسة»» حتى لقد 
سجل ذلك فرعياً لكتابه عن الحرب: أكتوبر 73: السلاح والسياسة؛ وخلص إلى أن 
«السياسة» قد «السلاح» في تلك الحرب. وجدير بالذكر أن الجمسيء الذي استخدم 
التعبير ذاته؛ قد استشعر بدوره هذا المعنى؛ عندما أشار في مذكراته إلى العلاقة بين «الوقفة 
التعبوية» ‏ من ناحية, و«الرسالة المشؤومة» التي أرسلها السادات إلى كيسنجر في 7 تشرين 
الأول /أكتوبر - من ناحية أخرى'. 

انطلق الجمسي في تحليله من أن فترة «الوقفة التعبوية» كانت فرصة أتيحت لإسرائيل» 
استغلتها لتكون أكثر ثباتاً في الجبهة المصرية» وتكون أكثر تأثيراً في الجبهة السورية. كما 
للولايات المتحدة استمرار إمداد إسرائيل بالاسلحة والمعدات بصفة عاجلة» 
التعويض خسائرهاء وزيادة قدراتها القتالية. حتى يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر. وقامت الولايات 
المتحدة بعمل استطلاع جوي لجبهة سيناء. وعمق الدولة» يوم 13 تشرين الأول /أكتوبرء 

حشفت فيه أن الفرقة 21 المدرعة قد انتقلت من غرب القناة إلى شرقهاء استعداداً لتطوير 
الهجوم في اليوم التالي. وخلص إلى أن؛ ٠‏ «الوقفة التعبوية» أن إسرائيل 
احاً هناك وفي نفس الوقت كانت الولايات 
المتحدة تؤدي دوراً سياسياً بمهارة لمصلحتهاء ومصلحة إسرائيل؛ فقد وضعت ثقلها بالدعم 
العسكري المباشر لإسرائيل» لتضمن عدم استكمال هزيمتهاء في الوقت الذي كانت تقوم فيه 
باتصالات سياسية مع الاتحاد السوفياتي ومصر لكسب الوقت. وعلى ذلك فإن «الوقفة 
التعبوية» كان لها تأثير مهم ومباشر في تطوير العمليات في المرحلة التالية في غير مصلحتنا. 

ثم يعود الجمسي إلى العلاقة بين العمل السياسي والعمل العسكري. والتأثير المتبادل 
بينهماء فيشير إلى أنه بحكم عمله العسكري لم يكن يعلم بالعمل السياسي الذي يجري بواسطة 
القيادة السياء بيضيف أنه بعد أن نشر عدد من القادة السياسين مذكراتهم بعد الحرب لفته 
موضوعان يستحقان الاهتمام. حول «الوقفة التعبوية»؛ والبطء في تطوير الهجوم في اتجاه 
المضايق: 

أولهماء أن كيسنجر فسر «الرسالة المشؤومة» التي أرسلها إليه السادات» والتي جاء فيها: 
«إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع نطاق المواجهة». على أنها «لا تخلو من التنويه 
بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل؛ بعد الأراضي التي كسبتها. 





أناحت 


























(36) المصدر تقسة. صن 


291 


والسؤال الذي يطرح نفسه. كما يشير الجمسي: هل هناك علاقة بين فكرة الرئيس السادات» 

بعدم تعميق الاشتباكات» وقراره بالبطء في تطوير الهجوم في اتجاه المضايق؛ وعمل وقفة 
بريه 

ويتابع الجمسي: إن الإدارة السياسية للحرب لا بد أن تنطلق من العمل العسكريء الذي 

0 ففي الموقف لجيه يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر كانت القوات 






: في هذا الوقت لم يكن الموقف السياسي متمشياً مع العمل العسكري الناجح الذي 
تحقق. والأخطر من ذلك أن القيادة السياسية ‏ يقصد السادات بطبيعة الحال ‏ في مصر قد 
أنصحت عن نياتها في العمل العسكريء الأمر الذي جعل كيسنجر ‏ وبالتالي إسرائيل ‏ يفسره 
بأن مصر غير راغية في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل؛ بعد الأراضي التي حررتها. 

وثانيهماء أن ما جاء في مذكرات حافظ إسماعيل؛ بعنوان: أمن مصر القومي في عصر 
التحديات؛ قد أصابه بالصدمة والفزع؛ فقد أشار حافظ إلى ما يأتي: «كنت من خلال أحاديثي 
مع الفريق أول أحمد إسماعيل؛ قبل نشوب الحربء أدرك أنه لا ينوي التقدم حتى الممرات 
الجبلية» وأن ما جاء بتعليمات عمليات القيادة العامة بأن الهدف هو احتلال المضايقء إنما قصد 
به حث القيادات الصغرىء خلال مرحلة بناء رؤوس الكباري. على استمرار التقدم حتى الهدف 
المباشرء لكننا سوف نتوقف دون ذلك10. 

ويقول الجمسي أنه كان يتمنى أن يكون الفريق أول أحمد إسماعيل على قيد الحياة؛ حتى 
يمكنه تفسير ما نسب إليه. كما أنه لم يقتنع بالمبرر الذي نسب احث القيادات الصغرى 
على استمرار التقدم حتى الهدف المباشر». ويضيف بحزم: «أعتقد أننا دخلنا حرب تشرين 
الأول /أكتوبر بمفهوم واحد للقيادة العامة للقوات المسلحة. ولا أنصور أن الفريق أول أحمد 
إسماعيل كان يعني أن تدمر قواتنا خط بارليف مع اقتحام القناة. وتقف القوات عند هذا الخط. 
القد كنا حققنا هذا الهدف بنهاية يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر» فلماذا لم يقبل الرئيس السادات 
وقف إطلاق النار في ذلك الوقت. أو أي يوم آخر حتى يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر؟ لقد كان 
واضحاً تماماً للرئيس السادات أن الهدف النهائي من خطة الحرب هو الوصول إلى المضايق» 
وقد سجلها بنفسه في مذكراته: لبس عن للعو : قصة حيات, ,» وهل من المعقول أن يكون فكر 

















380) الجسي. المصبر نقيه ص 433. 


22 


من ناحية أخرى فقد أعطى السادات» لاحقاًء أمر تطوير الهجوم للوصول للمضايق» 
بعد آن المعطيات على الأرض في غير مصلحة القوات المصرية» وما رافق هذا 
القرار من تحذيرات واعتراضات من قادة كبار في غرفة العمليات التي يدار منها القتال ثم 
فشل هذا التطوير الذي تم تنفيذه صباح يوم 14 تشرين الأول /أكتوبرء وترتب عليه اكتشاف 
يشين الثاني والشالث؛ منطقة الدفرسوارء وسحب القوات 
تيجية من غرب القناة إلى شرقهاء للمشاركة في تطوير الهجوم» بدلاً من 
بقانها في مواقعها بالغرب تحباً لاستغلال العدو هذا «المفصل» تحديداء ومن ثم عمد 
العدو إلى تنفيذ خطته لاختراق الخطوط المصرية من خلالها عند ذلك «المفصل: منطقة 
الدفرسوار؟. 

يلاحظ أن السادات» في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1973 لم يكن في أحسن أحواله؛ فقد بدت 
ساحة الحرب أكثر انساعاً من مقدرة رجل واحد على إدارتها. وفرغ من قراءة تقرير الموقف 
العسكري, ثم جاءه بعدها رد كيسنجر الذي وصل قبل ساعات إلى حافظ إسماعيل. وأصبح 
واضحاً من الرد ‏ بتعبير إسماعيل ‏ أن «الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لقبول الربط 
بين وقف إطلاق النار وشروط سياسية للتسوية» وأنها كانت لا تزال في انتظار تعديل الموقف 
المصري بقبول وقف إطلاق النار غير المشروط". 

وقرر السادات أن يرد على رسالة كيسنجر. وكان رده على نحو ما بعيداً من واقع اللحظة.. 
ومستبقاً لتطورات الحوادث. وقد بدا واضحاً في سطورها أن السادات» في تلهفه على مواصلة 
الاتصال مع كيسنجرء بدأ يقترب أكثر فأكثر من منطقة حساسة لا تستوجبها في تلك اللحظات 
ضرورات الموقف. من المفارقات أنه عند تسليم هذه الرسالة إلى مندوب الاستخبارات المركزية 
الأمريكية في القاهرة» جرى إبلاغ المندوب أن السادات يتمنى لو استطاع كيسنجرء أن يقوم 
بزيارة القاهرة لبحث موضوعات الساعة مباشرة مع الرئيس» الذي يسعده أن يوجه دعوة إلى 
وزير الخارجية الأمريكيء إذا تلقى إشارة بأن الدعوة مقبولة. ما يلفت النظر أن كيسنجر حين قرأ. 
رسالة السادات استخلص منها أن الرئيس المصري يدعوه إلى تقديم مقترحات من 
عنده وأنه لم يعد يطالب بتسوية شاملة'"'! 

لاشك في أن الضغوط كانت شديدة على السادات» ولم يكن الضغط مقصوراً فقط على ما 
يجري في ميادين القنال» ولا على مناورات كيسنجر التي اختلفت فيها تصرفاته في واشنطن 
عن رسائله إلى القاهرة اختلافاً فادحاًء إنما زادت على ذلك ضغوط من الوطن العربي. ذلك أن 
























(39) ويليام بر محررء أسرار حرب أكتوير في الوثائق الأمريكية. ثرجمة خالد داودد مراجعة إسماعبل داود (الفاهرة: 
مركز الأهرام للترجمة رالنشر. 2004). 





21 


الزأك ال العربي على امتداد المنطقة من المحيط إلى الخليج؛ بدأ يستشعر أن اتتصاراً عريياً 
نقء أو هو على وشك أن يتحقق. 
مداها بعد الظهر حين تلقى السادات رداً على آخر رسالة بعث بها 
بطناً يحذر من استمرار الحرب. ويبدو على نحو ما أن السادات 
ب بإبداء نوع من إشارات حسن النية أمام الجانب الأمريكيء وقرر أن 
يعطى هذه الإشارة. وبعد اتصال بالفريق أول أحمد إسماعيل كان من الواضح أن هناك قراراً 
مصيرياً على مجرى الحرب جرى اتخاذه. دون أن يكون واضحاً بالضبط ما سوف يترتب عليه 
من عواقب ومضاعفات. 

هكذا ففي نهاية ذلك اليوم الحافل جرى إعلان قرار «الوقفة التعبوية»: وبمقتضى هذا القرار 
أعلن القائد العام للقوات المصرية أن قواته سوف توقف ضغطهاء الذي كان متواصلاً حتى هذه 
اللحظة؛ على امتداد جبهة القتال في سيناء. . كان القار قد امخذ يوم 9 تشرين الأول /أكتوير دو 
إعلان» وبمقتضى هذه #الوقفة التعبوية» فإن الجيش الذي كان يننظر أمرا بالتقدم ! 
فرض عليه التزام الدفاع مرة واحدة. وعلى نحو ما فقد كان ذلك واقعياً قراراً يوقة 
العسكرية من جاتب واحد. مع إعلان هذا القرار للكافة: الأعداء والأصدقاء. 
هيكل. في كتابه: أكتوبر 73 : السلاح والسياسة: إلى أن السادات قد عطل عملية تطوير الهجوم 
يوم 9 تشرين الأول /أكتوبر بقرار «الوقفة التعبوية»؛ لييدو «حسن النية» أمام كيسنجر“. 

وعلى الجانب الإسرائيلي وجمه بارليف. في 10 تشرين الاول/أكتوبرء دعوة إلى اجتماع 
للقيادة العامة لبحث ما يمكن عمله على الجبهة الجنوبية. (وكان قد أصبح مؤولاً عنها بعد 
عزل قائدها الأصلي جونين)» وكان أهم ما تقرر في هذا الاجتماع: وقف العمليات المحدودة 
التي تشتببك فيها قوات الاحتياطي الواصلة إلى الجبهة؛ لان هذه السياسة أدت إلى بعثرة 
القوات» وتكبيدها خسائر فادحة. ثم إنها جعلت الجبهة كلها في حال اهتزاز. وبما أن الجيش 
المصري لم يتقدم بعد مساء 7 تشرين الأول/أكتوبر» عندما فرغ من تعزيز مواقع الجيشين الثاني 
والثالث. فإن هناك فرصة لالتقاط الأنفاسء وحشد قوة كافية للقيام بهجوم كبيرء والتفكير 
والتخطيط لوضع خطة تدفع هذا الهجوم الكبير إلى أي مواقع تتجاوز خطوط عام 1967ء وذلك 
لمحاولة العيور إلى الناحية الأخرى من القناة. لاحتلال أرض يمكن الماومة عليها قيما بعد. 
مع ضرورة التحرك عسكرياً بسرعة لأن الضغوط في نيويورك تتزايد من أجل اتخاذ قرار في 
مجلس الأمن يقضى بوقف إطلاق النار. 




















(30) هبكل. أكتوير 73: السلاح والسياسة. ص 413. 


وفي صباح ١١‏ تشرين الأول/أكتوبر في القاهرة كانت إشارات الخطر بدأت في الظهور على 
آفاق ميادين القتال» لكن أحداً لم يتنبه بالقدر الكافي لملاحقة تلك الإشارات وربطها معاًء 
واستخلاص النتائج التي كان يجب استخلاصها منها. ريما كانت أسباب ذلك القصور راجعة 
إلى مجموعة عوامل» تكائفت معاً فغطت على بعض جوانب الصورة. وأوضح أن هذه العوامل 
هي أن السادات. في ذلك الوقتء بدأ يركز أكثر على اتصالاته مع كيسنجرء وراوده ظن أن هذه 
الاتصالات هي النقطة التي يجب أن يكثف عليها جهده الرئيس. كما أن التنسيق بين الجبهتين 
المصرية والسورية كاد يتلاشى» وكل ما بقي منه هو إمكان تبادل بعض المعلومات عن سير 
العمليات» في حدود ما يقوم به ضياط الاتصال إضاقة إلى أن قرار القائد الأعلى 
السادات. والقائد العام أحمد إسماعيل؛ بأن تتخذ القوات التطازي بية على الجبهة «وقفة تعبوية». 
ام إعلان هذا القرار» أدى إلى نوع من اليليلة؛ لم تعد القوات إزاءه واثقة بالضبط من طباتع 



























مهامها في هذه المرحلة من القتال» بجانب ذلك كان مدد السلاح الأمريكي لإسرائيل راح 
يحدث تأثيره في الجبهة. وفي الحصيلة؛ فإن إدارة الحرب على كل الجبهات بدأت تهتز بطريقة 
ا 

4 قرار تطوير الهجوم 


في يوم !١‏ تشرين الأول/أكتوبر قرر السادات. منفرداًء تطوير الهجوم نحو المضايق. 
باستخدام فرقتي الاحتياطي اللتين كانتا طبقاً لأصول «الخطة 200» المعتمدة من جمال 
عبد الناصرء تتمركزان غرب القناة استعداداً لرد أية محاولة إسرائيلية للعبور غرب القناة. نفي 
صباح يوم 12 0 المتعددة الرافسة على اللنادات بايا 








اجتماعاً لقيادته عند الظهرء وبدأه بقوله: «! هناك قراراً سياسياًيحتم علينا ضرورة تطوير اهجوم 
نحو المضايق» ويجب أن يبدأ ذلك صباح غد 13 تشرين الأول/أكتوبرء وحين حاول بعض 
القادة استمع إلى وجهات نظرهم. ثم كان قوله في النهاية: «إنه قرار سياسي» أصدره 
السادات: 

ورغم أنه قد تم الاتفاق في تشرين الأول/أكتوبر عام 1972 بين القيادتين المصرية والسورية 
في الاسكندرية أنه عسكرياً لاايمكن لاية جبهة دعم الجبهة الأخرى عسكرياًء لبعد المسافه 
بينهم (500 كيلو خط مستقيم)» إلا أن طلب السادات كان ب الضغط على سورية 














اذلي: حرب أكتوير: مذكوات الفريق سعد الدين الشاذلي: ص 525 - 553, والجسمي. حرب أكتوير: مذكوات 
الجسمي, صن 219 وما بمدها 


295 


عسكرياء وهو ما تم رفضه من قبل الشاذلي وقاده الجيوشء وبعد أن وصل الحوار إلي درجة 
عالية من التوترء إزاء تعنّت السادات؛ عرض اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمونء 
الثالث والثاني؛ استقالتيهما اعتراضاً على قرار تطوير الهجوم ورغم رفض سعد 
الدين الشاذلي ذلك القرارء وتنبيهه لعواقيه. ورفض قادة الجيشين الثاني والثالث اللواء سعد 
مأمون واللواء عبد المنعم واصل للقرارء وتنبيههما إلى كونه سيمثل كارثة للقوات المصرية 
وأنه لو تم سيكشف عمق الجبهة المصرية دون مبرر عسكريء كما أنه لن ينجد سورية: لاله 
قرار متأخر عن موعده. والعدو سوف يدمر قوات الهجوم. لكن أصر السادات على قراره. 
وبعد تفجر الخلافات بين القادة أمام إصرار السادات على تنفيذ القرار بوصفه «قراراً سياسياء 
لا سيل إلى رده بعد المناقشة. فقد تأخر تنفيذ القرار حتى صباح يوم 14 تشرين الأول /أكتوبر 
3 
وفي الساعة الواحدة والنصف وقع حادث خطير كان لا بد له أن يلفت الأنظار. تقد قامت 
طائرة أمريكية من طراز (58-71-8) بعملية استطلاع واسعة لم تقتصر على الجبهة؛ إنما امتدت 
إلى كل الدلتا وعمق مصر وراء منطفة قناة السويس. وكانت تطير بسرعة ثلاثة أمثال سرعة 
الصوتء وبذلك فقد كانت بعيدة من مجال عمل كل أنواع الصواريخ المتاحة لمصر. وعرفت 
القيادة على الفور أنها عملية استطلاع أمريكية شاملة لجبهة القتال وما وراءهاء وأن صورها 
سوف تكون في إسرانيل خلال أقل من ساعة واحدة. 
وفي نفس اليوم دعت مائير إلى اجتماع لمجلس الوزراء المصغر انعقد في العاشرة والنصف 
صباحاء ليتع من بارليف. المسؤول عن الجبهة الجنوبية إلى تقرير عن خططه للعمل؛ وكان 
١‏ تم التخطيط والإعداد لهجوم إسرائيلي مضاد. يخترق ثغرة المفصل بين الجيشين الثاني 
غة الغربية» ويحتل أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المصرية 

















3 الح عاو مدرو ا 
اتجاه المضايق. . ومعلوماتهم أن الهجوم في اليوم التالي؛ أي يوم 13 تشرين الأول /أكتوبرء ويبدو 
أنهم لم يستطيعوا معرفة قرار تأجيله لمدة 24 ساعة ليكون يوم 14 بدلا من يوم 13. 

3- مع وجود خطط واستعدادات إسرائيلية جاهزة للبدء في العملية فا يقترح تأجيل 
الهجوم الإسرائيلي لعدة ساعات؛ حتى يبدأ أحمد إسماعيل؛ هجومه ويتم ضربه. فإذا ما تحقق 
ذلك وتم ضرب الهجوم المصري. فإن عملية التقدم للنفاذ من ثغرة ما بين الجيشين سوف تكون 
أسهل وأضمن. 





من ناحية أخرى. كانت أجواء ميادين القتال صباح يوم تطوير الهجوم مزدحمة بإشارات 
الخطر؛ فقد بدأ الهجوم المصري المنتظر نحو المضايق في الساعة السادسة صباحاً. وكان 
ظاهراً منذ البداية أن القوات الإسرائيلية مستعدة لمقابلة الهجوم» ومزودة بمعلومات مسبقة 
عن اتجاهاته الاساسية. كذلك فإن سيل الإمداد الأمريكي لإسرائيل بدأ يصل إلى الجبهةء 
وأهم بنوده صواريخ «تاو» (7019) المضادة للدبابات والمحملة على طائرات هليكوبتر» 
ونزلت بها الطائرات الأمريكية في مطار العريش» ودخلت فوراً للعمل في المعركة التي 
بدات تحتدم وقتها. وقد أضيف إلى ذلك عنصر آخرء وهو أن تدفق المدد العسكري 
الأمريكي على إسرائيل دفعها مطمثئة إلى استعمال مخزون احتياطياتها الاستراتيجية في 
المعركة بلا تردد. 

وكان السادات يتابع تطورات المعركة منذ الصباح. وفي الساعة الواحدة ظهراً توجه إلى غرفة 
العمليات؛ المركز الرقم (10)) ليتعرف إلى خرائط العمليات كيف تسير الأمور. ولم يكن ما رآه 
مشجعاً. نقد بدأ الهجوم المصري نحو المضايق يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر في الساعة 
السادسة صباحاًء وعندما جاءت الساعة الثالثة بعد الظهر. طلب الفريق أول أحمد إسماعيل من 
السادات إيقاف الهجوم ‏ لأن خسائر مصر من الدبابات قد وصلت إلى 250 ديابة» وكان ذلك 
يفوق الاحتمال» كما كان العدو قد تمكن من تثبيت الجبهة السورية» بل وأصبح يهدد دمشق 
ذاتهاء وكانت القيادات الإسرائيلية تعد العدة لبد ميزنا المضاد على الجبهة المصرية» وتنتظر 
الهجوم المصري على المضايق ‏ فأذن السادات له؛ وعاد إلى قصر الطاهرة وهو في حال من 
الاكتناب النفسي استولت عليه. 

القد أصدر السادات أمراً بعبور الفرقتين المدرعتين (4) و(21) من غرب القناة إلى الشرق» 
والتقدم إلى الممرات؛ بحجة الضغط على سورية» وحاول الشاذلي إقناع أحمد 
إسماعيل يأن إسرائيل لديها 8 فرق أمام القوات المصرية في سيناء» وهى كافية لتدمير أي هجومء 
بدون سحب جندي واحد من سورية؛ وتكون النتيجة استشهاد جنودنا دون استفادة سورية من 
ز الفركين ومعهما 400 تبلية رات الولايات المتحجدة تاكن من عدم وجود فزق 















الصعود إليهاء لتصوير ساحة القتال. وعندما لاحظها الشاذلي عل يفيت لكن مني 
هل يجيب من تواطأ؟ وتم تدمير 250 دبابة في ساعة. وسمي هذا اليوم في يوميات الحرب: 
«اليوم الاسود». بل لقد حدث ما هو أكبر من ذلك؛ فقد كان من المخطط أن تكون هناك ضربة 
جوية ثانية خلف خطوط العدوء لتعطيل الهجوم المضاد المتوقع أن يبادر إليه» ولحماية 36 
طائرة هليوكوبترء كان قد جرى إمرارها خلف خطوط العدوء تحمل مجموعة من قوات الصاعقة» 
جرى نشرها على طرق الاقتراب المتوقعة. ونظراً لى فشل تطوير الهجوم؛ وإلغاء الضربة الجوية 





297 


ةكد جعزي باد هق لفرت التي لدكل نسق بافنلك معير عن طارات ااولرتومة 
ونصف ما يتوافر لديها من قوات الصاعقة أيضاً”. 

طالب الشاذلي بعودة ما تبقى من الفرق التي عبرت لمقاومة 30 دبابة إسرائيلية آنذاك» 
تسللت وعبرت القناة. قال السادات: «لو كررت طليك سأسجدك». وجرى عبور 1000 دبابة 
إسرائيلية لم تجد من يقاومهاء لآن الفرقتين اللتين عيرتا كان الشاذلي قد أعدهما لصد أي تسلل 
إسرائيلي غرب القناة”, 

في هذا السياق فإن كارثة تدمير اللواء المدرع 25 تستحق إشارة خاصة: وأن يفرد لها بند 
خاص؛ ضمن القرارات الخاطنة التي اتخذها السادات في إدارة العمليات العسكرية. ففي يوم 
16 تشرين الأول /أكتوبرء وبعد عودة السادات من «خطاب النصر» في مجلس الشعب. ظهرت 
مانير على التلفزيون الإسرائيلي لتعلن للعالم أن الجيش الإسرائيلي يحارب في أفريقياء وهو ما 
كان صحيحاً؛ فكتيبة دبابات برمانية تعاونها كتيبة مظلات من فرقة شارون عبرت القناة ليلة 16 
تشرين الأول /أكتوبر. واجتمع السادات في القيادة» وعرض الشاذلي والجمسي الموقف. 
وعرض ضباط الاركان. وضباط هيئة العمليات الخطط المتوقعة لتدمير القوات الإسرائيلية غرب 
القناةء حيث المعلومات أنها كانت 7 دبابات فقط. وهو ما لم يكن صحيحاً بالمرة. وكانت كل 
لكن بماذا؟ فلا يوجد احتياطي مدرع من الدبابات 
الثاني» وما تبقى من الفرقة (21) مدرعة لا تزال في رأس كوبري الفرقة (16) 





















الا تتحدث عن ضربة مدرعة غرب 





وهنا طرحت فكرة سحب اللواء (25) مدرع مستقل» أحد أقوى ألوية الجيش المصريء من 
رأس كوبري الجيش الثالث» وتحركه للشمال, غرب القناة» وسط القوات الإدارية» وتحت 
حماية الدفاع الجويء وتوجيه ضربة قوية مع اللواء (23) مدرع القادم من القاهرة» من احتياطي 
القيادة العامة ومعه كتيبة مظلات. ا تكون ضر بعدد (2) لواء مدرعء وكتيبة مظلات» ضد 
القوات الإسرائيلية في غرب القناة. وهي فكرة صحيحة (100 بالمئة) عسكرياًء تحقق عوامل 
النجاح من حشد للقوات وقوه الصدمة والأمان للقوات المتحركة» والحماية من التدخل الجوي 
الإسرائيلي» وتقليل مسافة خطوط الإمداد والتموين» ومعرفة الارض جيلاً. 

الكن السادات رفض تلك الخطة بشدة» وأصر على عدم سحب أية قوات من شرق القناة إلى 
غربهاء حتى على سبيل المناورة بالقوات» وتحقيق الهدف المنشود بدرء الخطر عن الجيش 
الثاني» وعلل السادات رفضه بخوفه من انهيار معنويات الجيش الثالث عند سحب اللواء (25) 



















42) الشاذلي. المصدر نفسه صن 525 551. 
(ذ4) المصدر تقسه. 


28 


مدرع إلى الغرب» وهو أمر يتنافى تماماً مع إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة عام 
7 والروح المعنوية التي اكتسبتها مع النصر الكبير الذي تحقق منذ انطلاق الحرب عام 
لغلا . بل إن شارون هو الذي اعترف بأن أهم المفاجآت التي شهدتها الحرب تتمثل بنوعية 
المقاتل المصري. التي تختاف جذرياً عما كانت عليه في حرب عام 1967 . كما أن معنويات 
الجيش الثالث لم تتأثر عندما حدثت الشغرة» رغم تضخم مساحتهاء والعجز عن إزالتها 
ولا اهتزت عندما جرت محاصرة مديئة السويسء بل ومحاصرة الجيش الثالث نفسه. فضلا عن 
أن إعلان السادات أن المقاومة الشعبية ‏ لا القوات المسلحة؛ وهو أمر له مغزاه ‏ تقوم بأعظم 
الأدوار دفاعاً عن مدن القناة. ما يعني أنه غدا بلا ظهر يحميه من القوات المسلحة: لكنها اعتبرته 
أمراً وارداً في مجريات الحرب. 

أصدر السادات أوامره بتوجيه ضربة للواء (25) مدرع من الشرق» حيث يتحرك في أرض لم 
يجر استطلاعها من قبل؛ وليس تحت غطاء الدفاع الجوي. وبدون حماية جوية. مع بده تحرك 
اللواء من رأس جسر الفرقة السابعة مشاة تعرض لقصف مدفعي بعيد المدى. وهجمات جوية 
بقنابل البلي» الجيل الأول من القنابل العنقودية» ما أدى إلى توقف عدة عر 1 
الإطارات» وتوقفت كل عريات مدفعية اللواء. بعد أن مر بنقطة كبريت المحررة؛ ما حرمه من قوة 
المدفعية الخاصة به. 

يقول الجنرال أدان: «لقد كنا بانتظار هذا اللواء. وجهزنا له منطقة قتلء وكانت الرؤية مثالية. 
فقد كان لنا هذا اللواء هدفاً مثالي». فقد رصد الإسرائيليون تحركه شرق القناة وبدون حماية. 
وأعدوا له كميئاً بواسطة لواءين مدرعين؛ في وجود دائم لطيران العدو. الذي دمر مدفعية اللواء 
أولآًء ثم بدأ يضرب الدبابات بكل أريحية؛ بدون أي تدخل من أية قوات مصرية لحمايتف 
وأصيب قائد اللواء العميد أحمد بدوي؛ هكذا عندما وصل اللواء إلى مث َه جنوب تل سلام 
بنحو 2 كيلو متر على مسافة بعيدة جداً من منطقة دقع قع في الكمين المحكم الذي أعده له 
المقدمة في كمين من الجهات كافة» وأصيبت بخسائر فادحة؛ واستطاعت 
عدة دبابات !! اننشار في اليمين واليسار وفتح نقاط ضرب على الكمين» وكانت ستائر صواريخ 
المدفعية المضادة الإسرائيلية مؤد مؤثرة جداً في اللواء. وطلب قائده دعم مدقعي وجوي. بالإضافة 
إلى السماح له بالتمسك بالارض» لكن قيادة الجيش رفضت تمسكه بالارض؛ وأصرت على 
المهمة؛ وعليه أمر قائد اللواء قوانه بفتح النسق الثاني» ومحاولة تطويق كمين العدو. 
فحاولت كتيبة اليمين التقدم لكنها أصيبت بخسائر جسيمة: أما كتيبة اليسار التي حاولت الفتحء 
افقد وقعت في حقل ألغام وأصيبت معظم الدبابات؛ وطلب قائد اللواء مرة أخرى التوقف. 
وتحسين الاوضاع ودعماً مدفعياً. لكن الأوامر كانت صارمة بالتقدم ومقابلة الفرقة (21) 
المدرعة؛ لكن الرجل تصرف؛ فقد أمر دباباته بالانتشار في نطاق اللواء والاستتار بالهينات 
































299 


الحاكمة؛ والتراشق الثيراني فقطء وعندما هبط الليل ارتد بالباقي من دباباته إلى نقطة كبريت. 
هكذا بعد ساعة من تحركه الفعلي يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر جرى تدمير 86 دبابة من اللواء 
(25) مدرعء وتعود عشر دبابات منه إلى نقطة كبريت» وتفشل مهمته وينتهي دور أقوى ألوية 





الجيش المصري المدرع في ثلاث ساعات. 
تقول المصادر الإسرائيلية أن اللواء (25) دخل المعركة بقوة 96 ديابة دمر منها 86 دبابة في 


أرض الكمين. هكذا أسدل الستار على اللواء (25) مدرع يوم 17 تشرين الأول /أكتوير 
بخسارته 85 بالمئة من دباباته في معركة أسيء التخطيط لهاء وأسيء القيادة فيها من قبل 
الجيش الثالث. 

أما اللواء (23) مدرع فقد وقع في كمينء وجرى تدميره غرب القناة هو الآخر واستشهد 
قائده. بينما أصدر السادات أوامره للعميد إبراهيم العرابي بدفع ما تبقى من الفرقة (21) لإغلاق 
ممر العبور شرق القناة. بهجوم من الشمال للجنوب» ومقابله دبابات اللواء (25) مدرع ما أدى 
إلى تدمير عدد آخر من دبابات الفرقة (21) مدرعة» ووصل عددها نهاية يوم 17 تشرين الأول/ 
أكتوبر إلى (10) دبابات فقط. 

وعلى هذا يكون السادات بقراراته العسكرية الخاطثة لإدارة معارك يوم 17 تشرين الاول/ 
أكتوبر قد ساهم في تدمير 250 دبابة مصرية أخرى تقريبًء إضافة إلى 250 دبابة جرى تدميرها 
بقراره الخاطئ بتطوير الهجوم يوم 14 تشرين الأول/أكتوبرء ويكون المجموع 500 دبابة» أو ما 
يعادل 5 ألوية مدرعة بالتمام والكمال! 

ومن اللافت أن قائد اللواء (25) مدرع عندما جاءت إليه أوامر السادات بأن يهجم على 
القوات الإسرائيلية في قلب سيناء» دون حماية حتى من الطائرات؛ اتصل بالفريق الشاذلي» وقال 
له: «أنا مش خايف من الموت. بس ارجع إلى الضفة الغربية للقناة في حماية الصواريخ» وسأييد 
من يعبر القناة من الإسرائيليين» لكن ماذا تستفيد من قتلي دون تحقيق الهدف؟». فرد الشاذلي: 
"إن السادات لا يريد إلا ذلك, وكان تعليق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث: «حسبي الله 
ونعم الوكيل» ثلاث مرات» وأضاف: «إن هذا اللواء سيباد عن آخره". وعندما تقدم اللواء أبيد 
عن آخره ولم ينج جندي واحد. وعبرت القوات الإسرائيلية قناة المويس» ودمرت الصواريخ» 
وحاصرت الجيش الثالث» ومدينة السويسء ونقلت كل ما نقله» ودمرت الباقي» واستمر 
الحصار 11 يوم بعد اسشهاد الآلاف. ولم ترجع القوات الإسرا بدباباتها إلا بعد رجوع 
الدبابات المصرية التي عبرت إلى سيناء. إلى غرب القناة مرة أخرى" 




















(44) عبد المنعم راصل. الصراع العربي ‏ الإسرائبلي؛ ترجمة غازي السعدي (عتان: دار الجليبل. 4)1984 صن 212. 
والشاذلي؛ المصدر نفسه. صن 525 - 551. 


وفي يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر زار السادات مقر القيادة؛ واستمع إلى تقرير من أحمد 
إسماعيل؛ ثم طلب من سعد الدين الشاذلي أن يتحرك فوراً إلى الجبهة؛ وأن يتولى بنفسه وضع 
خطة على الطبيعة لمواجهة تطورات الموقف في الثغرة. التي حدئت في الجبهة» بعبور قوات 
إسرائيلية إلى غرب ١‏ 

أدَى الشاذلي المهمة, ثم عاد إلى مقر القيادة؛ بعد أن قضى في الجبهة 48 ساعة. وقدم 
تقريراً إلى إسماعيل» ورد فيه أن المعركة تتطور بسرعة على الجبهة؛ وأن «توز 
مطلقاً مع متطلبات المعركة» وأن مسؤولية كل قائد هي أن يحشد قواته وإمكانياته في المعركة.. 
لا أن يترك جزءاً منها يقاتل تحت ظروف 
واقترح الشاذليء في نهاية تقريره. سحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق 0 
الإسرائيلي في الغرب. كان ذلك رأي رئيس الاركان في السابق, وقد عاد إليه لاحقأء لكنه سابقاً 
ولاحقاً لم يستطع إقناع إسماعيل به. واحتدمت مناقشات في القيادة: أظهرت انقساماً خطيراً في 

















الأعلى للقوات المسلحة لحسم الخلاف. واتخاذ القرار بمقتضى مسؤولياته التار, 





انحاز السادات لرؤية إسماعيل» ولم يطلب من الشاذلي حتى عرض وجهة ن 
الأخير الكلمة. 

إن عرض رولية السادات» ورواية الشاذلي» ورواية عبد الغني الجمسيء حول ما جرى في 
هذا الاجتماع الشهير في تاريخ حرب عام 1973؛ مجردة ويصرف النظر عن الاختلاف ينها 
يمكن استنتاج أمرين: أولهماء أن القيادة العامة للقوات المسلحة كانت في ذلك الوقت منقسمة 
بآراء متعارضة» وقد تداخل هذا الانقسام مع توترات خصومات شخصية سابقة. والآمر على هذا 
النحو يمكن أن يحب تأثيره سلبياً على مار العمليات. وثانيهماء أن القوات المسلحة 
المصرية نفها كانت على كل جبهات القتال تحارب بشجاعة وكفاءة. رغم ارتباك اليد التي 
تمسك أمورها بحزم وتوجه جهدها باقتدار. 

إزاء هذه التطورات كان السادات في حال من العصبة الشديدة؛ فقد أحس أن الأمور على 
الجبهة مهددة بالتدهورء وبخاصة أن القوات المقاتلة في ميادين القتال بدأ يساورها شعور بأن 
قيادتها في القاهرة غير ممسكة تماماً بزمام الموقف. وكانت القراراث العسكرية تصل إلى الجبهة 
مترددة في بعض الأحيان ومتضارية. وأحس السادات بأن المسؤولية انتقلت إليه بالكامل» وأن 
القيادة العسكرية نقلت إليه أعباء الصورة العامة طالبة منه أن يتصرفء وليس أمامه غير أن 
يتصرف. 

















(45) الشاذلي. المصدر نقتي صن 41. 


30 


ولقد ضاعف من مأزق السادات ‏ حسب الشاذلي ‏ أنه «لم يعلن قط أن الهدف الذي حدده 
للقوات المسلحة قبل الحرب» كان هو الوصول إلى المضايق. وحيث إنه هو الذي أمر يوم 12 
من تشرين الأول/أكتوبر بالتطوير نحو المضايق» وحيث إن هجومنا نحو المضايق يوم 14 من 
تشرين الأول/أكتوبر ‏ تنفيذاً لقرار السادات» وذلك على الرغم من المعارضة الشديدة من القادة 
العسكريين ‏ قد فشل فشلاً ذريعاً... فإن السادات لجأ إلى تبرير هذا القرار الخاطئ بأن الغرض 
منه كان هو تخفيف الضغط عن الجبهة السورية. وهذا الادعاء هو أكذوبة كبرى من أكاذيب 
السادات الكثيرة»؛ وذلك لثلاثة أسباب!*": 

أولهاء أن السادات بنفه قد أبلخ هيكل مساء 1١‏ تشرين الأول/أكتوبرء حرفياً: «أنا مرتاح 
للموقف في سورية... السوريين تمكنوا من تثبيت الجبهة. والإمدادات تتدفق عليهم من الاتحاد 
السوفياتي»: فإذا كان هذا هو رأي السادات مساء ١‏ فما الذي دفعه إلى إصدار الأمر صباح 12 
الضغط على الجبهة السورية؟ وما الذي حدث خلال العشر ساعات 


















وثانيهاء أن قدرة سورية على صد الهجوم المضاد الإسرائيلي؛ بلغة الأرقام» كانت مؤكدة؛ بل 
إن الموقف النسبي بين سورية وإسرائيل على الجبهه السورية» كان أفضل من الموقف النسبي 
بين مصر وإسرائيل على الجبهه المصرية. 

وثالئهاء أنه طبقاً لاصول العلم العسكري. وما تتمتع به إسرائيل من موقع مركزي بين 
الجبهتين المصرية والسورية» ما يمكنها من العمل على خطوط داخلية؛ واضطرار الجبهتين 
المصرية والسورية إلى العمل في خطوط خارجية: وابتعاد الجبهتين المصرية والسورية عن 
بعضهما نحو 500 كم. والتفوق الجوي الإسرائيلي الساحق.. فإن كلا من الجبهتين المصرية 
والسورية لا تستطيع الضغط عن الأخرى. 

ثم يقدم الشاذلي ثلاث حقائق» وينتهي منها إلى طرح سؤال خطير: أولاهاء أنه لم يحدث أي 
تغيير جوهري على الجبهه السورية خلال الساعات العشر التي سبقت انخاذ السادات قراره 
الخاطئ بتطوير الهجوم نحو المضايق؛ وثانيتهاء أن الجبهة السورية كانت متماسكة» وأبعد ما 
تكون عن الانهيارء كما تؤكد الاحداث؛ وطبقاً لما ورد في حديث الادات نفه ماء || 
تشرين الأول/أكتوبر؛ وثالشهاء أن القائد العام أحمد إسماعيل لا بد أنه أخطر السادات بالمخاطر 
التي سوف تجابه قواته أثناء تحركهاء ويبدو ذلك جلياً من الحديث الذي أدلى به إسماعيل إلى 
هيكلء بعد الحرب قي 1973/11//14. في ضوء هذه الحقائق الثلاث يطرح السؤال الأتي 
الخطير: لماذا إذاً اتخذ السادات هذا القرار؟ 











(46) المصدر تق صن ديع 


ويجيب: «لقد ذهب خصوم السادات إلى حد اتهامه بالخياتة» وأنه كان عميلاً للاستخيارات 
الأمريكية؛ وأنه كان يتقاضى راتباً شهرياً من 18© عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية. وهم 
يستندون إلى ما نشر في الصحف الأجنبية عام 1978ء ثم أكده الصحافي الأمريكي بوب وودورد 
في كتابه الذي نشر في آب/أغسطس 1987 بعنوان: الحروب السرية لوكالة الاستخيارات 
المركزية. والذي يعطي لهذا الكتاب أهمية خاصة أنه صدر بناء على أحاديث أجراها وودورد مع 
كاسي مدير الاستخبارات الأمريكية؛ وفي حياة السادات؛ 

ويضيف الشاذلي: «أما من ناحي, فإني أعتقد أن ذلك كان يرجع إلى شوف 
وتعاظمت لدى السادات» بعد نجاح قواتنا في عبور قناة السويس؛ كرد فعل لما عاناه في طفولته. 
البائسة»؛ حيث كان يعيش تحت خط الفقرء كما ورد في كتابه: البحث عن الذات: قصة حياني» 
مقارناً ذلك. في حديثه مع هيكل في ١١‏ تشرين ن الأول /أكتوبر» عندما طلب من الرئيس العراقي 
0 رة الردع من بغداد فاستجاب إلى طليه على الفور» معقباً على ذلك: احكمتك يا 

... كل الناس في الوطن العربي بياخدوا مني دلوقتي أوامر... أقول أي شيء يقولوا حاضر 

ا ويد أن تصور أن نجاح عمية الور قد جمل م بطلا مصرية ٠‏ فلماذا لا يستغل 
هذا الموقف لكي يصبح بطلا عربياء مثل صلاح الدين وغيره من القادة الأبطال! 

ويختتم: إذا علمنا أن السادات لم يخدم بالقوات المسلحة سوي ثلاث سنوات في 
الاربعينيات. وأنه ليس بقارئ. وليست له أية ثقافة عسكرية» وأنه لم يتولٌ أية قيادة ميدانية... 
فإننا لا نتجنى عليه إذا وصفناه بالجهل. وإذا اجتمعت الشوفينية والجهل في شخص ما فهي 
لا بد أن تؤدي إلى الكوارث»"*. 

يلاحظ من سرد السيرة الذاتية أن فترة خدمة السادات في القوات المسلحة هي 6 سنوات 
(من 1938 1941 رتبة ملازم ‏ ملازم أول ‏ من 1950 1953 نقيب)» قضاها ني سلاح 
الإشاره؛ وهو سلاح فرعي ولم يتلق خلال فتره خدمته دراسات علياء في التكتيك العسكري 
وأركان الحرب, ولم يُشر في تاريخ حياته إلى حصوله على دورات عسكرية ابتدانية أو متقدمة» 
ومن الواضح من سرد التطورات أن السادات كان منهمكاً في السياسة والصحافة؛ بقدر أكبر 





ات 























كثيراً من التعمق في العلوم العسكرية. 
لم يتوقف الأمر عند تدخل السادات في إدارة العمليات العسكرية» وفق أصول القيادة 
والسيطرة» وما تمليه من الاحترام الصارم ادي الهرمي. بل عمد إلى الاتصال المباشر 


وإعطاء التعليمات للقادة الاصاغرء دون معرفة القيادة العليا. فقد تدخل السادات يوم 18 تشرين 


(3ه ,19871 ,سعد لاحد ممصن جعلمول سماة) 1981-1987 ,14 مطل إن جمعالا حمق 114 انا ,لامدسطموةا هما 
1 


(48) الشاذلي. حوب أكتوير: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. ص 544 545. 


30 


الأول /أكتوبر في الأوامر العسكرية بفتح اتصال مباشر مع العميد إبراهيم العرابي» قائد الفرقة 2 
التقهقر إلى الشمال مسافة 5 كيلو مثر لكي يكون موازياً لقوات المظلات؛ التي 
وعندما اندهش العرابي من هذا الأمر بدون أن يكون عليه أي ضغط من 
المدرعات الإسرائيلية: رد عليه السادات قائلاً له بالنص: «علشان كتفك يكون في كتف عزمي». 
ويقصد هنا العقيد إسماعيل عزمي قائد اللواء 182 مظلات. العامل في الطرف الآخر للقناق 
لزي السنب تح اطاط رمات ارا نم الشمال. وبذلك يكون السادات قد أعطى 

إسرائيل عرضاً زائداً في ممر العبور من شرق القناة إلي غربها قدره 5 كيلو مترات؛ بدون أي 
اضغط قتالي ما يعني تأميئا كبر لعبور دباباتهم . علماً بأن اللواء (14) مدر. رع الإسرانيلي ظل طوال 
أيام 15 16 17 18 يحاول توسيع هذا الممرء في ما عُرف إعلاماً بمعركه «المزرعة الصينية» 
وما تلاهاء حتى نجح في احتلال المزرعة يوم 17ء لكنه لم يستطع التوسع شمالاً أكثر من ذلك 
لضراوة الاشتباكات مع الفرقة 16 مشاة وما تبقى من الفرقه 21 مدرعة؛ وتعاظم خسائر اللواء 14 
إلى درجة جعلت القياده الإسرائيلية تجدد دبابات اللواء مرتين خلال القتال بالدبابات القادمة 
من الجسر الأمريكي. 

من المهم في هذا السياق التركيز على نقطة محورية؛ القائد الأعلى للقوات المسلحة يتخطى 
جميع مرؤوسيه. ويتصل مباشرة بقائد فرقة مدرعة ليعطيه أوامر» بدون معرفة هيئة الأركان العامة 
وهيئة العمليات. وقائد الجيش الثاني وقتها (كان يدير قيادة الجيش يوم تلك الواقعة الشاذلي 
ذاته بأوامر من السادات لتصفية الثغرة) وبدون تنسيق مع أي قوات أخرى؛ وباتصال مباشر 
ققط. 

ويتكرر نفس الموقف مع المقدم عاطف منصف قائد الكتببة 85 مظلات في معركة جبل 
مريمء يوم 22 تشرين الاول/أكتوبر» في معركة الدفاع عن الإسما: فيتصل به السادات 
مباشرة معطياً التعليمات للقتال لآخر طلقة وآخر رجل. وهي تعليمات معنوية في المقام الأول 
لكنها كانت تعكس للضباط انعكاساً سيئاً فأين القيادات التي من المفترض أن تنقل تلك 
التعليمات المعنوية في شكل منشور أو رسائل لاسلكية ما يعطي القائد صورة خاطئة عن 
خطوره الموقف في بقية الجبهة؟ 

من ناحية أخرى فإن موضوع تطوير الهجوم إلى المضايق الحاكمة في سيناء يقتضي وققة 
خاصة تستند إلى معالجة مبدنية وموضوعية؛ في ضوء تضارب الروايات والمذكرات والخطط 
والعمليات. 

١‏ إن «أمر القتال» الذي صدّق عليه جمال عبد الناصرء قبل رحيله بأيام؛ كان يقضي بيده 
معركة التحرير يوم 1970/11/7» فور انتهاء مهلة وقف إطلاق الثار حسب «مبادرة روجرز 
بهدف تحرير الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بالكامل» خلال مدة زمنية 





















304 


قدرها 12 يوماء بعد وقفة تعبوية وحيدة وقصيرة عند الوصول إلى خط المضايق. وذلك كله 
إنق في: مذكرات الفريق أول محمد فوزي: حرب الثلاث سنوات: 1967 - 1970. 

فضلاً عن ذلك يشير الفريق أول محمد فوزي في تلك المذكرات إلى أنه تولى قيادة مشروع 
تدريبي على مستوى استراتيجي في آذار/مارس عام 1971: في ظل رئاسة السادات» شاركت فيه 
كل وحدات القوات المسلحة: يمائل سيناريو حرب التحرير بالكامل؛ لاختبار خطة العمليات 
«جرانيت»؛ ومدى تنفيذ واجبات العمليات لجميع التشكيلات: بحضور جميع المستشارين 
السوفيات. الذين قاموا بدور حكام المشروع. وقد أخبره قائد فريق التحكيم السوفياتي عن 
موقف طارئ أثناء مجريات المشروع» يتمثل بنجاح قوات العدو في اختراق صفوف القوات 
التي نجحت في العبورء في موقعين أحدهما في منطقة الدفرسوارء قأبلغه بقراره استخدام 
الاحتياطي التعبوي غرب 7 نية الشغرة وإبادتهاء ثم مواصلة التقدم حتى الاستيلاء على 
خط المضايق. ومن ثم إلى الحدود الدولية لمصر مع فلسطين المحتلة: وأن القائد السوفياتي 
قد هنأه على قراره. ولااشك في أن السادات قد اطلع على تقرير وافٍ عن هذا المشروع. 
وبخاصة أنه كان قد أكد الموافقة على شن حرب التحرير في الشهر التالي مباشرة؛ يوم 
0/4 وأن استقالة الفريق أول محمد فوزي في 1971/5/13 ترد إلى رفض السادات التوقيع 
على «أمر القتال» في 1971/5/1١‏ 

2 - أن حافظ الأسد قد اشترط للدخول في حرب مشتركة مع مصر أن يكون الهدف منها 
تحرير الاراضي المصرية والسورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بالكامل وهذا يعني رفض 
فكرة «الحرب المحدودة». ويشير الشاذلي إلى ما ترتب على ذلك من عرض خطط قتال 
«وهمية». أو «وثيقة مزورة»» وفقاً لتعبيره. على القيادات العسكرية السورية, أثناء التحضير 
اللحرب» كما تقدم» تتضمن وقفة تعبوية وحيدة عند الوصول إلى خط المضايق. أي أن الفكرة 
كانت مطروحة: بل ولا بد أنه كان هناك تدريب فعلي على تحقيق تلك المهمة, في إطار 
التدريب العام على الخطة بأكملهاء حتى إذا كانت وهمية أو مزورة؛ لإقناع السوريين يجديتها. 

3- لم يكن من المتصور أن فكرة تطوير الهجوم إلى المضايق قد هبطت فجأة على تفكير 
السادات دون أن تكون قد طرحت أمامه مرات ومرات» وذلك لأربعة اعتبارات على الأقل: 

أولهاء أنه حضر اجتماعات عديدة؛ ومشروعات تدريبية متنوعة؛ بحكم منصبه إلى جانب 
جمال عبد الناصر رنيساً لمجلس الامة» ثم نائباً لرئيس الجمهورية: حيث كانت تناقش خطط 
العمليات» التي كانت مبنية على وقفة تعبوية وحيدة عند الوصول إلى خط المضايق. 

وثانيهاء أن عزل الفريق أول محمد صادق من منصب وزير الحربية كان يرجع؛ في جاتب 
من الأمرء إلى أنه لا يؤيد فكرة «الحرب المحدودة»؛ أي أنه يؤيد فكرة الحرب الشاملة التي 


















305 


تهدف إلى الوصول إلى الحدود الدولية المصرية؛ ما يعني بالضرورة وقفة تعبوية عند الوصول 
إلى خط المضايق. 

وثالثهاء أن السادات هو الذي فرض على القيادات العسكرية المصرية» وبخاصة وزير 
الحربية ورئيس الاركان. مجاراة السوريين في شأن تطوير الهجوم إلى المضايق. وفكرة خطط 
القتال «الوهمية»» في الاجتماعات العسكرية المصرية ‏ السورية» تحضيراً لحرب عام 1973 

ورابعهاء أن حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي قد أشارء في كتابه: أمن مصر القومي 
في عصر التحديات» إلى ما يأني: «كنت من خلال أحاديثي مع الفريق أول أحمد إسماعيل» 
قبل نشوب الحرب. أدرك أنه لا ينوي التقدم حتى الممرات الجبلية. وأن ما جاء في تعليمات 
عمليات القيادة العامة بأن الهدف هو احتلال المضايق؛ إنما قصد به حث القيادات الصغرى» 
اء رؤوس الكباري. على استمرار التقدم حتى الهدف المباشرء لكننا سوف 
ادة العامة تتضمن أن الهدف هو 
احتلال المضايق». حتى إذا كان ذلك بهدف «حث القيادات الصغرى» على استمرار التقدم؛؟ 
فلا بد أنه كان هناك تدريب فعلي على تحقيق المهمة, في إطار التدريب العام على الخطة 
بأكملها. 








٠‏ الفكرة: بل بالعكس كان معارضاً لها من حيث. 
المبدأء عندما أصدر أمر القتال» متضمناً تحرير 10 15 كم شرق القناة: لكنه اضطر إليها 
رات متعددة. وليس أدل على ذلك من أنه أصدر قرار «الوقفة |٠‏ :» والقوات المسلحة 
انتصارهاء وقد حققت الهدف المباشر يومي 6- 1973/10/7 ويفترض أن القرار الذي 
ره هو تطوير الهجوم باتجاه المضايقء حسب تأكيد الجمسي رئيس هيئة العمليات» 
الاهذه الوققة العبثية! 

4 أن اللواء الجمسي قد أكد في مذكراته: «أن يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر كان اليوم المحدد 
لتطوير الهجوم المصري نحو المضايق» حتى لا تنتقل المبادأة إلى جانب العدوء ولسوء أوضاع 
العدو النفسية وقدراته القتالية إثر صدمة العبور» لكنه عندما ناقش الفريق أول أحمد إسماعيل 
















في الأمر رفض الأخير ذلك. وفضل الدفاع عما تحقق من مواقع ثابتة. وعدم المغامرة بتطوير 
الهجوم» لكن «الوقفة التعبوية» التي فرضها السادات قد أهدرت هذه الذ 
جاءت «أوامر السادات» الجديدة بتطوير الهجوم كانت الفرصة قد أفلتتء نتيجة لتغير موازين 


القوى على الارض'*". 





(50) الجمسي. حرب أكتوير: مذكرات الجمسي. ص 383. 


206 


في ضوء ذلك من غير المعقول أن يذهب الشاذلي في مذكراته إلى أن الجمسي لم يكن 
يعرف أن الخطة لا تتضمن الوصول إلى خط المضايق» وهو القيادي الثالث في 
العامة للقوات المسلحة» بحكم توليه منصب رئيس هيئة العمليات! الحقيقة أن الشاذلي وأحمد 
إسماعيل علي كليهما لم يكن مؤمثاً بهذه الفكرة» كما السادات". 

لقد حسم الجمسي في مذكراته هذا الجدال, بأسلوبه المهذب والحاسم في الوقت ذاته» رداً 
على الشاذلي في شأن «الخطة» ومن وضعهاء قائلاً: أهمس في أذن الشاذلي» يكل الود 
والاحترام» وأقول له إن خطة حرب أكتوبر 1973 قد وضعت» بعد أن استغرق العمل فيها وقتا 
طويلاًء بواسطة هيئة العمليات للقوات المسلحة.. واشتراك الأفرع الرئيسية لهذه القوات - جوية. 
وبحرية ودفاع جوي ‏ والأجهزة والقيادات المختلفة» ووافق عليها الفريق الشاذلي رئيس 
الأركان» وصدق عليها الفريق أول أحمد إسماعيل القائد العام بتوقيع كل منهما مع توقيعي 
على وثائقها - قبل الحرب بوقت طويل. وطالما أن الخطة وضعت لتحقيق هدف استراتيجي 
عسكري تطوير الهجوم إلى المضايق في مرحلة التخطيط»”*. 

5 أن التبرير الذي قدمه الشاذلي لعدم اقتناعه مبد: تطوير الهجوم نحو المضايق 
كان من الممكن أن يكتسب جدارته إذا استند إلى عدم تدريب القوات على هذه «المهمة 
الجديدة»» ما يتفق مع تأكيده أهمية وضرورة عدم تغيير الهدف أثناء العمليات» لكنه استند أساساً 
إلى أمرين: 

أولهماء طارئ. يتعلق بالمناقشات التي دارت بين القادة عندما أبلغهم وزير الحربية «القرار 
السياسي»* الذي أصدره السادات بتطوير الهجوم إلى المضايق» ويرد عدم اقتناع الشاذلي» والقادة 
عموماًء إلى تغير موازين القوى على الارض لمصلحة إسرائيل» أي أن التطوير كان مكنا إذا لم 
ايحدث هذا التغير في موازين القوى. وفي جميع الحالات فإن مرحلة المناقشات شهدت عرض 
كل وجهات النظرء المعترضة والمتحفظة والمتخوفة, لكن بعدها جاءت مرحلة الالتزام 
العسكري بالقرار السياسيء والتعهد بالتنفيذ بمتهى الجدية والكفاءة والمهنية» مع توقع بال كل 
الجهد من أجل تحقيق الانتصارء مهما كان الرأي السابق في مرحلة المناقشة. لكن يبدو أن 
مرحلة التنفيذ قد انطلقت من أن التفوق الإسرائيلي كان بمثابة قدر لا رادٌ له» وكأن الهزيمة 
حتمية» وهذا ما حدث في غضون عدة ساعات. 

وثانيهماء أصليء يتعلق بالمناقشات العامة التي دارت حول تطوير الهجوم إلى المضايق» 
ويرد نقد الفكرة إلى عدم القدرة الاصلية على تحريك قواعد الصواريخ إلى شرق القناة» بزعم 























(51) الشاذلي. المصدر تقو 537530 
(52) المصدر نفسه. ص 425 


307 





أنه «خط ثابت». يصلح لتغطية القوات على الضفة الشرقية آة في حدود (10 -15) كم أي 
مرحلة العبور فقط. وما عدا ذلك يخضع للتدمير بحكم تفوق الطيران الإسرائيلي الكاسح. وهذه 
الحجة جرى ترديدها كثيراًء حتى أصبحت بمثابة «حقيقة مطلقة» لا يرقى إليها أي شك. 

ما هو الرد على هذا الزعم الاصلي بالتحديد؟ كما ورد في: مذكرات الفريق أول محمد 
فوزي: حرب الثلاث سنوات: 1967 1970: لقد «اعتمدت خطة تحرير الأرض الشاملة» الخطة 
(200)» ومرحلتها الأولى «جرانيت: على حائط الصواريخ كأساس تعتمد عليه القوات في 
عبور قناة السويس. وفي تقدمها شرقاً حتى تصل إلى الهدف النهائي؛ وذلك بإجراء نقلات 
مجالية لأنساق شبكة الدفاع الجوي. حسب معدل وصول القوات شرقاً. هذه الأنساق تتعاون مع 
بعضها البعض. ومع التكتل الموجود غرب القناة وأسراب المقائلات الميغ (21) المكملة لقدرة 
الدفاع الجوي. وبذا تتم حماية القوات في تحركها أو في تمركزها في خطوط ومناطق عملياتها 
في سيناء». «أما الخطة «جرائيت (2) المعدلة» فقد أجهضها القائد العام أحمد 
إسماعيل: باعتقاده الخاطئ أن شبكة الدفاع الجوي غرب يمكنها تغطية التجمع البشري 
للقوات عند وصوله إلى المضايق» وأن معداتها ثابتة لا يمكنها التحرك مع القوات البرية عند 
القائد العام تعمد نشر المعلومات الخاطئة عن قدرة وحدات 
الصواريخ «سام»» حتى يمكنه تنفيذ رأي الرئيس السادات القاصر على جعل المعركة محدودة 
ومقيدة بعبور القناة والتمركز شرقها فقط». دليل ذلك كما يؤكد فوزي: «وفي ما حدث يوم 
53 في إظهار قدرة كتائب الصواريخ التسعة التي عبرت القناة» وتمركزت شرقهاء 
وكانت جاهزة للاشتباك وتغطية عمليات الهجوم صباح يوم 1973/10/14؛ يعتبر مثلاً عملياً 
يثبت قدرة الصواريخ على التحرك والاشتباك متعاونة مع قوات الجيشين الثاني والثالث في 
مها شرقاً إلى المضايق؛ مستغلة التفوق الجوي المحلي بواسطة المقاتلات الاعتراضية 
الميخ. 

بل إن من المثير للتساؤلء وللدهشة أيضاًء أن أحداً من القادة. الذين شاركوا في مناقشة 
«القرار السياسي» الذي أصدره السادات بتطوير الهجوم إلى المضايق. لم يشر مطلقاً إلى 
«حكاية» عجز شبكة الصواريخ» بزعم أنها «ثابتة 2 
نطاق الحماية الذي توفره (10 15) كم. ما يؤكد أنها ليست مسألة حقي بالقياس 
الفعلي والمنطقي معاً. أساس ذلك أنه إذا ما كانت هذه الحجة حقيقية أي أن «حائط الصواريخ 
ثابت», ولا يمكثه بالتالي تغطية تحرك القوات إلى خط المضايق. وطرحها أحد القادة أمام 
السادات أو حتى أحمد إسماعيل» وهي حجة جامعة مانعة» لما تجرأ أي منهما في مواجهتها 
على التمسك بقرار تطوير الهجوم؛ لأنه سيصبح قراراً صريحاً يإبادة تلك القوات» في ضوء ما 
هو مقطوع به في شأن التفوق الساحق للطيران الإسرائيلي». 




























208 


وقد حسم المشير عبد الغني الجمسي هذا الجدال؛ من موقع المسؤولية والاختصاص» 
مؤيداً ومؤكداً وجهة نظر الفريق أول محمد فوزي. في رده على السؤال الآتي: «ولكن قيل إن 
إمكانية التغطية بالصواريخ المضادة للطيران كانت أقل من حماية تطوير الهجوم؟؟ بقوله: «هذا 
تقدير غير عسكريء لان لنا في الشرق منذ البداية قواعد صاروخية» كما كانت لدينا الصواريخ 
المحمولة. وليس من الضروري أن يكون الهجوم بتأمين كامل ضد طيران العدو. علاوة على أن 
قوة طيراننا كانت كافية. وعندما تمكن العدو من إحداث ثغرة كان سلاح الطيران هو الذي 
يطالينا بأن يؤدي أي تكليف» وكان دائماً لديه فائض للاستخدام. أي أن الطيران المصري كان 
قادراً على حماية تطوير الهجوم مع قوة الصواريخ وإن كانت محدودة»”. 

6- يشير محمد حسنين هيكل في كتابه بعنوان: أكتوبر 73: السلاح والسياسة: إلى أنه كان 
إلى جانب السادات بمنزله» مساء يوم 7 تشرين الأول /أكتوبر. عندما تلقى محادثة هاتفية من 
السفير السوفياتي فلاديمير فينوغرادوف. وبعد أن فرغ منها قال: «أبلغني فلاديمير أنهم استجابوا 
الطلب قدمته له هذا الصباح بصواريخ الفولغاء هذه سوف تساعدنا على تغطية القوات داخل 
أسيناء. وذلك يسمح لنا ب قفزات الضفادع («ذهههم؟ مده.ا) عندما تبتعد القوات عن 
حائط الصواريخ. «الفولغاء سوف تصل إلينا بالطائرات مساء اليوم. وهناك معدات أخرى مهمة 
اثقيلة سوف تشحن على المراكب». ثم هاتف الفريق أول أحمد إسماعيل؛ وأبلغه يما سمعه من 
السفير السوفياتي". 

هذه الرواية تؤكد أمرين: أولهماء أن التخطيط الاستراتيجي للحرب كان يتضمن. منذ اليوم 
الأول أن القوات المسلحة المصرية سوف تتحرك بعيداً من حائط الصواريخ» حتى إذا كان ثابتأء 
بعد نجاح مهمتها الأولى بالعبور مسافة 10 15 كم شرق القناة» باتجاه المضايق؟ وثانيهما. 
الصواريخ القادمة على عجل من الاتحاد السوفياتي في اليوم الثاني ليده العمليات العسكرية 
كانت مهمتها تأمين عملية تطوير الهجوم. 

7 إن ما يذهب إليه الشاذلي من أن الخطط التي وجدها عندما تسلم رئاسة أركان حرب 
القوات المسلحة» في عام /197 كانت مجرد «خطط دفاعية»؛ عبارة عن امتداد لحرب 
الاستنزاف. كان يقتضي منه أن يضع أيضاً صحيفة اتهام جمال عبد الناصرء وكبار 
قادة القوات المسلحة التي عملت السادات» 
مع تأكيد أن لا وجه مطلقا للمقارنةبينهماء وأن الانتراض نظري وتحليلي بحت إذا كان جمال 
عبد الناصر. مع كل الاحترام والتقدير لمقامه وإنجازاته. لم يضع «خطة التحرير»؛ رغم مضي 





















(53) بوسف حسن يرسف, المشبر الجمي ‏ الجنرال الصامت من المبلاد.. حشى المماث (القاهرة: كنرز للنشر 
والترزيع. 2012): ص 66 67. 
(54) هبكل. أكتوير 73: السلاح والسياسة. صن 375. 


309 


أربع سنوات على الهزيمة» مع ملاحظة أن الفريق محمد فوزي وزير حربيته قد استمر في 
السلطة حتى استقالته في 1971/5/13 لرفض السادات التوقيع على «أمر القتال». لبده «معركة. 
التحرير». وبخاصة أن السادات كان قد أكد الموافقة على شن «حرب التحرير» في يوم 
4 .د فهل من المعقول أن وزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة يعرض على رئيس 
الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة التوقيع على «أمر القتال». بناءً على موافقة الرئيس 
على موعد محدد لبدء المعركة؛ دون أن تكون هناك «خطة للتحرير» أصلاًء وُضعت بعد 
دراسات ومشروعات وتدريبات متعددة ومتنوعة؛ حضرها الرئيس بنفسهء أو تلقى تقارير عنها؟ 

هنا من الملاحظ أن جمال عبد الناصرء فضلاً عن كل ما سيق. كان قد أعلن أمام المؤتمر 
القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربيء في عام 1969. أن القوات المسلحة المصرية قد 
أتمت تدمير «خط بارليف» بالكامل؛ وأنها لن تسمح بإعادة إنشانه من جديد. وستقوم على 
الفور بتدمير أية محاولة جديدة في هذا المجال. وإذا كان الأمر كذلك فإن عملية العبور. التي 
كان قد صدق عليهاء كانت ستلخص عملياً في «عبور قناة السويس» فقطء بالمعنى الحرفي 
لكلمة «العبور» حصرا لان «معركة» الاستيلاء على النقاط الحصيئة التي تشكل «خط بارليف» 
المنيع لم تعد واردة» طالما أن «خط بارليف» ذاته لم يعد موجوداًء ويصبح الطريق بالتالي 
مفتوحاً بعد ذلك إلى خط المضايق مباشرة: ما يقطع بأن «خطط معركة التحرير» التي صدق 
عليه جمال عبد الناصرء قبل رحيلهء كانت مبنية على أن «الوقفة التعبوية» الوحيدة والقصيرة 
ستكون عند خط المضايقء وبخاصة أن دايان كان يعتبره الخط الواقعي لحدود الأمن 
الإسرائيلي. 

فإذا كان أحد أهداف «معركة التحرير» في تلك الخطط؛ وكما حدد السادات في «الأمر 
الاستراتيجي السياسي» الذي أصدره إلى أحمد إسماعيل في 1973/19/1 يتل ب تتحدي 
انظرية الأمن الإسرائيلي»؛ فإن معركة ذلك التحدي كانت ستدور رحاها عند «خط المضايق» 
في ضوء ذلك سبقت الإشارة إلى أنه «يمكن اللجزم بأن عمليات قواننا في حرب تشرين الأرل/ 
أكتوبر عام 1973 قد توقفت دون أن تتحدى في الواقع نظرية الأمن الإسرائيلية الحقيقية التي 
كانت تتحصن عند خط المضايق». أي أنها لم تحقق المهمة المحددة لها. 

من ناحية أخرى يجب عرض الموقف على الجانب الآخر؛ ومن اللافت أنه بعد 44 سنة من 
ذاك اليوم المصيريء تأتي رواية رئيس الموساد زامير بمعلومات مثيرة. تنشر للمرة الأولى. يقول 
زامير: في 12 تشرين الأول /أكتوبر عام 1973 ينعقد «الكابينيت الأمني» مع قيادة الجيش 
الإسرائيلي» ورئيس الموساد تسفي زاميرء في ساعات الظهيرة» في بحث مصيري عن خيار 

نتياز القناة. قائد الجبهة الجنوبية» حاييم بارليف. الذي يمثل رأي كبار رجالات قيادة المنطقة 
الجنرية: يؤيد الاجتياز؛ ويقترح إجراءه كما هو مخطط له في الغد . قائد سلاح الجوء بني بيلده 
















لك 


يؤيده. في المقابل» نائب رئيس الأركان إسرائيل طل يعارض بشدة» ويدّعي أن الاجتياز في 
مواجهة جيشين مصرين مدرعين وجاهزينء معناه فشل ذريع على نحو شيه مؤكد. 

في هذه المرحلة؛ عندما يكون من الصعب على رنيسة الوزراء غولدا ماتيرء والوزراء وقيادة 
الجيشء بمن فيهم رنيس الأركان ديفيد بن اليعازر اتخاذ القرار. يُستدعى زامير على عجل» 
مثلما في الدراما المسرحية» إلى الهاتف, فيتلقى نبأ لا يمكن التقليل من شأنه: إنه «النبأ 
الذهبي»". 

بعد 44 سنة من ذاك اليوم المصيري. يتذكر هذا الاسبوع زامير تلك اللحظات الدراماتيكية 
عند تلقي النبأء ويستعيد الذكرى فيق «كان وضع الجيش الإسرائيلي في الجبهة الجنوبية 
مقلقًا جدأ». وقال دايان عندها: في هجوم آخر فسنضطر إلى القتال على مشارف تل 
أبيب». وكانت الصورة قائمة وصعية. طلبت مائير من الحاضرين كلهم أن يكتبوا رأيهم على 
ورقة ويوقعوا عليهاء و«ذلك لأننا كنا بحاجة في تلك اللحظة إلى اتخاذ قرار تاريخي». وعندها 
تتح الباب واستدعيت على ععجل؛ وعلى الهاتف تحدث معي رئيس مكتبي باردي عينيء 
المسؤول عن الأنباء التي يتلقاها في الموساد يوئيل سولومون, بلغوني بالمصدر الذي لم أكن 
أعرفه شخصيآء لكن أعرف وجوده؛ الذي نقل تبأ يقول: «إن المصريين يعتزمون أن يُنزلوا في 
الأيام المقبلة المظليين من المروحيات على الهدفء الذي أرادوا أن يهاجموه» خلف ممري 
متلا والجدي. وكنت أعرف أن المصدر ذو مصداقية» وقدرت بأن المصريين لن ينقذوا مثل هذه 
الخطوة فقط بقوات تنزل بالمروحيات» بل سترافق واجتياز قوات من المدرعات تهاجم خط 
المعابر أيضا». 

«بلغت ما سمعت وأضفت: انظرواء خطة المصريين معروفة للموساد. وقد نقلناها إلى شعبة 
نيذ هجوم آخر بعد أسبوع من اندلاع الحرب» لاحتلال مناطق 
مهمة في عمق سينا أقترح أن ننتظر عدة أيام لنرى إذا كانوا سينفذون الخطة؛ بإنزال القوات. أنا 
لا أؤيد هجومنا وا نناة» فهجمات كهذه سبق أن فشلت» ولا أرى أي احتمال لنجاح أي 
هجوم آخر. فأخذت مانير ورنيس الأركان برأبي» وقالت مانير: يا رفاق» تسفيكا أنهى لنا النقاش». 

لفهم الأهمية الحاسمة لهذا البأء من المهم العودة إلى الأيام التي سبقت وصوله. ففي 8 
تشرين الأول/أكتوبر 1973ء بعد يومين من اندلاع الحرب. يتعرض الهجوم المضاد المتسرع من 
الجيش الإسرائيلي في سيناء للفشل. وبالتوازي؛ فإن الجهود لاقتلاع استحكامات المصريين 
شرق القناة لا تتجح. وكان الوضع في الجبهة الجنوبية في أسوأ حال, والجمود في هذه الجبهة 
































إسرائبل من الهزيسة في حرب أكتربر.' إسراتيل البوم. 2017/9/29 . 


الك 


في 10 تشرين الأول/أكتوبر بحثت قيادات المنطقة الجنوية مع رئيس الأركان في المسألة 
المصيرية, وكيفية تغيير وجه المعركة. وكانت الخيارات على الطاولة صعبة: 

أولهاء الجهد لاقتلاع المصريين من شرق القناة. الذي سيكلف قواتنا ثمناً باهظاً بالقوى 
البشرية والمعدات. في الوقت الذي تآكل فيه الجيش في المعاركك ولا سيّما بالطائرات 
والطيارين. 

وثانيهاء اجتياز القناة وهو رهان خطيرء وينطوي على إمكان الفشل. ولا سيّما في مواجهة 
فرقتين مصريتين مدرعتين توجدان خلفها. 

وثالثهاء إيقاء الوضع القائم؛ ما يعني جموداً عسكرياً؛ حرب استنزاف في خطوط صعبة. 
وتجنيد طويل للاحتياط» لا يمكن أن تتعايش معه إسرائيل. 

بارليف» وجونين. قائد المنطقة الجنوبية. وشارون. قائد الفرقة 143 يؤيدان بحزم اجتياز 
القناة» ويدعيان أن من الواجب تغيير الوضع العسكريء وتحقيق مبدأ القتال الإسرائيلي لنقل 
الحرب إلى أرض «العدو». وتحقيق إنجازات استراتيجية. يتردد ديفيد بن اليعازرء لكن يريد أن 
يصل في أقرب وقت ممكن إلى وقف إطلاق النارء وإلى «إعادة التنظيم». ومعني بأن تأخذ 
القيادة السياسية نصيبها من القرار الحاسم في ذلك. وزير الدفاع دايان غير مستعد لقبول فكرة. 
وقف إطلاق النارء بل ويرى فيها نوعا من الاستسلام. لكن هو أيضا يتردد في موضوع الخيار 
العسكري المفضلء فينتقل النقاش إلى طاولة الحكومة. 

في إطار هذا كله. فإن الاجواء العامة في القيادة العسكرية والسياسية متكدرة. وكما يذكر: 
«عندما عاد دايان في 7 تشرين الأول/أكتوبر من جولة في الجبهتين الشمالية وا! » بدا كمن 
خرب عالمه» يعدت عن إمكانية انسحاب في - سيناء» وضياع ذخائر حيوية» واقتيس كان يعترف 


















اا الصعبة تتعقد القيادة السياسية والأمنية في 12 تشرين الأول/أكتوبرء وتتردد 
بالاساسء وعندها يأني النبأ المصيري؛ «النبأ الذهبي». 
اقال بن اليعازر إنه يُعِدَ لواء المدرعات للصدء على افتراض أنه بعد إنزال 






اجمنا. وبالفعل. بعد وقت قصير اجتازت 
المدرعات المصرية القناة وهاجمت؛ لكن الجيش الإسرائيلي ضربها بعنف. بشكل حطم 
المصريين معنوياً أيضاً. هذا النصر سمح لنا بالخروج إلى هجوم خاص بناء وأن يتم اجتياز 
القناة بسهولة نسبية أكبر. هذا لم يكن بالطبع هجوماً سهلاً. لكن وصول النبأء والاستعدادات 
التي نفذت في أعقابه. حتنت بالتأكيد الوضع بالنسبة لنا». 


32 


لم يكن المصدر هو أشرف مروان» بل مصدر آخر في مصر. وكان أهارون لبران» رجل سلاح 
الاستخبارات الحاصل على وسام الشرف» الذي كان يشغل في الحرب نانب رئيس دائرة. 
البحوث في شعبة الاستخبارات. ويعرف عن كثب المصدرء وكان له الحق الأول لوجوده وأدانه. 
يحلل ليران هنا لأول مرة الأهمية الحاسمة للنبأ فيقول: «النبأ الذهبي وصل فقط من ذاك 
«المصدر الآخر». أتذكر أنه في ذاك اليوم الذي وصل فيه النبأ كنت في الكرياة. وعندما عاد بن 
أليعازر من البحث مسح جبينه وقال: «أنا الآن اعرف ما العمل؟». وبالفعل» في 14 تشرين 
الأول /أكتوبر اجتازت قوات مدرعة مصرية القئاة نحو الشرق. القوات» التي تضمنت الفرقة (21) 
المدرعة» وعلى الأقل لواء مدرع واحد من الفرقة (4) المدرعة» ولواء مؤلف من الفرقة (23) 
ضربها الجيش الإسرائيلي في إحدى معارك المدرعات الأكبر في حروب إسرائيل. وحسب قائد 
الجيش المصريء سعد الشاذلي» في ذاك اليوم دمرت 250 دبابة مصرية» واعترف المصريون 
الأول مرة بتدمير 250 دبابة لهم. وهكذا انقلبت صورة المعركة في الجبهة الجنوبية رأساً على 
عقب بفضل النبأ الذهبي». 








5 قرار عدم المناورة بالقوات 

تعتبر المناورة بالقوات ميدأ أساسياً من مبادئ الحرب» بل إن تطبيق هذا المبدأ هو مفتاح 
النصر في كل الحروب. على المستوى الاستراتيجي وفي كل المعارك الكبرى والصغرى على 
المستويين التعبوي والتكتيكي. وعلى سبيل المثال إذا وقع صدام بين جيشين متساويين في 
الحجم. وفي المعدات. وفي النوعية؛ وفي الروح المعنوية» وفي كل شيء آخر؛ فإن الغلبة 
ستكون للجيش الذي يطيق قائده مبدأ المناورة بالقوات. 
بتطبيق هذا المبدأء على ما حدث خلال حرب عام 1973 يمكن تفير الخلاف الحاد الذي 
شهدته غرفة العمليات المصرية؛ بين كل من السادات وأحمد إسماعيل من ناحية» وسعد الدين 
الشاذلي من الناحية الأخرى. وذلك منذ حدوث الثغرة. التي نجحت إسرائيل في فتحهاء بين 

شين الثاني والثالث؛ وتمكنت من العبور إلى غرب قناة السويسء ما أدى في النهاية إلى 
عزل الشاذلي من منصبه. 

إن تفسير هذا الخلاف. وتيُع نتانجه. يقتضي الإشارة إلى ما ذكره الشاذلي في شأن بعض 
السمات الشخصية التي يتحلى يها أحمد إسماعيل» ما كان له أبلغ الأثر في إدارة العمليات 
العسكرية. وأهمها*": 














(56) الشاذلي. حوب أكتوير: مذكرات الفريق سعد دين الشاذلي. ص 581 595 


للك 


1 الحثر الشديد 

ما كان يدفعه إلى زيادة حجم القوات المكلفة بمهمة معينة. بشكل يفوق كثيراً متطلبات هذه 
المهمة. على سبيل المثال فإن خطة العبور الأصلية لم تكن تتضمن تدعيم فرق المشاة الخمس 
المكلفة بالهجوم. بأية ألوية مدرعة. لكنه أصر على تدعيم كل 
الاحتياطيات التعبوية والاستراتيجية, التي كات يتحتم الاحتفاظ بها غرب | قد كان من 
الممكن تدارك هذا الخطأ بسحب هذه الألوية المدرعة يوم 10 أكتوبر/كانون الأول؛ بعد تحطيم 
'هجمات العدو المضاد: وتكرر هذا الخطأ عندما تقرر تطوير الهجوم؛ حيث دفع ب 
وألوية إضافية إلى الشرق. وهذا الخطأ يدوره كان من الممكن إصلاحه بعد فشل عملية التطويره 
بإعادة كل هذه القوات إلى غرب القناة» لكنه رفض ذلك أيضاً. 







ب عدم القدرة على التتبق 
إن تقدير قدرات العدو هو العامل الأول في تقدير الموقف. الذي يقوم به كل قائد قبل 
أن يتخذ قراراً. ويجب أن يجري ذلك على أساس ما ستكون عليه هذه القدرات وقت 
قراراتهم؛ وليس على أساس ما كان عليه العدو عند اتخاذ القرار. م ت الحرب أن 
ا 1 مه .. وععندما حدئت اليلة 1615 
بين الاول/أكشوبر؛ كان العدو يغير على كتانب الصواريخ 0 بمجموعات من 
المبايات لقدر يعرف حباياتا فر كل ل ره فت و اعنام ولما ماتيا ات 
حشود العدو تتدقق إلى الغرب. وعندما اقترح الشاذلي. منتصف نهار 16 تشرين الأول/ 
أكتوبر سحب القوات التي تم دفعها إلى الشرق بغير مقتضى. رفض إسماعيل؛ ما أدى إلى 


كارثة. 











اج عدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب 
كان تردد إسماعيل في اتخاذ القرار في الوقت المناسب هو أسوأ صفاته. وحتى عندما يتخ 
القرار» بعد طول ترددء يكون قد فات أوانه. ورغم كل ما كان يقدّمه من مبررات؛ فإن ذلك يرجع 
إلى 








أولهماء العقدة النفسية التي ترسبت في أعماقه نتيجة هزيمة عام 1967 ونتيجة إعفاء جمال 
عبد الناصر له من منصبه مرتين» وهذا جعله يخشى المسؤولية» ويتردد في اتخاذ القرارات 
الجريثة؛ تلك العقدة التي جعاته يخلط خلطاً مشيئاً بين انسحاب عام 01967 وبين المناورة. 
المقترحة بالقوات عام 1973. ففي عام 1967 كانت القوات تنسحب تحت ضغط قوات العدو. 
وبدون أي غطاء جويء وبدون أية سيطرة من القيادة العامة للقوات المسلحة: أما المناورة 


314 


بالقوات عام 1973 فتقوم بها قوات ليست على اتصال بالعدوء وتجري تحت ستر خمس فرق 
تحت مظلة الدفاع الجوي, وفي إطار خطة محكمة. تحت سيطرة القيادة العامة. 

وثانيهماء أنه كان يقود المعارك على الخرائط فقطء ولم يزر الجبهة قطء إلا بعد وقف إطلاق 
النار بيضعة أسابيع: بعد أن أصبحت مزاراً لكل الناس؛ بما في بة المدارس. إن عدم 
اتصاله بالضباط والجنود لم يسمح له بأن يلمس ما أحدثه نجاح العبور في رفع روحهم المعنوية» 
وفي استعادة ثقتهم بقادتهم الذين رسموا لهم الخطط؛ وهيؤوا لهم الظروف التي مكنتهم من 
تحقيق هذا النصر. بالتالي فإن الصورة الكثيبة التي عاشها عام 1967 بقيت مترسخة في أعماقد. 
فأصبح يخلط بين المناورة بالقوات وبين الانسحاب. حيث كان يخشى أن يؤثر سحب قوات 
من الشرق إلى الغرب في الروح المعنوية للقوات؛ ويتصور أن هذا السحب قد يتحول إلى ذعرء 
تصعب السيطرة عليه. تأثراً بخبرة عام 1967 رغم اختلاف التجربتين جذرياً. 

كانت وجهة نظر الشاذلي تقوم على سحب الألوية المدرعة التي ألحقت على الفرق 
الخمس المكلفة بالعبور. وتركيزها في مواجهة الثغرة لإبادتهاء قبل أن تخلق وضعاً صعباً أمام 
القوات المصرية. وعندما استحكم الخلاف بين إسماعيل والشاذلي جاء السادات فأيد قرار 
إسماعيل» وهدد الشاذلي بالعزل إذا ما طرح فكرة الانسحاب من الشرق مرة ثانية» لكن ما حدث 
بعد ذلك أنه أخذ يردد أن الشاذلي كان يريد سحب كل القوات من الشرق إلى الغرب» خلافاً 
للحقيقة. لأن اقتراح الشاذلي كان شرق القناة الفرق الخمس التي عبرت ما يمثل نحو 
(90000) ضابط وجندي. وسحب الألوية التي ألحقت بها فقط. 

إن قرار السادات هو الذي أدى إلى ثغرة الدفرسوارء وسمح لها أن تتسع؛ فضلاً عن حصار 
الجيش اثالث ومدينة المويس . بل إن تطبيق العدو مبدأ المناورة. القوات هر الذي مكن العدو 


























ولا تقل في النوع عن القوات الإسرائيلية التي في مواجهتها. الأمر لا يتوقف على قرار واحد 





اتخذه السادات» كما تقدم» لكن الخطورة هنا تتمثل بانقياد أحمد إسماعيل تماماً لما يراه 
السادات. فعلى الرغم من أن التوجيه الاستراتيجي الذي أصدره السادات ينص على أن تقوم 
القوات المسلحة بعمل عسكري يكون في حدود إمكانياتهاء إلا أنه كلفها بعمل يخرج عن 
حدود إمكانياتها. عندما اتخذ. منفرداء قرار تطوير الهجوم؛ فاستجاب له إسماعيل رغم علمه أن 
العدو يتفوق تفوقاً كاسحاً في القوات الجوية. وأن هذا الهجوم كما أكد جميع القادة المعنيينء» 
محكوم عليه بالفشل. من قبل أن يبدأ. وما يؤكد سيطرة السادات الكاملة على إسماعيل ذلك 
التصريح الذي أعلتى. عام 1977., الذي قال فيه إنه كان يعلم بمرض إسماعيل بداء السرطان» 
قبل وأثناء الحرب. وأن الأطباء أخبروه أن حالته الصحية لا تسمح له باتخاذ القرارات؛ وأن 
السادات هو الذي كان يتخذ القرارات. تؤكد ذلك ثلاث شهادات: 


كل 


الأولى؛ أن السادات هو الذي اتخذ قرار تطوير الهجوم صباح يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر. 
وأصدره إلى إسماعيل طالباً ام فوراً إلى المضايق. وأن إسماعيل عقد اجتماعاً 
وبدأه بقوله: «إن هناك قراراً سياسياً يحتم علينا ضرورة تطوير الهجوم نحو المضايق؛ ويجب أن 
يبدأ ذلك صباح غد 13 تشرين الأول/أكتوير. لقي القرار معارضة من جميع القادة المعنين. ثم 
كان قوله في النهاية: «إنه قرار سياسيء ويتحتم الالتزام به»» مع التأجيل إلى الغد. وعندما وصل 
السادات إلى غرفة العمليات كانت خسائر القوات المصرية في الدبابات قد وصلت إلى 250 

ابابة. وقد استأذنه إسماعيل في إيقاف الهجوم: فأذن له. 

ية وردت في كتاب حافظ إسماعيل؛ مستشار السادات لشؤون الأمن القوميء بعئوان: 
أمن مصر القومي. حيث يؤكد أن السادات قد اتخذ قرار وقف إطلاق النار دون أن يستشير 
أحداًء بينما كان يظن إسماعيل أن هذه الساعات الحرجة هي بالضبط التي من أجلها بني تنظيم 
الأمن القومي»”*. 

والثالثة. ما أشار إليه هيكل من أن السادات رفض اقتراحاً بتكليف محمود فوزي بالسفر إلى 
نيويورك؛ ليقود المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن من هناك فيذكر أن السادات رفض ذلك» 
يبت هو في كل الأمورء من هنا من القاهرة» وأن يجينوا إليه 
شخصياء كلما أرادوا إدخال أو تغيير كلمة أو حرف». 




















رة الدفرسوار 

لقد تضمنت الخطة العامة لحرب التحرير» التي صدق عليها جمال عبد الناصرء مجموعة. 
من التصورات والتوقعات التي يمكن أن تعمد إليها القوات الإسرائيلية» من مرحلة إلى أخرى 
حسب سير العمليات الفعلية. وكان من أبرز هذه التصورات والتوقعات محاولة قيام القوات 
بهجوم مضاد كبير» يمكن أن يهدف إلى اختراق الجبهة المصرية شرق القناة؛ والعبور 
إلى الضفة الغربية للقناة لمحاصرة القوات التي عبرت إلى الشرق» وتحقيق غايات سياسية مهمة 
إذا ما نجحت في مسعاهاء كما هو معتاد في الحروب بوجه عام. وفي هذا السياق تضمنت 
الخطة تمركز الفرقتين الواحدة والعشرين والرابعة المدرعتين غرب القناة» كحائط صد لمواجهة 
أي هجوم مضاد للعدو يحاول اختراق العمق المصري. أي أن هذا الاحتياطي الاستراتيجي كان 
مكلفاً من الاصل بتنفيذ الخطة (200): التي تحسبت لاختراق إسرائيلي مضاد. ورصدت القوات 
الكافية لضربة. 














(57) هبكز. أكتوير 73: السلاح والسباسة: ص 360. 


316 


وطبقاً لأصول العلم العسكري فإن محاولات الاختراق عادة ما تتركز في مناطق الاتصالء أو 
المناطق الضعيفة كما حدث في الحرب العالمية الأولى. ومن هذا المنطلق, وحيث كانت 
القوات الملحة المصرية موزعة بين الثاني والثالث. فقد تضمنت الخطة أن «نقطة 
المفصل» بينهما تمثل أكثر المواقع ترجيحاً لتدفق أي اختراق إسرائيلي: حال حدوثه. وجرى 
بالفعل تحديد منطقتين ينطيق عليهما هذا الوصف. إحداهما كانت منطقة الدفرسوار. ولقد 
اتضحت صحة هذه التقديرات العسكرية عندما قامت الاستخبارات الحربية المصرية برصد 
تدريب عسكري إسرانيلي على «عبور مانع ماني» في بحيرة طبرية؛ عام 1971. 

في ضوء ذلك كانت القوات المسلحة المصرية قد تدربت عدة مرات على صد هجوم مضاد 
متصور أن تقوم به القوات الإسرائيلية» يهدف إلى اختراق الجبهة المصرية. في منطقة الدفرسوار 
ذاتهاء منذ عام 1968. بل يشير الفريق أول محمد فوزي. في كتابه بعنوان: مذكرات الفريق أول 
محمد فوزي: حرب الثلاث سنوات: 1967 1970, كما تقدم, إلى أنه تولى قيادة «مشروع 
تدريبي استرانيجي» في آذار/مارس 1971. شاركت فيه وحدات القوات المسلحة كافة» يمائل 
ماري عريث لسري بالقاتل لاخار بطة العبليات اجرخ 
السوفيات» الذين قاموا بدور حكام المشروع. وقد أ ائد فريق التحكيم السوفياتي عن 
موقف طارئ أثناء مجريات المشروع؛ يتمثل بنجاح قوات العدو في اختراق صفوف القوات 
التي نجحت في العبورء في موقعين أحدهما في منطقة الدفرسوار» فأبلغه فوزي بقراره استخدام 
الاحتياطي التعبوي غرب القناة لتصفية الثغرة وإبادتهاء ثم مواصلة التقدم حتى الاستيلاء على 
خط المضايق» ومن ثم إلى الحدود الدولية لمصر مع فلسطين المحتلة, وأن القائد السوفياتي 
قد هنأه على قراره. ويضيف فوزي أنه بعد انتهاء المشروع؛ وبينما كانت القوات تتهيأ للمغادرة. 
كان يتحرك بعربة عسكرية صغيرة بين تلك القوات دون أن تلاحظه؛ فسمع الجنود يتهكمون 
عليه شخصياًء قائلين: هل يريد منا الوزير أن نحصي عدد الحشائش على أرض منطقة 
الدفرسوار. التي كان يجري بها المشروع؛ من كثرة مرات التدريب فيها! 

إن كل ما تقدم ينبغي أن يوضع في الاعتبار عند تقدير رة الدفرسوار»؛ عندما وقعت 
بالفعل في 16 تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 وتحديد مسؤولية السادات شخصياً في حدوثها 
ابتداة» وفي استفحالها وتوسع حجمها انتهاة» ومن ثم إدراك دواعيه الكامنة وراء قراره الغريب 
برفض تصفية هذه الثغرة. 

كان الجنرال بارليف يقوم بنفسه على إدارة معركة التصدي لعملية تطوير الهجوم المصري. 
المحتدمة على مشارف المضايق» في ١4‏ تشرين الاول/أكتوبر» وفور انتهانها بتوقف الهجوم 
المصري في الساعة الثالثة بعد الظهرء وتراجع قواته إلى مواقعها الأصلية قام بنفه بتبليغ 
نتانجها تليفونيا لرنية الوزراء غولدا مائير وطلب منها في نفس الوقت إعطاء الإذن بيدء 


























37 


الهجوم الإسرائيلي المضاد. والعبور إلى الغرب إذا أمكن, وأعطنه الإذن الذي طليه. والغريب أن 
وزير الدفاع دايان كان ما يزال متردداً. 

كان السادات صباح 15 تشرين الأول/أكتوبر قد استوعب الصدمة العسكرية التي تلقاها في 
الأمسء وراح يقلب أموره على وجوهها |١‏ 
دور «السلاح» في الحرب قد تراجعء وأن دور «السياسة» هو الذي يتقدم. كان 
نظرية «الحرب المحدودة» في صميمها ومنطقها. ذلك أن الحرب المحدودة لكي تحقق نتائجها 
لابد لها أن تركز على أن يكون تأثير السلاح عند النهاية أكثر مما كان عليه عند البداية. وبالتالي 
فإن ما يستطيع أي طرف أن يصل إليه في الساعات الأخيرة من القتال هو الذي يعكس ظله على 
الأرضية السياسية» التي تجري فوقها أي جهود للبحث عن حلول للازمات. 

وفى تل أبيب اجتمع مجلس الوزراء المصغر في الساعة السابعة من صباح 15 تشرين الأول/ 
أكتوبر. وكان أمامه تقرير من بارليف يقول فيه إن القوات جاهزة؛ وأن الموعد الذي تقرر ليده 
الهجوم الإسرائيلي المضاد هو السابعة مساء» وأن فتح 3 
الغرب سوف يجري في منطقة الدفرسوار. وتقدمت المدرعات الإسرا 





وقد راوده تصورء لعله كان سابقاً لأوانه» أن 











المفصل؛ واقتربت من خط المياه. لكن القوات المصرية تنبهت إلى تحركاتها وتصدت لهاء ما 
تسبب في تأخير العملية» بحيث لم يبدأ نزول القوارب المطاطية لعبور القناة إلا في الساعة 





الواحدة والنصف صباحاً. ومع ذلك فقد كانت المقاومة المصرية شديدة إلى درجة حالت دون 
تمكن القوات الإسرائيلية من تركيب وتأمين موقع جسر تعبر عليه القوات الإسرائيلية. 

وفي لحظة من اللحظات كان احتمال فشل العبور ماثلاً أمام مجلس الوزراء الإسرائيليء 
الذي ظل مجتمعاً منذ الساعة السابعة مساء حتى الفجر. وقد وصلت إليه توصية من دايان 
يقترح وقف العملية. لكن بارليف أبدى معارضة شديدة لوقفها. وانحازت ماثير ووراءها مجلس 
الوزراء بالكامل إلى بارليف. في ضرورة الاستمرار لاحتلال وتأمين جسر تعبر عليه المدرعات 
قوات الكوماندوز سبقت إلى العبور بالقوارب المطاطية. وعهد بارليف 
إلى زميله شارون بالتقدم بمدرعاته مهما كانت المقاومة أمامه. بحيث يتحقق تأمين رأس جسر 
يمد عليه ولو «جسرا» متحركاً. حتى تتمكن المدرعات من العبور. وعند الفجر انفض اجتماع 
مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد تأكده من أن عملية شارون تمضي في طريقها. 

وفي واشنطن دعا كيسنجر إلى اجتماع لمجموعة العمل الخاصة في الساعة السادسة 
صباحاً. في 15 تشرين الأول/أكتوبر» وذلك لعرض الموقف» وتقرير الخطوات الآنية في ظرف 
كان يعتبره معبأ بالاحتمالات. وقبل الظهرء بتوقيت واشنطنء تلقى رداً عاجلاً على رسالته 
الأخيرة إلى السادات» وقد أدهشته هذه الرسالة. وسجل دهشته قائلاً بالنص: «لقد كنت أنوقع 
غضباً عربياً عارماً بعد أن ظهر تأثير الأسلحة الأمريكية عملياً في الميدان» لكن الرسالة التي 











للك 


تلقيتها من حافظ إسماعيل مساء يوم 10/15 جاءت بطريقة لا يمكن وصفها في الملابسات التي 
وصلت فيها إلا يأنها «شيء خارق للعاء ولخص كيسنجر أهم نقاط الرسالة في مذكراته على 
النحو الأتي: إن مصرء رغم كل شيء. ترغب في ابا الاتصال الخاصة مفتوحة. وإن 
الإشارة بالتعريض بالاتحاد السوفياتي واضحة في قول الرسالة إنه لا أحد يتحدث ياسم مصرء 
وأن مصر تريد التوصل إلى شروط لا تؤدي إلى إهانة إسرائيل» لأن مصر نفها عانت معنى 
الإهانة»! كما بدا له أن السادات يحاول إبعاد نفسه عن الاتحاد السوفياتي, والتوجه إلى الولايات 





المتحدة"". 
في 16 تشرين الأول/أكتوبر 1973 بدأت تتضح أبعاد «الثغرة»؟ حيث قامت القوات الإسرانيلية 
بعبور قناة السويس في منطقة الدفرسوار» المفصل الحرج ن الثالث والثاني» فور 





فشل الهجوم المصري, ونتيجة لعدم التنبه المبكر لخطورة الثغرة» والخلاف بين وزير الحربية 
إسماعيل ورئيس الاركان الشاذلي حول أسلوب تصفيتهاء عبرت للعدو خلال يومين 760 قطعة 
مدرعة: ما بين دبابات وعربات مصفحة, إلى غرب القناةء حتى وصلت القوات الإسرائيلية غرب 
القناة إلى لواءين مدرعين» ولواءين من المشاة الميكا: 

ورغم تفوق القوات الإسرائيلية المهاجمة, عبر الثفرة إلا أنها لم تتمكن من غير احتلال 
بضعة كيلومترات؛ ولم تفلح القوات الإسرائيلية في إحكام الطوق على الجيش الثالث المصري. 
وحصاره حصاراً كاملا وقطع خطوط مواصلاتهء إلا بعد أن خرقت قرار وقف إطلاق الثار.. 
الذي وافق عليه السادات, في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973.بل إن وحدات المقاومة الشعبية 
المصري ات من المشاة المصرية» نجحت في إيقاف التقدم الإسرائيلي نحو مدينة 
السويسء وظلت القوات الإسرائيلية خارج المديئة. 

عندما طلب الشاذلي رئيس الأركان من السادات الاستعانة بأربعة ألوية مدرعة من الشرق» 
لإبادة الشغرة في الغرب» رفض السادات ذلك. وقرر عزله من منصيه.كما يقرر الفريق 
عبد المنعم خخليل الذي تولى قيادة الجيش الثاني أنه طلب محاصرة «الثغرة» فور اكتشافهاء ني 
مساء 16 تشرين الأول/أكتوبرء وتدميرها بالكامل قبل أن يستفحل أمرهاء رقض السادات ذلك. 
ترتب على قرار السادات برفض طلب عبد المنعم خليل؛ ثم يعدم قبول فكرة المناورة بالقوات» 
وتنفيذ خطة الشاذلي للقضاء على الثغرة النتائج الآنية المباشرة: إخفاق اللواء المدرع المصري 
(116) مشاة المتقدم من الغرب إلى الشرق بسد الثغرة» نظراً إلى التفوق الإسرائيلي غرب القناة 























نفسها (لواء مدرع + لواء مشاة) من ناحية وتدمير اللواء المدرع المصري (25) في مواجهة. 
غير متكا ثلاثة ألوية إسرائيلية مدرعة جنوب الثغرة؛ على الشاطئ الشرقي 


(58) ببر. محرر. أسرقر حرب أكتوير في الوثائق الأمريكية. 


و3 


الرأس البحيرات المرة» ووقع اللواء في كمين نصبته فرقة شارون» فجرت إبادته بالكامل من 
ناحية أخرى. 

بينما راح عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث؛ الذي كان يتابع المعركة» يصرخ على جهاز 
الاتصال بينه وبين الشاذلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله. الرحمة للشهداء. والله المستعان». 
ويقول الشاذلي في مذكراته أنه بكى عند سماعه صراخ واصل لإدراكه خطأ العملية من 
البدلية", 

عندما سمع سعد مأمون ‏ الذي كان يتولى قيادة الجيش الثاني. مع بده القتال في 6 تشرين 
الأول /أكتوبرء حتى يوم 14 تشرين الاول/أكتوبر ‏ أنباء فشل الهجوم؛ وما لحق بالقوات من 
خسائرء أصيب بنوبة قلبية» نتيجة فشل عملية تطوير الهجوم؛ لتصفية الثغرة» وجرى نقله إلى 
المستشفى العسكري في القاهرة. 

في حديث أدلى به السادات إلى سليم اللوزي» نشر في مجلة الحوادث في نيسان/أبريل 
974 يقول ف إنني استطمت أن أوقف القتال على خط 22 تشرين الأول /اكتوبره» ويب 
الشاذلي: «لم يقل لنا السادات لماذا لم يستطع التمسك بخط 22 تشرين الأول/أكتوبر؟ إن من 
او و ا م م00 
هجومه المضاد يوم 23 تشرين الأول /أكتوبر؟ إن عدم قدرتنا على التمسك بهذا الخط؛ عندما 
بدأ العدو هجومه المضاد يوم 23 تشرين الأول/أكتوبرء هو دليل قاطع على ضعف قواتنا 
العسكرية في هذا الخطء ولو أن السادات واقق على اقتراحي بسحب أربعة ألوية» في ليلة 
0 تشرين الاول/أكتوبرء لظهر أثر ذلك في القتال. اعتباراً من صباح يوم 21 تشرين الأول/ 
أكتوبر» ولكان في إمكاننا ضرب الشغرة في يومي 21 و22 أكتوبر/تشرين الثاني» وفي أسوأ 
الظروف كان يمكن تضييقها. ولو حدث وتوقف القتال وتلك الألوية الأربعة حول الثغرة لما 
استطاع العدو أن يتهك إطلاق النار يوم 23 تشرين الأول/أكتوبرء ولو انتهكه لكنا قادرين 
على صده وتدميره. إن مسؤولية حصار الجيش الثالث» يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر» تا تقع أولاً 
وأخيراً على السادات» وهو يحاول الهرب منهاء'”. 

الغريب في الأمر أن السادات بدأ مفاوضاته للسلام قبل أن يتم فك الاشتباك» ورقع الحصار 
عن الجيش الثالث» الذي تسبب قراره بقبول وقف إطلاق النار بتشديد الحصار عليه رغم أن 
القادة العسكريين قاموا بوضع خطة عسكرية لتصفية الثغرة: سميت «الخطة شامل»» تحت قيادة 
الفريق سعد مأمون ‏ الذي كان قد تعافى من إصابته بنو. نة فشل عملية تطوير الهجوم 
























(59) الشاذلي. حرب أكتوير: مذكراث الفريق سعد الدين الشاذلي: ص 05 425. 
(60) المصدر تقس ص 284 86. 


32 





حتى يزيلوا ما اعتبروه إهانة للعسكرية المصرية وتضحياتها في المعركة» وحتى 
يرفعوا عن المفاوض المصري حرج التفاوض وجيشه الثالث محاصر. وقد دعم خطتهم وصول 
إمدادات عسكرية جديدة لمصر من الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا والعرب تكفي لنجاح 
الخطة. لكن السادات طلب منهم الانتظار. ورفض التصديق على تنفيذ الخطة. 





الفشل المحقق. فلو أني صفيت الثفرة حسب الخطة الموضوعة؛ والتي وقعتها بنفسي. كانت 


إسرائيل ستفقد 400 دبابة. وعشرة آلاف عسكري ما بين قتيل وجريح. ولم يكن هذا بالأمر 
الصعب أو المحتمل بل الأكيدء ففي هذه المعركة لم يكن أمامي قناة أعبرهاء أو خط بارليف 
أقتحمه. العدو أمامي وعلى قطعة ضيقة من الأرضء ظهره للبحيرة» ووراءه على الضفة الشرقية 
خمس فرق كاملة لي ومدخل الثغرة من الضفة الشرقية فتحة هي ستة كيلومترات فقط عند نقطة 
الارتكاز بين الجيشين الثاني والثالث» وكل الحسابات العسكرية تؤكد أنها لو تمت فستكون 
مذبحة التاريخ. ولكنها لم تتم... لماذا؟ لأنها كانت ستعني المزيد من الدم والكراهية والأحقاد. 
وأنا أكره كل هذاء؟!"". 

إن رفض السادات التصديق على قرار تصفية الثغرة يرد في جانب منه إلى الرضوخ لتهديد 
كيسنجر له في المحادثات المغلقة بيخ 
0 ن الثاني /ن 
#ورحت لمدة تصف ساعة أحدثه في تصورائي ماه مل المشخيد رد مد كان مين 
قلت له ضمن أشياء أخرى عديدة, أمرين: أولهماء أن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق 
بهزيمة حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائهاء يقصد إسرائيل؛ بسلاح سوفياتي يقائل به العرب. 
وفيما عدا ذلك فأنا لا أرى خلافاً بيننا. وثانيهماء أنه في حال المساس بالقوات الإسرائيلية ني 
الثغرة» فإن الولايات المتحدة سستدخل في القتال مباشرة إلى جانب إسرائيل»”. 

كما تجدر الإشارة إلى تصريح كيسنجر العلني؛ في المؤتمر الصحافي المشترك ينهماء. 
عقب تلك المحادثات المغلقة: «إنه لن يمح للسلاح السوفياتي بأن ينتصر على السلاح 
الأمريكي»! مع ذلك فقد سجل السادات بنفسه في مذكراته جانباً من «العدوان الأمريكي» 
المباشر على مصر أثناء الحرب؛ قائلاً: «أحب أن أسجل للتاريخ أن النغرة هي مسؤولية أمريكاء 
إن ذاته. والمساعدات التي قدمها لإسرائيل؛ والصور الجوية: والعتاد 























32 


ا الأول مرة» ولم تكن متاحة لأي إنسان خارج أمريكا إلى 







كيسنجر قد أخبره. عندما التقيا في أسوان, في 1973/12/1١‏ أن مصر 
فكان سؤال السادات: «ما هو موقف أمريكا إذا صفيت الثغرة 
ب لبنتاغون بكل قوته. هذا هو موقف أمريكاء 
ولكن لي سؤالة هل أنت مصرٌ على تصفية الثغرة بمعركة عسكرية؟»: فرد السادات: أبدا أنتم 
تعلمون أنني رجل سلام»"*! 
ومن اللافت أن «العدوان الأمريكي» كان يتحرك على كل الجبهات» لمحاصرة «الانتصار 
العربي» وسحقه؛ فيشير محمد حسنين هيكل في كتابه بعنوان: أكتوير 73: السلاح والسياسة. 
إلى أن كيسنجر كان قد أطلع على تقرير يشير إلى الدور الذي تقوم به القوات العراقية في قطاع 
سعسعء وهو آخر خط دفاعي قبل دمشقء وقرر أن يقوم بمسعى لدى شاه إيران» ليقنعه بممارسة 
أي نوع من ضغط عسكري على العراق. حتى يضطر إلى تحديد دوره على الجبهة السورية» 
ويتوقف عن إرسال أي إمدادات جديدة يعتزم إرسالها هناك. وقد برر كيسنجر طليه بأن قال في 
رسالته للشاه بالحرف: آمل أن توافقوا جلالتكم معي على أن انتصاراً عربياً في المعركة 
الدائرة الآنء سوف يكون منسوباً إلى الاتحاد السوفياتي. فإذا أضفتم جلالتكم إلى ذلك انتصاراً 
عسكرياً سابقاً تحقق بقوة السلاح السوفياتي؛ وهو انتصار الهند على باكستان في حرب 1971 
بينهماء فإنكم سوف ترون بلا شك أن مثل هذا الانتصار العربي الآن سوف يؤدي إلى زيادة 
اتطرف الأنظمة في المنطقة. إن الرئيس نيكسون بالطبع يقدر لكم شجاعة قراركم القيادي برفض 
طلب الاتحاد السوفياتي بمرور إمداداته من السلاح إلى العراق وإلى سورية عير الأجواء 












7 قرار وقف إطلاق النار 
سارت «معركة الثغرة» وفق أوامر السادات الخاطئة؛ رغم أنه كان قد سبق له أن وعد القادة 
العسكريين بعدم التدخل في الخطط والعمليات العسكرية. لذا لم يكن غريباً أن يقول الجمسي 
في مذكراته: «لقد خذل العمل السياسي العمل العسكري في حرب تشرين الأول/أكتوير» 
وفى يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر 1973 توجه السادات إلى مجلس الشعبء وألقى خطاباً 
شدد فيه على التزامه بقرارات مجلس الامن. وعلى رغبته في السلام» وطرح مشروعاً للسلام. 








(63) المصدر تف صن 380. 
(64) المصثر تقس صن 385. 
(65) هبكل. أكتوير 73: السلاح والسياسة. ص 252. 





32 


وفي الوقت الذي كان السادات يلقي فيه خطابه. ويبدي رغبته في السلام؛ كانت «الثغرة» التي 
شقتها إسرائيل تتسع على الجبهة» ويزداد تدفق قوات العدو على الضفة الغربية للقناة. كما 
قامت غولدا ماثير بإلقاء خطاب متزامن مع خطابه. قالت فيه إن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي 
تقاتل ببسالة. شرق القئاة في آسيا وغرب القئاة في أفريقيا. 





أ قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار 

اننهت المعارك بصدور قرار مجلس الأمن وقف إطلاق النار يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر 
1973ء الذي لم تلتزمه إسرائيل كعادتها في كل حروبهاء وسعت إلى محاصرة الجيش الثالث 
تمهيداً للقضاء عليه. أو لاتخاذه كورقة تفاوضية مقيلة» ورغم تفوقها في القوات» ورغم الدعم 
الأمريكي السافر. فشلت في تحقيق هدفهاء وأصبحت قواتها أيضاً محاصرة من القوات 
المصرية. 

وني هذا الخصوص أضاف السادات أخطاءً فوق أخطاء. عسكرياً وسياسياً؛ فمن الناحية 
العسكرية أصر على الارتباط بين وقف إطلاق النار والعودة إلى حدود عام 1967 حسب قرار 
مجلس الأمن الرقم (242), وهذا موقف جيدء ونقل ذلك الإصرار إلى يف الذي نقله 
بدوره إلى كيسنجرء الذي كان في زيارة الاتحاد السوفياتي. لكن السادات تخلى فجأة عن هذا 
الارتباط. وأبلغ قراره الجديد إلى السفير السوفياتي في القاهرة» ما وضع بريجنيف في موقف 
غاية في الحرجء بينما كان يهم بمقابلة كيسنجر لمعرقة رده. 

ينبغي التوقف هنا أمام أسلوب السادات في اتخاذ القرارء كما تمثل بقبول وقف إطلاق 
النار. بداية لم تكن سورية تعرف بالموعد المقرر لوقف إطلاق النارء وكان رأي السادات أنهم 
سيعرفون من الاتحاد السوفيائي. وحينما طرح هيكل أمامه رأياً مغاير يقول: إن السوريين عندما 
فتحوا النار يوم 6 تشرين الأول /أكتوبر نسقوا مع مصر ولم ينسقوا مع السوفيات؛ فإذا كان هناك 
وقف لإطلاق النار تقرر له توقيت محدده فلا بد أن يعرف السوريون من مصر.. منه» وليس من 
السوفيات. 

كان من الملاحظ أيضاً أن القرار يشير إلى بدء محادثات مباشرة بين الأطراف. فور سريان 
وقف إطلاق النارء وهو ما يثير الدهشة؛ لأن ربط وقف إطلاق النار بمفاوضات مباشرة مسألة لم 
تحدث من قبل» كما أنها لم ترد في قرار مجلس الأمن بعد هزيمة عام 1967. فضلاً عن أن مصر 
لم تكن تقبل بذلك قبل حرب عام 1973. فكيف تقيل به الآن؟ 

ويبدو أن حافظ إسماعيل مستشار السادات لشؤون الأمن القومي كان قد تحمل فوق 
طاقته. ووجد ما تصور الآن أنه فرصة مناسية ليقول رأيه» قتوجه إلى السادات قائلاً: إنه لس 
هناك ما يدعونا إلى هذه العجلة. وأنه يخشى أن يكون العسكريون قد أعطوه صورة مبالغة في 

















لع 


تشاؤمهاء وأنه إذا كان الموقف خطيراً. فإنه يعتقد بأمانة أن القوات قادرة على مواجهته؛ فنهره 
السادات*", 

كذلك لم يستمع السادات إلى التحذير من تجارب مصر مع إسرائيل في وقف إطلاق النار 
وكسره؛ فذلك أمر تكرر منذ هدنة عام 1948. ولا يجب أن يتكرر مجدداً. من ثم لا بد أن تكون 
هناك رقابة على الأرض تحفظ خطوط وقف إطلاق النار. من أي تعد عليها بعد سريان وقف 
إطلاق النارء ما يقتضي الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إرسال قو قبل أن يسري 
وقف إطلاق النار. اعترض السادات على أساس أنه ليس هناك وقت لمثل هذا الطلب. لأن 
إجراءات تنفيذه سوف تستغرق أياماً. رغم أن هناك قوة للأمم المتحدة في قبرصء وأن الآمين 
العام للامم المتحدة يستطيع إرسال مجموعة من ضباطها إلى خطوط التماس بين القوات» حتى 
لايقوم الإسرائيليون بعمليات تؤثر في سلامة القوات وسلامة الجبهة. 

الكن كان رأي السادات أن هناك «وقف إطلاق نار من نوع مختلف. وراءه ضمان 
القوتين الأعظمء وليس وراءه الأمين العام للأمم المتحدة العاجزء وضباطه الأكثر عجزاً في 
قبرص. لكن الواقع يقول إن القوى الأعظم لا تستطيع أن تضمن مواقف ت 
مواقع قنال محدودة» في جبهات بعيدة» لكن هذه المواقع يمكن أن تحدث فارقاً هائلا بين 
أطراقها على الارض» وهذا ما حدث؛ حيث جاءت التطورات في ميدان القتال لتؤكد 
خطورة عدم الالتفات إلى التحذير الذي أملته تجارب مصر مع إسرائيل في وقف إطلاق 
الثار وكسروة”», 

كان يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر. مع صدور قرار مجلس الأمن وقف إطلاق النارء من أخطر 
أيام التاريخ خ المصري المعاصر؛ فقد كانت كل مراكز صنع القرار أو التأثير فيه في عزلة عن 
بعضهاء لم يكن مك منها على اتصال بآخ بطريقة منظمة ولاك مكز فها على علم كاي 
بالحقائق العسكرية أو السياسية. افد كان السادات يعلق آماله كلها على مهمة كيسنجر في 
موسكوء وترسخ لديه يقين كامل بأن «ساحر فيتنام» سيمارس سحره ف في الازمة المحتدمة في 
المنطقة. وحينما لفت هيكل نظره إلى اختلاف الظروف» كان رده بحدة «إن هناك عاملاً ثابتاً 
مهما تغيرت الظروف وهو أن كيسنجر يريد أن ينجحء وأن يحافظ على سمعته الأسطورية التي 
بناها في السنوات السابقة». وحيننذ قال له: «إن كيسنجر يمكن أن ينجح على الشروط 
الأمريكية؛ وربما الإسرائيلية أيضاًء لكن السؤال هو إذا كانت هذه الشروط تلائم الموقف 
العربي؟ وفي كل الاحوال» فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤثر في كيسنجرء وهو يخوض 




















(66) هبكل. أكتوير 73: السلاح والسياسة. ص 524. 
(67) المصدر تقس صن 525 


324 


امتحانه من أجل النجاح؛ هو صلابة الموقف العربي؛ وليس أية ثقة «غيبية» من العرب في 
كفاءائد»", 

هنا تككمن الإشارة إلى شهادة العقيد عبد الرؤوف رضا مدير مكتب السادات للشؤون 
العسكرية؛ صباح ذلك اليوم. حيث أبلغ محمد حسنين هيكل الآني: «إن الرئيس لا يستمع إلى 
مستشاريه. وأحياناً لا يقابلهم. وحاول هو أن يعرض عليه بنفسه صورة للموقف العسكري؛ فلم 
يتمكن. كما أن الأجواء في القيادة العامة ملبدة ومتقلبة. ويكفي أن هذه القيادة في ظرف 24 
ساعة غيِّرت الصورة أمام الرئيس من الوردي إلى الأسود. مرة واحدة دون ظلال». فيوم 19 
تشرين الأول/أكتوبر كان رأيهم أن قفل الثغرة ممكنء ويوم 20 تشرين الأول/أكتوبر أصبح رأيهم 
العكس. وهو لا يريد أن يضع مسؤولية على أحد بالذات» لكن الحقائق تتحدث عن نفها. 

وأضاف أن هناك حالاً من الإحباط والغضب بين شباب الضباط في هيئة العمليات؛ فهؤلاء 
الضباط كان لهم دور كبير في دراسة وضع تفاصيل الخطة؛ نجحت خطتهم فوق ما كان يتوق 
أحدء ومع ذلك فقد رأوا القرارات تصدر لأسباب غير مفهومة بالنسبة إليهم؛ وتؤثر في بنيان 
وتماسك اللخطة"». 

من الغريب» رغم ذلك كله. أن الموقف على الجبهة قد تحسّن في الساعات الأخيرة بطريقة 









تدعو إلى الاطمننان. فالطوابير الإسرائيلية الزاحفة يتعطل تقدمهاء وهي تواجه مقاومة عنيدة في 
كل القطاعات تقريباًء ولحقت بها خسائر كبيرة جداً. وهذه كلها عناصر يمكن استغلالها. وحتى 


إذا كان وقف إطلاق النار سيجيء اليوم. فإن تدعيم الموقف على الجبهة. وترسيخ ثبات القوات 
المصرية» يمكن أن يكون له مردود سياسي كبيرء حتى في حال وقف إطلاق النار. 

لكن الخطورة جاءت من رغبة السادات في الاحتفاظ بكل خيوط الموقف في يده. وبخاصة 
في الأيام الأخيرة التي بدا فيها أن الحركة الرئيسية في الموقف على وشك أن تنتقل من المسرح 
العسكري إلى المسرح السياسي. وتجلت هذه الرغبة حتى في بعض المواقف اليسيطة. فعندما 
أعلن عن وجود كيسنجر في موسكو عرض عزيز صدقي. رئيس الوزراء الأسيق, أن يذهب إلى 
موسكو فوراً لكي يقوم باتصالات مباشرة مع القادة السوفيات؛ وفي مقدمهم بريجنيف, الذي 
تربطه به علاقة قديمة ووثيقة. لكن السادات رفض الاقتراح بطريقة حادة. موضحاً أنه يريد أن 
تكون الخطوط مباشرة؛ ولا يريد بينه وبين بريجنيف وسيطاً. 

وجرياً على سوابق إسرائيل في كسر وقف إطلاق الثار؛ امتدت قواتها حتى الكيلو (101) 
على طريق السويس - القاهرة» وكان ذلك يمثل عامل تهديد لأمن إسرائيل القومي لو لم يوافق 














(68) المصدر تقسه. 
(69) المصدر ثقسه. ص 527 529 


325 


اكداداث تعر ودر إطار شريكه في المعركة حافظ الأسد على قرار وقف إطلاق النارء لآن 
في إسرائيل يؤدي إلى شلل تام في كافة المرافق والمصانع والهيئات 
اثيل لأراض عربية جديدة لم يخفٍ حقيقة الهزيمة الساحقة اق 
تلقتها في الحرب. كما أن هالة «الجيشَ الذي لا يقهر» نُسفت إلى الأبدد أثبتت المعركة كفاءة 
المقاتل العربي طالما توافرت له الظروف الطبيعية للقتالء وبخاصة في بداية الحرب قبل تدخل 
السادات في الخطط والعمليات العسكرية على النحو الذي ورد في صحيفة الاتهام التي رفعها. 
الشاذلي إلى النائب العام كما أثبتها في كتابه. 








ب التباس الموقف السوري 

أشار إسماعيل فهمي في كتابه إلى أنه يبدو أن حافظ الأسد قد توقع قتالاً صعباً تخوضه 
سورية» وبالتالي أعد خططه السياسية على هذا الاساس؛ لذلك طلب من الاتحاد السوفياتي» 
حتى قبل أن يبدأ القتال. أن يقترح وقف إطلاق النار رسمياً حال أن يبدأ القنال» كانت المشكلة 
أنه لم يبلغ السادات قط بأنه قدم هذا الطلب. كما نفى أن هذا ما حدث حين قام الاتحاد 
السوفياتي بإبلاغ السادات. 

ففي الرابع من تشرين الأول/أكتوبر أبلغ السفير السوفياتي لدى مصر وزير الحربية أحمد 
إسماعيل أن سورية أبلغت الاتحاد السوفياتي بموعد بدء الحرب» في 6 تشرين الأول /أكتوبر. 
كما طلب الأسد أيضاً أن يقترح السوفيات وقف إطلاق النار رسمياً في الثامن من تشرين 
الاول/أكتوبر» ثم نقل السفير السوفياتي إلى السادات رسالة من بريجنيف ينفس المعني. وفي 
8 تشرين الأول/أكتوبر أبلغ السوفيات السادات مرة أخرى أن الأسد يمارس ضغطاً كبيراً عليهم 
ليحصل على وقف إطلاق النارء لأن الموقف على الجبهة السورية قد أصبح صعباً جداً. نقل 
السادات تلك المعلومات إلى الاسدء وطلب منه تأكيدهاء فنفى الاسد كل هذا. وقد 
الاتحاد السوفياتي؛ إلى درجة كبيرة: من قرار السادات عدم تصديقه أن سورية طلبث وقف 
إطلاق الثار. . وفي اجتماع عقده فهمي مع كل من بريجنيف وغروميكوء لاحقا. أكدا له أن لدى 
الاتحاد السوفياتي وثائق تنبت أن الاسد طلب وقف إطلاق النارء ليس مرة واحدة» إنما ثلاث 
مرات. 

ويضيف فهمي: بينما كان تبادل هذه الرسائل يجري على المستوى الديلوماسي؛ استمرت 
الحرب. واستمر الجيش المصري في إحراز تقدم بعد الآخر. في حين استقرت الجبهة السورية: 
وكانت إسرائيل هي التي تعاني وضعاً صعباً. لقد وصلتها شحنات الاسلحة الأمريكية الأولى 
يوم 1973/10/10ء لكنها احتاجت عدة أيام أخرى قبل أن تصبح الكميات التي تلقتها كثيرة 
بدرجة كافية» تمكنها من تغيير مجرى الحرب. وفي 1973/10/12 كان الوضع سيئا جداً بالنسبة 








326 


إلى إسرائيل» إلى درجة أن غولدا مائير أبلغت الولايات المتحدة أن حكومتها مستعدة لقبول 
الاقتراح الأمريكي ‏ البريطاني بوقف إطلاق النار. وقد رفض السادات هذا العرض عندما نقله 
إليه السفير البريطاني. ويؤكد فهمي أنه قد انزعيج «تماماً لهذا القرار غير الحكيم؛ ولم أستطع أن 
أخفي غضبي؛ فأوضحت للسادات أنه كان ينبغي أن يقبل وقف إطلاق النار». تعلل السادات 
بأن إسرائيل عادة ما تقبل إطلاق النارء لكنها لا تلتزم به أبداً. فكان رد فهمي: هذا صحيحء 
«لكن من الأفضل أن يخرقوا وقف إطلاق النار الآن. وهم ما زالوا على الضفة الشرة 
أن يفعلوا هذا فيما بعد؛ لأنهم قد ينجحون في عبورها". وما توقعه كان صحيحاً؛ فبعد أيام 
قلائل زادت شحنات الاسلحة الامريكية؛ كماً ونوعاً. إلى مستوى أصبح فيه الإسرائيليون قادرين 
على عبور القناة. وعندما صدر قرار مجلس الأمن الرقم (338) بوقف إطلاق النارء توقف تقدم 
الجيش الإسرائيلي وقد رسخ مواقعه تماماً في الضفة الغربية للقناه وحاصر الجيش الثالث؛ كما 
عزل تقريباً مدينة السويس. وليس هناك من شك في أن مصر كان يمكن أن تكون في موقف 
أقوى إذا كان السادات قد قبل وقف إطلاق النار في 10/12 قبل أن يبدأ الهجوم الإسرائيلي 
المضادا"". 

بل لقد أكد كيسنجر في أول لقاء له مع إسماعيل فهمي. في 1973/10/19.ء «أن الولايات 
المتحدة رفضت إرسال أية مساعدة إلى إسرائيل خلال الأيام السبعة الأولى من الحرب» وأن 
هذه الحكومة فضلت تبني قرار بوقف إطلاق النار يصدره مجلس الأمنء حين كان نصر مصر 
في قمته. وقد طلبت واشنطن من بريطانيا تقديم القرار لمجلس الأمنء وضمنت الأصوات 
التسعة الضرورية لإقراره» وقد وافقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على الامتناع 
عن التصويت». ويضيف كيسنجر: *إن الفشل في التوصل إلى وقف مبكر لإطلاق الثار كان 
يرجع إلى تعنّت مصر. وكانت الولايات المتحدة قد نجحت في دفع إسرائيل إلى قبول وقف 
إطلاق النار على خطوط ١2‏ تشرين الأول/أكتوبر» أي في المواقع التي بلغتها القوات» لكن 
السادات رفض». 

وتأكيداً لرواية فهمي؛ يشير هيكل» في كتابه خريف الغضبء إلى أن السادات تلقى رسالة 
مهمة من كيسنجر في ١١‏ تشرين الأول /أكتوبرء كان فحواها "إن الموقف قد وصل الآن إلى 
نقطة ملائمة» يمكن أن تبدأ معها المفاوضات لتوية مقبولة؛ تبدأ بقبول وقف إطلاق النارء ثم 
تنتهي بمؤتمر للسلام». لكن السادات ‏ وكان منتشياً بالنصر ‏ أبلغ هيكل أنه في رده على الرسالة 
قاطعة» لكي يترك لنفه حرية الحركة». ويتابع هيكل: أن الولايات المتحدة 
بعد أن أحست أن رد السادات لم يكن قاطعاً؛ من خلال المبادرة التي 














(70) فهمي. حرب أكتوير 1973: دراسة ودروس. ص عل 50. 


327 


بقبول وقف إطلاق النارء في المواقع التي بلغتها القوات» لكن السادات ربط 
0 بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وقد وصل هذا الرد إلى 
الولايات المتحدة. في اليوم الذي بدأت فيه عملية تطوير الهجوم المصريء فجر 14 تشرين 
الأول /أكتوبرء وكان هذا هو اليوم الذي اتخذ فيه نيكسون قراره بإطلاق أضخم جسر جوي 
الإمداد إسرائيل بما كانت تحتاج إليه من أسلحة وذخائر. لقد كانت عوامل إصدار هذا القرار 
واضحة» ويمكن أن يضاف إليها أن كيسنجر ربما أحس أن السادات يراوغ في قبول وقف إطلاق 
النارء ومن ثم فقد قرر التصرف. وبصرف النظر عن العوامل التي أثرت في التفكير الامريكي 












وقتهاء فإن بده إمدادات الجسر الجوي مكن إسرائيل من أن تدفع إلى المعركة بكل احتياطياتها 
الاستراتيجية» ومن ثم بدأ مسار الحرب يختلف' 
في هذا السياق هناك خبرة «ذات طابع شخصي»» في شأن موقف سورية من 






الاتحاد السوفيائي لطلب وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 1973/10/9 ما يقتضي أولاً 5 
بما أطلق عليه «المركز رقم (6)11؟ فمن المعروف أن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة» الذي 
يتولى قيادة العمليات في مصر يطلق عليه «المركز رقم (10)» وقد فكر هيكل في إنشاء مركز 
مجاور له؛ يتلقى نفس المعلومات عن سير العمليات العسكرية عن بعد؛ متحرراً من ضغوط 
المعارك, وأن يبعث إلى القيادة العامة للقوات المسلحة, في «المركز رقم (5)10: بما يعن له من 
توصيات. أو وجهات نظر. وبالفعل أنشئ هذا «المركز رقم (11)*: وكان يضم اللواءات: حسن 
البدري وطلعت حسن علي ومصطفى الجملء وهم كما يقول الشاذلي في كتابه: "إنهم من 
خيرة الضباط»؛ كما أن جمال عبد الناصر كان يعتبر اللواء حسن البدري هو مؤرخ الجيش 
المصري. 

ويضاف إلى ما تقدم معلومة إضافية ذات صلة بالموضوع؛ تتمثل في أن إنشاء «مركز 
الدراسات السياسية والاستراتيجية» بالاهرام. جاء بناء على حوار دار بين جمال عبد الناصر 
ومحمد حسنين هيكل واللواء حسن البدريء بعد هزيمة عام 1967 خلاصته أن الهزيمة قد 
أثبتت. ضمن ما أثبتت, عدم المعرفة بالعدوء وكان رأي جمال عبد الناصر أن الأمر يقتضي 
إنشاء جهاز يعنى بهذا الموضوع لكن بعيداً من أجهزة الدولة؛ وتأشيراتها من نوع: «سرّي 
جداف وهسرّي للغاية». من هنا تبلورت فكرة إنشاء هذا الجهاز في الأهرامء وتأسس بالفعل عام 
68 باسم «مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية»» لتحديد هويته ومجال اختصاصه. ثم 
تحول إلى «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية» عام 1972ء لتوسيع نطاق الرؤية والمنهج 




















محمد حسنين هيكل. خريف الفضب: قصة بداية ونهاية عصر أنور الساداث (الفاهرة: مركز الأهرام للترجمة. 
والترزيع. 1988). ص ندا 15. 





32 


والتحليل» مع المحافظة على هويته ومجال اختصاصهه بالتركيز على الصراع العربي - 
الإسرائيلي. وتولى اللواء حسن البدري رئاسة «وحدة الشؤون العسكرية» بالمركز منذ بداية 
تأسيسه. 

في إطار الجمع بين إنشاء «المركز رقم (11)» ومركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 
بالأهرامء ومكانة اللواء حسن البدري فيهماء يتضح مغزى الخبرة «ذات الطابع الشخصي؛ 
عقد مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام اجتماعاً لمجلس الخبراء بالمركزء وكنت 
أحدهمء لحضور ندوة يعرض فيها اللواء البدري رئيس وحدة الشؤون العسكرية بالمركز دروس 
وخيرات حرب عام 1973. وقد أشار اللواء البدري في عرضه. ضمن العديد من القضايا 
الأخرى. إلى موضوع طلب وقف إطلاق النارء وبخاصة من زاوية موقف سورية من التنسيق مع 
الاتحاد السوفياتي لطلب وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 1973/10/9. وقد خلص البدري إلى 
أن وقف إطلاق النار في ذلك التاريخ كان بمثابة «عرض» (00120) مقدم إلى مصر في ذروة أيام. 
انتصارهاء مشفوعاً برجاء الموافقة» تتطلع إليه إسرائيل» ومقدم من الاتحاد السوفياتي والولايات 
المتحدة وبريطانياء أما قبوله لاحقاً يوم 10/22 فقد كان بمثابة «استجداء؟ (نهعن8) من مصر 
مشفوعاً برجاء القبول. بعد أن تغيرت موازين القوى على الأرض. ويبدو أن تقديرات الأسد بهذا 
الخصوص كانت سليمة» بغض النظر عمًا شابها من غموض. لان القوات المسلحة المصرية 
والسورية كانت قد حققت انتصاراً حاسماً يوم 10/8 فإذا ما طالب الاتحاد السوفياتي. في ذلك 
اليوم» بوقف إطلاق النار فإن النواحي الإجرائية لصدور قرار من مجلس الأمن تحتاج من 
يومين إلى ثلاثة أيام للمداولات والمساومات. أي أن القرار يتوقع صدوره يوم 10/1١‏ حيث 
كان الانتصار العربي في قمته على الجبهتين المصرية والسورية. 

ويشير موسى صبريء في كتابه بعنوان: السادات: والأسطورة: إلى أن إسماعيل 
فهمي قد تأكد من صحة ما أبلغه الاتحاد السوفياتي إلى القاهرة» حيث أطلعه السوفيات في 
موسكو على الوثائق التي تثبت صحة الطلب السوري'”". 














اج الانتصار الأمريكي 

جدير بالإشارة في هذا المجال ما جرى صباح 26 تشرين الأول/أكتوبر؟ 
بكتاب إلى كيسنجرء يخبره فيه أنه سحب طلب مصر بقوة أمريكية ‏ سوفيا 
الطلب هو سبب استحكام الأزمة على المستوى العالمي» لأن ذلك معنا 
الاتحاد السوفياتي يستعد لإرسال قوات إلى مصرء وكان قد أعلن استعداده 















72) موسي صبري. الساداث: الحقبقة والأسطورة (القاهرة: المكتب المصري الحديث. 1985). ص 405. 


329 


إسرائيل قرار وقف إطلاق النارء فإن هذه القوات لن تصل على الإطلاق» لأنها لا تستطيع أن 
تذهب إلى أراضي دولة لم تعد تدعوها إلى الحضور. وخلص كيسنجر إلى أن هذا يعني أب 
أن «مسار الأزمة يتجه إلى صالحنا. فقد خرجنا على قمة الموقف»» ويعني أن السادات وضع 
مصيره في يد الولايات المتحدة. وتوجه كيسنجر بسرعة إلى مقابلة مع نيكسونء يبلغه بأن 
الولايات المتحدة «انتصرت في المواجهة». 

هكذا كانت عجلة الحوادث قد دارت دورة كاملة؛ فمصر التي كتبت إلى كيسنجر من قبل 
وفي ظروف مختلفة. تقول إنها لا تريد أن تفرض المهانة على إسرائيل؛ أصبحت تتلقى من 
إسرائيل الآن أنها ٠لا‏ تعرض عليها الاستسلام ولا المهانة»! لتوضيح هذه «الدورة»» وكيف 
دارت» تكمن الإشارة إلى فقرات من محاضر الاجتماعات. وردت في المجموعة الأولى من 
وثائق الحرب التي أفرجت عنها الحكومة الإسرائيلية عام 2013. في الذكرى الأربعين لحرب 
أكتوبر» ففي اجتماع عقده مجلس الوزراء طرحت مائير ما أطلقت عليه «الفكرة |٠‏ 
«قالت: ما رأيكم لو يشكل سري أسافر أنا ورجل عسكري مناسب إلى واشنطن لمدة 24 سا 
الإطلاع الرئيس نيكسون على خطورة الأوضاع؛ وليعلم أن الروس أعطوهم أكثر مما ن 
حياة الناس صارت مهددة بسبب الأسلحة الوفٍ 
من أجلنا». 

وقال الوزير غاليلي: إنهم لا يرون الوضع. 

وقالت ماثير: يجب أن نوضح الموقف, لا داعي منطقياً لأن يدمرونا. 

ورد وزير الدفاع دايان: غولدا! لن يدمرونا. 

ردت مائير: فلنقل لن يدمروناء لكن هذا سيجلب الكوارث. 

دايان: الروس يغدقون عليهم العتاد. 

مائير: هذا ما أود أن أطلعه عليه؛ أريد أن أسأل إن كان هذا جنوناً مطلقاً؟ 

دايان: نعم. لكن ينبغي فعل ذلك. 

مائير: سأسافر متدكرة تماماً سرأًء ولن يعلمواء وليأتِ معي شخص عسكري: الجنود 
مصريون. لكن الروس جهزوهم لمدة ست سنوات. 

دابان: المصريون لديهم أقوى منظومة صواريخ في العالم, ولا مثيل لها حتى في 











سأقول له: يجب أن تستمر معناء وتعمل 






موسكو. 
مائير: سأسافر دون علم الحكومة: فالسرية هنا مصيرية» كيف سنفعل ذلك؟ هذا ما 


مدد 


وانتهى الاجتماع؛ ووزير الدفاع يريد مصارحة الشعب بالوضع الصعبء ويفكر في استدعاء 
الكنيست. بينما رئيس الأركان يقول لا أعرف ما الذي ينبغي أن يقال لليهود في الحرب. في 
الحوادث يقولون الحقيقة» أما في الحروب قلا ينبغي أن نقول كل الحقيقة. 

وقالت ماير: في ما يخص الاتراح الجنوني» أستحلفكم بالله أن يظل الامو سرا بين" 

ونظراً إلى عنصر الوقت. بصفة خاصة, فقد أرسلت مائير رسالة إلى الرئيس الأمريكي تقول 
فيها: «إما أن تلحقوناء أو سوف نستخدم أسلحة يوم ويشير شلومو أرنون إلى أن 
الهجوم المصري خلق «وضعاً صعباً جداً لإسرائيل: ما دفع حتى موشيه دايان إلى حافة اليأس... 
وربما كان الخوف من نجاح سوري ساحق يؤدي إلى دفع دايان إلى التفكير في استخدام قتبلة 
نووية»؛ من التي تملكها إسرائيل, لكن تبقيها في مخازنها بدلا من وضعها على صواريخ. 
ويضيف أرنسون: أنه ريما فكر الإسرائيليون في ما هو أخطرء وهو البدء في تركيب الرؤوس 
النووية على صواريخها في ذلك الوقت”". 

القد أشار وليام كوانت» في كتابه بعنوان: عملية السلام: الدبلوماسية الأمريكية والنزاع العربي 
الإسرائيلي منذ 1967» إلى أنه في صباح يوم 1973/10/9 كان هناك نداء غولدا ماثير العاجل 
طلباً للسلاح: «أنقذوا إسرائيل» (5061 ©580)» كما نقل سفير إسرائيل في واشنطن سيمحا دنيتز 
إلى كيسنججر طلب ماير القيام بزيارة سرية لواشنطن لتوضح لنيكسون مدى الحاجة إلى 
الأسلحة. لكن كيسنجر رفض هذا الاقتراح فوراً لايقدم أحد هذا الاقتراح إلا في حال 
أزمة هيستيرية. إن هذه الرحلة سوف تبعد مانير عن إسرائيل لمدة 36 ساعة على الأقل» 
ومغادرتها بلادها بينما تدور معركة ضارية فإن ذلك سيوضح أن إسرائيل في هلع وفزع. كما 
يشجع باقي العرب. الذين يتربصون للاتضمام إلى المعركة... ولأن الزيارة لا يمكن المحافظة 
على سريتها؛ فسوف نكون مضطرين إلى إعلان سياسة إمدادات عسكرية ضخمة لإسرائيل. إن 
العالم العربي سوف يشتعل ضدناء والاتحاد السوفياتي ستكون الأرضية ممهدة أمامه». وبخاصة 
أن كيسنجر علم في اللحظة نفسها أن دايان كان يأمر بتراجع عميق في سيناء. وقال 
بعد إن هذا الطلب كان انعكاساً لحال هيسترياء أو رغبة في الابنزا 9 
البعض من استخدام كيسنجر كلمة «الابتزاز» أن «دينيتز» لا بد أنه قد أثار احتمال لنجوء إسرائيل 
إلى الاسلحة النووية إذا لم تتم الاستجابة لطلباتهاء» ورغم أن كوانت يقرر أنه يشك في أنه قد تم 
توجيه تهديد سافر إلا أنه كان هناك عامل ابتزاز نووي دفين في الوضع العسكري... وإذا كانت 
























ويضيف كوانت: 








رة: المركز الفومي للترجمة, 3014). 
ورف عمل رقم 7. مركز الحد من الأسلحة والآمن الدولي الوس 
ع بي لوو 


اذ 


إسرائيل على حافة الهزيمة؛ فإنه من الصعوبة بمكان أن يستبعد المرء استخدام تلك الأسلحة'*7. 
وفي مساء 1973/10/12 ذهب دينيتز إلى البيت الأبيض يحمل ندا شخصياً عاجلاً من ماتير 
إلى الرئيس نيكسون ليأمر بإرسال إمدادات جديدة قورية من الأسلحة إلى إسرائيل. وذهيت 
مائير إلى حد التلويح بتعرض إسرائيل لهزيمة عسكرية”. 

إضافة إلى ذلك يقول كوانت «أنه في وقت ما في بداية الأزمة التقفطت الاستخيارات 
الأمريكية إشارات بأن صواريخ أريحا وضعت في حال استعداد. وإجمالاً؛ فإن هذه الحقائق 
كانت ستقود أي مسؤول أمريكي إلى استنتاج أن هناك نوعاً من العلاقة بين ما يحتمل من اعتماد 
إسرائيل على التهديدات النووية والقرارات الأمريكية المتعلقة بإعادة تزويدها بالأسلحة 
التقليدية»77. كما قرر شليزتجر» في مؤتمره الصحافي بتاريخ 1973/10/26» «إنه في يوم 13 
بين الأول/أكتوبر 1973 كان البعض يعتقد أن بقاء دولة إسرائيل تعرّض للخطر بصورة 
شديدة». كما افترض الباحث الإسرائيلي المتخصص ناداف سافران أن كيسنجر تحرك بداقع 
الخوف من احتمال لجوء إسرانيل إلى الأسلحة النووية'”. 

فور موافقة السادات على وقف إطلاق النار كتب إلى حافظ الأسد. يقول: «لقد حارينا 
إسرائيل إلى اليوم الخامس عشرء وفي الأربعة أيام الاولى كانت إسرائيل وحدهاء فكشفنا موقفها 
في الجبهة المصرية والسورية وسقط لهم باعترافهم 800 دبابة على الجبهتين» وأكثر من مني 
طائرة. أما في العشرة أيام الأخيرة فإنني على الجبهة المصرية أحارب الولايات المتحدة» بأحدث 
ما لديها من أسلحة. إنني ببساطة لا استطيع أن أحارب الولايات المتحدة؛ أو أن أتحمل 
المسؤولية التاريخية لتدمير قواتنا المسلحة مرة أخرى. لذلك فإنني أخطرت الاتحاد السوفياتي 
بأنني أقبل وقف إطلاق النار على الخطوط الحالية». تلقى السادات رد حافظ الاسد برسالة 
تؤكد أن الأوضاع على الجبهة جيدة. وأن في «إمكان القوات المصرية تدمير العدو غرب القناة؛ 
وقرأ السادات الرسالة» ولم يكن سعيداً ب ..١‏ فبدا له على حد تعبيره أن «حافظ يريد أن يعطينا 
درساً في الصمود»!”,. 

في هذا السياق يشير سعد الدين الشاذلي إلى أن السادات يريد «أن يقول إن الجر الجوي 
الأمريكي هو السبب الرئيسي الذي دفعه إلى المطالبة إطلاق الثار» وإني أقول إن هذه 

















(75) ولبام كرانت. عملية السلام: الدبلوماسبة الأمبركبة ولنزاع العربي الإسواتمي منذ 1967 (القاهرة: مركز الأخرام. 
اللترجمة والنشر. 1994). ص 216.. 
(76) المصير 





780) المصدر نذ 
(79) فهمي. الاوض من أجل السلام في اشرق الأوسط: صن 52 - 53. 


2 


مغالطة؛ فلولا تدخل السادات في إدارة العمليات؛ ولولا استجابة أحمد إسماعيل لهذه 
التدخلات» لما تأثر موقفنا بهذا الجسر الأمريكي. ولاصبح في استطاعتنا أن نطيل أمد الحرب 
عدة أشهر أخرى. وهو ما لا تستطيع إسرائيل أن تتحمله. حيث كان هذا هو جوهر الخطة التي 
دخلنا بها الحربء التي كانت مبنية» في جميع الحالات. على أن الولايات المتحدة ستدخل 
المساعدة إسرائيل»'*". 


د خرق إسرائيل وقف إطلاق النار 


رائيل يوم 22 تشرين الأول /أكتوبر 1973ء ولقائه بقادة إسرائيلء 
اها الإسرائيليون في الحرب. وقد كتب كيسنجر في مذكراته أن 








إسرائيل كانت على وشك الانكسار, نتيجة فداحة الهزائم في بداية الحرب. وأن القادة 
الإسرائيلين الذين قابلهم قد فقدوا ثقتهم بأنفسهم لكنه خرج من ثقائه معهم يطلب من غولدا 





مائير رئيسة وزراء إسرائيل بعودة الأسرى الإسرائيليين» وأن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى ثلائة 
أيام أخرىء لكي يحقق أهدافه على الجبهة المصرية» ويستكمل حصاره للجيش الثالث» وعد 
كيسنجر بمساعدة إسرائيل» ومنحها الوقت اللازم لاستكمال أهدافها العسكرية؛ وطالب القادة 
الإسرائيلين بالإسراع في تنفيذ أهدافهم على الجبهة المصرية. 

بدأت القوات الإسرائيلية محاولاتها للسيطرة على مديئة السويس. والاندفاع إلى ميناء الأدبية 
التطويق وحصار الجيش الثالث المصري. يرسل السادات عدة رسائل إلى الرئيس الأمريكي 
نيكسون, وإلى كيسنجرء يناشدهما إجبار إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار دون جدوى. 
لأن الولايات المتحدة كانت ملتزمة بموقفها تجاه إسرائيل» بإنهاء المعركة من مركز قوة وضغط 
على الجيش المصري. 

كان القتال يتسع على الجبهة» وكان جلياً أمام السادات أن القتال الذي يجري هناك لا يقتصر 






على مخالفات محدودة لوقف إطلاق الثار. لهذا كان يزداد عصبية لحظة بعد أخرى. ورأى أن 
يبعث إلى كيسنجر برسالة حادة» من طريق القناة السرية» جاء الفننا اتتباهكم بشدة إلى 
أخطار وقف القتال. ومن أجل ذلك طالينا بضمانات بتنفيذ كلا الجانبين لالتزاماتهما بمجرد أن 






يقبلا وقف القتال (...) وإسرائيل تستغل هذا الموقف. وتطور مواقعها على الجانب الغربي 
القناة السويسء لإيجاد موقف عسكري جديد. وعلى ذلك فإن مطلب الحكومة المصرية هو أن 
الحكومة الأمريكية يجب أن تقوم رسمياً وعاجلاً بالتدخل لوضع نهاية لهذا التطورء طبقاً 
لتعهدات الحكومة الأمريكية الحازمة» وإعادة الموقف إلى ما كان عليه وقت وقف القتال. 





(80) الشاذلي. حرب أكنوير: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. ص 573 


ددد 


وكان السادات تحت ضغوط القيادة العسكرية والقوات المسلحة والرأي العام قد ازداد 
شعوراً بخطورة الموقف» وقرر أن تكون رسالته الجديدة» من طريق «القناة السرية»؛ باسمه 
صراحة وموجهة إلى نيكسون شخصياًء ومما جاء فيها: إن الحكومة المصرية ستعتبر الحكومة 
الأمريكية مسؤولة مؤولية كاملة عما يحدث حالياً (عدم التزام إسرائيل بوقف القتال)» بالرغم 
من ضماناتكم؛ ومن قرار مجلس الامن الذي تبنته الولايات المتحدة بالاشتراك مع الاتحاد 
السوفياتي. 

من المهم الإشارة إلى ما ورد في مذكرات كيسنجر في شأن هذه المراسلات» حيث يشير إلى 
أنه رأى أن يعاود الإلحاح على السفير الإسرائيلي سيمحا دينتز؛ فاتصل به يبدي مخاوفه من 
احتمال أن يتقدم الاتحاد السوفياني بمشروع قرار إلى مجلس الأمنء يوجه اللوم إلى !. 
ويحملها مسؤولية انتهاك وقف إطلاق النار. ورد عليه ديتز قائلاً: 1 
في هذه الحال أن تقوم الولايات المتحدة باستعمال حق الفيتو لإسقاط أي مشروع قرار يوجه 
ا لاثريدها قرجزها يتيز فرسة الإيداه يعس 












معكم. ا 0 ره على ذلك 
بدلاً من أن تعرقلوا خطواته» . وقد لاحظ كيسنجر أنه برغم كل ما كان يجري على الجبهة» فقد 
ختم السادات رسالته إلى نيكسون بقوله: «مع أحر تحياتي»! وقال: «لقد اندهشت شخصياً من 





وهنا يعود الاتحاد السوفياتي للتدخلء فيصدر بريجنيف باناً يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 
فحواه أن الاتحاد السوفياتي سيتدخل منفرداً لضماء رقف إطلاق النار الكامل» واحترام قرارات 
مجلس الأمنء كما أرسل بريجنيف رسالة مباشرة إلى نيكسون» يطالبه فيها بضرورة تطبيق قرار 
وقف إطلاق النار". 

وإزاء تصاعد الأزمة بعد التدخل السوفياتي, الذي عززه صلابة أبطال القوات المسلحة 
المصرية والمقاومة الشعبية» في التصدي لأهداف الجيش الإسرائيلي» تم تثبيت وقف إطلاق 
الثار في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الأول /أكتوبر 1973. 

في يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر كان لدى مصر 74 دبابة فقط على طول المسافة من السويس 
إلى القاهرة. لكن الذي حدث في الايام الأخيرة من تشرين الأول /أكتوبر, والايام الأولى من 








بخصوص هذه المراسلات المصوية ‏ الأمريكية _ الإسراتيلية - السوفبائة. انظر: هبكال. أكنوير 73: سلاج 
والسباسة. ص 518 2567 


34 


تشرين الثاني/نوفمبرء أن قيادة الاتحاد السوفياتي يوم 28 تشرين الأول /أكتوبر منحت مصر 250 
دبابة هدية, كتعويض عن خسائر الحرب. وصلت مصر بعد 48 ساعة؛ بالإضافة إلى لواء دبابات 
كامل من كل من يوغوسلافياء والجزائرء وليبياء فإذا بحصيلة الدبابات على طول المسافة من 
السويس إلى القاهرة ترتفع إلى 800 دبابة. 

كان لدى السادات إضافة إلى ذلك موقف سياسي عربي موحد, ربما للمرة الاولى ني 
التاريخ العربي المعاصرء وموقف دولي داعم» وجبهة عسكرية استعادت تماسكهاء وأقشلت 
خطط إسرائيل بصمودها. بقيول السادات, منفرداً قرار وقف إطلاق النارء بدون التشاور مع 
حليفه الرئيسي في المعركة الأسد, فإنه وضع كل رهاناته في سلة الولايات المتحدة» ويخاصة 
وزير خارجيتها كيسنجر. 

الذلك عمد السادات. الذي راهن منذ البداية على الموقف الأمريكيء إلى القبول بإجراء أول. 
مفاوضات مباشرة بين العرب وإسرائيل عند الكيلو 101 على طريق السويس ‏ القاهرة» وفيها 
قدم الجانب المصريء الذي كان برئاسة الجمسيء للجانب الإسرائيلي الذي كان برئاسة ياريف» 
مشروعاً لفض الاشتباك: ن انسحاب القوات الإسرائيلية لمسافة 30 كيلومتراً نا 
السويسء وأن تحل قوات الأمم المتحدة كعازل بين القوات» مع بحث حجم وتسليح القوات 
المصرية التي عبرت إلى سيناء. كان ذلك المشروع أقل كثيراً من المشروع الذي عرضه وزير 
الخارجية الأمريكي وليم روجرز عام 1971ء بانسحاب القوات الإسرائيلية مسافة 40 كم شرق 
القناة» ورفضته مصر قبل حرب تشرين الأول/أكتوبر يكل ما تحقق فيها. 

كما طالب الجانب المصري بتحديد خط وقف إطلاق النار يوم 22 تشرين الأول /أكتوبر 
والعودة إليه. وضمان وصول إمدادات الجيش الثالث من الأغذية والأدوية» لكن ياريف ذكر أنه 
ليست له صلاحيات لبحث موضوع خطوط 22 أكتوبر. ولا مشكلات تموين الجيش الثالث. 
وأنه مهتم بالدرجة الاولى بموضوع إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. 

يشير سعد الدين الشاذلي إلى أنه منذ هذه اللحظة» يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر ‏ من الناحية 
الواقعية ‏ أصبح الجيش الثالث رهينة في يد إسرائيل» وفي يد كيسنجر. لقد أصبح مصير الجيش 
الثالث مرتبطاً بمدى المطالب التي تطلبها إسرائيل والولايات المتحدة» ومدى خضوع السادات 
لهذه المطالب. وقد استغلت كل من إسرائيل والولايات المتحدة هذه الرهينة أحسن استغلال!. 

في هذا السياق تنبغي استعادة الجدال بين جبهات السياسة» في حرب عام 1973: وجبهات 
السلاحء ذلك أن الحركة الرئيسية على مسرح الحرب بدأت بالفعل تنتقل من المسرح العسكري 
إلى المسرح السياسي. مع اليوم السادس عشر من بدء القتال» 21 تشرين الاول/أكتوبرء وهو ما 














(82) الشاذلي. المصدر نفسه, صن 251 252. 


335 


ساهم بوضوح في الكشف عن طبيعة أداء السادات لهذه اللحظة الفاصلة في تاريخ مصر 
الحديث. لقد غادر السادات مقر القيادة» ليلة 20 تشرين الأول /أكتوبرء ومن المؤكد أنه عندما 
وصل إلى قصر الطاهرة كانت خطاء تتكشف في فكره وتتحدد. فقد استدعى السفير 





السوفياتي. وأبلغه بأنه على استعداد لقبول وقف إطلاق النارء في أي وقت ابتداء من الآن. طبقاً 

اللشروط التي شرحها له من قبلء وطلب منه إبلاغ هذا القبول إلى بريجنيف في موسكو. 
وفسر ذلك بقوله: "إن أحمد إسماعيل أخذني إلى مكتبه. قبل اجتماع القيادة. وعرض أمامي 

٠‏ لكن الواجب يحتم عليه أن 





الموقف كله. وقال لي إن أحوالنا في الجبهة حتى الآن 
يصارحني بالحقيقة» وأن يقول لي إنني إذا وجدت وسيلة إلى و 
المستحسن أن أقيلها حتى لا يتعرض الجيش والبلد لأخطار محققة»”". 

ثم نشطت «القناة السرية» للعمل في نفس اليوم؛ حيث بعث السادات. بتوقيع حافظ 
إسماعيل. برسالة إلى كيسنجرء الموجود في موسكو. من ضمن ما جاء فيها أن: «الحكومة 
المصرية توضح الموقف الآني في ما يتعلق بالنزاع الراهن: | وقف للقتال على الخطوط 
الحالية؛ ب عقد مؤتمر سلام بهدف الوصول إلى تسوية أساسية؛ ج ‏ ضمان من الولايات 
المتحدة والاتحاد السوفياتي لوقف القتال وانسحاب القوات الإ 

















ه- اللقاءات المصرية ‏ السوفيانية 

في إطار متابعة مسألة وقف إطلاق النار تنبغ 
السادات مع الجانب السوفياتي؛ حيث تأني الأهمية البالغة لاثثين من هذه اللقاءات؛ مع السفير 
السوفياتي فلاديمير فينوغرادوف. ومع رئيس الوزراء السوفياتي كوب 

(1) اللقاء العاصف بين السادات والسفير السوفياني فلاديمير فينوغرادوف: عقد اللقاء في 
مساء 8 تشرين الأول/أكتوبرء وخرج على إثره السادات غاضبا. لأنه فهم منه أن السوريين قد 
طلبوا من موسكو وقف إطلاق النارء بعد توجيه العدو مجهوده الرسي على جبهتهم؛ وهو ما 
ناه الرئيس السوري حافظ الاسد في برقية رسمية» قال فيها إنه لم يطلب من السوفيات ذلك 
وأن قواته تقاتل بشراسة: وتلحق بالعدو أكبر الخسائر. وأن خسائر الجانب السوري في معدلاتها 
الطيعية. 

وفي نفس المساه التقى السغير السوفياتي محمد حسئين هيكلء واشتكى من معاملة 
السادات له وشكوكه الدائمة في الاتحاد السوفياتي. وقال إنه إزاء تطورات الموقف على 
الجبهة السورية بعد ظهر أمسء حيث خسرت سورية نحو 500 دبابة» خطر لهم مجرد سؤال: 











(43) هبكل. أكتوير 73: السلاح والسياسة: ص 511. 
(84) المصدر نقسه. صن 513 514. 


6د 


هل الوقت الآن مناسب لقرار بوقف إطلاق النار. لكن السادات لم يعطه فرصة ليشرح وجهة 
نظره» وقاطعه سائلاً بحدة عما إذا كان الأسد طلب منهم تقديم قرار لوقف إطلاق النار. وحين 
حاول أن يشرح له * ية هذا الموضوع. خبط يده على المائدة 
حافظ الأسد من وراء ظهري». وأضاف السفير السوفياتي أن «التنسيق 
والسورية غير قائم»» ثم أخذ هيكل إلى غرفة الخرائط» وكان مؤدى ما عرضه إن الاحتياطي 
الإسرائيلي؛ الذي كان في المؤخرة. وضمن مسؤولياته حماية المضايق؛ قد خرج من مكامنه. 
واشترك في معارك الدبابات خلال الساعات الأخيرة. وتكبد خسائر كبيرة. ونتيجة لذلك فإن 















الاقتراب منهاء قوات ذ : 5 
تكتسحها القوات المصرية في ساعتين أو ثلاث ساعات. وتسيطر على أهم موقع استراتيجي 
في سيناء؛ بما يسمح لها بأفضل الأوضاع لرد أي هجوم إسرائيلي مضاد».. لكن السادات رفض 





بين الأول/أكتوبر كانت 
من الشرق؛ تقوم بجهود مستميتة لوقف تدفق المدرعات 
الإسرائيلية إلى الغرب. وحققت في بداية الأمر قسطاً من النجاح. لكن قوة الاندفاع الإسرائيلي 
كان من الصعب إيقافها تماماً. 

في ذات اليوم التقى السادات مع كوسيغين؛ ولم يكن في أحسن أحواله؛ فا التي 
استطاعت بها القوات الإسرائيلية اختراق الجبهة المصرية في الدفرسوار لم تغلق. وراح يلوم 
الاتحاد السوفياتي على تقصيره في إمداد مصر بالسلاح. واستشهد مرات بالفارق الكمي 
والنوعي جسر الإمداد الأمريكي لإسرائيل» وجسر الإمداد السوفياتي لمصر. وحاول التهوين 
من شأن الثغرة» مظهراً مقدرة القوات المصرية على التعامل معها وضربهاء مع تسليمه بأن الأمر 
قد يحتاج إلى وقت أطول مما كان مقدراً. 

وبدا نفاد الصبر على لهجة كوسيغين وهو يتحده ث» فقد ضايقه ما بدا له أنها محاولة 
الإلقاء اللوم على الاتحاد السوفياتي. وبدأ كلامه قا: يريد أن يتحدث مع الرئيس 
بصراحة»؛ وأضاف: «إننا قبل هذه الأزمة كنا أصدقاء. وبهذه الأزمة ونحن فيها معاًء فقد 
أصيحنا حلفاء. وقدمنا إليكم ما طلبتموه مناء وحتى هذه اللحظة فإن الجسر الجوي 
السوفياتي نقل إلى مصر أكثر من ستة آلاف طن من المعدات» وحاربتم بالمعدات السوفياتية 
في الايام الأولى من القتال؛ بطريقة أنبتت كفايتها وكفاءتها. وبعد ذلك فإن إدارة المعركة 

















(85) المصدر تقه. من 390 393 


337 


كانت في أياديكم: ونحن لم نقترب منهاء مع أنه كانت لنا ملاحظات على الطريقة التي دخلتم 
بها إلى المعركة؛ وحققتم انتصاراً مبدنياً شهد به العالم؛ ثم توقفتم بعد ذلك دون سبب 
مفهوم. 

وتابع: تركتم حلفاءكم على الجبهة الشمالية (سورية) حتى يضربهم العدو ثم يتحول إليكمء 
ومع ذلك فأنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل إدارة مجهودكم الحربيء لأن ذلك شيء يخصكم» 
لكني اضطررت إلى إبداء ما أبديت من الملاحظاء زاء ما قلتموه؛ والاتحاد السوفياتي ليس 
على استعداد لقبول ما قلتموه: حين يتحقق انتصار فهذا الانتصار لكم وحدكم. ولا شأن لنا به 
وحين تقع مشكلة فالاتحاد السوفياتي هو سبب المشكلة, بتقصيرنا في إمداد السلاح اللازم 
وأنتم لادخل لكم بالموضوع». 

وفي ما يتعلق بالتقطة الثانية» عن حجم القوات الإسرائيلية التي تمكنت من دخول الثغرة. 
قال كوسيغين: إن «صديقنا السادات يقلل من الخطر الذي تواجهه القوات المصرية؛ وأنا مضطر 
أن أضع أمامه الحقيقة حتى يستطيع أن يقيم حساباته على أساس سليم»؛ وعرض كوسيغين 
مجموعة من الصور الفوتوغرافية الملتقطة بالأقمار الصناعية» وكانت الصور واضحة بطريقة 
مذهلة» فقدت بدت فيها منطقة الشغرة الإسرائيلية وما حولهاء وكانت هناك علامات ودوائر 
مرسومة عليها تحدد مواقع القوات الإسرائيلية وطوابيرها. وراح كوسيغين يشرح 
الصور تشير لا إلى قوات صغيرة تمكنت من عبور الثغرة إلى الضفة الغربية من القئاة» إنما هذه 
الصور تظهر أنه حتى ساعة التقاطها ظهر اليوم كان لإسرائيل في الغرب 760 قطعة مدرعة؛ ما 
ابات وعربات مصفحة» وهذه قوة رتعزيزها لا يزال مستمراًء وأنتم أمام موقف خطير 
تفرض عليكم الظروف مواجهته ووقفه عند حده. حتى تستطيعوا المحافظة على حجم 
انتصاراتكم المبدنية»*". 

في هذا السياق يشير مراد غالب. وزير الخارجية الأسبق ووزير الإعلام أثناء الحرب» في 
مذكراته ‏ من موقع السفير السابق في الانحاد السوفياتي لمدة عشر سنوات  1961(‏ 01971 
والخبير في العلاقات المصرية/السوفياتية» والشاهد على الاجتماعات المشتركة ‏ إلى «أن 
كوسيغين حضر الاجتماع وكان ومعه الماريشال كوليكوف رئيس أركان القوات السوفياتية. 
وقد لفت الرئيس السادات أيضاً إلى أن صور الأقمار الصناعية. توضح أن القوات الإسرائيلية 
في منطقة الثغرة كانت تحمل معها معدات لعبور القناة» ما يؤكد أنهم يخططون لذلك. وطلب 
كوليكوف حشد المدفعية المصرية وتسليطها على المنطقة التي بدا وكأنهم يريدون إقامة 
رأس كوبري عليها. وللمرة الثانية يطلب كوسيغين من السادات وقف إطلاق النارء وإجراء 

















(86) المصدر نفسه. ص 476 477 


للك 


محادثات فورية» لتفويت الفرصة على إسرائيل لإحداث الثغرة وإنقاذ هيبتهاء ولكنه رفض 
أيضاًة”, 

مع ذلك يشير غالب في مذكراته إلى أن كوسيغين عندما سأل السادات عن الدبابات 
الإسرائيلية التي اخترقت الجبهة في منطقة الثغرة رد «بعناد أنه لا يوجد أي شيء يدعو إلى 
القلق. بالنسبة لسير العمليات العسكرية. وكرر أن الاختراق ما هو إلا «مناورة سياسية». وعلم 
فيما بعد أنه أمر قواتنا المسلحة بألا تتخذ أي إجراء ضد هذه الدبابات!:**. 

كما يطرح غالب اثنين من التساؤلات: «أولهماء إذا كانت حرب عام 1973 تستهدف تحريك 
القضية؛ وليس تحرير سيناء» ولا حتى الوصول إلى المضايق. فلم لم نطلب وقف إطلاق النار. 
والدخول في مفاوضات فوراًء بعد ما ثبتت القوات المسلحة المصرية في مراتعها شرق القناة؟م 
وثانيهما ‏ لماذا رفضنا يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر اقتراح إدوارد هيث رئيس وزراء بريطانيا بوقف 
إطلاق النارء والبدء في محادثات؛ وكل القوات في مكانهاء كما جاء في صحيفة الصنداي 
تايمز, بعنوان: «النصر الذي فقد» (1/1105 04.ا). وذلك لاننا لو بدأنا المحادئات وقواتنا شرق 
قناة السويس» وبعد إنزال هزيمة ساحقة بالإسرائيليين» لكانت نتائجها غير المحادثات التي 
جرت مع وجود الثغرة» وجيشنا الثالث محاصر من الإسرانيليين؟6”". 





8 قرار عدم ضرب مطار العريش 

كان القمر الصناعي الأمريكيء الذي رصدته مصر وهو يقوم باستطلاع الجبهة والأراضي 
المصرية كافة. في الساعة الواحدة والنصف يوم 1973/10/13 يوصل المعلومات إلى إسرائيل 
ساعة بساعة. وقد نقل إليها عبور الفرقة (21) المدرعة. من الضفة الغربية للقناة إلى 
تمهيداً لعملية تطوير الهجوم؛ يوم 1973/10/14. في هذا السياق يشير السادات في 
مذكراته إلى أن البنتاغون قد نصح الإسرائيليين بشق «الثغرة» لإنقاذ الموقف الإسرائيلي المنهار 














اية إسرائيل تردد طوال الأيام الثلائة الأولى. منذ انطلاق الحرب عام 1973: إن 
قواتها المسلحة تطحن عظام المصريينء وسايرتهم إذاعات العالم. ولم يكن لدى كيستجر أدنى 
شك في أن إسرائيل تواصل «طحن عظام المصريين». لكنه أفاق منذ اليوم الرابع على نداء: 
«أنقذوا إسرائيل»» وطلب إسرائيل 400 ديابة بصفة عاجلة» وهي مجموع ما خسرته على الجبهة 
المصرية» حتى ذلك اليوم. وتقرير من البنتاغون. بناء على استطلاع القمر الصناعي الأمريكيء 








(7) غالب. مذكوات مراد غالب: مع عبد الناصر والاداث: سنواث الاتنصار وأيام المحن. ص 213. 
(88) المصدر نفسه. ص 217. 
(89) المصدر نفسه. ص 213. 





ودة 


يقول: إن المعركة على الجبهة المصرية تسير في غير مصلحة إسرائيل. فضلاً عن انهيار دايان 
أمام جميع مراسلي الصحف العالمية؛ وقوله: «إن الإ ن لن يستطيعوا أن يزحزحوا 
المصريين بوصة واحدة, وأن الطريق مفتوحة إلى تل أبي 

كذلك كتب رئيس الاركان الإسرائيلي أثناء الحرب» في مذكرات نشرها لاحقا. ليدافع عن 
نفسه. ويبرئ ساحته. بعد أن أدانه تقرير لجنة أغرانات» أن غولدا مائير رنيسة الوزراء قالت لهمء 
بعد وصول معلومات القمر الصناعي الأمريكيء التي تؤكد الانتصارات المصرية: «إفعلوا أي 
شيءء» فنحن على الجبهة المصرية قد وصلنا إلى الحضيض»؛ بنص كلمته. 

في ضوء ذلك يشير السادات في مذكراته إلى أنه أخذ يلاحظ ثلاثة تطورات خطيرة وهو يتابع 
مجريات الحرب من غرفة العمليات”"": 

«أولهاء أن الجسر الجوي الأمريكي لنجدة إسرائيل استخدم مطار «العريش»؛ الواقع تحت 
احتلال إسرائيل منذ حرب عام 1967 لنزول الطائرات الأمريكية الجبارة» التي تحمل الديابات» 
وكل الاسلحة الحديثة والمتقدمة. و«العريش» مدينة مصرية: وهي عاصمة سيناء. تقع خلف 
الجبهة مباشرة. 

وثانيهاء أن معارك الدبابات؛ التي اعترف الإسرائيليون بشراستهاء قد شهدت شيئاً غريب: 
فكلما أصابت القوات المسلحة المصرية عشر دبابات» يتدفق المزيد من الدبابات الإسرائيلية. 
لقد دخلت الولايات المتحدة الحرب لإنقاذ إسرائيل؛ بعد النداء الإسرائيلي الشهير في اليوم 
الرابع: «أنقذوا إسرائيل». وهي تستخدم مطار «العريش» الذي يقع خلف الجبهة» بكل وضوحء 
لكي تحول هزيمة إسرائيل إلى انتصار. 

وثالثهاء أطلقت الطائرات الإسرائيلية من طراز «فانتوم» الأمريكية عشرة صواريخ على 
بطاريات الصواريخ المصرية؛ فلم تصب إلا هوائي بطارية واحدة. جرى إصلاحه بعد ربع 
ساعة فقط. ولم تتعطل بطاريات الصواريخ المصرية, التي أسقطت ثلث السلاح الجوي 
الإسرائيلي؛ في الأيام الأولى للحرب. ما دعا القيادة الإسرائيلية إلى أن تصدر أمراً إلى 
طائراته. في اليوم الثالث للحرب. بعدم الاقتراب من الجبهة المصرية. أما التطور الثالث 
الخطير فقد تمثل بإطلاق صاروخين على بطاريتين مصريتين للصواريخ؛ فعطلا البطاريتين 
تعطيلا كاملا. ويقول السادات: .بعد ذلك أن الولايات المتحدة استخدمت نوعاً 
جديداً من الصواريخ. يسمى «القنبلة التلفزيونية»: جرى تطويره في اليابان لحساب الولايات 
المتحدة» وكان لا يزال تحت الاختبار في الولايات المتحدة؛ فأرسلته لنجدة إسرائيل. لقد 
دخلت الولايات المتحدة الحرب لإنقاذ إسرائيل؛ بعد النداء الشهير في اليوم الرابع من 






















(90) السادات. البحث عن الذاث: قصة حبائي. ص 343 5اهة. 


0د 


الحرب: «أنقذوا إسرائيل»: وهي تستخدم مطار العريش المصريء الذي يقع خلف الجبهة, 
بكل وضوح؛ لكي تحوّل الهزيمة الإسرائيلية إلى انتصار. لقد دخلت الولايات المتحدة 
الحرب لإنقاذ إسرائيل» حتى بالاسلحة التي تحت الاختبارء وقنيلة المافريك: وأسلحة 
56 

في ضوء ما تقدم كان من الشائع أن الولايات المتحدة قد عمدت إلى نجدة إسرائيل» بعد 
الهزيمة التي نزلت بهاء ن في الأيام الأولى الاتدلاع الحرب عام 1973ء وبخاصة يعد يوم 10/1١‏ 
الذي يمثل ذروة الانتصارات العسكرية العربية» حيث دشنت الولايات المتحدة أضخم جسر 
جوي في التاريخ» اعتباراً من يوم 10/13 وأخذ سيل الإمداد الأمريكي لإسرائيل يتدفق على 
الجبهة. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. 

فقد أثبتت الوثائق التي نشرت لاحقاً أن الولايات المتحدة قد شاركت في القتال. بالمعنى 
الحرفي للكلمة, فقد اتخذ نيكسون قراراً مهماً ‏ بناء على اقتراح لجنة العمل الخاصء برناسة 
كيسنجر ‏ بإنشاء جسر جوي أمريكي. باستخدام طائرات النقل الأمريكية؛ لنقل احتياجات 
إسرائيل العسكرية رأساً من المستودعات في الولايات المتحدة. وبذلك اتصل شريان الحياة 
لإسرائيل؛ بعد أن استجابت الولايات المتحدة لطلبات إسرائيل» على حد تعبير عبد الغني 
الجمسيء إلى الدرجة التي دعت رئيس أركان القيادة المشتركة الأمريكية إلى الاحتجاج لدى 
نيكسون؛ لان الاستجابة للطلبات التي تلقاهاء في شأن دعم إسرائيل بأسلحة أمريكية» وشحنات 
من المستودعات الأمريكية ذاتهاء تعني سحب الغطاء الجوي عن سماء المدن الأمريكية» ما 
يمثل احتمالات كارثة كبرى. إذا ما اكتشف الاتحاد السوفياتي هذا الأمرء لكنه تلقى الأمر 
بالامجال والتنفيذء لاد ثيل في خطر! 

القد سجل نيكسون بنفسه هذا التوجه الاستراتيجي الأمريكي لنجدة إسرائيل؛ في كتابه 
بعنوان: الإمساك باللحظة المناسبة”'"". حيث شدد على القول أن المصلحتين الملحتين للولايات 
المتحدة في المنطقة العربية هما: ضمان إمدادات النفطء وحماية أمن إسرائيل. وبخصوص 
حماية أمن إسرائيل أشار إلى اجتماع عقده مع قادة الكونغرسء أثئاء حرب عام 1973 حين كان 

سير المعركة في الجولات الأولى من القتال في غير مصلحة إسرائيلء ا سأله أحد أعضاء 
الكونغرس عما إذا كانت الولايات المتحدة ست 
بصفة قاطعة: «إنه لن يسمح كرنيس أمريكي بتاناً بهزيمة إسرائيل»» واشير عقب ذلك أوامره 
بإقامة جسر جوي مكثف للحيلولة دون هزيمة إسرائيل. 



























ذاه لمملا عواة) لاملا بمج برسكمم0 ه جذ موص المة) تسمعول بسمصمة مط مجنيك ,ممحاتة لذ لمسطعت 
1992 سحمة مد ممع 


34 





وكما يشير الجمسي في مذكراته: لقد بذل كيسنجر جهداً كبيراً لوصول إلى قرار إنشاء 
الجسر الجوي الأمريكي. كما سجل في مذكراته بنفسه بدءاً من النداء العاجل الذي و 
ماتير في 10/9: أنقذوا إسرائيل»؛ حيث تلقت في مساء ذلك اليوم وعداً بتعويضها عن خسائرها. 
وانطلاقاً من هذا الوعد أخذت إسرائيل تبدي عدم اهتمام بما تستهلكه من عتاد حربي. ويقول 
كيسنجر: *إذا كان قد صدر عني أي إلحاح أكثر من زملائي» حول الإسراع في توصيل الحا. 
الإسرائيل؛ فإن ذلك لأجعل التكافؤ بين ما نعمل من حيث مساندة إسرائيل» وتقريب وقت 
المعارك؛ مع ما يقوم به السوفيات من إقامة جسر جوي لمساندة العرب». 

كما بشير الجمسي أيضاً إلى ما سجله بن اليعازر رئيس الاركان الإسرائيلي عن خطورة 
الموقفء حيث قال: «لو لم تصل إلينا الاسلحة الأمريكية حتى يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر فقد 
كان المعنى الوحيد لذلك أن الكارثة الكبرى قد وقعتء وأن نهايتنا قد أصبحت وشيكة؛ لأننا قد 
خسرنا تماماً المخزون الاستراتيجي من السلاح. وكان معناه أن باستطاعة مصر وسورية أن يصلا 
إلى أبعد مما يمكن أن يتصوره أي إسرائيلي». 

لا شك في أن الأسلحة المتقدمة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل هي التي 
مكنتها من القيام بهجومها المضاد لكن هذه الاسلحة والمعدات المتطورة» التي دخلت الحرب 
مباشرة (صواريخ «تاو: /7011؛ المضادة للدبابات والمحملة على طائرات هليكوبتر؛ القنابل 
الموجهه بأشعة الليزر؛ الصواريخ الموجهة أرض جر) لا يمكن أن يكون الإسرائيليون هم الذين 
استخدموها؛ لأنها لم تكن لديهم قط من قبل. ومن ثم ما كان يمكنهم معرة هيا 
والمعنى المباشر لذلك أنها شحنت مع الأطقم الأمريكية اللازمة لتشغيلها. ويضاف إلى ذلك 
عنصر آخرء وهو أن تدفق المدد العسكري الأمريكي على إسرائيل دفعها مطمثئة إلى استعمال 
مخزون احتياطياتها الاستراتيجية في المعركة؛ إلى آخره؛ بلا تردد. 

لقا وا اجا كرتت جل نوز الأمريكي الشاكر ورا ينال لكر الي ماري 

إسرانيل» في كتابه بعنوان: عملية السلام: الدبلوماسية الأمريكية والنزاع العربي ‏ الإسرائيلي منذ 
7 عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة قد في «مبدأ عدم التورط الأمريكي 
الرسمي المباشر في نقل الاسلحة إلى إسرائيل»؛ مع ذلك كانت عملية الإمداد الأمريكي قد 
بدأت على نطاق متواضع. اعتباراً من يوم 1973/10/9 حيث شحنت طائرات العال حمولات 
سابقة التجميع من محطة أوشيانا البحرية قرب نورفولك في فرجينيا. بيد أن عنف القتال بلغ 
حداً لم تتمكن معه رحلات العال وحدها من تلبية طلبات إسرائيل من السلاحء فبدأ البحث بين 
كيسنجر وشيلزتجر وزير الدفاع في إمكان تأجير طائرات نقل مدنية لهذا الغرض للتغطية على 
الدور الأمريكي. بحيث ينقل السلاح إلى قاعدة لاهيس الجوية في الأزور بالبرتغال. ثم تتولى 
طائرات العال حملها إلى إسرائيل. وعندما شعر نيكسون بالقلق للتأخير في عملية إمداد إسرائيل 

































342 


بالأسلحةء حث وزير الدفاع على الإسراع في الجهود؛ يما في ذلك استخدام الطائرات العسكرية 
الأمريكية» وفي خاتمة المطاف أصدر تعليماته بأن يجري النقل مباشرة من الولايات المتحدة 
إلى إسرائيل”". سميت تلك العملية «نيكل جراس». منذ يوم 10 تشرين الأول /أكتوبر بصورة 
غير رسمية. ومنذ 13 تشرين الأول/أكتوبر بصورة رسمية لمدة (33) يوماً حتى 14 تشرين 
الثاني انوفمير"*. 

القد نزلت الطائرات الأمريكية المحملة بالأسلحة والعتاد في مطار العريش» ودخلت فوراً 
اللمشاركة في المعركة التي بدأت تحتدم وقتهاء حتى إن القوات المسلحة المصرية أوقعت في 
الأسر عدداً من الدبابات والمدرعات لم تقطع سوى 4 أو 5 كمء لأنه لم يكن هناك وقت لكي 
أولًء لإعدادها ثم شحنها إلى الجبهة. لقد كان لهذا الجسر الجوي أكير 





التي أرسلتها الولايات المتحدة يت ا 27 لنا حتى الآنء وقد 
وصلت من القواعد الأمريكية في أوروبا وقد طبعت عليها إشارة سلاحنا الجوي. ودخلت 
المعارك بعد لحظات معدودة». وأضاف في يوم 13 تشرين الأول /أكتوبر: «استمرت عملية 
«نيكل جراس» بقيادة وإشراف أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية. وقد اتطلقت 
الطائرات الضخمة من طراز (سي 5) و(سي (14) من القواعد العسكرية الأمريكية. حيث جرى 
تحميلها بالمعدات والاسلحة» وأصبح هذا الجسر الجوي الأمل الوحيد لنا حتى نتماسك 
ونستعيد أنفاسنا». كما خلصت مذكراتها بعنوان: حياتي إلى «أن وصول طائرات النقل 
الأمريكية (سي 5) و(سي (14). ناقلة العتاد والسلاج بصورة مستمرة. أنقذ إسرائيل مما 
لا تحمد عقباي"*. 

في هذا السياق يطرح مراد غالب» وزير الإعلام أثناء الحرب. في مذكراته. عدداً من الأسئلة؛ 
منها: لماذا رفض السادات ضرب مطار العريش؟ وكان من الواضح والمعروف أنه المركز 
الرئيسي لنجدة إسرائيل. وأن الطائرات الأمريكية العملاقة تهبط فيه؛ بدبابات ومصفحات 
وطائرات هليوكوبتر صائدة الدبابات عن بعد مثل الاباتشي... إلخ. إلى درجة أن أول دبابة 
وقعت في أيدي جيشنا لم تقطع سوى المسافة بين مطار العريش وغرب القناة. ويضيف: لقد 
حضر كوسيغين رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي؛ ومعه الماريشال كوليكوف رئيس أركان القوات 

















السلام: الدبلوماسبة اأمبركية وانزع العربي الإسراتيلي منق 1967. ص 160 166 
المشير الجمسي ‏ الجنرل الصاءث من المبلاذ.. حتى المماث صن 153. 
(6) المصدر نفه. ص 153 


للك 


السوفياتية. يوم 16 تشرين الأول/أكتوبرء وقد أطلع الرئيس السادات على صور أخذت بالأقمار 
الصناعية. وهي توضح أن القوات الإسرا: منطقة الثغرة كانت تحمل معها معدات لعبور 
القناة ما يؤكد أنهم يخططون لذلك. وطالب كوليكوف بضرب مطار العريشء وحشد المدفعية 
المصرية وتسليطها على المنطقة التي بدا وكأنهم يريدون إقامة رأس كوبري عليها. «وللمرة 
الثانية يطلب كوسيغين من السادات وقف إطلاق النار. وإجراء محادثات فورية؛ لتفويت الفرصة 
على إسرائيل لإحداث الثغرة وإنقاذ هيبتهاء ولكنه رفض أيضأه"". 

ويتابع غالب: «قال السادات إنه لم يوافق على ضرب مطار العريش لوقف الإمدادات 
العسكرية الأمريكية بأطقمهاء لأنه لا يريد استفزاز الولايات المتحدة والمواجهة معها. لكن 
معنى ذلك أنه أعطى الفرصة لإسرائيل أن تحدث أكير الخسائر بقواتنا المسلحة, وتقوم بإحداث 
الثغرة» وتطويق الجيش الثالث. والوجود غرب القناة من جنوب الإسماعيلية إلى السويس» 
وتحويل الانتصار إلى موقف غاية في التعقيد. ولق علاقات قوى جديدة حول قناة السويس» 
يسهل للولايات المتحدة أن تكون هي القوة المسيطرة والحاسمة في الموقف. وتصبح أوراق 
اللعبة في يدها كما كان يردد». ويختم غالب بسؤال جامع: كيف نفسر رفض السادات ضرب 
مطار العريش؛ ورأس الكوبري الإسرائيلي في الثغرة. ومبادرة بريطانيا لوقف إطلاق النار في 
ذروة الانتصار العسكري العربي وبشروط مصرء ونصائح كوسيغين العسكرية والسياسية؟ 
0 *وفي نظري أن الثغرة لم تكن عسكرية فقطء لكنها 
سياء ات منها الولايات المتحدة لبدء سيطرتها على مقدرات الصراع؛ بل 
مقدرات المنطقة:©». 

اللغز الكبير هنا يتمثل بإصرار السادات على عدم ضرب مطار العريش. الذي استقيل الجسر 
الجوي الأمريكي لنجدة إسرائيل منذ بدء الحرب. ولم يتم ضربه وتدميره بالطيران المصري 
طوال أيام الحرب» وهو شريان الحياة لقوات العدوء رغم أن السوفيات أمدّوه بالخرائط الجوية 
اللازمة. وأن القوات المسلحة المصرية كان في إمكانها تدميره تماماً. ما يعتبر من أغرب ألغاز 
حرب تشرين الأول /أكتوبر؟! 

ويبدو أن السادات كان في ذهنه أيضاً ما أورده في كتابه: البحث عن الذات: قصة حياتيء 
حيث برر قراره بعدم تصفية الشغرة بكلماته الآنية: «لو أني صفيت الشغرة حسب الخطة 
الموضوعة. والتي وقعتها بنفيء كانت إسرائيل ستفقد 400 دبابة؛ وعشرة آلاف عسكري ما بين 
قتيل وجريح. ولم يكن هذا بالأمر الصعب أو المحتمل بل الأكيدء وكل الحسابات العسكرية 




















مرئد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنواث الاتتصار وأيام الممحن. ص 213. 
(96) المصدر نفس صى 213 204. 


لك 


اتؤكد أنها لو تمت فستكون مذبحة للتاريخ: لكني لم أتمها لأنها كانت ستعني الكثير من الددم 
والكراهية والاحقاد. وأنا أكره كل هذاء؟!”". 

وقد أكد كيسنجر تفهمه قرار السادات عدم ضرب مطار العريش» حيث ورد في مذكراته: 
«عندما أقمنا جسراً جوياً وأرسلنا السلاح المطلوب إلى إسرائيل» وأصبحت الحرب تميل لغير 
امملحة حمر وفان الرقي من كز مدل للم تسر يويجوة دين ف هعافد الولايات 
المتحدة. وكان هذا حسن تصرّف من السادات» حتى لا يستميلنا إلى جانب إسرائيل في الأدوار 
الدبلوماسية المقبلة... ويمكن اعتبار هذا تفهماً رائعاً للامور من وريث جمال عبد الناصرء بعد 
مرور عشرين عاماً من العداء»!"", 











9- قرار إعادة ضخ النفط 





لا شلك في أن القرار الذي اتخذه وزراء النفط العرب. في 17 تشرين الأول /أكتوبر, بأن 
يدخل النفط سلاحاً في المعركة ‏ حيث قررت بعض البلدان العربية: أعضاء «أوابك». حظر 





تصدير النفط كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل ‏ يدخل في الإطار العام لحرب عام 
1973ء على أساس «أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى». هنا المسألة تدور حول 
الحرب الاقتصادية باستخدام الأدوات الاقتصادية. وعلى رأسها المقاطعة. كانت الأنظار ني 
الولايات المنحدة؛ في 17 تشرين الأول/أكتوبر مركزة على حدثين أساسيين: 

أولهماء اجتماع بين نيكسون ووفد من وزراء خارجية الدول العربية؛ فقد رأى وزراء الخارجية. 
في نيويورك» يحضرون دورة الجمعية العامة أن لقاء مع الرنيس الأمريكي 
أء وتحدد موعد لاستقبال عدد منهم. لا يزيد على ثلاثة أو أربعة؛ وتقرر أن 
يكون الوفد من أربعة» هم وزراء خارجية السعودية والكويت والجزائر والمغرب. وكانت تركيبة 
الوفد على هذا النحو من اقتراح محمد المصمودي وزير خارجية تونسء الذي رأى أن يكون 
وفد الوزراء وفداً «تفوح منه رائحة النفطء دون أن يكون نفطاً كله». 

وثانيهماء اجتماع وزراء النفط العرب في الكويت. وفي الساعة الثالثة بعد الظهر. وعقب 
انتهاء مقابلة وزراء الخارجية العرب الأربعة مع نيكسون يحضور كيسنجرء دعا الأخير إلى 
اجتماع لمجموعة العمل الخاصة به. وقبل أن ينتهي الاجتماع تلقى كيسنجر إشارة عن القرارات 
التي توصل إليها وزراء النفط العرب. فقد قرروا أن يدخل النفط سلاحاً في المعركة: حيث تقرر 
حظر تصدير النفط كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل؛ بما فيها الولايات المتحدة. 








ع ملسسمامنا له جنا بس وماساكر 


345 


اعتبر كيسنجر هذه القرارات أموراً لا يمكن السكوت عليها. ولم ينس كيسنجرء قور انتهاء 
الاجتماع» أن يخطر السفير الإسرائيلي دينتز بأنهم «يتعين عليهم تشديد ضغطهم على الجبهة 
المصرية: وتحقيق أهدافهم على الجبهتين في نحو 48 ساعة القادمة لأنه بعدها سوف يكون 
مضطراً إلى التحرك بطريقة جدية, لتمرير قرار بوقف إطلاق النار في مجلس الامن»"*. 

هكذا ففي 17 تشرين الأول/أكتوبر وعقب طلب السادات من فيصل أن يستخدم سلاح 
التفط في المعركة» اجتمع وزراء النفط العرب (الأوابك) في الكويت وقرروا الآتي: 

١‏ خفض الإنتاج الكلي العربي بنسية 5 بالمئة فوراً. 

2 خفض 5 بالمئة من الإنتاج كل شهر. حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط عام 1967. 

ثم قررت ست دول بترولية من «الاوبك» رفع سعر بترولها بنسبة 70 بالمئة» وقررت بعض 
البلدان العربية حظر تصدير النفط كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل» بما فيها الولايات 
المتحدة؛ كما استدعى الملك فيصل السفير الأمريكي في السعودية» وأبلغه رسالة إلى يكسون 
تحتوي على ثلاث نقاط هي الالية. 

١‏ إذا استمرت الولايات المتحدة في ماندة إسرائيل فإن العلاقات السعودية ‏ الامريكية 
قد تتعرض لمشكلات. 

2- أن السعودية ستخفض إنتاجها بنسبة 10 بالمئة. وليس فقط 5 بالمئة كما قرر وزراء النفط 
العرب. 

3- ألمح الملك إلى احتمال وقف شحن النفط السعودي إلى الولايات المتحدة؛ إذا لم يتم 
الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة. 

اعتبر كيسنجر هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم. كما أثاره 
أن العرب أعطوا أنفسهم حى استخدام النفط كسلاح. وهو أمر بالغ الخطورة؛ لأنه يعكس 
نزعتهم إلى محاولة السيطرة على الغرب؛ ولأن منتجي النفط. ولأول مرة في التاريخ: أعطوا 
أنفسهم حى تحديد سعر النفط. وفي يوم 20 تشرين الأول /أكتوبر أعلنت الولايات المتحدة أنها 
ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و100) مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة؛ وفي نفس اليوم 
أعلنت الدول العربية حظر تصدير نفطي كامل على الولايات المتحدة. 

هذه هي وجهة النظر الحامة ني ذل رار استخدام سلاح النفط في حرب عام 1973 لكن 
هناك وجهة نظر أخرى تم التعتيم عليها؛ تنبت أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الأكبر من 
قرارات خفض الإنتاجء ورفع أسعار التفط. حيث توضح الأرقام أن نصيب العرب مجتمعين من 








(99) هبكل. أكتوير 73: السلاح والسباسة. ص 485. 


246 


فوائض النفط عام 1974 وعقب قرارات الخفض الإنتاجي ورفع الأسعار يلغت 60 مليار دولار 
أما شركات النفط. ومعظمها أمريكية, فبالإضافة إلى أرباحها من ارتفاع أسعار خام النفطء. 
حصلت من عملياتها التفطية الأخرى (التكرير والتسويق) على 7 دولارات صافي ربح مقابل 
كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للنفط أنعشت قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار النفط 
الاقتصاد الأمريكيء. عبر الودائع والاسثمارات العربية الهائلة في البنوك والشركات الأمريكية,. 
فقبل حرب عام 1973 كانت الولايات المتحدة تواجه عجزاً في ميزان مدفوعاتهاء الذي تحسن 
ابتداء من عام ١1974‏ بفضل الارتفاع الصاروخي لاسعار النفط. 

كانت أوروبا واليابان أكثر المتضررين من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار النفطء تم 
الخفض والحظر النفطي متأخراً جداً بعد 1١‏ يوماً من بدء المعركة. وعقب تأزم الموقف على 
جبهات القتال العربية» لم يميز قرار خفض الإنتاج بين الدول المعادية والدول الصديقة للعرب. 

ركز السادات متعمداً على دور فيصل في دعم مصر. وتجاهل أدوار أخرى لا تقل أهمية عن 
دوره إن لم تزدء كدور الاتحاد السوفياتي وهو أهم دورء فبدون مسائدته ودعمه وأسلحته ما 
حارب العرب من الاساسء كما تم تشويه دور القذافي لكره السادات له والتقليل من دور 
بومدين» وأحمد حسن البكر ونانبه وقنها صدام حسينء رغم أن هناك قوات مسلحة من الجزائر 
والعراق شاركتا في الحرب نفهاء بخلاف دعمهما المالي لدول المواجهة؛ تجاهل السادات 
كل هؤلاء» وركز على دور فيصل فقط. 

صرح فيصل. عندما انُخذ قرار الحظر النفطي الشامل على الولايات المتحدة أن الحظر لن 
يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احثّلت عام 01967 وقبل أن يصلي في 
المسجد الأقصى بالقدس المحررة. حيث كان قد طالب بإنهاء السيادة الإسرائيلية على القدس 
كشرط إضافي لرفع الحظر النفطي العربي. وهو ما لم يحدث؛ حيث رُفع الحظر عقب اتفاق 
فك الاشتباك الأول» ويرد ذلك إلى الضغوط التي مارسها كيسنجر على السادات. لكي يقوم هو 
بالضغط على فيصلء وغيره من الحكام العرب!*"". 

إن قضية حظر النفط العربي ضد الولايات المتحدة والدول الأوروبية المسائدة لإسرائيلء 
أثناء حرب 1973 كانت واحدة من أهم القضايا التي تباحث في شأنها كينجر في زيارته 
الأولى إلى مصر يوم 7 نشرين الثاني /نوقمبر 1973 وحصل على وعد من السادات بتدخله لدى 
الدول العربية لرفعه. وهكذا كان؛ حيث تنازل السادات عن الهدف الأساسي من حظر النفطء 
وهو ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967ء وبذلك أجهض 
السادات, قائد معركة العبور عام 1973. فاعلية سلاح النفط. 








(190) افهمي. الناوض من أجل السلام في الشرق الأوسط: صن 113. 


347 


توجه السادات إلى فيصل بالقول: إنه استجاب إلى طلبه في شأن التوجه ناحية الولايات 
وأنه بصدد استكمال أكبر عملية تحول في توجهات السياسة المصرية, الداخلية: 
٠‏ وفي الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» وفقاً للتفاهماء ٠‏ لكن الولايات المتحدة 
الايمكنها أن تقوم بدورها من أجل صنع «السلام» في المنطقة العربية بينما تشعر أن هناك 
مسدساً مصوباً إلى رأسهاء وأنها لا تتصور أن تقوم بهذا الدور بينما المواطن الأمريكي يقف في 
الطوابير, لكي يحصل على حاجته من الوقود. نتيجة للحظر الذي فرضه العرب! 

ثم دعا السادات إلى اجتماع «قمة مصغرة»؛ يشمله وفيصل والاسد ويومدينء وقد عقد 










قرر المؤتمر إيفاد وزيرّي خارجية مصر والسعودية إلى واشنطن؛ لحث نيكسون 
فض اشتباك في الجولان. حتى يمكن الاستجابة إلى طليه بإعادة ضع التفط. هكنا 
ع عدف الغريم لاسي لل وسل الرتمح تتدقيقة وطو الجاب لسزايل من جم 
الأراضي العري' المحتلة منذ عام 1967, وإعادة حقوق الشعب الفلسطينيء إلى طلب متواضع 
اهو إنهاء فض الاشتباك في الجولان, أسوة بما تم في جبهة قناة السويس' 











0 صحيفة انهام جنائية في حق السادات 

في ضوء دور السادات المباشر في إدارة الخطط والعمليات العسكرية: وبخاصة ما يتصل 
بقرار تطوير الهجوم ‏ من ناحية» وقرار التعامل مع «الثغرة 
وقق نص اتهامه المنشور في خطابه إلى الناتب العام؛ الذي ن 







احية أخرى؛ عمد الشاذليء 
في مذكراته عن حرب 1973 


إلى اتهام السادات بمجموعة من التهم بالغة الخطورة؛ والتي تتمثل بالآني: 
«من الفريق سعد الدين الشاذلي 
إلى: السيد النائب العام. 
بلاخم خيانة ضد أنور السادات 





اتحية طبية.. وبعدء أنشرف أنا الفريق سعد الدين الشاذلي» رئيس أركان حرب القوات المسلحة 
المصرية» في ما بين 16 أيار/مايو 1971 وحتى ١2‏ كانون الأول/ديسمبر 1973 أقيم حاياً 
بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية بمديئة الجزائر العاصمة؛ وعنواني هو صندوق بريد رقم 778 
الجزائر ‏ المحطة 200 .واد 778 درط بأن أعرض على سيادتكم ما يأني”*": 











(101) المصدر تقتف صن 114 124 
(102) الشاذلي. حرب أكتوير: مذكراث الفريق سعد الدين الشاذلي. ص 290 293. 





24 


أولاً: إني أنهم السيد محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية بأنه خلال الفترة ما' 
بين أكتوبر 1973 ومايو 1978 وحيث كان يشغل منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى 
اللقوات المسلحة المصرية يأنه ارتكب الجرائم الآنية: 

الإهمال الجسيم: وذلك أنه بوصفه رنيسا للجمهورية, والقائد الأعلى للقوات المسلحة 
المصرية, أهمل في مسؤولياته إهمالاً جسيماً. وأصدر عدة ققرارات خاطنة تتعارض مع 
التوصيات التي أقرها القادة العسكريون. وقد ترتب على هذه القرارات الخاطة ما يأتي: 

(أ) نجاح العدو في اختراق مواقعنا في منطقة الدفرسوار ليلة 16/15 تشرين الأول /أكتوبر 
1973ء في حين أنه كان من الممكن ألا يحدث هذا الاختراق إطلاقاً. 
افي تدمير قوات العدو التي 1+ 


مواقعنا في الدفرسوارء في حين أن 







تدمير هذه القوات كان في قدرة قواتناء وكان تحقيق نقيق ذلك ممكداً لو لم يفرض السادات على 
القادة العسكريين قراراته الخاطئة. 

(ج) نجاح العدو في حصار الجيش الثالث يوم 23 من تشرين الأول/أكتوبر 1973 في حين 
أنه كان من الممكن تلافي وقوع هذه الكارثة. 


تزييف التاريخ: وذلك أنه بصفته السابق ذكرها حاول؛ ولا يزال يحاول» أن يزيف تاريخ 
مصرء ولكي يحقق ذلك فقد نشر مذكراته في كتاب أسماه البحث عن الذات: قصة حياتي وقد 
ملا هذه المذكرات بالعديد من المعلومات الخاطئة» التي تظهر فيها أركان التزيف المتعمد 
وئيس مجرد الخطأ البريء. 

الكذب: وذلك أنه كذب على مجلس الشعب. وكذب على الشعب المصريء في بياناته 
الرسمية وفي خطبه التي ألقاها على الشعبء وأذيعت في شتى وسائل الإعلام المصري. وقد 
ذكر العديد من هذه الأكاذيب في مذكراته البحث عن الذات: قصة حياتي. ويزيد عددها على 
خمسين كذبة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي: 

(1) ادعاءه با أن العدوء الذي اخترق في منطقة الدفرسوار»ء هو سبع دبابات فقطء واستمر يردد 
هذه الكذبة طوال فترة الحرب. 
(ب) ادعاءه بأن الجيش الثالث لم يحاصر قطء في حين أن الجيش الثالث قد حوصر 
اسطة قوات العدو لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. 
الادعاء الباطل: وذلك أنه أدعى باطلاً بأن الفريق الشاذلي. رئيس أركان حرب القوات 
المسلحة المصرية» قد عاد من الجبهة منهاراً يوم 19 من تشرين الأول/أكتوير 73 وأنه أوصى 
بسحب جميع القوات المصرية من شرق القناة: في حين أنه لم يحدث شيء من ذلك مطلقاً. 














349 


إساءة استخدام السلطة: وذلك أنه بصفته السابق ذكرها سمح لنفسه بأن يتهم خصومه 
السياسيين بادعاءات باطلة» واستغل وسائل إعلام الدولة في ترويج هذه الادعاءات الباطلة. 
وفي الوقت نفسه فقد حرم خصومه من حق استخدام وسائل الإعلام المصرية, التي تعتير من 
الوجهة القانونية ملكا للشعب. للدفاع عن أنفسهم ضد هذه الاتهامات الباطلة. 

ياً: إني أطالب بإقامة الدعوى العمومية ضد الرئيس أنور السادات. نظير ارتكابه تلك 

الجرائم» ونظراً إلى ما سببته هذه الجرائم من أضرار. بالنسبة لأمن الوطنء ونزاهة الحكم. 
إذا لم يكن من الممكن محاكمة رئيس الجمهورية في ظل الدستور الحالي على تلك 
الجرائم» فإن أقل ما يمكن عمله/للمحافظة على هيبة الحكم؛ هو محاكمتي لأنني تجرات 
واتهمت رئيس الجمهورية بهذه التهم؛ التي قد تعتقدون من وجهة نظركم أنها اتهامات باطلة. إن 
على من ادعى. وإني أستطيع ‏ بإذن الله تعالى ‏ أن أقدم البيّنة التي تؤدي إلى ثبوت جميع 
هذه الادعاءات. وإذا كان السادات يتهرب من محاكمتيء على أساس أن المحاكمة قد تترتب 
عليها إذاعة بعض الأسرار» ققد سق هذه الحجة» بعد أن قمت بنشر مذكراتي في مجلة 
الوطن العربيء في الفترة ما بين كانون الأول/ديسمبر 1978 وتموز/يوليو 1979ء للرد على 
الاكاذيب والادعاءات الباطلة التي وردت في مذكرات السادات. 

نقد اطلع على هذه المذكرات؛ واستمع إلى محتوياتهاء عشرات الملايين من البشر في 
الوطن العربي. ومنات الألوف في مصر. 




















الفريق سعد الدين الشاذلي؟ 


وقد حوكم الشاذلي عسكرياً بسبب كتابه. وقضت المحكمة العسكرية غ 
سنوات. واللافت أن التهمة التي وجهت إليه كانت «إفشاء أسرار عسكرية»» ول 
كاذبة» عن حرب تشرين الأول/أكتوبر. ولا كانت «التهمة» وصف السادات بالخيانة؛ رغم أنه قد 
وجه إليه صراحة في كتابه تهمة «الخيانة العظمى». وكان مستعداً لمحاكمة علية يقدم فيها الأدلة 
القاطعة والمستندات التي تدين السادات. 





11 الحرب في الميزان 

في تقيم حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 قد لا يكون من الضروري التوقف كثيراً عند 
النتائج العسكرية المحضة لتلك الحرب, رغم أهميتها البالغة لكن من منظور آخرء الأن هذه 
النتائج يمكن قياسها ليس فقط بعناصر كمية؛ مثل حجم الأراضي التي جرت استعادتها؛ أو 
حجم الخسائر التي ألحقت بالعدوء بل يجب أيضاً أن يوضع في الاعتبار قدرة الجيوش 


نك 


المتحاربة على الاستمرار» أو عدم الاستمرارء في الحرب وقت قبول وقف إطلاق الثارء لمدى 
تأثيرها في صنع القرار السياسي. 

إن ما وصلت إليه القوات المتحارية من خطوط على أرض المعركة» وقدرتها على استناف 
القتال في حال تعذر الوصول إلى تسوية عادلة. يعد مؤشرات مهمة لها انعكاساتها الخطيرة 
على مسار جولات الصراع السياسي. واتساقاً مع ذلك فمن يملك القدرة والإرادة السياسية. 
لاستدناف القتال» في حال تعذر الوصول إلى تسوية يقبلهاء يمكنه أن يفرض إرادته الكاملة» 
ويملي شروطه. 

في ضوء ذلك كان من الواضح أن البديل العسكري لا يمكن أن يكون متاحاً لمصر من دون 
استمرار تدفق السلاح السوفياتي» لذلك تصدر هدف فك الارتباط المصري ‏ السوفياتي أولى 
اهتمامات وأولويات السياسة الأمريكية والإسرائيلية» وهو ما نجحت فيه الدبلوماسية الأمريكية 
نجاحاً باهرا منذ اللقاء الأول بين السادات وي فمن أجل الاحتفاظ يدور أمريكي فقال 
خلال مراحل جولات حل الصراع سعت الولايات المتحدة إلى إفراغ الحرب من مضمونهاء 
وتخفيف الضغوط الناجمة عنهاء من خلال المناورات الأمريكية التي استهدفت تأكيد عجر 
الاتحاد السوفياتي عن تحقيق تسوية سياسية للصراع العربي ‏ الإسرائيلي» وعلى الجانب الآخر 
تأكيد انفراد الولايات المتحدة بالقدرة على التأثير في الموقف بما لا يقارن بأية دولة أخرى. 

هكذا عندما جرى تثبيت خطوط وقف إطلاق النار ‏ إلى حد ما في الأيام الأخيرة من 
تشرين الاول/أكتوبرء كانت كل الضرورات تدعو إلى إعادة تقيم الوضع من أوله إلى 
استعدادا لمرحلة أخرى من الصراع. كانت هناك بلا شك مجموعة من الإيجابيات ظاهرة» 
وكذلك كانت هناك مجموعة من السلبيات لا يمكن تجاهلها. وكان الواجب تدعيم الإيجابيات 
وتعميقهاء وعلاج السلبيات وتجاوزها. وفي ما يأني عرض الإيجابيات والسلبيات التي شابت 
إدارة السادات للصراع مع إسرائيل من 6 إلى 26 تشرين الأول /أكتويرا 















أ الإيجابيات 

يمكن رصد مجموعة من الإيجابيات على النحو الآني: 

إن مستوى التخطيط العلمي والعملي للمعركة كان دقيقاًء وكان ممتازاء واستطاع في 
الأيام الأولى من القتال أن يحقق هدفاً استراتيجياً لا يختلف على أهميته أحد وأولهم كيسنجرء 
وزير خارجية الولايات المتحدة. وهو: كسر الأمن القومي الإسرائيليء التي تقوم على 





(103) هبكل. أكتوير 1973: السلاح والسباسة. ص 579 584: والجمسي. حرب أكتوير: مذكرات الجميء 


اص 475 4ود. 


اكة 


عدة مرتكزات: تفوق كيفيء أمام كم عربي» يعطي نفسه حق التصرف في جرأة وقسوة. مع وضع 
عربي عام يعتمد على الكم بدون قيمة ٠‏ والخوف دائماً مزروع في عقله وأعصابه؛ ونتيجة 
ذلك وهن في اتخاذ القرار العربي. يحجم دائماً. ويقدم نادرا. ويقدم رجلاً. ويؤخر الثانية عندما 
اتجيء المواجهة. 

ب إنه كان هناك حد من السلاح لم يسبق له أن توافر في أيد عربية؛ فالإمداد السوفياتي 
تدفق بمعجزة بعد قرار طرد الخبراء السوفيات عام 21972 وكان المتوقع أن يتوقف تماماً بعد هذه 
الإهانة. لكن الذي حدث أن الاتحاد السوفياتي أفاق إلى أنه يوشك أن يفقد مركزه العالمي كل 
ومن ثم فتح مخازنه. وربما كانت لدى الاتحاد السوفياتي دواع أخرى جعلته يفتح المخازن. 
لكن المهم أن هذه المخازن تفتحت عن آخرها. 
إن تغيراً هائلاً ظهر في المعارك منذ اللحظة الأولى» وهو مستوى الجندي المصري 
بالذات والجندي العربي بصفة عامة؛ فالحرب في الظروف تفجرت عن طاقة 
إنسانية لم يكن أحد يحسب لها حساباًء أو يخطر بباله أنها موجودة على هذه الدرجة من 
الاقتدار. 

إنه إلى جانب هذا الانتصار الاستراتيجي فإن انتصارا آخرء على مستوى العمل العسكري 
المباشره تحقق في عملية العبور الرائعة التي اكتسحت مانعاً ضخماًء وأطاحت في 
ساعات خطاً دفاعياً حصيئاً على حافة الماءء ثم دخيلت لعدة أيام في معارك بالمدرعات 
والطيران» وأمنت لنفسها عدة رؤوس كار (جسور) داخل سيناء. وألحقت بالعدو خسائر وصلت 
إلى ربع طائراته وثلث دباباته تا تقريياً في ظرف أسبوع واحد من القتال. 

هد إنه نتيجة لهذا النجاح» فإن تحالفاً واسعاً على الناحية العربية للمعركة قام وراء جبهة. 
القتال» تمثل بعدة خطوط؛ تساند بعضها بطريقة تستطيع تعويض جزء كبير من الانحياز 
الأمريكي لإسرائيل. إن تداعيات ذلك كله وتفاعلاته كانت وعداً بعصر عربي جديدء تب 
على الأفق علامات تومئ إليه. عصر كان يمكن أن يضع العرب في موضع يرضونه لأنفسهم» 
ويرضاه لهم تاريخ عادوا إليه الآنء بعاصفة من الدم والنار. 



























اب السلبيات 

وحول سلبيات ما جرى من يوم 6 إلى 26 تشرين الأول/أكتوبر يمكن رصد الآني: 

أ لم يكن هناك تنسيق كامل بين الجبهة الجنوبية في مصر والجبهة الشمالية في سورية» 
إنما اقتصر التنسيق على التخطيط المبدني للمعركة. وعلى يومها وساعتهاء لكن الأمر توقف 
عند هذا الحد. رغم أن القائد العام للجبهتين كان واحداً وهو وزير الحربية المصري. ومع 
التسليم المعتاد بحرص العرب على أن يكون لكل قبيلة منهم مراعيها الخاصة؛ ومضارب 


352 


خيامهاء إلا أن الظروف كانت تقتضي هذه المرة نوعاً آخر من الممارسات. والحاصل أنه 
لا القائد العام استعمل سلطته في التنسيق مع الجبهة الشمالية» ولا الجبهة الشمالية طلبت رأي 
القائد العام في توجيه معركتها. ولم يقنصر «استقلال» الجبهتين على الجانب العسكريء إنما 
امتد إلى الجانب السياسي. وهو الأكثر خطورة» ما دام «أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل 
أخرى». 

ب إن الرسالة التي بعث بها السادات إلى كيسنجرء يوم 7 تشرين الأول/أكتوبرء عن أن 
مصر ١لا‏ تنوي تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع نطاق المواجهة» كانت خطأ على مستوى 
مأسوي. فهذه الرسالة في ذروة الانتصارات العربية. كانت عودة إلى أنواع الحلول المطروحة 
قبل الحرب» وصياغاتها بطريقة غير مبررة؛ وغير مناسبة: مع حجم ما تحقق بالسلاح في ميدان 
القتال. ثم إنها كانت إخطاراً للعدو بالنيات المصرية؛ غير مقبول في ظرف حرب. وقد ساعدته 
على وجه اليقين كي يعيد ترتيب جدول أعماله وأولوياته. وتنظيم أفكاره وخططه؛ ويتحرك عارفاً 
ومطمئئاً إلى أنه يملك الفرصة والوقت. وتكفي مراجعة الطريقة التي تلقى بها كيسنجر هذه 
الرسالة» والانطباعات التي خرج دة لهاء لكي تتضح فداحة الآثار التي ترتبت عليها. 

اج إضاعة الفرصة المتاحة للتقدم نحو المضايقء يوم 9 تشرين الأول /أكتوبرء رغم أن ذلك 
ما كانت تقتضيه الخطة الأصلية لعملية «بدر» كما تم الاتفاق عليها مع سورية. يضاف إلى 
ذلك إلحاح القادة المصريين» وفي مقدمهم الجمسيء هذا إلى جانب نصيحة الخبراء السوفيات 
الذي عرضوا ما لديهم من معلومات وصورء توضح أن حجم القوات الإسرائيلية في منطقة 
الاقتراب من المضايق تستطيع القوات المصرية في ذلك اليوم أن تفرغ من أمره في ساعات. ولو 
أن التقدم إلى المضايق جرى في موعده المقرر في الخطة؛ لكانت القوات المصرية قد بلغت 
مواقع طبيعية» تستطيع التمركز فيها والدفاع عنها ومنع اجتيازها باختراق مضاد إلى الغرب من 
قئاة السويسء كما حدث فيما بعد. وربما أن مجلس الوزراء الإسرائيلي لم يكن لديه في هذه 
الحال سوى أن يقبل تصيحة دايان بالانسحاب إلى قرب خط الحدود المصرية الأصليء وكان 
سياسية قادرة على صنع حقائق سياسية جديدة في المنطقة كلها. 
ومن الظاهر أن التردد في هذا الأمر كان راجعاً إلى التعهد الذي جرى تقديمه إلى كيسنجر دون 
مقابل في رسالة يوم 7 تشرين الأول /أكتوبر المشؤومة. 

د القرار الذي صدر, تأسيساً على تلك الرسالة المشؤومة أيضاًء بأن تتخذ القوات المصرية 
«وقفة تعبوية» يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر» ثم تقوم مصر بإعلان هذا القرار رسمياً في اليوم 
التالي؛ في ذروة انتصارات القوات المصرية» ودون تشاور مع الجيهة الشمالية» ومفاجئة للكلء 
بمن فيهم عناصر في القيادة المصرية ذاتها. 




















دك 


ه ‏ التضارب في القرارات: تقدم, ثم توقف. ثم عودة مفاجئة إلى التقدم بذريعة ضغوط 
الجبهة الشمالية» واست وبعد فوات الفرصة؛ لفريق من القادة العسكريين المصريين 
فاجأتهم حكاية «الوقفة التعبوية». ثم صدر قرار تطوير الهجوم. والتقدم إلى مشارف المضايق 
.يوم (12)» لكي يتم تنفيذه يوم (13)» ثم تبدت استحالة التنفيذ في ذلك اليوم؛ فتأجل الهجوم 
إلى يوم (14)» وكانت الفرصة قد أفلتت تماماً. وتعرضت القوات المصرية المهاجمة إلى صدمة 
الم تكن تستحقهاء وإن كان بعض القادة قد توقعوها واحتجوا مبكراً عليها. 

و دفع الفرقتين الواحدة والعشرين والرابعة المدرعتين إلى الشرق في سيناء يومي 12 و13 
تشرين الأول /أكتوبر لكي تشتركا في تطوير هجوم فات وقته. ويكون من ذلك أن يحرم 
الجيش المقاتل من احتياطيه الاستراتيجي؛ وبخاصة أن هذا الاحتياطي الاستراتيجي كان مكلفاً 
من الأصل ب يذ الخطة (200). التي تحسيت لاختراق إسرائيلي مضاد. ورصدت القوات 
الكافية لضربه. وبذلك فإن عمق الجبهة المصرية انكشف دون مبررء كما أن قدرة القوات على 
المناورة وجدت نفسها مقيدة» حين وقع ما سبق التحسب له. 

از عدم التنبه المبكر إلى الثغرة الإسرائيلية مساء يوم 15 تشرين الأول /أكتوبر. والميل إلى 
التقليل من خطورتهاء ما ترك لها الفرصة ليستفحل أمرها. ثم ما أعقب ذلك من خلاف حول 
أسلوب مواجهة هذا العبور المضاد. ما مكنه من أهدافه. ودفع قواته إلى العربدة في 
الغرب. ومحاولة تدمير حائط الصواريخ المصري. بالإضافة إلى احتلال أرض جديدة للمساومة 
عليها بعد وقف إطلاق الثار. ولقد بدا القرار السياسي في ذلك الوقت مرتبكاً ومتعثرا ما انعكس 
أثره في جبهة القنال» ومد تأثيره إلى الجبهة الداخلية دون داع. 

اح القبول بقرار وقف إطلاق النارء وتحديد موعد له دون التشاور مع سورية» وحتى دون 
إخطارها بالساعة. ولم يكن ذلك جائزاً في أوضاع حرب على جبهتين» ومهما كان من شأن 
انعدام التنسيق في العمليات قبل ذلك. إن قراراً بقبول وقف إطلاق النار أمر خطيرء تترتب عليه 
انتائج واسعة المدى» ولم يكن من حق السادات أن يتصرف فيه منفرداً» أو يترك للسوفيات مهمة. 
إخطار السوريين به مهما كانت التبريرات. 

ط ‏ سلسلة التصرفات العصبية عندما بدا إصرار إسرانيل على مواصلة خرق وقف إطلاق 
النار: من الشكوى إلى كيسنجرء إلى طلب مراقبين» إلى طلب قوة أمريكية ‏ سوفياتية» إلى 
التراجع عن هذا الطلب تحت ضغط كيسنجرء ودون إخطار السوفيات» الذين فوجنوا بأمر واقع 
أهدر موقفهم الحازم؛ بعد أن وصل بالأزمة إلى مستوى مواجهة دولية على القمة. ثم انتهى ذلك 
كله إلى رسالة من إسرائيل» من طريق كيسنجرء تقترح مفاوضات عسكرية مباشرة» لا تقصد إلى 
إلحاق المهانة بمصرء وهو تحول غريب في مسار حرب بدأت على مستوى ممتاز, وانزلقت 
إلى مأزق لا ضرورة له. ثم قبلت بما لم يكن هناك داع إلى القبول به. 























354 


من هذا المنطلق يمكن الاتفاق مع «يكل»؛ الذي يقرر بصيغة قاطعة: إن الغدر بالنصر الذي 
كان في مدى اليد في «حرب العبور» هو الذي اصطنع الهزيمة. لقد أريقت دماء المقاتلين 
الأبطال: من مصريين وسوريين وليبيين وجزائريين ومغاربة وعراقيين وسعوديين وكويتيين 
وفلسطينيين» وقد بذلوها رخيصة من أجل توكيد تحرر الإرادة التي تحرر الأرض. ويضيف: إن 
ذلك كله بات شيئاًمن تاريخنا. لكن المقارنة المتعجلة بين «العودة الفورية إلى الميدان»: بعد 
بزيمة» في 5 حزيران/يونيو 1967 و«الخروج». الذي أريد له أن يكون من «الحرب» 
بعد «النصر» في حرب العبور عام 01973 يوضح كل شيء. لقد انتهت مصرء بعد تلك الحرب 
المجيدة: أسيرة محاصرة؛ معزولة عن محيطها العربي» ممنوعة من تأمين أمنها القومي. وممنوعة 
من ممارسة إرادتها حتى داخل «دولتها». من «فك الاشتباك» عسكرياً إلى "فك الارتباط» سياسياً 
بالهوية الوطنية: والدور القومي؛ وبفلسطين؛ وخلفها المشرق العربي؛ توالى المخروج إلى العراء 
المطلق! 

















ثانياً: إدارة العملية السياسية 

كانت عملية إعادة تقيم الأوضاع؛ بعدما وضعت الحرب أوزارهاء أكثر من ضرورية: لكن إذا 
كانت هذه العملية قد جرت بعدما تم تثبيت خطوط وقف إطلاق النار» في الأيام الأخيرة من 
شهر تشرين الأول/أكتوبر 1973.ء لتبين منها أن الصورة العامة؛ في الحصيلة النهائية لم تكن 
سيئة» إلى الدرجة التي بدت بها أن الات قر بدا مرح تيزل من اشر لقا 
» كانت على وشك أن تبدأ بعد أن تسكت المدافع: أو على الأقل تهدأ ولو مؤقناً على 
ن القتال. لكن هذه العملية السوء الحظ لم تحدث. وراح القرار المصري. الذي كان 
يحتكره السادات منفرداً على وجه الإطلاق» يواصل حركته العصبية المتعثرة. في اتجاهات 
متعددة وممختلفة. وأحياناً متعارضة ومتصادمة. 

ويقول محمد حسنين هيكلء في كتابه بعنوان: أكتوبر 73: السلاح والسياسة أنه حين كان 
يسأل السادات في ذلك كان رده باستمرار أنه يريد «المحافظة على حجم انتصاره»» لكن الأمر 
كان يحتاج في تلك الأيام ‏ كما يضيف هيكل ‏ إلى قدر كبير من ضبط النفسء وهدوء 
الأعصاب. وحسن الاستعداد لمرحلة نة» كانت بالتأكيد قادمة. زيارة كيسنجر 
للمنطقة يجري الإعداد لها والتحضيرء والكل يتوقع بل ويعرف أنها علامة فاصلة بين 
مر حلتين 77" 


















(104) فيكل. المصدر تقس صن 584 


355 


1 حصيلة القتال 

كان من الواضح. في المرحلة التي أعقبت الحرب. أن الصراع العربي ‏ الإسرائيلي يشهد 
نوعاً من الانتقال من حال «اللاحرب واللاسلمء إلى حال «اللاتصر واللاهزيمة»؛ بمعنى أن 
إسرائيل لم تعد منتصرة. لكن لم تنزل بها هزيمة ساحقة» كما أن العرب لم يعودوا منهزمينء 
لكنهم لم يحققوا نصراً كاملاً. ولاشك في أن هذه «المعادلة الجديا أو «التوازن الجديدى. 
هي ما كان يسعى له كيسنجر لكي يتدخل في الصراع؛ بحثاً عن حلء في الوقت الذي سيجد فيه 
كل من الطرفين ما يقوله لشعبه في شأن «الانتصار» الذي حققه على الطرف الآخر! 

هكذا ذهب السادات إلى أن القوات المسلحة المصرية قد أحدثت معجزة هائلة» بأي معيار 
عالمي. في كل تاريخ العمليات العسكرية وبخاصة تلك التي كان يعترضها «ماتع ماني». لآن 
قناة السويس كانت أكبر «مانع ماني في التاريخ» طولاً وعرضاً. حيث كانت الجبهة تمتد إلى 
5 كمء ويعرض حوالى 200 متر؛ فقد اقتحمت هذه القوات مانع قناة السويس الصعب» 
وعبرت إلى الشرقء ودمرت خخط بارليف المنيع وكسرت نظرية الأمن الإسرائيلي» وأسقطت 
«أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر» 

ومن ناحيتها أعلنت غولدا مانير أنه إذا كان الجيش المصري قد عبر إلى شرق قناة السويسه 
فإن الجيش الإسرائيلي قد عبر إلى غربهاء بحيث أصبح يقاتل في قارتي آسيا وأفريقياء ونجح 
في قطع الطريق بين القاهرة ومديئة السويسء وأحكم حصاره حول الجيش الثالث في 

في ظل هذا التحول الكبير في مواقف الأطراف؛ كان من المطلوب نوع آخر من «تقدير 
الموقف». وهي عملية فكرية يقيّم فيها القادة موقف العدوء وموقف قواته. وطبيعة الأرض 
والمناخ. وبناء على تقييم هذه العوامل التي تؤثر في الموقف. يُتخذ القرار المناسب للمعركة. 
المتغيرة. 

وفي إطار عرض الاتصالات السرية بين السادات والولايات المتحدة؛ يمكن القول إن 
الموقف لم يكن مقلقاً في حد ذاته؛ إلى هذه الدرجة التي تصورها السادات» وتصرّف على 
أساسهاء لكن الذي كان مثيراً للقلق هو العصبية الظاهرة في التصرفات» رغم أن حقائق الموقف 
على الأرض كانت تشير إلى تحولات جارية تأخذ من الموقف الإسرائيلي» وتعطي للموقف 
العربي. كما يتضح من العرض الآني"": 



















-١‏ موقف إسرائيل 
كانت حقائق الموقف على الجبهة الإسرائيلية على النحو الآتي: 


(105) المصدر تقسه صن 585 - 591 


356 





(1) كانت نظرية الأمن الإسرائيلي قد انكسرت على المستوى الاستراتيجيء وهذه 
يكن فيها شكء وأحدث هذا الانكسار حال صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل في 
تاريخ إسرائيل» وقد أدى ذلك بدوره إلى أن تركيبة القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل 
انفكت روابطها وتمزقت علاقاتها. 

(2) كان انعكاس كسر نظرية الامن الإسرائيلي أشد ما يكون على الجيش الإسرائيلي؛ فهذا 
الجيش عاش لسنوات طويلة أمل إسرائيل النهاتي» وموضع نزازها الأول» وكانت قوته وكفاءته 
واستجابته السريعة لمتطليات أمن إسرائيل قد ارتقت به إلى مرتبة الآلهة. هكذا فإن الجيش 
الإسرائيلي كان أول الأصنام التي ضاعت قداستهاء كما أن أصناماً أخرى بدأت تترنح وعلى 
وشك السقوط؛ مثل الاستخبارات الإسرائيلية التي كانت موضع حسد قوى عظمى؛ ثم الكشفت 
بالتجربة العملية» فإذا هي غائبة في الوقت الذي كان حضورها فيه ألزم ما يكون. ولم يكن 
غيابها بالمعلومات فقط. لكنه كان أيضاً في التحليل والربط والاستنتاج والتقدير. 

(3) أدى انكسار نظرية الأمن» واهتزاز صورة الجيش الإسرائيلي. والاستخبارات الإسرائيلية: 
إلى ثورة عارمة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي؛ وراح الكل يتنصل من المسؤولية؛ وتطايرت 
الاتهامات» وبدأت تصفية الحسابات» كل ذلك وأجواء الحرب لا تزال محيطة بالآفاق. ولم 
يقتصر تبادل الاتهامات على سياسيين ضد سياسيين. إنما امتد إلى عسكريين ضد سياسيين» 
وسياسيين ضد عسكريين» بل إلى عسكريين ضد عسكريين. وكانت الصورة 
وتضاءلت وذابت أساطير» ومنها أسطورة ٠غ‏ إلدا»؛ التي كان الظن أنها من فصيلة الشمور 
المتوحشة؛ فإذا هي قطعة عاجزة بوقر السنين أسطورة دايان الذي كان الظن أنه «البطل 
الإسرائيلي المحارب»؛ فإذا معدنه يسيح تحت حرارة نيران تشرين الأول /أكتوبر. 

(4) كان الموقف العسكري الإسرائيلي على الأرض بالغ الخطورة؛ فإن قيادة هذا الجيش» 
وهي التي رغبت في نشره فوق أوسع رقعة من الأرض غرب قناة السويس» وبسرعة قبل سريان 
قرار وقف إطلاق النار» وبعد سريانه بأيام حققت له الانساع في الرقعة» لكنها لم تستطع أن 
تحقق له أي توازن بالعمق. وفي الحقيقة فإن انتشار الجيش الإسرانيلي من سعسع قرب دمشق. 
إلى العين السخنة جنوب السويسء كان خطأً طويلاء أكثر من خمسمئة كيلو مترء يعجز أكبر 
الجيوش في العالم عن الاحتفاظ به طويلاء والدفاع عنه بكفاءة. وكانت تلك أخطر مواضع 
الانكشاف في موقف إسرائيل؛ في هذه الفترة» فالعنصر الحاسم في أي خط عسكري ليس 
مجرد طوله لكن عمقه بالدرجة الاولى» وتوازن هذا العمق مع الطول. 

(5) إن هذا الطول المخيف في الخطوط الإسرائيلية: الذي كان يكشفها ويعرضهاء كان 
يفرض في نفس الوقت استمرار التعبثة العامة إلى أقصى درجاتها. وقي حين أن إسرائيل تعودت 
من تجارب الماضي أن تفك التعبنة العامة لقواتها بأسرع ما يمكن, فإنها في تجربة الحرب عام 

















امة 














357 


3 وجدت نفسها مرغمة على الاستمرار في عملية التعبئة العامة لدعم خطوط طويلة وهشة؛ 
وكان ذلك يعني أن عجلة الإنتاج الإسرائيلي» في الزراعة وفي الصناعة وحتى في الخدمات» 
متوقفة تماماًء أو على وشك أن تتوقف. 

(6) كان انعكاس ذلك كله على الخارج شديداًء فالعالم الذي تعود على رؤية إسرانيل في 
صورة معينة: اكتشفها في صورة مختلفة تماماً. 


ب الموقف العربي 
كانت حقائق الموقف العربي. مع التشديد على أنه كان يتحسن بوضوح. على النحو الآتي: 
(1) استطاعت القوات المصرية أن تعيد نوعاً من التوازن إلى جبهتهاء وبرغم الضغوط التي 
ا تحاول تركيزها على الجيش الثالث؛ فإن هذا الجيش كان يقاوم بي بالة. كما أن 
كانت أفضل كثيراً من الصورة التي تخيلتها السياسة من ب 
بأن إسرائيل حاولت بالفعل أن تجعل من الجيش الثالث ره 
المحاولات كانت غير قادرة على النجاح؛ بسبب انتشار القوات الإسرائيلية» وعدم قدرتها على 
تركيز مجهود ريسي يقدر على تصفية موقف جيش بأكمله. 

(2) ولقد زاد على ذلك أن الأعصاب في القيادة هدأت. عندما بدأت دواعي الخطر التي 
أقلقتها تتراجع على الارض. وعلى سبيل المثال؛ فإنه في يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر لم تكن 
هذه القيادة تملك على طول المسافة من خطوط السويس إلى القاهرة أكثر من 74 دبابة. لكن 
الذي حدث في الايام الأخيرة من تشرين الاول/أكتوبر. والايام الاولى من تشرين الثاني انوفميرء 
أن مدداً ضخماً من الدبابات أصبح تحت تصرف هذه القيادة. كما سبقت الإشارة. من الاتحاد 
السوفياتي» ويوغوسلافياء والجزائر. وليبيا. وفي الحصيلة. التي لم يكن لديها ما بين 
خطوط السويس والقاهرة يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر غير 74 دبابة» وجدت نفها مع الأيام 
الأولى من تشرين الثاني وإذا تحت تصرفها ما يقرب من 800 دبابة. 

(3) كان الوطن العربي بأسره. كما لاحظ السادات. على استعداد لان يستجيب لأي طلبات 
مصرية. فقد كانت تضحية الناس ظاهرة أمام الجميعء ولم يكن من السهل على أحد أن يتردد 
شيء يطلب منه. هو على وجه اليقين أرخص من الدم. وكان سلاح النفط لايزال مشهرة 
فخفض الإنتاج كان يتم تلقانياً كل شهر بنسبة 5 با كذلك كانت قرارات الحظر شبحاً يهدد 
ويردع. وكان أمر الفوانض المالية العربية سؤالاً معلقاً على كل الأسواق التي راحت تسترضي 
العرب بكل وسيلة. 

(4) استطاع السادات تلطيف الأجواء في العلاقات بينه وبين الأسدء يسبب التوتر الذي شاب 
العلاقات بينهما أثناء المعركة. 
































35 


(5) مع هذه العوامل الإيجابية التي راحت تؤكد نفسها في الموقف المصريء فإن الاتحاد 
السوفياتي عاد من جديد يطارد أمله في الحصول على مركز في الأزمة؛ يتساوى مع حجم 
مساعداته للعرب» من وجهة نظره. وهذا كان مفيداً للموقف العربي في تلك الأوقات. نقد 
حافظ على بقاء الازمة عند مستوى القمة الدولية. 

(6) كان موقف أوروبا الغربية مختلفاً بشدة عما كان معهوداً من قبل؛ وعلى سبيل المثال 
فقد ذهب السفير الألماني في القاهرة وقتها إلى مقابلة الأمين العام لجامعة الدول العربية 
محمود رياض. يشكو إليه من أن الإعلام العربي يحمل نبرة تهديد إزاء ألماتيا الغربية» تلوح لها 
بشبح سلاح النغطء سأله. اماذا تريدون من ألمانيا أكثر من أن تعلن في كل مناسية أنها متمسكة 
بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم (242) كاملاً؟». ورد عليه محمود رياض من واقع إحساسه بقوة 
الموقف العربي قائلا: هيا سعادة السفيرء إن غامياء وهي دولة أفريقية صغيرة وفقيرة لم تكتفٍ 
بأن تقول إنها ملتزمة بتنفيذ قرار مجلس الامن كاملاً. إنما وصلت إلى أبعد من ذلك فقطعت. 
علاقاتها مع إسرائيل». 

مع ذلك فإن السادات لم يعط نفسه الفرصة للتفكير بما فيه الكفاية في المرحلة المقيلة من 
الصراع. وكان العنصر الضاغط عليه هو وضع الجيش الثالث وخوفه من محاصرته. استولت 
على السادات في ذلك الوقت فكرة رش المحاصرة تتحول إلى بؤر لصنع 
الانقلابات على اللطة القائمة. وكاذ جمال عبد الناصر في حصار الفالوجة 
عام 1948. والواقع أن الظروف كانت ميخنا هنا ليست بحقائق الأمورء إنما بالنظر 
إليها من موقع أصحابها. ولعل موقف الجيش الثالث» وهواجس السادات عن الجيوش 
المخاصرة, هو الدافع الذي جعله يقبل على عجل اقتراح إسرائيل عن طريق كيسنجر اليدء على 
الفور في محادثات مباشرة عسكرية مع إسرائيل عند الكيلو (101) على طريق السويس. 


2 لقاء السادات ‏ كيسنجر 

كان السادات قد قرر إرسال وزير خارجيته الجديد إسماعيل فهمي إلى واشنطن ليقابل 
نيكسون وكيسنجرء وليواجه أي ضغوط تكون مانيرء التي سبقت زيارته» قد ركزتها على واشنطن 
في هذه الفترة الحرجة والحساسة, ولييحث أيضاً في موضوع عودة العلاقات الدبلوماسية بين 
مصر والولايات المتحدة. 

ومساء يوم وصول فهمي إلى واشنطن. في 30 تشرين الأول /أكتوبر التقى كيسنجر في 
مقابلة تمهيدية» وكتب بعد انتهائها تقريراً عنها إلى السادات. وفي اليوم التالي كان فهمي 
على موعد مع نيكسون. بحضور كيسنجرء وقد وصلته برقية من حافظ إسماعيل مستشار 
السادات للأمن القومي؛ يبلغه فيهاء بناء على توجيه الساداتء أن يلح فيها على مطالبة 



















و35 


كيسنجر بأن يقدم «خطاب ضمان» من الولايات المتحدة, تتعهد فيه بألا تقوم إسرائيل بأي 
عمليات عسكرية ضد قوات الجيش الثالث المحاصرة في الضفة الغربية من قناة السويسء 
في أية صورة, حتى يمكن الانتقال إلى مرحلة فك الارتباط. وكان فهمي قد أشار إلى هذا 
المطلب في نهاية مقابلته مع كيسنجر في اليوم السابق؛ وأبدى كيسنجر استعداده لقبول 
الفكرة. وقد طلب السادات من فهمي أن يحصل على هذا الضمان الكتابي من الولايات 
المتحدة قبل أن يغادر واشنطن. 

أما مبرر طلب هذا الضمان فيعود إلى أن القوات المصرية كانت تواجه مواقف صعبة على 
خطوط القتال؛ فالأوامر الصادرة إليها من ناحية تطلب منها مراعاة قرارات وقف إطلاق النار 
الصادرة عن مجلس الأمنء وبخاصة أن محادثات الكيلو (101) كانت لا تزال جارية, وزاد 
عليها أن الاتصالات نشطت في واشنطن بواسطة وزير الخارجية الجديد فهمي. وكانت المشكلة 
أن القوات الإسرائيلية لم تعتبر قرارات وقف إطلاق النار قيداً عليهاء إنما اعتبرتها فرصة لها 
وعندما كان قادة التشكيلات المقاتلة يطلبون من القيادة المصرية أن تعطيهم الفرصة للعمل ضد 
الإسرائيليينء بما هو أكثر من مجرد الدفاع الثابت» وعندما كانت القيادة تعيد توجيه هذه الطلبات 
إلى السادات» فإن الرد كان يجيء دائماً: التزام الدفاع الثايت عند الضرورة» وتجنب توسيع 
مواقع القتال. وكانت وجهة نظره على النحو الآتي: 

١‏ أنه لا يريد لأي اعتبارات فرعية الآن أن «تلخبط له الغزل». حسب تعبيره للفريق أحمد 
إسماعيل. 

2 - أن ما تقوم به إسرائيل ليس له فائدة» فهي مرغمة في النهاية. حسب فهمه من الاتصالات 
مع كيسنجر ومن قرارات مجلس الأمنء على العودة إلى خطوط 22 تشرين الأول /أكتوبر؛؟ 
وبالتالي» فكل ما تفعله الآن نوع من «المهوبصة». بتعبيره أي حركات لا فائدة منها. 

كان السادات يترجم قرارات مجلس الأمن. ومحادثات الكيلو (101): واتصالات واشنطن 
طبقاً لمنظوره للأمور وربما وفق ما كان يتمناه لخط سيرها. في حين أن إسرائيل لم تكن 
تترجم النصوصء حتى وإن كانت جلية» إنما كانت تعيد صياغتها بصنع واقع جديد على 
الارض. ومن ذلك مشلاً أنه حين بدا أن موضوع إطلاق سراح أسراها في مصر لا يزال معطلا 
أقدمت القوات الإسرائيلية في منطقة القناة على اعتقال 5700 مواطن مصري. بينهم كثير من 
الفلاحين خطفوا من حقولهم؛ للاحتفاظ بهم كرهائن. يجري استعمالهم في الضغط من أجل 
إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. واستقر الرأي تجاه هذه الاستفزازات الإسرائيلية الجديدة 
على عدم إبلاغ مجلس الأمنء طالما أن كيسنجر نفسه بدأ يتولى الأمر. ثم إنه قادم بنفسه إلى 
المنطقة. 























3 


شهادة وليم روجرز 

يعتبر كيسنجر بلا شك أحد اللاعبين الرئيسيين في السياسة الخارجية الأمريكية 
(1969 -1977): بحكم موقعه كمستشار الرنيس الامريكي نيكسون لشؤون الأمن القومي من 
عام 1968ء ثم وزير خارجية بلاده (1973 1977)) إلى جانب منصبه الأصليء وبحكم هذه 
المواقع ظهر كأحد «أبطال التسوية». 

من المفيد التوقف أمام تطور دخول كيسنجر إلى مسرح الصراع في المنطقة العربية. 
الذي كانت بداياته من خلال صراع بين كيسئجر مستشار شؤون الأمن القومي. ووليم 
روجرز وزير الخارجية في عهد نيكون. ملامح هذا الصراع بين الرجلين المسؤولين عن 
السياسة الخارجية الأمريكية عرضها هيكل» في معرض حديثه عن زيارة روجرز إلى 
القاهرة» في آذار/مارس 1971 من خلال مقابلة طلبها مع هيكل. وفي ذلك يقول هيكل: 
في كتابه بعنوان: أكتوبر 73: السلاح والسياسة: «لم يكن هناك فيما هو ظاهر وقت 
لمقدمات» ولذلك فإن روجرز دخل في صميم اللقاء مباشرة قا: إنني أتصور أنك 
تستطيع أن تفهم وتقدر ما سوف أقوله. ولذلك فأنا سوف أقوله راجياً أن تبقيه سرأء وأن 
تضعه في بالك» وبخاصة وأنت تتحدث مع السادات. إن بعض الناس. وأنا أعرف من 
همء يلون عليه في أنه قد يكون من الأفضل له أن ينتقل الاهتمام بأزمة الشرق الأوسط 
من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض. لكى يتولى هئري كيسنجر حلها بوسائله المعروفة» 
(يقصد بها إخراج أرنب من القبعة» كما يحدث في عروض السحر التي تقدم في 
الملاهي). 

«وأنا أريد أن أقول إنه من الأنضل لكم أن تظل أزمة الشرق الأوسط في وزارة 
الخارجية؛ ولا يقترب منها هنري كيسنجر. لا تظن أن المسألة خناقة بيني وبين هثريء هو 
يتتخائق مع الخار- ٠‏ لكني لا اعتبر نفسي في خناقة معه. وأنا أحاول أن 
مع الرئيس مباشرة. إن دخول هنري إلى هذه الازمة ليس في مصلحتكم. وأنا أعرف أنه 
يتحرق شوقاً إلى الدخول فيهاء رغم أنه يصرح علناً بأنه لا يريد الاقتراب منهاء يسبب 
كونه يهودياًء لكن ما يقوله هئري في الظاهر ليس هو الحقيقة. إن كيسنجر رجل ليست له 
ولاءات» إن كل كانن حي له ولاءات. لكن المشكلة في هنري أ ولاءاته على 
النحو الآني (وراح روجرز يعد على أصابعه) ولاؤه الأول لهنري كيستجرء والثاني لهدري 
كيسنجرء والشالث لهنري كيسنجرء ولاؤه الرابع لأي سيد يستعمل خدماته؛ وولاؤه 
الخامس لامته». 










به وأتحدث 








36 


وأبدى هيكل ملاحظة قال فيها: «إنني قابل بولائه لأمتهء ذلك لأن ولاءه لآمته سوف يجعله 
يعرف أن مصائح الولايات المتحدة كلها مع العرب»» وقاطعه روجرز: "ماذا تقول؟ أمته ليست 
الأمة الأمريكية. ولازه لليهود»'*". 

ومن المفارقات أن السادات كان في هذه الأثناء يشعر أن الباب الأمريكي إلى الحل لا يزال 
مفتوحاًء لكنه بدأ يعود إلى شكوكه في ما يتعلق بقدرة وزارة الخارجية الأمريكية» ووزيرها 
روجرزء على تحريك اهتمام أمريكي حقيقى بالأزمة. وكانت لديه مصادر كثيرة تؤكد له كل يوم 
أن إدارة السياسة الخارجية الأمريكية قد اتتقلت نهانياً. في عهد يكسون على الأقل» من وزارة 
الخارجية إلى البيت الأبيض. ومستشار الأمن القومي فيه كيسنجر. كان كيسنجر قد أخذ في يده 
خطوط أزمة فيتنام» ودخل في مفاوضات سرية مع الزعيم الفيتنامي لي دوك توء جرت في 
باريسء وكان كيسنجر أيضاً قد بدأ يستكشف الطريق إلى أبواب الصينء وكان هو الذي راح 
بكفاءة منقطعة النظير يهندس لسياسة الوفاق بين موسكو وواشنطن. وراح يستقر في وعي 
السادات, يوماً بعد يوم أنه إذا كان هناك حل فهو في البيت الأبيض» وليس في وزارة الخارجية» 
وإذا كان في البيت الأبيض فهو في يد كيسنجرء وليس في يد روجرز. 

كما تجب الإشارة إلى أن السفير المصري في واشنطن أشرف غربال كان مقتنعاً بأن الأمل 
كله في كيسنجرء ولا أحد غيره» وكانت تقاريره ورسائله إلى السادات تلح كثيراً حول هذه النقطة 
في تلك /١‏ . 








ب زيارة كيستجر 

عندما جاء كيسنجر إلى القاهرة مساء 6 تشرين الثاني/نوفمير عام 1973 أخذت الأشياء. كل 
الأشياف تتبدل وتتغيرء وكانت البداية هي تغيير الصورة التي كان عليها الاتحاد السوفياتي قبل 
حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 01973 فأصبح «الاتحاد السوفياتي هو العدو الحقيقي... وأن 
حرب تشرين الأول /أكتوبر سوف تكون آخر حرب بين مصر وإسرائيل». تشكلت الاستراتب 
الجديدة كما حددها السادات في التخلص من الإرث الناصريء وكما أخبر كيسنجر: «!, 
الجيش الثالث ليس لب المشكلة في واقع الأمر فأنا أريد أن أفرغ من مشكلته لاتحول إلى 
مهام أكير» فأنا مصمم على إنهاء ميراث جمال عبد الناصرء وأريد أن أعيد العلاقات مع الولايات 
المتحدة الأمريكية. وبأسرع ما يكون»”*". 









(106) هبكل. أكتوير 73: السلاج والسباسة: م 18 
(107) بخصوص زيارة كيسنجر والاقنباسات الثالي 
التغاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. صن 1١1‏ وما بعدها. 


21 








الثاني من مذكرات كيستجر. السنواث القلائل: وفهسي 


362 


ووفقاً لرواية الصحافي الأمريكي جوزيف كرافت «فإن السادات كان يريد القيام بتخييرات 
للدي في توجهات السياسة المصرية: «علاقة استراتٍ يلدة 
تنسيقاً مصرياً أمريكياً كاملاً في الشرق الأوسط وأفريقيا». وأنه خلال الحركة من أجل تنفيذ هذا 
الانفاق الاستراتيجي. فإن السادات كان يريد من الولايات المتحدة تعهدات بحماية نظامه. 
وحماية شخصه. في فترة يتوقعها حافلة بالقلاقل والمشكلات». إن مطلب السادات المباشر في 
أن تتولى الولايات المتحدة حمايته. لدليل آخر يضاف إلى أدلة عديدة تؤكد أن السادات كان 
مقتنعاً بأن الأغلبية العظمى من المصريين لا تؤيده في سياساته. وأن الاطراف التي سيتم التسليم 
بشروطهاء ومن ثم تأمين مصالحهاء ستكون حريصة على حياته؛ أكثر من حرص المصريين. 

فضلاً عن ذلك فإن السادات قد فاجأ كيسنجر بطلب غريب يتمثل بأن يترك له هو تولي 
طرح المبادرات الأمريكية والإسرائيلية بوصفها مبادرات ومقترحات مصرية. يذكر كيسنجر: 
«قال لي السادات فكرة أعجبتني؛ فقد طلب أن نكف عن تقديم مقترحات ومبادرات تحمل اسم 
الولايات المتحدة أو علمهاء وقال ليء إذا جاءتكم فكرة» أو خطرت لك مبادرة» فأعطوها لي» 
وأنا أقوم بطرحها بوصفها اقتراحاًء أو مبادرة مصرية. ثم شرح لي أسبابه قائلاً: إن شعوب 

نطقة ترسّب لديها شك كبير في أي شيء تتقدمون به أو تتقدم به إسرائيل. إذا تقدمت إسرائيل 
أناء فسوف أجد من يصيح في وجهي بأن القبول باقتراح إسرائيل خيا: 
الولايات المتحدة باقتراح أو مبادرة وقبلته أناء فسوف أجد ن يصيح في وجهي 
أما إذا تقدمت أنا باقتراح أو مبادرة ولم يعجب الآخرينء فأقصى ما يمكن أن 
يقولوه إنه خطأ. لكن عندما تقيلون اقتراحي أو مبادرتي» وتقبله إسرائيل» فإن هذا القبول سوف 
بين أن رأينا هو الذي ساد. وهذا في حد ذاته يعطي للمصريين نوعاً من الرضا كفيل بتهدنة 
المشاعر وتجاوز الشكوك». 





















إذا 











ورقة النقاط الست»ه في الوقت الذي كان فيه ك فك كثيرا في قبول السادات تلك 
المقترحاء وعندما عرضها عليه «أمسك السادات بالورقة: وألقى نظرة عليها سريعة؛ ثم قال 
على الفور: حسناً إنني أوافق! والاكثر غرابة أنه في المؤتمر الصحافي الذي عقده الاثنان بعد 
انتهاء محادثاتيهماء فإن السادات قال للصحافين. دون أن تطرف له عينء إنه هو الذي قدم 
النقاط الستء وأسماها كالعادة «نقاطي الست»»! 

ومن المفارقات التاريخية؛ أن السادات استخدم نفس الأسلوب. وقام بنفس الدور الذي 
سبق أن قام به أمين عشمان في إطار أحداث 4 شباط/فبراير 1942 فقد كان عثمان؛ الذي سجن 
السادات بتهمة اغتياله. يمثل حلقة الوصل بين المندوب السامي البريطاني السير مايلز لامبرسون 








363 


بوصفه الحاكم الفعلي في مصرء ومصطفى النحاس» زعيم حب الوفد. فقد طلب المندوب 
في عقل النحاس فكرتين: الفكرة الأولى. نع النحاس بالعمل 
نيساً للديوان بدلاً من أحمد حسنين؛ والفكرة الثانية: العمل على نقل 
بيفات. وخشية من عشمان, الذي تراءى له أنه إذا ما طرح مطالب 
السفير البريطاني بطريقة متغطرسة وإملاتية. لا تحترم ولا تقدر مكانة ودور النحاس؛ قمن 
المحتمل أن يرفضها النحاس فاقترح عثمان على المندوب السامي البريطائي «أنه سوف يعمل 
وفق ما طلب منه. لكنه سوف يوحي للنحاس بأن هذه الأفكار من عنده؛ وليست من عندي». 
ووافق المندوب السامي! وهذا ما فعله السادات مع كيسنجر بعد 31 سنة. أما المفارقة القدرية 
فجمثل بأن السادات قدم للمحاكمة بتهمة اغتيال عثمان» الذي كان ينظر إليه في مصر باعتبار أنه 
واحد من عملاء سلطة الاحتلال البريطائي! 

كان موعد زيارة كيسنجر للقاهرة يقترب» وكان لا بد أن يغادر فهمي واشنطن ليسيقه ويكون 
في استقباله عندما يجيء. وتلقى تعليمات من القاهرة تأذن له بالعودة. وتخطره بآخر الترتييات 
المقررة في الزيارة. وتوجه فهمي إلى مقابلة أخيرة في واشنطن مع كيسنجر هدفه الأساسي منها 
الحصول على الضمان, الذي كثر الحديث عنه. ثم تسلم بالفعل «الضمان المكتوب». ويشير 
«الضمان» إلى أنه «اتصالاً بأي اتفاق يتم بين مصر وإسرائيل بخصوص تنفيذ (الفقرة الأولى 
من) قرار مجلس الأمن الرقم (338)» تضمن الولايات المتحدة بأنها ستفعل أقصى ما تقدر 
عليه لمنع عمليات عسكرية هجومية تقوم بها القوات الإء رائيلية في الضفة الغربية ضد القوات 
المصرية أثناء وجود القوات الإسرائيلية في الضفة الغر, 

كان الضمان المطلوب الذي جرى الإلحاح عليه مكتوباً بالآلة الكاتبة على ورقة بيضاء» وقد 
ذيْل بالأحرف الأولى من اسم كيسنجر الكامل: 11.8.6 هئري ألريد كيسنجر»؛ ووقعه كيسنجر 
بالحرفين الأولين من اسمه المشهور 11.16. 

ويظهر أن إسماعيل فهمي أبدى ملاحظة على نوع الورق الذي كتب عليه الضمان» ونوج 
التوقيع المختصر (بالاحرف الأولى التي ذيّل بها) وتفهم كيسنجر وساوس وزير الخارجية 
المصري. وهكذا فإنه وعده بأنه سوف يسلمه نسخة جديدة من هذا الضمان مكتوبة على 
الأوراق الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية؛ وبتوقيع كامل منه. وليس فقط بالأحرف الأولىء 
وذلك عندما يجيء إلى القاهرة يوم 6 تشرين الثاني انوفمبر. 

كانت تلك وثيقة من أعجب وأغرب الوثائقء سواء في شكلها أو لغتها أو طريقة تقديمها. 
وفي كل الأحوال فإنها كانت أفل كثيراً من حجم الحقائق وحجم الموقف. وحجم وقيمة 
وإنجاز الطرف الذي طلبها وألح عليهاء حتى قدمت إليه في النهاية! 
















364 


ويشير هيكل» في كتابه خريف الفضبء إلى أن كيسنجر راح يستعد لرحلته الموعودة إلى 
المنطقة العربية وهو يشعر بسعادة غامرة, لم يكن قادراً على إخفانها عمن حوله؛ ولا حاول 
حجبها في كل ما كتبه من وثائق في هذه الفترة. وفي إطار استعداده لرحلته الموعودة إلى 
المنطقة العر, ينا يقرا عخا من قوير تسر أن رت ذا من حلائها على افق والملاحظ 
طبقاً لروايته أن تقريرين بالذات لفتا نظرهء واستحوذا على اهتمامه. وطلب وضعهما في ملفاته 
التي حملها معه. 

كان التقرير الأول بعنوان: «الشيخ والخيمة»» تحدث فيه عن عملية صنع القرار التقليدية في 
الوطن العربي. وكيف أنها في العادة في يد شيخ القبيلة. سواء كان هذا الشيخ يضع فوق رأسه 
عقالاً أو قبعة عسكرية. وكانت العبرة التي استخلصها كيسنجر من هذا التقرير أن القرار العربي 
في يد رجل واحدء لا . بشيء إلا بما يهز به رأسه ذ .في النهاية. وإذن فعليه أن يركز على 
» الجالس في وسط الخيمة, ولا يضيع وقتاً مع غيره. 

وكان التقرير الثاني يحمل عنوان «السوق». وتعرض لأسلوب التفاوض العربي. وكيف أنه 
في معظم الأحيان مزايدات ومناقصات غير مترابطة وغير متسقة, تبدأ في المطالبة بالمستحيل» 
المستمد من عوالم الأماني والأوهام؛ ثم تروح «تفاصل وتساوم»؛ بنفس أسلوب الصياح؛ ثم 
تال في جاتنة الات إن انيع صف انان لذ بدح م واي ماخ 

وأضاف ي كيستجر إلى هذين التقريرين عباة التقطها من أحد مقالات محمد حسنين هيكل 
الإسرائيلي والفكر الاستراتيجي العربي هو أن 
العرب يلعبون الطاولة»*. 

هكذا تصل التطورات إلى المرحلة التي ملكت فيها «السياسة» زمام الحرب بالكامل» بعد 
زيارة كيسنجر للقاهرة, بداية من يوم 6 تشرين الثاني انوفمبرء وبعد أن أدى «السلاح» دوره 
بأقصى ما يمكن تقديمه من تضحيات. وإذا كان «السلاح». ن في إدارته للمعركة. ظل محافظاً 
على الغرض النهائي منها؛ على صعيد تحرير الأرض. والحفاظ على استقلال القرار الوطني. 
فإن «السياسة» في هذه المرحلة قد تاه منها ذلك «الغرض». وانحرفت عنه نحو أغراض أخرى. 
لم تكن لها علاقة بما سالت من أجله؛ دماء الرجال في ميادين القتال. 

في الوقت الذي كان فيه كيسنجر يعد للقائه المنتظر مع السادات فإن الأخير كان بدوره 
يحاول أن يعد نفه للقائه مع كيسنجرء وكان لديه شاغلان بالتحديد. تحاور في شأنهما مع 
هيكل. كما يشير في كتابه خريف الغضيب: «من الذي يجلس معه على المائدة للتفاوض مع 
كيسنجر؟. وهما هو الاسلوب الامثل للتفاوض معه؟». كان الرد بالنسبة إلى التساؤل الأول أنه 





















(168) هيكل. خريف الفضب: قصة بدابة ونهاية عصر أنور الساداث. صن 146 147 


365 


لا ينبغي أن يكون الرئيس السادات بشخصه هو المفاوض الرئيسي مع وزير الخارجية 
من هذا الرأي. وأبدى شكاً في صوابه؛ كان التفسير الذي 
جر يعرف مسبقا أن لديك سلطات واسعة؛ وسوف يركز قصارى جهده على 
دون أن تملك فرصة للرد عليه بطلب فسحة للتفكير في ما 
إلى سلطة أعلى. كما يمكن أن يحدث مع أي مفاوض آخر». ولم يقتنع 











ميم تنازلات» 





يعرضه. أو بالرجوع 
السادات بهذا المنطق. وكان رده عليه هو إصراره على أن يقوم هو بنفسه بالتفاوض مع كيسنجر. 
وفي ما يتعلق بالاسلوب الامثل للتفاوض مع كيسنجر قرر السادات لنفه أسلوياً في التفاوض 
مع كيسنجر بنفسه» ثم إنه لا يريد أن يناقشه مع أحدا”"". 

وصل كيسنجر أخيراً إلى القاهرة؛ عند منتصف ثيلة 6 تشرين الثاني /نوفمبرء وأحس بحرارة 


الاحالين الجظة الاولى. واستطاع تحفيظ نفسه جملة با! 





ة العربية قالها لممشلي الإعلام 
: بداية صفحة جديدة. وفي 
العاشرة من صباح اليوم التالي وصل قصر الطاهرة» ولقي استقبالاً حاراً من الجميع؛ اعترف بأنه 
أدهشه «باعتباره الرجل الذي أعطى لإسرائيل كل السلاح الذي طلبته. لتغيير الموازين 
لمصلحتهاء في معركة ضد الجيش المصري لم تتوقف آثارها حتى هذه الساعة». 

فى يوم 7 تشرين الثاني /نوفمبر كان السادات يستقبل كيسنجر للمرة الأولى مباشرة» بعد 
العديد من الرسائل بينهما قبل الحرب وأثناءها ويعدها. وبعد لقاء بروتوكولي للوفدين» عقد 
اجتماع مغلق بين السادات وكيسنجر, استمر ثلاث ساعات» وفي ربع الساعة الأخير منه انفتح 
باب الصالون الذي كانا فيه وحدهماء ودعي جوزيف سيسكو إلى المجيء ومعه حقيبة أوراق. 
وفتح سيسكو الحقيبة بطلب من كيسنجر وأخرج منها ملفاً صغيراً يضم مجموعة نسخ من 
مشروع في صفحة واحدة. وكانت هي ما عرف فيما بعد بورقة «النقاط الست» لفك االاشتباك. 
وألقى كيسنجر نظرة على الورقة, ثم ناولها إلى السادات. الذي قرأها بدوره في أقل من دقيقة 
اثم هز رأسه إيجاباً بالمواققة عليها. 

ثم دعي أعضاء الوفدين بهينتيهما الكاملة, التي كانا عليها عندما جرى عقد الجلة 
الافتناحية وتصويرها. والتأم الشمل على جانبي ماندة الاجتماع» وقال كيسنجر للجميع إنه 
اقش مع السادات مشروعاً لفك الارتباط من ست نقاط» وأن السادات وافق عليه» وأن مساعده 
جوزيف سيسكو سوف يذهب إلى غولدا مائير لعرضه عليها والحصول على موافقتها». ثم راح 
يتلو النقاط الستء وكانت نصوصها على النحو الآتي: 

١‏ توافق مصر وإسرائيل على الاحترام الدقيق لوقف إطلاق النار الذي أمر به مجلس الأمن. 














(109) المصدر 





366 


2 يوافق الطرفان على مناقشة موضوع العودة إلى مواقع 22 تشرين الأول/أكتوبر» في إطار 
الموافقة على الفصل بين القوات المتحاربة. وذلك تحت إشراف الأمم المتحدة. 

3 - تتلقى مدينة السويس يومياً إمدادات من الغذاء والماء والدواء. وجميع الجرحى المدنيين 
في مدينة السويس يتم ترحيلهم. 

4- يجب ألا تكون هناك أية عقبات أمام وصول الإمدادات غير العسكرية للضفة الشرقية. 

5- نقط المراقبة الإسرائيلية على طريق القاهرة السويس يحل محلها نقط مراقبة من الأمم 
المتحدة. وفي نهاية طريق السويس يمكن لضباط إسرائيليين الاشتراك مع الأمم المتحدة في 
الإشراف على أن الإمدادات التي تصل القتال تكون ذات عسكرية. 

6- بمجرد تولي الامم المتحدة نقاط المراقبة على طريق القاهرة السويس يتم تبادل جميع 
الأسرى بمن فيهم الجرحى. 

كان أسوأ ما في هذه النقاط الست أنها تجمد الخطوط العسكرية عند اللحظة الراهنة» وتفتح 
الباب للمناقشة في فصل القوات في ظل هذه الظروف الضاغطة, ثم إنها تعطي إسرائيل كل ما 
العامة» إلى استعادة أسراهاء مضافاً إلى ذلك ما لحق بالاتفاقية من تعهدات 
سرية؛ وأهمها تخفيف ورفع إجراءات الحصار على باب المندب. 

كتب كيسنجر في مذكراته فيما بعد «أن سيكو أبلغه أن غولدا مائير لديها تحفظات على 
النقاط الستء وصرخ فيه كيسنجر عندما سمع ذلكء وقال له: «ما الذي تريده الآن؟ ألم تكن 
هي التي وضعت هذه النقاط الست؟؟ ثم هدأ وقال له ب بيبة» إن إسرائيل كما هو ظاهر 
الآن بقبول مصر لمقترحانهاء ومن ثم تريد أن تعيد التفاوض فيما سبق لها أن اقترحته 
بنقهاء! 

لا شك في أن هذا اللقاء المغلق بين السادات وكيسنجر كان في غاية الأهمية» وترتبت عليه 
تطورات جذرية» لا فقط في ما يخص الصراع العربي ‏ الإسرائيلي؛ إنما في كل ما يتصل 
بالمنطقة العربية برمتها. 

فقي هذا الاجتماع المنفرد بين الرجلين فوجئ كيسنجر كما كتب بنفسه في مذكراته؛ بحال 
السادات وأطروحاته؛ أساس ذلك أن السادات لم يطلب منه أن تعمل الولايات المتحدة على 
انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة في حرب عام 1967 في إطار تسوية شاملة 
اللصراع العربي ‏ الإسرانيلي. وتفاوض على حقوق الشعب الفلسطيني» بل كان كل ما طلبه هو 
انسحاب إسرائيلي من ثلثي سيناء حتى #خط العريش ‏ راس محمد».. بهذا خالف السادات 
الموقف العربي الثابت منذ حرب عام 1967 وحتى هذا المطلب رغم سرور كيسنجر به رفضه 
كيسنجر بحجة ضرورة الرجوع للإسرائيليين أولاً. 


























36 


عمد السادات إلى مصارحة إن حصار الجيش الثالث ليس جوهر المسألة 
وخطوط وقف إطلاق الثار يوم 2 تشرين الاول/أكتوبر لا تصلح للنقاش بين اثين من صناع 
سياسة وهاستراتيجيين» مثله هو وكيسنجر وإنه راغب بشدة في عودة العلاقات الدبلوماسية بين 
مصر والولايات المتحدة, التي تم قطعها عقب حرب 21967 وإثر الدور الأمريكي الواضح في 
الحرب تخطيطاً وإثر هذا القرار المصري قطعت معظم الدول العربية علاقاتها 
الديلوماسية بالولايات المتحدة» وتم خروج (62) ألف أمريكي من الوطن العربي آز اكه في 
مشهد مهين لهيبة وكرامة الولايات المتحدة؛ وهاج الرئيس الأمريكي «جونسون» معتبراً ما حدث 
صفعة لمكانة الولايات المتحدة. و«تحريض شرير» من جمال عبد الناصر. والآن يقوم السادات» 
وبعد حرب ضارية اهتزت فيها ثقة إسرائيل بنفسهاء وتم كسر جيشها وهيبته بتقديم هذا العرض 
المجانى؛ اغتبط كيسنجر لذلك وفي ذهنه ما هو أبعد وأهمء فعودة العلاقات الدبلوماسية 
بة - الأمريكية تفتح الباب أمام عودة علاقات الولايات المتحدة بكل الدول العربية؛ ويقوم 
ابلاغ كيسنجر أنه قرر أن يرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي فوراً من قائم بالأعمال 
إلى سفير بالنسية لمصر والولايات المتحدة» وكل ذلك بدون مقابل. 

اختلفت الروايات في شأن الاجتماع ب بين السادات وكيسنجر وستظل مختلفة إلى زمان 
طويل. في حقيقة ما دار في هذا الاجتماع الذي استغرق قرابة ثلاث ساعات بين الرجلين على 
انفراد عند هذه النقطة التي تحولت إلى منحنى على الطريق في السياسة المصرية: فالاجتما 
بين الاثنين كان مقتصراً عليهماء ولم يحضره طرف ثالث. ولا كان هناك تسجيل له بأية وسيلة. 
وروى كل منهما كثيراً من التفاصيل في عديد من المناسبات عما دار في هذا الاجتماع. كما أن 
كيسنجر: سجل بعض النقاط الرئيسية فيهء وأودعها في ملف مجلس الأمن القومي الأمريكي. 
وعرض بعض ملامحها عندما كتب مذكراته. هكذا فإن العثور على صورة شبه كاملة لا يمكن أن 
يتأتى إلا بمحاولة عرض ومقارنة التفاصيل فيما كتبه أو رواه كل مهما. 

وردت رولية السادات عن الاجتماع مع كيسنجر في مذكراته: البحث عن الذات: قصة 
حياتي» والتي لم تزد على صفحة واحدة. وأضاف على ذلك حديثاً 
يكل 0 




























06 لد امل لهذ ونم يق امراف 0 من ذلك أنت رجل 
استراتيجي وأنا رجل استراتيجي. وأريد أن تكون مناقشاتنا معا على المستوى الاسترات 
وكان هو ينظر إلي مبهوراء وطرحت عليه رؤية استراتيجية كاملة لمستقبل المنطقة» وقلت له إن 
المستقبل ليس في خطوط 22 تشرين الأول /أكتوبرء لكن المستقبل معلق بسؤال واحد: هل 
نستطيع أن نكون أصدقاء أم لا نستطيع؟ إذا كنا نستطيع أن نصبح أصدقاء. وإذا أصبحت مصر 





268 


صديقة لكمء فإن المنطقة كلها تصبح مفتوحة أمامكمء وأنا لا أريد أن يتكرر خطأكم الذي وقعتم 
فيه عندما لم تفهموا مبادرتي بطرد الخبراء السوفيات في تموز/يوليو العام الماضي؛ فطرد الخبراء 
السوفيات كان رسالة موجهة لكم؛ معناها أنني صديقء وأنتم تصورتموها مناورة» وأنا رجل 
لا ورا" 





وفي ضوء ما تكشف من وثائق؛ إلى جانب ما نقله السادات بنفه إلى هيكلء كما ورد في 
كتابه خريف الغضبء طرح السادات مجموعة من المحددات» كان كيسنجر أكثر من غيره 
يستطيع أن يقدر الخطورة الاستراتيجية المترتبة عليها: 

١‏ أن العدو بالنسبة إليه الآن هو الاتحاد السوفياتي. 

2 أن حرب تشرين الأول/أكتوبر سوف تكون آخر الحروب. 

3- أن جهود اللام لابد أن تتولاها دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة. 

4- أنه سوف يكون مستعداً في المستقبل ‏ وبعد حل بعض المشكلات العاجلة ‏ لمفاوضات 
مباشرة مع إسرائيل. ولكن ذلك عليه أن يننظر بعض الوقت للإعداد النفسي وحين يكون الناس 
في مصر قد بدأوا في تقدير واستيعاب المزايا التي سوف تُجيء من وقف الحرب. وبداية عملية 
السلام. 

وقد أكد إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل» في مقابلة هامة نشرتها له صحيفة جيروزاليم 
بوست,؛ على امتداد صفحة كاملة؛ في عدد يوم 16 نيسان/أبريل عام 1982: وجود "اتفاق 












جي» توصل إليه السادات مع ثم انضمت إليه إسرائيل عام 1974 وقال رابين 
أنه: «في عام 1974 كان هناك اتفاق بالتراضي بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل 
على مفهوم استراتيجي واحد يرتكز على ثلاث نقاط: 
| إن الولايات المتحدة سوف تقود عملية السلام في المنطقة؛ مع إبعاد الاتحاد السوفياتي 
تماماً. وكذلك أوروبا الغربية. 
2- أن كلاً من مصر وإسرائيل سوف تكونان حجر أساس توأمين في سياسة للمنطقة تقودها 
الولايات المتحدة. 


3 - أن عملية السلام سوف تنم على مراحل. وهكذا كانت سياسة الخطوة خطوة التي اتبعها 
كيسنجر. وكذلك كانت سياسة الرئيس كارتر التي توصلت لاتفاقيات كامب دايفيد». 


من ناحية أخرى؛ وصف كيسنجر اجتماعه المغلق مع السادات في مذكراته على النحو 
الآتي: «بعد الاجتماع المفتوح بين الوفدين» وقد استغرق دقائق؛ دعاني السادات وحدي إلى 


(110) المصبر تقس صن 147 


369 





5 في قصراا رة» كان يستخدمها كمكتب خاص له. وفور أن دخلنا وحدنا في الغرفة 
غليرنه بالتيغ ويشعله. اموجه حديثه إلي قادلاة كنت من زمن 





ا وضعت بعض الخرائط وقد رسم عليها خط فك الار اط 
كما يتصوره. وكان الخط يمتد في سيناء من العريش شمالاً إلى رأس محمد جنوبا. استغربت 
هذا الخط لآن الرئيس كان لابد أن يعرف أن انسحاب إسرائيل لهذا الخط مهمة مستحيلة. 

القد كان يعرف صعوبة أن نقنع إسرائيل بالتراجع بضعة كيلومترات إلى خطوط 22 تشرين 
الأول /أكتوبر على الضفة الغربية السويس. وإذا كان الأمر كذلك؛ فكيف يخطر بخياله 
إذن أن إسرائيل يمكن أن تتراجع في الشرق إلى هذا المدى البعيد» فرك قناة السويس» ومنطقة 
الممرات؛ ومعظم سيناء لتنسحب إلى قرب خط الحدود المصرية؟ وقد سألته: «وما الذي 
ستحصل عليه إسرائيل في مقابل هذا المخط؟». وكان رده عائماً. بما أقنعني أنه كان يختبر نياتي. 
وبعد سؤالي له راح يسحب أنفاساً متصلة من غليونه ثم سألني ما هو رأيي؟ ولم أكن أريد أن 
أبدأ معه برفض مقترحاته. حتى مع اعتقادي بأنها غير عملية. 

هكذا رأيت أن أغير الموضوع. وقلت له: «قبل أن نتحدث فيما هو أمامنا الآن» فإنني أريد أن 
تروي لي كيف استطعت تحقيق مفاجأة السادس من تشرين الأول/أكتوبر؟ وكان سؤالي هذا 
نقطة التحول في حديثنا. وقد ضاقت عيناه وهو يستعيد ذكرياته. وراح ينفث دخان غليونه: ثم 
ابتسم مدركاً أنني أقدم له إطراء يعطيه قيمته وينقل إليه الإحساس بأنه لا يتفاوض من موقع 
ضعفء إنما هو مفاوض كسب موقعه من مركز قوة وشرف واحترام للنفس». 

«كانت روايته في البداية بطيئة» ثم راحت التفاصيل تتسارع وتتدفق وهو يروي لي حكاية 
ا إنه توصل بعد قشل «مبادرة روجرز» إلى أنه لا يستطيع التفاوض مع 

إسرائيل بينما هي شاعرة بالتفوق العسكري. ثم أسهب في وصف خيبة أمله في الاتحاد 
0 ثم تطرق إلى ارتهان السوفيات للوفاق مع الولايات المتحدة. ثم روى لي كيف كان 
يريد أن يبدأ هجومه على إسرائيل في تشرين الثاني /نوفمبر 1972» لكن قادته العسكريين لم 
يكونوا على استعداد. واضطر أن يعزل وزير حربيته. ومضى في 
يكون قادراً على الهجوم إما في ربيع أو خريف 1973. ثم فاجأ العالم». 

ورحت لمدة نصف ساعة أحدثه في تصوراتي النظرية لحل المشكلة؛ وقد فهمني تماماً 
عندما قلت له إن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق بهزيمة حلفاء الولايات المتحدة 
وأصدقانهاء يقصد إسرائيل. بسلاح سوفياتي يقاتل به العرب. وفيما عدا ذلك فأنا لا أرى خلافاً 
بيننا. وحاولت أن ألح عليه بأن العقبات الحقيقية التي تحول دون السلام مع إسرائيل هي عقبات 
نفسية أكثر منها عقبات سياسية. وقلت له إنه إذا استطاعت مصر بنفوذها أن تفتح الطريق إلى 














الجاد مع سورية؛ حتى 





ليك 


تسوية على مراحلء فإن ذلك قد يقود إلى «شرق أوسط» مختلف. وكان السادات يسمعني 
باهتمام. وهو لا يزال ينفث دخان غليونه. وقاطعني بعد فترة قائلاً: «لكن ماذا عن جيشي 
الثالث؟ وماذا عن خط 22 تشرين الأول/أكتوبر؟» وقد رددت يحزم ائلاً له: «أمامك خياران: 

١‏ إما أن تعتمد على المساعدات. وعلى بيانات الأوروبيين. وتصر على العودة إلى خطوط 
2 تشرين الأول/أكتوبر. وتجرب ما يمكن لذلك أن يحققه. ومن وجهة نظري فإن ذلك سيكون 
رهاناً لا فرصة له. (وكانت المجموعة الأوروبية قد أصدرت بياناً يطالب إسرائيل بتنفيذ قرار 
مجلس الأمن رقم (242) عام 1967ء والانسحاب إلى خط 4 يونيو/حزيران عام 01967 

2 وإما أن تقبل مشروعنا لفك الاشتباك» وتنسحب إسرائيل بضعة كيلومترات غرب قناة 
السويسء ضمن اتفاق لفك الاشتباك. ثم يتكرر الانسحاب في مراحل متوالية» مع يناه إجراءات 
السلام» وضمانات الثقة إسرائيل». 

وراح كيسنجر يصف نيات السادات كما أعرب له عنهاء فقال: «إن الجيش الثالث هو لب 
المشكلة في واقع الأمرء فأنا أريد أن أفرغ من مشكلته لاتحول إلى مهام أكبر. فأنا مصمم على 
إنهاء ميراث جمال عبد الناصرء وأريد أن أعيد العلاقات مع الولايات المتحدة وبأسرع ما يكون. 
ذلك تكون حركتنا متجهة إلى بناء صداقة وثيقة بين البلدين على أساس جديد». 

ويضيف هيكل تكملة إضافية لرواية كيسنجرء حول اجتماعه مع السادات في حديث خاص 
له مع الصحافي الأمريكي الشهير جوزيف كرافتء قال فيه: ١إن‏ السادات أخبر كيستجر إنه 
وصل إلى آخر الشوط مع العرب ومع السوفيات» وإنه يريد أن يقوم بتغييرات أساسية في 
.توجهات السياسة المصرية. وبالتالي فقد عرض عليه الآني: 




















وعندما 








١‏ علاقة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة, تكفل تنسيقاً مصرياً أمريكياً كاملاً في 
المنطقة العربية» وفي أفريقيا. 


2- إنه خلال الحركة من أجل تنفيذ هذا الاتفاق الاستراتيجيء فإن السادات يريد من 
الولايات المتحدة تعهدات بحماية نظامه. وحماية شخصه. في فترة يتوقعها حافلة بالقلاقل 





والمشكلات. 
وكانت الملاحظة الأهم من ملاحظات نجرء طبقاً لرواية «جوزيف كرافت»: هي: «أن 


كيسنجر كان «محتار» ف في الأسباب التي كانت تدعو السادات إلى ذلك كله؛»! 

في ضوء ما تقدم أدرك كيسنجر أن السادات يمثل «مصلحة قومية أمريكية 
توفير الحماية له. فقرر أن حمايته الشخصية. منذ ذلك الحين فصاعداً. تعتبر مسؤولية أمريكية. 
وخخصص لها مبلغ 25 مليون دولار أمريكي سنوياً. وأصيحت كل تحركات السادات؛ وكل 
المقار التي ينزل بهاء داخل وخارج مصرء تحت الإشراف الأمريكي المباشر. فعندما عاد 








3 


كيسنجر إلى مصر مرة أخرىء والتقى السادات بأسوان» يوم 1974/1/12 كان جاهزاً بخطة أمن 

رلنا ضرورية للرجل المقبل على مخاطر تحول جذري في توجهات مصرء وللاسترا 
الجديدة التي تحمل مسؤولية سياساتهاء وعرض على السادات خطة أمن وتأمين» يجري تنفيذ 
على ثلاثة محاور""" 

«أولها ‏ الأمن الشخصي للرئيسء وهو يقتضي إعادة تنظيم حراسة وتأمين أماكن إقامته. في 
مكان. وفي أي وقت. 

ثانيها ‏ الأمن الإقليمي للدولة في حركتها على الخطوط الاستراتيجية الجديدة. وهي تشمل 
عنصرين: الأول أن تكون مصر تحت مظلة منظومة الدفاع الإقليمي. الذي تشرف عليه القيادة 
المركزية الأمريكية المكلفة بالدفاع عن الشرق الأوسط. والثاني ‏ أن تتواكب مع هذه المظلة 
العسكرية مظلة أمنية: هي شبكة الاستخبارات الكبرى في المنطقة ‏ لكي يكون الغطاء شاملاًه 
مدنياً وعسكريا. عابراً للحدود بين الدول. نافذاً إلى العمق داخحل هذه الدول ‏ التي تتلاقى في 
إطار جهود الوكالتين الرنيسيتين» وهما: 

١‏ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية» العاملة مع مجلس الأمن القومي في البيت 
الأبيض. 

2 وكالة الأمن الوطني العاملة في إطار وزارة الدفاع الامريكية. 

وثالئها ‏ الأمن الاجتماعي لنظام السادات. وكان هذا البند في خطة الأمن والتأمين اجتماعياً 
واقتصادياً. وأيضاً فكرياً وثقافاً. وهو يقتضي إعادة الهندسة الاجتماعية» وخلق طبقات جديدة: 
تسند التوجهات الجديدة بأسرع ما يمكن». 














اج عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المنحدة 

طوال الفترة من 1967 وحتى 1973 حاولت الولايات المتحدة العمل على عودة العلاقات 
الدبلوماسية المصرية ‏ الأمريكية دون جدوى لإصرار مصر على أن تلزم الولايات المتحدة 
إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية قبل تلك الخطوة. 

بيئما يقوم السادات» وبعد حرب ضارية اهتزت فيها ثقة إسرائيل بنفسهاء وتم كسر جيشها 
وتحطيم هيبته وأسطورته. بتقديم هذا العرض المجاني. بل ويقوم السادات بابلاغ كيستجر أنه 
قرر أن يرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين مصر والولايات المتحدة فوراً من قائم بالأعمال 
إلى سفيرء وكل ذلك بدون أي مقابل. اغتبط كيسنجر كثيراً لذلك» وفي ذهنه ما هو أبعد وأهمء 





)١‏ تنظر: طارق رضوان, عام الحم: السادات والناس: مصر عام (7 (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب 





372 


فعودة العلاقات الدبلوماسية المصرية ‏ الأمريكية تفتح الباب أمام عودة علاقات الولايات 
المتحدة بكل دول الوطن العربي. 

ولم يكتف السادات بذلك بل يبلغ كيسنجر أنه ليس خلفاً لسلفه جمال عبد الناصرء بل خلفاً 
لاجداده من الفراعنة الكبار ويبلغه أنه ينوي تصفية ميراث سياسات جمال عبد الناصرء 
وتوجهاته القومية العربية. وسيعمل على طرد الاتحاد السوفياتي من المنطقة العربية. ويصل 
السادات إلى حد ابلاغ كيسنجر بالآني: «لقد كانت حماقة وطيش من جمال عبد الناصر 
محاولانه الدائمة لابتزاز الولايات المتحدة» وتحقيق أهداف مصر من خلال محاربة السياسة 
الأمريكية في الوطن العربي. وعلى امتداد العالمء وإن مصر خاضت ما يكفيها من حروب 
وتتطلع إلى السلام؟! 

يسجل كيسنجر في مذكراته عن السادات: «إنه يمثل لي أفضل فرصة لكي نقلب المشاعر 
والاتجاهات العربية والمواقف العربية تج اه إسرائيل» وهي أفضل فرصة تناح لدولة إسرائيل منذ 
قيامهاء» ويضيف كيسنجر أنه هو الذي أوحى للرنيس السادات أن المشكلة بين مصر وإسرائيل 
ية. ننجت من عدم ثقة إسرائيل بتيّات مصرء وخوفها على أمنهاء وأنه يجب على 
ائيل الإحساس بالامان» وكالعادة يوافقه السادات» ويصارحه أن المشكلة 
الأساسية نجمت من رفض جمال عبد الناصر الاعتراف بالهزيمة عام 1967: وإصراره على الحل 
العسكري للصراعء ما كلف مصر الكثير. 

ويتفق الطرفان في نهاية الاجتماع على مشروع «النقاط الست». الذي يعترف كيسنجر في 
مذكراته بأنه من وضع رنيسة وزراء إسرائيل غولدا مانيرء بينما زعم السادات أنه من صنعه» كما 














وشيء لا يصدقء يفوق كل ما توقعته إسرانيل». بالطبع قالت ذلك أمام كيسنجرء وليس للعالم. 
بموافقة السادات على هذا الاتفاق يكون قد قدم تنازلات جوهرية غير مفهومة للجانب 
الإسرائيلي. 

القد اعترف رسمياً بحصار الجيش الثالث المصري. وهو أمر كانت ترؤجه إسرائيل في العالم 
كدليل على انتصارها في نهاية الحرب. 

وتنازل دون مبرر عن شرط عودة إسرائيل إلى خطوط 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973. رغم أن 


اقرارات مجلس الأمن. وضمانات القوتين العظمين. 

كما أنه وافق على إطلاق سراح الاسرى والجرحى الإسرائيليين» كان من ضمنهم 36 طياراً 
إسرائيلياًء أسقط الدفاع الجوي المصري طائراتهم خلال حربّي الاستنزاف» وحرب عام 1973 
وأخذوا أسرى أحياء. وبهذا خسر ورقة تفاوضية مهمة للضغط على الإسرائيليين. 


تضمن له ذلك. 





ليك 


الأغرب من ذلك أن السادات وافق على طلب كيستجر أن تخفف مصر الحصار البحري 
عن اب المندب؛ لكنه طلب من كيسنجر إبقاء الأمر سراً. حتى لا يضر بموقفه أمام 
العرب. 





د رسالة سرية من السادات إلى غولدا ماثير 

في الطريق إلى القاهرة للقاء السادات. للمرة الثانية» في 13 كانون الأول/ديسمبر 1973 
شعر كيسنجر ببعض القلق. وهو في الطائرة» مرد ذلك أن خطواته كلها كانت تمضي على طريق 
«السلام» بين مصر وإسرائيل وفتح الطريق أمام السادات لتحقيق هذا الهدف. 

وطبقاً لما ورد في الجزء الثاني من مذكراته بعنوان: سنوات القلق» عقد كيسنجر مؤتمراً 
لمجموعة من الصحافيين المرافقين له أثناء الرحلة؛ أشار فيه إلى إنه تلقى نص مقال نشرته 
صحيفة الأهرام حوى تحذيراً من رفع حظر النفط العربي قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي 
العربية» وأقلقه في هذا المقال عبار إن حل أزمة الشرق الأوسط لا يكمن في العثور 
على صياغات لدبلوماسية مغلقة» بمعانٍ مزدوجة» تتيح لكل طرف أن يفسرها على النحو الذي 
يخدم أهدافه»» وكان تساؤل كيسنجر هو ما إذا كان هذا الرأي يعبر عن نفاد صبر في القاهرة 
سيجده في انتظاره» وقد راح في مؤتمره الصحافي في الطائرة يدافع عن نفه قائلاً: «إنني 
لا أنبع سياسة مكيايللية». 

وني اللقاء الذي تم بينهما يحصل كيسنجر على موافقة السادات على انعقاد مؤتمر 
جنيف الدولي. كان غرض كيسنجر من المؤتمر أن يكون مظلة للقاء سياسي مباشر بين مصر 
وإسرائيل» وأن يدعى للمؤتمر كل الدول العربية المحيطة بإسرائيل» لكن مع تعهد مصر 
بحضور المؤتمرء حتى إذا رفضت الدول العربية الحضور وأن يتفاوض العرب مع إسرائيل 
منفردينء مصر وإسرائيل» سورية وإسرائيل: الاردن وإسرائيل وليسوا مجتمعين في وفد 
موحدء أما الم إن فلن يُدعوا لحضور هذا المؤتمرء وسوف يتم بحث حضورهم في 
الاحقة! انتهى الاجتماع بموافقة السادات على خطة كيسنجرء ذلك أنه استطاع إقناعه 
بأن مائير لا تزال مهزوزة الأعصاب. لا تصدق أن «السلام» يطرق أبواب إسرائيل؛ وأن خير ما 
يفعله الآن هو أن تطمئن عليهم طول الوقتء وقد أفزعها ما لاقوه في الحرب» وهي في حاجة 
إلى أن تستعيد ثقتها بالناسء ولا بد لها من وقت لتسى ليالي الفزع التي عاشتها في بدايات 
الحرب. 

تحمّس السادات ومضى إلى أكثر مما طلب إليه كيسنجر. وقرر أن يبعث برسالة مكتوبة 
بخط يده إلى مائيرء وقد كتبها أمام كيسنجرء وسلمها له ليقوم بتوصيلها؟ وفي يوم 16 ديسمبر/ 
كانون الأول 1973 حمل كيسنجر من السادات رسالة إلى غولدا مائير» وجاء في الرسالة بالنص: 

















374 


«عندما أتكلم عن السلام الآن فأنا أعني ما أقول» إننا لم نتقابل من قبل» لكن لدينا الآن جهود 
الدكتور كيسنجر فدعينا في هذه الأوقات نستخدم هذه الجهود ونتحدث إلى بعضنا من 
غلاله». 

ويذكر كيسنجر في مذكراته أن السادات قال له إنه يوجه هذه الرسالة إلى ماثير لأنه» خلال 
الاين الأربعة الأخيرة. أصبح مقتنعاً بالرأي الذي سمعه منه. وهو أن مشكلة «السلام» مع 

إسرائيل هي بالدرجة الأولى عقدة نفسية؛ لكن العقدة ليست مقصورة على الطرف الإسرائيلي 
وحده؛ إنما الأطراف العربية هي الأخرى مصابة بهاء ثم أضاف السادات: وفق رواية كيستجره 
أنه سيمضي في الطريق وحده إذا اقتضى الأمرء وفهم كيسنجر معنى الإشارة؛ وترجمها على 
الفور بأن السادات عقد عزمه على صلح منفرد مع إسرائيل؛ إذا لم يكن هناك سبيل آخرء ثم 
روى كيسنجر أن السادات سأله بعد ذلك اعما إذا كان يعتقد أن غولدا مائير قوية إلى 
درجة كافية لعقد اتفاقية سلام معه؟». ورد كيسنجر عليه بقوله: *إنه إذا كان يبحث عن القوة فإن 
مائير هي «رجله؛ في إسرائيل»18, 

أبلغت غولدا مائير كيسنجر, تعليقاً على ذلك وعلى موافقة السادات على نقاطها الست: 
«هذا شيء طيبء لكن ما أستغربه هو لماذا يفعل ذلك؟!». 

كان تحليل كيسنجر: «إنني لا أستطيع أن أفهم حتى الآن لماذا لا يستخدم السادات كل 
عناصر القوة في موقفه لكي يرغمكم على الانسحاب حتى خطوط 4 حزيران/يوز 
وحتى إذا قرر استنناف القتال» فالموقف الدولي كله معه. وسيلقي باللوم على !. 























ويسرعة سائراً في موكب نصرء في سيارة مكشوفة عبر مدينة السويسء وآلاف الناس على 
اجات رن له كمنتصر»ه! 

مية حظر النفط العربي ضد الولايات المتحدة والدول الأوروبية المساندة لإسرائيل 
أثناء حرب 1973 واحدة من أهم القضايا التي تباحث في شأنها كيسنجر في زيارته الأولى إلى 
مصر يوم 7 تشرين الثاني /نوفمبر 1973 وحصل على وعد من السادات بتدخله لدى الدول 
العربية لرفعه. ولهذ! فإن القلق ساوره حول ما إذا كان السادات يسحب وعوده في هذا المجال.. 
غير أن أعصابه هدات عندما قابل السادات معائقاً ومقبّلاً. وقائلاً له أمام الجميع بمن فيهم 
الصحافيون إنه «يعتبره أكثر من صديق؛ يعتبره أخأ». وفي الاجتماع طلب كيسنجر من السادات 
العمل على إنهاء الحظر النفطي الذي فرض على الولايات المتحدة» وعدد من الدول الأو, ريق 
في ضوء المقال الذي نشرته صحيفة الأهرام» قبل وصوله» حوى تحذيراً من رفع حظر النفط 











129 سيد 





ات بوم.. كبسنجر بحسل رسالة سربة من السادات إلى جرلدا ماتير.» الشروق. 2016/12/13 


375 


العر, قبل انسحاب إسرائيل من كل الاراضي العربية» وكالعادة وافق السادات على كل طلبات 
كيستجر. 


3- قرار فك الاشتباك على الجبهة المصرية 

القد سبقت الإشارة إلى أن السادات قد اتخذ تسعة قرارات قاتلة» في إدارة العمليات 
العسكرية. ويمكن القول إن قرار فك الاشتباك على الجبهة المصرية هو «القرار العاشر» الذي 
جسّد الكارثة الكبرى التي أبكت الجمسيء لما تمخض عنه من آثار بعيدة المدى, لا تزال تفعل 
فعلها حالياً ومستقبلاً. لم يكن هذا القرار الأخير الذي اتخذه السادات عسكرياً محضاًء لكنه 
كان سياسياًء لكن له تأثير عسكري مباشر وجسيم. فعند زيارة كيسنجر لأسوان» أثناء مباحئات 
الكيلو (101)» كانت هناك مشكلات تلوح في الأفق بين الجانبين» لإصرار الجانب المصري 
على الانسحاب إلى خط 22 تشرين الأول /أكتوبر» طبقاً لقرار مجلس الأمنء ورفض إسرائيل 
ذلك. مستغلة الوقت في محاصرة السويس والجيش الثالث كورقة ضغط. حصل كيسنجر من 
السادات على موافقته بيقاء 30 دبابة مصرية فقط شرق القناة» مع سحب باقي الدبابات لغرب 
القناة. كبادرة حسن نية مصرية مع بدء انسحاب القوات الإسرائيلية من غرب القناة» في إطار 
اتفاق فك الاشتباك الأول. وهي الواقعة التي أبكت الجمسي؟ عندما علم بتنازل السادات عن 
من القوات المصرية شرق القناة» في وقت كانت مصر طرفاً منتصراً في الحرب» 
ب أن تتنازل عن أي شيء. 

فقي كانون الثاني اناير 1974 كان الموقف العسكري المصري. طبقاً لما سجله المؤرخ 
البريطاني إدغار أوبلانس. في كتابه بعنوان: حرب أكتوير: العبور والثغرة. جيد جداً؛ فقد كانت 
القوات المسلحة المصرية تحاصر القوات الإسرائيلية» التي تحاصر السويس والجيش الثالثش 
وكانت مقولة دايان: أن المصريين أنموا إنشاء الجيش الرابع الميداني» دليل على تعاظم قدرات 
القوات المسلحة غرب القناة مرة أخرى. بعد أن ترك السادات القيادة العسكرية للعسكريين» فقد 
جرت إعادة تسليح الفرقة (21) والفرقه (3) و(20) والسادسة ميكانيكي» مع وجود الفرقه الرابعة 
المدرعة. ووجود فرقه مشا (تونسية - جزائرية - 
القوات المصرية غرب الفناة تتفوق بنسية (8) إلى )١(‏ في الدبابات» والصواريخ المضادة 

















سودانية)؛ أصبحت 













للدبابات. وتحت مظلة الدفاع الجوي. وفي وجود قوات جو الذلك هرع كيسنجر إلى 
السادات مهدداً: «في حال قيام مصر ببدء عملية تصفية الثغرة فإن الولايات المتحده ستتدخل 





عسكرياً ضد مصر؟؛ وهو تهديد . 
تنفيذ «الخطة شامل» لتصفية 


السادات إعلامياً جيداً في هذا الوقت؛ لعدم إعطاء أوامر 





376 


هكذا وجد الجمسي نفسه في موقف لا يحسد عليه حيث 30 دبابة فقط على مواجهة 175 
كم أمر يدعو للسخرية» لآن قوات المشاة شرق القناة ستكون معرضة للتدمير» في حال أي 
هجوم إسرائيلي مدرعء فقامت رناسه الأركان المصرية بوضع خطة نفذتها بهدوء؛ تهدف إلى 
مضاعفة جماعات قنص الدبابات والمقذوفات المضاده للدبابات شرق القناة» وفطن 
الإسراتيليون إلى ذلك. لكن بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك فعلاً وعلم الإسرائيليون أن 
الجمسي قد خدع الإسرائيلين» وتفادى خطأ السادات الأخير في الحرب. 

جرى إبرام اتفاقية فك الاشتباك الأول على الجبهة المصرية؛ عندما التقى كيسنجر والسادات 
باستراحته بأسوان. في 18 كانون الثاني/يناير 1974ء التي تتضمن البنود الآنية: 

١‏ سحب كل القوات والاسلحة المصرية التي عبرت إلى سيناء ما عدا 30 دبابة. 

2- سحب كل قطع المدفعية والصواريخ؛ باستثناء المداقع المضادة للدبابات ومداقع 
المورتارء وما لا يزيد على 6 بطاريات من مدافع هاوتزر طراز 122 ملم وبحيث لا يزيد مداها 
على 12 كم. 

3 - في ما يتعلق بالطيران؟ تم الاتفاق على ألا تكون لدى أي طرف أسلحة قادرة على إعاقة 
قيام كل طرف بالطيران فوق مواقع قواته» وألا تقام مواقع صواريخ ثابتة في كل مكان. 

كان هذا الاتفاق هو السبب الذي دعا الجمسي للبكاء على رؤوس الأشهاد. من إسرائيليين 
ومصريين وأمريكيين» في اجتماع الوفود في فندق كتراكت القديم في أسوان؛ وكان 
يعقل. يمكن أن تنسحب كل الدبابات من الشرقء ولا يبقى هناك غير ثلاثين». ورد عليه 
كيسنجر: «إن الرئيس السادات كان مستعداً حتى لحب هذه الثلاث دبابة» لأننا بصدد صنع 
سلام». فرد الجمسي: «لو يعلم الناس مقدار الجهد والعناء والعذاب الذي اقتضاه عبور هذه 
الدبابات إلى الشرق لأدركوا ما أحس به. لقد عبرنا إلى هناك بقوة جيشين. يضمان 150 ألف 
رجل و1200 دبابة و2000 قطعة مدفعية, والآن هل يعقل ألا أستبقي من كل هذه القوات إلا هذا 























القدر الضئيل». يعرض الجمسي في مذكراته تطور الأمر على النحو الآني: «عندما دُعيتٌ 
الحضور المفاوضات بين الوفدين المصري والأمريكي بأسوان... لم يخطرني الرنيس السادات 
بأي انفاق جرى بينه وبين كيسنجرء في المباحثات التي جرت بينهماء عن أي موضوعات 





عسكرية سيجري بحثها خلال المفاوضات بين الوفدين». لكن كيسنجر أبلغ الحاضرين ينود 
الاتفاق الذي توصل إليه مع الرئيس السادات حول الموضوعات العسكرية» ٠حيث‏ وافق على 
خفض حجم القوات على الضفة الشرقية للقناة. لتصبح 7000 رجلء و30 دبابة» وعدداً محدوداً 


من قطع المدذ 
(113) الجمسي. حرب أكنوير: مذكرات الجمسي. ص 536 537. 





37 


ويضيف: «أنذكر أنني أبديت رفضي لتخفيض حجم القوات كما هو مقترح» وقلت للدكتور 
ن لزاتهاء وتمعربا من جل ما يمن 
إني لا أوافق على ذلك. ولا يمكدني ‏ كرئيس أركان حرب القوات المسلحة - 
إيجاد المبرر له أمام القوات المسلحة». لكن الرئيس السادات أبلغني «أن حجم القوات في 
شرق القناة لا يجب أن يكون عائقاً أمام الاستراتيجية السياسية؛ التي يضعها مع كيسنجر لتحقيق 
السلام في المنطقة على المدى البعيد... وأن الاتفاق الذي تم مع كيسنجر يجب الالتزام به 
لمصلحة الاستراتيجية السياسية الجاري وضعها مع الولايات المتحدة»»*""! 














وبعد سحب الدبابات وسحب المدافع بدأ سيل التنازلات السرية» التي صاحبت إتمام فنك 
الاشتباك الأول: الاستجابة لمطلب مانير إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين (أكثر من 200 أسيرء 
بينهم حوالى (30 طياراً)؛ رفع الحصار عن باب المندب. والتعهد القاطع بعدم تكرار ذلك مرة. 
أخرى مهما كانت الظروف؛ التعهد بعدم السماح بأية أعمال معادية لإسرائيل بواسطة الفلسطينيين 
من الأراضي المصرية؛ التعهد بعدم الدخول في نشاط إعلامي ضد إسرائيل؛ وكان الأخطر من 
ذلك كله هو تعهد مصر بالبدء فوراً في إعادة تعمير مدن القناة. وإعادة سكانها المهجرين إليها. 
كدليل على حسن النيات تجاه إسرائيل» وعدم استعداد مصر لاستنناف القتال مرة أخرى ضد 
إسرائيل. وليؤكد للإسرائيلين أجواء السلام. وكان قصد إسرائيل أن تعود مدن (١‏ 
بمن فيها من السكان العائدين» وبما ينفق عليها من اعتمادات إعادة التعمير ‏ رهائن في مدى 
المدفعية الإسرائيلية. إذا حدث وأخل السادات بتعهده السري الأكبرء الذي قدمه إلى كيسنجرء 
وهو أن حرب تشرين الأول/أكتوير سوف تكون آخر الحروب! 

في نفس الوقت وقبل أن يسافر كيسنجر طلب من السادات» مرة أخرىء أن يذل مساعيه 
لرفع الحظر النفطي العربي عن الولايات المتحدة. وهكذا ففي 17 آذار/سارس 1974 وإثر 
ضغوط السادات على الدول العربية ويخاصة السعودية تم رفع الحظر النفطي العربي على 
الولايات المتحدة. وقد وافق الأسد على القرارء مقابل أن يتم فك الاشتباك على الجبهة السورية» 
وهو ما تحقق فعلاً في 31 أيار/مايو 1974. 

وكأن كل ما حصل عليه كيسنجر. وما حصلت عليه إسرانيل من تنازلات؛ لم يكن كافياً 
للطمأنينة حتى بعد تبديد جهود الأمة العربية. والشعب المصري الذي حقق معجزة العيور. 
لينتهي الأمر بموافقة السادات على استبقاء فقط 30 دبابة و6 بطاريات مدفعية و7000 جندي» 
الحماية النصر العظيم! 











(114) المصدر 





.529 ص‎ ٠ 


378 


في 3 حزيران/يونيو 1974 استقالت مائير من رئاسة الوزراء» وخلفها رايين» وقي أول زيارة له 
إلى واشنطنء طلب أن يتم فصل عملية التسوية على الجبهتين المصرية والسورية عن بعضهماء 
فإسرائيل تسعى للاستفادة من مرونة السادات. والوصول معه لمعاهدة سلام منفردة» وقد أصب 
الطريق أمامه ممهداً نذلك» لأن رهان السادات على الحل السلميء وعلى أن 99 بالمئة من 
أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة لن يترك أمامه بديلاً أخر. 

يستأنف كيسنجر رحلاته المكوكية إلى المنطقة. ويواصل الحصول على تنازلات لمصلحة 
إسرائيل على حساب الحقوق العربية. وفي ١‏ أيلول/سبتمبر 1975 يتم التوقيع على اتفاق فنك 
الاشتباك الثاني على الجبهة المصرية» الذي جاء أشد وطأة من الاتفاق الأول لفك الاشتباك» 
حيث تعهد فيه السادات بالكني19: 

-١‏ قبول صلح منفرد بين مصر وإسرائيل. 

2 التعاون مع الولايات المتحدة لإخخراج الاتحاد السوفياني من أفريقيا لا من الوطن العربي 
وحده. 

3- قبول عدم اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينة والاتصال بهاء إلا إذا قامت 
المنظمة بالاعتراف مسيقاً بقراري مجلس الأمن الرقمين (242) عام 1967 و(383) عام 1973 
وهو ما يعني أن الفلسطينيين سيتخلون لا فقط عن مطالبهم التاريخية في كامل أرض فلسطين» 
ويتفاوضون على حدود 1967. إنما سيدور التفاوض على «حل مشكلة اللاجئين»» حسب نص 
القرار (242)! 

4- أن تمتنع مصر عن أي أعمال عسكرية أو شبه عسكرية في تعاملاتها مع إسرائيل. 

5 أن يبدأ تقليص المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل تدرجاًء بوصول القوات الإسرائيلية إلى 
المرتفعات الشرقية لمضايق سيناء. 

من المؤسف أن رهانات السادات قد تركت تأثيراتها الجسيمة لا فقط على مصرء بل أضاعت 
فرص الوصول إلى تسوية شاملة ونهائية للصراع العربي ‏ الإسرائيلي على كل الجبهات. 









(115) انظر في تفصيل ذلك: الهبنم الأبوبي. انفاق فصل القواث الثاني في سيناء (يروت: المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر. 01975 


379 


القسم الثالث 


مبادرة القرن 





مستعد أن أسافر إلى آخر هذا العالم؛ إذا كان هذا ما يحمي؛ مش أن يقتل. أن يجرح 
جندي أو ضابط من أولاديء أنا أقول فعلاً إنني مستعد أن أذهب إلى آخر هذا العالم» وسوف 
جح اشن نعي لال ابنج اي لصوا الي لماي 00 





بهذه الكلمات التي قالها السادات» في خطابه أمام مجلس الشعب» في 9 تشرين الثاني/ 
نوفمبر 01977 تغيرت الأوضاع جذرياً في المنطقة العربية؛ بحيث إن ما جاء بعدها كان مختلقاً 
كلياً عما كان قبلها. 


بيشير إسماعيل فهمي. في مذكراته بعنوان: التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. 











إلى «أن قليل جداً من الأفراد شك في أن بيان السادات لم يكن إلا نوعاً من البلاغة؛ وكان ياسر 
عرفات الذي استدعاه السادات من ليبيا بطائرة خاصة ليحضر الاجتماع» واحداً منهم. وكان 








الآخر الفريق الجمسي وزير الدفاع» الذي همس في أذني قائلاً: القد أعادها مرة ثانية»». ويقسر 
فهمي ملاحظة الجمسي بقوله: إن السادات دعا مجلس الأمن القومي في 5 تشرين الثاني/ 
نوفمبرء ليعطيهم فكرة عن رحلته إلى رومانيا وإيران والسعودية. وخص بالتفصيل محادثاته مع 
تشاوشيسكو؛ شارحاً عرض وجهة نظر بيغين؛ وفي النهاية» وبطريقة عرضية كأنه يشير إلى 
ممثلي الشعب المصري. قال: «إني مستعد للذهاب إلى القدس. وإلقاء خطاب في الكنيست 
لو كان في هذا إنقاذ لدم أبنائي». ويتابع نهمي: البيان سكوت تام والظاهر أن أحداً لم 
يأخذ كلامه على محمل الجد. ولم يسترسل السادات في فكرته الذهاب إلى القدسء ولعل هذا 
يعود إلى عدم اتخاذه القرار النهاني. أو لأنه كالعادة لا يريد منحنا فرصة للتعليق أو المناقشة لما 
يقول. وتبدد هذا السكون بالفريق الجمسي؛ الذي رقع يديه فجأة وصرح «الكنيست كلا.. 
الكنيست كلا.. هذا غير ضروري». والجمسي عادة رجل نظام؛ فهو لا يتدخل في الحديث دون 






















3 


استنذان السادات» لكنه هذه المرة كان مضطرباً خوفاً من أن يعني السادات ما يقول. ومرة أخرى 
عاد السكون شديداً م في الاجتماع» ولم ينطق أحد بكلمة؛ واستمر السادات يناقش مسائل أخرى. 
كأنه لم يسمع الجمسي على الإطلاق»"". 

إن كتاب فهمي يتناول فترة حرجة وحاسمة من تاريخ مصرء عندما عمد السادات إلى نقل 
مصرء في طفرة مفاجئة» من الصداقة مع الاتحاد السوفياتي إلى التحالف مع الولايات المتحدق. 
ومن اقتصاد التخطيط المركزي إلى سياسة الانفتاح». ومن العداء السافر لدولة إسرائيل إلى 
الهبوط في مطار «اللد؟ بتل أبيب. في بداية السبعينيات قاد فهمي الدبلوماسية المصرية في هذا 
الطريق الجديدء حتى اصطدم بعقبة لم يكن يتوقعهاء وهي قرار السادات المفاجئ بالذهاب إلى 
إسرائيل عام 01977 فقدم استقالته. 

القد طرح فهمي في مقدمة كتابه مجموعة مهمة من الأسئلة في ما يتصل بهذه الزيا 
توصل السادات إلى زيارة القدس؟ وكيف تم الاحتفاظ بهذا سراً بصورة كاملة؟ وكيف تأتى أن 
الرئيس المصري لم ير أنه من الملزم أن يستشير حكومته؛ في شأن خطوة كبيرة كهذه التي لم 
يسبق لها مثيل؟ فهل كان متأكداً من الرفض الإجماعي من حكومته» ومن مؤسسات اليلد؟ 
ولماذا اختار السادات آلا يستشير أي شخص في مصر عدا وزير تخارجيته. إسماعيل فهمي ذاتهث 
حسيما اعترف السادات نفسه بذلك؟ وما هي الأسباب التي وراء قرار السادات بأن يخفي تماماً 
عن صديقه كارتر أمر الاتصالات التي تمت في الرباط (بين حسن التهامي وموشيه دايان) في 
77 ثم بعد ذلك في ما يتعلق بقرار السادات النهائي بزيارة إسرائيل» حيث يبدو 
أ وبصفة أكيدة. إذ نجد أنه ينما كان السادات بالفعل أن 99.9 بالمئة من 
أوراق الحل يقع في أيدي الولايات المتحدة وحدها؛ فإنه قرر أن يخفي مثل هذه المبادرة المهمة 
عن كارتر. فهل كان التزام السادات بالصمت حيال هذا جزءاً من اقتناعه الشخصيء أم كان فقط 
خضوعاً أو استجابة لرغية إسرائيل؟26, 











وأضاف فهمي أن دافعه لإصدار هذا الكتاب يرد إلى تعدد وتضارب ما صدر في شأنهاء. 








واضحة. زعم كل شخصر أن روايته هي القصة | 
إلا أن من الثابت أن الاختلاف الجذري في ما كتب أو قيل حتى الآن يوصلنا إلى حقيقة 
واحدة وهي: أنه لا يمكن ‏ ومن دون أدنى شك أن يكون أي منها هو القصة الأصلية الحقيقية. 








(1) إسماعيل فهمي. النفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. ط 2 (الفاهرة: دار الشروق, 2008). ص 317 318. 
(2) انظر: محمد سعد العرضي. حسن التهامي يفتح ملفاته من احتلال فلسطين إلى كامب دابفيد: عيد الناصر.. 
الساداث وسكين المشابرات الأمبركية (القاهرة: دار دبران: 01998 


34 


ويضيف: «وبغض النظر عن كل ما نشر أو قالته مصادر مختلفة» فإن الحقيقة أن الممثلين 
الرئيسيين في هذا السيناريو الضخم هما السادات وبيغ 









الأخرى قدَّم السادات تفسيرات عديدة 
إسرائيل؟ ويكمن تفسير هذه المتناقضات 
في شخصية السادات نفسهاء وفي تعقيد الأحداث والظروف التي واجهها في مصر والوطن 
العربي». 

ومن ثم يخلص فهمي إلى القول: «وفي النهاية لا يمكن أن يحكي القصة سوى هؤلاء الذين 
عرقوا جيداً الأحداث التي دارت حول الز: مين. وعلى هذا الاساس أعتقد أن روايتي لها أهمية 
خاصة. حيث أنها تكشف لأول مرة السادات بخصوص هذه الرحلة إلى القدس. هذا 
التفكير الذي كشف عنه السادات في سلسلة من الاجتماعات بينه وبيني». 











385 


الفصل الخامس 
الطريق إلى إسرائيل 


من المهم الإشارة. في مجال تقييم «مبادرة السادات»: إلى النظرة المستقيلية» المبنية 
على التبية البياكرة في الشبابل بع إمتراجل: والتى خلس ليها إستاعيل لوي ودقفت 
إلى الاستقالة احتجاجاً على اعتزام السادات زيارة إسرائيل. يقول فهمي. في مذكراته: إن 
«السلام المصري ‏ الإسرانيلي لا يقدم الأساس المتين للام عادل ودائم بل على النقيض 
من ذلك فقد ولد سلاماً هشاء ولا بد أن نجرى عليه تعديلات مهمة. وأفضل دليل على 
ذلك هو سلوك إسرائيل؛ والقرارات المهمة التي اتخذها بعد أن وقّعت حكومته 
كامب دايفيد. ولا بد أن يكون قد وضح الآن بجلاء أن إسرائيل ‏ بعد أن ونّعت 
معاهدة السلام مع مصر ‏ مصرة أكثر من أي وقت آخر على أن تكون القدسء والضفة 
الغربية» وغزة. ومرتفعات الجولان. وجنوب لبنان. أراضي إسرائيلية؛ إما بقوة القانون؛ وإما 
بحكم الأمر الواقع؛ ولا محال من وقوع هذا الأمرء ما لم توضع إسرائيل عند حدها. ومن 
الواضح أن إسرائيل خططت للاستفادة من السلام المزعوم بينها وبين مصرء وقررت الانتفاع 
من الوضع الجديد باتباعها سياسة توسعية... فقد حدث بعد إعلان هذا السلام ‏ وليس 
قبله ‏ أن أعلن الكنيست أن القدس هي العاصمة الأبدية غير المقسّمة لإسرائيل. كذلك 
كان أيضاً بعد توقيع المعاهدة أن أعلنت إسرائيل ضم مرتفعات الجولان. وصوّت الكيست 
الدعم ب بأن المستعمرات اليهودية في الضفة ١‏ وغزة لن تتزعزع. كذلك 
تطالب إسرائيل الآن بجنوب لبنان» وكل مجاله الجوي. مدّعية أن كليهما حيوي لأمنها! 
وتحت شعار أمنها لا تحترم إسرائيل حدود أية دولة عربية؛ ويشهد على ذلك الغارة 
الإسرائيلية على المفاعل الذري العراقي. الذي دمرته في تموز/يوليو في منتصف عام 
951». ويضيف فهمي: «وعلى طريق ما يدعى بشمّاعة السلام ؛ تبحث إسرائيل عن وضع 
تسيطر فيه على الشرق الأوسط بوضع شبيه بأوضاع القوى المستعمرة. التي كانت تستند 
























3 


فقط على التفوق العسكري. هذا التفوق العسكري وحده هو الذي يسمح لإسرائيل بتنفي 
أفعالها العدوانية باسم الأمن»"". 

يؤكد ما تقدم أن من المفارقات الصارخة أن مبعث «قضية السلام» بين العرب وإسرائيل لم 
يكن تغييراً في مواقفها يجعلها «أكثر قبولاًء من الجانب العربي» بل على العكس من ذلك» لم 
يحدث أن تمادت إسرائيل في تطلعاتها التوسعية» وفي ممارساتها العدوانية والعنصرية؛ التي 
كرست عولمة العدوان, والتي تمثل قمة استراتيجية الغطرسة» كما فعلت منذ إبرام «معاهدة 
السلام» مع مصر في نهاية السبعينيات حتى الآن. ومن نماذج ذلك: 

١‏ - ضرب المفاعل النووي ‏ راقي (1981)؛ اجتياح لبنان (1982)؟ ضرب مقارٌ منظمة 
في تونس (1983)! القمع المتوحش للانتفاضة الفلسطينية الاولى في أواخر 
الشمانينيات؛ والثانية عام 2000 فصاعداً؛ الغارة على السودان عام 2009, على ما قيل إنه قافلة 
تنقل أسلحة في طريقها إلى غزة؛ ضرب ما زعمت إسرائيل أنه مفاعل نووي سوري عام 2007 
وقد اعترفت بذلك عام 2018. 

2 جرائم الحرب وجرائم الإبادة ضد الإنسانية: حرب لبان الثانية (2006)؛ حروب غزة 
 2008(‏ 2009)» (2012). (2014). 

3 عمليات الاغتيال: غان كنفاني ورفاقه. والعالم باسل الكبيسي في السبعينيات؟ 
أبو جهاد وأبو إياد (كلاهما جرى اغتياله في تونس)» والمهندس يحيى عياش في الثمانينيا 
والتسعينيات؛ خالد مشعل (في الأردن)؛ فتحي الشقاقي؛ حسن المدهون؛ الشيخ أحمد 50 
الرنتيسي؛ ياسر عرفات؛ محمود المبحوح (في دبي) عام 2010؛ عدد من علماء الذرّة المصريين 
الذير انضموا إلى البرنامج النووي العراقيء وعلى رأسهم يحيى المشد مدير المشروع العرائر ب 
الذي اغتيل في باريس» وصولاً إلى المهندس محمد الزواري عام 2016 (في تونس)» ثم العالم 
فادي البطش عام 2018 (في كوالالمبور)» وانتهاءً بالعالم السوري عزيز إسبرء مسؤول برنامج 
إنتاج صواريخ دقيقة الترجيه عام 2018. 

هذا عدا عن حالات عربدة سرية واستخباراتية» ريما لا تحصىء استباحت فيها إسرائيل 
سيادة معظم الدول العربية بما في ذلك مصر نفسهاء عبر شبكات التجسس والتدخل الوقح في 
الشؤون الداخلية. 

ريما لم يعرف تاريخ العلاقات الدولية حالاً تتطوي على مفارقة صارخة, من ناحية إدراك 
الخطرء مثل حال إسرائيل؛ فبينما تتمتع بدرجة عالية من الأمن» تستند إلى احتكار السلا 
النووي. وأحدث الأسلحة وأكثرها تعقيداً وتطوراً في ترسانة السلاح الغر, » فضلاً عن تأريد 














(1) إسماعيل فهسي. النفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط؛ ط 2 (الفاهرة: دار الشروق. 2008): صن 366 367. 


ذلك 


وتدعيم غير محدودين لسياساتها وتوجهاتها على المستوى الدولي» وبينما يُعتبر «وجود» الدولة 
في حد ذاته مصدراً لخطر داهم للدول العربية فإن إسرائيل تصر باستمرار على أنها هي التي 
تعيش في خطر دائم يهدد وجودها من أساسه. وكانت تلك عجيبة العجائب: 
نووية» مدجّجة بأحدث الاسلحة المتقدمة, كما ونوعاًء ضماناً لأمنها من دول غير ن 





إن المفارقات الصارخة في تاريخ العلاقات الدولية في ما يتصل بحال إسرائيل» لم تتوقف 
عند هذا الحد؛ بحيث كانت تصرء لا فقط على أن تأتي رتيبات الأمنية قبل الانسحاب من 
الأراضي العربية المحتلة, إنما أيضاً على انطلاق «عملية تطبيع العلاقات» في جميع المجالات». 











بينما تلك الأراض تحت يدها. هكذا تسلُّم أول سفير إسرائيلي مهمات منصيه في مصر 
بتاريخ 1981/1/1 بينما ثلثا سيناء لا يزالان تحت الاحتلال» بحيث تم الانسحاب النهائي في 
5, بحسب نص «المعاهدة المصرية ‏ الإسرائ جميع حالات الصراعات 





الدولية المسلّحة كاذ تتضمن مبدأ تطبيع العلاقات في صلب معاهدات السلام. على أن يأتي 
اء كل مظاهر الصراع المسلح؛ وكل ما ترتب عليه أو اقتضاه من 
إجراءات. ومن المفهوم أن هذه الحالات كانت تشهد: اقتصاد حرب» وإعلام حرب» وسياسة 
خارجية مرتبطة بالحرب» فضلاً عن الحرب ذاتها كعمل عسكري شامل. لكن ذلك كله كانت 
تجري إزالته بعد أن تسكت المدافع؛ وتعود العلاقات الدولية بين الأطراف التي شاركت في 
الحرب إلى حالتها الطبيعية؛ وهذا هو المعنى المستقر في تاريخ العلاقات الدولية لمفهوم 
«التطبيع». ولننظر إلى حال الدول التي اشتبكت في الحرب العالمية الثانية. مثل فرنا وألمانيا 
على سبيل المثال» وحالها بعد انتهاء العمليات العسكرية. أما في حال إسرائيل؛ فإن المفارقات 
والغرائب تتوالى وتتراكم: فبداية» لم تكن هناك في أي وقت حال طبيعية بين إسرائيل وأية دولة 
عربية كي تكون العودة إليها مفهومة من ناحية أولى؛ كما أن إسرائيل تصر على أن تنطلق عملية 
التطبيع قبل إتمام الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة من ناحية ثانية؛ ثم إن هذه «العلاقات 
الطبيعية» المزعومة هي «علاقات غير طبيعية» إلى حد بعيد. وتخالف كل ما هو «طبيعي» في 
العلاقات بين الدول؛ وبخاصة أنها علاقات اختيارية» وتخضع بالكامل لمبدأ سيادة الدولة 
وإرادتها واختياراتهاء من ناحية ثالثة. وعلى سبيل التحديد. فإن العلاقات بين مصر وإسرائيل 
بموجب نصوص المعاهدة تتجاوز بكثير العلاقات بين مصر وأية دولة في العالم؛ بما في ذلك 
الولابات المتحدة. إن مصر يمكنها ‏ مشلاً ‏ أن تطرد السفير الأمريكي. أو تقطع العلاقات 
بالولايات المتحدة؛ أو تسحب سفيرها منهاء في أي لحظة. حتى من دون تقديم أسباب. لكنها 
لاتستطيع أن تفعل ذلك مع إسرائيل؛ إلا في حال إلغاء المعاهدة برمّتهاء لآن بند العلاقات 
الدبلوماسية منصوص عليه في صلب المعاهدة! لكن العلاقات بين الشعوب لا تدار بهذه 


في خاتمة المطاف بعد 


























389 


العقلية. ولا تخضع لمثل هذه الآلية. ومن هنا شاع مفهوم «السلام البارد» بين مصر وإسرائيل» 
إنهنايكى عبد ليم الربنين 

. ثم كان من المنطقي أن يخلص إسماعيل فهمي في مذكراته إلى التيجة الآ رفي الواقع 
فإن بعض البنود التي اقترحها الإسرائيليون ‏ في صلب مشروع مقترح منها لمعاهدة «السلام* مع 
قبل «مبادرة السادات» - لم يكن لها مثيل في أية معاهدة تنظم السلام ب بين الدول»”, 











أولاً: تغيير الاستراتيجية القومية العليا 


لا شك في أن التوجه المصري الرسمي الذي عمد إليه السادات نا. 
الذي قاده إلى إسرائيل ‏ كما التوجه العربي الرسمي العام لاحقاً ‏ يشير 
ضخم في الاستراتيجية القومية العليا في شأن الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. 0 
فإن الطريق إلى إسرائيل قد عبّدته «حزمة من التوجهات والسياسات» عمد إليها السادات 
لإحداث ثلاث عمليات تاريخية كبرى: أولاهاء إعادة تشكيل البيئة الداخلية في مصر؟ 
وثانيتهاء إعادة ترتيب أوضاع البيئة العربية والإقلِ ا تغيير شبكة التحالفات 
الدولية. من خلال عملية الاستراتيجية القومية العليا» التي اعتمدها السادات ف 
وصوله إلى السلطة عام 1970. وقد تضمّن هذا الانقلاب الجذري أربعة عناصر أساسية 
بمتابعة مسارات التغير والتغبيرء وتحديد دوافع تلك التسوية ومنهجها وتوجهاتهاء في إدراك 
السادات أولاً. ثم في إدراك القيادات السياسية العربية لاحقاًء بعد أن جرى استخدامها في 
تبرير التسوية أو «تسويقها»: أولهاء م: منهج التسوية الذي التزمته القيادة المصرية والقيادات 
الرسمية العربية. كما يعبر ا اي الواقعية»؛ وثانيهاء إدراك البدائل لدى تلك 
القيادات» وبخاصة أنها قد أشاعت في المحيط العربي العام بدأ انعدام البدائل»: بحديثها 
المتواتر عن «توازن القوى»... و«المتغيرات العالمية»؛ وثالثهاء «مبدأ اثقافة السلام»» الذي 
يشير إلى المناخ العام السائد. والذي تمثل في إشاعة الحديث عن "ثقافة السلام»... وذلك 
إلى جانب «ثقافة الحرب»» ليصبح السؤال «العقلاتي»: أيهما تختار؟؛ ورايعهاء «مبدأ السلام 
من أجل الطعام». الذي كان من أمضى أسلحة السادات» وأكثرها تأثيراً في محيط الشعب. 
المصري. والذي جرى استخدامه في حملة الترويج لعصر الرخاء. ثم سيجري عرض اثثين 
من الإجراءات المتكاملة: أولهماء تغيير التوجهات السياسية الكبرى؛ وثانيهماء منهج 
الاداث في تسويق التسوية. 





























انظر: محسن عرض الاستراتيجية الإسرائلية لنطبيع العلافات مع الدول العربية (بيروث: مركز دراسات الوحدة 
ييف 01998 
ان ع تسب عراش هلق 





ود 


1 - تغيير التوجهات السياسية الكبرى 






كذلك سبقت الإشارة إلى أنه طرح «مبادرة علنية». ت 
أمام «مجلس الأمة» عام 1971 أنه على استعداد لإعادة اقتاح قناة السويس اللملاحة العالمية 
وإعادة تعمير مدن القناة. إذا انسحبت إسرائيل مسافة 40 كم شرقاً من شط القناة. ولكن إسرائيل 
رفضت هذه المبادرة أيضاً. 

من المهم الإشارة إلى أن السادات قد عمد بنفه إلى الاعتراف بهذه «المبادرة السرية» 
بكرة» في بيانه أمام مجلس الشعب عن زيارته إسرائيل» فور عودته منها في تشرين الثاني/ 
نوفمبر ١1977‏ حين أشار إلى أنه سأل قادة إسرائيل الذين قابلهم في أثناء تلك الزيارة: لماذا لم 
يقبلوا مبادرته التي عمد إليها منذ توليه السلطة عام 1970؛ من خلال «قناة الاتصال السرية' التي 
دشنها عبر الولايات المتحدة؟ مؤكداً لهم: «إن القبول بها كان سيجنبنا حرب عام 1973»! 

الكن ما لم يقله السادات هو أن أساس الرفض الإسرائيلي كان يعود. في حقيقته؛ لا إلى 
استعداد الرئيس الجديد. وهم يعرفون مدى جديته وصدقيته. ولا إلى «الصفقة» التي يعرضها 
عليهم. وهم يعلمون بأنها حقيقية. بل إنها صفقة مغرية. ويسيل لها اللعاب بكل معيارء إنما 
يعود الرفض الإسرائيلي إلى مشكلة حقيقية أعقد من ذلك كثيراً. لقد أوضحوا له أنهم ليسوا 
على استعداد لعقد صفقة مع «فرد»؛ مهما كانت شروطها نسبة إليهم. فهم يدركون أنهم 
حين يكونون أمام أي «فرد عربي» فإن «عمر قراره» المتوقّع هو «عمر بقائه في السلطة». وذلك 
يدنعهم إلى الشك في الأساس الذي تقوم عليه «شرعية» ذلك الطرف» الذي يحاورهم 
ويحاورونه. لان المدى الطويل مرهون بغيب يصعب حابه؛ وبخاصة إذا كان أي خَلّف على 
استعداد لنسخ أي سَلّف. 

القد أكدت إسرا: ضوح أنها على استعداد بلا شك لعقد سلام»؛ لكن مع «نظام 
متكامل». لا مع مجرد «فرد»؛ وأن النظام القائم في مصر ‏ آنذاك ‏ بغض النظر عن «الفرد» 
المتربع على قمته؛ ومهما كانت نياته وتوجهاته» ليس «النظام» الذي يمكن أن تقبل إسرائيل 
إبرام «السلام المنشود» معه. لأنه «نظام» يتناقض جذرياً مع متطليات «السلام الحقيقي» من 
وجهة نظرها؛ أي أن إسرائيل أكدت ‏ بصراحة تامة ‏ عدم استعدادها لإبرام انفاق مع «النظام" 
الذي شيّده جمال عبد الناصر. والذي يقبع السادات على قمته من الناحيتين الرسمية والشكلية. 
بينما السلطة الحقيقية ليست ملك يّنانه» وإنما في مكان آخر تمثله مجموعة «القيادات 
الناصرية»» التي تولت هي تنصيبه. 


























3و١‎ 


كذلك. فإن ما لم يقله السادات أيضاً أنه فهم مغزى هذه «الرسالة»» وفهم «الشروط» التي 
تطلبها إسرائيل ‏ ومن قبلها الولايات المتحدة. م لجل جا لمر مع عفش و ساون" 
ي* على مسار سياسي شاملء كان يعبر عن اقتناع أصيل يدور مصري رائد. 
إقليمياً ودوليً» وتوجه سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي» ضمن مشروع تنمية شاملة 
ة ذاتية في الداخل» جعل مصر واحدة من الدول المتقدمة على طريق التنمية 
جانب ريادتها في العالم الإسلامي» فضلاً عن مكانة 
وآسيا وأمريكا اللاتينية. 

وقد أدرك السادات» بوجه خاص. أن حل «الصراع غير الأساسي»؛ وهو الصراع العربي- 
الإسرائيلي. مرهون أولاً بحل «الصراع الأساسي؟. وهو الصراع العربي الغربي الأمريكي في 
الأساسء لأن المعركة الأساسية كا بين نظام جمال عبد الناصر والولايات المتحدة. وبالتالي» 
فإن المطلوب هو تصفية هذا النظام أولاء أي أن التبعية للولايات المتحدة هي مدخل الاستسلام 
أمام. إسرائيل. ومن هذا المنطلق» رفع السادات شعاره الشهير: "إن الولايات المتحدة تمتلك 99 
بالمئة من أوراق الحل»» وقد رفع هذه النسية فيما يعد إلى 99.9 بالمئة» ثم إلى 100 بالمئة! 
وعلى هذه الطريق» أوفى السادات بالشرطين اللذين فرضتهما الولايات المتحدة ثمناً لإقامة 
علاقات طببة معهاء كمدخل إلى النظر في إمكان تسوية الصراع العربي ‏ الإسران 

أولهماء تصفية نظام جمال عبد الناصر بالكامل» وبكل رموزه وأبعاده السياسية والاجتماعية 
والاقتصادية والثقافية» وعلى كل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. 

ثانيهماء طرد الاتحاد السوفياتي من مصرء عن طريق الاستغناء عن خدمات الخبراء 
والمستشارين والفنيين السوفيات فيهاء وهو الأمر الذي استجاب له السادات عام 1972 من 
ناحية» وإلغاء معاهدة الصداقة والتعاون المصرية ‏ السوفياتية» الذي استجاب له أيضاً عام 1975 
من ناحية أخرى. 

هكذا بدأ العملء يموجب هذه «الرسالة». من أجل تلبية تلك «الشروط»؛ لإحداث أضخم 
انقلاب جذري شهده الصراع العربي ‏ الإسرائيلي منذ تفج 
لإنجاز هذه «التسوية». ثم شرع السادات في إحداث أكبر انقلاب في #بيئة الصراع» العربي- 
الإسرائيلي على كل المستويات. 

القد عمد السادات فور «انتصاره» في «عملية» أيار/مايو عام /197» التي تمخضت عنها 
الإطاحة بكل «المجموعة الناصرية» من السلطة» إلى إبرام معاهدة الصداقة والتعاون مع 
الاتحاد السوفياتي» في الشهر التالي مباشرة. عندما قام الرنيس السوفياتي بودغورني بزيارة 
مصرء كي يؤكد أنه لا يسير فقط على خط جمال عبد الناصرء بل إنه «يزايد» عليه؛ ويذهب 
إلى حد إبرام مثل هذه المعاهدة. فضلاً عن الاستجابه لمشاعر القلق, وريما انعدام الثقق. 





























32 


التي انتابت الاتحاد السوفياتي بعد عزل هذه «المجموعة الناصرية»؛ وبخاصة أنَّه من 
المعروف عن أفراد هذه المجموعة إيمانّهم الكامل بخط جمال عبد الناصر. والتزامهم التوجه 
الاشتراكي» فضلاً عن تقدير دور الاتحاد السوفياتي» والصداقة معه. من دون أن يعنى ذلك 
أية صدقية لما كان يشاع أيام جمال عبد الناصر من أن علي صبري هو رجل موسكوء وأن 
زكريا محبي الدين رجل واشنطن في مصر. فقد كان ذلك نوعاً من «تقسيم الأدوار» لجأ إليه 
جمال عبد الناصر. لاعتبارات عملية» كما أنه عمد في إحدى خطبه إلى نفي هذه «الشائعات» 
تمامً". 

فضلاً عن ذلك كان السادات قد أعلن في إحدى خطبه» قبل حرب عام 21973 حرنياً: 
التشكيك في الاتحاد السوفياتي خيانة عظمى»! وكان ذلك التقرير بنصه هو «مانشيت» الصحف 








الحكومية الثلاث: الأهرام والأخبار والجمهورية. لكن بعد تلك الحرب جعل منه العدو الأول 
المصرء مقدّماً بهذا التحول الاستراتيجي المفاجئ تضحيات كبرى تحملها الاقتصاد المصري» 


والمرافق الأساسية» فضلاً عن القوات المسلحة المصرية. 

وعلى النقيض من ذلك تماماًء أخذ السادات يؤكد أن «الولايات المتحدة تتحكم في 99 
بالمئة من أوراق اللعبة» في المنطقة» واتجه اتجاهاً حاسماً ناحية «الغرب؛ عموماً سياسياً 
واقتصادياً وأيديولوجياً. لقد تصور أن حل مشكلتي مصر الداخلية والخار. 
وخلد في يقيئه أنه كي يصل إلى هذا الحل فإنه يتعين 
الحادة 3 الاتحاد السوفياتي؛ وأن تتزعم حملة مطاردته في المنطقة || 
بأسرهاء وأن تنبذ مصر طريق المواجهة مع إسرائيل: وتخطو خطوات 
مجموعات الضغط الصهيونية في ا المتحدق وأن تتخذ موقف المعارضة لمجموعة 
رب أكثر فأكثر من مجموعة «النظم المحافظة»؛ وأنه يتعين 
عليها أن تجتتٌ تراث ثورة 23 تموز/يوليو 1952. وأن تشكك في قدرة القطاع العام على تحمل 
أبواب اليلد على مصراعيها لاستقيال «الغرب». نفوذاً 
وثقافة ومناهيج فكر وإعلام وتنشئة سياسية وثقافية 

بتعبير متكامل؛ أن تجري عملية تسوية «الصراع العربي ‏ الغربي» أولاً. باعتباره الصراع 
الاساسي في المنطقة. كمدخل ضروري لتسوية «الصراع العربي ‏ الإسرائيلي». هكذاء عمد 
السادات إلى تسليم الولايات المتحدة 99 بالمئة من أوراق اللعبة! ومن الطريف أنه عندما 
أشارت بعض «تيارات المعارضة» في مصر إلى أن هذا التقرير الحاسم يعنيء في المقابل» أنه 
الم يعد للإرادة الوطنية المصرية سوى نسبة ١‏ بالمئة انتقد السادات في إحدى خطبه هذه 















م 





: عبد الله إمام. علي صبري يتذكر: بصراحة عن الساداث (القاهرة: دار الخبال. 1999). 


دو 


المعارضة» بل سخر منهاء فزعم أن «الولايات المتحدة تتحكم في 100 بالمئة من أوراق اللعبة» 
في المنطقة! 

كذلك. أدرك السادات ‏ وبخاصة بعد تظاهرات الخبز العنيفة. في 18 و19 كانون الثاني ايثاير 
عام 21977 التي شملت مصر كلهاء إلى حد إعلان حظر التجول. ونزول الجيش إلى الشوارع 
لضبط الأمن وفرض النظام ‏ أن «رأس المال النفطي» غير منتعذ لآن يقل مصبر من مشكلاتها 
الاقتصادية والاجتماعية» وأن شروطه تشتد ت 
احتياطياً مالياً لمصره بل على العكس من ذلك» فرضت شرطاً مهماً على منح معوناتها لمصر. 
ضمن شروط أخرى؛ هو أن تقيل «شروط صندوق النقد الدولي». أي أنها تصرفت كعامل فتال 
للتبعية. وهذا أحد الأدوار السعودية غير المعروفة» على الرغم من توثيقها"". 

فقي إحدى جلسات مجلس الوزراء. التي سبقت أحداث 18 و19 كانون الثاني/يناير عام 
7 تحدث عبد المنعم القيسونيء وزير الاقتصاد. عن ضرورة رفع الدعم عن بعض السلعء 
استجابة لقرار من البنك الدولي بعد إقراض مصر 200 مليون جنيه ما لم يتم رفع الدعم. وفي 
جلسة أخرى أضاف: أن المشكلة أيضاً مع الدول العربية؛ التي قررت عدم دفع أية مساعدات إلا 
بعد استشارة خبراء من البنك الدولي. وفي السياق ذاته. عندما قدّم العرب معونة مالية لمصرء. 
قبل حرب عام 1973. كان الشرط العربي أن بنكاً أمريكياً يقدم قرضاً لمصر قيمته 60 مليون جنيه 
بضمان السعودية» ورفضت السعودية أن يكون قرضها لمصر بضمان البنك المركزي المصري. 
وعندما طلبت مصر زيادة المعونة من الكويت. أعلنت الكويت في نشرات رسمية أن احتياطي 
النفط لديها ينضبء أو هو في طريقه إلى ذلك. ثم ثبت أن العكس هو الصحيح. وتدل آخر 
الإحصاءات العلمية على أن الكويت تحتفظ بالاحتياطي لمدة 250 سنة قادمة إذا استمر ضح 








النفط على ماهو عليها. 
وإذا كان الطريق إلى إسرائيل قد عبّدته «حزمة من السياسات»» فإن تلك السياسات بدورها 
كانت تستند إلى «منظومة أيديولوجية متكاملة»» تأني على طرفي نقيض من «المنظومة الناصرية» 








التي اعتمدتها ثورة 23 تموز/يوليو عام 21952 والتي كانت تتكون من أربعة عناصر أساسية: 
أولهاء الاستقلال الوطني والقومي, والتنمية المستقلة الشاملة لمصلحة القاعدة العريضة من 
الجماهير؛ وثانيهاء تحالف قوى الشعب العام الذي يهدف إلى حل التناقضات بين الطبقات 





(5) انظر: رمزي ذكي. «دور الصندرق الدولي للنقد في مصر: 1974 1978.) ورقة قدمث إلى: المؤتمر العلمي 
السنوي للاقتصاديين المصريين. 8-6 أبارلماير 1983 
(6) مرسى صبري. الساداث: الحقيقة والأسطورة (الفاهرة: المكتب المصري الحديث. 1985). ص 298 ر419. 


34 


الولايات المتحدة هي العدو الأساسيء ولا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً أو محايداً في الصراع 
مع إسرائيل» وأن مصر مع تزعمها مجموعة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز تقيم علاقات 
استراتيجية مع الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية؛ ورابعهاء أن الصراع العربي ‏ الإسرائيلي 
عبارة عن «صراع وجود لا صراع حدود». وهو الصراع المباشر الذي قد يكون الأكثر خطورة في 
الأجلين القصير والمتوسط. 
امنظومة السادات الأيديولوجية» فقد كانت تتكوّن أيضاً من أربعة عناصر أساسية مغايرة 
تماماً: أولها. الانفتاح الاقتصادي. واعتماد المبدأ الرأسمالي الذي يقوم على آلية العرض 
والطلب. واعتماد مبدأ: مصر أولاً. ومصر ثانياًء ومصر ثالثاً وأخيراً؛ وثانيهاء الديمقراطية 
السياسية الليبرالية؛ باعتماد نظام تعدد الأحزاب؛ وثالثهاء التحالف مع الولايات المتحدة» 
والتوجه إلى الغرب عموماً؛ ورابعها. السلام مع إسرائيل» على أساس أن الصراع معها هو «صراع 
حدود لا صراع وجود». وقد اعتمد السادات على «ترسانة الأسلحة» المتنوعة التي تنطوي عليها 
هذه «المنظومة» في حملته من أجل «تسويق التسوية» في صفوف الشعب المصري. 

ومن هذا المنطلق رفع السادات شعاره الث الولايات المتحدة تمتلك 99 بالمئة من 
أوراق الحل؟؛ وكان أبرز تعبير عن ذلك التحول الخطيرء في الوقت ذاته. هو أحاديث السادات 
المتوائرة» وبخاصة منذ مطلع عام 1976 عن «الحاجز النفسي» بين العرب وإسرائيل» بل الادعاء 
أنه يفسر 70 بالمئة من عوامل تفجر الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. فلا هو اغتصاب وطنء ولا هو 
تشريد شعب, ولا هو احتلال أراض! وجاءت «المبادرة» ‏ في منظوره ‏ كي تكسر هذا #الحاجز 


























النفسي»! 
2 منهج السادات في تسويق التسوية 


كان على السادات أن يلتزم أقصى درجات الحذر والتدرج في الإعراب عن توجهاته» وتنفيف 
سياساته. بعد توليه السلطة. في تشرين الأول /أكتوبر عام 1970» لا فقط لأنها تمثل نقيضاً 
كاملا وانقلاباً شاملاًء على جمال عبد الناصر مع مكانه ومكانته في صفوف الشعب المصريء 
وإنما أيضاً لآن هناك أرضاً محتلة تنتظر قرار تحريرها بالقوة المسلحة؛ وقوات مسلحة تنتظر 
اتخاذ قرار واحد لا بديل عنه بشن حرب التحريرء لاعتبارات متعددة مفهومة؛ ولأن هناك أيضاً 
عدا يصر على استمرار الاحتلال ورفض الانسحاب. ويواصل التحدي بحكم تفوقه العسكري. 
ومساندة الولايات المتحدة له إلى آخر المدى. ثم لوجود «المجموعة الناصرية» التي تمسك 
بكل مفاتيح السلطة والقوة والنفوذ. وهي التي مكنت السادات عملياً من تولي السلطة؛ مع 
إلزامه بقيود عدة في شأن ممارستها. 








5و3 


اوقد أدرك السادات أن قضية جمال عيد الناصرء وجماهيره؛ بالغة الحساسية: وأنه لا يستطيع 
الاقتراب منها بشكل مباشره فقرر تأجيل المساس بهاء لكنه حاول الاقتراب منها من بعيده ومن 
مدخل البحث عن حل سلميء يستطيع من خلاله أن يواجه العدو !! (سرائيلي» وقضية الاحتلال» 
من ناحية, والولايات المتحدة راعية إسرائيل» من ناحية أخرى. هكذاء جرب 
اتصال سرية بالولايات المتحدة» ومن خلالها بإسرائيل؛ وفي الوقت ذاته طرح مباء 
على انسحاب جزني للقوات الإسرائيلية مسافة 40 كم شرق قناة السويس؛ وإعادة فتح القناة 
للملاحة العالمية. وفوق ذلك كله. أفاض في الحديث طوال لقاء مغلق مع جوزيف سيسكوء 
وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ‏ في 9 أيار/مايو عام 21971 قبل ثلاثة أيام فقط من قراره تصفية 
«المجموعة الناصرية» ‏ عن رفضه خوض الحرب. واعتزامه عزل وزيري الحربية والخارجية 
لإصرارهما عليهاء وتصفية «المجموعة الناصرية» كلهاء وأنه إجمالاً مختلف تماماً عن جمال 
عبد الناصر. لكن خاب مسعاه. ولم يصل إلى أية نتيجة في هذه الجبهات التي فتحها على 


نقسه. 















هكذا فرضت الظروف والتداعيات على السادات أن يتفرغ أولاً لتصفية هذه «المجموعة 
الناصرية». وعزلها من السلطة» الأمر الذي يمثل خلاصاً من نفوذها وقيودهاء يعد أن علمت علم 
اليقين بجانب من توجهاته وألاعيبه ومؤمراته» من خلال «عملية الدكتور عصفور». مع قيام 
شعراوي جمعة بتسليمه تسجيلات لقاء مبعوثه عبد المنعم أمين مع دونالد بيرغسء رئيس بعثة 
رعاية المصالح الامريكية في القاهرة. فضلاً عن أن التخلص من هذه المجموعة سيمثل رسالة 
غير مباشرة في شأن «المساس» بخط جمال عبد الناصر. وقد مكنته هذه المجموعة من تحقيق 
مأربه» على الرغم من يقينها بأن لديها ما يدينه بجريمة «الخيانة العظمى»؛ عندما تساهلت معى. 
وتعاملت بمنطق حسن النية والحرص على تماسك الجبهة الداخلية و«ضرورات المعركةى. 
بل تقدمت له باستقالاتها من تلقاء ذاتها في خاتمة المطاف. فقبلها على الفورء مؤكداً بحق أنه 
سهّلت عليه «المهمة»! 

إن توجه السادات ناحية «خيار التسوية»؛ بعد أن «خلا له الميدان» تماماًء لا فقط بتصفية 
«المجموعة الناصرية» وإنما أيضاً بالانقلاب على خط جمال عبد الناصر, الذي قاده إلى 
الولايات المتحدة وإلى إسرائيل» وتحديد دوافع تلك التسوية ومنهجها وتوجهاتهاء ني 
إدراكه. جرى عقب أقصى درجات الحذر والتدرج» وبخاصة قبل حرب عام 1973, بحيث 
استخدم أربعة مبادئ أساسية في تبرير التوية أو «تويقهاء : أولهاء «مبدأ الواقعية»؛ 
وثانيها «مبدأ انعدام البدائل»؛ وثالثهاء «مبدأ ثقافة السلام». ورابعهاء «مبدأ السلام من أجل 
الطعام. 











36 


١‏ مبدأ الواقعية 


#مدرسة التسوية» التي قادها السادات كل توجهاتها وسياساتها بطرح «مبدأ الواقعية»» 
الكن هذه «الواقعية' تقودنا بعيداً جداً من الواقع ومن التاريخ معأ فمع أن الواقعية السياسية 
لا تتناقض بالضرورة مع الفكر القومي. إلا أن هناك اء «الواقعية»: كلاهما خاطئ: 
الأول الحديث عن الواقع» وإغفال الحقيقة التاريخية؛ والثاني» الحديث عن الحقيقة التاريخية» 
وإغفال الواقع. فليست هناك واقعية معادية للتاريخ: كما أنه ليس هناك تاريخ ينكر الواقع» وليس 
الواقعية. لذلك» يجب تأكيد أن الواقعية من دون مثل أعلى تصبح وقانعية. 
من «زاوية واقعية» أخرى: ماذا كان يمكن أن يقدم السادات أكثر مما قدم 
لكن حتى هذا الكثيرء وهو كثبر جدًء ظل عاجزاً عن أن يلقى استجابة 
من إسرائيل. ويرجع ذلك» في الأساسء لا إلى طبيعة ما يقدمه الجانب العرب 

«استعداده» في الحقيقة لتقديم المزيد. وإنما إلى طبيعة التناقضات الجذرية بين العقيدة 
الصهيونية ومتطلبات السلام الحقيقي. لذلك. فإن إسرائيل لن تقبل سلاماً مع الأمة العربية إلا 
إذا فرضت عليها «السلام الإسرائيلي». 

القد ذهب السادات بطرح «مبدأ الواقعية» إلى أن المدرسة القومية ‏ مدرسة جمال 
عبد الناصر ‏ تسببت بهزيمة قاسية» وأزمات اقتصادية طاحئة» وخلافات عربية مريرة؛ كما 
تسبيت بخلق حال عداء مزمن مع الولايات المتحدة» التي «اضطرت' تحت وطأة هجوم 
القوميين ‏ وهي الدولة الأقوى والأعظم ‏ إلى مساندة إسرائيل ضد مصالحها وضد العرب! كما 
ذهبت إلى أن الوحدة العربية هدف مستحيل التحقيق! 

ثم ردد السادات صراحة كي رآ من فلسطين ضاع ولن يعود» وأن جزءاً محتلاً قد 
يعود. والأهم هو استعادة الأجزا الفلسطينية» التي جرى احتلالها عام 1967 أولء وعلى 
حسابها بالمنطق؛ وأن السبيل الوحيد إلى استعادة ما يحتمل أن يعود هو الاعتراف بالهزيمة؛ 
وإنهاء الصمود. 

القد خلصت «مدرسة التسوية» التي قادها السادات إلى أن كل ما تقدم يستلزم رفض منظومة 
المفاهيم والاساليب التي كانت سائدة» في شأن إدراك الصراع وإدارته وتسويته. وتبني منظومة 
جديدة تسق مع المتغيرات العالمية؛ وتنزل على مقتضيات «الواقعية». وكان معنى ذلك في 
التطبيق مزدوجا: 

من ناحية أولى, التليم بأن «الولايات المتحدة تمتلك 99 بالمئة من أوراق الحل»! 


من ناحية أخرىء «التسليم بأن 70 بالمثة من عوامل الصراع العربي - الإسرائيلي نفسية»! 


























397 


ب ميدأ انعدام البدائل 

تذهب «مدرسة التسوية»؛ امتداداً لمقتضيات مبدأ الواقعية. إلى أن السياسة العربية قد 
أضاعت الكثير من فرص السلام» ثم هرولت. لكن بعد ضياع الفرص: إلى القبول بشروط الأمر 
الواقع وطغيانه. ورضخت تحت ضغوط ثقيلة وعنيفة إلى التفاوض من غير شروط مسبقة وكان 
معنى ذلك القبول بشرط القوة. ولا شيء غيره. وكان التبرير أنه لم يكن هناك «بديل آخر»! 
في الحقيقة. إن المنطق العربي الذي يذهب. في كل مرة, إلى «انعدام البدي إلى 










الخيارات 0 هذا الحد؛ ولا يبقى سوى 2 
وحيد» تكون «الهزيمة الكاملة» ‏ هزيمة الإرادة - قد وقعت لا محالة. 

ففي التعامل مع النظام العالمي المتغيرء أمام البلدان |١‏ خيارات أخرى غير الخنوع 
باسم «الواقعية»» أو المواجهة غير المسؤولة بشعار «الثورية»؛ فينهما خيارات وبدائل متعددة 
ممكنة» حقيقية وموضوعية؛ لكنها رهن بجسارة الفكر. وحرية الإرادة؛ وصلابة الفعل. أما حين 
يصل القرار السياسي - أي قرار سياسي - إلى الإقرار بأنه لا يملك بدائل غير ما هو معروضء أو 
مفروض. عليه فمعنى ذلك أن العمل السياسي يفقد أهليته وشرعيته. فمعيار قيمة 
اختيار بين بدائل متعددة؛ فإذا لم يعد هناك غير يديل وحيدء كما يقولون. في ث 
المعروض: أو المفروض. فلا مفرٌ من التسليم بأنه #سلام الإذعان»: لا #سلام الشجعاء 

إن الاعتراض الأساسي على تبرير كل هذا الذي يحدث. والقبول باتخاذ كل هذه المواقف 
المهينة والمستضعفة: بذريعة «انعدام البديل»» يتمثل بأن هذا التوجه لا نهاية له إلى درجة 











«السقوط» التي يمكن أن يهوى إليها. فمتى ما شرع المرء في القول: إن «لابديل» أمامه. أمكن 
تبرير كل شيء إلى ما لا نهاية. 

ومن المفيد الإشارة» في هذا السياقء إلى أن استمرار تلك البيئة السياسية العربية» وفي اتجاه 
التدهور والتردي. هو الذي سمح بإعلان «ترامب» نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2017. 





الديني مصدراً لإسباغ نوع من «الشرعية الشيطانية» على عدد من نُظم الحكم العربية وإسرائيل 
معاً. وتفصيل ذلك أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد وجدتا أن مصلحتيهما تشجيع حركات 
التطرف الديني في أقطار عربية معينة: لتحقيق عدة أهداف: 





لك 


أولهاء الإساءة إلى سمعة العرب والمسلمين والفلسطيئين في العالم كله فضلاً عن تمرير 
إرهابية. وأي خرق صارخ للقانون الدولي وللعدالة تقوم به إسرائيل ضد 





اثانيهاء أنها أداة ضغط رائعة على الحكومات, الأمر الذي يجعلها تحت رحمة الولايات 
المتحدة باعتبارها مصدر السلاح والمعونات الاقتصادية. ولنتذكر تأثير الأعمال الإرهابية في 
السياحة في مصر. 

ثالثها. نشر مناخ من اللاعقلانية لا بد من أن تجني إسرائيل ثماره في المدى الطويل؛ إذ هو 
يعطل ملكة التفكير لدى قطاع كبير من عامة الناسء ويشغلهم عما يجري في الشؤون السياسية 
والاقتصادية؛ وعن أخطار المشروعات الإسرائيلية ‏ الغربة المٌعَدَّ للمنطقة. 

وهذا المكسب الذي حققته إسرائيل هو المأساة الحقيقية» إذ تجعل «البديل الوحيد؟" 
المطروح: الخضوع لجبروتهاء بمساعدة نظم الحكم. التي يحلو لها بدورها أن تدّعي في كل 
شأن حيوي أنه ليس هنالك بديل آخر؟ ومن الذي قال إن من المستحيل أن يكون هنالك نظام 
وطني يرفض الخضوع للولايات المتحدة وإسرائيل» ويرفض في الوقت نفسه الخضوع 
التفسيرات لاعقلانية للدين» وتوجهات إرهابية تتخلى عن العقل وتقيّد الحريات؟ إن إسرائيل لها 
مصلحة أكيدة في تصوير الأمر على أنه لا خيار إلا بين هذين الأمرين؟ ليس فقط أمام المثقفين 
والسياسين المصريينء بل أيضاً أمام العالم الغربي. 





اج مبدأ ثقافة السلام 

عمدت «مدرسة الواقعية» إلى زرع مفهوم جديد في قاموس المفردات السياسية العربية: 
باسم «ثقافة السلام». إن من أبرز خصائص هذا المفهوم أن صياغته تمت بدهاء شديد. بحيث 
يستفيد من أي موقف إزاءه في حالتّي قبوله أو رفضه. فإن من لا بب: افة السلام» في عرفهم» 
أو لا يؤيدهاء يصنّف يسهولة بين معسكر أعداء السلام, أو أنصار ثقافة الحربء أو على أقل 








تقدير أعداء ثقافة السلام! إن تحليل هذا المفهوم يقتضي عرض أربعة توجهات أساسية: أولهاء 
تزوير حقائق الصراع العربي ‏ الإسرائيلي؟ وثانيهاء تزييف حملة تسويق التسوية الأمريكية - 





الإسرائيلية؛ وثالثهاء ثقافة الحرب؛ ورابعهاء السلام... من دون عدل. 

(1) تزوير حقائق الصراع العربي ‏ الإسرائيلي: إن صنّاع ثقافة السلام ينطلقون من تغبير كامل 
الحقائق الصراع العربي ‏ الإسرائيلي كافة» في الماضي والحاضرء يصل إلى حد التزوير؛ في 
إطار الحملة الشاملة التي تشنها الإمبريالية والصهيونية من أجل محو الذاكرة التاريخية للامة 
العربية. أساس ذلك أن صناع مفهوم ثقافة السلام يصورون الصراع العربي ‏ الإسرائيلي كأنه 
صراع بين دول طبيعية التكوين, طبيعية التجاورء أي أنهم يلغون من الاساس كل ما حدث في 


399 


عام 1948 وما قبله» على أرض فلسطين» ويحصرون الصراع فيما حدث في عام 1967. يعد 
ذلك. يصبح من السهل تفصيل الرواية التاريخية ‏ السياسية التي تذهب إلى أن أحداث عام 
7 قد انطلقت أساساً من قرار عدواني اتخذه جمال عبد الناصرء وبخاصة إغلاق مضيق 
تيران» ومن رد فعل دفاعي من جانب إسرائيل: يغطي كل ما فعلته في عام 1967ء وكل ما تفعله 











اليوم. وما ستفعله في المستقبل. 
إن إسرائيل تقود حملة شعواء لاستكمال إبادة الشعب الفلسطيني. الذي تجاسر وتحدّى 
الإبادة» وهي تعتقد أنها تستطيع أن تمحو الحقائق وتزؤرهاء وأن تنشئ باطلاً تضعه في مصاف 





إذ أطلقت على بيان قيامها إعلان الاستقلال. فهل هو الاستقلال عن الشعب 
الفلسطيني الذي كان يحتل الشعب اليهودي. أم هو «تحرير فلسطين من الغاصبين الفلسطينيين' 
الذين سكنوا الأرض آلاف السنينء في مقابل بضع سنين أقام بها بنو إسرائيل؟ ييدو أن اليهود 
في إسرائيل يتحدثون عن الاستقلال عن بريطانياء التي كانت تحتل فلسطين؛ حتى يفوا 
الحقائق» ويؤكدوا زعمهم أن فلسطين لم تكن موجودة أصلاً! 

(2) تزييف حملة تسويق التسوية الأمريكية ‏ الإسرا: 
المحمومة لنزع الصورة الاصلية للصراع, لا بد من التأكيد باستمرار أن الصراع لا يدور على قطع 
صغيرة من الأرضء بين دول طبيعية التكوين؛ وطبيعية التجاور. لكنه صراع من نوع آخر تمام. 
في أساسه. وفي أصوله. وفي أهدافه. أما موضوعه فليس قطعة أرض هناء وقطعة أرض هناك 
بل مستقبل هذه المنطقة العربية الذي يدور الصراع الاساسي حول تشكيله. منذ انهيار 
الإمبراطورية العثمانية؛ وهو صراع ذو طبيعة مفتوحة, ولا يمكن له أن ينتهي إلا بحل من اثنين: 

أولهماء نجاح الأمة العربية في انتزاع حيويتها ونهضتها المعاصرة من برائن عوامل التخلف 
والتفكك الداخلي والتجزنة. ومن برائن التبعية» وعوامل الضغوط والمطامع الخارجية. 

وثانيهماء نجاح المعسكر الإمبريالي ‏ الصهيوني في قتل حيوية الأمة العربية. وشلّ الجهاز 
العصبي لهذه الحيوية شللا دائماء ثم استمرار التخلف والتبعية والتجزئة» وترسيخ الوجود 
الصهيوني في المنطقة. 

ويتبقى السؤال الجوهري الذي لا بد من طرحه باستمرار: هل نحن الآن حقاً أمام مشروع 
اللسلام» يطرح «ثقافة للسلام»: لا بد لكل عربي عاقل متحضر من أن يتبناها؟. 

إن الصورة الأصلية للصراع تؤكد أنه صراع بُني على باطل مزدوج: "أسطورة»؛ من ناحية؛ 
و«جريمة». من ناحية أخرى؛ «أسطورة أرض الميعاد», التي تأسس عليها «قرار تقسيم فلسطين» 
عام 01947 وهو قرار لا سند له إلا هذه «الأسطورة»؛ في مقابل الواقع القائم الذي يؤكد أن 
«اليهود» كانوا يملكون في ذلك العام أقل من 7 بالمئة من أرض فلسطينء وأن «جريمة طرد 












في مواجهة هذه المحاولات 















40 


شعب كامل من وطنه» قد نَّمّتَ بوسائل شتى. وليس في نصوص «التسويات القائمة والقادمة» 
وأسسها ومفاهيمهاء ما يوحي بالتخلي عن «الاسطورة»» ويمحو آثار «الجريمة»؛ بل إن التسوية 
مبنية أساساً على التمسك بكلتيهما: «الاسطورة»؛ و«الجريمة». 

معنى ذلك أنه صراع يتجه إلى تكريس وضع إسرائيل باعتبارها «دولة إقليمية عظمى» في 














المنطقة العربية» وليست دولة عادية وطبيعية» مزودة بكل أسباب القوة المتجددة» وسط «عالم 
عربي» يخضع من الداخل ومن الخارج لآلية مستمرة أيضاً من التفكيك. ومن قتل كل أعصاب 





التسوية ما يوحي بالتخلي عن هذا «الهدف» بل إنه يمثل روح 
التسوية المطروحة وجوهرها. هكذا كان الوضع دائماً. وهكذا يبدو عند تفحص كل وثائق 






(3) ثقافة الحرب: في مقابل ذلك. توهجت مصطلحات "ثقافة الحرب» و«العنف» التي 
عمل تجار الحروب وصناع السلاح وسماسرته على الترويج لها دفاعاً عن مصالحهم؛ من خلال 
تسويق حزمة متكاملة من الأفكار, التي تولّى صياغتها مفكرون استراتيجيون محترفون» بحيث 
شكلت في النهاية ثقافة متماسكة؛ تمكنت من اختراق عدد من مجالات الدعوة إلى «ثقافة 
السلام»؛ بحيث تحول ذلك «السلام» إلى «حال» بدلاً من أن يكون 

القد تغيرت لافتة المنصة الدولية عبر التاريخ من عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة» إلى الوسيط 
الأمريكي. إلى اللجنة الرباعية. إلى غير ذلك من المسميات. ومن اللافت أن جميع من اعتلوا 
تلك المنصات كانوا ينتمون تحديداً إلى الدول الأقوى» وهي في الوقت نفه الدول التي 
تتصدر إنتاج الاسلحة وتجارتها. 

إن شعار «ثقافة السلام» لم يعد يعني لدى أغلبية الناس سوى الاستسلام: ولم يعد منطقي 
ولا حتى مفهوماً أن يُطلب من المقهورين والمظلومين أن يتغنوا بهذا «السلام؛ وبثقافة «السلام؟ 
في ظل معاناتهم بسيب الاحتلال أو الفساد أو الظلم الاجتماعيء من دون إجابتهم عن السؤال 
الأكثر أهمية وإلحاحاً: ما الذي يمكن عمله الآن عملياً لمقاومة الظلم والقهر والفساد؟ هل من 
سبيل سوى الحرب والعنف؟ 

(4) السلام.. من دون عدل: إن الدول العربية الإسلامية. وشعوب هذه البلاد. علما بأن 
الفلسطينيين في الصدارة. ضاقوا ذرعاً بالرواية الأمريكية الإسرائيلية عن «السلام»؛ وازدادوا ضيقاً 
ت أوروبا الرواية ذاتها؛ فصار «السلام» في المنطقة العرية «رواية» يشترك العالم في 
تمثيلهاء وبين الحين والآخر يُدعى دولة عربية أو إسلامية إلى الاشتراك فيهاء أو على الأقل إلى 
التصفيق والتهليل لهاء خوفاً أو مسايرة أو مزايدة تحت شعار «مسيرة السلام». 
































401 


لم يكن من المتصور على امتداد سبعة عقود هي عمر الغزوة الصهيونية للمنطقة العربية» أن 
يأتي يوم تصبح فيه كلمة «السلام» تعني تثبيت الظلم والعدوان؛ فهناك من يردد الكلمة مؤكداً 
النزام العرب والمسلمين بالسلام في المحافل الدولية: وعلى مسامع شعوب المنطقة. وهو 
يعرف. والناس تعرف» وفي دول الغرب يعرفون أن ١‏ إن صدق ما كان لينطق بالتزام يكلمة 
تنبت الظلم والقهر العقود أو قرون مقبلة. أغلب الظن أن كلمة «سلام» لا تتجاوز طرف لسان 
الناطق بهاء عربياً كان أو إسرائيلياً أو وسيطاً أجياًء لانه يعرف أنها ليست صادقة, وليست 
مخلصة. 








وهناك تحت عناوين «السلام»: في صحافة إسرائيل والخرب وصحف عربية؛ مقالات 
وتصريحات أكثرها منشور في صيغة ابتزاز وتهديد ووعيد. فالمعونات ترتبط بذلك «السلامك 
والتجارة التي يفترض بها أن تكون حرة مقيِّدة بشروط التزام «السلام»» والعلاقات الطيبة 
«السلمية» بدول الغرب لن تكتمل إلا بالتزام هذا «السلام». وفي حالات معدودة؛ تقدم البعض 
بتعريف لهذا «السلام» الذي يجب أن يلتزم به العرب والمسلمون ولا يلتزم به بالقدر نفسه 
الإسرائيليون. وتبرع أيضاً بالإجابة عن السؤال إن كان «السلام» الذي يطالبون العرب المسلمين 
التزامه هو «السلام» نفسه الذي ينتظرون من إسرائيل الالتزام به. تواتر هذا التعريف وهذه 
الإجابة من وسطاء دوليين أن هذا سلام... وهذا سلام. إن «السلام الإسرائيلي» يقوم 
على توفير الأمن المطلق لشعب إسرائيل في فلسطين واليهود في العالم. ولا أحد ينكر أن 
إسرائيل تعيش منذ سنوات طويلة في ظل هذا النوع من «السلام». وهي الآن توسع آفاق ذلك 
«السلام» بالاستعداد لضرب إيران» بعد أن ضرب لها العراق؛ وتم تحييد دول عربية وإسلامية 
أخرى. 

إنه «السلام» الذي لم يمنع الحروب التي تشنها إسرائيل على البلدان العربية. ولم يمنع 
حصار العرب والمسلمين» وتحريض دول الغرب ضدهمء فتضاءل دورهم وانحسر نفوذهم. إنه 
«السلام» الذي دارت باسمه عجلة السياسة العربية على امتداد العقود الأخيرة» ورضيت عواصم 
المنطقة التعامل والتفاوض على أساسه؛ على الرغم من ثقتها المطلقة بأنه لن يحقق سلاماً 

حقيقياً لها أو للفلسطينيين. ولن يتحول إلى سلام إقليمي شامل. 








د مبدأ السلام من أجل الطعام 

يمكن القول إن أخطر ما تمخّض عن هذا الانقلاب الكبير الذي قاده السادات إنما تمثل 
بإجراء عمليتين متداخلتين» على جانب كبير من الأهمية. في سياق التمهيد لهذا التحول الكبير 
من الصراع إلى التسوية في صفوف الشعب المصريء وفي الحقيقة التمهيد لزيارة إسرائيل» 





402 


بهدف الترويج لعصر الرخاء: الأولى؛ عملية غسل دماغ الشعب المصري من ناحية؛ والثانيق 
عملية نزع سلاح الشعب المصري. من ناحية أخرى. 

(1) غسل دماغ الشعب المصري: رفعت «حملة تسويق التسوية» شعارا بسيطاً للغاية 
لكنه كان بالغ التأثير: «السلام من أجل الطعام»! كان لهذا الشعار دوره البار: ل 
«غسل دماغ الشعب المصري! لقد انطوى هذا الشعار الزائف على مجموعة من المقولات؛ من 
نحو: دادر الأمرة الا وا رسو اا 10 








إذ حملة التشكيك المويجهة إلى الشعب المصري كانت قصدا مقصودا برد مث أذ يعت 
يقين هذا الشعب بكل شيء. حتى بنفسه؛ ليصل إلى حال من الإحباط الشديد تورئه شعوراً من 
اللامبالاة. يجعله في نهاية المطاف يقيل ما لا يمكن قبوله. ويسكت على ما لا يجوز السكوت 
عليه. وكان ذلك تمهيداً للتوصل إلى عزلة مصر عن الوطن العربي. وعلى الرغم من عزلة 
السادات» فإنه لم يعترف لشعبه بأنه في صدد سلام منفرد مع إسرائيل» كما لم يعترف بأنه هو 
الذي تخلى عن القضية العربية. هكذا عمد إلى استخدام آلة الإعلام المصري القوية في إقناع 
مواطنيه بأنه يسير في أفضل طريق. وأن الدول العربية الأخرى هي التي ضلّت الطريق! وتركزت 


دعايته على نقطتين رث : مزايا «السلام» وخيانة الدول العربية الأخرى. التي كانت تتحدث 
جلئة متطرنه للققةقة وممادية لإسرايل» لعنهااقي الراقع :لم تعن قادرة على قعل جيه وترجه 
مصر تضطلع بكل المعارك. وتقدم كل التضحيات بمفردها. وكان السادات يعلن دائماً أن 
«السلام» هو المفتاح لمستقبل أفضل لمصرء سيكون أكثر من مجرد نهاية الحرب والمعانات. 
واستشهاد ألوف من أبنانهاء لا يزالون في ريعان شبابهم. سيكون السلام أيضاً بداية حقبة من 
النهوض الاقتصادي, لأن البلاد ستكرس كل موارده للتثمية. 

وبالضرب على وتر مزايا «السلام» وجسامة التضحيات التي بذلتها مصر من أجل الوطن 
العربيء وأنانية الدول النفطية» استطاع السادات أن يؤثر في تفكير قطاع كبير من الشعب 
المصري لبضع سنينء ويسّر له ذلك أنه كان حريصاً للغاية على 
حقيقة «السلام» الذي كان يدور في ذهنه. ومع ذلك أخذت الحقيقة تتكشف رويداً رويداً 
للشعب. وبدأ التوتر يتصاعد في مصرء حتى وصل الأمر إلى حد اغتيال السادات. 
دليل أفضل من حال اللامبالاة الشديدة التي استقبل بها الشعب مصرع السادات؛ ثم جنازت 


















403 


إنها كانت محاولة متعمدة لتناسي أنه كان موجوداً من قبل. وعلى الرغم من بريق شعار «السلام 

من أجل الطعام»؛ فإن الشعب المصري أدرك في النهاية أنه قد خسر الهدفين معاً! 

انتيجة ذلك» وجد السادات نفسه, أو هكذا بدا الأمر كأنه ليس أمامه سوى مخرج واحده أو 
وحيدء هو عقد اتفاق منفرد مع إسرائيل» باعتبار أنه إنما يجتهد في «إنقاذ ما يمكن إنقاذه».. كما 
أنه إنما يفعل ذلك «من أجل الشعب المصري"! وذلك بالقطع مع ما كانت تريده إسرائيل وما 
كانت تسعى إليه. 

الاشك في أن السادات قد برع في استخدام «ترسانة الاسلحة» التي كانت تنطوي عليها 
«المنظومة الايديولوجية المتكاملة» التي كان يتبناهاء في حملته من أجل «تسويق التسوية» في 
صفوف الشعب المصري. من خلال «منهج الاقتراب غير المباشر». ومن نماذج ذلك» ٌُ 
سبيل المثال» ما يأتي: 

(1) أنه دشن ثورة مضادة ضد التوجهات والسياسات الناصرية؛ بدأت أول فصولها بإجراءين 
متمائلين ومتكاملين: أولهماء إطلاق سراح المسجونين والمعتقلين من جماعة الإخوان 
المسلمين من السجون المصرية؛ وثانيهماء إنهاء حالات فرض الحراسة والمصادرة على أموال 
قيادات ما قبل ثورة 23 تموز /يوليو. لا شك في صواب هذين الإجراءين من حيث المبدأء مع 
تأكيد أنهما كانا محل حوار في وجود جمال عبد الناصرء بعد زوال الظروف التي اقتضتهماء. 
والتهيئة لحشد كل الإمكانات الداخلية من أجل معركة التحرير. 

مع ما تقدم تجب الإشارة إلى أن ذلك قد تمخض عملياً عن إطلاق «أبواق دعاية مجانية» 
ضد ثورة 23 تموز/يوليو وضد جمال عبد الناصرء قادته قوى اجتماعية وسياسية معادية بالضرورة 

لهذه الثورة ولقائدها. ثم تمثل الفصل الثاني ب«ثورة 15 أيار/مايو 41971 بداعي «المؤامرة» على 
النظام الحاكم, الذي عمد إلى إطاحة كل الرموز والقيادات الناصرية من قمة السلطة إلى غياهب 
السجون ذاتها التي كانت تقبع داخلها رموز «الشورة المضادة» وقياداتها. وجاء الفصل الثالث 

ن بمثابة «مسرحية» كاملة» تمثلت بالتظاهرة التي قادها السادات بنفسه لإحراق سجلات 
التسجيلات السياسية التي أعدتها أجهزة الأمن وأشرطتهاء وزعم أنها كانت ت تحتوي على دليل 
فضلا عن أنها وصلت إلى حد التنصت عليه شخصياً. 
























(3) بعد صر تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 أخذ السادات يتحدث حديئا يبدو منطقيا عن 
ضرورة النظر إلى المستقبل. ثم بادر إلى تقديم مجموعة من «الدراسات» التي كانت تتضمن 
«أوراق عمل وتوجهات وسياسات»» تكفي الإشارة إلى ثلاث منها: 

(|) طرحت «ورقة تطوير الاتحاد الاش تاكن برت اوت كنات ا ار ل 
ثلاثة منابر: منبر اليمين (منبر الأحرار الاشتراكيين)؛ منبر الوسط (منبر مصر العربي الاشتراكي)؟ 








404 


منبر اليسار (مثبر التجمع الوطني التقدمي الوحدوي). وأجريت انتخابات مجلس الشعب على 
أساس هذه المنابر الثلاثة. وني خطابه أمام المجلس المنتخب أعلن السادات تحويلها إلى 
أحزاب! 

القد شاركت في أعمال ندوة عقدت في الجامعة الأمريكية في القاهرة. حيث تكون 
المناقشات أكثر حرية وصراحة؛ بالاشتراك مع جهة عملي آنذاك: مركز الدراسات السياسية 
والاستراتيجية بالأهرام عام 1976ء إذ أعلن رئيس وزراء مصر مصطفى خليل في افتاح أعمالها: 
إن هذا التحول باتجاء الديمقراطية الليبرالية كان مطلباً إسرائيلياً وأمريكياً. كي تظهر على السطح 
كل القوى السياسية والاجتماعية. وبهذا تتحدد أحجامها وأوزانها الحقيقية, وبالتالي تتضح 
خريطة تلك القوى. وبخاصة من منظور تأييدها أو معارضتها عملية السلام الجاري التحضير لها 
على قدم وساقء وهكذا تعرف إسرائيل مع من تجري عملية التسوية. ولنتذكر أن زيارة إسرائيل 
تمت في العام التالي مباشرة. 

(ب) طرحت سياسة الانفتاح الاقتصاديء بحيث انتهت المناقشات إلى إقرار 
رأس المال العربي والأجنبي»؛ وبدأ التبشير بقدوم «عهد الرخاء» بعد طول 
أجل «شعب آخر». أو «أحلام الزعامة». وتم الربط بين الرخاء والولايات المتحدة» وبخاصة بعد 
نيكون لمصر عام 1974 . بل إن علي أمين العائد من «الغرية» بعد «الإفراج الصحي» 57 
لمصلحة الولايات المتحدة» كتب بالحرف 5 صحيفة الأهرام: «إن الدولارات سوف تهبط من 
السماء»! وذلك كله في إطار الترويج لعصر الرخاء القادم. 

وللعلم» فإن كمال حسن علي عندما عينه السادات رنيساً لجهاز الاستخبارات العامة كما 
عُين بعد ذلك وزيراً للدفاع» ثم رئيساً للوزراء ‏ كان قد أكد في حوار منشور أنه عمد إلى مراجعة. 
ملف الحكم على مصطفى أمين» في جريمة الخيانة العظمى» وفي داخله شكوك وظئون. إلا أنه 
تأكد من أن الملف يمثل جريمة متكاملة الاركان» لا تشوب أوراقها شائبة. 

فضلاً عن ذلك فإن السادات بنفه عاد إلى شن حملة تشهير على مصطفى أمين؛ عندما 
انتقد هرولة أعضاء الحزب الحاكم؛ «حزب مصر العربي الاشتراكي»» إلى «الحزب الوطني 
الديمقراطي» الذي أعلن السادات تأسيسه. بل إن السادات بنفسه عاد إلى دمغ ذلك الاتفتاح 
الاقتصادي بأنه صار انفتاحاً إجرامياً! 














2 طرحت «ورقة المتغيرات الإقليمية والعالمية» التي استكملت الأبعاد الداخلية مع الأبعاد 
الخارجية, فربطت بين تحقيق الديمقراطية السياسية الليبرالية؛ ونجاح الانفتاح الاقتصاديء 
بالتوصل إلى «السلام» مع إسرائيل» وبلوغ مستويات الرخاء التي يستحقها الشعب المصري. 


405 


ومن المفهوم أن تحقيق ذلك سيتم من خلال التحالف مع الولايات المتحدة» والتوجه إلى 
الغرب عموماء سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً. 

من الملاحظ أن من بين المصطلحات الأكثر شيوعاً في الخطاب العربي المعاصرء هناك 
تعبيرين: أولهماء التكيف مع المتغيرات العالمية؛ وثانيهماء مراعاة موازين القوى' 
هذين المصطلحين يتحليان بدرجة من *الهيبة العلمية» ويتسمان بمسحة من «الواقعية: 
الى بدو فوورية لإخياج الخطات الغربي عن يرائن «الشياراكة ! لكن البنظورة قير 
شيوعهماء وفي طريقة استخدامهماء أن ذكرهما غالباً ما يرتبط بمجموعة من النتانج التي 
تكاد تشكل في مجملها انقلابات على غير صعيد. بل دعوة صريحة إلى التخلي عن منظومة 
قيم ومعتقدات آمنا بها على مدى عقود. لمصلحة منظومة أخرى لم نمتحن بعد مدى علميتها 
وموضوعيتها. 

إن المفارقة الكامنة في تلازم هذين المصطلحينء تتمثل أساساً بأن الدعوة إلى التكيف مع 
المتغيرات العالمية. بداعي أننا نعيش في عالم متغير باستمرارء وهذا صحيح في جانب؛ تتطلب 
التعامل مع ميزان القوى مع إسرائيل كأنه ميزان ثابت» لا يخضع هو الآخر لحكم 
! كأننا لا نستطيع بجهود نبذلهاء ونضال نخوضه. وإمكانات نحشدهاء ا أن 
هذه الموازين» وتصحيح الخلل ف ت حرب 1973 خير شأء 
إننا باسم «التكيف مع المتغيرات» و«مراعاة موازين القوى»؛ أمام دعوة صريحة 
إلى التخلي عن حقوقنا ومقدساتناء وعن هويتنا وثقافتناء وعن استقلالناء كما عن مشروع 
النهضة العربية برمته. باختصار: إن هدف قوى الهيمنة العالمية والإقليمية يتمثل بالتخلي عن 
عرويتنا الجامعة. الحاضنة لكل قوى الأمة وعقائدها وتوجهاتها. 

(2) نزع سلاح الشعب المصري: تتكوّن النفس البشرية من طبقات» أقواها وأصلبها طبقة 
المقدس عند الشعوب؛ وتشمل؛ من بين ما تشتمل عليه الدين والوطن والفخر بالرموز 
التاريخية للامة. وأخطر ما في الحروب الخفية التي تديرها أجهزة الاستخبارات المعادية أن 
تزعزع ثقة الإنسان بهذه الطبقة الصلبة؛ في ما يسمى عملية غل الدماغ وفيها يتم تشويه الرموز 
الدينية والوطنية والتا, بة» والتشكيك في صدقية ما نقله المؤرخون عنهاء الأمر الذي يُفقد 
الانسان ثقته بتاريخ أمته وبما سُطر فيه من ملاحم. 

من هذا المنظور العام؛ يمكن القول إن تلك الحملة المركزة التي هدفت إلى غسل دماغ 
الشعب المصري كان قصدهاء في نهاية المطاف. «نزع سلاح* هذا الشعبء أو تجريده من 
مجموعة الأسلحة, المادية والمعنوية التي كانت تعزز إرادته الحرة. 


























: مجدي حماد. مسطيل لنسوية 0ل عام من سلام عابر إيروت: دار لتهضة العريف 3007). 





406 


ومن الغريب أن تلك الإرادة الحرة قد تأكدتء أكثر ما تأكدت» عشية هزيمة 21967 يومي 9 
و10 حزيران/يونيو عام 1967 حين خرجت الجماهير المصرية والعربية تطالب جمال 
عبد الناصر بالاستمرار في موقعه. كي يقود معركة التحرير» وكي تؤكد معه. كما أكد هو في أول 
خطاب ل يعد التوذة عن قزر لتحي في 23 تموزايرليو 1967 أن قطعة من الاراضي العربية 
تحت الاحتلال» لكن أية قطعة من الإرادة العربية ليست عرضه لأي احتلال». ثم 
حققت تلك الإرادة الحرة ذاتهاء مرة أخرى. من خلال الانتصار في حرب عام 1973 عي 
الذلك» كان من الضروري أن تنوجه سياسات السادات إلى «نزع» هذا السلاح الوطني والقومي» 
والذي كان يعزز تلك الإرادة الحرةء وذلك في أكثر من مجال: 

(1) نزع السلاح النفسي: إن أول سلاح يملكه أي شعب تجاه أي عدو هو «سلاح الرنض». 
معنى ذلك أن تجريد أي شعب من هذا «السلاح الاساسي» قبل أن يجيء سلام حقيقي. هو أن 
هذا الشعب أصبح منزوع السلاح نفسياء بينما الصراع مستمرء والحرب واردة. وعلى حد تعبير 
أستاذ العلوم السياسية الأمريكي البارز مالكوم كير: «إن الورقة الوحيدة التي يملكها العرب قد 
ألقيت على الطاولة قبل أن تبدأ اللعبة». يقصد بذلك «ورقة الاعتراف بدولة إسرانيل» التي قدمها 
إليها السادات مجاناً بتك الزيارة الفريدة في نوعها دوا 

ولفت إسماعيل فهمي إلى أهمية هذا السلاح النفسيء قور أن أبلغه السادات للمرة الأولى 
أنه يفكر في زيارة إسرائيل» وكان ذلك في 28 تشرين الأول/أكتوبر ١1977‏ عندما كانا في منتجع 
سيناء. في أثناء زيارة السادات لرومانياء إذ قال: «ذكرت السادات يأنه ليس لدينا إلا كارتان نلعب 
بهما؛ أحدهما الاعتراف بإسرائيل» والثاني إنهاء حال الحرب معهاء وبما أن إسرائيل تتفوق على 
مصر وغيرها من البلدان العربية من الناحية العسكرية, فإننا لن نستطيع أن نهدف إلى انتصار 
عسكري. فوافقني, وهنا أضفت قائلاً: لو أننا ركبنا طائرة وذهينا بها إلى القدسء فهذا عمل 
ينطوي تلقانياً على الاعتراف بإسرائيل وإنهاء حال الحرب. نلعب بكارتين أساسسين في 
السياسة دون أن نجني أي شيء؛ فالمكسب كله يعود لمصلحة إسرائيل» كما تتضاعف قوتهم 
في المساومة. كذلك فإننا سنثير ثائرة العرب والفلسطينيينء كما أننا لن نستطيع التقهقر إذا ما 
ذهينا إلى القدس... حقاً يا سيادة الرئيس إن زيارتك هذه قد تحرج إسرائيل أمام الرأي العام 
العالمي. لكن لفترة محدودة. لذلك فتأثير هذه الزيارة سيتلاشى تدريجاً ما لم نضطر إلى 
معاهدة سلام منفصلة» وبشروط إسرائيلية خاصة, محدّدة بمشكلة سيناء». وأضاف فهمي: "إذا 
كان هدف الذهاب إلى القدس هو عودة سيناء فهذا أمر غير ضروري؛ فسيناء لم تكن ولن تكون 







































عن: محمد حستين هبكل. حديث المبادرة. ط 6 (ببروت: شركة المطبوعات للنشر والتوزيع: 01985 
اص 120 


407 


مشكلة أبداً. فالإسرائيليون يعرفون تمام المعرفة أنه لن يكون هناك سلام في المنطقة مالم 
ينسحبوا تماماً من هذه الأمكنة. كما أن ثلاث إدارات أمريكية مالية تعلم هذه الحقيقة وتقرّ 
(ب) نزع السلاح العسكري: سبقت الإث 
أيار/مايو 1975 كان واضحاً جداًء خلال إجاب 
المنطقة. وتوقع مشكلات أخرى؛ لكنه بدا حاسماً في تصريحاته يأن مصر لن تخوض حروياً 
أخرى» وأنه يسعى للسلام» وذلك قبل عامين من زيارة إسرائيل. 

على هذه الطريق عمد السادات إلى إسقاط خيار الحرب فعلياً - قبل أن يُسقطه «رسمياً» 
بإعلانه في أثناء زيارته إسرائيل عام 1977: «أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب» ‏ فتذرع بفكرة 
«تنويع مصادر السلاح» لإضعاف القوات المسلحة. وأكد ضرورة التركيز في استرداد الأراضي 
المصرية بالطرائق السلمية. بالإضافة إلى الحملة الإعلامية التي أخذت تُبرز ضخامة تكلفة 
الحروب» وبخاصة التكلفة البشرية والإنسانية التي لا يمكن تقديرها أو قياسهاء إلى جانب آثارها. 
المدمرة على الاقتصاد المصري فضلاً عن التأثير الهائل للشعار الذي رفعه: «السلام من أجل 
الطعام»؛ ووعود الرخاء القادم إذا ما جرى تحويل موازنات الحرب إلى عملية التنمية: لتعود 
مصرء كما كانت قبل تلك «المغامرات العسكرية»؛ من أغنى الدول العربية. 

هنا يبدو الفرق واضحاً بين الواقعية التكتيكية التي ميزت السياسة سة المصرية بعد حرب عام 
7ه بمعنى الاستعداد لجميع الخيارات؛ وت غير الف 
«الواقعية الاسشرا: في أعقاب حرب عام ١1973‏ بمعني ! ءغ 
الأخرى. كي يصبح «طريق التسوية السلمية» ممهّداً ومقنعاً وبغير بديل. 

القد ذهب البعض إلى أن حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 تمائل معركة حطينء التي كانت 
بداية النهاية لحقبة الحروب الصليبية» وأنها ستكون بداية النهاية لحقبة الوجود الإسرائيلي: لكن 
الذي حدث أن المسار السياسي الرسمي المصري. بعد انتهاء تلك الحرب» جاء مغايراً لكل 
حساب أو منطق. بهذا الشعار المصري الذي رفعه السادات لمسيرة الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» 
بقوله: إنها آخر الحروب! لكنها كانت بداية حروب إسرائيل ضد كل العرب؛ ومن جانب واحده 
بعد خروج مصر من هذا الصراع. 

حقا لقد استرجعت مصر سيناء بموجب «معاهدة السلام» عام 1979 لكنها شبه منزوعة 
السلاح؛ والسيادة» كما خسرت مصر مكانتها عريياً ودولياً إسلامياً. بل لقد غرقت في مشكلات 

خلية ضد الإرهاب والجماعات الإسلامية 


















(9) فهمي. النفاوض من أجل السلام في الشرق الأرسط. صن 0. 


408 


والاجتماعية» وباتت هذه المشكلات قيداً على أي تحرك أو تأثير عربي أو إقليمي يمكن أن 
تباشره مصرء بحيث أصبحت إسرائيل بالمقابل هي صاحبة الكلمة العليا في المنطقة. وشتان 
بين دور مصر بعد حرب تشرين الأول/أكتوبرء التي خرجت منها بانتصار باهرء ودور إسرائيل 
الآن في المنطقة. على الرغم من هزيمتها في تلك الحرب. وعلى حد تعبير الشاعر أحمد فؤاد 
نجم: #يا سادات كفاية نصر... رجعت سينا وضاعت مصر»! 

ا(ج) نزع السلاح القومي: ترتب على السياسات والتوجهات التي تبناها السادات اتخاذ عدة 
إجراءات كان من شأنها إهدار فعاا امن العربي؛ فضلاً عن فقدان تقاليد القيادة القومية, 
التي انعقدت لمصر في مراحل مختلفة من تاريخهاء لا فقط في مرحلة جمال عبد الناصر؛ كان 
من بينها إبعاد عد من القوميين واليساريين عموماً عن وظائفهم؛ وبخاصة في مجالات الإعلام؛ 
أو إضعاف تأثيراتهم» وتشجيع القيادات الإسلامية ودعمهاء بهدف محاربة التيارات القومية 
واليسارية» وبخاصة بين الشباب. وفرض تعتيم نام على الإنجازات القومية السابقة في السياسة 
المصرية. وارتبطت هذه الإجراءات بحملة إعلامية وسياسية مضادة للفكر القوميء ركزت في 
«خسائر» مصر يسيب موائفها العربية؛ وصوّرت حروبها مع إسرائيل على أنها حروب فرضتها 
هذه المواقف, وأنها أغفلت مصالح مصر لمصلحة الفلسطينيين؛ أو أحلام الزعامة. 

المقصود هنا «مصر التاريخية» التي انعقدت لها مقاليد القيادة القومية. فقد بنت مصر دورها. 
الخاص والفريد في المحيط العربي المترامي حولهاء عبر عقود, على حقاتق ثابتة من الجغرافيا 
والتاريخ. ثم أضافت إلى ذلك سنداً من العطاء الأدبي والعلمي والثقافي عموماً. ثم دعمت 
ذلك كله بالتزام مبدئي واضح بدأ بجامعة الدول العربية التي اتخذت مقرها في عاصمتهاء ثم 
انبته بميثاق الدفاع المشترك؛ ثم قدمت ما هو أكثرء وهو عهد المسؤولية والالتزام ممهوراً بالدم 
حتى حصلت على اعتراف الأمة كلها بدورها الخاص والفريد. 

ثم إن مصر لا تملك ترف الانكفاء على ذاتهاء إذ إنها محكوم عليها بالعروبة والزعامة أيضاً. 
إن مصرء بالحجم والموقع» هي الرأس والقلب وضابط الإيقاع. إنها في الوطن العربي كالقاهرة 
في مصر نفسها.. إنها مرآة الوطن العربي لا ظله. ومرآة مكب أن يرى مستقبله. 
لكن الدور الإقليمي هو حصيلة قدرات وسياسات, وليس هبة من الجخراقيا والتاريخ . ولواء 
القيادة في المنطقة العربية ينعقد لمن يعبر بأكبر قدر من الدقة عن أولويات شعوبه. ويكتسب 
شرعية القيادة بناءً على حمله لواء هذه الأولويات. فالقيادة ليست صك إذعان. وقّعه أبناء 
المنطقة لمصرء أَيَاَ كانت سياساتها. 

كان السادات يرد أنه على مدى ثلاثين عاماً ضحت مصر بأبنانها ومواردها الاقتصادية 
المساعدة الفلسطيئينء ولخدمة القضية العربية» لكنها لم تجن شيئاء وبخاصة الاحترام المتبادل 
والامتنان من العرب. وهاجمت الدعاية بشدة الدول النفطية في الخليج لتقول: إن هذه الدول 
































409 


أصيحت ذات ثراء فاحش بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 وإن مصر خاضت الحرب 
وتحملت خسائر وتضحيات هائلة» بينما لم تفعل تلك الدول شيئ بل اغتنت من جراء الحرب» 
ومع ذلك رفضت مساعدة مصر في حل مشكلاتها الاقتصادية. 

(د) نزع السلاح الدولي: استغل السادات التحول في اتجاه «الوفاق الدولي» بين الدولتين 
العظمبين آنذاك: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي» وبخاصة منذ لقاء نيكسون ‏ كوسيغين 
عام 1972 الذي تبنى سياسة «الاسترخاء العسكري في الشرق الأوسط»؛ كي يجرد مصر من كل 
قوة دولية. بسياساته ضد الاتحاد السوفيائي؛ فعمد, منفرداً ومن دون استشارة أي مسؤول مصري 











آخرء إلى اتخاذ قرار بإنهاء وجود كل الخبراء والمستشارين والفنيين السوفيات من مصرء على 
أن يجرى التنفيذ خلال أسبوع واحد. .. وتم إبلاغ السفير السو ينا 
وقد قام الجانب السوفياتي 


القد أكد الفريق الشاذلي ‏ رئيس أركان حرب القوات دفي عام 
1973 - أن القادة العسكريين في مصرء على الرغم من ضيقهم من الموقف السوفياتي» ما كانوا 
يتصورون أن علاج ذلك يكون بقرار طرد الخبراء واستعداء السوفيات في تموز/يوليو 1972. 
أكثر من ذلك؛ يشير إلى أن الفريق أول محمد صادق ‏ وزير الحربية وعدو السوفيات الأول في 
القيادة المصرية آنذاك ‏ قال بهذا الخصوص: «لقد كنت أنادي دائماً بضرورة الضغط على 
الاتحاد السوفياتي للحصول على ما نحتاج إليه؛ لكني لم أتصور مطلقاً أن نذهب إلى هذا 
المدى»"". 
وسبقت الإشارة إلى أن جمال عبد الناصر كان قد أعلن في اجتماع لمجلس الوزراء أنه 
يسعى إلى توريط الاتحاد السوفياتي في مصرء كي يرتفي بالعلاقات المصرية ‏ السوفياتية إلى 
مستوى العلاقات الإسرائيلية ‏ الأمريكية؛ وبالتالي يرتفع بالصراع العربي ‏ الإسرائيلي من 
المستوى الإقليمي إلى المستوى العالمي. وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد. وبخاصة بعد رحلته 
إلى الاتحاد السوفياتي في كانون الثاني /يناير 1970. ثم في رحلته الأخيرة في تموز ايوليو من 
العام نفسه. ففي تلك الرحلة الأخيرة دار بينه وبين الزعيم السوفياتي بريجنيف ذلك الحوار 
الشهير عندما سأله بريجنيف: «كيف تقبل مبادرة روجرز وعليها علم أمريكي؟». وكان رد 
5 لان عليها علماً أمريكياً بالتحديد؛ لأن ذلك سيعني ضماناً 
ا عن أن قبولهاء في حقيقته. كان ستاراً لدفع حائط الصواريخ إلى خط 
العبور على الجبهة. من هنا إصراره ‏ منذ هزيمة عام 1967 - في تسليم مقدّرات الطيران والدفاع 








(10) سمد الدبن الشاذلي. حرب أكتوير: مذكراث الفريق سعد الدين الشاذلي. ط 3 (القاهرة: رزية للنشر والترزيع 
01 ص 366. 


40 


الجوي للسوفيات» ورفضهم ذلك مراعاة للتوازن الدولي مع الولايات المتحدة, إلى أن فرض 
عليهم ذلك في تلك الزيارة؛ عبر تلويحه بالاستقالة واستخلاف زكريا محيي الدين. والأمر ذاته 
ينطبق على القواعد البحرية. وهكذا وافق الاتحاد السوفياتي على تزويد مصر يصفقة صواريخ 
ابن زر ألم حرفي ل تير من |لاشام كفني بن ال لز نو لي الما 

كذلك. يشير الشاذلي إلى أهمية يف للف 
صادق. خلال زيارته موسكوء في تموز/يوليو عام 1972 بحيث 
المستشارين السوفيات في مصر هو ضرورة دولية». ويعقب الشاذلي قا 1 
بريجنيف قد قال هذه الجملة بطريقة عفوية. لا بد أن الروس قد علموا بأن هناك تفكيراً في هذا 
الموضوعء وأن بريجنيف بقوله هذا كان يريد أن يوضح الأمور». 





ثانيً: مؤتمر جنيف 

أدت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 وعدم التطبيق الكامل لبنود قرار مجلس الأمن الرقم 
338. والنتائج غير المشمرة لسياسة «الخطوة خطوة». والمحادثات المكوكية التي انتهجتها 
الخارجية الأمريكية» والتي كانت عبارة عن استعمال جهة ثالثة. هي الولايات المتحدة» كوسيط 
بين ج حأ لدت الماخرة ومن ينك منفة لوطل أت حل 
العوامل | إلى تعثر وتوقف شبه كاملين في محادئات السلام؛ ومهدت الطريق إلى نشوء ع 
الدى الإدارة الأمريكية. المتمثلة بالرئيس الأمريكي آنناك جيمي كارترء بأن الحوار الثنائي عن 
طريق وسيط لن يغيّر من الواقع السياسي للمنطقة العربية. 

في إسرائيل طرأت تغييرات سياسية داخلية متمثلة بفوز الليكود بزعامة بيغين في الانتخابات 

يأ على حساب منافسه الرئيسي حزب العمل 
الذي هيمن على السياسة الإسرائلي إسرائيل عام 1948. وكان الليكود لا يعارض فكرة 
انسحاب إسرائيل من سيناء. من حيث الشكلء لكنه كان رافضاً فكرة الانسحاب من الضفة 
الغربية. 

تزامنت هذه الأحداث مع صدور تقرير معهد بروكتغزء الذي يعَدَ من أقدم مراكز الأبحاث 
الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة؛ ونص التقرير على ضرورة انبا 
«منهج حوار متعدد الأطراف» للخروج من مستنقع التوقف الكامل في «حوار السلام» في 
المنطقة العربية. 


















من الجاتب الآخرء بدأ السادات تدريجياً يقتنع بعدم جدوى القرار الرقم (338)» يسبب 
اختلاف وجهات النظر في شأنه مع إسرائيل فضلاً عن عدم وجود اتفاق كامل بينه وبين موقف. 


للة 


حافظ الاسد الذي كان أكثر تشدداً من ناحية القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع 
إسرائيل بصورة مباشرة إلى تدهور الاقتصاد المصري. وعدم ثقة السادات بنيات الولايات 
المتحدة بممارسة أي ضغط على إسرائيل. 





كان السادات متعجلاً لاسترجاع سيناء بأي ثمنء كما أنه أدرك أن الظروف الدولية ليست في 
مصلحته. في ضوء التوافق الأمريكي ‏ السوفياتي منذ عام 01972 وكان قَلِقَاً من أن تصاب قضية 
الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بالجمود. واضعاً أمام عينيه ما تحملته مصر من أعباء. 
على مدى 30 عاماً منذ نكبة عام 1948 وأراد أن يستفيد من التغيرات السياسية التي طرأت في 
إسرائيل» بعد صعود الليكود. 
1 - الاستراتيجية الأمريكية الجديدة 

فور وصول كارتر إلى منصب الرئاسة» بدأ فريق الإدارة الأمريكية الجديد (كارتر» فانس وزير 
الخارجية» بريجنسكي مستشار الأمن القومي) العمل في ملف الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. 
وضع الفريق استراتيجية جديدة تختلف عن استراتيجية كيسنجرء وتقرر التخلي عن أسلوب 
اللخطوة خطوة؛ والبحث عن طريقة للتفاوض على «سلام شامل». وبخاصة التركيز في استئناف 
مؤتمر جيف. 

كان واضحاً منذ البداية أن كارتر نفسه قرر اتخاذ دور نّشِط في محاولة حل المشكلة: مرة 
واحدة وإلى الابد. ولذلك. يشير فهمي في مذكراته إلى أن كارتر كان أول رئيس أمريكي على 
استعداد للإدلاء بتصريحات عامة كثيرة عن القضية وب إيخاصة المشكلة الفلسطينية» وفي أدق 
أجزائهاء حتى لقد ذهب. بعد أيام قليلة من تسلّم منصبه رسمياً في 1977/1/20. إلى التصريح 
من حق الفلسطينيين الحصول على «وطن قومي» مستخدماً تعبير «وعد بلفور» نفسه 
بالنسبة إلى اليهود. و: «المهم بالنسبة إلينا أنه كان واضحاً أن الرئيس الأمريكي الجديد 
ملتزم التزاماً جاداً وشخصياً بعمل شيء ما”", 

بدأ السادات وفهمي اتصالات ولقاءات مباشرة مع الفريق الأمريكي: وسرعان ما توثقت 
العلاقات مع كل أطراف الصراع» وبخاصة مصرء ينما أطلق عليها «المحادثات عن قرب» 
وكان الهدف منها وضع صيغة لاستئناف مؤتمر جنيف تكون مقبولة من الجميع؛ والتوفيق بقدر 
الإمكان بين مواقف مختلف الأطراف قبل افتتاح المؤتمر. ودأب كارتر وفانس على إحاطة مصر 
علماً بكل اتصالاتهما بالاطراف الأخرى؛ وجرت بين البلدين» كما يشير إسماعيل فهمي في 











(11) فهمي, المصدر تقسة. صن 231. 


42 


مذكراته؛ مبادلاتٌ بعيدة المد: » لافي شأن القضايا المباشرة فحسب. إنما أيضاً في شأن 
مشكلات القرن الأفريقي وشبه الجزيرة ٠‏ 

ويضيف فهمي أن الإنجاز الرئيسي الذي أسفرت عنه جامعة الدول العربية» ومؤتمرات القمة 
العربية؛ تمثل باتخاذ موقف موحد في شأن المبادئ الأساسية التي يتعين مراعاتها في التعامل 
مع إسرائيل من ناحية» وعدم اتتخاذ أية دولة قرارات من جانب واحد ‏ من ناحية أخرى. وكان من 
المفهوم أن أي خرق لهذا المبدأ العام السامي ستكون له آثار عكسية خطيرة في القضية العربية 
التي اكتسبت قوة والتزاماً لم يسبق لهما مثيلء نتيجة حرب تشرين الأول/أكتوبر 01973 التي 
أدت دوراً رئيسياً في توطيد التضامن العربي”". وكان واضحاً أيضاً أن الحكومات العربية 
ستكون مستعدة داخل إطار تسوية شاملة لتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل؛ منهية حال 
الحرب. ولا يعني هذا بالضرورة أن الدول العربية ‏ بما فيها مصر ‏ ستكون على استعداد لتطبيع 
العلاقات مع إسرائيل انتقالية طويلة؛ يجب أن يوضع خلالها السلوك الإسرائيلي 
تحت مراقبة وفحص دقيقين”". 

ويؤكد فهمي أن العقبة الحقيقية أمام مؤتمر جنيف لم تكن هي الانقسامات والشكوك في 
المعسكر العربي؛ إنما كانت موقف إسرائيل؛ التي لم تكن تريد مفاوضات مع وفد عربي موحد 
ولا تريد عقد المؤتمر. فمن وجهة نظرها لهذا الموقف وجاهته؛ فهي لن تستطيع فرض إرادتها 
على ججبهةعريية دوجدف لكن إنا املاع ا#تقارطن مع كل دولة عرية على جفة: وفوق ذلك 
عزل مصر عن الدول العربية الأخرى. فضلاً عن استبعاد الفلسطينيين استبعاداً كاملاً. فإنها قد 
مضل عاب كل ماعريدد 

في هذا السياق؛ كان موقف الولايات المتحدة أكثر المواقف غموضاً على حد تعبير فهمي؛ 
كان كارتر يريد بحق التوصل إلى تسوية للصراع. سواء بدافع التوجه الخالص لللام؛ أو 
لأسباب سياسية. كما أن إحراز نجاح في الخارج يعزز مركزه في الداخل. كان كارتر يدرك أنه لن 
يكون هناك سلام في المنطقة حتى تل المشكلة الفلسطينية؛ وكان هذا يعني أنه ينبغي للولايات 
المتحدة. على أقل تقدير أن تجرى اتصالات لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ وتعترف بها في نهاية 
صعبة» في ضوء الضغوط الهائلة التي تمارسها إسرائيل 
وجماعات الضغط اليهودية. فضلاً عن ذلكء كانت الولايات المتحدة مرتبطة و 





































(12) المصدر تقيه. صن 
(13) المصدر تقه. صن 3 
(1) المصدر نفسه. ص 234. 








43 


بالضمانات الرسمية التي كان كيسنجر قد منحها لإسرائيل» في اتفاق كتابي وسري. كجزء من 
الاتفاق على فك الاشتباك الثاني على الجبهة المصرية؛ والتي تتلخص في الآني*": 
١‏ الالتزام السياسي بأن تتبنى الولايات المتحدة وجهة نظر إسرائيل في كل جوانب الصراع. 
2- أن تتشاور الولايات المتحدة مع إسرائيل في شأن أية خطوة جديدة في الأمم المتحدة» 
أو مؤتمر جنيف. وأن تلتزم بأن تنسق استراتيجيتها في المؤتمر مع الاستراتيجية الإسرائيلية. 
3- أن تدعم الولايات المتحدة مبدأ أن تكون كل المفاوضات في مؤتمر جيف ثثانية ين 
إسرائيل وكل دولة عربية على حدة؛ وليست متعددة الجوانب بين إسرائيل ووفد عربي موحد. 
4 عدم التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية» أو الاعتراف بهاء من دون مواققة مسبقة 
من إسرائيل» وحتى تعترف بصورة رسمية بحق إسرائيل في الوجود, وتقبل قراري مجلس الأمن 





ذُرَي الرقمين 242 و338. 
5 تعهد الولايات المتحدة بزيادة المساعدات الاقتصادية لإسرانيلء وضمان تزويدها 
بالنفط. وبكمية الأسلحة المتقدمة. 






ويقول ذ ييلغنا كيسنجر بأن الولايات المتحدة تنوي أن توقّع مثل هذه الاتفاقيات 
الموسعة مع إسرائيل» لحين حضوره إلى مصر لوضع الإجراءات النهانية في فك الاشتباك 
الثاني. وقبل عشر دقائق من الاجتماع الرسمي أطلعني كيسنجر وسيسكو على الاتفاق 
الأمريكي ‏ الإسرائيلي» فشعرت بالاستياء. وفكرت في إعادة النظر في إتمام فك الاشتباك 
الثاني... لأنه سوف يجعل السياسة الأمريكية في المنطقة مجرد امتداد للسياسة الإسرائيلية» بل 
وبأكثر مما كانت من قبل. وكان هذا ثمناً كبيرا غير ضروري. يتعين أن تدفعه مصر مقابل 
الانسحاب الإسرائيلي إلى شرق الممارء*". 

هكذاء فإن قدراً كبيراً من مستقبل مفاوضات السلام كان يتوقف على السياسة الأمريكية في 
شأن مسألة منظمة التحرير الفلسطيئية. وكان واضحاً أن كارتر ليس لديه أية سياسة حقيقية خاصة 
به في هذا الصدد, إنما سيتبع السياسة الإسرائيلية» ما لم تمل بينه وبين ذلك ضغوط الدول 
العربية. ويشير فهمي إلى اجتماع على مستوى عالٍ بين مصر والولايات المتحدة» في 21 أيلول/ 
سيتمبر عام 1977 كان على قدر كبير من الأهمية؛ ففي حين أنهما كشفتا النقاب عن وجود 
مشكلات خطيرة لم تُحَلِء فإنهما أوضحتا أيضاً أن هناك احتمالات طيبة للنجاح إذا استمرت 














(15) المصدر تنسه. صن 202 و236. 
(16) المصبر تق صن 202 





414 


الدول العربية ملتصقة بعضها ببعضء وتتبع الاستراتيجية الصحيحة بثبات. وعلى هذا الأساس 
سيكون من اليسير تقييم قرار السادات غير العادي بالذهاب إلى القدس”". 

ويركز فهميء بصفة خاصة: في اجتماع أول على انفراد بينه وبين كارترء قبل الاجتماع الكامل 
للوفدين المصري والأمريكي, بحيث أسر إليه كارتر بأن من الضروري أن يوضح له بعض النقاط 
التي قد تعفّد في رأيه حل الأزمة» وقد تخلق صعوبات بالغة على الطريق الطويلة للتفاهم 
والتعاون المتبادلين بين البلدين. وعمد إلى إيضاح موقفه بقدر الإمكان في شأن مسألتين أثارهما 
معه السادات مراراً 

المساألة الأولى؛ تأكد السادات من أن بإمكان كارتر الضغط على إسرائيل» «لكني أريد أن 
تعرف أنني لا أستطيع أن أفعل ذلك؛ لأنه سيكون انتحاراً سياسياً شخصياً بالنسبة إلي»! 

المالة الثانية أن السادات كثيراً ما يحثني على أن أكون متشدداً مع الاتحاد السوفياتي» 
«وبيساطة فإنني لا أستطيع ممارسة ضغوط على موسكوء لأن هذا سيكون انتحاراً سياسياً آخر 
بالنسبة إلي»! 

ويعقب فهمي: «كم راعنى أن أجد كارتر على هذه الدرجة من الخوف والتردد. وإعطائه 
الأولوية الأولى لمستقبله الشخصي على قضايا الحرب والسلام المهمة في منطقة حساسة 
واستراتيجية مثل المنطقة العربية. فأن يكون الرئيس الأمريكي ضعيفاً فهذا أمر سيئ بما فيه 
الكفاية» لكن أن يكون مذعوراً نا أمر مرعب». ونقل فهمي إلى السادات ما أبلغه به كارت 
متوقعاً أنه سيفهم مغزاه على الفور, الذي يتمثل بأنه لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة 
وحدهاء بعدما اعترف كارتر شخصياً بمركزه وقدرات تحركه المحدودة؛ ثم كان عليه أن يعيد 
النظر في تقييمه لدورها في «عملية السلام»: وبخاصة اعتقاده الثابت» الذي ردده مراراء يأن 
9 بالمنة من أوراق التسوية النهانية يكمن في يد الولايات المتحدة"". 

ازداد الموقف سوءاً حين عقد الاجتماع الرسمي بين الوفدين بكامل هيتيهماء بحيث يقول 
فهمي: «وكم راع الوفد المصري وأفزعه أن كارتر اعترف بكلمات واضحة؛ لا لبس فيهاء مرة 
أخرى بعجزه عن التعامل مع الإسرائيليين؛ فقال: «من الاهمية بمكان ألا تنسوا أن نفوذي على 
إسرائيل يرتبط نسبياً بمدى ما أحظى به من تأبيد الرأي العام الأمريكي والكونغرس والدوائر 
اليهودية في هذا البلد. وأود أن أكون واضحاً كل الوضوح؛ لذا أقول: إنه في غياب مثل هذا 
التأييد من الأطراف الثلاثة» فإن قدرتي على التأثير في إسرائيل تكون محدودة». وصُدم الوفد 
المصري لدى سماعه كارترء رغم أننا كنا ندرك منذ زمن طويل مدى ضعفه. وكان لاختياره 




















(17) المصدر تفسه ص 338. 
(18) المصدر تقسة. صن 239 340. 


كله 


وس فإذا لم يكن مستعداً لمواجهة 






ل 0 
تستعيد أراضيهاء لكنها ستستعيدها على أية حال.. ومهما يكن من أمر فإنها بتفاوضها على 
تسوية منفردة سوف تقوّض فرص التوصل إلى اسلام شامل»» وفوق كل ذلك فرص حل القضية 
الفلسطيئية.. وسنكون قد خنا القضية العربية. وتوصلنا إلى لاشيءه”". 

وفي جميع الحالات فقد كان الموقف الإجمالي الذي عرضه كارتر في 
ذكر: «أود أن أكون واضحاً لأعلن أنني كرنيس للولايات المتحدة قد تجاوزت بالفعل مواقف 
أسلافي.. ودعني أوجز ما أنا على استعداد لقبوله: 

١‏ - يجب على إسرائيل أن تنسحب إلى حدود ما قبل 01967 باستثناء تعديلات طفيفة. 











2 يجب أن يكون للفلسطينيين وطن قومي. 
ومن الواضح أن هذين العنصرين إيجابيان بالنسبة إلى العرب. لكنهما سلبيان بالنسبة إلى 
إسرائيل. 


3 - إنني أتحدث عن سلام حقيقي, وليس مجرد إنهاء حال الحرب. 

4- إنني على استعداد للاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية» وقد أظهرتم أنتم والسعوديون 
استعدادكم للمساهمة في ذلك». 

«وعند هذه النقطة أضفت قولي: «وأعتقد أن السوريين سيساعدون أيضاًء إذا تأكدوا أنهم 
سيستعيدون سيطرتهم الكاملة على مرتفعات الجولان». وعلى الفور رد كارتر قائلاً: هلكن 
لا يمكنني ضمان أن السوريين سيستعيدون مرتفعات الجولان».. كاشفاً مرة أخرى عن عدم 
رغبته في الضغط على إسرائيل»”. 

ويضيف فهمي: : #على الرغم من اعتراف كارتر بعجزه؛ وافتقاده للشجاعة. فإنني وجدت ما 
يبعث على الطمأنيئة والأمل في موقفه؛ فقد كانت النتيجة التي توصل إليها هي 7 
التي خلصت إليها؛ وأعني أن أفضل فرص «السلام» تكمن في عقد مؤتمر جثيف في موعد 
مبكر. مع الاشتراك الكامل للاتحاد السوفياتي. وهنا يجب أن أؤكد أن كارتر كان مهتماً يصفة 
شخصية بالمؤتمرء وكان يكرّس الكثير من الوقت والجهد لضمان نجاح المؤتمر. ولم تكن 








(19) المصبر تيه 
(20) المصدر تقس صن 








416 


هناك أدنى إشارة إلى أن كارتر يشجع على إجراء اتصالات ومفاوضات مباشرة بين القاهرة وتل 





أن كارتر «لم يكن فحسب بعيداً من هذه الاتصالات». 
التي كانت جارية بين السادات وبيغينء ٠‏ بل إنه لم يكن يعرف أنها جارية. وفي الوقت الذي كان 
فيه اجتماعه مع كارتر منعقداً جرت الاجتماعات التي قدت بالمغرب» تحت رعاية الحسن 
ن حسن التهامي نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية وموشيه دايان وزير خارجية 








إن حصيلة هذه الاجتماعات. التي جرت عام 1977 قبل مبادرة السادات مباشرة. 
تؤكدء من وجهة النظر المصرية كما خلص فهميء أن هناك عناصر سلبية وعناصر إيجابية'"*. 
من الناحية السلبية» كان يبدو ضعف كارتر كبيراًء وكان اعترافه الصريح بأنه غير مستعد 
للاتتحار سياسياً بممارسته أيٍّ ضغط على إسرائيل» أكثر العناصر السلبية» كما أنه سوف يلتزم 
لفابلك الح اميسها سر ابر ال ا 0 
7 اتصالات بمنظمته التحرير الفلسطينية: ولم تعترف 
ة ستظل على موقفها المتشدد. كما أن الولايات 
المتحدة لم ن ن ن لسورية عودة مرتفعات الجولان» ومن شأن هذا أن يجعل حافظ 
الاسد أكثر تشدداًء وبالتالي غير مستعد للذهاب إلى مؤتمر جنيف. 
من الناحية الإيجابية. كان هناك عزم كارتر على الدعوة إلى عقد مؤتمر جنيف» الذي يُعَد 
ساحة حقّة لإجراء المفاوضات. الأمر الذي سيّدخل قوى أخرى في اللعبة» والأهم أنها قوى 
5 بتنهزلة كما ” 3 00 ٠‏ وكان عزم كارتر 























عن «سياسة الخطوة جلزة فلي عل مزلابات السنحدة فر 
المتحيزء وهذا التخلي كان خطوة هائلة إلى الأمام بالنسبة إلى الجاتب العربي. 
فضلاً عن ذلك, وعلى الرغم مما اتسم به كارتر من تردد في معالجة الأمور الحاسمة؛ فإنه 
كان يؤدي دوراً نشطاً وإيجابياً جداً ني وجهات النظر المختلفة. وقد أدت جهوده 
بالقعل إلى بعض الاتفاق على صيغة مقبولة للمؤتمرء وكان يمكن الاخذ بها إذا ما أمكن حل 











(2) المصدر تفسه. ص 343 343. 
(22) المصدر تفسه صى 343. 
(23) المصدر نقسه. صن 256 257. 


417 





المشكلات التي كانت قائمة؛ إلا أنه يجب أيضاً عدم المبالغة في تقديرهاء كما فعل العديد من 


المحللين. إن صيغة كارتر لم تكن تنسم بالكمال؛ ولن تُسعد كل الأطراف. لكن لم يكن هناك 
قط ولن يكون ‏ حل في المنطقة العربية يُسعد كل الأطراف"*. 

من ناحية أخرى» يذهب فهمي إلى أن إحراز تقدم في مجال انعقاد مؤتمر جنيف يُعزى إلى 
إصرار الولايات المتحدة على أن تتجاوز كل أطراف الصراع البيانات الطنانة» وتضع بدلاً من 
ذلك مقترحات مكتوبة من أجل السلام. وكان من بين هذه المقترحات مشروعا معاهدتي 
«اللام' اللذان تقدمت بهما كل من مصر وإسرائيل. وكان وجودهما في حد ذاته تطوراً ذا 
مغزى. فلم يحدث من قبل خلال سنوات الصراع الثلاثين أن تجاوزت إسرائيل ومصر البيانات 
الطنانة لتضعا على الورق» وبأسلوب واقعي. أفكارهما في ما يتعلق بشكل «السلام» الذي يجب 
قده بينهما وطبيعته. لكن من وجهة نظر مصرء كان هناك عنصر آخر ذو أهمية كبيرة؛ وهو أن 
الاقتراح الوسط الذي قدمته الولايات المتحدة كان قريباً جداً من الموقف المصريء بل إنه كان 
يتبنى في الواقع هذا الموقف كله تقريباً. ويجب تأكيد هذه النقطة بوضوح في ضوء التصريحات 
التي صدرت في ما يتعلق بالموقف السائد قبل رحلة السادات إلى القدس. والتي نحت بوجه 
خاص إلى أن الوضع الدولي كان كنيباً وميؤوساً منه كثيرا إلى أن احتمالات السلام بعيدة إلى 
درجة أن السادات لم يكن أمامه من بديل إلا أن يأخذ على عاتقه مسؤولية التصرف يمفرده. 
ويكسر الجمود برحلته الشجاعة إلى القدس. وهذا كان أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ فقد كانت 
إدارة كارتر قد رفضت وجهة النظر الإسرائيلية للسلام؛ كما وردت في مشروع المعاهدة الذي 
عرضته إسرائيل» إذ كانت أبعد ما تكون يق السلام؛ فلقد ذهيت إلى أكثر من مجرد إنهاء 
حال الحرب. والتوصل إلى حدود آمنة دائمة والحصول على الاعتراف العربي. ففي الواقع 
كانت الوثيقة تظهر محاولاتهم في إسرائيل لاستغلال عملية السلام لتحقيق السيطرة الكاملة 
على مصير مصرء والحد من دورها في المنطقة. وفي الواقع؛ فإن يعض الينود التي اقترحها 
الإسرائيليون لم يكن لها مثيل في أية معاهدة تنظم السلام بين الدول"0. 

ويتابع فهمي: «بعرض مشروعَي المعاهدتين المصري والإسرائيلي, فإن الجهد الشاق الذي 
بذله كارتر كان على وشك أن يؤتي ثماره؛ فقد عرض الطرفان الآن وجهات نظريهما كتابة» 
وكانت «المحادثات عن قرب». التي شجعها كارتر» تعني أن مفاوضات قد بدأت بالفعل. من 
حيث الواقع؛ بين الطرفين» من خلال الوساطة والمشاركة الأمريكية. كما أن المفاوضات 


























(24) المصثر تق 
(25) المصدر تقس 3 260 


48 


الأمريكية السوفيائية المكثفة. من أجل التوصل رصل إلى اتفاق على إطار للسلام في المنطقة» 
ُوُجت بإصدار البيان الأمريكي ‏ السوفياتي المشترك في 1977/10/1» وكان الرنيسان المشاركان 
في مؤتمر نيف قد اتفقا فيه على أساسيا: «السلام». وحددا موعد الانتتاح"*. وني 
//00771 #سلمني فانس وثيقة سرية أمريكية؛ عنواتها: «مشروع معاهدة سلام ممكنة بين مصر 
وإسرائيل6*» وقد أبديت اعتراضات معينة على بعض أجزاء المشروع» ودوتما تردد قبل فانس 
وجهة نظري, وأشار إلى أن هذا المشروع الأول كان نتاج محاولة للتقريب بين المشروعين 
المصري والإسرانيلي. عن طريق التقاط «نصي». والتقاط فقرة من هذا المشروع أو ذاك. لإظهار 
عدم التحيز لمصلحة مصر أو إسرائيل. وفي وقت لاحت من مساء نفس اليوم تسلمت المشروع 
الأمريكي الثاني» الذي كان يختلف عن الأول في أكثر من نقطة حيوية» كما تم تسليم نسخة منه 
إلى دايان»*, 

وفي التقييم يقول فهمي: ويجب أن يكون واضحاً الآن أنه كان هناك تشابه كبير بين 
المشروعين المصري والأمريكيء وهو تشابه لم يأتِ اتفاقاً؛ إنما لآن الدولتين راعتا القواعد 
الطبيمية والمعترف بها للقانون الدولي والمنطق. ولم نحاول - كما فعلت إسرائيل في مشروعها 
المقترح ‏ ابتكار معايير جديدة للقانون الدولي. أو منطق جديد يصاغ خصيصاً ليناسب 
أغراضهم» ويمكنهم من فرض وجهات نظرهم. قفي مشروعها لم تكن تعتزم الاتسحاب 
إلى الحدود الدولية لمصرء وكانت تريد الإنهاء الفوري لحال الحرب» في حين طلبوا أن تستمر 
اقواتهم في احتلال سيناء حتى تطبيع كل شيء. والتوصل إلى اتفاق حول ما أسموه الحدود 
الجديدة بين مصر وإسرائيل. وإنني شخصياً لم اعتبر المشروع الإسرائيلي وثيقة يمكن على 
أساسها البدء في التفاوضء إنما هو مجرد بيان يؤكد من جديد فلسفة إسرائيل وأهدافها'”". 


















انفاقية فك الاشتباك الثانية في سيناء حتى مبادرة السادات 
بالذهاب إلى إسرائيلء ثبت أن مرحلة الاتفاقيات المحدودة قد انتهت. واستفدت أغراضهاء 
وأن الخطوة التالية لن تتم إلا بعقد اتفاقية سلام نهائية» يتحقق بها التطبيع الكامل مع إسرائيل» 
في مقابل الانسحاب من سيناء. لم تكن مصر مستعدة بعد لهذه الخطوة الشاسعة. صحيح أن 
توجهاته نحو إسرائيل» وطرح مبادرات سلام لبد طريق التسوية السلمية» من 





(36) المصدر تقيه من 275 

(27) تنظر: سابروس فانس, خبارات صعبة: مذكرات (بيروث: المركز العربي للمعلرمات؛ 1984). 
(2) قهمي؛ المصدر تفسه. ص 276. 

(29) المصدر تفسه. ص 278. 


و4 


أن وطنت قدماه رئاسة الجمهورية» لكن ذلك كان يجري تدرجياً. وبتحرز شديد. وربما كانت 
ملامح سياساته الداخلية. وتحالفاته الإقليمية والدولية؛ مصوّبة نحو ذلك الهدف. 

وما بين الاستعداد والانتظار أخذت حلقات الحصار تضيق حول الاداء 
وبخاصة في ظل العزلة التي فرضتها انفاقية فك الاشتباك الثانية في سيناء. وما تسرب من 
ملحقاتها السرية. وما ترتب عليها من تدهور العلاقات العربية. وبخاصة مع سورية؛ الشريك 
المحارب من دون استشارته أو التنسيق معه. لتحقيق المزيد من المكاسبء الأمر الذي قلب 
الشراكة إلى عداء وصراع مريرين؛ لتركه سورية منفردة وسط الصراع؛ الذي تصاعدت حدته 
وأعباؤه مع زيادة حدة الأزمة || وقد تواكب مع ذلك تجمد الموقف السياسيء في غياب 
التقدم نحو الحسم النهاتي» الولايات المتحدة بأمورها الداخلية» وتراجع الأزمة التي 
هدّد بها شبح اللاسلم واللاحرب. الذي بات يطارد السادات. 

استغلت إسرائيل ذلك كله ببراعة شد ات عبر الحصار المضروب حول السادات 
برسالة مهمة من إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل» عن طريق ملك المغرب الحسن الثاني؛ في 
كانون الثاني /يناير 1976؛ يعرض فيها لقاء السادات لتكون البديل الوحيد أمام السادات للخروج 
من الأزمةء بحيث أوضحت الرسالة الظروف التي كانت سائدة؛ وأن عملية السلام بين مصر 

ايل لم يعد سهلاً الرجوع فيهاء ولا بد لمسارها من أن يكتمل؛ وصولاً إلى وضع العلاقات 

الطبيعية بين البلدين. ولعل أهم ما طرحته الرسالة هو أن الاعتماد على الولايات المتحدة؛ كي 
ن الطرفين: لم يعد مجدياً الآنء وبخاصة أن نتائج انتخابات الرناسة الأمريكية 
ليست مضمونة لمصلحة فورد. وإذا جاء كارتر فسوف يحتاج إلى عام كامل» على أقل تقديرء 
حتى يستطيع الاقتراب من الأزمة. ومعنى ذلك ضياع عامين من دون تحقيق أي تقدم. 

وكانت إسرائيل على إدراك تام لأبعاد ذلك بأن الوقت في حد ذاته يمثل أهم عناصر الضغط 
على السادات. مع التلويح بأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن ترغمها على أمر لا تقيله من 
تلقاء نفسهاء مقتنعة به. وراغبة فيه. لكن الأخطر من ذلك. والأكثر أهمية وتأثيرا هو عرض 
إسرائيل بأن أي عمل مباشر ومشترك بينها وبين مصر سوف يكون أكثر جرأة في تقديم شروط 
مقبولة لهاء وفي الوقت نفسه للرأي العام الإسرائيلي» الذي سيشعر باطمئئان لبدء تعامل مباشر 
بين حكومته والسادات. وإنه والحال كذلك. فإن مصر وإسرائيل ينبغي لهما أن تأخذا زمام 
الأمور في أيديهماء وأن تصلا بالعلاقات إلى وضع طبيعي. وهذا في مصلحة الطرفين. 
بالتالي يمكن القول إن رسالة رابين كانت نقطة البداية لتفكير السادات في اللقاء المباشر مع 
إسرائيل وجهاً لوجه. سبقتها مرحلة تمهيدية تكفلت بها استراتيجية رحلات كيسنجر المكوكية 
بين عامي 1974 و1975 من جانب؛ وإعادة السادات ترتيب أوراقه بحذر وترقب» من جانب. 
آخر. 





























420 


هكذا أصبح السادات في موقف بالغ الصعوبة؛ فهو لا يستطيع أن يقف بعملية «السلام التي 
بدأها في منتصف الطريق, بينما لا يزال 85 بالمئة من سيناء تحت الاحشلال» في حين أنه 





لا يستطيع مجاراة إسرائيل ببدء اتصالات مباشرة مع حكومتهاء لما سوف يعرّضه لأخطار 
جسيمة. في ظل الشكوك التي أثارتها اتفاقية فك الاشتباك الثانية في سيناء» وما تسرب عن 





تفصيلات ملحقاتها السرية» وفي الوقت نفسه ليس بقادر على الانتظارء الذي ربما يطول إلى 
أمد غير محدد. 

أمام جمود الموقف السياسيء ومحاصرة إسرائيل» كان السادات يبحث عن مخرج خلاف 
ذلك» ليكمل به طريق السلام؛ فكانت آخر أوراقه لمغازلة الولايات المتحدة؛ حتى لا تتقرد به 
إسرائيل» ويقع فريسة سهلة لهاء هي إلغاء معاهدة الصداقة المصرية ‏ السوفياتية» في منتصف 
آذار/مارس عام 1976. لكن رد فعل الولايات المتحدة على خطوته لم يزد بأكثر من إبداء 
إعجابها بسياسة الاعتدال المصرية» ليحرق السادات بذلك كل أوراقه من دون عائد. 

يشير مراد غالب في مفكراته إلى أن الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قد نجحا في 
التوصل إلى اتفاق بشأن مشروع لحل قضية الصراع العربي ‏ الإسرانيلي» في أول تشرين الأول/ 
أكتوبر 1977 وكان مشروعاً متوازناء يراعي مصالح + جميع الاطراف. وكان من ضمن المشروع 
فقرات خاصة بالفلسطينين؛ مفادها أن لهم الح في «وطن؟ (0ها 014006 وأنه لا بد من 
تحقيق الحقوق المشروعة لهم وأن يشاركوا في أي مفاوضات قادمة. وفي الحال طار موشيه 
دليان وزير خارجية إسرائيل إلى الولايات المتحدة وقابل الرئيس كارتر» وضغط ومعه اللوبي 
اليهودي عليه. ثم قام 150 عضواً من أعضاء الكوتغرس بإرسال خطاب إلى كارتر انتقدوا فيه 
الانفاق مع الاتحاد السوفياتي» فتراجعت الولايات المتحدة عن موقفهاء في 4 تشرين الأول/ 
أكتوبرء وأعلنت رفضها للاتفاق. وأرسل كارتر كتابه الشهير بخط يده إلى الرئيس السادات» يبلغه 
فيه أنه استنفد كل جهوده. وطالبه بأن يتحرك. وافق الفلسطينيون في الحال على الاتفاق» لكن 
اللاسف تراجعت عنه الولايات المتحدة: أما مصر فقد تلكأت قبرله. ويتساءل غالب: لكن 
الماذا تلكات مصرء وما هي الاسباب والدوافع؟ ويرد قائلاً: تحرك 
منذ تموز/يوليو في انجاه آخر؛ وبخاصة بعدما أبلغه بيغين رئيس وزراء إسرائيل الجديد أن ليييا 
كانت تخطط لاغتياله!"". 

حين التقى السادات كارتر في نيسان/أبريل 1977ء كان التصور السائد في الدوائر الأمريكية. 
أن السادات قد يكون الآن أكثر استعداداً لحركة أنشط في مجال تنفيذ «الاتفاق الاستراتيجي»» 















(36) مراد غالب. مذكراث مرئد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنوات الاتتصار وليام لمحن (الفاهرة: مركز الأغرام 
اللترجمة والنشر. 300). ص 219 


42 


الذي اقترحه السادات على كيسنجرء في ضوء الموقف الذي واجهه في أحداث 18 و19 كانون 
الثاني/يناير. كان هذا الاتفاق يقتضى التدرج خطوة خطوة نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. 





والآن فإن كارتر راح يسأل السادات هل هو على استعداد لخطوة كبيرة و«شجاعة» أخرى. وكان 
رد السادات: أنه على استعداد. لكن الأمر يحتاج إلى إعداد عملي ونفسي. 

وحين التقى بيغين كارتر في الشهر التالي نقل إليه مخاوف السادات من تعنّته, وأنه لذلك 
كان يفضل لو فاز بيريز في الانتخابات لا بيغين» وكان رده أنه على العكس من ذلك سوف 
يكون مستعداًء كما كان بيريز تماماًء للوصول إلى اتفاق بل إنه كان مستعداً للوصول إلى أكثر 





وفي آب/أغسطس وصل سايروس فانس وزير الخارجية الأمريكية إلى القاهرة؛ كي يحيط 
السادات علماً بتفاصيل المحادثات التي ين وكارترء ومعه خطاب بخط يد كارترء 
0 الجريئة والشجاعة المنتظرة وأن محادثاته. 
ن أكدت له أن الجو مهيأء وأن بيغين صادق في رغيته من أجل السلام؛ بل إنه قادر على 











أن كاين قسادات في ماف الظرينة” وأضاف كارتر أن تقديره الشخصي هو أن بيغين ليس 
بالتطرف الذي شاع عنهء وأن الفرصة قد تكون الآن سانحة؛ وهو على استعداد من جانبه لأن 
يؤدي دوره في الإمساك بها. 

وهكذاء بينما كانت الجهود الأمريكية موجّهة نحو استئئاف انعقاد مؤتمر جيف» شرعت 
0 فح نوات الاتضال على لهات مشددة. في هذا 





الإسرا ائيلية عام 1977 واستخدامه الماهر المعلومات توافرت لدى الاستخبارات الإسرائيلية في 
شأن محاولة لاغتيال السادات؛ قد شجعا السادات على الاستقلال عن الأمريكيين؛ فبحب ما 

غربية فمن المعتقد أن الموساد قد اكتشفا محاولة من تدبير 
القذافي لاغتيال السادات» في 23 تموز/يوليو 1977. وما كشف في شأن هذه المحاولة أن 






(1) انظر في تفصبل ذلك: الباس شوفاتي. طريق بيجين إلى القاهرة: من نسوبة إلى حلف (بيروث: مؤمسة الدراسات 
الفلسطيبة. 1978). 





42 


الإرهابين قد تلقوا تدريباً في واحة تبعد 20 ميلاً عن الحدود المصرية» وأن بيغين أحس بأنه 
عاجز عن التصرف حيال هذه المعلومات» فسأل سلفه: «ما الذي كنا نقوم به في الماضي بمثل 
هذه المعلومات؟». فقيل له: إنه جرت العادة أن يمرر الإسرائيليون مثل هذه المعلومات إلى 
الاستخبارات المركزية الأمريكية. لكن بيغين قرر أن إسرائيل في هذه المرة سوف تخبر السادات 
بما حدث مباشرة قائلاً: «فلا ضر من أن نريه نياتنا الطيبة». فجرى تمرير المعلومات إلى 
حسن التهامي ‏ نانب رنيس الوزراء وأحد أكثر أصدقاء السادات قرباً منه ‏ فأمر السادات بشن 
حرب استغرقت ستة أيام على ليبياء وأرسل شكره على تلك المعلومات0". 

أما ما نتج من إبلاغ السادات بخطة ليا لاغتياله فقد تمثل بهجوم القوات الجوية المصرية. 
لمدة أسبوع كامل. » على مواقع ليبية» على الحدود ووراء الحدودء وتحطيم طائراتها ودفاعاتها 
الجوية» نضلاً عن تدمير قاعدة صواريخ يبنيها السوفيات على الحدود المصرية. لماذا لجأ 
السادات إلى هذا الاسلوب؟ لا شك في أن القذافي كان مصدر متاعب. لكن قرار «حرب 
تأديبية» يُمَن على ليبيا لم يكن رد الفعل الملائم لخلافات أو مشكلات بين حاكمين. وحتى إذا 
كانت «قصة المؤا. .يكن من المعقول توجيه العقاب إلى الشعب والجيش الليبسين 
على نحو يخلق سابقة خطيرة في العلاقات العربية. وإذا كانت هذه القصة لا تصلح تفسيراً 
عقلاتياً لرد فعل السادات» فهل كان التفسير الحقيقي هو أن السادات أراد في تلك الفترة الحرجة 
أن يثبت قدرته على التصدي للنظم المناونة للولايات المتحدة» وعلى تعقب مخازن السلاح 
السوفياتي أينما تكون؟! ومن اللافت للنظر أنه قد شن هذه الحرب على ليبياء وبعد أربعة أشهر 
ذهب إلى إسرائيل تحت شعار أن الحل السلمي. والمفاوضات» هما الأسلوب الحضاري الذي 
































نفسهاء نشطت قناة الاتصال عن طريق شاه إيران والملك الحسن الثاني مجددا 
التحمل رسائل بالمعنى نفه. بهدف المباحثات المباشرة. فقد تركزت الجهود الإسرائيلية 
لمحاصرة السادات لدى ملك المغرب. الذي كان من أشد المتحمسين لدور الوسيط في الصراع 
العربي ‏ الإسرانيلي. وبناة على اتصال بيغين أرسل الملك مبعوثاً إلى السادات لعرض موضوع 
الانصالات السرية المباشرة بين مصر وإسرائيل» وعلى الفور وافق السادات بشرط السرية 
المطلقة» بدافع عدم ثقته بالتوصل إلى موقف عربي موحدء وأن ذلك ميؤوس منه؛ وأملاً ني 
الوصول إلى حل مقبول للشعب المصري» بحيث إن مطالب إسرائيل الحققية ليست في سيا 
في الوقت الذي كانت مسألة السلام مهمة وضرور السادات في الحكمء بعد أن 


(32) ديفيد هبرست وإبرين ببسون؛ الساداث. ترجسة محمد مطاوع (الفاهرة: دار الكتب للنشر والتوزيع: 2016 
اص 363. 





42 


بدأت الضغوط الداخلية» وشبح حال اللاسلم واللاحرب تهدد أركانه» فضلاً عن محاولته تنويع 
رهاناته. خوفاً من أن يصبح مؤتمر جنيف قيداً على أسلوبه في الدبلوماسية المتحررة من القيود. 

وعلى هذه الطريق عُقَد القاه سري. في 7 آب/أغسطس 7 في رومانيا بين بيغين وسيد 
مرعي رئيس مجلس الشعب المصري. ومن الجدير بالذكر أن رئيس وزراء رومانياء الذي حضر 
إلى مصر للمشاركة في مراسم جمال عبد الناصرء كان قد أشار في لقائه مع السادات إلى 
«أن إسرائيل على استعداد لفتح صفحة جديدة مع مصر». وعرض عليه أن تقوم رومانيا بالوساطة 
بين مصر وإسرائيل. 

لكن موشيه دايان هو الذي حقق الاختراق الحاسم في هذا الاتجاه؛ عندما التقى حسن 
التهامي في المغرب الذي نقل إليه استعداد السادات لأن يقابل بيغين» وكان شرطه الوحيد هو 
أن تنسحب إسرائيل من سيناء””. فقي أيلول/سبتمبر نقل الحسن الثاني إلى السادات اقتراحاً 
بأن يجتمع مع بيغين في المغربء أو أن يوفد مبعوثاً للاجتماع مع دايان وزير خخارجية إسرائيل. 
اختار السادات البديل الأول. وبالفعل تقد اجتماع بين دايان مبعوث بيغين وحسن التهامي 
مبعوث السادات» في 16 أيلول/سبتمبر 1977 برعاية الحسن الثاني في المغرب» وكان لهذا 
الاختيار آثار مهمة في سير الأحداث فيما بعد. وخلال المناقشات التي شهدها هذا اللقاء جرى 
الاتفاق على التحركات الثلاثة الآنية: 

١‏ يقوم كل طرف بإبلاغ رئيس حكومته للحصول على موافقته على استمرار اللقاءات» وأن 
ينقل دايان إلى بيغين طلب السادات التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة» كشرط 















مسيق لاستمرار المباحثات. 
2- أن يجري تبادل وثيقة السلام التي يعدها كل طرف» ويدرسها الطرف الآخر وتُعرض 
على الولايات المتحدة. 


3- إذا وافق الرئيسان على هذه المقترحات يُعقد اللقاء الثاني خلال أسبوعين. 

في هنا الإطارء قدت ثلاثة لقاءات بين دايان والتهامي» لكنها لم تسفر عن أي نتائج 
ملموسة: فلم تكن أكثر من جولات لاستطلاع وجهات النظر وجهاً لوجه. ولم تخرج المناقا 
خلال اللقاءات الثلاثة في مجملها عن الشروط التي وضعها الطرفان وجرى طرحها من 
اللهم إلا محاولة جس النبض. والتركيز في الحل المنفرد مع مصرء والتلويح بإمكان عقد لقاء 
.بين السادات وبيغين» وهو ما أوضحته التقارير التي أعدها دايان في شأن تلك اللقاءات لعرضها 
على بيغين. وبخاصة تأكيد عدم الاستعداد لقبول التزام مسبق بالانسحاب من الأراضي المحتلة 

افة. وكان ذلك على مما نقله التهامي إلى السادات في شأن استعداد إسرائيل 











(33) المصدر تق 


424 


اللانسحاب من الأراضي المصرية المحتلة من دون تأخير» والتفاوض على كل شيء. وقبول 
الانسحاب من سائر الأراضي العربية المحتلة؛ على أساس تعديلات طفيفة» كما جاء ني 
مشروع روجرزء وهو ما نفاه دايان عندما التفى السادات في أثناء زيارته إسرائيل"*. 

كان الهدف الأوليَ من هذه اللقاءات السرية في المغرب هو الوصول إلى نوع من الاتفاق 
قبل انعقاد مؤتمر جنيف» حتى لا يتهي إلى الفشلء فهذء الاتصالات لم تكن إلا محاولة للفرار 
من الطريق المسدود الذي يمكن أن ينتهى إليه مؤتمر جنيف برعاية أمريكية ‏ سوفياتية. واعتقد 
السادات أنه بذلك قد أمّن نفسه ضد تحول مؤتمر جنيف إلى مصيدة 











هروبه من المصيدة المزعومة يصبح فريسة سهلة بين فكي إسرائيل. المهم أن هذه الاتصالات 
ساهمت» بقدر ماء كمرحلة تمهيدية للمباحثات المباشرة بين مصر وإسرائيل» وما ترتب عليها 
من تسلل الأحداث فيما بعد. 


ففي ضوء هذه الاتصالات وثق السادات بإمكان النجاح» وبخاصة في ظل طمأنة كيسنجر له 
بأن الصراع العربي ‏ الإسرائيلي: في جوهره. قضية نفسية قبل أي شيء. فإذا ما انكسر الحاجز 
النفسي لأمكن حل مشكلة الأمن الإسرائيلي؛ وهي العقبة الرنيسية بالنسبة إلى استعداد إسرائيل 
البناء السلام. هكذا كان كيسنجر أول من نسج خيوط شرك الحاجز النفسي في مخيّلة السادات 
وتفكيره» وواصلت إسرائيل الإغراء به. فكان هذا الطرح من ضرورات الزيارة. فقد استعاد 
السادات ما نقله إليِه حسن التهامي عن دايان؛ الذي قال له حين التقيا في المغرب. قبل زيارة 
إسرائيل بشهرين: إن العامل النفسي هو وحده العقبة |1 التي تعترض سيل الاتفاق». 
وأكد أنه إذا ما جرى اجتياز هذا الحاجز النفسي فلن تصبح هناك مشكلة مستعصية على الحل. 
هكذا وصل السادات إلى أن طريق مؤتمر جنيف لا بد من إيقافه؛ والاتصالات عن طريق 
القنوات السرية يمكن أن تتسرب في أية لحظة؛ وتؤدي إلى مشكلات مزعجة. وإذا كانت 
المسألة هي الحاجز النفسي واجتيازه» فتلك هي «لعيته» المفضلة. 

في تلك الظروف لاح في فكر السادات خيال زيارة إسرائيل. لم يناقشه مع أحد. واحتفظ به 
النفسه. يدور حولهء ويعود إليه. حتى كانت زيارته رومانياء التي كانت حاسمة. ولقد قال في 
حديث منشور له وكرر القول أكثر من مرة: #ركبت الطائرة من بوخارست. بعد انتهاء زيارتي 








() موشبه دابان؛ الاختراق: رؤية شخصية للمباحثات المصرية - الإسراتيلية: كتب منرجمة؛ 764 (الفاهرة: الهبنة. 
العامة للاستعلامات؛ 1977). ص 2 وما بعدها. انظر أبضاً: محمد سعد العرضي. حسن المتهامي بفتح ملفائه من احتلال 
فلسطين إلى كامب دايفيد: عبد الناصر... الساداث وسكين المخابرات الأمبركبة (الفاهرة: دار ديوان. 01998 


425 


لتشاوشيسكوء وكانت تأكيدات تشاوشيسكو تدور في رأسيء وعندما وصلت الطائرة قرب 
الحدود البلغارية (مسافة ثلث ساعة) كانت فكرة الذهاب إلى القدس بنفسي قد استقرت». 

من ناحية أخرى, كان السادات يتصور أن أي اتفاق بين مصر وإسرائيل سوف يؤدي إلى 
اتفاقات مشابهة بين الدول العربية الأخرى وإسرائيل» وبالتالي سوف يؤدي إلى حل القضية 
الفلسطينية. وفي هذا السياق» جاءت محاولات جس النبض. ثم الاتصالات السرية ب 
السادات وبيغين, والتي أدت في نهاية المطاف إلى توجهه إلى إسرائيل. 

وفي إطار جولات الاتصالات السرية؛ لفتح قنوات اتصال بين السادات وبيغين» كان أهمها 

















فتح قناة الانصال عن طريق الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكوء لتنقل رسالة مهمة إلى 
السادات مؤذاها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بيغين راغب في دخول التاريخ كرجل 





سلام» وأنه سيكون مستعداً لأن يعطي السادات مباشرة أكثر مما يمكن أن يعطيه له عن طريق 
كارترء فضلاً عن أنه قادر على تنفيذ ما يعد به. 

قام السادات بزيارة رومانياء وفي الجلسة المغلقة بينهماء في 29 تشرين الأول/أكتوير 1977 
طمأنه تشاوشيسكو بقدرة بيغين على اتخاذ قرارات صعبة. وهو ما بدا معقولاً. ليساهم في بلورة 
فكر السادات. ودفعه بقوة إلى المضي قدماً في هذا الاتجاء. إذ لا يتصور أن ذلك اللقاء المغلقء 
والذي في إثره قرر السادات زيارة إسرائيل» اقتصرت محتوياته على هذه الجملة المفيدة وحدها. 
فأغلب الظن أن تشاوشيسكو نقل إلى السادات وعوداً أكثر تحديداً عن ن» الكاذبة في 
معظمهاء في حال قبوله زيارة إسرائيل» وهذا منطقي في ظل التلميح بأن ١‏ 'نصال المباشر بين 
أطراف الصراعء من دون الولايات المتحدة» هو الطريق الأقصر لحل الصراع؛ وهو ما ستبدي 
إسرائيل بصدده مرونة كبيرة. 

200 خارجية مصر إسماعيل فهمي إلى أنه كان من الواضح أن جميع الأطراف كانت 
ملتزمة بانعقاد مؤتمر جنيف في عام 1977. إلا أن بعض الدلالات ظهرت مع نهاية الصيف على 
أن إسرائيل تود اتصالاً مباشراً بالسادات. وجاءت الإشارة الأولى مما يدور في خلدها عندما 
وصاته فجأه برقيات من سفارات مصر في النمسا والولايات المتحدة وبريطانياء تذكر رغبة عدد 
من القيادات الصهيونية العالمية في تدبير اجتماعات سرية مع السادات. وقد بدا بعيد الاحتمال 
لديه أن تكون هذه محض مصادفة. وقد نقل ريبته إلى السادات» مع التوصية بعدم مقابلتهم» 
لأنهم قيادات صهيونية معروفة» وعلى قوائم المقاطعة العربية» وأن مقاباتهم سوف تخلق رد 
فعل مضاداً في الوطن العربي؛ فوافق السادات على عدم مقابلتهم. 

ويتابع إسماعيل فهمي أنه ما إن تم رفض هذه الرغبات حتى نقل الملك الحسن الثاني رغبة 
بيغين في الاجتماع مع السادات؛ وقد استجاب له وأرسل نائب رئيس الوزراء برناسة الجمهورية 
حسن التهاميء الذي التقى هناك موشيه دايان وزير خارجية إسرائيل في حكومة بيغين» وكانت 














426 


هذه أول مرة يعمد السادات فيها إلى عدم إبلاغ فهمي بواقعة معيئة» لعلمه بمعارضته لهذا 
التحرك. وفي جميع الحالات فقد أنكر السادات تكون هناك صلة بين مهمة التهامي ني 
المغرب وزيارة إسرائيل؛ لأن السادات نفه أبلغ دايان أن مهمة التهامي كان هدفها أن يزكد 
وصول مصر وإسرائيل إلى نوع من الاتفاق قبل انعقاد مؤتمر جنيف» حتى لا ينتهى بالفشل. 
وإذا كانت هذه هي الحقيقة, وأن مهمة التهامي مرتبطة بانعقاد مؤتمر جنيف فلماذا يُخفيها عن 
وزير خارجيته. الذي يتولى التحضير لانعقاد هذا المؤتمر"!"؟ 

بعد ذلك مباشرة. وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر 1977. كانت رحلة السادات ومعه فهمي 
إلى رومانياء التي حسمت الأمر نهائيً؛ بحيث عقد السادات جولة مباحثات مغلقة مع الرئيس 
الروماني تشاوشيسكو. ثم عرض على فهمي. لأول مرة. فكرة زيارة إسرائيل» الامر الذي يجعل 
من المنطقي أن دعوة ملك المغرب لم تكن لها أي علاقة بانعقاد مؤتمر جنيف. بغض النظر عن 
نيات السادات. والأكثر أن دعوة تتشاوشيسكو لم تكن لها أيضاً أية علاقة بهذا المؤتمرء 
لانه نقل رسالة من ب فيها خطة سلام كاملة. كما سيأني بيانه. وبخاصة أن السادات 
طرح عليه سؤالاً صريحاً من شقين: أولهماء هل بيغين راغب حقيقة في السلام؟ وثانيهماء هل 
بيغين يملك القدرة على أن ينفذ عملية السلام؛ ويفرض أي اتفاق يمكن الوصول إليه؟ 

كان رد تشاوشيسكو على السؤالين بالإيجاب. كان رده قاطعاً لأي شك وأي تردد قائلاً: 
بلا شك صهيوني؛ وصهيوني جد لكنه رجل قويء وراغب في تحقيق 
السلام» لأنه يعرف ما هي الحرب؟ لكنه أيضاً يريد أن يترك اسمه علامة في تاريخ الشعب 
اليهودي». وأضاف: إن بيغين على أساس سمعته كصقر متشدد يستطيع أن يؤدي دور ديغول في 
الجزائرء ولن يستطيع أحد أن يزايد عليه. أو أن يتهمه بالتفريط. وبالتالي فإنه يستطيع أن يفرض 
اتفاقاً يعجز غيره من السياسيين المعروف عنهم الاعتدال أن 3 

من هذا المنظور يعتقد معظم المحللين السياسيين أن بيغين انتهز جميع هذه العوامل؛ وبدأ 
يقتنع بأن إجراء مفاوضات مع دولة عربية كبرى واحدة» وفي الحقيقة هي أكبر دولة عربية» 
أفضل من المفاوضات مع مجموعة من الدول. وأن أي اتفاق سينجم عنها سيكون في مصلحة 
إسرائيل؛ إما عن طريق السلام مع أكبر قوة عسكرية عربية» وإما عن طريق عزل مصر عن سائر 
الوطن العربي؛ وإما بتحقيق كليهما. 

إن محور مذكرات إسماعيل فهمي يدور حول فكرة أساسية؛ تتمثل بأن مار الأحداث كان 
يتجه. بحسمء نحو عقد مؤتمر دولي في جنيف لحل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» في كانون 
الأول/ديسمبر عام 1977. وكان هناك اتفاق بين الدولتين العظميين ‏ آنذاك ‏ الولايات المتحدة 





















(35) فهمي. النفاوض من أجل السلام في الشرق الأرسط: ص 304. 


427 


والاتحاد السوفياتي على عفد هذا المؤتمر تحت مظلة الأمم المتحدة؛ بمشاركة الأطراف العربية 
المعنية. كما إسرائيل؛ وأهم الأطراف الدولية. وربما كانت تلك المرة الثانية التي يكون هناك 





في سياق أزمة السويس؛ التي تفجرت بعد تأميم جمال عبد الناصر قناة السويسء الأمر الذي 
ساهم في هزيمة العدوان» ورده على أعقا. . ويؤكد فهمي في كتابه أن مسألة استرداد مصر 
السيناء بالكامل لم تكن تمثل أية مشكلة, إذ إن الإدارات الأمريكية المتعاقية كانت تقر بذلك» 
وملتزمة به. ولم تكن إسرائيل بدورها تمانع في الانسحاب الكامل من الاراضي المصرية. 

من ثم فإن السؤال الرنيسي الذي تطرحه مذكرات إسماعيل فهمي هو: ما الذي دفع 
السادات إلى إجهاض فكرة المؤتمر الدولي؛ والقفز فوق الأحداث؛ بالذهاب إلى إسرائيل من 
دون أي ترتييات مسيقة والتعاون المباشر مع الإسرائيلين من أجل البحث عن تسوية؟ 

لا يعطي فهمي إجابة محددة حصل عليها من السادات عن هذا السؤال الحيوي تشفي غليل 
القارئ. وعلى الرغم من المناقشات الخاصة والمطولة التي دارت بين فهمي والسادات بشأن 

فإن قارئ المذكرات يظل حائراً بالنسبة إلى مبررات السادات» التي لا بد من أنه 

كان من المتوقع أن تتضمن تلك المذكرات 
ما كان يقوله السادات» ويفكر فيه الأن السادات في النهاية كان محور الأحداث ومحركها 
ومتخذ القرار فيها. وما يمكن استنتاجه من ثنايا الكتاب أنه خشي أن يدخل مؤتمر جنيف في 
تعقيدات بسبب مشكلة الجولان والقضية الفلسطينية» فتماطل إسرائيل في موضوع سينا 
وترفض الانسحاب حتى يتم اتفاق متكامل بشأن كل الموضوعات والساحات. بالتالي فقد 
ضحى السادات بمطلب السلام الشامل في مقابل صلح منفرد مع إسرائيل يضمن له استرداد 
سيناه. 

إن مذكرات فهمي حافلة بالعديد من الروايات المثيرة والمعلومات» التي تؤكد بعض الحقائق 
يأ مثل تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني الرهيب في الولايات المتحدة والغرب 

ذ لة مقتضب قالها كارترء خلال استقباله فهمي في البيت ١‏ 'بيضء إذ 
أكد أنه ليستطيع أن يمارس ضقوطاً على إسرائيل: لآن ذلك سيكون انتحاراً سياسيً النسبة 
إليه. 

كذلك؛ فإن أسامة الباز. في معرض إجابته عن سؤال بمناسية مرور ثلاثة عقود على مبادرة. 
السادات؛ في مقابلة على قناة (©8186). في 2007/4/6 كان قد أكد أنه علم بفكرة «المبادرة» 
الأول مرة. إلى جانب فهمي وزير خارجية مصرء ومحمد البرادعي الذي كان يعمل في مكتبه 
مستشاراً قانونيا. ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاًء في أثناء زيارة رسمية كان السادات 
يقوم بها إلى رومانيا عام 1977. وعلى الرغم من الدور البارز الذي أدّاه الباز في مسيرة المبادرة. 

















428 


إلى جانب السادات لاحقاًء فإن فهمي سجل في مذكراته أنه عندما أبلغ الباز عن نية السادات 
السفر إلى إسرائيل. في أثناء وجودهم في رومانياء غضب غضباً شديداً وقال: «هذا جنون 
لاشك في أن الرجل غير متزن» ولا بد من منع ذهابه إلى القدس حتى ولو استعملنا || 
وعندما سأل الباز إذا كان مستعداً لمرافقة السادات إلى إسرائيل» في حال قرر الذهاب فعلاً؛ رد 
إلى إسراتيل إلا جثة هامدة»! إن مواقف الباز 
الحماسية هذه لم تنفد على أرض الواقع؛ لأنه رافق السادات خلال زيارته إسرائيل» وكتب له 

زء القانوني الخاص بالقضية الفلسطينية. في الخطاب الذي ألقاه السادات في الكنيست عام 
بيئما تولى موسى صبريء رئيس تحرير صحيفة الأخبار, وأنيس منصور رئيس تحرير 
مجلة أكتوبر. كتابة الجزء الإنساني. بينما كان رد فعل البرادعي. كما أشار فهمي. هو الاعتراضء 
لكنه لم يعير عن رأيه بالعنف نفسه الذي ميز ردود الباز. 

كان الباز مديراً لمكتب إسماعيل فهمي حين استقال من منصيه. وحين تبعه في الاستقالة 
محمد إبراهيم كامل في أثناء انعقاد مؤتمر كامب دايفيد عام 1978 لم يبق مع السادات غير 
الباز. ولفت هنا الوضع الغريب نظر كارترء فكتب يتحدث عن المفارقة بين الوفدين المصري 
والإسرائيلي: بين فريق إسرائيلي كامل؛ ورئيس مصري وحيدء معه خبير سياسي وقانوني واحد - 
الباز - بعد استقالة وزيرّي الخارجية. 

وخلال الاجتماع الذي قد في فندق مينا هاوس في القاهرة» في كانون الأول/ديسمبر عام 
7. عقب قيام السادات بزيارة إسرائيل مباشرة؛ تحدث رئيس الوفد الإسرائيلي إلباهو بين 
إسرائيل في السلام» وأفرد خريطة للعالم وقال: إن من ينظر إلى هذه الخريطة». 
٠‏ يجد أن الدول شهدت على مر السنين تغييرات كثيرة في حدودها. فحدود 
الدول ليست من الثوابت» ولهذا لم تعد هناك دولة لم تضم أو تخصم منها مساحة من الاأرض. 
وقبل أن يرد عصمت عبد المجيد رئيس الوفد المصري. اقتحم الباز الميكروقون» وقال: إن 
الذي فات المندوب الإسرائيلي أنه إذا راجع تاريخ الدول على مر السنين فسيجد أنه على الرغم 
من صحة مقولة تغير خرائط الدول» على مر السنينء فإن الذي لا يعرفه أن هناك دولتين في 
العالم لم تتغير حدودهما منذ بداية التاريخ؛ وهما مصر والصين. وقال: أرجو ان ترجعوا إلى 
خريطة مصر منذ أيام مينا إلى الآن؛ وسوف تجدونها خرائط اليوم نفسها من دون أي تغبير. وإذا 
كانت مصر قد حافظت على حدودهاء خلال آلاف السنين. ولم تفرط في أي جزء منهاء بغض 
النظر عن الأحداث والظروف. فلن تأتي اليوم أو غداً لتفعل ما لم يفعله الأجداد وأجداد 
الأجداد. وهنا طوى ممثل الوقد الإسرائيلي خريطته. 

من ناحية أخرى. أضاف فهمي: إن ثلاثتهم قد استهولوا تماماً هذه «الفكرة»؛ وعندما سألهم 
السادات عن البديل اقترحوا عليه أن يكتب إلى الرنيس كارترء ليقترح عليه عقد اجتماع دولي في 

























429 


مكتب الأمم المتحدة في القدسء يحضره رؤساء الدول أطراف الصراعء والدول الخمس 
الكبرى. والأمين العام للمنظمة الدولية: قفعل السادات. ويضيف فهمي أن كارتر استبعد تلك 
الفكرة تماماًء مؤكداً صعوبة نجاحهاء وبخاصة أن الترتيبات كانت جارية بالفعل لعقد مؤتمر 
دولي للسلام في جيف. 

ومن المعروف أن عام 1977 كان قد شهد اتفاق الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي» 
الأول مرة منذ العدوان الثلائي على مصر عام 1956 على العمل معاً من أجل التوصل إلى 
حل شامل للصراع العربي ‏ الإسرائيلي» من خلال «المؤتمر الدولي»؛ الذي كانت ١‏ 
لعقده جارية على قدم وساق. مطلع ذلك العام في جنيف. وأصدرت الدولتان بياناً رسمياً 
.بهذا المعنى في أول تشرين الأول/أكتوبر 1977. لقد أكد السادات بنفسه هذه ١‏ 
في ذلك أنه اشترك مع كارتر في تذليل آخر العقبات التي كانت تحول دون انعقاد «المؤتمر 
الدولي»؛ وهي مسألة التمثيل الفلسطيني في المؤتمرء بحيث أشار إلى أنهما كانا قد توصلا 
إلى انفاق على أن يتولى تمثيل الطرف الفلسطيني «شخصيات فلسطينية تحمل الجنسية 
الأمريكية». من الذين لم يشاركوا من قبل في الكفاح المسلح؛ وكان التوجه إلى الاختيار من 
.بين أساتذة في جامعات أمريكية ينطبق عليهم ذلك التوصيف. بل أشار السادات إلى الاتفاق 
على أسماء عدد من هذه الشخصيات؛ كان من بينهم على سيل المثال: إدوارد سعيد ووليد 
الخالدي وهشام شرابي. ويؤكد فهمي أنه تم الاتفاق فعلاً على هشام شرابي أو إدوارد 
سعيد. 

















ثالاً: زيارة إسرائيل 

في مساء السبت ١9‏ تشرين الثاني انوفمير عام 1977» وبيئما جموع المسلمين يقفون على 
جبل عرفات في سياق أداء مناسك الحجعء حسمت طائرة السادات الجدل والشكوك في إمكان 
قيام زعيم أكبر دولة عربية بزيارة أعدانه في عقر دارهم؛ على الرغم من حملات الهجوم عليه في 
المحيط العربي. والتهديد بالقتل أو الاختطاف. 

الاشك في أن هناك الكثير من المعلومات المتضاربة والمتناقضة في شأن قرار السادات 
زيارة إسرائيل» وبخاصة من زاوية الأطراف التي دفعت إليه؛ أو شاركت في الاتصالات الخاصة 
به أو كانت على علم بمجرياته وترتيباته. وقي هذا السياق, من اللافت أن اللواء طه زكي مدير 
مكتب السادات ‏ وهو ضابط الشرطة الذي سلمه مجموعة أشرطة التسجيلات» التي تَُدَ جزءاً 
من رواية أحداث انقلاب أيار/مايو عام /197. الذي قاده السادات كما تقدم ‏ قد أشارء ني 
حوار تلفزيوني مع برنامج «90 دقيقة»: إلى أن السادات قد طلب منه. على نحو مفاجى. وهو 
يصعد إلى غرف النوم بمنزله» الذهاب إلى القدس لمعايئة المقر المخصص له؛ وذلك قبل 








430 


إعلانه استعداده لزيارة إسرائيل أمام مجلس الشعب! وحيث لم تكن لدى زكي أية معلومات 
مسيقة عن هذه الزيارة فقد توجه إلى زملاته في مكتب الرئيس لسؤالهمء قلم يجد لدى أي منهم 
أية معلومات عنهاء وهم: حسن كامل رئيس ديوان رئيس الجمهورية؛ والفريق سعد الدين 
الماحي كبير الياوران» وفوزي عبد الحافظ السكرتير الخاص للرئيس. في ضوء ذلك توجه زكي 
إلى السادات ليفهم منه مقصده. فقال له: اتصل بالسفير الأمريكي لدى مصر هيرمان أيلتس 
وسيعطيك كل التفصيلاتء الأمر الذي يؤكد أن السادات قد أبلغ كارتر بهذه الزيارة قبل إعلاتها 
أمام نواب الشعب المصري! 

أما في إسرائيل فقد عمت البهجة وأصيب مواطنوها يفرحة هيستيرية» لا تقل عن تلك التي 
أصابت زعماءها. ووقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغين فاتحاً ذراعيه مرحباً بضيفه الكبيرء 
الرجل الذي كان أول من أذاقهم مرارة الهزيمة في حرب عام 1973 وبجوار بيغين وقف موشيه 
دايان» وآرييل شارون» وإسحق شامير رئيس الكنيست» وإلى يساره وقفت غولدا ماثير رئيسة 
وزراء إسرائيل السابقة؛ التي عبرت عن دهشتها الشديدة حين رأت السادات أمامها قائلة: هذا 
شيء لايصد 

وفي الحقيقة عندما وصل السادات إلى «مطار اللد» كان في استقباله كل شخص في الدولة. 
يملك صلاحية دخول المطارء على حد تعبير شمعون شاميرء وطوال المسافة بين اللد والقدس» 
البالغة 50 كيلومتراً تقريباً احتشد الناس من كل حدب وصوبء ومن كل الأعمارء على 
الجانبين» في دولة كان تعدادها آنذاك لا يزيد كثيراً على أربعة ملايين نسمة. والأغرب أنهم لم 
ينصرفوا مباشرة بعد مرور موكب السادات» حتى يتخلصوا من وطأة الذهول. ثم كانت هناك 
مبادرة إسرائيلية لافتة حيث عمد نحو 1500 ضابط إسرائيلي إلى التوقيع على بيان تأسيس 
«حركة السلام الآن»". 











1 - الروايات 

يجب وضع هذه المبادرة في إطارها العام» بحيث خلد في إدراك السادات أن حل الصراع 
العربي ‏ الغربي هو المدخل الضروري لحل الصراع العربي - الإسرائيلي. وعلى هذه الطريق 
جاء طرد الخبراء السوفيات من مصرء وكانت الاتصالات المصرية ‏ الأمر, 
الخطوة وفي أعقابهاء بدءاً من تدشين «قنوات الاتصال السرية»» ثم الاتصالات التي جرت من 











(36) من الجدير بالذكر أن هذه الحركة قد عمدت إلى نشر رسالة مفتوحة إل رئيس الوزراء الإسرائبلي ٠ييجين».‏ في 
ضوء تمثر المفاوضات. أعريرا فيها عن احتجاجهم على سياساته. وبعد عدة أبام في أول نان /أبريل عام 1978 بدأ أول 
احركة السلام الآنه في قلب ثل أبيب. ضم نحو 40 ألف متظاهر إسرائبلي؛ ما جعل منها أكبر مظاهرة. 








اذه 


خلالها في أثناء حرب عام 1973: وصولاً إلى زيارة كيسنجر للقاهرة» وما تحقق في اللقاء 
المنفرد بينه وبين السادات. 

لكن البداية الأولى لهذا التحول الجذري في إدراك السادات جاءت من العلاقات المتنامية 
بينه وبين ملك السعودية فيصل وصهره ومدير استخباراته كمال أدهمء وثيق الصلة بالاستخبارات 
الأمريكية, والقناة السعودية السرية» وقد سبقت الإشارة إليهاء ثم يجيء عرض رواية 
لأنه التقط هذا الخيط منذ البداية. 





أ- رواية كيستجر 

متى وُلدتء إذآء فكرة «السلام» بين مصر وإسرائيل لدى السادات؟ هذا السؤال لا بد من أن 
يطرح نفسه بعد معرفة كل الحقائق المتعلقة بأول زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر 
إلى مصرء والاجتماع المغلق الذي عقده مع السادات» في 7 5 تشرين الثاني/نوفمير 1973 
والمعروف أن تلك الزيارة بدأت بعد وقف إطلاق الناره رسمياً. على جبهات القتال المصرية 
والسورية ضد إسرائيل» في 22 تشرين الأول/أكتوبر. 

بعد يومين من الزيارة. كان كيسنجر في العاصمة الصينية بكين في 9 تشرين الثاني انوقمبر 
3. وسيتضح في وقائع الزيارة جانب مهم من «قصة السلام بين مصر وإسرا فقد أل 
عليه ممثلو الصحافة» الذين كانوا معه في القاهرة» أن يشرح لهم بالتحديد ما أمكن التوصل إليه 

في الأزمة» فأخذ كيسنجر يشرح للوفد الصحافي المرافق له ما يظن نق في الا 

بدأ كيسنجر بالقول في هذا الاجتماع: «إن ما حدث في القاهرة يمكن تقسيمه إلى قسمين؟ 
الأولء يخص المستوى الاستراتيجي؛ والثاني» يدور حول المستوى السياسي أو التكتيكي» 
وعن المستوى الاستراتيجي قال: «مصر في طريقها إلى سلام مع إسرائيل» ومع أن خطى هذا 
السلام بطيئة» قإن مجرد وضع القاطرة على القضبان الحديدية معناه أن القاطرة واصلة إلى نهاية 
الخط. والرئيس السادات من ناحيته لن يسمح لاحد أن يضع «كتل خشب بالعرض على 
القضبان». وأنه بسير مصر على طريق «السلام» فإن إمكانية الحرب في المنطقة تكون قد اتتهت». 
الأنه لا يمكن لأية دولة عربية» أو تحالف بين عدد من الدول العربية» أن يقبل مخاطر الدخول. 











في معركة دون مشاركة مصر». 
أضاف كيسنجر: إن «الرئيس السادات قام باختيار استراتيجي رئيسيء وعلق مصيره الآن 





بالولايات المتحدة» ولا يوجد في مصر طرف أو معسكر يستطيع أن يقاوم هذا الاختيار» وإن 


ات بوم 9 نوفمبر 1973.. كيسنجر بكشف: امصر في طريقها للسلام مع إسرائيل..؛ الشروق 





432 


الاختيار الاستراتيجي بالصداقة مع الولايات المتحدة سوف تسحبعه بالضرورة خيارات دا داخلية 
في مشر وهنا كان ادي اللي د يج ار 
فرص نجاح السادات بيرة» لان الذي حدث هو أن ان ت 

في المجتمع المصري, وقد سمحت له الظروف بإسقاط الأوضاع القديمة لكن القوى الجديدة 
التي كان يحلم أن يقيم عليها نظاماً اجتماعياً جديداً لم تظهر بعد. ولم تتمكن من جعل قوتها 
افاعلة أو محسوسة في الشؤون المصرية. وبالتحديد في عملية صنع القرارء ومعركة السادات 
القادمة ستكون مع أصدقاته القدامى» وليس أعداءه القدامى». 

واصل كيسنجر إن «غيبة احتمالات الحرب, وبداية التحرك نحو «السلام»» ستجعل استعمال 
سلاح النفط إجراء لا معنى له. لأنه أصبح بلا هدف يضغط من أجله. وإذا انتهى سلاح النفط 
الآن فسيختفي إلى الأبد». ثم قال إن «هذه الاعتبارات ستؤدي إلى نتيجة مهمة» وهي فك التعبئة 

انيل التي امتلا بها الرأي العام العربي. طوال حقب متلاحقة من الصراعء 
ن التعبئة إذا جرى فكه سيكون من المستحيل العودة عنه في منتصف الطريق». 

من المهم الإشارة إلى ما ورد في مذكرات كيسنجر في شأن المراسلات 
وبين السادات؛ في أثناء حرب عام 1973ء وبخاصة بعد قيام إسرائيل 
بخرق اتفاق وقف إطلاق النار. بحيث يشير إلى أنه في استنجاد السادات بالولايات المتحد: 
في إحدى هذه الرسائل؛ رأى أن يعاود الإلحاح على السفير الإسرائيلي سيمحا دينتز؛ 
فاتصل به يبدي مخاوفه من احتمال أن يتقدم الاتحاد السوفياتي بمشروع قرار إلى مجلس 
الأمنء يوجه اللوم إلى إسرائيل» ويحملها مسؤولية انتهاك وقف إطلاق النار. ورد عليه ديتتز 
قائلاً: إن الحكومة الإسرائيلية تتوقع في هذه الحال أن تقوم الولايات المتحدة باستعمال 
حق الفيتوء لإسقاط أي مشروع قرار يوجه اللوم إليهاء أو يفرض عليها اتخاذ خطوة 
لا تريدها. 

وجد كيسنجر في ذلك فرصة لإبداء بعض مخاوفه: «إنكم تريدون ضرب الجيش الثالث 
بتدميره أو بتجويعه. وهذا سوف يؤدي إلى مواجهة مع الاتحاد السوفياتي. إنكم تضغطون على 
السادات بحيث تُضعفون موقفه في أي مفاوضات معكم. إن السادات يقترب بسرعة من 
الولايات المتحدة وينبغي لكم أن تشجعوه على ذلك بدلاً من أن تعرقلوا خطواته». 




























ب - زيارة الكويت 

بعد رحيل جمال عبد الناصر المفاجئ حاول السادات أن يبدأ عملية سياسية مع إسرائيل» 
اليصل إلى حل سلمي وإنهاء الاحتلال؛ لكن الغرور ركب إسرائيل» واعتبرت مصر جثة هامدة. 
فقرر السادات؛ بعدما تيقن من كيسنجرء عن طريق المحادثات السرية التي جمعته مع حافظ 


دده 


إسماعيل» عام 1973» أنه لن يحدث أي تحرك سياسي إلا بعد تعديل الوضع العسكري؛ ولم 
يكن أمام السادات إلا أن يصدق على قرار الحرب. 

في أيار/مايو 1975ء وفي زيارة للكويت. كان السادات واضحاً جداً. خلال إجابته عن أسئلة 
الصحافيين. وتناول مشكلات المنطقة» وتوقع مشكلات أخرى. لكنه بدا حاسماً في تصريحاته 
بأن مصر لن تخوض حروباً أخرى. وأنه يسعى للسلام؛ وذلك قبل عامين من زيارة إسرائيل. 

وعن إمكان قيام إسرائيل بحرب أخرى بعد حرب تشرين الاول/أكتوبر 21973 قا : إنهيتوقع 
ذلك. والجيش المصري يستعد لذلك؛ ووارد في كل لحظة أن ت تشن إسرائيل حرباً أخرى. لكنه 
قال: إن مصر تعطي لعملية السلام الفرص كافة المتاحة للنجاح لحقن الدماء. وقال أيضاً: إن 
الرد المصري سيكون قوياً لو فكرت في توجيه ضربة لمصر أو العرب. وأضاف: على إسرائيل 
أن تذكر أنها تسلمت 39 جثة من قتلاها في الحرب قبل شهرء وتحدى الإسرائيلين بكشف عدد 
قتلاهم في الحرب, أو في ثغرة الدفرسوار. 

وعندما سئل عن رفض منظمة التحرير الفلسطيئية مؤتمر جنيف. ضحك قائلاً: من حقي أن 
أسال ما هو تصور الفلطيئين ؟ وهل اتفقوا على الذهاب إلى جنيف أم لا؟ وإذا اتفقواء. 
فكيف كان الاتفاق؟ وأضاف السادات أنه تم اتهامه بإبرام اتفاق سري بعيداً من العرب» مشيراً 
إلى أنه يترك الجميع لضمائرهم؛ وأن مصر لم ولن تتخلى عن العرب» وقال: للاسف نحن 
العرب نخلق المشكلات لأنفسنا. 

وأكد أن «مصر ستحافظ على كل أرض عربية؛ وتبذل من دمائها ودماء أبنائها وثرواتها طيلة 
7 عاما أي منذ عام 1948 وحتى عام 1975. من أجل خدمة القضايا العربية» وبعد أن كانت 
مصر من أغنى الدول أصبحت دولة فقيرة» لاستنزاف مواردها في حروب من أجل القضايا 
العربية» ولم نغضبء بل نحن سعداء بالتزامنا لأننا مؤمنون به. والعيرة بضرورة وقف وتنحية كافة 
العربية. حتى نتفرغ للقضايا الأساسية» وحلها وتوحيد الجهود العربية» 
وتكوين تكتل عربي قوي, يستطيع الحفاظ على حقوق العرب». 

السام بول هل تحمي الولايات المتحدة إسرائيل؟ أجاب السادات: «نعم الولايات 
المتحد: تحمي إسرائيل»» مضيفاً أن الاتحاد السوفياتي أبلغه. خلال زيارة له لموسكو قبل حرب 
عام 1973' أ مساس بحدود إسرائيل» وهي حدود عام 21967: ولذلك اعتبر السادات أن 
«إسرائيل حقيقة قائمة؛ ولا مساس بها». وأضاف: «خلال حرب عام 1973 أرسلت برقية للرئيس 
السوري حافظ الأسد يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر» وقلت له وأنا أنزف دما إنني سأوافق على 
وقف إطلاق النارء لآن الولايات المتحدة هي التي تحاربني منذ عشرة أيام» وليست إسرائيل»» 
وختم السادات: «لا بد أن نتغيرء ولا نقاطع العالم أو أوروبا تأيدهم لإسرائيل» بل علينا 
أن نواجه إسرائيل في كل محفل دولي, فبسبب ما كنا نفعله سابقاً ضاع نصف فلسطين؛ ثم ضاع 
































434 


النصف الآخرء ومعه سيئاء والجولان. ولذلك يجب تغيير الاستراتيجية العربية» وتحويلها من 
مرحلة المقاطعة إلى مرحلة المواجهة وبقوة؛ من أجل وقف وكبح جماح إسرائيل». 

يمكن القول أن جوهر ما ورد في رد السادات يتمثل بتأكيد «أن مصر إض حروباً 
أخرى, وأنه يسعى للسلام»؛ وهو ما يتطلب «تغيير الاستراتيجية العربية» من ناحية والتحول من 
«مرحلة المقاطعة إلى مرحلة الموا. 
الناحيتين كانت واضحة في ذهنه. وهي تتناسب مع توجهاته الحقيقية؛ التي بدأها منذ تسلم 
السلطة في مصرء فعمد إلى فتح «قناة اتصال سرية» بالولايات المتحدة وإسرائيل: وهي القناة 
ذاتها التي استخدمها في الاتجاه ذاته من خلال «الرسالة المشؤومة» التي أرسلها إلى «كيسنجرء. 
ومنه إلى إسرائيل؛ بعد 14 ساعة من بدء القتال في حرب عام 41973: كما تقدم. 











أج ‏ رواية محمد عبد الجواد 

كان محمد عبد الجواد. رئيس مجلس إدارة «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الأسبقء قريباً من 
السادات في كل الجولات التي قام بها قبل سفره إلى إسرائيل وقد كشف عن الحال التي كان 
عليها السادات» في آذار/مارس عام 1977 حين كان معه في رحلة إلى مديئة سالزبرغ النمساوية» 
حيث دعا السادات رؤساء تحرير الصحف المصرية: محمد عبد الجواد. وموسى صبري 
(الأخبار). ومحسن محمد (الجمهورية). وعلي حمدي الجمال (الأهرام). وقال لهم: «أنا قرفان 
وحزين. لي 4 سنين بعد حرب 1973 بألف على العرب واحد واحدء أطلب منهم يشتروا لنا 
سلاح عن طريقهم لكنهم رفضواء وقالوا في الكويت: «الشحات حضر»؛ ومش عارف أعمل 
إيه. البلد مافيهاش فلوس؛ والجيش مفيش سلاحء حتى الروس رفضوا مدّنا بالسلاح» وعلى 
الجانب الآخر إسرائيل بدأت تستعيد قواهاء وتلّح جيشها بمساندة الولايات المتحدة؛ أنا 











خايف على النصر اللي حققناه في حرب 1973 وأخشى ما أخشاه أن تهاجمنا إسرائيل مرة 
أخرى ويضيع النصر». ويقول محمد عبد الجواد: هيومها بدأ السادات التفكير جدياً في السفر 
إلى القدس». 


ثم أشار عبد الجواد إلى رسالة حملها من رئيس تحرير صحيفة الجيروزاليم بوستء يعتقد 
أنها كانت نقطة البداية لمبادرة السادات. ففي كانون الثاني/يناير عام 1977 دُعي إلى حضور 
مؤتمر إعلامي بالولايات المتحدة؛ وهناك تعرف إلى رئيس ما يعرف بالهيئة الدولية للصحافة. 
الحرة؛ وأخبره بوجود مؤتمر لهم في أوسلو. سيحضره عدد كبير من الصحافيين من أنحاء 
العالم» ودعاه إلى الحضورء فوافق» وذهب. 

وخلال حفل الاستقيال فوجئ بشخص يعرفه بنفسه قائلاً: «أنا إيري إيراك رئيس تحرير 
صحيقة جيروزاليم بوست الإسرائيلية»» ثم طلب مقابلته بعدها. يقول إنه شعر بحيرة شديدة» 





435 


وتردد في البداية من لقائه. لكن بعد مرور ثلاثة أيام» وكان قد قابل خلالها أكثر من خمسين 
صحافياً من أنحاء العالم» وكل من يقابله يسأله: «هل التقيت إيري إيراك؟». فينفي مقابلته: حتى 
لقد شعر وقتها بأن هذا المؤتمر ُقد خصيصاً لهذا الغرض. 

في اليوم الأخير التقى إيري إيراك فقال له: «أنا هنا لمقابلتك في مهمة رسمية مكلّف بها 
من مناحم بيغين رئيس وزراء إسرائيل الجديد. وأرجو تبليغها للرئيس أنور السادات»: وقبل ذلك 
سأله عما إذا كان السادات جاداً في «مبادرة اللام»» فأكد له هذا ما يمكن تأكيده؛ فقال: 
«الرئيس بيغين يبلغه أنه على أتم استعداد لمقابلته»» مؤكداً أن بيغين هو الشخص الأقدر على 
إتمام هذة المهمة الكبيرة» لأنه شخص قوي وحانز أغلبية في البرلمان» منذ فترة كبيرة. فإذا كان 
السادات جاداً فإن بيغين على أتم الاستعداد. 

وصلت الرسالة إلى السادات» عن طريق ممدوح سالم رئيس الوزراء. وبعد يومين سافر 
عبد الجواد مع السادات إلى الرياض. فاستدعاه إلى كابيئة الرئاسة» وقال له: «من الآن فصاعداً 
نحن نقابل أي حد أياً من كان» نحن على حى ولا يهمنا أي حد». ثم قال له: «الكلام الذي 
أرسلته لي كلام مهم قويء وأعتقد أن هذا الكلام سيكون له آثار مهمة ستعرفها قريب». 

في أيلول اسبتمبر 7 سافر السادات إلى رومانيا لمقابلة تشاوشيسكوء المعروف بقربه 
الشديد من ومن إسرائيل. يقول عبد الجواد في شأنها: كان الظاهر أنها محادئات 
عادية بين الرنيسين على مدى ثلاثة أيام» صدر بعدها بيان مقتضبء لكن عندما ركبنا الطائرة 
قال السادات للصحافيين المران ولاد مش بيغين طلع إللي بيقوله في الغرف المغلقة 
غير الذي يقوله في العلن؟ ده معناه أن بيغين في العلن يعمل بطل وفي الخفاء يطلب 
مقابلتي»» قال السادات ذلك ضاحكاً. ثم قال موجهاً كلامه إلى عبد الجواد: «مش كده يا 
. حاول الزملاء الصحافيون الموجودون في الطائرة أن يعرفوا قصد 
السادات من هذا الكلام. لكن عبد الجواد رفض أن يخبرهم بأن كلامه قد يتعلق بما دار بينه 
وبين تشاوشيسكو. 

ثم سافر السادات بعد ذلك إلى طهران» ويقول عبد الجواد: «علمت يما لا يقبل الشك أن 
السادات أبلغ شاه إيران أنه تم الاتفاق بينه وبين تشاوشيسكو لزيارة إسرائيل. وبطريقة 
غير مباشرة ألمحت إلى الرئيس السادات أن رسالة إيري إيراك ريما كان لها دور في التمهيد لهذه 
الرحلة؛ فقال لي: «برافو محمد»». 

أما عن الترتيبات الرسمية التي تمت للزيارة عبد الجواد إلى أن الولايات المتحدة 
عملت كل الترتييات اللازمة: فقد تلقى السادات رسالة رسمية عن طريق السفير الأمريكي في 
القاهرة بأن إسرانيل ترحب به وسيتم استقباله استقبالاً رسمياً. 




















محمد ولا إيه' 











436 


ويضيف: من «مطار أبو صوير» أقلعت الطائرة متجهة إلى القدسء وكان السادات في أزهى 
حالات الانشراحء وانتهز فرصة وجود أشهر مذيع ومذيعة أمريكيين» باربارا والترز ووالتر 
كرونكيت؛ ودعاهما إلى السفر معه إلى القدس» وظل لمدة نصف ساعة, هي مدة الرحلة؛ يدلي 
بأحاديث تلفزيونية؛ تحدث فيها عن السلام وضرورة تحقيقه الفعلي في المنطقة. 

وبعد نحو 10 دقائق من الإقلاع لاحظ عبد الجواد تحليق أربع طائرات ذ 
تحيط بالطائرة الرئاسية غ 
الكن كان الإسرا بالسادات» وكان عندهم هاجس أنه يدبر لهم خدعه وأنه 
أرسل قوات كوماندوز لقتل النخبة الإسرائيلية» وقادة الجيش الذين سيكونون في استقباله في 
المطار. وأكثر من ذلِك فققد جهزوا عدداً كبيراً من القوات والقناصة على أسطح المباني المجاورة. 
اللمطار تحباً لأي غدر. 












د رواية إسماعيل فهمي 

عرض فهمي في مذكراته أصول قرار السادات بالذهاب إلى إسرائيل» ولا شك في أن هذا 
العرض في غاية الأهمية؛ لان السادات قد صرح مراراً كما سجل كتابة في مذكراته» أنه لم 
يناقش فكرة ذهابه إلى إسرائيل مع أي شخصء سوى فهمي. 

يشير فهمي في مذكراته إلى أنه توجه مع السادات إلى رومانياء في 28 تشرين الاول/أكتوبر 
7 حيث أفاما في منتجع سيناء» وهي قرية تبعد عن العاصمة نحو 100 كم وكان لها جاذبية. 
خاصة عند السادات» حيث تحمل اسم سيناء المصرية نفه. كذلك لانها كانت 

خضرة. ويقول فهمي بحسم: «لكن واأسفاه؛ فالمأساة التي مزقت جهود السلام 
.يبدو أن ذلك التقييم المهم من فهمي يُرّد إلى اعتبارين؛ كلاهما يكشف عن 








تكاد تمثل موقف إسرائيل» من قبل بيغين ومن بعده» من «الوضع النهاني» على كل الجبهات 
الفلسطينية والسورية والمصريةء وهو لا يزال يمثل الوضع النهاني نفسه الذي تلتزم !! 
حتى الآن: لا دولة فلسطينية» ولا قدس عربية» ولا انسحاب من الجولان» وكان ذلك أمام 
السادات مبكرا ومع ذلك ذهب إلى إسرائيل. 

وثانيهماء أن فكرة زيارة إسرائيل التي وُلدت هناك؛ لم تكن لها أية مزايا لمصلحة مصرء بل 
ستجردها من كل مزاياهاء وتحقق لإسرائيل ما لم يحققه لها انتصارها عام 1967. حتى إذا كانت 
سيناء قد عادت إلى مصرء فهي شيه منزوعة السلاح» وما يجري على أرضها من توغل إرهابي 
يرد إلى الأوضاع التي فرضتها معاهدة السلام. ويكفي أن السادات قد تأكد من ذلك. مجدداء 





437 


في «مؤتمر كامب دايفيد» عام 1978 عندما أصر بيغين على الاحتفاظ بالمستعمرات الإسرائيلية» 
كما المطارات المصرية؛ في سيناء. في أية تسوية. مدعياً أنه كتب في وصيته أن يُدفن في 
«مستعمرة ياميت» في سيناء «أرض الأجداد»! 
كان الرئيس الروماني يرغب في أن يكون همزة وصل بين مصر وإسرائيل» وكان قد بادر إلى 
عرض وساطته في ظل جمال عبد الناصرء لكن رفض عرضه كما تقدم. كما يشير مراد غالب» 
وزير الخارجية الاسبقى. في مذكراته بعنوان: مذكرات مراد غالب: مع عبد الناصر والسادات- 
سنوات الانتصار وأيام المحنء إلى أن تشاوشيسكو قام بزيارة مصر في شباطافبراير 1972 
وعرض على السادات أن يتوسط بينه وبين غولدا مائير رنيسة وزراء إسرائيل» وأن السادات قد 
وافق على ذلك"". لكن التطور الأكثر في هذا السياق جاء في عام 1977 عندما التقى 
تشاوشيسكو رئيس وزراء إسرائيل الجديد بيغين الذي عرض عليه «خطة للسلام" بخرائط كب 
عليها جميع أسماء المدن والمساحاء 2 
السادات على أن عرض بيغين لم يكن مخلصاً. إنما ما عناه في الحقيقة هو عدم موافقته على 
دولة فلسطيئية مستقلة» تحت أي ظرف. 
يف: «غير أن السادات» في نفس الوقت وفجأة 
القدس. كنا في قصر الضيافة في سيناء... لم نكن نطير فوق تركيا متجهين إلى إيران» أو نعبر 
الجبالء كما قال السادات في عدة مناسبات؛ وكما كتب في كتابه البحث عن الذات: قصة 
حياتي؛ كل ما في الأمر أنه أراد تغليف مبادرته المزعومة بهالة من الغموض ال ذلك أن 
السادات أخبر دا السحبء. 






























وعندما سأله دايان: متى كانت المرة الأولى التي خطرت إليك فيها فكرة زيارة القدس؟ أجاب 
السادات: عندما كنت في طريقي لزيارة شاه إيران... والفكرة الأولى التي مرت بخاطري كانت 


شيئاً آخرء هو الاتصال بالأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن... وأن أقترح أن يذهب 
جميعهم إلى القدس... ومن إيران ‏ كما تعلم يا موشى ‏ ذهبت إلى السعودية» وهناك خلال 
فترة الطيران من الرياض إلى القاهرة تغير رأيي.. لقد بدا لي أن الدول العظمى الخمس قد 
الاتصل إلى ما أنتظره منهم. وأن فشلهم لا شك سيزيد من خطورة الموقف. وهنا قررت أن 
أذهب بنفسي إلى إسرائيل» 

يؤكد فهمي بحسم أيضاً: «وبيساطة. إن هذا الحديث لا صحة له مطلقاً؛ فالسادات لم يفكر 
في الذهاب إلى القدس حين كان يطير بين السحب فوق تركياء أو بعدما ترك الرياض في طريقه 
إلى القاهرة... لقد فكر في المشروع خلال وجوده في «سيناء»؛ وتناقش معي عن عرض 














(38) غالب. مذكراث مرلد غالب: مع عبد الناصر والساداث: سنوات الاتتصار وأيام المحن.. 


438 


إسرائيلي واضح الانحراف» ينقصه حسن النية أيضاً. كذلك لم يكن صحيحاً أن السادات خلال 
رحلته إلى طهران فكر في احتمال عقد مؤتمر عالمي في القدس الشرقية؛ فأنا الذي اقترحت 
عليه هذه الفكرة في محاولة لإقناعه بترك خطته الخاصة بالذهاب إلى القدس». إلى هذه الدرجة. 
يمارس السادات جريمة الكذب. مراراً وتكراراً؛ ويوثق ذلك كتابة بنفسه! فضلاً عن أنه بنفه قد 
0 فهمي في مذكراته. حين أشار إلى أنه لم يناقش فكرة زيارة إسرائيل إلا معه. 
يضيف فهمي أنه لفت السادات إلى: 0 
ا اذ 
إسرائيل ألصفت بمسودة السلام التي تعرضها مذ 
في مرتفعات الجولان» وأنهم لن يسمحوا بترك غزة وجودياً وسماريا (الضفة الغربية) لأي حكم 








0 








اه نادي السفاري 

جرى تأسيس نادي السفاري؛ وتوقيع الميثاق الأصلي له في السعودية. عام 21976 بمبادرة 
من فرنساء من قبل زعماء ورؤساء أجهزة إستخبارات بلدان خمسة: فرنساء مصرء السعودية. 
إيران» المغرب. وهم: ألكسندر دي مارنش مدير مصلحة الاستخبارات الخارجية الفرنسية» وكمال 
أدهم رئيس الاستخبارات العامة السعودية؛ وأشرف مروان مدير مكتب رئيس الجمهورية لشؤون 
المعلومات في مصرء وأحمد الدليمي مدير مديرية مراقبة التراب الوطني المغربي. وقائد الجيش 


المغربي» ونعمت الله نصيري رئيس منظمة الاستخيارات والأمن الوطية الإيرانية. ويدير النادي 
تاجر الاسلحة السعودي عدنان خاشقجيء وهو أيضاً صديق للاستخبارات العامة السعودية. 

هنا تجب الإشارة إلى أن ثلاث شخصيات من بين هؤلاء الذين وقّعوا على «بيان التأسيس؟» 
كانت لهم صلات مياشرة وقوية بالسادات: أولهم. أشرف مروان؛ سكرتيره الخاص ومدير مكتبه 
الشؤون المعلومات. وممثله في هذا النادي. وثانيهم؛ كمال أدهم رئيس الاستخبارات العامة 
السعودية وثالثهم؛ عدنان خاشقجيء وكان كل من أدهم وخاشقجي على صلة وثيقة بوكالة 
الاستخبارات المركزية الأمريكية. 





وقد جاء في مقدمة نص الاتفاق, الذي وُجدت نسخة منه في أرشيف منظمة الاستخيارات 
والأمن الوطنية الإيرانية» ما يأتي: «لقد أثبتت الاحداث الأخيرة في أنغولاء وفي الأجزاء الأخرى 
من أفريقياء أن القارة ستكون مسرحاً للحروب الثورية؛ التي يحرض عليها ويديرها الاتحاد 
السوفياتي. الذي يقوم باستغلال الافراد والتنظيمات التي تتحكم فيها الأيديولوجية الماركسية أو 
يتعاطفون معها». 





وده 


ومن الجوانب المدهشة لهذا النادي أن كل أعضائه كانوا يتظاهرون بإخفاء نشاطهم عن 
وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلا أنهم كلهم في واقع الأمر كانوا يقدمون تقارير موجزة 
إليها عما يحدث. والأدهى من ذلك جهاز السافاك, آنذاك نصيري اعترف فيما بعد بأنه 
لم يكن يخبر الأمريكيين فحسب, بل كان يخبر الإسرائيليين أيضاً. 

كما صرح رئيس جهاز الاستخبارات في دولة 
في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002 بقول 
كان الكونغرس قد قَيْد حركة الاستخبارات المركزية بقيود لا تطاق» فصارت غير مطلقة اليدين 
في تحريك الجواسيس والعملاء حول العالم. وفي دقع المال لعملائهاء وإعداد الملفات السرية. 
ومتطلباتهاء وني كل شيء تقريباء لهذا كرّنت الدول الحليفة للولايات المتحدة تحالفاً يجمع 
إمكانات أجهزة استخباراتها. حتى تساعد الاستخبارات المركزية في الحرب ضد الشيوعية» 
فكوّنوا ما أسموه نادي السفاري, الذي شاركت فيه كل من فرنسا ومصر والسعودية والمغرب 
وإيران» وكان له دور رائع في الحرب الباردة وتحقيق النصر الأمريكي فيها». 

عمد النادي إلى مساعدة النظم المناهضة للنفوذ السوف ا٠‏ في أفريقيا والمنطقة 
العربية. وقد كان له نشاط في مسائدة سلطان تُمان في إخماد ثورة ظفار. ومساندة حسين حبري 
في تشاد. وموبوتو في زائير. ومناهضة منفيستو في إثيوبياء وفي النزاع الصومالي - الإثيوبي 
بشأن إقليم أوغادين. ومحاولة انقلاب فاشلة على الرنيس الغيني أحمد سيكوتوري. 

أما العملان الكبيران في مجال أنشطة نادي السفاري؛ فقد تمثلا بالإعداد لاتفاقيات كامب 
دايفيد. والانخراط في الحرب الاذ 
على عرض أولهما فقط. لارتباطه بموضوع الدراسة. وتدور بهذا الخصوص روايتان: 

تذهب الرواية الأولى إلى أن السادات توجه في 31 تشرين الأول/أكتوبر عام 1977 لزيارة 
شاه إيران محمد رضا بهلوي؛ ليحدثه في فكرة «السلام" مع إسرائيل» وتوقعا أن الولايات 
المتحدة ستفضل الظهور بصفتها راعية وحيدة للسلام ‏ وكانا على حت في هذا التصور ‏ لهذا 
اقتصرت الترتييات على مصر وإيران والمغرب» وتم استبعاد الفرنسين من مناقشة الأمر؛ ثم بدأ 
التنسيق مع الطرف الإسرائيلي. من خلال اتصالات الشاه ببيغين مباشرة؛ وقد جرى الانفاق على 
تصوير الأمر بصورة مبادرة برلمانية: حتى يمكن تسويقه جيداً في الغرب, فيشير السادات في 
خطاب أمام مجلس الشعب إلى استعداده للذهاب إلى الكنيست نفسه. ويلتقط بيغين طرف 
الخيط من هناء فيوجه دعوة إلى السادات لزيارة إسرائيل» وإلقاء خطاب في الكنيست. وقد 
أعلن السادات ما اتفق عليه يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1977ء ووصله خطاب الدعوة لزيارة 
إسرائيل يوم 15 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1977ء كتاريخ للزيارة فرد السادات عليه في اليوم 
التالي بقبول الدعوة. وحدثت الزيارة المعروفة. 











في خطاب ألقاه في حفل استقيال 
في عام 1976 وبعد فضيحة ووترغيت» 




















440 


تقول الرواية الثانية: إن نادي السفاري يمكن أن يذّعي لنفسه نصيباً في مسؤولية قيام السادات 
عام 1977. كانت أول رسالة باقتراح عقد اجتماع بين الطرفين 
اب اثيلء وحملها أحمد الدليمي مندوب المغرب في 
النادي إلى السادات. لذا فحينما ادعى رابين» في ما بعد أن التغيير الكامل في العلاقات بين 
مصر وإسرائيل قد يدأ قبل وصول بيغين إلى الحكم, فإنه لم يقل سوى الحقيقة. وفي ما بعد 
ظهر أن الحسن الثاني ملك المغرب كان هو الذي رتب في قصره أول لقاء مصري ‏ إسرائيلي 
مباشر بين حسن التهامي وموشيه دايان» إذ كان النادي يريد أن يفرغ من الصراع العربي - 
الإسرائيلي» حتى يتحول يكل جهوده إلى أفريقيا ومكافحة الشيوعية فيها. أما السادات فقد تعهد 
في الواقع بتنفيذ صلح منفرد بين مصر وإسرائيل» كما تعهد بالتعاون مع الولايات المتحدة 
الإخراج الاتحاد السوفياتي من كل أفريقياء وليس من المنطقة العربية وحدها. 

مع سقوط نظام الشاه ومقسل السادات. ولهما مكان ومكانة مهمان في نادي السفاري» 
تعرض هذا التحالف لضربة قاصمة؛ وقد يكون النادي أغلق أو أفلسء لكن التعاون والتنسيق 
الاستخباراتي بين الدول والكيانات والتابعة للولايات المتحدة لم يتوقف. ولن يتوقف. 
دفاعاً عن المصالح الاقتصادية والتوجهات السياسية والأيديولوجية لهذا التحالف» وتبادل 
الخطط والأفكار والمعلومات. الهادفة إلى الهيمنة على مصائر الشعوب. والنقاط الاستراتيجية 
في العالم» من خلال الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات. والتوظية ليا 
العربي. في تنظيم الجماعات الإرهابية والتخريبية وتمويلها من جهة. وتحطيم كثير من البلدان 
السائرة في طريق التنمية الاجتماعية الاقتصادية. والنهج السياسي المستقل وتمزيقها من جهة 
أخرى. 


2- الدواقع 

كانت سياسة السادات وتعامله مع القيادة الإسرائيلية من منطلقات معيئة يعكان نسيجاً 
متكاملاً لإدراك محدد للمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية. خلال مرحلة ما بعد حرب عام 
3 ومدى انعكاساتها على تطور الصراع بصورة عامة؛ فحدّدا مجمل ملامح سياساته 
الداخلية» وتحالفاته الخارجية؛ وكان أهمها ديمومة الصراع العربي ‏ الإسرائيلي؛ الذي لم 
تحسمه الحرب ذاتهاء فضلاً عن سياسة الأمر الواقع التي تفرضها إسرائيل بمنطق القوة. تساندها 
الولايات المتحدة: التي بانت تتراجع حتى عن دور الوسيط المنحازء مضافاً إلى ذلك أوضاع 
البلدان العربية ومواقفهاء وهو ما قد يمتد لسنوات طوال. 

إن رصد الاحداث والتطورات وتحليلهاء خلال الفترة التي أعقبت اتفاقية فك الاشتباك الثانية 
في سيناء حتى إعلان «مبادرة السادات» ‏ التي ساهمت في بلورة فكر السادات» ومثلت أهم 

















اله 


مدخلات دوافع قراره ‏ يساعدان على تحديد دوافع قرار السادات زيارة إسرائيل» ولماذا اختار 
هذه الطريقة الدرامية المسرحية لإخراجها؟ وما هي أهدافه منها”'؟ الأمر الذي يقتضي التمييز 
بين الدواقع الذاتية. والداخلية, والدولية. 


١‏ الدوافع الذاتية 

يُعتبر العامل الشخصي والنفسي لتكوين شخصية السادات أهم دوافعه وأقواها لاتخاذ 
قراره السياسي. ويخاصة الجانب المثير والمعقد في شخصيته؛ وتركيبته النفية» إلى جانب 
طموحه وحلمه بالشهرة وليس بالبطولة. إن البطولة تنطوي على من 
الفرسان, أما الشهرة فهي تتضمن نزعة مميكيافيلية. وتسوقها دوافع انتهازية. إن البطولة في حد 
ذاتها لم تكن هدفاً بقدر ما كانت وسيلة لتحقيق هدف آخر هو الشهرة 
البطولات. أو تعقدت المخاطرء سعى السادات للشهرة قي مجالات أخرى. مها كانت درجة 
تناقضاتها. فاستناداً إلى مختلف المصادر التي تبعت تطور شخصية السادات؛ وعاشرته عن 
قرب» كما عرضت الدراسة جانباً منها ‏ فضلاً عن المصادر الإعلامية الغربية التي امتدحت فيه 
حبه الأناقة والظهور والتباهي بمعرفة اللغات الاجنبية؛ والتفاخر بنبوءاته وتحليلاته السياسية. 
واستناداً إلى ما كتبه بنفسه عن كل هذه السمات في شخصيته. وإلى مبالغاته في كثرة الحديث 
عن نفسه ومديحهاء وسعيه الدائم في شبابه للعمل في قطاعات تحقق الشهرة: أو الارتباط 
والاختلاط بالطبقة الحاكمة في مصر قبل الثورة ‏ استناداً إلى ذلك كله يمكن القول إن الشهرة. 
وليست البطولة» هي التي كانت تمثل طموح السادات في شبابه. وخلال فترة رئاسته» فإن ذلك 
الطموح هو الذي سمح لأجهزة الإعلام الغربية بأن تصبح متغيراً أساسياً في عملية صنع القرار 
المصري. لأنها خلقت صورة تتماشى مع طموحات السادات, ودفعته إلى الإقدام على اتخاذ 
القرارات والسياسات التي تنسجم مع هذه الصورة؛ بغض النظر عن أي ضوابط أو معايير 
أخرى. 

انسم سلوك السادات منذ شبابه بالتطرف» والمبالغة. وحدّة المزاج؛ وتعدد المواقف وتبدلهاء. 
والضلوع في أعمال العنف السياسيء والتحالفات المتناقضة؛ واتخاذ قرارات تنسم بالمغامرة». 
ويتزايد فيها عنصر المخاطرة والمفاجأة إلى حد كبير. لذلك كان اتباعه أسلوب «الصدمات 
الكهربانية» تبريراً ومخرجاً للك التناقضات,. السمة المتأصلة في شخصيته؛ إلى جاتب اعتماده 
في معظم الأوقات التحليلات الغربية للاوضاع السياسية الدولية» وتأثر أغلب قراراته السياسية 
بتقلبات مزاجه الحاد. وبميله المستمر إلى مفاجأة من حوله بقراراته التي لا تستقيم مع 























(39) قائن عرض. السادات: 36 عاما على كامب دايفيد. ط 3 (القاهرة: مؤسسة الطريجي للتجارة والطياعة والتر. 
00 


442 


تصريحاته» وتتناقض مع كل قواعد عملية اتخاذ القرار وفلسفتها. فضلاً عن أن اتخاذ مثل هذه 
ة من شأنه أن يجعل السادات مركزاً للاضواء. والاهتمام الدوليء ومثاراً للجدل لفترة 

طويلة - وربما يكون تغطية على ما وراء الحدث من حقائق وأسرار ‏ وهو جانب سيطر على 
السادات» واشبع في نفسه رغية جامحة. 

وهو ذاك الخيط الذي التقطه الداهية السياسي كيسنجر منذ بداية لقائه السادات؛ وحاول 
دايص عر مدا لدت السام ولدة وسرل ا ا وها هو كارتر يجيد اللعبة 
السياسية نفسها ببرا شخصية السادات. وإطرائه بالشجاعة. والقدرة على المبادرة» 
جنا ارين ا عاجز عن الحركة» ويطلب المساعدة من صديقه السادات ذاته. ولم 
يفوّت كارتر الإشارة إلى أن اقية فك الاشتباك الثانية في سيناء تُعتبر أقصى حد تسمح 
جميع متغيرات الصراع بأن تصل إليه جهود التسوية» ولا أمل في تحريك هذا الحد إلا بعمل 
كبير على صعيد التسوية؛ يقوم به السادات؛ ويكون منسجماً مع صورته لدى الرأي العام 
الأمريكي؛ صورة الزعيم القادر على تغيير الواقع» فكان لذلك التوجه وقعه العميق على 
السادات» ويخاصة تحت تأثير زوال ظلال حرب تشرين الأول/أكتوبر وأطيافها عن «ن 
الحرب». ولتفادي ذلك كان لا بد من البحث عن خط لم يَرْئَدْهِ أحد من قبل. وهو ما احتاجت 
إليه زيارة إسرائيل؛ بارتياد آفاق جديدة» جعلت السادات أبرز النجوم اللامعة في عصرها 
الذهبي. 

من خلال هذه الشخصية؛ تكرّن إدراك السادات للبيئة المحيطة؛ وحددت مدى تفاعله معهاء؛ 
وبخاصة طيعة الصرع العربي ‏ الإسرائيليء ولبعار الإقليمية والدولية» وسياسته وتعامله مع 
السادات المتناقضة بظلالها لتؤدي 
دوراً مهما على مسرح الأحداث؛ فحتى عشية زيارة إسرائيل ظل يعلن تصلب موقفه ظاهريا. 
ويطلق التصريحات المنتالية باستبعاد قيام صلح مع إسرائيل في الأجل القصيرء بينما كانت 
الاتصالات السرية بين البلدين جارية في المغرب على قدم وساق عما أعلنه من شروط 
التسوية الشاملة للصراع» ورفض الحل المنفرد بصورة قاطعة. وهو ما يفصح عنه تحليل مضمون 
خطابه السياسيء وتصريحاته المعلنة. 

من ناحية أخرى. كان السادات متأثراً برؤية شاه إيران السياسية لتطور العلاقات بين القوتين 
العظميين» واحتمالات تطور النظام العربيء وبانطباعاته عن اتصالاته ببعض القادة الإسرائيليين» 
وبعدائه لمنظمة التحرير الفلسطينية» إلى جانب تأثره بعدد من 0١‏ الأخرى» ومساعيها 
في شأن الاتصال مع إسرائيل» وعلى رأسها ملك المغرب الحسن الثاني» والرئيس الروماتي 
تشاوشيسكر. 




















ده 


ب الدوافع الداخلية 

كانت هناك مجموعة من العوامل الموضوعية, إلى جانب العاملين الشخصي والنفسي 
اللذين جسدتهما شخصية السادات» ساهمت في دفعه إلى اتخاذ قرار زيارة إسرائيل. 

فقد جاءت ضغوط الجبهة الداخلية لتدفع الأمور إلى مسارها المحتوم؛ الذي جسدته 
انتفاضة 18 و19 كانون الثاني/يناير 1977 لتمثل أقوى محرك دفع السادات نحو 
سياساته الداخلية والخارجية بخطوات أوسع مدى؛ فقد أحدثت شرخاً عميقاً في شرعية 
السادات. وأصابته بصدمة عنيفة لم تخطر له في بال؛ أفقدته اتزانه إلى حد كبيرء لتصبح نقطة 
فاصلة بين مرحلة ومرحلة لاحقة من عهده؛ فقد أعاد حساباته» وترتيب أوراقه بشكل 
مختلف. وعمد إلى استغلال ملف هذه الانتفاضة ليصبح سيفه مصلتاً على الجبهة الداخلية؛ 
حيث ارتأى فيها تحدياً شعبياً للطته. وخلد في يقينه أن العناصر اليسارية. ومن ورانها 
الاتحاد السوفياتيء لها اليد الطولى في هذه الاحداث. وقد عمدت الولايات المتحدة 
وإسرائيل إلى تغذية هذا الاعتقاد لديه. لتؤكدا له مدى أهمية الانتقال إلى المعسكر الآخر 
الحماية سلطته. 

هكذا بدا دوي أصداء تظاهرات كانون الثاني/يناير يأخذ أبعاده لدى السادات؛ ويجعله في 
عجلة من أمره؛ أكثر من أي وقت مضى. لتحقيق السلام والرخاء اللذين طالما وعد بهماء وحسم 
الصراعء واسترداد الأراضي المحتلة بأية طريقة. حتى ولو على حساب الآخرين علناً. وني 
السياق ذاته. ساهمت تلك التظاهرات في وضع الأزمة على جدول أعمال الولايات المتحدة» 
حرصاً على نظام السادات وبقاته في الحكم. 























في هذا السياق. يصل هيكلء في كتابه خريف الغضب. إلى النتيجة القاطعة الآنية: "وعلى 
وجه اليقين فقد كان هناك خط في تفكير السادات ربط مباشرة بين «مظاهرات الطعام» في 


كانون الثاني/يناير 1977» وما بين «مبادرة السلام» في تشرين الثاني /نوفمبر من نفس الشهر». 
1 الحدثين الكبيرين كانت رابطة معقدة إلى أقصى حده لكن التدقيق في 
مسار الحوادث يُظهر بوضوح أن هذه الرابطة مباشرة. وموصولة بأسباب كثيرة 
جانب كل هذا الذي كان يواجهه في الشارع المصريء كانت علاقته بالوطن العربي بالغة 
الشوتر بعد اتفاقية فك الاشتباك الشاني؛ وشن «حرب تأ ضد ليبيا. كما تمخضت 
الانتخابات الأمريكية عن صدمة جديدة؛ فإذا برجل جديد ‏ لا يعرفه الساداء 
المجهول. ولم يكن ما سمعه عن كارتر يدعو إلى التفاؤل. ثم وقعت الوا 
وليس بيريز الذي كان السادات يراهن عليه وكانت بينهما اتصالات عن طريق وسطاء: هو 
الذي أصبح رئيساً لوزراء إسراتيل. وبدا كما لو أن كل الخطط والمناورات ضاعت هبائٌ 













هده 


وتبددت في الهواء؛ فقد كان يعتقد أن بيغين وتحالف «الليكود» هما آخر من يستطيع الوصول 
معهم إلى اتفاق'". 

ويتابع هيكل تحليله من زاوية تركيبة «شخصية السادات»! فيقول: «والآن. وقد حدث ما 
حدث ‏ في الشارع المصريء, وعلى الساحة العربية» وفي (١‏ ت الأبيضء» وفي رئاسة وزراء 
إسرائيل ‏ فإن السادات أخذ يشعر أن موقفه يضعف. وأن الضوء يشحب من حوله. ثم أحس 
بالعزلة» وبدأت تراوده مشاعر اليأس والإحباط. ومرة أخرى ‏ كما هي عادته ‏ كان رد قعله هو 
الهرب. وفي هذه المرة لم يكن هروبه إلى الوهمء لكنه كان هرباً إلى المجهول»"". 

وهناك الوضع الاقتصادي المتفاقم, الذي لم يكن هناك من أمل في إنقاذه سوى الخروج من 
حال اللاسلم واللاحرب. التي أخذت تعود من جديد» عن طريق اتخاذ خطوة جريئة أو شجاعة 
اللوصول إلى سلام طال انتظاره» على الرغم من أن الجزء الأكبر من أسباب الأزمة الاقتصادية» 
وتداعياتها السلبية: يرجع في الاساس إلى سوء الإدارة الاقتصادية المرتبط بتطبيق سياسة 
الانفتاح الاقتصادي. ذلك «الانفتاح الإجرامي» على حد تعبير السادات نفسه. والتطلعات 
الطبقية الشرهة التي ترافقت معها. 

يضاف إلى ما تقدّم» المتغيرت الاجتماعية والاقتصادية الجديدة ومساهمتها في تأسيس 
فاعلية انتهاج سياسة السادات الخارجية؛ وتحديدها في هذا الاتجاء. وبخاصة ضغوط القوى 
الاجتماعية الجديدة» التي أطلق السادات توقعاتهاء والتي ترتبط مصالحها بقوة بهذه السياسة» 
وبالقوى الضاغطة المؤثرة فيها من الخارج. 

مع ذلك. لم يكن من شأن زيارة إسرائيل أن تعالج شيئاً من هذه الاسباب» فضلاً عن أنها 
ريغتن در خبير من البغابية والنقائرة الم تكن نسيالات ججدسها كيرف يحث: يمكن 
القول إنها كانت خياراً حقيقياً بين الرخاء مع «السلام» في ناحية؛ والفقر مع استمرار حال 
اللاسلم واللاحرب في الناحية الأخرى. أساس ذلك أنه إذا كانت النيات متجهة إلى معالجة 
المشكلات الاقتصادية لُّجرى اتخاذ إجراءات من نوع آخرء لمعالجة الخلل الهيكلي في 
الاقتصاد. عوضاً من مثل هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر. 

لا ينفي ما تقدم تأثير انتفاضة 18 و19 كانون الثاني/يناير عام 1977 ومساهمتها في بلورة فكر 
السادات» في شأن قرار زيارة إسرائيل؛ ققد انفجر الشارع المصري انفجاراً عنيفاً وشاملاً» بطول 
البلد وعرضه. لكن السادات تصوٌّر أن قوى سياسية في مصر انتهزت المسحة الديمقراطية» 



















(40) محمد اج 
رالترزيع. 1988). مي 190 
(21) المصدر تقسة. من 191 


غريف الغضب: قصة بداية ونهابة عصر أنور الساداث (الفاهرة: مركز الأعرام للترجمة 


5ه 


وسوء الأحوال الاقتصادية» وعودة الأزمة المصرية ‏ الإسرائيلية إلى الجمود على الجبهة 
السياسية منذ اتفاقية فك الاشتباك الثانية في سيناء عام 1975 لتحريض فئات جماهيرية معيئة 
على القيام بانتفاضة ضد النظام. وأدرك السادات بحسه وطموحه أنه هو شخصياً المستهدّف 
للإساءة. وبالسرعة اللازمة ألقى المسؤولية على الحكومة والمعارضة معاًء وبدأ في اتخاذ 
الإجراءات الكفيلة بالحد من الحريات المسموح بها للأحزاب الوليدة» وتولى بنفسه مهمة 
التوجيه الإعلامي. ومهمة إزالة آثار هذه الانتفاضة عن صورته الدولية. وهي الأثار التي تأكد أنها 
تحتاج إلى «فعل كبير»؛ يجدد أمل الشعب المصري في نهاية قر؛ للمعاناة الاقتصادية» ويعيد 
إلى السادات هيبته وسطوته؛ وتدفع به إلى صدارة القادة السياسيين ورجال الدولة الذين يشار 
! 








في هذا السياق. تجب استعادة الحوار الذي دار بين السادات وإسماعيل فهمي في رومانياء 
عندما أبلغه السادات للمرة الأولى. أنه يفكر في زيارة إسرائيل؛ لتأكيد أن هذه الفكرة كانت 
تنطوي على قدر كبير من المغامرة والمقامرة. كما كانت محفوفة بدرجة عالية من المخاطر. 








يقول فهمي: «عندما اننهى السادات من إخباري عن محادثاته مع تشاوشيسكوء وخطة 
المزعومة. بخريطتها الوقحة؛ قال فجأة أود أن أعرف رأيك في رحلة أخاصة إلى القدسء 


وإلقاء خطبة في الكنيست؟». وهنا لا بد أن أعترف بأنني أخذت على حين غرة؛ غير أن معرفتي 
بالسادات معرفة جيدة جعلتني أسأل: «وما الغرض من هذه الرحلة؟»: فأجابني السادات: 
«لاشيء إلا الذهاب فقط إلى القدس وإلقاء خطاب. ثم العودة». وعلى الرغم من تمحيصي 
و ا ا 0 
«سيادة الرئيسء أنت لم تخفٍ عني أي شيء. والدليل على ذلك 
أنك في واشنطن» وفي غيرها من الأماكن. كنت تكرر لمن يوازيك من الأجانب» وعلى أي 
مستوى: إن ما تعرفه سيادتك يعرفه فهمي. ومن هنايا سيادة الرئيس أود أن أسألك سؤالاً بسيطا: 
هل عندك أية معلومات لا أعرفها تبرر هذه الرحلة؟. وأكد لي السادات أنه لا يخفي عني أي 
سرء وأنه لم تصله أي وعود خاصة. أو تعهدات من بيغين تبرر هذه الرحلة»'0. 

إن استعادة هذا الحوار الذي دار بين السادات وفهمي في رومانياء توضح ذلك الجانب من 
شخصية السادات. الذي ينطوي على قدر كبير من المغامرة والمقامرة» والذي حدا به إلى تبني 
منهج في السياسية الدولية. يخالف تماماً ما استقرت عليه العلاقات بين الدول؛ التي تقوم 
المساومات والمفاوضات, ومبدأ «المقابل» أو «الشمن»؛ بحيث ترفض هذه العلاقات مبدأ 
المجانية في المواقف الدولية. لكن السادات اعتمد مبداً مخالفاً تماماً يقوم على اتخاذ إجراءات 








(4) فهمي. النغاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط: ص 307. 


446 


وإعلان مواقف دولية مهمة جداً من جانب واحدء يما يصاحبها من «فرقعة إعلامية» ضخمة» ثم 
انتظار أن تأتي الأطراف الأخرى المعنية من تلقاء ذاتها كي تقدم إليه المقابل أو الشمن. 

وقد تكرر جنوح السادات إلى إعمال المنهج ذاته؛ عندما اتخذ قرار تصفية الوجود السوفياتي 
في مصرء وقرر طرد المستشارين والخبراء والفنيين السوفيات؛ في تموز/يوليو 1972. فقد كان 
لافنا أنه استقبل وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان, قادماً من الولايات المتحدة» في 6 تموز/ 
يوليو 21972 قبل يومين فقط من إعلان القرار» وأثار معه. من جديد. موضوع الوجود السوفياتي 
في مصرء الذي يعوق الولايات المتحدة عن التدخل لحل الأزمة. وطلب منه أن يخبرهم بقراره 
بخصوص السوفيات قبل اتخاذه. كي يستطيعوا مساومة الولايات المتحدة به. لكن السادات» 
منفرداً ومن دون التشاور مع أحد. اتخذ قراره الخطير. ولحرصه على سرية قراره» ورغيته في 
إحداث أكبر تأثيرء فإنه فاجأ الجميع به. وهو يتصور أن الأمريكيين سوف يكونون سعداء» إلى 















درجة تدفعهم إلى الاستجابة لأي شيء يطلبه. لكن هذا لم يحدث. وأعلن بنفسه صراحة أنه 
ينتظر أن تأني إليه الولايات المتحدة مهرو إليه مفاتيح حل الازمة, «السلام والرخاء؟ 


معاًء على أساس أنها طاليته أكثر من مرة باتخاذ هذا القرارء وأعلنت بوضوح أن الوجود 
السوفياتي في مصر يحول بينها وبين القيام بدور في حل الصراع/الازمة. وأكثر من ذلك. كان 
من المفهوم أن تصفية هذا الوجود, التي ستفتح الباب لخروج الاتحاد السوفياتي من المنطقة 
كلهاء يمثل أول أهداف الولايات المتحدة فيهاء قبل حماية النفط. وأمن إسرائيل. ولا شك في 
أن تعقيب كيسنجر على قرار السادات كان بالغ الدلالة: «في السياسة كما في كل شيء آخر. 
فإن لا أحد مستعد لدفع ثمن لشيء حصل عليه بالفعل»! 
كانت الخلفية العامة لهذا المشهد بالغة الأهمية؛ وهي تتمثل بالاتصالات السرية بين 
السادات وبيغينء التي حققت اختراقاً مهماً من خلال لقاء دايان ‏ التهامي في المغرب. وتواكب 
ذلك مع إبلاغ السادات بقصة "المؤاء رة الليبية» لاغتياله. وشن «حرب تأديبية» ضدهاء كما 
جاءت في هذا السياق زيارة فانس للقاهرة. ومعه خطاب بخط يد كارتر» يعرب فيه عن «اعتقاده 
بأن الوقت ملائم تماماً للخطرة الجرينة والشججاعة المنتظرة»» والتي كان بيغين على علم بها 
ان مبادرات مستقلة تساعد الرئيس الأمريكي. وصلت إلى فتح قنوات اتصال مباشرة. 
ثم قدر لزي تشاوشيسكوء لي 1071/10/27 أن تكو إيارة حاسمة. وكما قال 
اث 0 اوشيسكوء وكانت تأكيدات 
تشاوشيسكو تدور في رأسي. وعندما وصلت | 5 ارية (مسافة ثلث ساعة) 
كانت فكرة الذهاب إلى القدس بنفسي قد استقرت». كانت الفكرة ملائمة للسادات من كل 
الوجوه؛ وكانت قدرتها على الاستجابة لكل النزعات المكبوته في خياله حافلة بالاحتمالات. 
سوف يُصعبق العالم كله من المفاجأة. والدنيا كلها سوف تركز أنظارها فيه وحده. الصحف 





















47 


والإذاعات والتليفزيونات لن يكون لها جميعاً موضوع غيره. وعندما يفيق الكل من هول الصدمة 
يكون هو قد اجتاز الحاجز النفسي. وحقق النتائج المرجوّة؛ وعاد بها وفي يده حجة حاسمة» 
تصفع وجوه كل ناقديه. فقد تمكن بضربة جسورة واحدة من أن يحقق الحلء الذي عجز 
العرب ‏ بالسلاح وبالسياسة ‏ عن تحقيقه لعشرات السنين. هكذا انتقل في فكره من أقصى 
درجات السرية إلى أقصى درجات العلانية. وعلى حد تعبير هيكل: «عاد السادات إلى القاهرة» 
وكان «الممثل» الكامن في أعماقه هو الذي تولى توجيه دفة الأمور»”. 





ج ‏ الدوافع الخارجية 





تجسدت الدوافع الخارجية وراء قرار السادات زيارة إسرائيل في مستويين أسا. 
المستوى العربي؛ وثانيهماء المستوى الدولي؛ وبخاصة الأمريكي والسوفياتي. 

(1) المستوى العربي: جسدت حرب تشرين الأول/أكتوبر قمة العمل العربي المشترك» 
بصورة حقيقية لم يشهدها الوطن العربي من قبل. وهذا ما أثار مخاوف الولايات المتحدة؛ 
فسعت جاهدة لتفريغ الحرب من مضمونهاء وبخاصة تصفية مصادر القوى العربية الناشئة عن 
الحرب. وكان لا بد. كي يتبعثر النظام العربي. من أن تفقد مصر حيازتها مقاليد القيادة اللازمة» 
وأن تتخلى عن مسؤوليات تلك القيادة» ساعدها على ذلك وجود السادات على رأس السلطة 
فيهاء واستعداده التام وتأهبه لأداء هذا الدور» توافقاً مع شخصيته وت رع الواية :. وفي هذا 
السياق أطلق تصريحه الشهير: «مصر أولاً.. ومصر ثائيً.. ومصر 

القد اتخذ السادات عدة إجراءات» وتبنى مجموعة سياسات. من شأنها أن تؤدي إلى فقدان 
مصر مقاليد تلك القيادة القومية من بينها ضرب الفكر القومي وتشويهه؛ وإبعاد القوميين عن 
وظائفهم. وبخاصة في المجال الإعلامي وعزل رجال جمال عبد الناصرء والانقضاض على 
إنجازات ذلك العهد بأكمله. وفي المقابلء شجعت السلطة القيادة الإسلامية المتطرفة؛ يهدف 
محاربة التيارات القومية واليسارية» وذلك على النقيض من موقف السادات ومساهمته بأكير 
قسط في تمجيد جمال عبد الناصر وتضخيمه مع إنجازاته. بصورة لم يقدم عليها أحد من بقية 
رفاق جمال عبد الناصر. كما تشهد على ذلك الكتب التي أصدرها في هذا الاتجاه. وعلى 
الرغم من أن السادات شارك بنفه في هذا العهد من أوله إلى آخره. والمثير للانتباه. والدهشة» 
فإنه وحده. من بين أعضاء «مجلس قيادة الشورة». الذي استمر إلى جانب جمال عبد الناصر 
حتى رحيله. وكان من المعروف أنه لم يعارضه في أي موقف أو قرار بل أعلن في فخر: «إن 
صوتي دائماً في جيب بنطلون جمال عبد الناصر»؟ 

















(3ة) هيكل. المصدر تفسه. ص 200. 


448 


القد زعم السادات أنه إنما يتبنى «منهج الواقعية». وانطلاقاً من هذا المنهج ذهب إلى أن 

المدرسة القومية؛ التي قادها يمان عبد اناضلء اد زلت بمصر خسائر جسيمة؛ بسبب موائفها 
وسياساتها العربية» على أساس أن حروب مصر ضد إسرائيل كانت حروباً فرضتها هذه المواقف 
والسياسات. وأنها أغفلت مصالح مصر الوطنية لمصلحة القضية الفلسطينية» والقضايا العربية. 
وأحلام الزعامة والقيادة؛ كما أنها تسببت بهزيمة قاسية, وأزمات اقتصادية طاحئة. وخلافات 
عربية مريرة» كما أنها هي التي تسببت بخلق حال عداء مزمن مع الولايات المتحدة» التي 
اضطرت تحت وطأة هجوم القوميين ‏ وهي الدولة القوى والأعظم ‏ إلى مساندة إسرائيل! ضد 
مصالحها وضد العرب. كما ذهب إلى الوحدة العربية هدف مستحيل التحقيق! فضلاً عن ذلك» 
عمدت هذه الحملة إلى نشر صورة رائعة عن «الفردوس الأمريكي». ومزايا ترضية الولايات 
المتحدة. والسير في ركابهاء لنيل «السلام والرخاء». 

ثم اعترف السادات صراحة جزءاً كبيراً من فلسطين ضاع ولن يعودء وأن جزءاً محتلاً قد 
ايعود. والأهم هو استعادة الأجزاء «غير الفلسطينية» أولاء وعلى حسابها بالمنطقء وأن السبيل 
الوحيد إلى استعادة ما يحتمل أن يعود هو الاعتراف بالهزيمة. وإنهاء الصمود. وهذا يستلزم 
رفض منظومة المفاهيم والأساليب السائدة» في شأ إدراك الصراع وإدارته» وتبني 3 
جديدة تتسق مع المتغيرات العالمية؛ وتنزل على مقنضيات «الواقعية»» وكان معنى ذلك في 
التطبيق مزدوجاً: بة أولى؛ التسليم بأن «الولايات المتحدة تتحكم في 99 بالمثة من أوراق 
الحل»! ومن ناحية أخرى. التسليم بأن 700 بالمئة من عوامل الصراع نفسية».. فلا هي اغتصاب 
وطنء ولا هي تشريد شعبء واحتلال أراض ية! وقد تمثل ذلك بأحاديث السادات المتواترة» 
وبخاصة منذ مطلع عام 1976 عن «الحاجز النفسيء بين العرب وإسرائيلء وجاءت 
«المبادرة» ‏ في منظوره ‏ كي تكسر هذا الحاجز النقسي! 
0 لكنها في حفيقتها تساهم في إعادة تشكيل 
































خيالاً ووهما. والدعوة إلى تنمية عربية شاملة إن هي إلا د: 
انبشقت تعبيرات تناقض الفكر القومي السليم؛ بحيث أصبح هناك دول للمساندة ودول 
للمواجهة, أي أنه أصبح هناك في الوطن العربي الواحد, الذي يهدده خطر واحدء شعبان: 
شعب يقاتل وشعب ينفق على القتال. 

ساعد على فاعلية هذه الحملة انفجار الثروة النفطية العربية كإحدى نتائج الحرب» وعجز 
النفط عن تحمل مسؤولياته المرجؤة» بفضل نجاح الولايات المتحدة في عزل النفط عن السياسة 
العربية؛ والسيطرة على المال العربي باستثماراته وودائعه ليتجه نحو خدمة المصالح الأمريكية» 





وه 


ورهن استراتيجيتها في المنطقة» بغض النظر عن أي اعتبار آخر. فقد نجحت الولايات المتحدة 
في تصفية مصادر القوة العربية الناشئة عن الحرب» ومن ضمنها سلاح النفط العربيء فجرى 
عزله عن السياسة العربية حتى لا يصبح متغيراً أساسياً في التفاعلات الدولية. ولا شك في أن 
الأقطار النفطية قد ساهمت بالقدر الأوفر في ذلك؛ فلم تواصل ربط ضغط سلاح النفط بالشرعية 
القومية. ومن ورائها السادات ذاته لرفع حظر النفط. تحت الضغط الأمريكي. 

وإذا كان النفط قد فُمّد نفوذه السياسي الدولي في وقت مبكرء فإنه تمكن من أن يفرض على 
المنطقة مظاهر من السلوك السياسي والانماط الاجتماعية الخاصة» التي كان لها انعكاساتها 
السلبية. وبخاصة الشعور ببشاعة الفقر لدى الدول الفقيرة وشعوبهاء وفرض مشروعية معيئة 
السلوك الفساد والإفساد. ونشر الأمل في رخاء مصطلع» والسعى للثراء بأية وسيلة؛ ما أضعف 
فكرة القومية» من دون أن تكون هناك فكرة محلها تخدم أهداف الأمة وتطلعاتها. 

في ظل هذا المناخ قرر السادات أن تبتعد مصر عن موقع الت دة العربية» وترك الساحة من 
دون بديل قادر على ملء الفراغ» فقد وجد نفسه متمتعاً بغطاءين إعلامي وسياسي غرييين» كانا 
عوضاً عن فقدان القيادة العربية. وكان للدبلوماسية الأمريكية دور مهم في ذلك؛ إذ تعمدت 
.تضخيم صورة السادات. وإظهارها كقيادة على مستوى مختلف عن القيادات العربية الأخرى. 
وقد وجدت هذه الصيغة وهذا التضخيم قبولاً متزايداً لدى السادات؛ لاسباب تتعلق بمقومات 
افته وتاريخه. قبل الثورة وبعدها. كما أنه سمح لعدد من المقربين إليه بفتح قنوات 
ضغط مباشرة, بعيداً من مراقية المؤسسات والتيارات الأخرى في المجتمع. وكان هدف هذه 
العناصر تشجيع ميل السادات إلى الانعزال الشخصي عن بقية أجهزة صنع القرارء والانعزال 
بمصر عن زخم التفاعلات العربية؛ باستغلال سوء الوضع الاقتصادي. والحملة الإعلامية عن 
الرخاء المنظر له بعد الحرب. وتضخيم المديونية المصرية» وتركيز الإعلام المصري في عدم 
استعداد دول الشراء النفطي لمساعدة مصر للخروج من أزمتها الاقتصادية: بدليل الشروط 
المجحفة المرتبطة بالقروض والمعونات. والتي تشتد تعسفاً. بل إنه كان يتعين على مصرء كي 
تحصل على حاجتها من العون والدعم العرببين أن تصبح القاعدة الاساسية للنفوذ الأمريكي 
في المنطقة العربية. وقد سبقت الإشارة إلى أن السعودية ‏ مشلاً ‏ فرضت شرطاً على منح 
معوناتها لمصر, هو أن تقبل شروط صندوق النقد الدولي, أي أنها تصرقت كعامل فقال للتبعية. 

يضاف إلى ما تقدم تداعيات الأزمة اللبنانية» وانعكاساتها على النظام العربي» وبخاصة 
سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية» وهو ما سيب ارتباكاً لأية محاولة لتجميع الصف العربي» 
وراء سياسة مصرية ‏ أمريكية في المنطقة. أما الاردن فقد اختار أسلوباً يضمن له حصة في 
المال النفطي. وأمناً مع الأقطار العربية الصاعدة؛ وبخاصة سورية والعراق. 























ك4 


وفي ظل هذا الإدراك لتفاعلات السياسة العربية» كان من الطبيعي أن يجد نظام الشاه في 
إيران : إذ كانت التوجهات والسياسات والقرارات المصرية تخدم 
أهداف الشاه في ضرب الحركة القومية العربية» والشورة الاشتراكية والنفوذ السوفياتي» وني 
اختراق النظام العربي وتمزيقه. بالوصول إلى تحالف مع قاعدته الأساسية في مصر. 

ولا شك في أن السلوك العربي خلال الشهور الأخيرة؛ التي سبقت زيارة إسرائيل: دعم هذه 
المقومات المختلفة لإدراك الادات للبيئة العربية والدولية؛ إذ بدا أن العلاقات الامريكية - 
السوفياتية تسير في طريق الوفاق؛ وأن الولايات المتحدة لم تعد تمانع أن يؤدي الاتحاد 
السوفياتي دوراً في التسوية؛ وهذا التطور كان يعني أن تفاعلات الدولتين العظمين سوف تطغى 
على التفاعلات التي كان السادات يسعى لتحقيقهاء عن طريق حوافزه المتعددة التي قدمها 
للولايات المتحدة» ويعني 7 أن الاتحاد السوفياتي سوف يدعم النفوذ السوري على أن ايضع 
العراقيل أمام انعقاد مؤتمر جنيف» بالإصرار على تأليف وفد عربي موحد وهو الإصرار الذي 
يدل على عدم تتواقر * السادات الوصول إلى تسوية شاملة عن طريق مؤتمر جنيف. 

(2) المستوى الدولي: في ضوء نتانج حرب تشرين الأول/أكتوبرء صار عزل مصر عن الوطن 
العربي واختراقها من جانب الولايات المتحدة أهم القضايا التي عبأت لها إمكانات مادية 
وسياسية وإعلامية 

فمن ناحية أعيد تشكيل صورة السادات أمام الرأي العام الأمريكيء ومنحته مكانة دولية 
عظيمة حتى تمكنت أجهزة الإعلام الأمريكية: امتداداً لدور وكالة الاستخبارات المركزية 
الأمريكية. من أن تحاصر السادات حصاراً شاملاً. وتصبح أحد المدخلات الرئيسية في عملية 
صنع القرار السياسي والاقتصادي المصري. وبالفعل وصل السادات إلى مرحلة تلونت فيها 
سياساته الداخلية والخارجية بلون الإعلام الأمريكي» وخضع خضوعاً يكاد مطلقاً للمفاهيم 
الأمريكية. 
























ومن ناحية أخرىء أدّت الدبلوماسية الأمريكية دوراً كبيراً كي تصبح المصدر الأساسي 
اللمعلومات اللازمة لصنع القرار المصري المناسب لاستراتيجيتها. في هذا السياق؛ تأتي 
الزيارات المتكررة التي قام بها كيسنجر لمصر في أثناء الرحلات المكوكية. وعمليات 
التي باشرها مع السادات؛ حتى استطاع أن ينسق بين التحليل المصري للاوضاع الإقليمية 
والدولية والتحليل الأمريكي لها. بل قام كيسنجر بالإيحاء لدى السادات لإدخال تعديلات على 
أجهزة الإعلام المصرية» واشترك بشخصه وأجهزته في محاربة 
مواقف محددة في شأن الصراع في المنطقة» وقضايا التعامل مع القو: 
جهازاً دبلوماسياً في السفارة الأمريكية في القاهرة» استطاع في سنوات قا 
السادات» اختراق قطاعات رئيسية في المجتمع المصري. ولا سيّما من المثقفين والسياسيين 









اكه 


ورجال الأعمال والإعلام. كذلك ارتفعت حصة مصر من القروض والمعونات الأمريكية إلى 
حد لم تعرفه من قبل؛ بل لم تعرفه دول أخرى في العالم الثالث؛ عدا إسرائيل. وصاحيت هذه 
القروض والمعونات حملة إعلامية مصرية ‏ أمريكية صوّرت الرخاء في ظل اعتدال السياسة 
المصرية؛ مقدمة ومدخلاً قوياً للثراء في ظل السلام مع إسرائيل. 

ثم نشطت ثقافة التطبيع؛ وضرورة إعادة النظر في الصياغات الفكرية للصراع العربي - 
الإسرائيلي. لتغيير البنيان الفكري والثقافي؛ وتزييف الوعي السائد على الساحة المصرية. فقد 
هدفت السياسة الأمريكية. في تمائل مع السياسة الإسرائيلية» إلى تحقيق اختراق كامل لمصرء 
يجري بموجبه القضاء على القيم الوطنية والقومية والإنجازات الاجتماعية» وفرضت قيماً جديدة 
في مجالات الاستهلاك والاتعزالية والعداء للعرب والعروية» مع حرمان مصر من الوصول إلى 
انقطة الثقة بالقدرات الذاتية؛ بل فرضت عليها أن تظل دائماً في حاجة إلى الولايات المتحدة. 
وحاجة إلى مزيد من التنازلات على جبهتيها الداخلية والخارجية لتحصل على أقل الضروريات» 

ت مزاجاً معيناً يدقع إلى الشعور بأهمية 

إرضاء الرأي العام الأمريكي. وذلك بتقديم تنازلات؛ حتى لا يفقد أرصدته لديهء يصورها الإعلام 
الأمريكي في شكل شجاعة وعقلاتية وتحضراً وخرقاً لحجب المستقبل وأسواره! 

وعلى النقيض من ذلك. بدا الاتحاد السوفياتي في صورة تختلف تماماً عن الصورة التي 
سبق أن قدمتها القيادة السياسية للشعب المصريء أو ما انطبع في أذهانهم عن ذلك الحليف 
الاستراتيجي خلال العهد الناصري؛ بل عما ردده السادات ذاته عن الدور الهائل للدعم 
السوفياتي لمصر عسكرياً وسياسياً واقتصادياًء إلى حد جعل الاتحاد السوفياتي سبباً جوهرياً في 
نصر تشرين الأول /أكتوبر. ففي أعوام قليلة. جعل السادات الاتحاد السوفياتي العدو الأول 
لمصرء إن لم يكن العدو اللدود له شخصياً. مبرراً هذا التحول المفاجئ والانقضاض الحاد 
السياسة الاتحاد السوفياتي تجاه مصر؛ سواء بتدخله في الشؤون الداخلية» وفرض قيود على 
حرية اتخاذ القرارء وأهمها قرار معركة التحرير» أو بتقاعسه عن الإمداد العسكري والدعم 
الاقتصادي, وبخاصة عقب الحرب» ورفض جدولة ديون مصر. في مقابل يقين السادات بأن 
حل مشكلات مصر الداخلية والخارجية يوجد في الولايات المتحدة؛ وأنه كي يصل إلى هذا 
الحل يتعين على مصر أن تتخذ موقف المواجهة الحادة مع الاتحاد السوفياتي؛ وأن تتزعم حملة 
طرده ومطاردته وإزالة نفوذه في المنطقة العربية وأفريقيا. وهكذاء نذر السادات نفسه لمناهضة 
الاتحاد السوفياتي والشيوعية؛ واستنصالها من مصر وسائر البلدان العربية والافريقية؛ فلم 
يستطع أن يفصل بين نزعاته ودوافعه الشخصية؛ وبين المصالح الوطنة العليا لبلده. 

فضلاً عن ذلك. يتعين على مصر أن تنبذ طريق المواجهة مع إسرائيل» وتخطو خطوات 
ملموسة نحو التقرب من جماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة؛ وأن تفف موقف 





























452 


المعارضة للنظم العربية غير المعتدلة في الوطن العر, 
المحافظة؛ وبخاصة السعودية» كما يتعين عليها أن 
في توجهاته القومية والاجتماعية. 

إن النفوذ السوفياتي في المنطقة العربية كان يستند إلى عاملين رنيسيين: أولهماء المد القومي 
المناهض للاستعمار الغربي» والولايات المتحدة بصفة خاصة؛ وثانيهماء مكانة مصر؛ بمذ 
الجسور مع القاهرة مفتاح المنطقة؛ فقد ارتبط بهما دخوله المنطقة» وارتبط بضعفهما وانحسارهما. 
عودة النفوذ الأمريكي إلى المنطقة على حاب الوجود السوفياتي. والملاحظ في الحالين أنه 

على العكس من الولايات المتحدة لم يبذل الاتحاد السوفياتي الجهد الذي يخاسب مع أهنية 
المنطقة العربية» لا من قبيل تأكيد وجوده وتدعيمه» ولا منع عودة الولايات المتحدة 
انسم موقفه بالسلبية تجاه مشروعات الولايات المتحدة وخططها للتسوية السياسية في المنطقة» 
واكتفى بالمشاركة الشكلية والدور المحدود الذي حددته له الولايات المتحدة» لاعتبارات 
الوفاق الدولي» الذي احتل مكان الصدارة في أولوياته. فقل اهتمامه بتطور الأحداث في المنطقة 
العربية. كذلك اتسم موقف الاتحاد السوفياتي بالركون إلى اقتناعات حتمية أيديولوجية؛ استناداً 
إلى أن توه السادات وسلوكه ليسا سوى انحرافات في مسار السياسة الخارجية المصرية» وأن 
التغييرات في المنطقة سوف تننج من تغييرات سياسية واجتماعية تستند إلى قوانين موضوعية» 
ومن التطور التاريخي! 

إن تطور الخلافات. المستند إلى عدم الثقة بين الطرفينء أفضى بالأمور إلى منتهاها. 
ولا شك في أن الصورة العامة للامتداد السوفياتي في المنطقة. وتشجيعه سورية ولبنان ومنظمة 
التحرير الفلسطيئية على اتخاذ مواقف ضد سياسة السادات. وبخاصة بعد اتفاقية فض الاشتباك 
الثاني ني سيناء. أكدا انطباع السادات بأن الاتحاد السوفياتي يعمل على محاصرة مصر عريياً 
وإقليمياً. وفي مناطق تُعتبر ضمن صميم الأمن القومي المصري. وهي المناطق المتصلة بمنابع 
النيل وبالعمق الأقريقي لمصر. 

واستكمالاً لطوق محاصرة الاتحاد السوفياتي. ومناهضة نفوذه في المنطقة, كلفت الولايات 
المتحدة جهودها لزيادة عمق المأزق السوفياتي؛ فنجحت في إبراز اللانعالية السوفياتية ني 
مواجهة تطور الأحداث, وتعقد العلاقات العربية» وتصاعد تيار التبعية العربية للهيمنة الأمريكية. 
ولم يكن الاتحاد السوفياتي؛ ز في أي وقت مضىء في وضع ضعيف في المنطقة العربية كما كان 

الفترة» وما أعقبها من تداعيات خطيرة» بينما بلغ النفوذ الأمريكي أقصاه في اله ذاتم 

بإرهاصات انهيار الاتحاد السوفياتي ذاته. 

ولااشك في أن ذلك الموقف السوفياتي. في إجماله؛ كان بمنزلة «هدية من السماء» 
استغلها السادات إلى الحد الأقصى؛ في ما يخص عملية التحول الكبرى من الصراع إلى 


نترب أكثر فأكثر من النظم 


3 يوليو 1952 ويخاصة 


















ذكه 


التسوية؛ للاتدفاع في انجاه الولايات المتحدة» باب السلام والرخاء» من ثم في اتجاه إسرائيل» 
تحت شعار السلام من أجل الطعام. 

إن مجمل التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي استخدمت إمكانات الولايات 
المتحدة في إحدائهاء إلى جانب مساندة السادات لهاء هي التي جعلت هذه المأساة ضرورة 








تلاشت أمامها أي خيارات أمام السادات, ثم فقد رفع شعار «انعدام البديل»: لكنه في 
الواقع والحقيقة إنما قبل التيجة التي ترتبت على مجمل توجهاته وسياساته وقراراته حتماً؛ فهو 


من ساق نفسه إلى الفخ المنصوب له معصوب العينين» من واقع المأزق؛ الذي هو من صنع 
يديه فانعدمت أمامه البدائل. 

إن تفاعل هذه الدوافع» الشخصية والداخلية والخارجية؛ مثل قوة هائلة لدفع السادات إلى 
تفضيل هذا الاختيار الدراماتيكي لاختراق العدوء خشية تسرب أخبار الاتصالات السرية 
بإسرائيل» قبل التوصل إلى نتائج معقولة ما قد يعرّضه للإدانة بتهمة الخيانة العظمى؛ لا فقط 
من جانب الدول العربية. وإنما أساساً من الشعب المصري نفه. لذلك فضّل السادات تصعيد 
الاتصالات إلى أعلى المستويات, بزيارة إسرائيل؛ علناً وني وضح النهار؛ فمثل هذا القرار 
يمكن إخراجه دعائياًء وإبرازه وسط ضجة إعلامية ضخمة على أنه قرار منقطع النظير في 
الشجاعة والإقدام. والتضحية بالكرامة الشخصية لزعيم أكبر دولة عربية. في سبيل وقف نزف 
الدم لآمة يأسرهاء وليتحمل الجميع مسؤولياته. 

يمكن القول إن هدف السادات من زيارة إسرائيل لم يكن مجرد عقد لقاء مباشر مع بيغين» 
والقيادات الإسرائيلية» وكانت هناك بالفعل مقترحات جدية بهذا الخصوصء فلو أراد ذلك 
لجرى اللقاء بينهما في أي مكان آخرء وليس بالضرورة في إسرائيل؛ أو بالصورة التي تمت بها 
الزيارة على الأقل. إنما كان هدف السادات من الزيارة اختراق الرأي العام الإسرائيلي» والضغط 
على بيغين» وكسر «الحاجز النفسي»؛ ذاك الاصطلاح الذي لم يكن من اكتشاف السادات؛ بل 
هو ما روّجته الولايات المتحدة وإسرائيل» وكان محل دراسة متعمقة لسنين طويلة بهدف تشويه 
طبيعة الصراع العربي ‏ الإسرانيليء وتزييف أبعاده» بإبراز الطابع النفسي. ليجرى توظيفه في 
معالجة المشكلة السياسية على حساب العوامل الجيو, عن مخاطبة الرأي العام 
الأمريكي من فوق منبر الكنيست؛ بحيث أدرك السادات مدى أهمية دوره. وما يمثله من قوة 
هائلة على صانع القرار الأمريكي. ومن ورانه الإسرائيلي. إن هذه الخطوة الهائلة ستؤدي إلى 


نسف مؤتمر جليف» بما يمثله من ضغوط سوف وتعنت إسرائيليء وهو 


























أمر سيفتح أبواب البيت الأبيضء بناء على الضوء الأخضر الذي ستطلقه إسرائيل» في إطار ما 
سوف تسفر عنه الزيارة» وبما تنطوي عليه من تنازلات. وتحدٌ صارخ لكل الأطراف. ولكل 


الأعراف. 


454 


الاشك في أن أهم حدث سياسي للزيارة ذاتها إنما تمثل بخطاب السادات أمام الكيست» 
تحت صورة هرتزل مؤسس المشروع الصهيوني وإسرائيل قبل أي شخص آخر. لم يخرج 
الخطاب عن إطار الإجماع العربي وعرض مشروع «السلام؛ العربي؛ المطالب باتسحاب 







دل ا 0 ية المحتلة عام 1967ء وقيام الدولة الفلسطينية» إلا في ما يتعلق بذكر 
منظمة التحرير الفلسطينية. ار بطرس غالي إلى أن دايان قد طلب منه. في السيارة التي 
أقلتهما من المطار إلى ١‏ .ق؛ أن يشدد السادات على عدم ذكر المنظمة. تجنباً لرد قعل حاد 


من بيغين. ويبدو أن السادات كان يعتقد أن الكنيست سيقتنع بكلماته المؤثرة» ويقبل مقترحاته. 
ثم يصوت عليها بالموافقة. وعلى وجه التحديد وضع الخطاب قائمة بالمحاذير والأمور التي 
لن تقدم عليها مصر؛ لعل أهمها أنها لن توقّع معاهدة «سلام» منفردة مع إسرائيل» وعدم التخلي 
عن شبر واحد من الأراضي العريا الحلا عام 1967 يما في ذلك القدس العريةة أو حتي 
المناقشة أو المساومة بذلك, وأن جوهر الصراع يتمثل في القضية الفلسطينية؛ وأن الاعتراف 
بحق الفلسطينيين في تقرير المصيرء وإقامة دولة خاصة بهم يمثلان الخطوة الأولى في الطريق 
الوحيد المؤدي إلى م 





تكون بمثابة هدية ا المبادرة السادات» 
ينا فشيناً. حتى أصابه بيغين بإحباط شديد. فضلاً عما 
أثاره دايان عندما نفى مزاعم التهامي في شأن الانسحاب من سيناء من دون شروطء في أثناء 
لقاته في المغرب.. فهل عمد التهامي إلى تضليل السادات... أم ضلل السادات نفسه... آم 
ضللهما معاً الماكر الصهيوني؟ لا شك في أن السادات هو المسؤول عن حال الارتباك 
والالتباس وعدم الوضوح. بسيب تلك الشخصية التي اختارها لهذه المهمة الخاصة: اليالغة 
الحساسية: والتي كان يجب أن تكون على أعلى قدر من المسؤولية» وبعيدة من الكرامات 
والشعوذة. 

كان مستحيلاً أن نفجر تلك الخطوة الحالمة قوة ضغط كفيلة بدفع عملية السلام» والخروج 
جميع الأطراف؛ وذلك في ظل إدراك القيادة 
الإسرائيلية دواقع المبادرةة وملايسات قرارهاء وقدرتها على تحويل المبادرة إلى ضرية مضادة 
صائبة في مفتل؛ قبرعت إسرائيل في إفراغها من مضموتهاء لتفوّت على السادات أهدافه. وحلمه 
بأن يصبح بطلاً حقيقياً وزعيماً للعرب. وعلى هذاء فشلت المبادرة في تحقيق أي من أهدافها. 
أو شروط نجاحها؛ المتمثلة باعتقاد السادات أنها كفيلة بتحقيق نتانج ثلاث: أولاهاء قدرتها على 
تغيير مدركات النخبة السياسية في إسرائيل؛ بشأن طبيعة الصراع؛ بل قدرتها على تغيير أهداف 














455 


المجتمع الإسرائيلي ذاته وطبيعته؛ وثانيتهاء قدرتها على توليد آليات ضغط عالمية حقيقية فاعلة 
على إسرائيل» وبخاصة من جانب الإدارة الأمريكية؛ وثالنتهاء قدرتها على كسب التأيد العربي. 

كان من المستحيل أن تتحقق هذه الشروط طبقاً لأية حسابات واقعية. ما كان ممكداء فقطء 
هو التمهيد لقبول حل مصري ‏ إسرائيلي منفرد. طبقاً لشروط إسرائيل» ويبدو أن السادات نقسه 
كان قد اقتنع بأنه الخيار الوحيد المطروح أمامه. حتى قبل أن تطأ قدماه إسرائيل: وهو ما حدث 
بالقعل. 

لقد عبر دايان أبلغ تعبير عن مآل هذه «المبادرة» في إجمالهاء ومجال تأثيرهاء حين ذهب في 
مذكراته بعنوان: الا : إلى أن مبادرة السادات. ووجوده في إسرائيل» ستظل عالقة في 
الأذهان لزمن طويلء إلا أن خطابه أمام الكيست لن يكتب له المصير نفسه؛ لآن المؤرخين في 
المستقيل سيرجعون إلى الأرشيف» ويدرسون «نص الخطاب»» ويقارنون بينه وبين ما حدث 
بعد ذلك. وسرعان ما الاجزاء التي تحققت منه. أما تلك الأجزاء التي ظلت مجرد 
«حير على ورق» فلن تليث أن تنسى؛ ويمحوها الواقع'"*. 
3- لقاء السادات ‏ الأسد 

فور الإعلان عن المبادرة» كان في تقدير السادات أنه لا بد من أن يُجري محادثات 
في شأنهاء قبل الذهاب إلى إسرائيل» مع حافظ الاسد ب باعتياره «رفيق الحرب' 
وربما يفتتع بأن يكون أيضاً «رفيق السلام». وهكذا قرر زيارة دمشق. وكان اللقاء بين الرئسين 
عاصفاً. 

بدا الضيق واضحاً على قسمات وجه حافظ الأسد عندما استقبل السادات؛ لكنه كتم 
انفعالاته. وظل يستمع بصبر إلى محدّثه السادات؛ وهو يشرح له خطته للذهاب إلى 
إسرائيل». ليعرض على نواب الكنيست صفقته الكبرى لتحقيق «السلام». ولم يستطع الرئيس 
السوري أن يكبح رغبته في تسفيه «تخبيص السادات»» فسأله: «مين اللي يضمن لك أن بيغين 
رح يربجع لك الاراضي العربية المحتلة. من دون قيد ولا شرط؟! وشو اللي يؤكّد لك إن 
الإسرائيلسين رح يقيلوا السلام اللي بدك تعرضه عليهم؟". 

أخذ السادات يهز رأسه. علامة على تفهّمه هواجس الأسد. ثم قال: «شوف يا حافظ. أنا 
راجل بطبعي أمين. ما أقدرش أكذب عليكء وأقول لك إن عندي تأكيدات وضماتات. يس أنا 
جشيت نبض الجماعة؛ ووائق إنهم مستعدين يقبلوا صفقة كاملة للسلام مع العرب» ويرجعوا 
الأراضي اللي احتلوها عام 41967. 





















(44) دابان. الاختراق: رؤية شخصية للمباحثات المصرية ‏ الإسرائبلية. ص 82 83. 


456 


ابتسم الأسد بتهكمء ثم قال: «يعني أنت وائق من الإسرائيليين» بس ما عندك ضمان! وكل 
اللي عندك مجرد جس نبض. وعَ ها الاساس حامل حالك. ورايح ع إسرائيل»! 

انتقل الضيق من هذه اللهجة التهكمية إلى السادات. فارتفع صوته. وهو يقول: «جرى إيه يا 
حافظ؟! ما تفهم بقى! أنا عايز أحشرهم. وأوَرَي للعالم كله إن العرب طالاب سلام: ومش 
اطلاب حرب. وإذا اليهود قبلوا يرجَعوا لنا أرضناء كان بها. وإذا رفضوا فساعتها هينفضحوا قدام 
الناس كلهم. وحيعرف العالم أجمع مين اللي عرض السلام؛ ومين اللي رفضه». 

رمق الأسد جليسه بحدّة» ثم قال له بصوت بدا فيه صدى الغيظ الذي يختلج في صدره: «هاذا 
اللي رايح لتعرضه في إسرائيل ما اسمه سلام. هذا اسمه استسلام. والإسراتيليين مو فرقانة معهم 
شو رح يقولوا الناس عنهم. والأؤلى أنك تهتم بشو رح يقول الناس عنك لما تروح عند العدو». 

بدت كلمات الأسد لضيفه شديدة القسوة. وساد صمت خائق لبرهة قصيرة في قاعة 
الاستقبال الصغيرة. في قصر المهاجرين. وحاول الرنيس السوري أن يلين كلماته الحادة قليلاً» 
لكنه لم يفلح. ومضى يقول لضيفه: ايا أخني. اسمح لي أتكلم معك بصراحة: الناس مو رح 
يقولوا استسلام وبس.. رح يقولوا خيانة كمان»! وسكت الاسد قليلاً. ثم أردف قائلاً: «وأنا 
بكم لكا ولطراكة تي اجادا فير جرت كرب برضي الارطار جع المي اليج 














«مين هم اللي يقدروا يتهموني با الأقزام اللي عمرهم ما حاربواء ولا عرفوا إيه هي كلفة 
مسؤول عن شعبي. وشعبي تعب من الحرب يا حافظ. الناس زهقت. وأنا كمان 







من التضحية لما تكون في سبيل تحقيق أهدافها. لكن 
. كفاح الأمم طويل: وممتله وعمره ما يتوقف, ومؤولسنا 


عطلناء وجابنا لورا». 


قال الأسدء وهو يكظم غيظه: «مش عاجبك كلام البعثتّة» بس عاجبك كلام الأمريكان. أنا 
عارف إنو الأمريكان هني اللي شجعوك لتروح ع إسرائيل». 

ابتسم السادات» وقال ساخراً: «لاء لا أنت مش فاهم حاجة خالص. إيه رأيك بقى إن 
الولايات المتحدة اتفاجأو! بالمبادرة اللي أعلنت عنها في مجلس الشعب المصري. زي ما أنت 
تفاجأت في دمشق, بالضبط»! 





457 


أخذ صبر الاسد على ضيفه ينفدء ولم يعد يطيق مجاماته أكثر مما حاول» فقال له بغضب: 
«سماع يا أتور . اللي بدك تعمله اسمه استهتار وخفة. وأنا صبرت كتير على تصرفاتك». وسكت 
الأسد قليلاً. ث ثم أضاف قا: ابتذكر» لما كنا نحضر مع بعض لحرب تشرينء أنا رضيت إنك 
اتقود المعركة المسكرية والسياسية. وبخضم المعركة اتهمتني إني حاولت وقف إطلاق النارء من 
ورا ظهرك. وأثبتلك. بالميدان» إنك غلطان. وتجاوزت عن إساءتك إلي. وبالمقابل» رحت إنت 
وتّفت إطلاق النار فعليا من دون ما تستشيرني ولا تخترني. وما حكينا شي وقتهاء ومشي 
الحال! بعدين» تفاوضت مع كيسنجر وحدك, ووصلت معو لاتفاق منفرد. من غير ما تعلمني. 
ومو هيك وبس؛ ضغطت على فيصل ليوقف حظر النفطء واستجابلك؛ من دون ما تهتم 
بمصلحة الجبهة السورية اللي كانت تحارب وقتها لوحدها. بلعناهاء وما قلنا شي! وهلق بدك 
تروح ع إسرائيل عشان تعقد صلح منفرد. والله هيك كتير! كتير! كتير»! 

اكفهر وجه السادات. وقال: قلبك أسود. يا حافظ؟! إحنا مش اتصالحنا في 
الكويت» بعد الحرب» وسرّينا وقتها الخلافات دي؟! لازم يعني تسمّعني الأسطوانة المشروخة 
إياها؟!». 

















أخيء إنت رجل غريبء دايماً مستعجل: استعجلت على 
حرجة كتير إلي. واستعجلت على فك الارتباط؛ ولو ف 
اللي كانت في الجولان» ما كنا خسرنا مكاسب حرب تشرين. وبعدين استعجلت تروح لمؤتمر 
جنيف لتعمل صلح. وهلق مستعجل لتروح ع إسرائيل من غير ضمانات؛ ولا تحضيرات»! 

وصل ضيق السادات من تقريع الاسد له إلى حدّ جعله يقف. ويعر عن رغبته في إنهاء هذا 
الجدال. وقال لمضيفه: «اسمع يا حافظ؛ أنا موش جاي لعندك عشان أتخائق معاك. أنا جيت 
لك عشان أقنعك تيجي معاي لإسرانيل؛ أو على الأقل تخليني أتكلم باسم سورية مع 
الإسرائيلين. وأحاول أرجع لك أرضك. إذا قبلت ده كان بها. وإذا مش قابل؛ ما علش. ويا دار 
ما دخلك شر». 














وردٌ الاسد. وهو يكاد 





من الغيظ: «الشرء يا أنور. دخل. وملا الدار كلها»”"" 
كانت الليلة الفاصلة بين يومي 16 و17 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1977 مثيرة حقا. فينما كان 
السادات يستريح في مقر الضيافة في دمشقء بعد لقائه العاصف مع نظيره السوري. عقد الأسد 








(45) روى الرئيس الأسد للأستل محمد حسنين يل الحوار الذي دار بين وبين «السادات». وقد درن ميكل 
ذلك الحرار التاريخي بين الزعيسين فيه المفاوضاث السربة بين العرب وإسرائيل. ج 3: عواصف 
الحرب وعواصف السلام [القاهرة: دار الشروق. 1996). ص 64 366. 





458 


اجتماعاً عاجلاً مع أعضاء قيادة حزب البعث الحاكم في البلد. وروى لهم ما حدث بينه وبين 
السادات. ثم طلب من رفاقه أن يشيروا عليه في ما يخصٌ هذا الأمر الخطير الذي يزمع إليه 
رئيس مصرء والذي لم يسبقه إليه أحد من قبل. وبلغ الشطط بوزير الخارجية السوري عبد الحليم 
خدام حذاً جعله يقترح على قائده أن يعتقل السادات. في دمشقء كي يُمنع بالقوة من السفر إلى 
إسرائيل واقتراف فضيحة قومية. لم يقبل الأسد هذا المقترح الغريب. ورد على وزيره قائلاً: "إن 
اعتقالنا رئيساً عربياً سيكون بالفعل هو الفضيحة القومية التي نخشى من وقوعها». وتحمس 
أفراد آخرون في القيادة السورية؛ من بينهم وزير الدفاع مصطفى طلاس. لفكرة احتجاز السادات» 
إلى درجة جعلت الأسد يفكر بجديا في إحدى اللحظات في حبس الرئيس المصري. ومنعه من 
ضية جانباً. وحاجٌّ أصحابها 
إنه ليس له الحق ولا القدرة على أن يحتجز زعيم دولة أخرى. مهما كانت أسيابه أو 
دوافعه لاتخاذ مثل هذا القرار مثل هذه الخطوة ستفشر على أنها إساءة خطيرة لمصر 
الشقيقة ولشعبهاء قبل أن تفشر بكونها عملية ردع لقائد عربي أرعن». 
في صباح اليوم التالي؛ غالّبَ الاسد مشاعره ومواجعه؛ وقرّر أن يوقع السادات بحسب قواعد 
البروتوكول الرسمي اللائق. وجلس الرئيس السوري صامتاً إلى جانب ضيفه المصري في 
السيارة التي أفأتهما إلى مطار دمشق الدولي. ولقد طال الصمت بينهماء وثقلت وطأنه حتى 
صار أكثر تعبيراً من كل الكلام. وعندما دخل الرئيسان قاعة التشريفات في المطارء سأل الأسد 
ضيفه إن كان قد أخذ بعين الاعتبار مواقف الدول العربية التي ستدين زيارته لإسرائيل» لا محال. 
وأجاب السادات بأنه لا يولي لمن يَغضب أو يَرضى من حكام العرب اهتماماً نْ 
أكثرهم في السر ‏ يؤيد مسعاه لكسر الحاجز النفسي مع الإسرائيليين. كان تقدير السادات 
صحيحاً حينما لمّح إلى أن بعض حكام العرب يرخبون بزيارته إسرائيل» ويباركونها. ومشلآء فإن 
الملل سين عاهل الأردن. تحمس جداً لمبادرة السادات وذهابه إلى إسرائيل؛ وأصر على أن 































0 ن خطوة السادات ذكية وصحيحة. . وكان الحسن الثاني ملك المغرب 
هو عراب الزيارة ومهندسها .١‏ كما كان موقف حاكم قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني هو الأكثر 
الشيخ القطري لم يجد ما يقوله للتعبير عن إعجابه الشديد بفعلة السادات سوى لفظ 


ولم يكت الأسد بالإشارة إلى ردود فعل العرب؛ وسأل السادات عن موقف الشعب المصري 
من الزيارة التي ينوي القيام بها للكبان الصهيوني. ورة السادات على هذا التعريض المسحر في 





(6) باتربك سبل الأسد: الصراع على الشرق الأوسط ( 





اشركة السطبوعات للتوزيع والنشر. 1988). ص 294. 


وكه 


0 السوري؛ قائلاً: ما تشغلش بالك بالشعب المصريء يا حافظ. مصر كلها معاي». 

ابتسم الاسد باستهزاء» قبل يضيف ساخراً: «كلها... كلّها؟!». وهز السادات رأسه علامة 
0 أيوه. يا حافظ. كلهاء كلها! وب بيةء كمان. أولادي مؤمنين بالسلام» 
ويؤيدوني حتى لو رحت لآخر الدنيا عشان أجيهولهم». . ولم يرد الاسد أن يضيف تعليقاً جديداً 
على كلام السادات الوائق إلى حد الغرور. كان يحسل بمرارة كبيرة» وبخيبة شديدة من هذا 
الرجل الذي ارتضاه شريكاً. على الرغم من أنه يختلف عنه. في كل شيء. وأحسل الرئيس 
السوري بشيء من الدوار» وكان هذا من أعراض مرض السكري الذي يعانيه. واعتذر الأسد إلى 
نظيره المصري بأنه لا يستطيع توديعه أمام سلم الطائرة. ولم يبالٍ السادات بهذاء وأكمل سيره 
ومن معه من المرافقين على مدرج المطار. أما الأسد فقد جلس على أحد المقاعد. في قاعة 


















التشريفات. وطلب كوباً الماء يروي به عطشه» ويخفف به غيظه. 
5 ن السوري والمصري شديداً وحاقاً. ولم يكن 





وعجداعه اميم ودزوانه ل ا ل 
ومطالبه. وارتباطاته. وتصلبه. ومن العجيب أن كل ذلك النفور بين الرجلين لم يعجل الخصومة 
بينهما. نقد ظلّا. لسنوات. يحاولان تجنب الصدام قدر ما أمكنهماء وتأجيل القطيعة ما وسعهما. 
المراضاة والممالأة لم تعودا ممكنتين؛ بعد تلك الليلة البانسة التي أمضاها السادات في 
دمشقء وإصراره على تنفيذ مخططه في إسرائيل. وما إن حلقت طائرة الرئيس المصري عاندة به 
إلى بلده حتى انطلقت إذاعة دمشق في قصفها العنيف للرجل ولنظامه. وكان ذلك القصف 








إيذاناً بنهاية شراكة قلقة. ويده عداوة سافرة. 
حينما حطت الطائرة بالرنيس المصري في مطار الإسماعيلية» لم يجد أن كل الناس في مصر 
رائيل. ولي مه التعرينات مذ انب الرئيس حسني مبارك إلى 





0 ولايد ا 00 








بحسب ما ذكره فهمي في كناب بعنوان التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسصطء على الخو 
الآتي: انظراً للظروف الحالية التى تواجه مصر والعالم العربي. وبسبب التطورات غير العادية 
وغير 1١‏ التي ستحدث مؤثرة ف في القضية العربية: أقدم استقالتي لسيادتكم مقتنعاً تمام 
الاقتناع بأنني لا أستطيع الاستمرار في مكاني. ولا أستطيع أن أتحمل كذلك المسؤولية الناتجة 
عن التطورات الجديدة». 

كانت تلك أول خيبة رجاء واجهت السادات في أحد أعضاء فريق حكومته. وحينما رأى 
حسني مبارك علامات الانزعاج بادية على الرئيس» بعد أن قرأ استقالة فهمي؛ سعى كي يوغر 








460 


صدره أكثر ضد وزير خارجيته المستقيل» وأعلمه بأنه حاول بكل جهده أن يقنع فهمي بالمجيء 
من القاهرة لأجل استقبال الرنيس في المطارء بل إنه عرض عليه إيصاله بهيليكوبتر إلى 
الإسماعيلية» لكنّ الرجل رفض بتصميم عجيب. ولم يجد السادات سوى أن يقول معلقاً: «اللي 
39 عايز يروح معايا لإسرائيل» ما يلزمنيش. خليه يغور»! 
في المساء أعلنت الإذاعة المصرية نبأ استقالة وزير الخارجية إسماعيل فهميء وتعيين وزير 
قذره شرن الدج سورياس بل ولم تعض ساعات قليلة حي أملن اض 
استقالته هو الآخر. كانت تلك الاستقالات المحالية ير شؤم بأن الرحلة إلى إسرائيل 
الكثير من العوائق والمشكلات. ولم يجد السادات بديلاً من بطرس غالي ليعيّنه وزيراً للشؤون 
,قبل غالي المهمة الموكلة إليه بسرور. وكذلك بدأت الاستعدادات تتسارع لإتمام 
ريارة في تاريخ القرن العشرين. 












46| 


الفصل السادس 
طريق المعاهدة 


في الفترة بين 19 و20 تشرين الثاني/نوفمبر 21977 زار السادات إسرائيل» حيث ألقى خطاباً 
أمام الكنيست في20 تشرين الثاني /نوفمبر 1977 عرض فيه وجهة نظره في الصراع العربي - 
الإسرائيلي» وضمّنه بعض اقتراحات تسوية هذا الصراع» وشدد فيه على أن فكرة «السلام» بينه 
وبين إسرائيل ليست جديدة» وأنه يهدف إلى تحقيق «السلام الشامل»"". 

كما أجرى السادات محادثات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية غين» وعدد من رؤساء الكتل 
البرلمانية في الكنيست. وفي هذه الزيارة» تبدّى موقف السادات من خلال الأسس الآنية: 

١‏ استبعاد فكرة الحرب كوسيلة لحل الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» والتعبير عن رغبة الشعب 
المصري في السلام؛ وصدق نينه في تحقيقه. واعترافه بوجود إسرائيل وقبولها في المنطقة في 
ظل سلام عادل ودائم. 

2 الاستعداد لتقديم كافة الضمانات المطلوبة لتحقيق أمن إسرائيل» على أن تكون متبادلة. 

3 تأكيد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة كافة بعد 5 حزيران/ 
يونيو 1967ء بما في ذلك القدس العربية» والاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في العودة 
وإقامة دولته. 

أما الموقف الإسرائيلي فقد تم التعبير عنه في الكلمات التي ألقاها رئيس الوز, 
وعبر عنها جميع المسؤولين الإسرائيليين خلال الزيارة؛ ويمكن إجمال عناصره بما يأني: 

١‏ إبراز الح الديني والتاريخي والقانوني لليهود في أرض فلسطين؛ استناداً إلى النصوص 
وحجة الحق التاريخيء مع الإشارة إلى تزايد اعتراف دول العالم بهذا الحق. 

















محمود سوبد؛ من كامب دايفيد إلى المماهدة: خلفية القرار الإسرائبلي (بيروت: مؤسسة الدراسات 





463 


2 ماهية السلام الذي تريده إسرائيل وكيفية ضمانه. وحدود العلاقات الطبيعية أو مظاهرها 
من اعتراف دبلوماسي وتبادل اقتصادي وحدود مفتوحة. 

3- أن يتم تحقيق هذا السلام بواسطة معاهدة: تنتج من مفاوضات مباشرة من دون شروط 
مسيقة. مع أطراف الصراع الأخرى» أي سورية والأردن. ومن سقتهم إسرائيل ممثلين حقيقين 
اللشعب الفلسطيني. 

كان من أخطر التنازلات التي قدمها السادات إلى بيغين في أثناء زيارة إسرائيل» والتي لم 
تتكشّف إلا في أثناء المحادثات العسكرية التي أ: الزيارة» التعهد الذي قطعه على 
انفه بأن القوات المسلحة المصرية لن تعبر خط المضايق مطلقاً. ما يعني أنها ستشغل مسافة 
قدرها 35 كم فقط شرق القناة وتترك 170 كم من سيناء منزوعة السلاح! يشرح ذلك عبد الغني 
الجمسيء في مذكراته بعنوان: حرب أكتوبر: مذكرات الجمسي: بالإشارة إلى أن السادات 
استقبله. بعد عودته من إسرائيل بفترة قصيرة. وأخطره بأن هناك اتفاقاً على لقاء يجرى في مصر. 
بينه وبين وزير دفاع إسرائيل وايزمان» «لوضع أسس العلاقات العسكرية بين الدولتين في مرحلة 
اللام». ويقول الجمسي: «لم يذكر لي السادات أي اتفاق محدد تم ب إسرائيل عن 
مستقبل العلاقات العسكرية أو السياسية بين الدولتين. كما لم يذكر لي في هذه المقابلة. أو في 
أي وقت سابق أو لاحقء أن هناك مقابلات سرية تمت في المغرب. بترتيبات ورعاية الملك 
الحسن مالك المغرب؛ وكان يمثل مصر فيها حسن التهامي من رناسة الجمهورية؛ ويمثل 
إسرائيل فيها دايان وزير خخارجية إسرائيل»” 

ويضيف الجمسي أن المحادثات مع وايزمان كشفت عن ثلاثة توجهات إسرائيلية: 

أولهاء أن إسرائيل ترغب في تعديل حدود مصر. بحيث تضم إليها المستعمرات والمطارات 
القانمة في سيناء. وقد أكد الجمسي عدم الاستجابة لأي مقترحات في شأن تغيير الحدود. 

والثاني؛ أن إسرائيل تطالب بخفض حجم القوات المسلحة المصرية؛ وترفض أي وجود 
عسكري مصري شرق القناة ابتداءة من خط المضايق؛ وقد أكد الجمسي أن مصر لا بد من أن 























يكون لها قوات في العريشء كما أنها ستستخدم مطاراتها في سيناء. 
رد وايزمان: «عليّ أن أذكرك بأن السادات قد وعد بيغين بعدم نقل قوات من الجيش المصري 
إلى شرق ممري متلا والجدي»! 








(2) موشبه دابان. الاختراق: رؤية شخصبة للمحادثات المصربة ‏ الإسراتيلبة. كنب مترجمة؛ 764 (الفاهرة: الهبنة. 
العامة للاستعلامات؛ 1977). ص 42 وما بعدها. 


جميعاً ‏ في مصر وإسرائيل ‏ نعلم أن خط المضايق هو آخر الخطوط الدفاعية التي يجب 
التمسك بها للدفاع من هنا الاتجاه. ومعنى ذلك أن النطاقات والخطوط الدفاعية يجب أن 
.تكون في المسافة بين المضايق وحدود مصر الشرقية (نحو 150 كم)» كما أن المطارات الرئيسية 
في سيناء موجودة في شرق المضايق. فضلاً عن ذلك وهو الأهم أن الرأي المطروح يتعارض 
مع السيادة المصرية على أراضيئاء لأنه يعني نزع سلاح سيناء»”5. 

والثالث. أن يكون لإسرائيل وجود في بعض النقاط الحاكمة في سيناء» تزرع فيها محطات 
حتى يكون الجانب الإسرائيلي على علم بما يجري في مصر من نشاط عسكري. 
«يبدو أن الجانب الإسرائيلي استوعب الدرس من حرب تشرين الأول /أكتوبر 
ية» ومفاجآت ية وهندسية لم تتوقعها القوات 
الاقتراح في مظهره عمل من أعمال الاستخبارات» لكن له أعماقاً أكبر. لم أناقشها 
لان الموضوع نفسه كان مرفوضاً من حيث المبدأ. لققد تناسوا أن الاستخبارات الإسرائيلية 
اشتهرت بأنها تعرف كل ما يدور في الوطن العربي بالتفصيل. وأنها تتعاون مع الاستخبارات 
المركزية الأمريكية في العمل؛ وأن إسرائيل كان لها أجهزة فنية للاستطلاع. والإنذار المبكر في 
سيناء. وبرغم ذلك فقد أمكننا تحقيق المفاجأة في السادس من تشرين الأول/أكتوبرء وأصبح 
القواتنا المبادأة في الحربء ولم تعطهم استخباراتهم الإنذار. ولم تحمهم حصونهم من 
الدمار»". 

من هذه المحادثات يخلص الجمسي إلى أمرين: 

أولهماء أن «الحقائق التي ظهرت أمامي في هذه المرحلة المبكرة من المفاوضات العسكرية 
أقنمنتي إسرانيل السياسية» واستراتيجيتها العسكرية» قبل زيارة القدس لا تزال كما 
عي بعد لزبارق ل كير 

وثانيهماء «إن ما تطالب به إسرائيل» تحت ستار الأمن الإسرائيلي» يهدد الأمن القومي 
المصري تماماًء من هذا الاتجاه الاستراتيجي الخطيرء ويعطي لإسرائيل مميزات عسكرية كبيرة» 
ويضعها في الموقف العسكري الأقوى في أي صراع مسلح مع مصرء وهو ما لا يمكن استبعاده 
في مرحلة السلام»". 


















(3) محمد عبد الغني الجمسي, حرب أكتوير: مذكرات الجمي (الفاهرة: دار المبدان للنشر والترزيع: 02014 
ص 549 552. 

() المصدر تق من 553 

(5) المصدر تقيه صن 594 


465 


إزاء خطورة الموقف. سارع الجمسي إلى إبلاغ السادات بكل ما تقدم؛ لكنه اكتفى 
بالاستماع» واقتصر في كل رده على كل جزء من كلام الجمسي بكلمة: «طيب.. طيب.. طيب.. 
أشكرك»'"! 

الكن ما حدث أن السادات قد التزم «وعوده؛ كافة؛ من الصحيح أنه لم يجر أي تغيير أو 
تعديل في حدود مصر. وهي أقدم حدود في التاريخ» إنما تحققت الغاية المرجوة من هذه 
الفكرة الشاذة بنزع سلاح أكثر من ثلثي سيناء» كما جرى زرع محطات إنذار مبكر في وسطهاء 
لا فقط إسرائيلية» لكن أمريكية أساساً! 

وهكذا انتهى الجمسي إلى الخلاصة الآنية: تقد بدأ الصراع المسلح الحقيقي بين العرب 
وإسرائيل بحرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973. قبل ذلك كانت الحرب ‏ في رأى كثيرين- 
شيئاً ميؤوساً منهه لكن بعد هذه الحرب أصبح الأمر ممكناً. وتلك هي بداية النهاية في الصراع 
العربي - الإسرائر 

القد قال دايان إن حرب حزيران/يونيو 1967 هي «الحرب التي أنهت كل الحروب»» وذهب 
السادات إلى «أن حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 هي آخر الحروب». والحقيقة الواضحة» في 
ضوء طبيعة الصراع» أن حرب حزيران/يونيو لم تكن الحرب التي أنهت كل الحروب» وليس 
هناك صدى لدى إسرائيل للنداء بأن تكون حرب تشرين الأول/أكتوبر هي آخر الحروب. لقد 
فرضت الحرب الرابعة حتميتها في تشرين الأول /أكتوبر 1973 بعد أن أصبح لا بديل منها. 
وستفرض الحرب الخامسة حتميتها إذا لم يكن هناك مفرّ منها”". 

وكان السادات قد استقبل الجمسيء في 975/5/1اء وأبلغه بأنه قرر تعيين أحد قادة القوات 
المسلحة في أثئاء حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 نائباً لرئيس الجمهورية» وعرض أمامه 
خمه أسماء كانوا مرشحين. هو أحدهمء وثم أشاد بما قام به من عملء منذ أن كان رنيساً لهيئة 
العمليات, ورنيساً للاركان. ثم وزيراً للحربية» وقال له: «أنت غريتشكو مصرء ولا بد أن تبقى 
في القوات المسلحة مدى الحياة. وستكون هذه هي وصيتي». '. وأنهى حديثه يأن 
على حسني مبارك. وطلب منه إخطار مبارك بموعد له مع الرئيس ليتولى هو ت 
وفور عودة السادات من مؤتمر كامب دايفيد في أيلول/سبتمي 8 اسقبل الجمسي وأبلقة 
أنه سيترك وزارة الحربية» التي ستصبح وزارة الدفاع» وتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية! 
ويضيف الجمسي: «لقد شعرت بالضيق والاسف لاختيار يوم 5 تشرين الأول /أكتوبر لإجراء 

















التغييرات في القيادة العسكرية. بحيث تكون القيادة الحالية» التي كان لها دور رئيسي في حرب 
(6) المصثر تقب ص 399391 
0 الجر م اعد 





تشرين الأول/أكتوبر 1973 بعيدة عن القوات المسلحة في ذكرى الاحتفال بالنصر يوم 6 تشرين 
الأول /أكتوبر 1978 آمل أن يكون هناك حسن اختيار للتوقيت» مراعاة للناحية المعنوية. 
التي تُعتبر عاملاً هاماً في حياة كل مقاتل»""! 

إن البحث عن أسباب «معاهدة السلام المصرية ‏ الإسرائيلية» ينبغي له أن يوضع في الإطار 
الاستراتيجي العام لأوضاع الصراع العربي ‏ الإسرائيلي» التي كانت في غاية الخطورة بالنسبة 
إلى حال إسرائيل؛ فقد كانت صدمة حرب عام 1973 في أوج تفاعلهاء يما حوته من نهاية مفهوم 

















الأمن القومي الإسرائيلي ب 
التقدير الإسرائيلي أن هذا الوضع إن استمر بشكل خطورة مستفلية بالغة على أمن إسرائيل» 
بحيث بدأ تحول استواتيجي متصاعد يوحي بمبلاد توحد عربي حقيقي» ومن هنا خططت 


الولايات المتحدة وإسرائيل لمر 





العسكرية المباشرة مع إسرائياله واختيرت تحديداً 0 تأثيراً بين الامة. 

أما من الجانب المصري؛ فكانت المبررات تدور حول أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة. 
لا تمكن إزالتها عسكرياء ولا بد من الاعتراف بها. . ويمكن القول إن المدقق في الموقف العربي 
كامب دايفيد كانت نوعاً من التحول الطبيعي؛ فقد اعتمدت 





هزيمة عام 1967 لا إنهاء وجود إسرائيل من أساسه. 
وهو ما اتضح من قبول الدول العربية قرار مجلس الأمن الرقم (242) عام 1967 الذي شدد 
على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 01967 وليس الأراضي المحتلة منذ عام 
48 حينما قامت إسرائيل على أنقاض فلسطين. ولقد عكست المفاوضات المصرية - 
الإسرائيلية؛ والفلسطينية ‏ الإسرائيلية؛ هذا «الاختلال الاستراتيجي» في التفكير. كما تؤكده 
النتائج التي تمخضت . ولتوضيح ذلك يعرض المبحث الأول انفاقيات كامب دايفيد» ثم 
يحلل المبحث الثاني معاهدة السلام. 








أولاً: انفاقيات كامب دايفيد 


استقبل معظم المصريين السادات عند عودته من إسرا انيل استقبالاً حافلاً. لكن «ليالي 
الفرح» بزيارة السادات إسرائيل لم تستمرٌ طويلاً؛ فبينما كانت أغلبية الشعب المصري تبارك 
خطوة السادات» شهدت مصر حلفاً معارضاً ضم ثلاث فتات. على رأسها «الناصريون» الذين 
اعتبروا أن السادات قد خان مبادئ جمال عبد الناصرء ومعهم «الشيوعيون» الذين وجدوا 


(8) المصدر تقسه. صن 631 


467 








الاتحاد السوفياتي يقف في الجانب الآخر من المبادرة» لأنه اعترض عليهاء ولم يجد دوراً له 
فيهاء بل كان مقصوداً إبعاده. كما أن منظمة التحرير الفلسطينية؛ التي كانت تعتمد على التأييد 





السوفياتي في ذلك الوقت» رفضت المبادرة رفضاً مطلقاً. ومع الناصريين والشيوعيين كان هناك 
«الأصوليون» الذين لا يتصورون قبول دولة لليهود من أساسه. 

كان تصور السادات أن العرب سياندونه من دون شكء وينتظرون مبادرته. وبخاصة 
أن خطابه الذي ألقاه في الكنيست يعبر بوضوح عن المطالب العربية» إلا أنه فوجئ برد القعل 
العربي الرسمي وغير الرسمي. فقد استنكرت المبادرة معظم الدول والشعوب العربية» وبادرت 
العراق وسورية وليبيا واليمن الجنوبية ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى تجميد علاقاتها بمصر. 
وإعلان ما سمته «جبهة الصمود والتصدي». إزاء هذا السلوك أعلنت مصر قطع علاقاتها 
الدبلوماسية والسياسية بهذه الدول. فالعرب تخلوا عن السادات الذي وجد نفه وحيداًء يتلقى 
هجمات جبهة الصمود والتصدي الضارية. «وكانت هذه أول مرة في التاريخ المعاصر تجد 
السياسة المصرية نفسها في مثل تلك العزلة داخل الوطن العربي*: بحسب مذكرات محمود 
رياض". 

وفي 18 شباط/فبراير 1978 اغتيل يوسف السباعي. رئيس مجلس إدارة الأهرام في ذلك 
الوقت» على أيدي عناصر من منظمة التحرير الفلسطينية في قبرصء لانه رافق السادات في 
رحلته إلى إسرائيل. وبعد أقل من شهرء غزت إسرائيل في 16 آذار/مارس باجتياح واسع جنوب 
البنان» استخدمت فيه ما يزيد على 30 ألف جندي من القوات البرية والبحرية والجوية. 

ليت مبادرة السادات ردوداً إيجابية لدى مواطني الغرب؛ الذين نظروا إليها كاختراق بطوليء 
بذل فيه السادات جهداً غير عادي؛ توقعوا أن ينتهي بتحقيق «السلام؟ بين العرب وإسرائيل. لكن 
في الوقت الذي كان المواطن الأوروبي ينظر إلى مبادرة السادات بكل تقدير وإعجاب؛ كانت 
معظم الحكومات الأوروبية غير راضية لأن السادات همّش دورهاء واعتمد على الولايات 
المتحدة وحدها. باختصار» لم يجد السادات بعد وقت قصير أحداً يسانده في مبادرته. 

















1 الطريق إلى مؤتمر كامب دايفيد 

أعقيت زيارة السادات إسرائيل عدة خطوات» حاولت إعطاءها آ/ تحقق «السلام؟ 
المنشود. وجرى الاتفاق على عقد مؤتمر تحضيري في القاهرة. لتسوية المسائل الإجراتية 
ووضع أسس الحل المرتقب. 








(9) محسرد رياض. مذكراث محمود رياض: البحث عن اللام والصراع في الشرق الأوسط. 1948 1978 (القاهرة: 
دار المستفيل العربي. 1985). صن 840. 


468 


1 المؤتمر التحضيري في القاهرة 

في 26 تشرين الثاني انوفمير 1977. وجهت مصر الدعوات إلى كل من إسرائيل والاردن 
وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية ولبنان» إضافةٌ إلى الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي 
والولايات المتحدة؛ إلى حضور «المؤتمر التحضيري». ف في القاهرة في 14 كانون الأول/ديسمبر 
7 .. لكن من شاركوا في المؤتمر فعلاً كانوا مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والأمم 
المتحدة. نه ليث للناة لماي بلاتية امسزاياي لامر مز اننا وقد أبرزت 
المصادر المصرية والإسرائيلية رؤية كل من البللدين للمؤتمرء على النحو الآتي: 

ذكرت المصادر الإسرائيلية أن وفدها إلى القاهرة لا يملك الصلاحيات لعرض اقتراحات حل 
وسط من أي نوع على مصر في هذه المرحلة؛ وأن مهمته فنية أساساً. وهي مقارنة مواقف. 
الانطلاق المصرية والإسرائيلية» واقتراح نسق إجراني لمواصلة المفاوضات بين الدولتين» في 
شأن المسائل المختلف عليها. يست قاس بر سارل رساب افاي ل 
الوصول إلى انفاقات على أساس حلول وسطء من دون استيعاد فكرة التسوية المنفردة التي 
تمثل أحد الاهداف المطروحة أمام الوفد الإسرائيليء إذا تمكن من إقناع مصر بذلك. 

أما الوفد المصري فقد حدد رؤية حكومته لموضوعات البحث. في النقاط الخمس الآنية: 

.1967 انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية التي يعد حزيران/يونيو‎ ١ 

2- اعتبار الفلسطينية جوهر النزاع في المنطقة» وترتيب السلام الدائم على حل هذه 
القضية بإعادة الحقوق المشروعة إلى الشعب الفلسطيني» بما فيها حقه في إقامة دولته. 

3 أن يكون الحل الشامل هو الإطار العام للمحادثات. 

4- إيجاد تصور مشترك؛ يكفل الأمان لكل الاطراف. 

5 العمل على سير خطوات المؤتمر بالمرونة التي تنيح انضمام أية أطراف. في أية مرحلة. 
من مراحل المؤتمر. وبالقدر الذي يسمح برفع مستوى التمثيل فيهء إذا ما اقتضت الظروف ذلك. 

وقد ظهر من سير المحادثات» التي تمت على مستوى المفوء ٠‏ أن ثمة خلافاً أساسياً ين 
الطرفين» بشأن جدول الاعمال الذي ترك مفتوحاً أصلاً. فمصر اقترحت أن يتضمن الانسحاب 
والقضية الفلسطينية وطبيعة السلام ومكوناته. أما إسرائيل فطالبت بأن يتركز البحث على طبيعة. 
السلامء من خلال نصوص متترحة لاتفاقية سلام بين إسرائيل ومصر. وأدى هذا الخلاف بين 
الطرفين إلى تجميد أعمال المؤتمر. بعد أن أعلن عن اتفاق لعقد لقاء في مصر بين السادات 




















من الجدير بالذكر أن إدارة فندق مينا هاوس الذي عد فيه الاجتماع» ذُهلت عندما اكتشفت 
أن كل الاسلاك والتليفونات والحوائط؛ وربما كل الأثاث في الاجنحة والغرف التي شغلها 


469 


الإسرائيليون» قد أسيئت معاملتها تحت دواعي الأمن والتأه ن. ولهذا تعاملت أجهزة الأمن 
المصرية مع الغرف التي يقيم بها الوفد المصري في فندق «هيلتون القدس» بالمعاملة نقسهاء 
بحسب أحمد أبو الغيط في كتا. : شاهد على الحرب والسلام”. وفي الصالون الذي 
كان يجتمع فيه الوفد المصري في ينوك قشر أدت أجيزة ال المقامة ازا قت 
من تلو القاعة من أجهزة الاستماع؛ لكن في اليوم التالي اكنشفت أجهزة استماع دقيقة. وضعتها 
إسرائيل في أجهزة التكييف. بحسب نبيل العربي في كتابه بعنوا 
العازل: صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الده 












ب مدرو يتين 

في ختام زيارة وايزمان» حمّله السادات دعوة بيغين إلى زيارة مصر. حضر ب 
الإسماعيلية؛ في أول زيارة له إلى مصرء لا إلى القاهرة. والمعنى واضح. وعقد مؤتمر قمة في 
الإسماعيلية؛ في 25 كانون الأول/ديسمبر 1977. جرى رسمياً طرح مشروع بيغين للتسوية: في 
هذا اللقا. وهو المشروع الذي أعلنه فيما بعد رسمياً أمام الكنيست. في 28 كانون الأول/ 
ديسمبر 1977. ويمثل هذا المشروع أهم ما جاء في اتفاقيتي كامب دايفيد لاحقأ. وينقسم إلى 
جزأين: الأول. يتعلق بمستقيل الضفة الغربية وقطاع غزة» ويشمل الثاني قواعد التسوية مع 
مصراة", 

ويقترح المشروع في جزته الأولة 
غزة» يشترك فيه العرب على الأسسس الآتية: 

١‏ إلغاء الحكم العسكري في يهودا والسامرة وقطاع غزة. 

2 إقامة حكم ذاتي إداري فيها للسكان العرب بواسطة المقيمين ومن أجلهم. 

3- انتخاب سكان تلك المناطق مجلساً إدارياًء عضواً يعمل بموجب المبادئ المحددة في 
المشروع. 

م يحدد هذا الجزء من المشروع القواعد المنظمة لعمليات الانتخاب والترشيح؛ إضافة إلى 
اختصاصات المجلس الإداريء التي لا تتعدّى في مجملها الاختصاصات التقليدية للمجالس 
البلدية» بينما يعهد بشؤون الامن والنظام العام إلى السلطات الإسرائيلية. كما تنص المقترحات 
على منح سكان الضفة الغربية وغزة حق الاختيار بين الجنسيتين الإسرائيلية والأردنية» وما 











حكم ذاتي إداري لسكان يهودا والسامرة وقطاع 











(10) أحمد أبر الغيط. شاهد على الحرب والسلام (الفاهرة. دار تهضة مصر للنشر, 2013). ص 237.. 

)١1‏ نببل العربي. طابا.. كامب دايفيد.. الجدار العازل: صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية 
لقافرة: دار الشروق. 3012). ص 100 
(12) الأعرام. 1977/12/29 





47 


يترتب على ذلك من حقوق وواجبات سياسية ومدنية» ولا سما حق الإسرائيلين في امتلاك 





سبة إلى إسرانيا 
والسامرة و: ا رك انها جز لاني ار معان عد تنترها بإبقاء مسألة 
السيادة في تلك المناطق مفتوحة. 


وبالنسبة إلى القدسء ينص المشروع على أنه «في ما يتعلق بإدارة الأماكن المقدسة للديانات 
الثلاث في القدس يُعَدَ ويُقدّم اقتراح خاصء يضمن حرية وصول أبناء جميع الديانات إلى 
الأماكن المقدسة الخاصة بهم». 

أما الجزء الثاني من مشروع بيغين. فقد تناول أسس التسوية مع مصرء وتضمن ما يأتي: 

١‏ أن يُجرّد مناطق معينة من سيناء من السلاح؛ ولا يجتاز الجيش المصري المماز؛ ويستمر 
في سريان اتفاق خفض القوات في المنطقة المحصورة بين الممارٌ وقناة السويس. 

2- أن تبقى المستعمرات الإسرائيلية في أماكنهاء ووضعها الدائم» وتكون مرتبطة بالإدارة 
والقضاء الإسرائيليينء وتقوم بالدفاع عنها قوات إسرائيلية. 

3- أن تُحدّد فترة انتقالية لعدد من السنين: يرابط خلالها الجيش 
إبقاء مطارات وأ 
الحدود الدولية. 

4- ضمان حرية الملاحة في مضايق تيران واعتراف الدولتين؛ في إعلان خاصء بأن هذه 
المضايق هي ممر ماني يجب أن يكون مفتوحاً للملاحة لأية سفينة. وتحت أي علم؛ سواء 
بواسطة قوة تابعة للامم المتحدة لا يمكن سحبها إلا بموافقة الدولتين ويناء على قرار بالإجماع 
من مجلس الأمنء أو بواسطة دوريات عسكرية مصرية ‏ إسرائيلية مشتركة؟ 

انتهت محادثات الإسماعيلية بمؤتمر صحافي؛ أعلن فيه الطرفان آراءهما في ما دار من 
ا او ا م 

في الرأي. قفي الاجتماع المغلق رئيسين» يتكلم على حق إسرائيل ني 
ا 0 راثيل» وأن إسرائيل خخاضت حرباً دفاعية 
عام 1967 . ومن الجدير بالذكر أن بيغين قد أطلق تصريحاً مدويا. في ذلك المؤتمر الصحانيء 
حين قال: : «لقد اتفقت مع صديقي السادات على أن حرب عام 1967 كانت حرباً دفاعية» بالنسبة 
إلى إسرائيل» وهكذا كشف جزءاً مما أخبره به السادات في الاجتماع المغلق بينهما. لم يعقّب 
السادات على ذلك؛ إنما أطلق بدوره تصريحاً مهما يوضح فيه جانباً من أجواء الاجتماع المغلق 





الإسرائيلي وسط سيناء» مع 
ة انذار إسرائيلية فيهاء إلى حين انتهاء هذه الفترة الانتقالية والانسحاب إلى 























471 


بينهماء وبخاصة أطماع بيغين في الأراضي المصرية والعربية المحتلة» إذ قال: «إن أرضنا 
مقدسة»"", 

هكذا اكتفى الطرفان بإعلان اتفاقهما على عدة قرارات إجرائية؛ منها رفع مستوى التمثيل في 
مؤتمر القاهرة إلى المستوى الوزاري. وتشكيا في إطار المؤتمرء ترفعان قراراتهما إليه: 
الجنة عسكرية يترأسها وزيرا دفاع الطرة رب» وتعقد اجتماعاتها في القاهرة؛ ولجنة 
سياسية يترأسها وزيرا الخارجية بالتناوب» وتعقد اجتماعاتها في القدس. 

قدت قمة الإسماعيلية في مناسبة عيد ميلاد السادات» وكان قد أعد للمناء 
السلام»؛ لكنه كان «عيد ميلاد غير سعيد»؛ على حد تعبير الجمسي؛ فقد تساءل: 
السادات يتوقع ما حدث» في مؤتمر الإسماعيلية؟ ويشير إلى أن أحمد بهاء الدين كشف في 
كتابه بعنوان: محاوراني مع السادات. ما دار بينه وبين السادات من حديث؛ قبل مؤتمر 
الإسماعيلية مباشرة. ومنه تتضح الصورة التي رسمها الرئيس لنفسه عن الموقف. وتوقعاته عن 
المؤتمر ونتانجه. ومن هذا الحديث ‏ كما يقول الجمسي ‏ يتضح أن السادات كان يتوقع شيئاً 
مختلفاً تماماً عما حدث"". 

ولتوضيح ذلك نقل الجمسي عن بهاء الدين فقرات مما كتبه في كتابه: أخبرني السادات 
قبل توجهه إلى الإسماعيلية مباشرة» أهم تصريح بطريقة عفوية» وكأنه يتحدث عن بديهية» 
: صباح الثلاثاء سبيصل الوفد الإسرائيلي الرسمي إلى الإسماعيلية. سنعقد جلسة في 
الصباحء وجلة بعد الغداء (قالها وكأن المحادثات مجرد إجراء شكلي مفروغ من 
مقدماً). وفي صباح الأربعاء سنعقد أنا وبيغين مؤتمراً صحافياً نعلن فيه مبادئ الاتفاق. ويضيف 
بهاء الدين أن السادات أبلغه أنه سيلقي خطاباً في مجلس الشعب يوم السبتء يشرح فيه «مبادئ 
الاتفاق وقصته الكاملة. لاقطع كل الألسنة الطويلة بالنتائج التي سأعلنهاء؛ وطلب منه إعداد 
ذلك الخطاب. قائلاً: «إنه سيكون أهم خخطاب في حياتي السياسية»! 

ويتابع بهاء الدين: كنت غير قادر على أن أصدق أن كل ما يتوقعه سيتحقق. هل ما قاله لي 
سيتحققء ولو [بنسبة] سيعين في المئة؟ فقد تعودت من السادات ميله إلى التفاؤل غير المبني 
أحياناً على أساس. وميله لسماع الجانب الوردي من الأخبار والأحداث... أم أنه ضحية عملية 
خداع هائلق. وسيظل هدف إسرائيل عدم إعطاء أي شيء؛ والمناورة وكسب الوقت؛ كما قلت 
له؟ أم أنه قد ذهبت به الاحلام بعيداً إلى سحابة غير حقيقية» تحت تأثير الوهج الشديد الهائل 






























(3) الأعرامء 1977/13/36 


(13) الجسسي. حرب أكتوير: مذكرك الجمسي. ص 557 ر566. 


472 


من الدعاية والإعلام» والاهتمام العالمي. والتمجيد الدولي في العالم الغربي بالذات... العالم 
الذي يهمه قبل العوالم الأخرى؟ 

ويضيف: «عندما عقد المؤتمر الصحفي صباح الأربعاء ذُهل الناس جميعاً من هذا المؤتمرء 
وصُدموا مما رأوه صدمة قاسية. لكنني قد لا أبالغ إذا قلت إنني كنت من القا الذين صُدموا 
أكثر من غيرهم... لقد بدا السادات كأنه جسد محنّط عاجز عن الحركة. كان واضحاً لي أنه يمر 
بإحدى أقسى ساعات حياته أمام العالم كله. فهذا رجل مضطر لاحتمال ما لا يُحتمل؛ لأنه 
حريص على استمرار عملية السلام والآخر لا يريد السلام أصلاًء ولا يريد إعادة شبر من سيناء. 
وأيقنت أن ما كان يتحدث عنه السادات لي قبل أيام هو حلم من الأحلام» ووهم كبير وخديعة 
كبرى. ساقته إليها ثقته المطلقة بالرئيس كارتر وقدراته ووعوده. وأدركتء في الوقت نفسه. أن 
ات لق يلع اشرو مل لا المع مها حدددا وأ ارات جوف ول إن د أن 
يظفر بقطعة صغيرة من هذا الحلم». ولم تكن هناك حاجة إلى أي خطاب""". 

بعد اجتماع الإسماعيلية بشهر واحدء اجتمعت اللجنة السياء من وزراء خارجية مصر 
وإسرائيل والولايات المتحدة في القدس. وفي أثناء انعقاد تلك اللج 
مستعمرات جديدة في سيناء» لاستخدامها ورقة مساومة مع مصر. لم ب 
تنازلات. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان: «إن من الأفضل لإسرائيل أن تفشل 
مبادرة السلام على أن تفقد إسرائيل مقومات أمنها». 

امتدت اجتماعات اللجان الثنائية المصرية ‏ الإسرائيلية؛ والثلاثية التي انضمت إليها 
الولايات المتحدة أحياناً؛ حتى وصلت إلى طريق مسدود. ثم جاء التغيير النوعي في آلية 
المحادثات عندما وجه الرئيس الأمريكي كارتر الدعوة لكل من السادات وبيغين إلى الاجتماع 
في «كامب دايفيد». المنتجع الرناسي الأمريكي في ولاية ميريلاند الملاصقة للعاصمة واشنطن» 
والتي تمخضت عنها «اتفاقيات كامب دايفيد» الذائعة الصيت» في 21978/9/18 والتي فتحت 
الباب أمام التوقيع على «معاهدة السلام» المصرية ‏ الإسرائيلية في 1979/3/26 في واشئطن» 
تحت رعاية الرئيس الأمريكي. 



























اج - الموقف الأمريكي 
اتخذ المسؤولون الأمريكيون بعد لقاء الإسماعيلية موقفاً يمكن عدّه امتداداً لموقفهم منذ 
مبادرة السادات إلى زيارة إسرائيل» وهو الحرص على تحديد الدور الأمريكي؛ بصفته وساطة. 





(15) المصدر تقسة. ص , 


41 


لامشاركة» وتث تشجيع الأطراف المعنين على الوصول إلى تفاهم بينهمء ٠‏ مع الاحتفاظ بالمساندة 
التقليدية القوية لإسرائيل. 

فقد أعرب المسؤولون الأمريكيون عن رذ 
استمرار المحادثات» كما أشاروا إلى أد 





تصريح بريجنسكيء مستشار الأمن القومي, الذي قال فيه: «وداعاً لمنظمة التحرير». كما 
نقلت نقداً شديداً للمنظمة على لان الرئيس الأمريكي. وقد أدت هذه التصريحات 
الامريكية إلى رد فعل عنيف لدى الدول العربية. حتى إن السادات نفسه أعرب عن دهشته 
وخيبة أمله تجاهها. 

وعلى أثر ذلك أعرب كارتر عن استعداده للقيام بزيارة سريعة لمصرء ضمن جولته في 
المنطقة. والتقى السادات بالفعل في أسوان» في 4 كانون الثاني/يناير 1978 وهو في طريق 








عودته من السعودية إلى فرنسا. وبعد لقاء استغرق ساعتين أدلى الرئيسان بياتين موجزين. وقد 
ضمن كارتر بيانه المبادئ الأساسية التي يؤمن بأنها السبيل إلى التوصل إلى السلام العادل 





الدائم» وهي'" 

١‏ يجب أن يقوم السلام الحقيقي على أساس علاقات طبيعية عادية بين الأطراف, والذي 
سيتحقق فيما بعد. فالسلام يعني أكثر من مجرد إنهاء حال الحرب. 

2 - يجب أن يكون هناك حل للمشكلة الفلطينية بكل جواتبهاء كما يجب الاعتراف 
بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني» وتمكين الفلسطينين من المشاركة في تقرير مصيرهم. 

ودعا كارتر الاطراف إلى إبداء مزيد من المرونة. لضمان نجاح المحادثات وإيجاد حل 
وسط بين الآراء المتعارضة. وقد لوحظ في تصريحات كارتر هذه أنها لم تتضمن ذكر الان 
الإسرائيلي الشامل. ولاهو عدل عن معارضته فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أنه تجاهل 
الإشارة إلى ماهية الفلسطينيين المقصود تمكينهم من المشاركة في تقرير مصيرهم. وقد تواترت 
هذه المواقف السلية للولايات المتحدة في تصريحات ممائلة ومتالية نقلت عن المسؤولين 
الأمريكيين في الأيام التالية لزيارة كارتر لاسوان. 

من جهة أخرى؛ واجهت اللجنتان السياسية والعسكرية اللتان أنشنتا في الإسماعيلية 
صعوبات جمة. أدت في النهاية إلى وقف أعمالهماء على الرغم من المساعي الأمريكية المكثفة 
لتنشيطهما. فعلى سبيل المثال. بدأت أعمال اللجنة السياسية في القدسء في 7 كانون الثاني/ 
يناير 1978ء وكان قد تمّ تعيين محمد إبراهيم كامل وزيراً للخارجية فترأس وفد مصر. ويلاحظ 





(16) الأعرام؛ 1978/1/5 


474 


أن بيغين» في حفل العشاء الذي أقامه على شرف الوفد المصريء مساء وصول الوفد إلى 
٠‏ ألقى خطاباً مرتجلاً َس إحساس الصلف والتعالي والاء 
في جلسة اللجنة السياسية صباحاً. وعندما وقف كامل ليرد على ب 
أعده؛ وارتجل كلمة أعلن فيها أن ما قاله بيغين ليس مكانه العشاء. وأنه سيرد عليه في اللجنة 
الديذ غداًء مكررا أن المبادئ التي حددها في خطابه في افتتاح اللجنة السياء ية» والتى 
يرفضها رئيس الوزراء الآن. هي الاساس الوحيد الذى يمكن أن يُبنى عليه «سلام» عادل وشامل» 
هسب لعييد فين انتيل" 

بهنت القاعة. وتكهرب الموقف - كما كتب أحمد أبو الغيط - ولم يشرب كامل أو أيّ من 
أعضاء الوفد المصري أيٍَّ تخب مع الحضور. وفي منتصف الليل؛ تم إيقاظ جميع أفراد الود 
المصريء لتنفيذ أوامر السادات يجمع حقائبهم والعودة فوراً إلى مصر. وتم على عجل 
استدعاء الاستخبارات الإسرائيلية التي اتصلت بأمن الفندق «لفتح حجرة الغسيل بالفندق 
بصفة عاجلة» واسترداد ملابس الوفد التي كانوا أرسلوها للغسيل»: بحسب نبيل العربي”". 
وعلى طائرة خاصة أرسلتها مصرء عاد أعضاء الوفد المصري في الواحدة صباحاًء في بداية 
أزمة اشتعلت قبل مرور شهرين اثنين على زيارة السادات إسرائيل» واستمرت حتى وجد كارتر 
أن «كامب دايفيد هي الحل»! لكن تقرر بقاء ألفرد أثرتون. مساعد وزير الخارجية الأمريكية 
في المنطقة؛ ليقوم برحلات مكوكية بين مصر وإسرائيل» لحت الطرفين على استدناف 
المفاوضات. 

كما وجهت واشنطن الدعوة للسادات إلى زيارتها والتشاور مع كارتر. وقد تمت الزيارة 
فعلاً. وأدت إلى حمل السادات على استئناف المفاوضات, والعمل على تجنب التغييرات 
الدبلوماسية المفاجئة. مثلما حدث عندما استعاد وفده من القدسء والعودة إلى الدبلوماسية 
الهادنة والتخلي عن «دبلوماسية التلفزيون»: أي دبلوماسية التصريحات العلنية المثيرة؛ مع 
التشديد على أن الولايات المتحدة ستستمر في تحديد دورها في عملية صنع السلام» وتظل 
ممتنعة من ممارسة ضغوط قوية على إسرانيل. بل أكد البيان المشترك الصادر عن زيارة السادات 
الواشنطن استمرار التزامها التارييخي بأمن إسرائيل. 

استمر الفرد أثرتون في رحلاته المكوكية بين البلدين. وحملت الأنباء أسئلة وجهها إلى 
الطرفين وإجاباتهما عنها. وقد تعلق معظمها بالقضية الفلسطينية» وحقوق الشعب الفلسطيني. 


























وبدا واضحاً مما نُشر من هذه الأنباء أنه كلما اشتد التعنّت في الموقف الإسرائيلي ازدادت 
(17) أبر الغيط. شاهد على الحرب واقسلام. صن 237. 
(18) العربي. طابا.. كامب دايفيد.. الجدار العازل: صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية: ص 99. 


475 


تنازلات السادات» وأن الرئيس المصريء مع تمسّكه الظاهري بموقف متردد حيال القضية 
الفلسطينية» غدا أكثر استعداداً لإعلان نيته التوصل إلى حل منفرد مع إسرائيل: يركز بالدرجة 
الأولى في وضع سيناء» بشروط أدنى كثيراً مما طرحه أمام الكنيستء أو أعلنه مندوبوه في 
المفاوضات التالية. 


2- مؤتمر ليدز في بريطانيا 

حاولت الولايات المتحدة جمع مصر وإسرائيل في مفاوضات جديدة. اختارت مكاناً لها 
قلعة ليدز على بعد مئة كيلومتر من لندن. في 17 تموز/يوليو عام 1978 ضمت الوفد المصري 
برئاسة محمد إبراهيم كامل؛ والإسرائيلي برناسة موشيه دايان» والأمريكي برئاسة سايروس 
فانسء وأحيط سير المناة بتكتم شديد. إلا أن الاجتماع كانت :: ته الفشل! فسرعان ما بدا 
واضحاً أن هذا اللقاء لم يدث ما كان مرجواً منه. فقد تمسك الجانب الإسرائيلي بمواقفه 
المعلنة المتصلبة؛ ولم تفلح محاولات الوفد المصري تقديم مزيد من التنازلات في زحزحته. 
ذلك بأن إسرائيل كانت قد قرأت الموقف قراءة صحيحة؛ وقدّرت أن السادات أقدم على 
مخاطرة لم تدرس جميع أبعادها بعناية» وأن عدم تحقيق تقدم سريع يُضعف موقفه الداخليء 
ويؤدي إلى زيادة الهجوم على سياسته في الوطن العربي» فلجأت إلى التسويف وكسب الوقت» 
بحسب نيل العربي”". 
الولايات المتحدة جهودها لدفع عجلة التسوية إلى الأمام. وبعد فشل الجهود 
المبذولة على مستوى وزراء الدول والمبعوثين المتجولين» لجأت إلى طرح فكرة الدعوة إلى 
قمة ثلائية تضم كارتر وبيغين والسادات» تعقد في 1978/9/5 كمحاولة أخيرة للتوصل إلى حل 
للازمة. فكان مؤتمر كامب دايفيد. 














وفي يوم |3 تموز/يوليوء كتب كارتر في مذكراته: قررت إرسال سايروس فانسء وزير 
الخارجية. إلى الشرق الأوسطء بالرغم من رفض السادات لأي مفاوضات أخرى. باقتراح أن 
يأتي الرجلان» السادات وبيغين» للاجتماع بي مباشرة. كتبت رسالة خطية موجهة إلى بيغين 
يحملها فانس» ورسالة ممائلة إلى السادات. وفي 6 آب/أغسطس كتب كارتر في مذكراته: «تلقينا 








خبراً من فانس يفيد أن بيغين استجاب» وبشكل متفائل وعاطفي نوعاً ماء للمشاركة في القمة 
المزمع عقدها في كامب دايفيد. وفي القاهرة وافق السادات. وبالتالي أصبح الطريق ممهّدأً إلى 





محاولة تبدو الأخيرة يجتمع فيها الرؤساء الثلاثة في كامب دايفيد». 
(19) المصدر تقس صن 2103 


476 


3- كواليس مؤتمر كامب دايفيد 

انعقد مؤتمر كامب دايفيد لمدة ثلاثة عشر يوماً  5(‏ 1978/9/18): وشهد مفاوضات شاقة 
ومتعبة» وكادت تفشل أكثر من مرة. وقد شارك في هذه المفاوضات. إضافة إلى الرؤساء الثلائة 
كارتر والسادات وبيغين» وزراء خارجيتهمء وكبار مستشاريهم السياسيين والعسكريين 
والقانونيين. لكن القرارات الحاسمة انّخِذْت من قبل الرؤساء الثلائة وحدهم. وهذا يصدق 
بالدرجة الأولى على القرار المصري الذي حسمه السادات بنفسه. بدليل استقالة وزير خارجيته 
محمد إبراهيم كامل احتجاجاً على «التنازلات» التي قدمها السادات في المؤتمرء وكان ثالث 
وزير خارجية مصري يستقيل منذ إعلان السادات عزمه زيارة إسرائيل» بعد استقالة كل من 
إسماعيل فهمي وزير الخار. وزير الدولة للشؤون الخارجية؛ فور إعلان 
السادات عزمه زيارة إسرائيل» ورفضهما مرافقته فيها. 





أ المواقف المتناقضة 
إن إلقاء الضوء على مواقف الرؤساء الثلاثة قبيل انعقاد المؤتمرء وما أعده كل طرف لخوض 





تلك المعركة الحاسمة» سيساهم أكثر فأكثر في تبيان ما طرأ على تلك المواقف من تطورء في 
المراحل النهائية للمحادثات» وإلى أي مدى كانت تطلعات كل منهم وصلابته» وهو ما سيفسر 


نتائج المؤتمر بكل وضوح. 
فمن ناحية أولى» أوضح السادات موقفه في اجتماع مجلس الأمن القومي. في 1978/9/3 
قبل سفر الوقد المصري مباشرة لحضور المؤتمر بيومين فقطء وكان يتناقض بشكل صارخ مع 
ذكرة وزارة الخارجية» في شأن الاهداف المحددة؛ والاستراتيجية المقترحة لسير المحادثات 
تحقيقاً لتلك الأهداف. طبقاً لأصول المفاوضات وقواعدها. إن عرض أهم النقاط التي ذكرها. 
الساداء في اجتماع مجلس الأمن القومي. يكشف إلى أي مدى استعد لتلك المعركة الضارية» 
ومدى تنازلاته في ساحة النزال؛ وتتمثل بالآني": 
١‏ أن لا مساس بموضوعي السيادة والارضء ما يتناقض مع التسليم بنزع سلاج سيثاه 
والإقرار بأن مبدأ العودة إلى حدود عام 1967 ينطبق على سيناء والجولان» لكنه لا ينطبق على 











(20) اعثمد هذا الجزه على المصادر الأثبة: محمد إبراهيم كامل. الام الضائع قي كامب دايقيد (الشاهرة: جريدة. 
الأهالي. 1987): بطرس بطرس غالي. طربق مصر إلى القدس: قصة الصراع من أجل السلام قي الشرق الأوسط (الشاهرة: 
مركز الأهرام للترجمة والنشر. 1997): دابان؛ الاختراق: رؤية شخصبة للمحادئات المصربة ‏ الإسراتبلبة؛ ولبام كوانت. 
كامب دايفيد بعد عشر ستوات (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر. 1989): رشيد الخالدي. الاتحاد السوفيائي وكاب 
دايفيد (بيروث: مزسسة الدراسات القلسطينية, 1986). انظر أيضاً. تاملا عملة) “مما مسما! ملا يعمد بردمصال 

1982 مالسا ممااتوصطح 









47 


الضفة الغربية وقطاع غزة» لأنهما يهددان الأمن الإسرائيلي» على حد قول السادات» الذي فاجأ 
الجميع. 

ومن المفارقات التي كشفتها الوثائق السرية البريطانية: التي جرى نشرها مؤخراء أن 
إسرائيل على التفاوض مع مصر كان من بين شروطها عدم طرح موضوع القدس على طاولة 
المفاوضات!. 

2 - العدول عن فكرة السعي للتوصل إلى «إعلان مبادئ»: والاستعاضة عنه بإطار شامل 
العملية السلام» نزولا عند رغبة كارترء بهدف إحداث مواجهة حادة مع بيغين» وتوقع أن يفف 
كارتر ل جائب السادات في مواجهته! 








انتقالية. مع رابطة مع 
0 فار متاك على فلن لطر" الفلسطينية» حتى لو قبلتها 
إسرائيل! 


4 إذا رقض الملك حسين المشاركة» فإن مصر ستكون مؤهلة لأن تحل محل الأردن» لأنه 
لايمكن حل مشكلة سيناء من دون حل مشكلة فلسطين؛ التي هي أساس القضية. 

5 الاعتماد كلياً على كارتر للضغط على !. ائيل» للحصول على تنازلات منها في شأن 
الفلسطينية» وبخاصة مبدأ الانسحاب. ويتوقع السادات أن كارتر سيكون مستعداً لهذا 
الغرض» حتى لا يعض مستقبله السياسي للخطر. 

من خلال هذا الطرح, بدا أن صفقة منفردة مع إسرائيل غير واردة بالمرة. إلا أن أحداً لم يكن 
واثقاً بأن السادات سيلتزم تأكيداته تا طاقة لاحتمال فشل مبادرته» وأن تبدو زيارته إسرائيل 
نزلة غلطة العمرء وذنب لا يغتفر. لقد تعمد السادات التهرب والتسويف في شأن مقابلة وزير 
الخارجية؛ لعرض الخطة التي أعدتها الوزارة للمؤتمرء ولم يجتمع مجلس الأمن القومي إلا قبل 

سفر الوقد المصري بيومين فقط. قد يمر سلوكه بأنه إفراط في الثقة بنجاحه. معتمداً على نفسه 
فقطء أو الركون إلى وعود قاطعة من كارتر نقلها إليه فانسء في أثناء دعوته إلى المؤتمرء فحواها 
أنه سيؤازره على طول الخطء أو أنه كان كعادته ‏ يدير آخر في عقله. يريد أن يحتفظ به 
النفسه حتى اللحظة الأخيرة. مثلما فاجأ العالم أجمع ب 

























(21) المزيد من التفصبلات, انظر: الوق السرية البريطانيةالخطابات السرية المنبادلة بين الات وي 
قترة التفاوض السري أيام مؤثمر كامب دابفيد؛ الني سلمها حسني مبارك ناتب الرئيس إلى مارغربت ثانشر رئيسة 
: مجلة روز البوسف. العدد 2109 (9 أبار/ماير 2012). 





478 


يمكن القول إن كل هذه الاحتمالات كانت واردة في تفكير السادات» ما يؤكده إرجاء اجتماع 
مجلس الأمن القومي إلى آخر لحظة. ولهذا جاء الاجتماع شكلياًء إنما انخذه السادات محفلاً 
اللتلميح بشكل متضارب ومتناقض إلى ما يدور في فكره. وما يعقد العزم على اتخاذه في شأن 
المحادثات القادمة. ولعل أهمها إجراء تعديل جذري في الموقف المبدئي والاساسي الذي 
التزمت به مصرء طوال مسيرة كفاحها السياسي والدبلوماسي؛ وهو ألا تنازل عن السيادة 
والارض وفقاً لقرار (242) عام 1967 فهما خارج نطاق أي تفاوض: التراجع عن فكرة «إعلان 
مبادئ» تحكم عملية التفوض. والاكتفاء بفكرة «إطار السلام؟؛ وقد زعم السادات في .١‏ 
مجلس الأمن القومي التأكيد أنه من «اختراعه»» إلا أن لسانه لم يلبث أن «انفلت؟ بالقول: «إن 
الموقف الأمريكي يهدف إلى البحث عن «إطار للسلام»» الذي من المستحيل أن يتضمن 
أهدافنا الاستراتيجية الثابتة». 












والأخطر من ذا ل «نظرية الأمن الإسرائيلي»؛ التي كانت محور هدف السادات وتحديه 
من الحرب مع إسرائيل عام 1973ء وما ترتب على ذلك من تداعيات وترتيبات توجب القبول 
بتنازلات جسيمة في الأراضي المحتلة» وهو ما أعلنه على مرأى كبار المسؤولين ومسامعهم في 


اجتماع مجلس الأمن القومي. 
أما استخدام السادات مصطلح «الأماني الفلسطينية»: الذي تجاوزته التطورات بإقرار 









الإجماع الدرلي الحقوق الفلسطيئية تشكيل لجنة خاصة بالأمم المتحدة لرعاية هذه 


ية المشروعة غير القايلة للتصرف للشعب الفلسطيني؟ - 


غضب السادات من موقف المنظمة من «مبادرة السلام»؛ وانضمامها إلى "جبهة الرنض»» 
وتهجمها عليه. مع ملاحظة أن هذا هو الاصطلاح ذاته الذي استخدمه في خطابه أمام الكيست 
عام 1977ء إذ توجه إلى الشعب الإسرائيلي كي «يتفهموا أماني الشعب الفلسطيني في إقامة 
دولته على أرضه». هناء تنبغي استعادة "شخصية السادات» وما تنطوي عليه من طبائع؛ بحيث 
إن هذه التوجهات تكشف بوضوح أن الأمر لا يخرج عن غريزة التشمّيء والانتقام للذات» 


فكانت الغريزة أقوى من كل شيء. وهو ما لا يستقيم ‏ بأي شكل كان مع مسؤوليته كريس 
لمصرء قلب الوطن العربي» ومركز قيادته. بتاريخها ونضالها العظيم. 





(32) قائن عرض. السادات: 36 عاما على كامب دايفيد. ط 3 (القاهرة: مؤسسة الطريجي للتجارة والطيامة والشرء 
نا من 102 


479 


وأولاً وأخيراً مؤازرة كارتر للخروج من المأزق» وإنقاذ مركزه ومستقبله السياسيء المهدّد 
بفشل المؤتمر. وخشية السادات نفسه من فقدان أرصدته لدى الرئيس الأمريكي؛ ذاك الرصيد 
المفتوح والمتراكم من عهد نيكسون. ولم يدرك السادات أن عاملاً جديداً قد طرأ بدخول 
كارتر بشخصه حلبة الصراع, الأمر الذي كان يوجب على السادات توخي الحذرء والاحتفاظ 
بكل أرصدته. وأوراق الضغط لنفسه. ليهيئ لها كل عناصر المرونة لمواجهة أية مواقف. 
فبرئاسة كارتر للوفد الأمريكيء لم تعد المواجهة بين السادات وبيغين وحده؛ بل تفرعت 
وأصبحت تشمل نوعاً من المواجهة مع الرئيس الأمريكي ذاته؛ وإن اختلفت الأسباب 
قالهدف واحد. ذلك بأن نجاح المؤتمر أو فشله أصبح في نظر العالم يعني نجاح الرئيس 
الأمريكي أو فشله. وهو ما يستلزم استخدام عنصر الضغط لتقديم تنازلات. إن بيغين خارج 
تلك المعادلة ٠‏ فتحدي إسرائيل للولايات المتحدة قاتم» والعلاقات الاسترا 
والروابط الوثيقة بين البلدين في منأى عن تلك العواصفء أما السادات فإلى أين يتوجه إذا 
تسبب بفشل الولايات المتحدة» وحلت عليه نقمتهاء وبخاصة بعد أن هدم جسوره ١‏ 

















وقد اتضحت تلك الحقيقة جلية ‏ كما نشرت مجلة نيوزويك. في 1978/10/2 وكما سيأتي 
تفصيله. عندما شرع السادات في حزم حقانبه استعداداً لمغادرة كامب دايفيد. وإعلان فشل 
المؤتمر, لكنه سرعان ما تراجع أمام تهديدات كارتر؛ الذي كان شديد القسوة معه. وتوعّده 
بالنتائج الوخيمة التي تترتب على مغادرته, وتحميله المسؤولية كاملة عن إخفاق المؤتمر وفشله. 
وبالتالي توجيه ضربة قائلة إلى العلاقات المصرية ‏ الأمريكية, فضلاً عن انهيار «الصداقة' بين 








الزء وهو ما لايستطيع السادات أن يضحي به أبداً. كما لمح كارتر إلى أن مصر ستكون 
عرضة للخطر إلى أقصى حد من دون مساندة الولايات المتحدة. وكانت تلك نقطة تحؤّل مهمة 





نحو توّط السادات في قبوله سلسلة من التنازلات» وصلت إلى حد الاستسلام الكامل وتوقيعه 
في النهاية على ما لم يكن يراود إسراتيل في أكثر أحلامها تفاؤلاً. ولا الولايات المتحدة. 








ما تقدم بالتأكيد أن السادات لم يدرك الدرس 1 ؛ فقد وضع كل أرصدته رهناً لنجاح الرؤساء. 
الأمريكيين. بدءاً من نيكسون. إلى فوردء وأخيراً كارتر! 





ومن ناحية ثا: 





نية» اعتمد كارتر على دراسة تحليلية بعنوان: «القضية المحورية»؛ ركزت في 
ن الاتفاق في شأن سيناء والاتفاق المتعلق باا الفلسطينية. 
غين سيصر على عدم الربط بين المسألتين» بينما يرغب السادات في نوع من 
ا٠‏ لحماية نفسه من الاتهام بالتخلي عن الفلسطينينء وقبول «سلام منفرد» مع 
إسرائيل. وستكون المشكلة بالنسبة إلى كارتر أن يرى إمكان استخدام حافز التوصل إلى سلام 
مع مصر لتليين موقف بيغين تجاه القضية الفلسطينية؛ من دون أن يجعل - في الوقت نفسه- 


اكات 











450 


السلام المصري ‏ الإسرائيلي رهناً بإمكان العثور على حل لأكثر قضايا الصراع العربي - 
الإسرائيلي صعوبة. 

وكان الوفد الأمريكي قد حدد عدة قضايا يمكن أن تعرقل الاتفاق؛ أولاهاء عدم استعداد 
بيغين للقبول بأن مبدأ الانسحاب من الأراضي المحتلة. بحسب القرار (242)) ينبغي له أن 
ينطبق على الضفة الغربية وغزة؛ وثانيتهاء مشكلة المستعمرات الإسرائيلية في سيناء والضفة 
الغربية؛ وثالشتهاء مسألة ربط الأردن والفلسطيئين بالجولات اللاحقة من المفاوضات. كما 
خلص إلى أنه يجب إرجاء مسألة السيادة على الضفة الغربية وغزة وكذلك وضع القدسء إلى 
مرحلة لاحقة لا؛ سيكون في أكثر حالاته تشدداً تجاه مسائل الحدود بين إسرائيل وأي 
كيان فلسطيني ‏ أردني. كما أن الأطراف العربية المعنية مباشرة بالنزاع غائبة. وبدلاً من ذلك 
تستطيع مصر وإسرائيل تحقيق بعض التقدم في التخطيط لنظام حكم ذاتي انتقالي في الضفة 
الغربية وغزة. 

الم يتوقع الوفد الأمريكي مواجهة مشكلات عسيرة في التوصل إلى اتفاق عام على المبادئ 
المتعلقة بسيناء. وكان من المتوقع أن تتخلى إسرائيل عن المستعمرات والمطارات» شريطة 
وضع ترتيبات أمنية صارمة» وأخذ ما أعلنه السادات بجدية في شأن عدم إمكان المساومة على 
السيادة والارضء وأن كل ما عدا ذلك قابل للتفاوض. وليس من المفهوم ما الذي يقصده 
السادات ويكون خارج المساومة على السيادة والأرضء وفي الوقت نفسه يكون قابلاً 
اللتفاوض؟! 

وكان رد فعل كارتر الأولي لمشورة فريقه أنه كان يجب السعي إلى ما هو أسمى؛ فقد كان 
يريد بدلا من مجرد التماس اتفاق على المبادئ بخصوص تسوية شاملة ‏ وضع تفصيلات 
«معاهدة سلام» مصرية ‏ إسرائيلية» بما في ذلك ترتييات أمنية محددة» وكتب المسودة الأولى 
اللاتفاق بخط يده مع الوضع في الاعتبار أن مسألة الربط لم تكن تشغله. وقد أثبتت المحادثات 
ونتائجها أن آراء كارتر كانت صائبة. 

ومن ناحية ثالثة. كان بيغين على النقيض تماماً من السادات؛ فقد كان يواصل الاجتماعات 
بمجلس وزرانه» وبلجان الكنيست. والعديد من الخبراء والمستشارين» للإعداد لقمة كامب 
دايفيد. كان الوفد الإسرائيلي كله يدرك أنه في صدد إنجاز مهمة ذات مسؤولية جسيمة لمصلحة 
وطنه في أحرج لحظاته. وينما كان ب بذل أقصى ما في وسعه من حرص لحماية مصالح 
إسرائيل وأمنهاء والوقوف بصلابة على مواقفها الراسخة, كانت مهمة رئيس الوفد أيضاً أن يرف 
الروح المعنوية» ويوفر المناخ للعمل المستمرء وإحاطة الوفد علماً بكل دقائق الأمورء جملة 
وتفصيلا. 

















48 








والأهم مما تقدم هو استعداد بيغين لتقبل فشل المؤتمرء والعودة إلى إسرائيل من دون 
التوصل إلى اتفاق؛ ففي إمكانه تبرير موقفه أمام شعبه بصفته دفاعاً عن مصالح إسرائيل الامنية 


والحيوية» في مواجهة مقترحات غير مقبولة» متفق عليها بين السادات وكارتر. 

فور وصول السادات إلى كامب دايقيد. جرى اجتماع بينه وبين كارتر؛ بحيث صرح بأنه 
يحمل «خطة شاملة» وقدّم عرضاً لهاء والأخطر أنه على استعداد لتقديم تنازلات في كل 
النقاط. ما عدا السيادة والارض. ثم أعطى كارتر ورقة مهمة تتعلق بلسلة من التنازلات» التي 
يمكن استئنايها ز في الوقت المناسب من المفاوضات. وأنه مستعد لأن يعدل من خطتى. 
شريطة أن تبقى «قائمة ٠‏ . بهذا اطمأن كارتر إلى إمكان نجاح المؤتمرء وأنه 
مهما صادفه من صعوبات فسرعان ما تتلاشى؛ فما عليه إلا طلب المزيد من التنازلات من 
السادات» فضلاً عن وضع الاستثناءات المهمة جاتياً... وهكذا كان! 

القد أجهز السادات على مركزه وقدرته على المناورة قبل أن تبدأ المفاوضات. بسبب ما وعد 








لات" سراً 






به داخل الغرف المغلقة» ازلات وتجاوزات وتعهدات. الواحدة تلو الأخرى حتى يدد ما 
كان يملك من أرصدة. وفوق ذلك فقد أطلق يد كارتر في التفاوض باسمه؛ أي باسم مصر. لقد 


كشف السادات عن نياته بقبول تعديلات على حدود عام 1967 كما تعهد باعتراف دبلوماسي 
بإسرائيل» يشمل تبادل سفيرين» وفتح الحدود وإقامة علاقات في شتى المجالات بين البلدين. 
وصرح باستعداده حتى للتخلي لإسرائيل عن القدسء بل رفضه قيام دولة فلسطينية مستقلة» إنما 
مرتبطة بالأردن» ومنزوعة السلاح. هكذا كانت البداية, الأمر الذي أوضح مدى لهفة السادات 
مهما كان الشمن'”:. 

لم يكشف أمام كارتر. من الناحية العملية» شيئاً عن أهدافه. على 
الرغم من العلاقات الاستراتيجية بينهماء ومدى تنسيق الرؤية» وتطابق الأهداف. بل إنه لم يحد 
مطلقاً عن موقف التشدد طوال فترة الأيام الثلائة عشر من المحادثات؛ حتى اللحظات الآخيرة 
الاحتمال انهيار قمة كامب دايفيد. 
















ب صراع الإرادات 

في اليوم الأول من المحادثات؛ قدم السادات أفكاره عن حل القضية الفلسطينية» في جميع 
جوانبها؛ يما في ذلك انسحاب إسرائيل من الضفة الغر, رحلول لقضية المستعمرات. 
حاولت الإدارة الأمريكية إقناع الجانبين بأن يتجنبا التركيز في القضايا الشائكة, مثل الانسحاب 





(23) انظر في نفصيل ذلك: جرزيف سماحة. سلام عابرئ نحو حل عربي للمسالة البهودية (بيروت: مؤسسة عز الدين 
للطباعة والنشر. 1993). وصلاح سالم زرتوقة. وض العربي مع إسرائبل (ملاحظات عامة).؛ السباسة الدوليق: 
السنة 34 العدد 133 (تمرز /يرلير 1998). صن ١‏ 





452 





الكامل من الضفة الغر, ٠‏ ويبدآ المناقشات بالتركيز في قضايا أقل حساسية؛ مثل 
الانسحاب الإسرائيلي من سيناء. كان الهيكل العام للمحادثات التي استمرت 13 يوماً يتمحور 
حول ثلاثة موضوعات رئيسية: 


أولهاء الضفة الغربية وقطاع غزة: استند هذا المحور إلى أهمية مشاركة مصر وإسراتيل 
والأردن وممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات حول حل هذه القضية, بعد أن 
اقترحت الولايات المتحدة إجراءات انتقالية لمدة 5 سنوات. لغرض منح الحكم الذاتي الكامل 
لهاتين المنطقتين» وانسحاب إسرائيل الكامل بعد إجراء انتخابات شعبية فيها. ونص الاقتراح 
أيضاً على تحديد آلية الانتخابات من جانب مصر وإسرائيل والأردن. على أن ينضم فلسطينيون 
إلى وفدّي مصر والأردن. 

بحسب الاقتراحات في هذا المحورء كان على إسرائيل؛ بعد الاتتخايات المقترحة» أن تحدد 
في غضون 5 سنوات مصير القطاع والضفة؛ من ناحية علاقة هذين الكيانين بإسرائيل والدول 
المجاورة الأخرى. 

ثانيهاء علاقات مصر وإسرائيل: استند هذا المحور إلى أهمية الوصول إلى قنوات اتصال. 
دائمة من ناحية الحوار بين مصر وإسرائيل؛ وعدم اللجوء إلى العنف لحسم النزاعات. واقترحت 
الولايات المتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين إلى «اتفاقية سلام». 

ثالثهاء علاقات إسرائيل بالدول العربية: بحسب المقترح الأمريكي. كان على إسرائيل العمل 
على إبرام «اتفاقيات سلام» مشابهة مع البئان وسورية والأردن» بحيث تؤدي في النهاية إلى 
ادلة» وتعاون اقتصادي في المستقبل. 

كان الموقف الإسرائيلي متصلباً ومتشدداً يرفض التنازل. وفي هذا السياق تكمن الإشارة إلى 
خبرة «ذات طابع شخصي»!؛ فقد جرى العمل في «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية» في 
«الأهرام» على أن يعقد اجتماع لمجلس الخبراء في المركزء وكنت أحدهم؛ لعرض يقدمه بطرس 
بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية» ورئيس المركز في الوقت ذاته» مرة كل شهر على 
الأقل. عن مجريات الاجتماعات المصرية ‏ الإسرائيلية: منذ رحلة السادات إلى إسرائيل؛ وليس 
بغرض النشر. 

بعد العودة من الولايات المتحدة فور التوقيع على اتفاقيات كامب دايفيدء جاء اللقاء مع 
غالي في مركز الدراسات السياسية والاستراء لتقديم العرض المننظر منه كالمعتاد؛ بحيث 
أشارء ضمن قضايا عدة. إلى أن البداية كانت سيئة جداً؛ ققد شهد اليوم الأول للمؤتمر عقد 
اجتماع ثلاثي. ضم الرؤساء كارتر والسادات وبيغين, لتحديد العناصر الجوهرية والحقيقية التي 
سيتضمها الاتفاق المنتظرء والتوجهات السياسية في شأنهاء مثل أي مؤتمر دولي؛ لتحويلها إلى 

















اعترافات 
















483 


وزراء الخارجية والخبراء والمستشارين في الشؤون القانونية والعسكرية والفنية» لوضع 
الصياغات التي سيجرى التوقيع عليها. كان اللقاء حاداً 

يتسامرون حول مقر ذلك الجاع فإذا بهم يسمعون تصايحاً عدة 
بين السادات وب بيغين بوضوح رفضه مقترحات مصرء سواءٌ من حيث إخلاه 
الستطيزاك: اله في سيناء (وعددها 18 مستعمرة)؛ أو الانسحاب من القواعد العسكرية 
فيها (3 مطارات طورتها إسرائيل). وكل ما استطاعه بيغين طرح بعض الافكار التي تسمح ببقاء 
المستوطنين الإسرائيليين في سيناء؛ لكن اللنادات رفع بحزم هذه الاطروحات. كما سيأتي 
بيانه. وتزايدت حدة الاجتماع عندما أشار بيغين إلى أنه قد كتب في «وصيته' أن يُدفن في 
ت في سيناء» بزعم أنها جزء تم «تحريره من أرض الأجداد». فكان رد السادات بأن 


























مجرد مروره فوق سيناء يؤدي إلى «نجاء 
كان بغ قاطعاً وحاسماً منذ بداية ذلك الاجتماع في أنه لن يوقع على أي اتفاق ينخص 
الانسحاب من «جوديا وسماريا يدي ولا أوقع على أي اتفاق 
يتضمن الانسحاب من أية مستعمرة بأرض الأجداد»! هكذا تم «الاتفاق» بين الرؤساء الثلاثق 
نا لون على وفك في شأن الضفة الغربية وقطاع غزة يستحيل تنفيذه؛ كي 
يؤكد السادات أن في يده «تسوية شاملة».. والباقي معروف! 


كان تصور كارتر أنه ما إن يجمع السادات وبيغين في كامب دايفيد؛ بعيداً من الإعلام 
ويواجههما مع حتى ينتهي اللقاء إلى اتفاق بينهماء ينهي الازمة المعقدة؛ ويجني السادات ثمار 
مبادرته التي جعلته يتحدى المألوف ويذهب إلى إسرائيل. إلا أن الوضع كان مختلفا ويزداد 
0 عق شرا جنع تبر ار را بن موز 27 
ت النظرء وتبادل الأفكارء ومحاولة التوصل إلى صياغات 
نيا طوال أيام المؤتمر. لكنهما التقيا في البيت 
افر مد خرن مال لضت أن هذه الطريقة» بدورهاء لم تحقق أي نجاح؛ وبدا أن 
الأيام تجري. ورنيس الدولة الأعظم: الذي عزل نفسه عن العالمء سيواجه شعبه بالفشل. ثم بعد 
ذلك. طلب كارتر أن يقوم كل من السادات وبيغين بتخصيص ممثل لكل منهما يجتمع بهما 
كارتر» ويتبادل معهما الآراء وصياغات ما يمكن التوصل إليه من 

وعندما أعدت ١‏ الصيغة النهانية للاتفاقيات؛ وكانت تتضمن نصاً يتضمن سحب كل 
المستعمرات الإسرائيلية من سيناء. كرر بيغين قولته: «تُقطع يدي ولا أوقع على أي انفاق يتضمن 
الانسحاب من المستعمرات»: وكان المؤتمر كله على وشك إعلان الفشل. 

يقول أشرف غربال» سفير مصر في واشنطن. وعضو الوفدء في كتابه بعنوان: صعود وانهيار 
علاقات مصر والولايات المتحدة: كان عيزرا وايزمان» وزير الدفاع. من أكثر أعضاء الوفد 














4ه 


الإسرائيلي تودداً للرنيس السادات» وكان يناديه بكلمة ديا ريْس» بالعربية. وفي أحد لقاءاتهما 
اقترح وايزمان على الرئيس أن يجتمع مع موشيه دايان» وزير الخارجية؛ باعتبار أن وضعه قوي 
في الحكومة» ولدى الرأي العام الإسرائيلي”". 

استجاب السادات للاقتراح» ودعا دايان إلى مقابلته. وبعد انتهاء الاجتماع نقل السادات 
إلى أسامة البازء الذي نقل إلى سائر أعضاء الوفد ما دار بين السادات ودايان. إلا أنه في 
صباح اليوم التالي ‏ كما سجل أشرف غربال ‏ استدعاه الرئيس السادات. «وأبلغني الرئيس 
السادات أنه قرر إنهاء المفاوضات. وقال ‏ وكان في حال ذ سيتوجه إلى 
واشنطن. ويجتمع بأعضاء الكونغرس نواباً وشيوخاء ويعقد مؤتمراً صحافياً يشرح فيه ما 
جرى. وما انتهت إليه المفاوضات. وطلب مني أن أجهّز لحملة إعلامية لشرح وجهة نظر 
مصر وتعّت إسرائيل البالغ». وتم إبلاغ سايروس قرار الرئيس السادات بوقف المفاوضات» 
مضيفاً إلى ذلك طلب إعداد طائرة هليكوبتر لنقل السادات والوفد المصري إلى واشنطن»» 
فلم يعد لاستمرار كامب دايفيد كما أعلن الادات أية فائدة"”'! من الجدير بالذكر أن 
السادات كان قد أعلن أيضاً أنه ستوجه للإقامة بمقر السفارة المصرية» بما يؤكد انتهاء 
«المهمة» تماماً! 

وتضمن كتاب أحمد أبو الغيط. بعنوان: شاهد على الحرب والسلام”, عرضاً لهذه اللحظات 
الفاصلة» ضمن ما وصفه تقريباً بمحضر لقاء السادات ودايان» بعد ظهر 14 أيلول/سيتمير: 

«الرئيس: أود أن تصدقني القول يا دايان» فنحن لا يصح أن نضيّع وقتناء ووقت الرئيس 
كارتر. ما القصة بالضبط؟ 

دايان: سيادة الرئيس إنني أعرف عنكم حبكم للصراحة. هناك صعوبة لدينا تجعل من 
المستحيل على أية حكومة إسرائيلية أن تتحرك؛ بصرف النظر عمّن يترأس الحكومة. فلا بيغين 
ولا وايزمان ولا أنا نستطيع عمل شيء» فالقرار في يد الكنيست والشعب الإسرائيلي. والصعوبة 
أنه لا يمكن أن يوافق الكنيست أو الشعب على ترك المستعمرات في سيناء. وهذا راجع للتكوين 
النفسي للشعبء وكل ما يفعله بيغين هو اللعب على هذا الوتر لدى الشعب. أما بالنسبة إلى 
الضفة الغربية فيمكن التوصل إلى حلء وإلى اتفاق على رفع علم عربي أو إسلامي في القدس. 
وعلى ذلك فلا يمكن حل المشكلة الخاصة بالمستعمرات في سيناء إلا بعد أن تتغير مفاهيم 
الشعب الإسرائيلي» وتلك عملية تحتاج إلى فترة تتراوح بين أربع وخمس سنوات. وفي الظروف 














(24) أشرف غربال. صعود واتهيار علاثات مصر وأمريكا: الاتصالات الربة مع عبد الناصر والادات (القاهرة: مركز 
الأهرام للترجمة والنشر. 2004). 

(25) المصدر تقيه. صن 141 

(36) أبر الخيط. شاهد على الحرب واقسلام. ص 311 319. 


485 


والاعتبارات الحالية» فإن المتاح اهو أن نو ع الإطار هنا في كامب دايفيدء ثم ندخل في 
مفاوضات لمدة ثلاثة أشهر لنواجه استحالة التوصل إلى اتفاق أو عقد معاهدة سلام؛ بسبب 
استحالة اتخاذ هذا القرار الخاص بسيناء في هذه المرحلة؛ أو أن يتم الانسحاب من لان 
خط العريش ‏ رأس محمد وتحتفظ إسرائيل بحزام يضم المستعمرات والمطارات يمتد (بعرض 
عشرة كيلومترات) لحماية مصالحنا(!). 

قال السادات: معنى ذلك أن المبادرة المصرية لم تغ بناً في إسرائيل؟ 

قال دايان: ما أريد قوله أن المشكلة ليست مع بيغين» فهو لا يملك أن يوقّع على شيء هناء 
وكل ما يستطيع أن يقوله إنه سيأخذ أي اقتراح ويعود به إلى الكنيست؛ وعندما يحدث لن نخرج 
بنتيجة لأن الشعب الإسرائيلي متصلب. ومعنى هذا أنه ليس هناك زعيم إسراتيلي يستطيع أن 
أ يتناقض مع شعور الشعبء وهذا ينطبق على زعماء حزب العمل أيضاًء بصرف النظر 
عما يقولونه أو يصوّرونه من استعدادهم للسير في الحل بعد ب 

قال السادات: إنني أقدّر صراحتك. والأنضل أن رف إلى حقيقة الوضع بلا لفت 
ولا دوران. ولهذا بدوري أحب أن يكون موقفي واضحاً لكم: لا تنازل إقليمياً على الإطلاق في 
سيناء. ولا يمكن السماح ببقاء المستعمرات؛ ولا يمكن السماح باحتفاظكم بالمطارات. وعندما 
تكونون مستعدين لللام فإنكم تستطيعون الاتصال بنا. لقد تغيرت مفاهيم الشعب المصري 
بعد المبادرة» أما شعبكم فواضح من كلامك أنه لم ِ 

قال دايان: أرجو يا سيادة الرئيس ألا تظلم بيغين» فليس هو العقبة في طريق السلام. 

قال السادات: وفيمَ إذن كان الحضور إلى كامب دايفيد وإضاعة وقتنا جميعاًء وتعطيل 
رئيس الولايات المتحدة عشرة أيام؟ هل تعلم أنه جلس أمس 14 ساعة متصلة مع عضو في 
الوفد المصري وعضو في الوفد الإسرائيلي, وأخذ يناقش الموضوع معهما بالتفصيل كلمةً 
كلمة؟ 
































دايان: هذا صحيحء لكن ألا يمكن النظر إلى التوصل لحل مرحلي بالنسبة للمشكلة 
الفلسطيئية والقدسء والانسحاب في سيئاء إلى خط العريش ‏ رأس محمده ونترك مصير الحزام 
الذى يبلغ عرضه حوالى 10 كيلومترات لمرحلة ثالثة؟ 
ع تعلم جيداً أثني لا أقبل هذا البديل» ولست مستعداً حتى للنظر فيه فقد 
أعلنت قراري واضحاً: لا فض اشتباك آخر ولا حل ولاحل منفرداً. ولاخل مرحلياً. 
نحن الآن نتكلم عن السلام الشاملء وليس عن هذه الجزنيات. وإذا لم تكونوا جاهزين 
الاستيعاب هذه المفاهيم فهذا أمر مؤسف. لكنها تكون مشكلتكم أنتم وليست مشكلتي»! وجاء 
رد السادات سريعاً على هذا اللقاء بطلب إعداد أعضاء الوفد حقائبهم لمغادرة كامب دايفيد 











456 


فوراً! وجرى حزم الحقائب بالفعل» لكن وزير الخارجية الأمريكي سايروس فانس نصحه أن 
يلتقي كارتر على انفرادا”. 

وسارع فانس بالتوجه إلى رئيسه. كان كارتر مجتمعاً مع وزير دفاعه هارولد براون في مقر 
إقامته بكامب دايفيد عندما اندقع فانس إلى داخخل غرفة الاجتماع» وقد لاحظ كارتر أن وجه 
فانس كان بالغ البياض» في صورة لم يسبق أن شهدها. وكان أول تفكير طرأ على كارتر أن 
الروس هاجموا مصرء كما يقول لورنس رايت» أحد محرري صحيفة نيويوركرء في كتابه يعنوان: 
13 يوماً من سيتمير"”. 

قال فانس لرنيسه والرعب يملاه: «إن السادات قرر مغادرة كامب دايفيد» وقام هو ومساعدوه 
بإعداد حقائبهمء وطلب مني طائرة هليكوبتر تنقلهم. يقول لورنس رايت: طلب كارتر من فانس 
وبراون أن يتركاء وحده؛ ووقف أمام ناقذة غرفة المكتب الصغيرة ينظر إلى الجبال البعيدة وهو 
يفكر في نتيجة ما يحدث. إن الإسرائيليين سيتهمونه بأنه سبب الفشلء والأمريكيين الذين 
تربطهم روابط قوية مع نفط العرب سيتمزقون (580:0000)» وسيعود السوفيات مرة أخرى إلى 
الملعب. وبالطبع فإن مستقبله السياسي سيتدمر. وللحظات استولى عليه الغضب كما لم 
يحدث في حياته من قبل». 

وفي كتابه بعنوان: مذكرات البيت الأبيض؛ كتب كارتر في يوم الجمعة 15 أيلول/سبتمبر 
(اليوم الحادي عشر في كامب دايفيد)!” هذه أسوأ لحظات حياتي. ذهيت على الفور 
الرؤية السادات الذي كان يقف على الشرفة مع خمسة أو ستة من مساعديه. ومشيت معه إلى 
غرفته. وشرحت له العواقب الوخيمة التي سيسببها قطعه المفاوضاتء وأنه ضرراً شديداً 
بالعلاقة بالولايات المتحدة» وبيني وبينه وأنه سينتهك كلمة الشرف التي تعهد لي بهاء والتى 
على أساسها تم استدعاؤه إلى كامب دايفيد. لكن السادات كان مصراً على موقفه. قلت 
اله إن الاعتراف بالهزيمة الآن سيكون أسوأ الاختيارات له. أمام شعبه. وأمام العالم العربي؛ وأمام 
الرأي العالمي. وبالطبع أمامي وأمام الشعب الأمريكي. وطلبت منه الوثوق بي والبقاء معي. لقد 
هزه كلامي لأنني لم أكن قط أكثر جدية في حياتي كما كنت وأنا أتحدث إلى السادات. وقال 
السادات إنه قرر الانسحاب من المفاوضات بسبب قول دايان إن ال (سرائيليين لن يوقعوا على أية 
39 في مذكراته: فكرت بسرعة» وقلت له إنناء أنا وهوء سوف نصل إلى 
تفاهم تام» وتحديداً تفاهم مكتوبء وإنه في حال رفض الإسرائيليين لأي من المستندين 



































(27) سابروس فانس, خباراث صعية: مذكراث (ببروت: المركز العربي للمعلرمات؛ 1984). 

0ق اموا عماج لتمط مجم اه املمك امه متيل مامه بعمطسماوية جا حرم ممامنة1 معطو ااا دجما 
202 مجهل0ة 6وممعا هلدا 

0 وعد اذ و جما ممم ا/ 1116 مت 


457 


(المصري والأمريكي) تُعتبر المقترحات المصرية والأمريكية لاغية. رد السادات يا 
البيان كما وصفته له فإنه سيظل معي كما كان قد وعد. 

ثم اجتمع كارترء كما كتب في مذكراته. مع بيغين ودايان وباراك ووصف لهم جميع الفوائد 
التي ستعود على إسرائيل في حال نجاح اجتماعات كامب دايفيد. أبدى بيغين قلقه العميق من 
التنازلات التي يضطرون إليهاء وراح يصيح بكلمات من عيئة «انتحار سياسي». وهأ كارتر من 
انفعال بيغين بأن اقترح عليه أن يترك القرار النهائي الخاص بالمستعمرات للكنيستء بدا 
موافق*. 

بذل كارتر مجهوداً مضنياً حتى استطاع التوصل إلى اتفاق؛ يقوم فيه الجانب الإ 
عودته إلى إسرائيل؛ وخلال 15 يوماء بطرح مسألة انسحاب إسرائيل بالكامل من سيناء» وإخلائها 
من المطارات والمستعمرات؛ على الكنيست للتصويت. وفي الناحية المصرية يقبل السادات 
هذا المخرج للازمة في مقابل موافقته على إطار «اللام» الذي اقترحه كارتر في شقه الخاص 
بسيناء والضفة ٠١‏ ة وغ 

وبهذه النتيجة تم الفصل بين قضية سيناء الخاصة بمصرء وانسحاب إسرائيل الكامل منهاء 

: إلا أن الادات أصر على أن يتصدر الشى الخاص 

.بالضفة وغزة الوثيقة التي تم إعدادها للتوقيع» ثم يلي ذلك الشق الخاص بسيناء ومصرء بماا 
يعكس إعطاء مصر أولوية للمصالح الفلسطيئية قبل المصرية» كما ورد في مذكرات أحمد 
أبو الغيط"". 

اجتمع الرئيسان السادات وكارتر لمدة نصف ساعة؛ وكان ما كان؛ إذ عمد كارتر إلى مخاطية. 
ير والتهديد» وربما «الإنذار». إذا ما قرر مغادرة كامب دايفيد. وإعلان فشل 
المؤتمر, لآن تأثير ذلك لن يتوقف على تهديد العلاقة الشخصية بينهماء وإنما تدمير العلاقات 
المصرية ‏ الأمريكية» وتهديد فرص إعادة انتخابه لفترة رئاء القد اعتبر محمد حسنين 
هيكل أن هذا اللقاء العاصف بين السادات وكارتر هو بمنزلة عملية اغتيال السادات مرة أخرى؛ 
قفي أحد حواراته مع لميس الحديدي على فضائية (©86©)» تحدث هيكلء بتأثر وحزن شديدين 
على السادات؛ الذي تعرّض للاغتيال مرتينء مرة علي يد الرنيس الأمريكي كارترء ومرة على يد 
خبائد الإسلامبولي في ساحة العرض العسكريء وراح يشرح لها السببء» وهو يمد لها كتاب: 
الورنس رايت؛ بعنوان: ثلاثة عشر يوم من سبتمبر: كارتر وبيغين والسادات في كامب دايفيد. 
قائلاً إن هذا الكتاب, الذي صدر حديثاً في الولايات المتحدة, أفضل شاهد على الاغتيال الذي 

































(30) المصدر تقه. ص 333 
(31) المصدر تق ص 336 


48 


تعرض له السادات على يد كارتر» بعد أن اعترض ‏ السادات ‏ على سير المفاوضات» وجمع 
حقانبه. وقرر مغادرة كامب دايفيد. وترك المفاوضات نهائياً. لكن كارترء طبقاً لرواية هيكلء 
عنّفه بشدة؛ وأجبره على العودة إلى المفاوضات. بعد أن هدده بكلمات قاسية» تبلغ حد الإهانة. 
وهو الشيء الذي جعل هيكل يشعر بالحزن والشفقة على الحال التي وصل إليها رئيس مصر. 
هكذاء فإن تدخل كارتر الحازم والحاسم جعل السادات جاهزاً 
على أي شيء يأتي به كارترء كما أبلغ وزير خارجيته كامل. الذي بادر إلى الاء 
كارتر المشروع الذي سيوقعه الرنان السادات وبيغين ومعهما كارتر نفه. والذي ما إن اطلع 
عليه وزير الخارجية المصري كامل حتى هرع إلى السادات فور انصراف كارترء وسأله عمّا تم 
الاثفاق عليه. فكان رد السادات. بحسب كتاب كامل: «إن كارتر رجل عظيمء وقد قا 
على استعداد للتوقيع على أية وثيقة يقدمها لي دون الاطلاع على محتواهاء أو حتى قراءتهاء! 
فقال له كامل: «ولماذا نوقع على أية وثيقة دون قراءتها جيداًء وإبداء ما لدينا من ملاحظات 
عليها قبل التوقيع: ثم نوقع على ما يتفق مصالحناء وما نوافق عليه فقط». فكان رد السادات 
محتداً بشدة: «لا.. إنني سأوقع على دون قراءتهاء سأوقع على بياض»! 
وبحسب مذكراته كتب كامل: قلت للرئيس في هدوه إنني أرغ 
وزيراً للخارجية يتحدث الجمهورية» لكن بوصفي صدء وأخاً أصغرء أكلنا معاً العيش 
والملح في السجن منذ ثلاثة وثلاثين عاماً (يشير إلى اشتراك السادات وكامل في الاتهام 
غتيال أمين عشمان عام 1946). وأضاف كامل: وأنت تعلم مدى إخلاصي لك. 
وأنا حريص على ألا تدم على شيء تندم عليه فيما بعد. رد السادات قائلاً: وهل بيني وبينك 
حجاب يا محمد؟ قل ما تريد ولا تتردد. وشرح وزير الخارجية كل مخاوفه التي ن 
توقيع هذا الاتفاق» الذي لن يحل القضية الفلسطينية» وسيزيد من هجوم العرب على مصر. رد 
الساداء مهما كانت كل الحجج التي أبداها فإن نجاح مؤتمر كامب دايفيد سيؤكد نجاح 
كارتر في الانتخابات القادمة بسهولة. والتفت السادات إلى وزير خارجيته وقال له بد. 1 
جرى لك؟ هل تريد أن تعارضني ليشمت في الاتحاد السوفياتي. وحافظ الاسد. والقذافي؟ 
إنني أعرف ما أفعله. وسأمضي فيه إلى النهاية. وفي ختام هذه «المواجهة» الحادة قال كامل: 
إذن فأرجو قبول استقالتي. رد السادات: كنت أعلم من البداية أنك تلفٌ وتدور لتقول لي هذا 
في النهاية» وأنا قبلت الاستقالة. وطلب السادات منه عدم الإعلان عنها إلى حين العودة إلى 
القاهرة. لكن أمر الاستقالة تسرب في أثناء المؤتمر. 
من ناحية أخرى. حاول كل من وزير خارجية إسرائيل موشيه دايان ووزير الدفاع عيزرا 
وايزمان إقناع بيغين بأن إخراج مصر من معادلة الصراع العربي ‏ الإسرائيلي أكبر كثيراً من مسألة 
المستعمرات. بل من أية مسألة أخرى. إلا أنه استكبر وأبى. فاقترحا عليه الاتصال برئيس 

















أن أتحدث إليه لا بوصفي 
























489 


المجلس الأعلى للمستعمرات» وهو من أهم المجالس الحاكمة في إسرائيل» على الرغم من أنه 
غير شائع في الصفوف العربية» وكان وقتها شارون» وعرضا عليه الأمر قمال إلى وجهة نظريهما 
وتحادث مع بيغين مؤكداً له أنه زعيمه في كل الحالات» لكنه يرى الموافقة» إلا أن ب: 
وأبى أيضاً. وكان الحل الأخير الذي قبل به أن يوضع شرط ضمنيٌٍ في صلب الائة 
بأن يعرض على الكنيست الموافقة على سحب كل المستعمرات الإسرائيلية من سيناء» ثم 
وافقت الكنيس لاحقاً على ذلك فأصبحت الاتفاقيات سارية. 

من الجدير بالذكر أنه في أثناء إعداد الصياغة النهائية للاتفاقيات ‏ وكانت تقوم بها لجئة 
برئاسة كارتر تضم الباز عن مصرء وكوانت عن الولايات المتحدة» وأهارون باراك النائب العام 
سجر 0 وبحسب مذكرات فانس. داخل الشك كارتر أمام إحدى 




















حتى يكون هناك ضمان يعدم تسلل إرهابين»» فقال الباز: 


هذا النص مرفوضء ويتعارض 
مع قرارات الأمم المتحدة». وطلب كارتر من الباز أن يُخطر السادات» متأكداً من أنه سيواقق 
عليه». فكان رد الباز: «كيف تتأكد أنت. وأنا الذي أمثل السادات في هذا الاجتماع؟؟ رد كارترة 
«لقد تحدثت مرة في القاهرة مع السادات في هذا». فأكد الباز من جديد «إنني أعرف ما يوافق 
عليه السادات وما يرفضه. وأنا الذي أمثله». وانفض الاجتماع على أساس أن كلا منهما 
سيتحادث مع السادات90. 

توجه الباز إلى السادات وأبلغه يما حدث. فقال له: «أنت على حق. وأنا مستحيل أوافق 
على نص مثل هذا. لكن أنت تعرف استراتيجيتي يا أسامة؛ نريد أن نكسب كارتر في صفناء وأنا 
أعرف أنه رجل ضعيف. لكن دعنا نكون صبورين»! واتفقا على أن يدّعى السادات أنه خلد إلى 
النومء حتى يفكرا في الصباح في مخرج. وحدث فعلاً أن اتصل كارتر هاتفياً وأبلغه السكرتير 
أن الرئيس نائم. وقال كارتر: «أريد أن أراه دقيقة واحدة». وكان الرد: «متأسف جداً.. الرئيس 
السادات نام منذ وقت». 






ويضيف فانس إن كارتر راودته الخشية على حياة السادات» حتى لقد أعرب له عن خوفه من 
أن يقوم أحد أفراد الوفد المصري باغتياله. الأمر الذي يوضح إدراك كارتر حجم التنازلات التي 
قدمها السادات. والتي أفرد لها وزير الخارجية المستقيل في أثناء المؤتمر محمد إبراهيم كامل 
فصلاً كاملاً في كتابه: السلام الضائع في كامب دايفيد, بعنوان لافت أيضاً بعد عنوان الكتاب 


(32) فانس. خبارات صعبة: مذكراث. 


موه 


ذاته: «مذبحة التنازلات»! وبحسب رواية فانس» ظل كارتر مستيقظاً طوال الليل» وعيناه على 
مقر إقامة السادات» حتى لاح الصباح؛ وظهر السادات وهو افذ الغرفة المخصصة له 
لدأ في إجراء بعض التمريئات الرياضية التي اعتادها صباحاء فتنفس كارتر الصعداء. وتوجه 
إليه على الفور””. وكان الباز قد سبقه إلى السادات وقال له: لقد كان الحديث عن الفلطيئين» 
والأفضل تأجيله اليوم» وعلينا أن نعيد كارتر إلى موضوع المستعمرات في سيناء. وهكذا كان"". 

كان الباز أ رز اللاعبين في كامب دايفيد. بعد السادات بالطبع» على أساس أن محمد !. 
كامل كان قلقاً متوتراً طوال الوقت. هبينما الباز يشع بالذكاء والطاقة؛ كما ذكر». نفي هذه 
المفاوضات لم يكن الوفد المصري موحٌّداًء لاني الشخصيات ولا المواقف. يرجع ذلك إلى 
أسلوب السادات الذي أربك الجميع؛ فلم يكن يبلغ أعضاء الوفد بلقاءاته مع كارتر أو بيغين. 

يشير عبد الرؤوف الريدي في كتابه بعنوان رحلة عمر: كان في كامب دايفيد مطعم 
الوجبات» وكثيراً ما كنا نلتقي هناك بالوفد الإسرائيلي وكل طرف يحي الطرف الآخر بأدب فاقد 
اللحرارة. وكان بيغين يحضر محاطاً بأعضاء الوفد الإسرائيلي وهو يرتدي لباسه بشكل رسمي: 
البدلة ورباط العنق بينما مرافقوه يرتدون ثياباً بسيطة. ولم يكن الرئيس السادات يحضر إلى 
المطعم مطلقاً. وذلك لأنه كان له نظام غذائي خاصء حيث لا يتناول بعد الإفطار إلا وجبة 
واحدة في المساء يتناولها داخل كابينته. 

ويضيف الريدي: باستثناء الأيام التي كنا نلتقي فيها مع الجانب الأمريكي كنا نشعر يأننا 
مغيّون عن حركة المفاوضات التي تجري. وكان أسامة الباز هو وحده المشارك الحقيقي في 
المفاوضات. سواء في ما يُعدّه من أوراق عمل يطلبها منه الرئيس الساداتء أو النقاش الذي 
يجريه معه الرئيس كارترء الذي عرف منذ البداية أن الباز هو الذي يقوم بالدور الأكير في إعداد 
وصياغة الأوراق والمشروعات التي يتقدم بها الرئيس السادات. وقد كان يعر علينا أن نرى الوفد 
الإسرائيلي يجتمع باستمرار مع رئيس الوزراء بيغين» وكذلك الحال في الوفد الأمريكي. بينما 
انحن لانعرف مما يجري شيئاً إلا ما يخبرنا به البازء أو نعرفه من خلال أحاديث جانبية مع 
أعضاء الوقد الأمريكي. 

ومن الطبيعي أن يكون الوفد المصري في حال ارتباك؛ فوزير الخارجية غاضب دائماً. 
















واستقال في نهاية الأمرء وبطرس غالي وزير الدولة يتحسس الوضعء وحسن التهامي مستشار 
السادات يبدو حالماًء وفي عالم آخر. وهعصابة وزارة الخارجية»» على حد تعبير بطرس غالي» 


التي كانت تضم أسامة الباز ونبيل العربي وعبد الرؤوف الريديء لا تعرف أين تقف بين الرئيس 


(33) المصدر تقيه. 
(3) مرسى صبري. الساداث: الحقبقة والأسطورة (القاهرة: المكتب المصري الحديث. 1985), صن 454 55. 





4و١‎ 


المتساهل ووزير الخارجية الغاضبء حتى أصبح يشعر بالخزي من مواقف السادات» ففي رأيه 
طبقاً لرواية بطرس غالي أن السادات لم يكن يدرك بالضبط ما يريد تحقيقه؛ كان ثابتاً في موقف. 
وليناً في آخر. من دون سبب واضح. في مثل هذه الأجواء الغريبة. ستظهر حنكة الباز. ويصيح 
هو المفاوض الرئيسي مع الأمريكيين والإسرائيليين» بحيث لم يعد أعضاء الوفود الثلاثة 
المصري والأمريكي والإسرانيلي يشتركون في المفاوضات. وكان كارتر وكوانت والباز وباراك 
يقومون بالعمل؛ ولو أن كثيرين فيما بعد ادّعوا مشاركتهم العميقة في المفاوضات. بتعبير بطرس 
غالي, الذي يقول: «تحول الباز إلى بطل عصابتناء مناضلاً من أجل صيغة تعترف بحقوق 





. ات تلك. فتجدر الإشارة إلى أن معارضة الوثيقة التي سيوقعها 
السادات لم تأت من وزير خارجيته فقط. فقد وجد نبيل العربي ‏ المستشار القانوني للوفد 
المصري ‏ أن هناك ملاحظات مهمة وخطيرة يجب إطلاع الرنيس عليها قبل أي توقيع. 
إلى محمد إبراهيم كامل ليخبره بأنه مذهول من نصوص الاتفاقء 
ازلات جسيمة» وإنما أيضاً لما يشوبها من غموض وعدم اتساق 
لمصلحة إسرائيل؛ في قضايا الانسحاب. والممارّ المائية. والقضية الفلسطينية: وبخاصة قضية 
القدس. كما عرض عليه النقاط التي استوقفته ليعرضها على السادات. معتبرا أنه بحكم منصبه 
كمستشار قانوني لوزارة الخارجية ‏ مسؤول عن أية اتفاقات تبرمها مصر. لم يخبره كامل بأنه قد 
استقال من منصبه. كما وعد السادات بذلك» لكنه أشار على العربي أن يتوجه بنفسه إلى 
السادات لإبلاغه بهذه الملاحظات. وبخاصة أنها ذات طابع قانوني» وهو المستشار القانوني 
للوفد المصريء ولكي لا يبدو كامل وحده في موقف المعارض باستمرار. 
ولما لم يجد العربي تأبيداً من كامل. فإنه طلب من أسامه الباز أن يذهب معه إلى الرئيسء 
الى أنه كان مع الرئيس قبل ذلك بساعاتء وأنه كان عصياً جداً. 


















0 بمفردي إلى الرئيسء ولا أبالغ إذا قلت إنني» رغم مضي ربع قرن 
(وقت كتابة كتابه) على هذه المقابلة» فإنني لا زلت أشعر بالاضطراب والتوتر كلما تذكرت 
أحدائها. فليس سهلاً الذهاب إلى رئيس الجمهورية: وإبداء اعتراضات على درجة عالية من 
الحساسية والأهمية في مثل هذه الظروف». 

يار العربي أمام السادات ‏ كما ورد في كتابه: طابا.. كامب دايفيد.. الجدار العازل 
الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية ‏ إلى أن الورقة الخاصة بانسحاء 
من سيناء تُعتبر في مجملها مقبولة؛ لأنها تؤدي إلى الانسحاب الشامل» 
المستعمرات الإء بموافقة لاحقة من الكنيست الإسرائيلي يحمل في طياته يذور تحلل 
إسرائيل من الالتزام بإزالة هذه المستعمرات» لذلك كان رأي العربي؛ أن يجري التوقيع في البيت 











492 


الأبيض على الشق المصري بالحروف الأولى. ثم بعد اعتماد الكنيست موضوع إزالة 
المستعمرات يجري التوقيع النهاني”. 

وكانت هناك بالنسية إلى الشق 00 
على أن للفاسطينيين الح في المشاركة في تقرير مصيرهمء عن طريق محادثات أطلق عليها 
«محادثات الحكم الذاتي»: لكن من دون تحديد للهدف النهاني منها. 

نقطة أخرى عارضها العربي خاصة بالقدس؛ فقد رأى أن كارترء وهو أعلى سلطة أمريكية؛ 
لم يستطع أن يجاهر في خطابه للسادات عن القدس بمعارضة موقف إسرائيل بخصوص ضم 
القدس 1١‏ واكتفى بالإشارة إلى أن موقفه يتمثل بما أعلنه ممثل الولايات المتحدة لدى 
الأمم المتحدة آرثر غولدبيرغ في مجلس الأمن عام 1967! فهل من المعقول أن يحيل الرئيس 
الأمريكي. للإعلان عن موقفه في قضية بالغة الحساسية على تصريح أعلنه أحد الموظفين ني 
إدارته. ولا يجرؤ هو على التصريح ب ٠‏ حتى إذا كرر التصريح ذاته! وبحسب مذكرات كارتر» 
فقد رفض بيغين في آخر لحظة توقيع هذا الخطاب» لكن كارتر أبلغه بأنه لا يستطيع التراجع عن 
وعد قطعه للسادات بهذا الخصوصء وبعد ساعات جاء رد بيغين أنه سيوقع الخطاب. 

ويضيف أحمد أبو الغيط في كتابه شاهد على الحرب والسلام: أن العربي عاد بعد 40 دقيقة 
من لقاء السادات وأخذ يحكي لنا أنه تحدث بإسهاب حول وجهة نظره في مسألة الخطابات 
المتباء السادات وكارتر التي يرى أنها ليست لها أية قيمة قانونية". 

ويتابع العربي أن السادات قد استمع إلى عرضه المسهب بإمعان. ولم يقاطعه. ثم صمت 
لفترة ونظر إليه وقال: «أنت لست رجل دولة»: فأجبته أنني سمحت لنفي بالحديث بوصفي 
مسيورلا ين الجئوانب ١‏ ولا أعتبر أن مسؤوليتي تتعدى منصبي كمدير للإدارة 
القانونية في وزارة الخارجية. ثم كان تعقيب السادات بالغ الغرابة؛ فقد قال له في البداية: 
استمعت إلى حديثك كاملاً مثلما ترى بأكبر قدر من الاهتمامء ولم أقاطعك. أليس كذلك؟ 
الانكم تشيعون عني أنني لا أقرأ ولا أسمعء لقِد دخلت آراؤك من هذه الأذن وخرجت من الأذن 
الأخصرى»! ثم توجه بسيل م من الإهانات إلى وزير الخارجية المستقيلء كما إلى طاقم 


























الخارجية لا يفهمون سياسته. وإنهم ينظرون فقط إلى الأشجار ولا يرون الغابة بجميع أطرافها. 


(35) العربي طابا.. كامب دايفيد.. الجدار العازل: صراع الدبلوماسبة من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية. 
شاهد على الحرب واللام. ص 327. 


اإستخدم قي مصره بنطوى على الاستهزاء والإهاتة. وبنلاخص معناه في أن شيئا من كل ما قبل لم بعلق في 
الذعن. لسع 





491 


وإنهم بما في ذلك وزير الخارجية لا يعون قدر التعهدات التي قدمها الرئيس كارتر أقوى رجل 
في العالم». ولذلك. فعلى الرغم من الاعتراضات على الصياغات والتفصيلات التي أبداها 
العربي. فإن المهم في نظره هو تأيد الولايات المتحدة؛ الذي أصيح في حكم المؤكد. بعد أن 
تعهد له كارتر بذلك. وأضاف: «أنتم يا أعضاء وزارة الخارجية لا تفهمون شيئاً في السياسة» أو 
في مصالح بلدكم. أنتم تتحدثون بالنظريات وكأنكم إما فلاسفة أو سباكون. أنتم لا تفهمون أن 
أولادكم وأحفادكم يمكن أن يعيشوا طويلاً في ظلال احتلال الأرض المصرية؛ ومسؤوليتي 








الأولى هي مصر. وأنا كرجل دولة يجب أن أسعى بكل الوسائل لتخليص بلدي وأراضيها من 
هذا الرهن الذي تتعرض له. وسوف أحقق ذلك. ولن يوقفني شيء من أحاديثكم وآرائكم غير 
الواعية». 


انم ختم السادات برسالة أكثر غرابة؛ لينقلها العربي إلى محمد حسنين هيكل؛ كونهما 
تجمعهما علاقة نَتبء ملخصها: «أنه سوف يخرب بيته. لأنه يجهز لإحداث انقلاب» ضده! 
القد أكد العر, بي أن السادات كان مصمماً على عقد اتفاق بأي ثمنء ومهما كانت العواقب! عاد 
العربي إلى الوفد المصري حزيئاً ومكتتبأ بحيث أبلغهم بحصيلة هذا اللقاء العاصف والغريب» 
فكان من اللافت أنهم أجمعوا على عدم حضور مراسم الاحتفال بالتوقيع على الاتفاق في 
البيت الأبيض. وهذا ما حدث فعلاً”"". وجدير بالذكر أن رواية العربي لم تكن بهذه الصراحة» 
إنعا ترق تطيعها سا ميل مضه فلي عامل فى عتقه للد الشائع في لضي ديفيد 
بخصوص هذا الحوارء في ضوء ما استمع إليه من العربي في حينه. 

في أثناء قيام الوفود حزم حقائبها للانتقال من كامب دايفيد إلى ١‏ 
ستجري مراسم التوقيع على الاتفاق. مر السفير الأمريكي في القاء اك هيرمان 8 
ووليام كوانت بالوفد المصريء الذي كان يحيط برئيسه السادات» ويبدو الكل حزينا ومذهولا 
ومحبطاً من هذا «الاتفاق» الذي سيتم التوقيع عليه بعد ساعات» فكان تعبير السادات لهما 
لانت إذ قال: «لقد تركتموني عارياً في كامب دايفيد»””! وهو قول بالغ الدقة. ويستحق الكثير 
من التأمل» لأنه يلخص بمتتهى التركيز محصلة «صراع الإرادات» التي تمخض عنها مؤتمر 
كامب دايفيد. من وجهة نظر «صاحب البطولة المطلقة» في هذه الدراما: السادات! إن هذه 
الحصيلة قد أظهرت مفارقة مذهلة: إن الولايات المتحدة» ومن ورانها إسرائيل: لم تكن وحدها 
تضغط على مصر في أثناء المحادثات؛ بل كان السادات يؤازرها بكل قوة! وقد عبر عن هذا 








الأبيض. حيث 












التوجه ذاته الجمسي في مذكراته في اوضات الكيلو 101 التي استبقت توقيع اتفاقيات 
(38) أثار العربي إلى هذه المعلومات في مقابلة تلفزبونية على قناة (910). في 21 حزبران/يونيو 2007, كما نشرها. 





الاحقاً في كتابه: طابا.. كامب دابفيد.. الجدار العازل ‏ صراع الدبلوماسبة من مجلس الأمن إلى المحكمة الدوقية. 
(39) مجدي حماد. مسقيل النسوية ‏ 30 عاماً من سلام عابر (بيروث: دار النهضة العريية. 2007). 





4و4 


كامب دايفيد بفترة طويلة نسبياً؛ يقوله: 0 
'» وقد أكد كيسنجر في مذكراته ما 
ن السادات وإسرائيل ‏ من جهة. 








والوقد لمعي - من جهة أخرة ضيح ذل 
سلاح سيناء؛ وثانيهماء قضية الدولة الفلسطينية. 

(1) قضية نزع سلاح سيناء: 
الاستراتيجية» الأمر الذي يعني نزع سلاح ثلشي سيناء. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة 
وإسرائيل أنها كافية للدفاع عن قناة السويسء من دون أن يكون لها القدرة على التقدم نحو 





مع إسرائيل؟ فاقترح السادات أن تحتفظ مصر في هذا القطاع بفرقة واحدة بدلاً من ثلاث. وسارع 
كارتر إلى بيغين ليزف إليه تلك البشرىء التي فاقت وتجاوزت كل توقعات الجانب الإسرائيلي» 
1 روعة السلاحء 










0 يكبية واحدة في ابل تنازل السادات عن الاحتفاظ : اث فرق بفرقة واحدة في خط الدفاع 
الأول عن مصرء قدم وايزمان ورقة إلى السادات يطلب فيها أن تسمح مصر لإسرائيل بالاحتفاظ 
بثلاث كتانب مسلحة؛ قادرة على التحرك في منطقة الحدود الإسرائيلية. فما كان من السادات 
إلا أن عدلها إلى أربع كتائب بدلاً من ثلاث بقرار منفرد؛ وغياب تام للوفد المصريء وعاد 
وايزمان ليغبت ذلك في صلب صيغة الاتفاق التي كان جارياً إعدادها! وحينما وُوجه السادات 
بمعارضة من أحد أعضاء الوفد المصري لتلك التنازلات المجانية الخطيرة» أشار إلى أنها من 
قبيل طمأنة إسرائيل» حتى يتحقق «السلام» المنشود» فضلاً عن أنه لن يرجع عما وعد به فهذه 
كرامته. أما في شأن مواجهة أي خطر داهم فسوف يجرى التصرف حياله بأي أسلوب. المهم 
حفظ كرامة السادات وتوقيعه. ومن المفارقات أيضاً أن ذلك الوضعء الذي هو من صنع 
السادات, يتناقض بشكل صارخ مع موقفه في أثناء إدارته الحرب. ومعالجة مشكلة «الثغرةة: 














فض سحب أي قوات إلى غرب القناة. والغريب أن حجم القوات المصرية شرق القناة قد 
انخفض حتى عن هذا الحد! 
(2) قضية الدولة الفلسطينية: يشير إسماعيل فهمي في مذكراته إلى أن السادات؛ بحلول 











أوائل عام 1978ء أذ ينتهج سياسة «ذات وجهين»؛ فعلى الرغم من أنه ظل يتحدث علانية 
مؤيداً الحقوق الفلسطينية» فإنه كان قد بدأ سراً في إرسال رسائل مختلفة عن ذلك تماماً. فقي 


آذار/مارس عام 1978 دعا وزير الدفاع الإسرائيلي عيزرا وايزمان إلى الاجتماع به في الإسماعيلية. 
والرسالة التي كان يريد إبلاغ إسرائيل بها كانت في الواقع رسالة غريبة. وتفصيل ذلك أن 


495 


السادات؛ المدافع عن الحقوق الفلسطينية؛ والذي كانت «رسالته المقدسة» هي العمل من أجل 
سلام شامل في المنطقة العربية» قد أبلغ وايزمان الآتي؛ كما سجله في مذكراته. بعنوان: الحرب 
من أجل السلام: «لقد استبعدت منظمة التحرير الفلسطينية من قاموسي؛ فإنهم بسلوكهم قد 
استبعدوا 0 لعن عي أقول هذا إلا لك. وليس لبيغين؛ لأن 





وغزة دعي 8 







٠‏ إذ سأله وايزمان: 
اماً.. لكني إذا قلت هذا لبيغين؛ فإنه سيعلنه. 
في اليوم التالي. . لكن يمكنني أن أقول لك: لادولة. وعدد صغير من النقاط العسكرية القوية 
لإسرائيل »1 

ويتابع فهمي: أن وايزمان لم يستطع أن يصدق أذ: 
تلخيص حديثي مع السادات في حال نا : 
بدولة فلسطينية؛ وكان على استعداد لترك مستعمرات الضفة الغربية في مكانهاء وسوف يحل 
ن إذا رفض الملك الاشتراك في المفاوضات. وقد أسعدني أن «أهارون باراك 
بيغين القانوني الذي شارك في مؤتمر كامب دايفيد) استمع إلى محادثاتناء إذ دون 
شهادته ما كان أحد في إسرائيل ليصدقني». ويختتم فهمي شهادته بالقول: «ولأول مرة كان 
نقيقة أن معاهدة السلام النهائي بين إسرائيل ومصر أظهرت 

أن السادات قد استبعد منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني من قاموسه». 








السادات يعني ما قاله. ويثبت هذا 








ام يطرح فهمي السؤال الآني: الماذا تغير موقف السادات كثيراً بين تشرين الثاني انوقمير 
7 واجتماع كامب دايفيد في أيلول/سبتمبر 1978؟ ويرد ذلك إلى عا. 3 
وجرت اي الرطن الغيي: ند ذمب إلى إبرائيل للتيام فيسل دكاتي مثيه يدااع الرفية ين 
اذات.. فهو لم يفكر في ما سيحدث بعد ذلك. والغريب أنه أصيب بالدهشة 

بنفها عنه. ويبدو أنه اكتشف إذ 
ذاك فقط أنه ارتكب خط بالغا بذهابه إلى إسرائيل؛ لأنه بدلاً من أن يصبح بطلاً أصبح مرفوضاً 
من الوطن العربي. غير أن السادات لم يكن بالرجل الذي يعترف بأنه ارتكب خطأ... كان عليه 












(40) إسماعبل فهمي. التظاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. ط 2 (القاهرة: دار الشروق. 2008). صن 299 
(41) المصير تقسة. صن 342 
(42) المصدر نفسه. ص 342 143. 


496 


أن ينقذ ماء وجهه بأي ثمنء ويُظهر أنه كان قادراً على صنع السلام مع إسرائيل واستعادة 
سينام الل 


4 الاتفاقيتان 

في 1978/9/18 أعلن الرؤساء الثلاثة اتفاقهم على إبرام اتفاق: 
بعنوا : "إطار عمل للسلام في الشرق الاوسط»؛ و 
بين مصر وإسرانيل». وقد وقع الوثيقتين ُّ ن السادات وبيغين ع ن أصلين ومباشرينء 
وكارتر بصفة «شاهد», أو «ضامن». و 
الولايات المتحدة في وثيقتين قانوة مجك 0 وثيفشيود 
الاساسيتين عن مجموعة من الرسائل المتبادلة بين الأطراف الثلائة, 





ن أساسيتين معلتتين: الأولى» 













الأولى: "إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط» 
تبدأ الاتفاقية بمقدمة مطولة أكد فيها الفريقان بصورة خاصة: إن البحث عن السلام في 
الشرق الأوسط يجب أن يسترشد بالآتي: 
"إن القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية للنزاع بين إسرائيل وجيرانها هو قرار مجلس الأمن 
رقم (242) بكل أجزائه؟ 
... إن شعوب الشرق الأوسط تا تتشوق إلى السلام؛ حتى يصبح ممكناً تحويل موارد الإقليم 
البشرية والطبيعية الشاسعة لمتابعة أهداف السلام؛ وتصيح هذه المنطقة نموذجاً للتعايش 
والتعاون بين الأمم. 
وإن مواد ميثاق الأمم المتحدة» والقواعد الأخرى المقبولة للقانون الدوليء والشرعية 
توفر الآن مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول؛ وإن تحقيق علاقة سلام وفقاً لروح 
المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة. وإجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأية دولة 
مجاورة مستعدة للتفاوض في شأن السلام والأمن معهاء أمران ضروريان لتنفيذ جميع القيود 
والمبادئ في قرارّي مجلس الأمن رقمي (242) و(338). 
وإن السلام يتطلب احترام السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في 
المنطقة. وحقها في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بهاء غير متعرضة لتهديدات أو 
أعمال عنف. 


















(ذة) المصدر تقسه. ص 143. 
() مؤثمر كامب دايفيد (القاهرة: مركز الدراسات السباسية والاستراتيجية بالأهرام. 01978 


497 





... وإن السلام يتعرز بعلاقة السلام والتعاون بين الدول التي تتمتع بعلاقات 5 
إلى ذلك فإنه في ظل معاهدات السلام يمكن للأطراف. على أساس التبادل؛ الموافقة 
على ترتيبات أمن خاصة؛ مثل مناطق منزوعة السلاح» ومناطق ذات تسليح محدود؛ ومحطات 
إنذار مبكرء ووجود قوات دولية وقوات اتصالء وإجراءات يُتفق عليها للمراقية. 

... وإن الأطراف تضع هذه العوامل في الاعتبارء مصممة على التوصل إلى تسوية عادلة 
شاملة ومستديمة لصراع الشرق الأوسط؛ عن طريق عقد معاهدات سلام تقوم على قراري 
مجلس الأمن رقمّي (242) و(338) بكل فقراتهما. وهدفهم من ذلك هو تحقيق السلام» 
وعلاقات حسن الجوار» وهم يدركون أن السلام لكي يعمْر يجب أن يشمل جميع هؤلاء الذين 
تأثروا بالصراع أعمق تأثر. 

الذا فإنهم يتفقون على أن هذا الإطار في رأيهم مناسب ليشكل أساساً للسلام: لابين مصر 
وإسرائيل فحسب بل بين إسرائيل وكل من جيرانها الآخرين» ممن يبدون استعداداً للتفاوض 
على السلام معها على هذا الأساس». 





ب اتفاقية «إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط» 
تنطلق هذه الاتفاقية من أنه «ينبغي أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلو الشعب 
الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل المشكلة الفلسطينية بكل جوانبها. ولتحقيق هذا 
الغرض فإن المفاوضات المتعلقة أن تتم على ثلاث مراحل». في 
المرحلة الأولى «تتفق مصر وإسرائيل على أنه. من أجل ضمان نقل منظم وسلمي للسلطة مع 
أخذ الاهتمامات بالأمن من جانب كل الأطراف بعين الاعتبارء يجب أن تكون هناك 
انتقالية بالنسية إلى الضفة الغر, وغزق لفترة ل تتجاوز الخمسن سلوات. ولتوفير حكم ذاتي 
3 إداراتها المدنية 
انتخاب سكان هذه المناطق سلطة حكم ذاتي تحل محل الحكومة 
العسكرية الحالية. ولمناقشة تفاصيل الترتيبات الانتقالية ستدعى حكومة الأردن للانضمام إلى 
المحادثات على أساس هذا الإطار. ويجب أن تعطي هذه الترتييات الجيدة الاعتبار اللازم لكل 
من مبدأ حكم الذات لسكان هذه الاراضيء واهتمامات الأمن الشرعية لكل من الأطراف التي 
يشملها النزاع». وني التريلة الت التفق عصن انيل والاردن على وسائل إقامة سلطة 
0 قطاع غزة. وقد يضم وفد مصر والأردن ممثلي الضفة 











اريت 










«وستتفاوض الأطراف في بة تحديد مسؤوليات سلطة الحكم الذاتي؛ التي 
ستمارس في الضفة الغربية وغزة. وسيتم انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية؛ ويكون هناك 


498 


إعادة توزيع للفوات الإسرائيلية التي ستبقى في مواقع أمن معينة. وستتضمن الاتفاقية أيضاً 
ترتييات لتأكيد الامن الداخلي والخارجي والنظام العام». كذلك «ستشكل قوة شرطة محلية 
تضم مواطنين أردننين. وبالإضافة إلى ذلك ستشترك القوات الإسرائيلية والأردنية في 
دوريات» وفي تقديم الأفراد لتشكيل مراكز مراقبة لضمان أمن الحدود». 

أما الفترة الانتقالية ذات السنوات الخمس وهي المرحلة الثاثة - فتبدأ «عندما تقوم سلطة 
حكم ذاتي (مجلس إداري) في الضفة الغربية وغزةء في أسرع وقت ممكن. على ألا يتآخر 
قيامها عن العام الثالث لبداية الفعرة الانتقالية. وستجري المفاوضات لتحديد الوضع النهائي 
اللضفة الغربية وغزة؛ وعلاقاتهما مع جيرانهماء وإبرام معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن» بحلول 
نهاية الفترة الانتقالية. وستدور هذه المفاوضات بين مصر وإسرائيل والاردن والممثلين المنتمين 
إلى سكان الضفة الغربية وغزة». 

وبموجب الوثيقة الخاصة بالضفة والقطاع» انق أيضاً على انعقاد لجنتين منفصلتين: 
إحداهما تتكون «من ممثلي الأطراف الأربعة التي سحفاوض وتوافق على الوضع النهاني للضفة 
الغربية وغزة وعلاقاتهما مع جيراتهما" الثانية من «ممثلي إسرائيل والأردن. ويشترك فيها ممثلو 

غربية وغزة للتفاوض في شأن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. ٠‏ وستضع 

تقديرها الاتفاق الذي تم التوصل إليه في شأن الضفة الغر, . وستركز 
المفاوضات على أساس جميع نصوص ومبادئ قرار مجلس الأمن رقم (242)». 

وستقرر هذه المفاوضات في ما تقرر «موضع الحدود وطبيعة ترتيبات الأمن... ويجب أن 
يعترف الحل الناتج من المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة». 
وبهذا الأسلوب سيشترك الفلسطينيون في تقرير مستقبلهم من خلال: 

أن يتم الاتفاق في المفاوضات. بين مصر وإسرائيل والأردن وممثلي السكان في الضفة 
على الوضع النهاني للضفة الغربية وغزة» والمسائل البارزة الأخرى. بحلول نهاية 












































0 الفرصة للممثلين 
التي سيحكمون بها أنفسهم» 0 
د المشاركة كما ذكر أعلاه في عمل اللجنة التي تتفاوض في شأن معاهدة السلام بين 
إسرائيل والأردن». 
وعلى الرغم من كل ما في هذه النصوص من ضمان «لإسرائيل وأمنها»؛ فإن الوثيقة الخاصة 
.بالضفة والقطاع تمضي لتضيف المزيد. فهي تنص على أن «يتم اتخاذ كل الإجراءات والتدابير 





499 


الضرورية لضمان أمن إسرائيل وجيرانها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها. وللمساعدة على توفير 
مثل هذا الأمن ستقوم سلطة الحكم الذاتي بتشكيل قوة قادرة من الشرطة المحلية؛ تجنّد من 
سكان الضفة والقطاع». وستكون قوة الشرطة على اتصال مستمر بالضباط الإسرا: 
والاردنيين والمصريين المعنيين لبحث الأمور المتعلقة بالأمن الداخلي. 

أما عن السكان العرب الذين طُردوا من الضفة الغربية وغزة في عام 1967 فقد تقرر أن 
يؤلف ممثلو مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتي خلال الفترة الانتقالية لجنة تعقد 
جلساتها باستمرارء وتقرر بالاتفاق مدى السماح بعودة هؤلاء العرب «مع اتخاذ الإجراءات 
الضرورية لمنع الاضطراب». 








ج ‏ انقاقية "إطار لإبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل؟ 
أما الوثيقة الخاصة بمعاهدة «السلام» بين مصر وإسرائيل؛ ققد نصت على التفاوض بين 
فين لتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء على مرحلتين: المرحلة الأولى انسحاب 
يشم في فترة تتراوح بين ثلاثة وتسعة شهور بعد توقيع معاهدة الصلح المصرية ‏ الإسرائيلية؛ التي 
يجب أن توقع في غضون ثلاثة أشهر . أما المرحلة !١‏ فيها الانسحاب الإسرائيلي النهاني 
فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام من تاريخ توقيع «معاهدة السلام». وتقضي 
الوثيقة ‏ في ما نقضي ‏ بإقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل» عند اتمام الانسحاب في 
المرحلة الأولى. وتحدد مواقع مرابطة ات الجانبين بعد توقيع معاهدة السلام المرتقبة. وقد 
كانت مبادئ هذه الوثيقة الأسس التي انبنت عليها المعاهدة التي وقعها الجانبان في واشنطن 
بتاريخ 1979/3/26 
الم ينس المتفاوضون في كامب دايفيد أن يلبوا المطالب الإسرائيلية؛ بأن نكون المبادئ التي 
أرسوها في اتفاقهم أساساً للتفاوض المرتجى بين إسرائيل والأطراف العربية الأخرى؛ فألحقوا 















بالالتزام بنصوص ميثاء > الاي بس ا كد 


على: 
أ اعتراف كامل. 
ب إلغاء المقاطعة الاقتصادية. 
ج - ضمان تمتع المواطنين: في ظل السلطة الفضائية: بحماية الإجراءات القانونية في 


اللجوء إلى القضاء. كذلك يجب على الموقعين استكشاف إمكانات التطور الاقتصادي في 
إطار اتفاقيات السلام النهاني» بهدف المساهمة في صنع جو السلام والتعاون والصداقة: التي 


5 


تعتبر هدفاً مشتركاً لهم». كما «تجب إقامة لجان للدعاوى القضائية؛ للحم المتبادل لجميع 
المطالب القضائية المالية»». 

أما تنفيذ الاتفاق فقد تقرر أن يكون برعاية الولايات المتحدة أولاً؛ فاتفق الطرفان على أن 
ُدعى الولايات المتحدة إلى الاشتراك في المحادثات؛ في شأن موضوعات متعلقة بتنفيذ 
الاتفاقيات. وإعداد جدول زمني لتنفيذ تعهدات الأطراف. أما مجلس الأمن فسيطلب إليه 
«المصادقة على معاهدات السلام وضمان عدم انتهاك نصوصهاء. كما «سيُطلب إلى الأعضاء 
الدانمين في مجلس الأمن التوقيع على معاهدات السلام» وضمان احترام نصوصها. 
وسيُطلب إليهم كذلك «مطابقة سياساتهم وتصرفاتهم مع التعهدات التي يحتويها هذا الإطار». 











د الرسائل الملحقة 

كانت هناك مجموعة من الرسائل المتبادلة بين أطراف مؤتمر كامب دايفيد؛ يمكن اعتبارها 
بمثابة ملاحق لهذه الاتفاقيات التي انتهى إليهاء وكانت تدور حول عدد من الموضوعات: 

الرسالة الأولى: حررها السادات إلى كارتر؛ وحاول فيها تسجيل موقفه «من الوضع القاتوني 
المدينة القدس العربية» من حيث ضرورة أ من الضفة الغربية. ووجوب 
احترام وإعادة الحقوق العربية الشرعية والتاريخية !أ ب 
على أن تتوافر لجميع الشعوب حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لكل دين من الأذيان الاق 
تحت إدارة وإشراف ممثلي هذا الدين. كما دعا إلى عدم تقسيم المدينة؛ مع موافقته على إقامة 
مجلس بلدي مشترك, يتكون من عدد متساوٍ من كل من العرب والإسرائيلين». 













الرسالة الثانية؛ موججّهة من بيغين إلى كارترء وقد رفض فيها بيغين موقف السادات السابق 
«مؤكداً أن القدس تُعَدَ وفق القوانين الإسرائيلية الصادرة في 28 حزيران/يونيو 1967 مدينة 


ابلة للتقسيم. وأنها عاصمة دولة إسرائيل». 

الرسالة الثالثة. موججهة من كارتر سجل فيها موقف بلده من هذا الموضوع. ووجهها إلى 
السادات. وأرسل نسخة منها إلى بيغين. وفيها أعلن أن موقف الولايات المتحدة في شأن 
القدس «يظل الموقف الذي أعلنه السفير آرثر غولديرغ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 
في 14 تموز/يوليو عام 1967ء وأكده من بعده السفير تشارلز يوست أمام مجلس الأمن في 
أول تموز/يوليو عام 1969. وهذا الموقف الذي عبر عنه كارتر بهذه الطريقة الملتوية يقوم 
على اعتبار القدس العربية جزءاً من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة عام 1967 
لا أكثرء. 

- كذلك تم تبادل رسالتين بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة؛ على النحو الآتي: 











501 


أ وجه السادات الرسالة الأولى إلى كارتر؛ وأكد فيها أنه «من أجل ضمان تنفيذ الينود 
المتعلقة بالضفة الغربية وغزة. ومن أجل حماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ستكون 
مصر على استعداد للاضطلاع بالدور العربي الذي تحدده هذه البنود» وذلك بعد المشاورات مع 
الأردن وممثلي الشعب الفلسطيني». 

ب كانت الرسالة الثانية من بيغين إلى كارتر» وفيها سجل الأول أن كارتر أبلغه أنه سيفسر 
ويفهم عبارات الفلسطيئين, أو الشعب الفلسطينيء الواردة في كل ققرة من وثية 
المتفق عليهاء بأنها تعني «عرباً فلسطينيين». لكن بيغين 
الأمريكي. غير أنه لا ينسى أن يؤكد «أن الحكومة الإسرائيلية 
في أية فقرة يرد فيها من وثيقة إطار التسوية» على أنه يعني يهودا والسامرة». 

5- تبادل كارتر والسادات. وكارتر نء رسائل أخرى بشأن موضوع المستعمرات 
؛ في سينا . فقد طالب السادات بإزالة هذه المستعمرات كشرط مسبق لبدء مفاوضات 
.ف الوصول إلى معاهدة نهانية مع إسرائيل» في حين أجاء ابأنه غير 
مخوّل بالبتٌ في هذا الموضوع ما لم يعرضه على الكنيست. وقد أخذ كارتر علماً بهذا الموقف 
الإسرائيلي ونقله بدوره إلى السادات. وجدير بالذكر أن الكنيست وافق على إخلاء القرى 
الإسرائيلية في سيناء. وهإعادة توطين ساكنيها» خارجهاء فاتحاً الطريق بذلك للحكومتين 



















المصرية والإسرائيلية للمضي في خخطوات التسوية الثنائية التي تبلورت في المعاهدة التي جرى 
التوقيع عليها في 6 آذار/مارس 1979. 
5 الوثائق السرية 


أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (14©) عن 250 وثيقة سرية في ١400‏ صفحة» 
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2013, تتعلق بمؤتمر كامب دايفيد عام 1978. وتظهر تلك الوثائق 
دور الوكالة في تلك الحقية الدبلوماسية التاريخية. تشير إلى قيام الوكالة بمراقبة القادة 
المصريين والإسرائيليين» ورصد تحركاتهم؛ وتحليل ميولهم الشخصية والسياسية. وتشمل 
الوثائق ملفات شخصية وسياسية تخص السادات وبيغينء قرأها كارتر قبل قمة الأيام الثلائة 
عشر في المنتجع الرناسي. وقال في ولاية أثلانتا إنها ساعدت في التحضير للتفاوضء في شأن 
ما أصبح أول معاهدة بين إسرائيل وأحد جيرانها العرب. 

وتتضمن تلك الوثائق أيضاً محاضر جلسات لمجلس الأمن القومي الأمريكي؛ وملخصات 
للاجتماعات الرنيسية بين المسؤولين الأمريكيين والمصريين والإسرائيلين» وتغطي الفترة من 
كانون الثاني/يناير 1977 إلى آذار/مارس 1979. 











502 


وتضمنت تلك الوثاتق معلومات وتوجهات مهمة جداً في شأن جماعة الإخوان المسلمين» 
واحتمالات إسقاط النظام في مصر. أو اغتيال السادات. فقد كشفت إحدى الوثائق أن 
«الجماعة» تلقت مساعدات خارجية لدعم نفوذها داخل الجيش المصري. بهدف إسقاط نظام 
السادات. وقالت الوثيقة الصادرة بتاريخ ١‏ حزيران/يونيو 1976 إن جماعة الإخوان المسلمين 
تلقت أموالاً وأسلحة من الجماهيرية اللييية. من أجل هدف محدّد على المدى الطويل وهو 
استغلال أوجه القصور في نظام السادات. وأشارت الوثيقة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين 
تستمد قوتها من الاعتماد على عائلات التجار وأصحاب المحال التجارية والفلاحين. وهي 
تهدف إلى خلق نظام عبارة عن مزيج سياسي إسلامي أصولي في ظل إصلاحات اجتماعية 

من الجدير بالذكر أن الكاتب الأمريكي روبرت دريفوس قد أكد في كتابه الصادر عام 
بة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي؛ أن جماعة 












الإخوان المسلمين أت بمنحة من شركة قناة السويس» المملوكة في تلك الفترة لبريطانياء 
مشيراً في كتابه إلى أن مؤسس الجماعة حسن البنا كان دائم الالتقاء بعدد من سفراء الدول 


الأجانب. وعلى رأسهم سفيرا بريطاتيا والولايات المتحدة”". ووفقاً لما ورد بالكتاب فإن 
الولايات المتحدة دعمت الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» جهراً 
وسراًء الأمر الذي تسبب بولادة «الإرهاب». مؤكداً أن الولايات المتحدة تلاعبت بالإسلام 
كعقيدة. كما تلاعبت بالجماعات الإسلامية التي دعمتها ومولتها. 

وكشف الكتاب أن الولايات المتحدة استخدمت الإخوان المسلمين في الخمسيئيات» ضد 
جمال عبد الناصر. وبعد وفاته عام 1970 وتراجع القومية العربية» أصبح «الإخوان» سنداً 
وحليفاً للولايات المتحدة أكثر 5 أن السادات بدوره استخدم الإخوان حينها 
لمناهضة الناصرية. 

واعترف دريفوس في كتابه بأن بلده هو المسؤول الأول عن انتشار ما أسماء «الإرهاب 
الإسلامي». بدعمه «الإخوان المسلمين» في مصرء والثورة الإسلامية في إيران» القاعدة 
خلال الحرب الباردة» مشيراً إلى أن تلك التنظيمات انقلبت فيما بعد على واشنطن مثل 
ب على راعيهاء؛ على حد وصفه. 

وأعربت الاستخبارات الأمريكية. في تلك الوثائق» عن قلقها من احتمالات اغتيال السادات؟ 
بحيث جاء ذلك في الوثيقة السرية ذاتها بتاريخ ١‏ حزيران/يونيو 21976 التي تنناول وضع 


















(45) رويرت دريفرس. لعبة الشبطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي. ترجسة أشرف رقيق (ييروت: 
مركز دراسات الإسلام والغرب. 2006). 


503 


السادات» ومدى سيطرته على مصر. وقالت الوثيقة إن الاستخيارات الأمريكية ترى أنه لا يوجد 
أي تهديد للسادات. باستثناء احتمال تعرضه للاغتيال. وتقول: «باستئناء رصاصة من قاتل؛ أو 
فلا يوجد أي تهديد للسادات». 
ن إعداد وكالة الاستخبارات الأمريكية ووكالة الأمن القومي. مقدّمة إلى 
جناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين» والمعروف باسم «التنظيم 
الخاص» لم يتم حله وإلغاؤه كما زعمت الجماعة خلال الخمسينيات. وذكرت الوثيقة التي تم 
إعدادها في ١‏ حزيران/يونيو 1976 بعض أسماء قيادات سياسية تمثل تهديداً للسادات» من 
بينها كمال الدين حسين. وحسين الشافعي. من قيادات ثورة 23 تموز/يوليو 1952 واسم آخر تم 
حذفه من الوثيقة. بحيث قررت الاستخبارات الأمريكية إبقاءه سراً. لكنها وصفته بأنه: «القائد 
الحالي للجناح السري المسلح التابع لجماعة الإخوان المسلمين». 

وأكدت الوثيقة أن السادات يبدو مسيطراً على مقاليد الأمور. لكن معلومات من مصادر 
مختلفة تقدم صوراً مختلطة عن مدى سيطرة نظامه. والدعم الذي يتلقاه داخلياً كقائد للبلد. 
وقالت إن المؤسسة العسكرية تدعم السادات. لكن الضياط ليسوا مأمونين من التأثر بأنشطة 
العناصر اليسارية» والإخوان المسلمين. والناصريين. إضافة إلى مشكلات أخرى تواجهه. مثل 
الركود الاقتصادي. وضغط على الفقراء والطبقة العاملة؛ مؤكدة أنه لا تمكن الإطاحة 
بأية سلطة: إذا استمر دعم القوات المسلحة لها. 








أزمة 











6- تقبيم الانفاقيتين 

القد ترتب على الاتفاقيتين اللتين جرى توقيعهما في كامب دايفيد العديد من النتائج. 
والتداعيات؛ على المستويات كافة. على النحو الآني”**: 

انعكاس الاتفاقيتين على القضية الفلطينية 

القد حاولت الوثيقة الأولى: «إطار السلام في الشرق الأوسط»: أن تنسف قضية فلسطين 
بة لكل العرب عبر الأجيال؛ وتحولها من قضية شعب يناضل من أجل حقوقه 
الود نية. إلى قضية سكان أراض محتلة فحسب. ويتضح ذلك مما يأتي: 

١‏ لم تأت الوثيقة على ذكر الشعب الفلسطيني إلا في جماتين فقط. وحتى هاتان الجملتان 
فرغتا من أي معنى؛ بحيث مضت الوثيقة في كل موضع آخر تركز في سكان الضفة والقطاع» أو 
فلطينيي » وتمنحهم حق الحكم الذاتي لا أكثر. ويلاحظ أن الحكم الذاتي عل 












الساداث وكامب دابفيد: ااثفااث وأصولها لتاريخية (القاهرة: مكتبة مدبرلي, 1984). 


504 


اللسكان» فحسبء ما يفسح في المجال أمام إسرائيل للنقاش بشأن شمول حت السكان في 
الارض التي يقيمون عليها. 

2- استبعدت الوثيقة منظمة التحرير الفلسطينية من أي دور في التسوية» وهي المنظمة التي 
اتترف لها وحدها بتمثيل الشعب الفلسطيني من قبل الدول العربية بلا استناء. ومن معظم دول 
العالم ومنظمة الأمم المتحدة» وأهم من ذلك كله من الشعب الفلسطيني» سواء من كان منه 
اتحت الاحتلال أو في الخارج. 

3 تكرت الوثيقة لح تقرير المصير للشعب الفلسطينيء الذي اعترفت به الجماعة الدولية 
ممثلة بصورة خاصة في الأمم المتحدة؛ ومعظم دول العالم. .. وبذا تكون الوثيقة قد سعت لإلغاء 
جميع المكاسب والمنجزات على كل الصعد. فهي إذ حصرت حل الفلسطينين في الضفة 
والقطاع في الحكم الذا اخرجت تماماً عما توافقت عليه الجماعة الده 
تقرير المصير عموماً. وتقرير المصير للشعب الفلسطيني بصورة خاصة. 
الحكم الذاتي والاستقلال الناجز. 

4- تذكر الوثيقة في غير موضع عبارة «سكان» القطاع والضفة. وهذا يعني التسوية بين 
الصهيونيين الذين استوطنواء أو الذين سيستوطنون في المستقبل فيهما بصورة غير شرعية» وبين 
شعبهما الأصلي. 

5 لم تتطرق الوثيقة إلى حق الفلسطينيين المطرودين من ديارهم في العودة من دون قيود. 
وهو حق اعترفت لهم به الأمم المتحدة منذ قرارها رقم (194) عام 1948 وحتى الآن. 

6- إن ما ورد في الوثيقة بشأن حقوق الفلسطيئنيين ليس إلا تكراراً لمشروع بيغين للحكم 
الناتي» الذي تظاهر السادات برفضه في لقاء الإسماعيلية عام 1977. ثم إن الوثيقة لم تعط 
ممثلي السكان في الضفة والقطاع أي حق في انخاذ قراراً يتعلق بمصيرهم. غير الموافقة على 
اقتراحات تقدَّم إليهم من قبل إسرائيل ومصر والأردن مجتمعة وهذا يعني فعلياً أن مصيرهم 
رهن بالقرار الإسرائيلي وحده. 

7- تناست الوثيقة عمداً مدينة القدس. وهذا التناسي يمثل تنازلاً كبيراً جداً من جانب 
السادات عن الحقوق العربية والقومية والتاريخية والدينية والقانونية في المديئة؛ وتسليماً بمزاعم 
إسراتيل بجعلها عاصمة لها. ولا يخفف من هذا ما تبادله السادات وكارتر من رسائل. فقد اكتفى 
كل منهما ‏ وأحدهما كارتر ليس طرقاً في الصراع ‏ بمجرد تسجيل موقف. أما الطرف المعني 
الآخرء إسرائيل» فقد أكد موقفه الاستعماري العدواني من القدس. ولقد سبقت الإشارة إلى أن 
الوثائق السرية البريطانية؛ التي جرى نشرها مؤخرًء تضمنت أن موافقة إسرائيل على التفاوض 











505 


مع مصر كان من بين شروطها عدم طرح موضوع القدس على طاولة المفاوضاتء وكما تقدم 
تعهد السادات باستعداده حتى للتخلي لإسرائيل عن القدس! 

إن موقف السادات من القدس يشكل من خلال هذه الوثيقة خروجاً - لا يملكه ‏ على 
قرارات مؤتمرات القمة العربية» ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وتحدياً 
للمواقف الصريحة والمعلئة لمجموعة عدم الانحياز, والمؤتمر الإسلامي. وأهم من هذا كله 
يشكل تحدياً سافراً لحقوق الشعب العربي الفلسطيني. 








ب الانعكاسات على الأراضي العربية المحتلة 

اثمة آثار بالغة الخطورة على الأراضي العربية المحتلة الأخرى. فقد تبنت الوثيقة فعلياً 
التفسير الإسرائيلي لقرار مجلس الامن الرقم (242) عام 1967 بشأن الانسحاب من الأراضي 
» احثلت في النزاع الأخخيرء لا «الأراضي» 
,بذلك حاولت القضاء على جميع المكتسبات التي حققها العرب بعد حرب عام 
3 سواء أكان ذلك على الصعيد العسكري أم على الصعيد السياسي الذي تعبر عنه قرارات 
الأمم المتحدة. ويتجلى ذلك بصورة خاصة في ما يأتي: 

١‏ لم تتطرق الوثيقة إلى مصير المستعمرات الإسرائيلية القائمة في الضفة والقطاع» 
ولا تعرضت لموضوع الهجرة الصهيونية إليهما. وهذا يعني أن سيل الاستيطان سيستمرء أو أنه 
لن يحد منه شيء على الأقل. كما أن المستعمرات القائمة ستبقى. وفي هذا تثبيت للمفهوم 
الصهيوني عما يسميه «الحقوق التاريخية» في أراضي فلسطين العربية» ويمثله إصرار بيغين 
على أن الضفة الغربية هي «يهودا والسامرة». 

2 - ربطت الوثيقة مستقبل الضفة الغربية والقطاع بموافقة الأردن على الاشتراك في 
المفاوضات المقترحة. وهذا يعني استمرار الوضع القائم إذا لم يوافق الأردن على هذا الاشتراك. 
وهذا ما حدث فعلاء وحمل مصر على التفاوض باسم الجاتب العربيء من دون أن تملك 
سلطة تخولها ذلك قانونياً. 

3 - إن دور الأردن» إذا وافق على المشاركة في التسوية المفروضة؛ سيكون محدوداً كدور 
ممثلي السكان في الضفة والقطاع. لاعتبارين: 

أولهماء أن القوات العسكرية الوحيدة التي ستوجد في الضفة والقطاع. حاضراً ومستقبلاًء 
هي القوات الإسرائيلية. 

وثانيهماء أن اليد الطولى في حسم جميع مشروعات الحكم الذاتي ومستقبل السكان 
ستكون لإسرائيل؛ ما دام إجماع آراء الفرقاء المذكورين في الوثيقة شرطاً لازما لتنفيذ بنودها. 




















506 


4- واضح من نص الوثيقة أن إسرائيل لن تعود في جميع الأحوال إلى حدود ما قبل الخامس 
من حزيران/يونيو 1967 ولن تسمح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع؛ وهذا يتعارض 
لافقط مع مبدأ عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة. كما يعرفه ميثاق الأمم المتحدة» بل 
أيضاً مع حقوق الشعب الفلسطيني كما قررتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضوح متزايد من 
مطلع السبعيئيات. 

فضلاً عن ذلك فقد كرست الوثيقة المفهوم الإسرائيلي لما يسمى «الحدود الآمنة». وهو 
المفهوم الغريب على القانون الدولي. 








اج - تأثير الاتفاقيتين في الوضع العربي وسيادة مصر على أراضيها 

لا بد أيضاً من الإشارة إلى آثار الاتفاقيتين في الوضع العربي بصفة عامة. وسيادة مصر على 
أراضيها بصفة خاصة, على النحو الأتي: 

١ تُعتبر الاتفاقيتان حلا منفرداً مع إسرائيل. فليس بين ارتباط في‎ ١ 
كما أنهما وُقعتا في عزلة عن الإجماع العربي. الذي رفضهما جملة وتفصيلاً. ومثلت‎ 
الاثفاقية الخاصة بسيناء كذلك نموذجاً خطيراً لأي حل.‎ 

2 - إن الوثيقة الخاصة بالانسحاب من سيناء انتقصت من السيادة المصرية على شبه 
الجزيرة عندما فرضت قيوداً على حرية تصرف مصر بهذا الجزء من ترابها الوطني في ما 
يعرف في القانون الدولي بحال «فرض الإرادة». الذي لا يتم إلا بفرض الغالب إرادته على 
المغلوب. 

3 - الواضح من نص الاتفاقيتين أن هدف إسرائيل في التغلغل الاقتصادي إلى الوطن العربي 
قد صُمن ووُضعت أسسه بما يُضعف الجبهة العربية أمام الاستعمار الاستيطاني الصهيوتي. 

لا عجب. والحال هذه؛ أن يغضب الشعب العربي؛ ويُجمع على رفض مؤتمر كامب دايفيد 
وما تمخض عنه. وقد تجلى ذلك على الصعيد الرسمي بانعقاد مؤتمر القمة التاسع في بغداد 
عام 1978. والقرارات الخطيرة التي اتخذها بحق السادات, ونظامه. أما هذا النظام فقد تجاهل 
كل ذلك. ومضى خطوة أبعد فوقّع «معاهدة السلام؛ مع إسرائيل في 1979/3/26 




















د الانفاقيتان من منظور الشرعية الدولية 

إن وثيقة #إطار السلام في الشرق الأوسط» تخطت الشرعية الدولية؛ وصادرت حق البلدان 
العربية؛ وخرقت مبادئ السلام العادل كما يعرفه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة؛ على 
النحو الآتي: 





507 


١‏ إن الاتفاقيتين تتخطيان بمضمونهما الشرعية الدولية بصورة فاضحة؛ على الرغم من 
العبارت المدبجة الواردة فيهما. فالإطار الذي وقعت فيه الاتفاقيتان يتعارض نصاأ وروحا مع 
قراري مجلس الأمن رقمي (242) و(338)؛ اللذين أعطيا للأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي 
والولايات المتحدة الدور الأهم في التوصل إلى تسوية عن طريق ما عُرف بصيغة «مؤتمر 
جينف». ثم إن الوثيقة تفرض على مجلس الأمن صيغة جديدة؛ وتطالبه والدول الدائمة العضوية 
فيه بحمايتهاء وكأنها محاولة لفرض وصاية على الأمم المتحدة ذاتها. 

2 - إن ماتم التوصل إليه في كامب دايفيد يلغي عملياً قرارات الأمم المتحدة؛ ولا سيّما تلك 
التي تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة. 

3 - تناولت هذه الوثيقة أطرافاً وقضايا لا نتعلق بالموفّعين عليها. وفي هذا خرق لأبسط 
قواعد المعاهدات الدولية؛ التي تقضي بأن المعاهدة لا تلزم أصلاً إلا عاقديها. فالوثيقة مت 
بصورة مباشرة مصالح سورية ولبنان والسعودية والأردن في ما يتعلق بحرية الملاحة في مضايق 
كما أنها أهدرت حقوق الشعب الفلسطيني. وتلك كلها مسائل تخص هذه الأطراف 
وتخص الآمة العربية كلها قومياً. 

4- إن تصرف السادات في شأن «وثيقة إطار السلام» يمثل خرقاً ينا لميثاق جامعة الدول 
العربية» ومعاهدة الدفاع المشترك عام 1950 وخروجاً على مقررات مؤتمرات القمة العربية 
المتالية» ولا سيّما قمتي الجزائر والرباط. وإضافة إلى ذلك. فإن السادات نصَّب نفه قَيْماً 
على الأطراف العربية المعنية. ووصياً على الحقوق القومية للامة العربية. فقد تعهد. إلى جانب 
ما تعهد به. بإلغاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل» وحماية رعايا إسرائيل في الدول 
العربية» وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية معهاء بكل ما في هذا وذاك من أضرار جسيمة 
على الجبهة العربية المواجهة للغزوة الصهيو: 

5 استجابت الوثيقة للمطلب الإسرائيلي المستمر بإبرام معاهدة صلح منفردة» حتى قبل أن 
يتحقق أهم شروط الصلح؛ المتمثلة ب: الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة. وضمان 
الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وهو أمر خلق سابقة فريدة من نوعها في العلاقات 
الدولية» تقوم على أساس فرض إرادة الغالب على المغلوب. مع ادعاء سيادة الأخير. 

6 كرست الوثيقة المزاعم الصهيونية بوجود حقوق مادية لليهود العرب الذين تركوا أقطارهم 
الأصلية بملء إرادتهم» وساوتها بحقوق الفلسطينيين الذين مُجروا من بلدهم بالقسر والإرهاب. 

















له ردود الفعل 
أثارت اتفاقيات كامب دايفيد ردود فعل حادة معارضة في مصر وفي الدول العربية؛ على 
المستويات الرسمية والشعبية. ففي مصرء استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته 


508 


الاثفاقية. وأشار في كتابه السلام الضائع في اتفاقات كامب دايفيد إلى أن «ما قبل به السادات 
بعيد جداً من السلام العادل». وخصص فصلاً في الكتاب بعنوان لافت: «مذبحة التنازلات» 
وانتقد هذه الانفاقيات لكونها لم تشر صراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة 
الغربية. ولعدم تضمنها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. 

على الصعيد العربي. كان هناك مناخ عام من الإحباط والغضب؛ لأن الشارع العربي كان 
لا يزال تحت تأثير أفكار الوحدة العربية» وتوجهات جمال عبد الناصر. كما أن الاتفاقيات منافية 
القرار قمة الخرطوم عام 1967 أنه لا صلح مع إسرائيل» ولا اعتراف بهاء ولا مفاوضات معهاء. 
ولا تصرف منفرداً في القضية الفلسطينية. وحتى في الشارع المصري. طالب المثقفون 
المصريون. أمثال توفيق الحكيم وحسين فوزي ولويس عوضء بالابتعاد عن العروبة المبتورة 
التي لا ترى العروبة إلا في ضوء المصلحة المصرية فقط. 

كما أدت الاتفاقيات إلى نشوء نوازع الزعامة الإقليمية والشخصية في الوطن العربي؛ في 
محاولة لسد الفراغ الذي لفت مصر؛ لدى القيادات في العراق وسورية» فحاولت الدولتان 
تمثيل وحدة في عام 1979 لكنها انهارت بعد أسابيع قليلة: وعُقد في العاصمة العراقية 
قمة عربية في 2 تشرين الثاني /نوفمبر 1978 رفضت اتفاقيات كامب دايفيد. وقررت تعليق 
عضوية مصر في الجامعة؛ ومقاطعتها . واتخذت الجامعة لاحقاً قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى 
تونس. نقلاً موقتً. احتجاجاً على الخطوة المصرية. وفي 20 تشرين الثاني /نوفمبر 1979 عقد 
مؤتمر القمة دورته العادية في المقر الجديد في تونسء وأكد تطبيق مقاطعة مصر. كانت 
الائفاقيات في مصلحة إسرائيل كلياء بحيث تغير التوازن العربي بفقدان مصر دورها المركزي 
في الوطن العربي. وفقدان الوطن العربي أكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصريء 
وتمزيق أمل الوحدة العربية. 

وازداد التشتت في الموقف العربي بعد حرب الخليج الأولى؛ إذ انضمت سورية ليا إلى 
صف إيران» وحدث في أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للينان عام 01982 ب 
التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان. وتمت محاصرة العاصمة اللبنانية لعدة شهور. ونشات 
فكرة «الاتحاد المغاربي» الذي كان مستداً على أساس الانتماء إلى أفريقيا وليس الانتماء إلى 
القومية العربية. 

إن اعتراف مصر بإسرائيلء أعطى مشروعية للاغتصاب الصهيوني لفلسطين من جاتب أكبر 
دولة عربية» في سابقة هي الاولى من نوعها عربياً. الأمر الذي أدى في ما بعد إلى 8 
في سقف المطالب الفلسطينية والعربية؛ بحيث توالت بعدها الاعترافات والمبادرات والتنازلات 
عن الح العربي التاريخي في الأراضي المحتلة. لتنتهي إلى قبول أجزاء من الارض منزوعة 
السيادة في اتفاقية أوسلوء ثم خريطة الطريق» التي على الرغم من تواضعها فإنها لا تجد من 











509 


ينفذها حتى الآن» ولن تجد. كذلك أخرجت الاتفاقيات مصر بثقلها التاريخي من الصراع ضد 
المشروع الصهيوني. ما أدى إلى خلل كبير في ميزان القوى. أسفر في النهاية عن تصفية قوى 
المقاومة الفلسطينية في الخارج. وحصارها في الداخل كما أدى إلى عجز قوى المقاومة 
العربية؛ وعربدة إسرائيل اللانهائية في المنطقة وإعادة ترتيبها كما تشاء. أدى اعتراف مصر 
بإسرائيل إلى رقع المقاطعة الدولية عنهاء التي كان يتهجها عدد كبير من الدول الصديقة لمصر 
والعرب. الأمر الذي أدى إلى تحرر إسرائيل من حصار دولي خائق» وأسفر عنه بث دماء جديدة 
في الاقتصاد الإسرائيلي, وإطالة عمر المشروع الصهيوني. 

بل لقد تلقى السادات صدمة لم يكن يتوقعهاء عندما توجه من واشنطن مساء يوم 21 أيلول/ 
سبتمير عام 1978 إلى المغرب» بعد انتهاء المؤتمر ميا: 
سفيراً لمصر في المغرب وقتئذ. في مذكراته مهمتي في إسرائيل ‏ مذكرات أول سفير مصري في 
تل أبيب: عندما وصل السادات إلى الرباط لم تكن هناك مراسم الاستقبال المعتادة لرئيس 
الدولة؛ ولا استعراض لحرس الشرف» ولا موسيقى تعزف النشيد الوطني المصري؛ ويكشف: 
«كأنما قرأ وزير القصور الملكية والتشريفات أفكاري. فأوضح لي أن التقاليد العسكرية لا تسمح 
بالاستقبال الرسمي بكل مظاهره بعد غروب الشمسء وطلب مني أن أوضح ذلك للمسؤولين 
المصريين تحاشياً لسوء الفهم»”*'! في صباح اليوم التالي توجه السادات والوفد المرافق له إلى 
قصر الصخيرات حيث استقبلهم الملك الحسن وكبار مستشاريه. وبحسب مرتضى: «بدأ 
السادات في عرض سرد تاريخي للصراع العربي ‏ الإسرائيلي؛ منذ بدء الحركة الصهيونية؛ ودعوة. 
هرتزل» ووعد بلفورء وكيف أن مصر حققت أول نصر عسكري ضد إسرائيل» وأضاف أننا في 
النهاية لم نصل إلى حل للصراع العربي ‏ الإسرائيلي باتباع سياسة الرفض. والتمسك بالحصول 
على كل شيء أو لاشيء». 

وقال السادات: إن «طريق رفض السلام. ستظل إسرائيل به محتفظة بالارض المحتلة؛ وقد 
نرفض الآن ما نقبله بعد عشر سنوات فترفضه إسرانيل» وتأكدت بعد اتصالاتي بأطراف عديدة» 





رة. وبحسب سعد مرتضىء الذي كان 














كان آخرها الرئيس الروماني تشاوشيكوء أن حكره قادرة على توقيع السلام» وراغبة في 
ذلك. لهذا قمت بمبادرتي وزرت القدسء ورفض قادة العرب أن يؤيدوا موقفي. وربما لو وقفوا 
إلى جواري لكنا حصلنا على شروط أفضل». 


يؤكد مرتضى أيضاً. أن السادات أوضح قصده من تصريحه باستعداده لتزويد إسرائيل بمياء 
النيل عبر سيناء» الذي قوبل بالاستياء في مصر والوطن العربي» فذكر أنه في حرصه الشديد 


(7) سعد مرنضى. مهمتي في إسرائبل: مذكرات أول سفير مصري في ثل ليب (القاهرة: دار الشروق للنشر والتوزيع» 
3 


56 


على إعادة الأراضي العربية إلى الشعب الفلسطينيء ذهب إلى حد عرضه أن يزود بمياه النيل 





كل مستعمرة | من الضفة الغربية وغزة إلى داخخل إسرائيل» لكن إسرائيل رفضت 
تمسكاً بمستعمراتها! 


ويضيف مرتضى: «تساءل السادات في ختام حديثه الذي استغرق أكثر من ساعة ونصف 
الساعة: هل هناك حل آخر للمشكلة؟ إن إسرائيل تفرض حكماً عسكرياً صارماً على شعب 
الارض المحتلة» وحين زرت القدس تعالت نداءات بعض السكان تطلب مني مساعداتهم على 


التحرر من عسف الاحتلال الإسرائيلي». ويتابع مرتضى: «لم يكن الجو حارأًء ومع ذلك راح 
الرنيس يجفف عرقه المتصبب على جبينه بمنديله» وبعدما انتهى من حديثه حَيّم السكون على 






المجتمعين» وبدا واضحاً من هذا الصمت الثقيل أن السادات لم ينجح في كسب الجانب 
المغربي إلى صنّْه». بالرغم من دور الملك الحسن الثاني السري في ترتيب لقاءات بين 
مسؤوليين مصريين وإسرائيليين مهدت لزيارة السادات إسرائيل. 

ويتذكر مرتضىء أنه بعد شرح السادات, دعا الملك الحسن مستشاريه ووزراءه إلى 
الاستفسار من الرنيس عما يريدون أو يرونه غامضاً. وبعد هذا الصمت الثقيل. كان هناك سؤال 
واحد من أحد كبار المستشارين» عن مقررات قمة الرباط عام 1974 التي تعتبر «منظمة التحرير 
الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»؛ فأجاب بأنه لم يعالج ال 








ويلاحظ أن العرب لم يكونوا الوحيدين المقتنعين بأن الاتفاقية كانت بمثابة تفريط في 
منجزات النصر العسكري العربي في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973ء وأن السادات 
قد ركز في استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية والعربية» فقد تلقى أيضاً 
انتقادات من الاتحاد السوفياتي وكتلته. ودول عدم الانحياز. وبعض الدول الأوروبية 
الغربية» وعلى سبيل المثال» فإن فرانوا بونسيه. سكرتير عام الرئاسة الفرنية في عهد 
الرئيس جيسكار ديستان» قال لوزير الدولة للشؤون الخارجية بطرس بطرس غائي في قصر 
الإليزيه. ناصحاً قبل أن توقع مصر معاهدة السلام مع إسرا: ذا لم تتمكن من الوصول 
إلى اتفاق في شأن الفلسطينيين؛ قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية؛ فكن على ثقة 
من أنك لن تحصل لهم على شيء فيما بعد من الإسرائيليين»» كذلك. فإن الفاتيكان كان 
على اعتقاد بان السادات ركز بالكامل في أهداف مصرء وأهمل القضايا العربية الجوهرية 
الأخرى. 








للك 


اثانيا: معاهدة السلام 

في 26 آذار/مارس 1979 وقعت مصر وإسرائيل على معاهدة السلام المصرية ‏ الإسرائيلية؟ 
وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حال الحرب. وإقامة علاقات طبيعية وود 
مصر وإسرائيل؛ وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 وتضمنت المعاهدة أيضاً 
ضمان مرور السفن الإسرائيلية عبر قناة السويسء واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرين 
مانيين دوليين. إن المعاهدة عبارة عن 9 مواد رئيسية؛ منها انفاقات بشأن جيوش الدولتين 
والوضع العسكري. وعلاقات البلدين» وجدولة الانسحاب الإسرائيلي؛ وتبادل السفراء في 
1 بينما لايزال ثلا سيناء محتلاً. تضمئت المعاهدة أيضاً البده بمفاوضات لإنشاء 
منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة. والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 
(242). 

من المؤكد. في ضوء التجربة؛ أن المعاهدة لم تؤد على الإطلاق إلى تطبيع كامل في 
العلاقات بين مصر وإسرائيل» حتى على المدى البعيد. فكانت المعاهدة تعبيراً غير مباشر عن 
استحالة فرض الإرادة على الطرف الآخر. بل تتسم علاقات البلدينء حتى الآن. بالبرودة 
والفتورء من هنا جاء تعبير #السلام البارد». فعلى سبل المثال» لم ينجح السفراء الإسرائيليون 
في القاهرة» حتى الآن. في اختراق الحاجز النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي الهائل بين 
مصر وإسرائيل ولا تزال قضايا متعددة بين الدولتين» ومنها: 

١‏ مسألة محاكمة مجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي؛ المتهمين بقضية قتل أسرى من 
الجيش المصري في الحروب. والتي جددت مصر مطالبتها بالنظر في القضية عام 2003. 

2 امتناع إسرائيل من التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. 

3- مسألة مدينة أم الرشراش المصرية؛ التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل؛ ويطلق على 
المدينة اسم «إيلات» من قبل الإسرائيليين: وقد تم احتلالها من قبل إسرائيل في 10 آذارامارس 
949!. وتشير بعض الدراسات المصرية إلى أن قرية أم الرشراش كانت تدعى في الماضي قرية 
الحجاجء حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها. 





























4- قضية التعويضات عن الأموال التي تعتبرها مصر «أموالاً منهوبة»؛ نتيجة استخراج 
إسرائيل للنفط في سيناء لمدة 6 سنوات. 
الم تكن المعاهدة مجرد انا بين متحاربين» أنهت سنين طويلة من الصراع؛ كما 






.تخيل من وقع عليهاء وإنما كانت طامة كبرى لحقت بمصر والامة العربية» ونصراً مؤزراً لكيان 
يبحث عن الشرعية والاعتراف به. فإذا بهذا الاعتراف يأنتي من أكبر دولة عربية» وبهذا الأسلوب. 
فهذه المعاهدة أعادت سيناء إلى مصر منقوصة السيادة» وشرعت إسرائيل بعدها في ترتيب 


52 


أوضاعها؛ فضربت المفاعل النووي العراقي عام 1981 واجتاحت قواتها العاصمة اللبنانية 
بيروت عام 1982؛ وطردت الفلسطينيين إلى تونس واليمنء ليصبحوا بعيدين وعن أراضيهم في 
فلسطين. وعن بؤرة الصراع, كي يتم إرغامهم في النهاية على الاعتراف بهذا الكيان المزروع بين 
اظهرانيهم» ويقبلوا بأية تسوية تمليها عليهم إسرائيل والولايات المتحدة؛ التي أصبحت تمتلك 
ليست فقط 99 بالمئة من أوراق اللعبة كما قال الساداتء لكنها أصبحت تمتلك 100 بالمئة من 
كل شيء في المنطقة. وكل هذا النفوذ جاء بعد أن أخرجت المعاهدة مصر من دائرة الصراع. 
وجرى ضبط الوضع العربي على إيقاع المنظومة الرأسمالية العالمية. ويصبح بالتالي من 
مسلّمات السياسة ١١‏ بية الرسمية أن ما لا تقبله وتباركه الولايات المتحدة يندرج تحت بند 
الحلول غير الواقعية. 

ثم كان من المنطقي أن تدمغ هذه المعاهدة بأنها أسوأ معاهدة جرى إبرامها في تاريخ 
المعاهدات الدولية» ويجري تدريسها في المعاهد السياسية على أنها نموذج لسلب الإرادة 
الوطنية» فلا توجد معاهدة في العالم كلت دولة» وشلّت إرادتهاء وأخضعتهاء كما فعلت هذه 
المعاهدة؛ التي أصبحت السياسة المصرية الرسمية» منذ التوقيع عليهاء تتمحور حولهاء وتلتزم 
بمقتضياتهاء لا فقط بنصوصها. 

القد اعترف كيسنجر في مفكراته بأنه لم يكن يتصور أن يوافق السادات على ما جاء في 
بنودهاء قائلاً: «لقد تصورت أن السادات عندما يقرأ بنود هذه المعاهدة سوف يركلني في 
مؤخرتي؛ ويعود غاضياً 











اضباً إلى مصرء ويعلن الحرب مرة أخرى؛ فإذا بي أفاجأ بأن السادات قد وافق 
على كل ما جاء فيها دون مناقشة»! إلى هنا انتهى كلام كيسنجرء وهو واحد من أهم رعاة 
المعاهدة التي استقال بسببها ثلاثة من وزراء الخارجية المصرية» احتجاجاً على ما جاء فيها. 
وعلى تصرفات السادات الفردية. ويبدو أن السادات كان مدركاً مدى جسامة ما أقدم علي منذ 
أطلق مبادرته حتى توقيع المعاهدة. ومدى حرصه على «إتمام مهمته», فإذا به يخبر مصطفى 
خليل» رئيس الوزراء. في أحد الاجتماعات: «أنا لو لم أطبّع العلاقات؛ وأبادل السفراء. يجوز أن 
يأتي شخص آخر من بعدي ولا يستطيع أن يقدم على ذلك»**! 


المعاهدة 
القد غيّرت «المعاهدة» وجه الوطن وخريطته. كان تأثيرها فادحاًء لا في مصر فحسبء بل في 
الوطن العربي بأسره. ونقدم في ما يأتي عرضاً لما جنته مصر والأمة العربية من تلك المعاهدة". 








(48) صبري, الاداث؛ الحقيقة والأسطورة. صن 18ل. 

(49) اعثمد هذا العرض بصفة أساسبة على المصدر الأثي: عصمت سيف الدولة. هذه المعاهدة (بيروث: دار المسيرة. 
9 انظر أيضاً: جعفر عبد اللام. مماهدة السلام المصرية ‏ الإسرائيلية (الفاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر. 
0 ومثبر الحمشر, السلام المدان. ط 2 (القاهرة: مكتبة مدبولي. 1980). 





51 


1- الاعتراف بإسرائيل 

لا شك في أن الاعتراف بإسرائيل هو أخطر نتائج المعاهدة؛ الآمر الذي يقتضي عرض ما 
يعنيه «الاعتراف بدولة إسرائيل» بالضبطء وما يترتب عليه من تبعات ونتائج؛ تؤكد جانباً أساسياً 
من «الكارثة الكبرى؟ التي تنطوي عليها عملية التسوية برمّتها. تنصرف كلمة الاعتراف ‏ من 
الناحية اللغوية ‏ إلى «الإقرار على النفس». إلا أن دلالتها لا تكتمل إلا بأمرين: الأول» بنسبة 
هذا الاعتراف إلى مضمون واضح ومحدد. والثاني؛ بتحديد موقف صاحب الاعتراف من 
المضمون الذي أقر به. في ضوء ذلك. لا بد من تأكيد الاختلاف الجوهري بين حالين من 
حالات الاعتراف حين ينصرف الأمر إلى حال إسرائيل بالذات: 

الأولى» حين ينصرف الاعتراف إلى «وجود إسرائيل»: في هذه الحال» لا بد من الإقرار بأنه 
الا يوجد عربي با أن إسرائيل موجودة. هذا الاعتراف له مضمون واضح ومحدد: أن هناك 
على الارضٍ العربية في فلسطين وجوداً صهيونياً يسمى إسرائيل. كما أنه يصدر عن 2 
واضح ومحدّد أيضاً. وهو: رفض هذا الوجود الصهيوني غير المشروع» وضرورة العمل من 
تصفيته واسترداد الارض العربية المغتصية. 












والثانية. حين ينصرف الاعتراف إلى «دولة إسرائيل»؛ وهو يختلف اختلافاً جوهرياً عن 
الاعتراف في الحال الأولى؛ ذلك بأنه إذا كانت «الدولة» لا تقوم إلا بقيام عناصرها الثلاثة: 
إقليم محدد. وشعب معينء وسلطة تمثل سيادة الشعب على الإفليمء وإذا كان الاعتراف 
يصدر منء وينصتٍ على «أشخاص القانون الدولي»: وهي الدول. فإن اعتراف دولة ما بدولة 
أخرى ‏ تبعاً لأحكام القانون الدولي ‏ لا يعني فحب أن ينصب الاعتراف بالدولة المعترف 
بها كما تذعي هي لنفها شعباً أو إقليماً أو سيادة» بل يعني أيضاً شرعية الدولة المعترف بها 
في مواجهة الدولة المعترفة بهاء بحيث لا يجوز للأخيرة أن تنازعها أو تنكر عليها سيادة شعبها 
على إقليمهاء واستقلاله بهذه السيادة» وحقه في ممارستهاء بالطريقة التي يراها من دون تدخل 
من خارجه. 

معنى ما تقدم أن ذلك الاعتراف بدولة إسرائيل هو على وجه عامء إقرار ملزم للدول العربية 
بأن دولة إسرائيل يكل عناصرها (الارض» والشعب. والسيادة) دولة مشروعة؛ وهو؛ على وجه 
خخاصء إقرار ملزم لهذه الدول بأن أرض فلسطين من حق الشعب اليهودي. أي أنه «اعتراف» 
بشرعية «المبدأ الصهيوني»: الذي وضعت على أساسه الاسترائيجية الصهيونية منذ أكثر من 
قرن» وهو المبدأ القائل: «إن لليهود حقاً تاريخياً مشروعاً في فلسطين». وبالتالي» فإن الاعتراف 
هنا ليس إقراراً بحدوث هزيمة على مستوى تكتيكي. ولا حتى إقراراً بحدوث الهزيمة على 
مستوى استراتيجي. ولا هو اعتراف بالأمر الواقع؛ أي بمجرد «وجود إسرانيل» من دون مصادرة 











514 


المستقبل» بل هو حسم للصراع مع الصهيونية على مستوى المبدأ ذاته؛ لأنه يسلّم بوجود 
«حقوق» للعدو في ما اغتصبه بالقوة. 
بل أكثر من ذلك؛ لقد تجاوز اعتراف السادات, إلى حد بعيد وغريب» المنطق الصهيوني في 
شأن مألة «قيام إسرانيل»» وقد بلغ ذلك الاعتراف ذروته المأسوية في خطابه أمام الكيست» 
حينما أشار إلى «المبرر القانوني والأخلاقي» لإقامة دولة إسرائيل؛ قا 
المبرر القانوني والأخلاقي لإقامة وطن قرمي على أرض لم تكن كلها ملكا لكم؛ فأولى بكم أن 
تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد في وطنه؟! في هذا التوجه الخطير. 
تتجسد تماماً الاستجابة إلى «متطلبات إسرائيل»؛ التي عمد إلى تأصيلها وتوضيحها «هاركابي» - 
ين أشار إلى «أن اعتراف الدول العربية بإسرائيل ينبغي له أن ينصرف 
اليس إلى مجرد «وجود دولة إسرائيل كأمر واقع»»: وإنما إلى شرعية «تأسيس دولة إسرائيل من 
جديد»*". هنا تحديداً تكمن «الهزيمة الكاملة»» أي «هزيمة الإرادة».. من دون قتال؛ وهي 
تحدث حين تقع هزيمة على «المستوى التكتيكي؟. :ميجر التراجع عابنا «المستوى 
0 ة الكاملة» ‏ كما 
بية أصبحت متكررة الحدوث». 















وبشكل أكثر سوءاً في كل مرة. 
لاشبهة إذاً في أن اعتراف الدول العربية على المستوى الرسمي ‏ بدولة إسرائيل هو «إقرار 
ِ 0 إسرائيل. ا 0 إقراراً بشرعية ية #وجود 








ل اوز «حال الهزيمة». إلى 0 
لها.. بل حتى من دون هزيمة. 

أما الاعتراف الفلسطيني بالذات فهو «نكية حقيقية» أخرى. إذ إنه ليس مجرد «إقرار على 
النفس» بشرعية الاستعمار الصهيوني لفلسطين؛ بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الشعب 
الفلسطينيء وحقوقه غير القابلة للتصرف في وطنه وأرضه. إنما يتضمن في الوقت نفسه إنكار 
جزء من الذات الفلسطينية» بحيث يؤدي إلى إخراج قطاع مهم من الفلسطيثيين من تعريف 
الشعب الفلسطينيء هم الخاضعون للاحتلال منذ عام 1948. لذلك» فهو اعتراف من أسوأ. 
الاعترافات في التاريخ» وأكثرها خطراً. فهو من أسوأ الاعترافات من ناحية» لأنه يؤدي إلى 
الاعتراف بالنقيض. العدوء عن طريق إنكار جزء من الذات. وأكثرها خطراً من ناحية أخرى. لانه 





نة ضرورية 


دك جوم ,19771 بجح عم" ع1 ناما عاج #ومسرع! امدمعل فامد جاجر اط طدماء باطدارداة لمامطيصا علا 


كل 


اعتراف يتم على مستوى الوجدان الوطنيء أي أنه يتحول إلى تشويه في وعي الشعب يذاته. 
ويكفي أن «حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره»» من وجهة نظر الحركة الوطنية الفلسطينية» 
أصبح يتلخص في إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

هذا الاعتراف أعطى شرعية للاستيطان الإحلالي الصهيوني في أرض فلسطين» وهو اعتراف 
رسمي ينطوى على أنها أرض «اغتصبهاء العرب» واستردها الصهايئة» وبيان رسمي بمشروعية 
الجرائم الصهيونية؛ لأنها وفقاً لهذا الاعتراف تحولت من جرائم إلى مقاومة ونضال من أجل 
استعادة "وطن مغتصب». أقر هذا الاعتراف بأن للصهايئة وطداً وأرضاً وتاريخاً واحداء وأن 
الفلسطيني غاصب محتل ومرؤع اللمواطن الصهيوني الآمن في داره وعلى أرضه. إن الاعتراف 
.بإسرائيل ومشروعية دولتها كان اعترافاً رسمياً بأن لا حق للشعب العربي في فلسطين» وتحول 
المستوطن الصهيوني إلى مواطن. وتحول المواطن الفلسطيني إلى مغتصبء وتحولت أرض 
فلسطين العربية وفقاً للمعاهدة إلى أرض صهيونية”". 

إن الاعتراف بإسرائيل هو إدانة رسمية علنية للنضال العربي ومقاومته ضد إسرائيل» وإقرار 
بتخلي مصر عن أرض فلسطينء وعن حق أجيال مضت وأجيال حاضرة وأجيال آنية. لقد تناسى 
السادات أن الأرض ليست من حق نظام أو حتى جيلء إنها ميراث الاجيالء لا يملك أحد أن 
يفرط فيه أو يساوم عليه. وتقول المادة الثانية من «المعاهدة؛ الحدود الدائمة بين مصر 
وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب» كما هو واضح 
بالخريطة في الملحق الثانيء وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن 
هذه الحدود مصونة لا تْمَسء ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخرء بما في 
ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي». وتنص المادة الثالثة» الفقرة الأولى (أ) و(ب) على الآني: 

(|) يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي. 

(ب) يقر الطرفان ويحترم كل منهما حى الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الأمنة 
والمعترف يها. 

افضلاً عن أن اعتراف مصر فتح الباب أمام كل دول العالم للاعتراف بإسرائيل» بعد أن كانت 
علاقات أية دولة بإسرائيل تلقي بظلالها السلبية على علاقاتها العرب 
والدبلوماسية. الامر الذي كان يمثل حظرً عربياً على إسرائيل» ويعطي جاة 
العربية في ظل وحدتها على ممارسة ضغوطء ومانعاً أمام تمده - وتشعب - 


























أ نقدرة الدول 
التغلغل الإسرائيلي 


أحمد ثابث, الحصاد المر: اختزال قضبة فلسطين (عسمان: دار وائل للنشر والتوزيع» 





98#). ص 45 و«التجربة الدبلوماسية الفلسطبنية.؛ مجلة الدراسات الفلسطنبة. العدد 27 (صيف 1996). 


516 


على مستوى العالم» بوجه عام وفي أفريقياء بوجه خاص. وكانت مصر في فترة حكم جمال 
عبد الناصر هي صاحبة الدور الرنيسي في ممارسة هذه الضغوط والحملات؛ وكان نضالها من 
أجل تحرير الأرضء وضد الهيمنة الأمريكية والوجود الإسرائيلي» يمنحها شرعية 
الدور. أما الاعتراف الرسمي ‏ وفقاً للمعاهدة ‏ بإسرائيل» فقد كان بمنزلة شريان الحياة للكيان 
الصهيونيء وضّوءاً أخضر لخروج هذا الكيان إلى حيّز الضوء. بلا معاناة من مقاطعات أو 
ضغوط دولية. وبخاصة في ظل الاتفاقيات والمؤتمرات التي تمقدت لتجسد هرولة الأنظمة 
العربية تجاه إسرائيل. 











ب عزل مصر عن الوطن العربي 
إبرام المعاهدة كان سبباً في المقاطعة العربية لمصرء ومن جهته قرر السادات شن حملة 
اللدفاع عن قراره. ولأنه لا يملك ما يدافع به عن المعاهدة المشيثة. قرر أن تكون الحملة هجوماً 
على الدول العربية» واتهامها بالتخلي عن مصرء ورغبتها في توريطها في حروب. وترديد 
أكاذيب عن عدم مساندة أية دولة عربية لمصر في الحرب ضد إسرائيل» وزادت برة شعاراتة 
مصر أولاً . مصر أولاً وقبل كل شي»*. 

كما أنها حولت مصر من رمز للنضال العربي إلى داعم للاستسلام والمهادنات» وهو ما لقي 
سخطاً شعبياً عربياًء وبالتالي «تها دورها العربي الرائد الجامع» وأدخلتها في صدام عربي 
على المستوبين الرسمي والشعبي. ولم يعد في مقدور مصرء وفقاً للمعاهدة. أن تتفق قولاً أو 
فعلاً مع أي موقف عربي ضد إسرائيل؛ بحيث جاء في المادة السادسة فقرة (1) و(4) (5) ما 
يأتي: 

01 لا نمس هذه المعاهدة» ولا يجوز تفسيرها على أي نحو يمس بحقوق والتزامات 
الطرفين» وفقاً اق الأمم المتحدة. 

4 يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة. 

5 مع مراعاة المادة (103) من ميثاق الأمم المتحدة؛ يقر الطرفان بأنه في حال وجود تناقض 
بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى. فإن الالتزامات 
الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة». 

















ج ‏ الانحياز إلى العدو في الصراع العربي ‏ الإسرائيلي 

إن اعتراف مصر بإسرائيل - (تكرار هذه النتيجة يعود إلى أنها القاعدة الرئيسية التي أسست 
عليها كل النتائج) ‏ يُعَدَ اعترفاً رسمياً بعدم مشروعية هذا الصراع؛ لأنه وفقاً للمعاهدة تحوّل من 
صراع وجود إلى خلاف واتفاق على بنود. كما أن المعاهدة أقرت أن فلسطين وطن للصهايئة؛ 








517 


وبالتالي فالارض ليست مغتصية, ولا حق لأحد في إقصاء مواطن عن وطنه وسلب شعب 
أرضه. وبالتالي لا حق للعرب في فلسطين. فعلى أية عقيدة. وعلى أي موقف مبدني تقاتل مصر 
وتدخل الصراع. 

كما أن المعاهدة أكدت أنه لا يحق لمصر أن تشارك؛ أو تساهم. أو حتى تؤيد وتبارك أي 
عمل ضد إسرائيل. ونتيجة للمعاهدة تحولت مصر إلى دور الشرطي؛ الذي يحمي الوجود 








اند ارت اسفن دف رن القن «تنتهي حال الحرب بين ٠‏ 
ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة». والمادة الثالثة 
(ج) الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامهاء أحدهما ضد الآخرء 
على نحو مباشر أو غير مباشرء وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية». 

ولا بد من تأكيد أن المقصود بخروج مصر من الصراع العربي ‏ الإسرائيلي هو خروجها 1 
الصف العربي. وانحيازها إلى الجانب الصهيوني. وهو ما أكدته المادة الثالثة فقرة (2] 
كل طرف بأن يكل عدم صدور فعل من أفعال الحرب. أو الأفعال العدوانية» أو امو 
أو التهديد بهاء من داخمل أراضيه؛ أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته. أو مرابطة على أراضيه. 
ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعهد كل طرف بالامتناع 
عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب. أو 
الأفعال العدوانية. أو النشاط الهدّامء أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. 
كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة»). 














د تبني مصر وجهة نظر العدو في الصراع 

أصبحت مصرء وفقاً للمعاهدة. هي التي تضفي الشرعية على الوجود الصهيوني. والمُقِرْ 
بمشروعيته. وبالتالي حقه في الدفاع عن «دولته»: كما أدّت دور الداعي إلى «السلام» والاعتراف 
بإسرائيل. إن اعتراف مصر بإسرائيل» ومنحها الشرعية والححق في الأرضء والتعهد بعدم ممارسة 
أي «عدوان» على إسرائيل أو تأييده» هي انهيار للموقف المبدني من الصراع العربي - 
الإسرائيلي» بحيث لم يعد متوافراً لا ابد ولا العقيدة ولا السبب. لذا لم يجد السادات حَرّجاً 
في إدانة المقاومة. ووصفها بهادم الاستقرار وسبب التوتر؛ ووصف أي عمل ضد إسرائيل 
بالمغامرة والإرهاب. وزعزعة الاستقرار في المنطقة» وممارسة ضغوط على الأنظمة لإبرام 
اتفاقيات مع إسرائيل» وضغوط على فصائل المقاومة للتخلي عن نهجهاء والجلوس إلى موائد 
التسوية والمهادنة» وهو ما حرصت المعاهدة على تأكيده في الديياجة؛ التي نصت على الآني: 








518 


«وإذ تدعوان الأطراف العربية الأخرى في النزاع إلى الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل» 
على أساس مبادئ إطار الام المشار !| ليها آنفاً واسترشاداً ب 








وذلك اتساقاً مع المعاهدة؛ بحيث جاء في ملحق (3): ا 
المادة الخامسة فقرة (1) و(2) (التعاون في سبيل التنمية وعلاقات حسن الجوار. ما يأتي: 

١‏ يقر الطرفان أن هناك مصلحة متبادلة في قيام علاقات حسن الجوارء ويتفقان على النظر 
في سبل تئمية تلك العلاقات. 


2 - يتعاون الطرفان في إنماء السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة» ويوافق كل منهما على 
النظر في المقترحات التي قد يرى الطرف الآخر التقدم بها تحقيقاً لهذا الغرض. 

3- يعمل الطرفان على تشجيع التفاهم المتبادل والتسامح: ويمتنع كل طرف عن الدعاية 
المعادية تجاه الطرف الآخر»). 





وقد ترتب على ما تقدم تفتيت وحدة الوطن؛ وانحرافه عن قضيته المركزية: فلسطين» وتأكيد 
الانقسام والانشقاق في وحدة الصف العربيء وإقرار أحقية كل قطر عربي في القرار المنفرد في 
شأن «القضية القومية». فعلى الرغم من كل الاختلافات بين الأنظمة العربية» فإنها اتفقت على 
أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية. وطوال عقود لم يجرؤ نظام عربي على الاعتراف 
بإسرائيل» وعلى إعلاته التخلي عن حت الشعب العربي في فلسطينء وهو ما تجلى في مؤتمر 
الخرطوم عام 1967 الذي توحدت فيه الأنظمة حول «اللاءات الأريع»» وحول عدم أحقية أي 
نظام في اتفراده بقرار وموقف تجاه إسرائيل» وظلت قضية فلسطين» والموقف من إسرائيل نقطة 
الالتقاء العربي؛ والضامن لوحدة الصف العربي. 

وجاء انفراد مصر بالقرارء وإعلان الحل المنفرد. بمنزلة ضربة قاصمة لوحدة هذا الصف 
وتفتيت الموقف العربي تجاه قضيته المركزية» وبالتالي وضعت المعاهدة الحجر الاساس 
لأحقية كل قطر عربى في الانفراد بالحل والقرارء وعدم الالتزام بوحدة الموقف, وهو ما أدى 
إلى مزيد من الانقسام العربي» وبالتالي أصبح الوطن العربي مستباحاً للمخططات الصهيونية 
والأمريكية؛ المدعّمة بالتفتت العربيء وتبعية الأنظمة التي تبني مواقفها وفقاً لمصلحتها الذاتية 
ولو على حساب الوطن والامة. لقد أعطت المعاهدة إشارة البدء للأنظمة العربية ألّا تلقي بالأ. 
جهاراً تهاراً وعلى الملاء للوطن. وألا تراعي مشاعر الشعب العربي. 

.وكان من أخطر النتائج التي ترتبت على المعاهدة» وعلى مبادرة السادات برمّتهاء تبني مصر 
وجهة نظر العدو في الصراعء الأمر الذي ينحدر بما أقدم عليه السادات إلى مستوى «الهزيمة 














و5 


الكاملة» و«الاستسلام التام». يمكن القول إن الهزيمة في المعارك الحربية تتمثل ب «التخلي عن 
هدؤ تكتيكي أو ا. 0 أما الاستسلام فيهبط إلى حد «قبول التخلي عن هدف تكتيكي 
أو استراتيجي» من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تفرض ذلك. إن كلاً من الحالين يمثل 
هزيمة للطرف الذي تخلى عن هدفه. لكن الاستسلام هزيمة أكبر. إنه «هزيمة كا 
الفارق بين الهزيمة والاستسلام بوضوح حين تفع الهزيمة على المستوى التكتيكي. فيحدث 
التراجع على المستوى الاستراتيجيء ويتم قبول نظرية العدو في الصراع وتبنيها. وهو هنا 
استسلام لأنه ليس النتيجة اللازمة للهزيمة. كما أن الهزيمة. حتى على المستوى الاستراتيجي. 
الاتعني أن الصراع قد ُحسم.ء إنما يحم الصراع ‏ فقط ‏ حين يتبنى المنهزمون نظرية 
المنتصرين» ويستسلمون لجبروتهم. كما سبقت الإشارة إلى تجاوز «السادات, إلى حد بعيد 
وغريب. المنطق الصهيوني في شأن مسألة «قيام إسرائيل؟؟: في خطابه أمام الكيست 
بالحديث عن «المبرر القانوني والأخلاقي» لقيام إسرائيل؛ وفق تأصيل يهوشفط هاركابي 
اللمألة. 

في هذا السياق؛ هناك التزام واحد جاء في الاتفاق» يتضمن أخطر ما فيه على مستقبل 
مصر لأنه ينطوي على التزام بإعادة صياغة العقل العربي في مصر. على الوجه الذي يؤثر 
في إرادته ذاتها. نص صغير جاء في البروتوكول الملحق بالاتفاق؛ يقول «يعمل الطرفان 
على تشجيع التفاهم المتبادل والتسامح؛ ويمتنع كل طرف عن الدعاية المعادية للطرف 
الآخر» (المادة 5 فقرة 3). ومن قبله جاء نص صغير في «إطار السلام» (المبادئ المرتبطة) 
يُلزم مصر بالمساهمة في «صنع جو من السلام والتعاون والصداقة التي تُعتبر هدفاً مشتركاً 
لهم 

القد أصبح الاتفاق قانوناً واجب النفاذ في مواجهة مصر الدولة؛ بكل أجهزتهاء وفي مواجهة. 
كل مصري. ومن هنا يصبح لزاماً ‏ بحكم القانون ‏ على كل مصري أن يحترم ما جاء في النص. 
ويهمنا من المصريين أولشك الذين يساهمون في صياغة العقل العربيء وبالتالي في تشكيل 
مضمون إرادته؛ إنهم الفلاسفة والعلماء وأسائذة الجامعات والمعاهد العليا وأئمة الدين وعلماؤه 
والكتاب والصحافيون والفنانون؛ أولنك الذين تضع الدولة تحت تصرفهم: أو تتبح لهم؛ أو 








يدو 






























يجب أن تضع؛ مصادر المعرفة والبحث والثقافة والاجتهاد والنشر والصحافة والإذاعة 
والتلفزيون والسيئما والمسرح وإمكانات الفن التشكيلي ومعارضه؛ ليساهموا في بناء العقل 





العربي؛ أولئك «المربون» الذين يتولون تنشئة الشباب على ما يزوّدونه من فكر وثقاقة وقيم 
وأخلاق؛ أولئك الثروة التي احتفظت لمصر بدورها الثقافي العظيم في الامة العربية والعالم 
الإسلامي. 


52 


ه- انكسار الإرادة الوطنية وتكريس التبعية والهيمنة الأمريكية 

جسدت المعاهدة قمة الخضوع المصري للولايات المتحدة وإسراتيل» وعدم قدرتها على 
عقد أي اتفاق مع أبناء أمتها إذا تعارض الاتفاق مع أي بند من بنود المعاهدة» وعدم قدرتها على 
فرض سيادتها على كامل أراضيها. لقد أعطت المعاهدة الحق للولايات المتحدة في تقرير حرية 
مصر وفقاً لمدى التزامها بالمعاهدة» فقد تعهدت مصر ا لها بأنه في حال عدم ا: اق الطرفين 
المصري والإسرانيلي على القوات التي تنولى المراقبة والترد 
الولايات المتحدة. بمعنى أنه لو رأت إسرائيلء وققاً للمعاهدة؛ بنصها أن !١‏ 
لاتحقق لها أهدافهاء يحى لها الاعتراضء الذي يكون القول الفصل فيه للولايات المتحدة. 
الحليف الأكبر والداعم الأول لإسرائيل. هذا هو ما تقره المعاهدة حيث 
البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتييات الأمن ‏ المادة السادسة - 
0 الطرفان على الدول التي تشكل منها قوات ومراقبو الأمم المتحدة؛ وسيتم ذلك من الدول 
غير ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وإذا لم يتفق الطرفان تأتي 
الولايات المتحدة بمقترحاتهاء وعلى مصر الالتزام والقبول 
وثيقة تسمى ب «محضر متفق عليه للمواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة وللملحقين الأول 
والثالث لمعاهدة السلام»» تنص إحدى مواده على ما يأتي: «يتفق الطرفان على الدول 
التي تتشكل منها قوات ومراقبو الأمم المتحدة؛ ويتم ذلك من الدول غير ذات العضوية الدائمة 
بمجلس الأمن التابع للامم المتحدة» وقد اتفق الطرفان على ما يأني: في حال عدم الوصول إلى 
بين الطرفين» في ما يتعلق بأحكام الفقرة الثامنة من المادة السادسة من الملحق الأول 
فإنهما يتعهدان بقبول أو تأييد ما تقترحه الولايات المتحدة في شأن تشكيل قوات الأمم المتحدة 
والمراقين». 

وللمزيد من السيطرة والهيمنة الأمريكية؛ أعطت المعاهدة الحق للولايات المتحدة في اتخاذ 
الإجراءات التي تراها مناسبة في حال التهديد أو الخرق للمعاهدة؛ كما وافقت على تولي 





















الولايات المتحدة الترتيبات الأمنية» وإمكان وجود قوة بديلة لقوات الأمم المتحدة تحت رعاية 
اليؤكد فيها رغية 


أمريكية» وهو ما جاء في الرسالة التي أرسلها كارتر إلى السادات وبيغ 
الولايات المتحدة ضرورة ضمان احترام المعاهدة؛ وقد نصت على الآني: 
أود أن أؤكد لكمء وذلك رهناً باستيفاء الإجراءات الدستورية في الولايات المتحدة؛ أنه في حال 
حدوث خرق» أو تهديد بخرق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؛ فإن الولايات المتحدة ستقوم 
بناء على طلب أحد الأطراف أو كليهما بالتشاور مع الأطراف في هذا الشأن» وسحخذ الإجراءات 
الأخرى التي تراها مناسبة لتحقيق الالتزام بهذه المعاهدة؛ وستقوم الولايات المتحدة بعمليات 
الاستطلاع الجوي. بناءً على طلب الأطراف؛ طبقاً للملحق رقم (1) من هذه المعاهدة. وتعتقد 











52 


الولايات المتحدة أن مواد المعاهدة الخاصة بتمركز أفراد الأمم المتحدة في المنطقة المحدودة 
التسليح يمكن ويجب أن تنفذ بواسطة مجلس الأمن التابع للامم المتحدة. وستبذل الولايات 
المتحدة قصارى جهدها للحصول على موافقة مجلس الأمن على هذا الإجراء. وإذا لم يتمكن 
مجلس الأمن من إقامة الترتيبات التي تتطلبها المعاهدة فإن رئيس الولايات المتحدة سيكون 
على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إنشاء واستمرار قوة بديلة مقبولة مكوّنة من دول 
'متعددة؟. 

لقد أصبحت رؤية مصر ومواقفها يتشكلان طبقاً لما يراه البك الدولي» وتأمر به المعونة 
الأمريكية» لان السادات عقد بالفعل «صفقة شاملة» مع «المنظومة الرأسمالية العالمية»» كما لم 
تعد لدى مصر إرادة في مواجهة التغلغل الإسرائيلي المعترف به شرعاء ولم تعد لديها المقدرة 
على مجرد إدانة الولايات المتحدة؛ فهي الراعي الرسمي للمعاهدة؛ والضامن الرئيسي لحرية 
سيناء. وبخاصة أن الولايات المتحدة تتولى القيادة الدائمة لقوات المراقبة الدولية: وفقاً 
للبروتوكول المرتبط بالمعاهدة الموقع في 3 آب/أغسطس 1؛ إذ أعلئت المعاهدة صراحة 
عن طواعية مصر للتعليمات الأمريكية: التي أكدت منذ اللقاءات التمهيدية أن الإدارة الأمريكية 
الن تقبل بأية ممارسات تهدد عقد المعاهدة. على الرغم من أن هذا يتعارض مع استقلال أية 
دولة» قد ترى في أية مرحلة من مراحل التفاوضء لعقد أية اتفاقية. أنه لو تعارض أحد بنودها مع 
مصلحتها فهي تملك الحق في الانسحاب. 

القد أعلنت مصرء من خلال المعاهدة. دعمها للولايات المتحدة في الصراع على موازين 
القوى العالمية. جعاتها الطرف الرئيسي والمباشرء بل الوحيد؛ في صياغة الموقف 
المصري من إسرائيل» وما لهذه الصياغة من تبعات, امتدت آثارها إلى مستقيل الوطن العربي» 
الذي أصبح يدور في الفلك الأمريكيء ووصلت الحال إلى أن أصبحت الأمة العربية مركزاً 
رئيسياً للقواعد العسكرية الأمريكية. 











و - التفريط في السيادة والاستقلال الوطني 

تُمَدُ المعاهدة نموذجاً واضحاًء لا يقبل اللبس أو التأويل» في انعدام السيادة لدولة على 
كامل أراضيها؛ بحيث جعلت العلاقة بين مصر وسيناء لا علاقة دولة بأرضها التي لا تتجزأ عنها. 
اتفاقيات ومواثيق وعهود دولية» إذا ما خالفت الدولة ينودها زع الأرض 
منها انتزاعاً شرعياً وفقاً للمعاهدة؛ أي أنه بناء على المعاهدة أصبحت سيناء مصرية بموجب 
معاهدة. وليس بموجب الحق التاريخي لمصر فيهاء وليس لأنها أرض مصرية. وتحتفظ سيناء 
بمصريتها ما دامت مصر تلتزم بالمعاهدة وتحترمها وتخضع لها. لقد قسمت المعاهدة سيناء إلى 
مناطق (1- ب ج)؛ كما حرمت مصر ممارسة سيادتها على جزء من أرضها اسمه سيتاء؟ 








52 


فلا تملك أن تحرك قواتها المسلحة إلى سيناء إلا بما أقرته وحددته المعاهدة التي جاء في 
ملحق (1): البرتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن ‏ المادة الثانية. بحيث 
حددت حجم القوات المصرية في المنطقة (1) بفرقة مث راحدةء ومنشآنها العسكرية» 
ألوية مشاة ميكانيكية. ولواء مدرع 
واحدء وسبع كتائب مدفعية ميدانية تحتوى على ما يصل إلى 126 قطعة مدفعية» وعدد 230 
دبابة» و480 مركبة أفراد مدرعة» وعدد 22 ألف فرد. أما المنطقة (ب) فلا يُسمح فيها إلا بوحدات 
مصرية من أريع كتائب؛ مجهّزة بأسلحة خفيفة ومركبات عجلء وتتكون العناصر الرئيسية 
اللكتائب الأربع من إجمالي 4000 فرد. وتحصيناتها الميدانية ومنشآنها العسكرية؛ وتعاون 
الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في المنطقة. أما المنطقة (ج) فلا يسمح فيها إلا 
بالشرطة المدنية المصرية فقطء وتسلح بأسلحة + وتتمركز فيها قوات الأمم المتحدة. 
هكذا أصبح الوجود المصري في سيناء» كماً وكيفاء مرتبطاً ومحدداً ومنظماً باتفاقية دولية. 

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد؛ بل أصبحت سيناء خاضعة للتفتيش والمراقبة من جانب 
قوات أجنبية متمركزة فيهاء ولا يحق لمصر أن تطرد ‏ أو تقرر - عدم وجود هذه القوات على 
أراضيهاء لأن المعاهدة لا تسمح لمصر بأن تقرر من يبقى على أراضيها ومن يذهب بعيدا !* 
تنص المادة الرابعة فقرة (2) على ما يأتي: 2 - يتفق الطرفان على تمركز أفراد الأمم المتحدة في 
المناطق الموضحة بالملحق الأول ويتفق الطرفان على ألا يطلبا سحب هؤلاء الأفراد. وعلى 
أن سحب هؤلاء الأفراد لن يتم إلا بموافقة مجلس الأمن التابع للامم المتحدة؛ بما في ذلك 
التصويت الإيجابي للأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس. وذلك ما لم يتفق الطرفان على 
خلاف ذلك». وقد استطاعت الولايات المتحدة وإسرائيل استبدال القوات التابعة للأمم المتحدة 
.بقوات متعددة الجنسيات. تتولى الولايات المتحدة قيادتها الدائمة» وذلك وفقا للبرتوكول 
الموقع في 3 آب/أغسطس 1980. المضاف إلى وثائق المعاهدة ومستنداتهاء كما منعت 
المعاهدة مصر من إقامة مطارات حريية في سيناء» وسمحت لها بإنشاء مطارات مدنية فقطء 
بحيث تنص المعاهدة في ملح )١(‏ البرتوكول الخاص بالاتسحاب الإسرائيلي وترتييات 
الأمن ‏ المادة الشالشة فقرة (5) على الآد يمكن إنشاء مطارات مدنية فقط في هذه 
المناطق»» وفي ملحق (3) برتوكول في شأن علاقات الطرفين ‏ جاء في المادة السادسة 
(2): «توافق مصر على أن المطارات الواقعة بالقرب من العريش ورفح ورأس النقب وشرم 
الشيخ. التي سوف تخليها إسرائيل» يكون استخدامها للأغراض المدنية فحسبه بما في ذلك 
إمكان استخدامها تجارياً بواسطة كافة الدول». 































القد رسخت المعاهدة مشروعية وجود قوات أجنية على أرض عربية؛ تحمل الشارة الأمريكية 
وتحمي إسرائيل» فتحول الوطن العربي إلى ساحة تتمركز فيها القواعد الأمريكية» وميدان 


52 


تدريب للاسلحة الأمريكية» وأصبح مباحاً لاجتياحات إسرائيل» وطلعاتها الجوية؛ دفاعاً عن 
وجودهاء الذى أقرت المعاهدة بشرعيته. 


از صياغة سياسة مصر الخارجية بما لا يخالف المعاهدة 

امتد التفريط في السيادة والاستقلال الوطنيين إلى تقييد سياسة مصر الخارجية: التي تُعتبر 
أبرز مظاهر السيادة والاستقلال الوطنيين؛ بحيث فرضت المعاهدة قيداً على صياغة التوجهات 
والعلاتات المصرية. سواء عربياً أو عالمياًء فلا يجوز لمصر أن تدخل في أي التزام من أي نوع 
يتعارض مع بنودهاء وهو ما ذكرته المادة السادسة فقرة (4): «يتعهد الطرفان بعدم الدخول في 
أي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة». وجاء في فقرة (5) من المادة نفسها: «مع مراعاة المادة 
(103) من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان يأنه في حال وجود زامات الاطراف 
بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى. فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة 
تكون ملزمة ونافذة»: أي انه لايمكن لمصر أن تبرم اتفاقاً أو معاهدة. أو تنخذ موة 
المعاهدة. وفي إعلان صريح عن سلب الإرادة» وهدم أي شكل من أشكال الاستقلال الوطنيء 
ألزمت المعاهدة مصر بأن تقيم علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع إسرائيل؛ لتكون 
التكليف الذي لا يقبل النقاشء وهو ما نصت عليه المادة الغاك الطرفان على أن 
العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية 
والاقتصادية و١‏ وإنهاء المقاطعة الاقتصادية: والحواجز ذات 0 التمييزي المفروضة 
ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتّم مواطني الطرف الآخر. 
الخاضعين لاختصاصه القضائي. بكل الضمانات القانونية» ويوضح البروتوكول الملحق بهذه 
المعاهدة (الملحق الثالث) الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها بالتوصل إلى إقامة هذه 
العلاقات وذلك بالتوازي مع تنفيذ الاحكام الأخرى لهذه المعاهدة. وجاء في ملحق (3): 
بروتوكول في شأن علاقات الطرفين». المادة الأولى «يتضق الطرفان على إقامة علاقات دبلوماسية 
وقنصلية وتبادل السفراء عقب الانسحاب المرحلي؟ وتنص المادة الثانية فقرة (1) و(2) التي 
على الآني: 

٠١‏ يتفق الطرفان على إزالة جميع الحواجز ذات الطابع التمييزي. القائمة في وجه العلاقات 
الاقتصادية العادية» وإنهاء المقاطعة الاقتصادية لاي منهماء وذلك عقب إتمام الانسحاب 
المرحلي». 

8 يدخل الطرفان في مفاوضاتء في أقرب وقت ممكنء وفي موعد لا يتجاوز ستة شهور 
بعد إتمام الانسحاب المرحلي؛ وذلك بغية عقد اتفاق تجارة يستهدف إنماء العلاقات الاقتصادية 
ذات النفع المتبادل بينهما». وجاء في المادة السادسة من الملحق نفسهء فقرة (4): #يدخل 


























524 


الطرفان في مفاوضات في أقرب وقت ممكنء وفي موعد لا يتجاوز ستة شهورء بعد إتمام 
الانسحاب المرحلي. وذلك لغرض إبرام اتفاق طيران مدني». 

القد حددت المعاهدة لمصر نوعية الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمهاء وأجبرتها على إجراء 
اتفاقيات بعينها مع طرف بعينه. كما أجيرت مصر على مسار واحد لا تحيد عنه في علاقاتها 
العربية والدولية؛ وفي مواقفها السياسية من القضايا المطروحة؛ أو التي طرحت؛ أو حتى ستطرح 
مستقبلاً. القد منعت المعاهدة مصر من أي التزام أو اتفاق يتعارض مع بنودها أو يخل بها. لقد 


حرمت مصر أن تمتلك إرادة حرة تحدد بها مواقفها والتزامانها وتوجهاتها واختياراتها. 





ح ‏ تفكيك الاقتصاد الوطني وسيطرة رأس المال على الدولة 

كي يكون المجتمع المصري مهي للممامدق وللترويج لهاء وضمان تأيدهاء كان لاابد من 
ادية مؤيدة للتسوية؛ تتضمن وجود طبقة ترتبط مصلحتها بالمعاهدة. 
بلع الم يكن أفضل من خلق طبقة رجال الأعمال. وتحويل مصر إلى سوق مفتوحة؛ ومعرض 
اللمسثمر الاجنبيء وإيهام المواطن بأء زدهار حاضره ومستقيله مرهون بتشجيع الاسثمارات» 
واستقطاب السوق لرجال الأعمال» وهذا لن يتحقق إلا بالاستقرار الذي يرتبط بإنهاء حال 
الحرب. لن يحدث هذا إلا بالمعاهدة. وقد تطلب هذا التحول إجراءات عملية. بدأت قبل 
المعاهدة بسنوات؛ بصدور «قانون اسثمار رأس المال العربي والأجنبي, رقم 43 لسنة 1974 
الذي اشتهر الانفتاح الذي فتح الباب على مصراعيه للاسثمار الأجنبي على حساب 
الصناعات الوطنية. 

واتجهت الدولة إلى تفكيك القطاع العام وتخريبه. والترويج للقطاع الخاصء 

















لايملك اقتصاد لاايملك قررة. والمواطن عانى بدوره من التشريد والبطالة. . هكذا شلب حقة 
في حياة آمنه كريمة؛ وأصبح قُوْت يومه مرهوناً بمزاج صاحب العمل» المستظل بحماية الدولة. 


ومع وجود طبقة ترتبط مصالحها وتوجهاتها بحسابات الربح والمكسبء كان طيعياً أن ترتبط 
بالولايات المتحدة؛ وتؤتمر بأمرهاء فهي مصدر هذا الربح وراعيه. 

وبدأ الترويج لشعارات من نوعية رأس المال لا دين له ولا وطنء وذلك التزاماً من مصر 
تجاه أوامر المعاهدة التي أقرت في ملحق (5): بروتوكول في شأن علاقات الطرفين ‏ المادة 
العاء (2) ما يأتي: «يدخل الطرفان في مفاوضات في أقرب وقت ممكنء وفي موعد 
لاايتجاوز ستة شهور بعد إتمام الانسحاب المرحليء وذلك بغية عقد اتفاق تجارة يستهدف 
إنماء العلاقات الاقتصادية ذات النفع المتبادل بينهما». كما ورد أيضاً في وثيقة: «محضر متفق 








525 


عليه للمواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة وللملحقين الأول والثالث لمعاهدة السلام»؟ 
.بحيث ينص البند الخاص بالملحق الثالث على الآني: «الملحق الثالث معاهدة السلام 
والملحق الثالث لها على ن الأطراف» ووفقاً لهذا فقد انفق 
على أن هذه العلاقات سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من النفط من مصر إلى إسرائيل؛ وأن 
يكون من حت إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء النفط المصري الأصلء الذي لا تحتاجه 
مصر لاستهلاكها المحلي؛ وأن تنظر مصر والشركات التي لها حق اسكمار نفطهاء في العطاءات 
المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمي العطاءات الآخرين لهذا 
النقط». 

القد كان من أهم ضمانات المعاهدة أن تتحول مصر إلى سوق مفتوحة؛ وأن تخلي الطريق 
للاستثمار الأجنبي. كي يعبث باستقلال الوطن وإرادته الحرة» وأن تتحول مقاليد الأمور إلى 

طبقة رجال الأعمال. وكانت التيجة أن استشرى النهب والفاد والاحتكار وسيطرة رأس المال 
على السلطة والقرار. ولم يجن المواطن سوى انتشار حدة البؤس والفقرء وتدني مستوى 
المعيشة» وأصبح حقه في العمل والرعاية الصحية والتعليم خاضعاً لرؤية أصحاب رأس المال 
وتقيمهم. بعد أن وجهت الدولة طاقاتها وأجهزتها لخدمته ونيل رضاه. 








ط ‏ المعاهدة من المبادئ فوق الدستورية لا يجوز المساس بها 

استطاعت المعاهدة أن تعيد صياغة مصر بما يتناسب مع التعهدات التي ألزمتها بهاء كما 
تمتعت المعاهدة بحصانة وقوة» فلا مساس بهاء ولا اقتراب منها. ولعل ما حدث في جلسة 
مجلس الشعب. التي انعقدت لمناقشة المعاهدة والتقرير الخاص بها من قبل لجنة العلاقات 
الخارجية والشؤون العربية والأمن القومي بالمجلسء شاهد ودليل على أنه لا مساس بالمعاهدة» 
ولا صوت يعلو فوقهاء سواء ما دار في الجلسة التي انعقدت على مدار يومين (0-9/ نيسان/ 
أبريل 1979)؛ من عدم السماح لمعارضيها بعرض وجهات نظرهم وأوجه نقدهم. وأسباب 
رفضهمء وتعمد مقاطعتهم. أو نتيجة التصويت عليها؛ والتي أسفرت عن موافقة الأغلبية (329 
عضواً)» في مقابل 15 رفضوهاء وامتناع عضو واحد من التصويت» وغياب ١3‏ عضواً. لكن لأنها 
المعاهدة التي لا يجوز الاعتراض عليها أو التشهير بهاء كان قرار السادات في اليوم التالي؛ 1١‏ 
نيسان/أبريل» هو حل المجلس» حتى لو كان قد وافق بالأغلبية الكاسحة على المعاهدة» وحتى 
لو كان منحازاً إليها قامعاً معارضيهاء. أنه ما دام الذين عارضوها وصلوا إلى هذا العدد الضخم 
(15 عضواً) وجب حل المجلس! احتراماً وتقديراً للمعاهدة. لقد حلت المعاهدة مجلس الشعب 
لأنه تجرأ ولم يوافق عن بكرة أبيه» وقررت المعاهدة أن تحافظا على هيبتهاء فعصفت بالجميعء 
بمن واف ومن لم يوافق» ومن امتنع ومن غاب لعله يكون درسا في تعلم فنون الطاعة الكاملة. 





526 


وعلى عكس أية دولة ترى في صياغة الدستور انعكاساً لرؤيتها وتوجهها وقيمها ومبادئهاء 
ويجب احترامه والعمل وفقاً له. كانت المعاهدة هي التي تصوغ رؤية مصر وتوجهها ومواقفها. 
ولها الحق في أن تخرج على الدستورء وهو حق أصيل لها من دون سواها. فإن أقر الدستور أن 
الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة؛ فإن المعاهدة عزلت 
مصر عن أمتهاء من ناحية» وفرطت في وحدة الأمة العربية؛ عندما اعترفت بإسرائيل واعترفت 
بحقها في الأرض العربية: من ناحية أخرى. 

وأياً كانت رؤية الدستور لشكل الاقتصاد, فإن المعاهدة قررت أن تكون مصر سوقاً مفتوحةء 
ومرتعاً للاستثمارات الاجنبية؛ وتخضع لسيطرة رأس المال. لقد وضعت المعاهدة قواعد لمصر 
في عقدها المعاهدات لا تخرج عنهاء وحددت لها مجموعة من الاتفاقيات لا يد من إتمامهاء 
رغماً عن أنف الدستور ومجلس الشعب والرأي العام. إن إقرار الدستور في مواده بأن الملكيات 
العامة والتعاونية تتخضع لرقابة الشعب. وتحميها الدولة: هو إقرار لا قيمة له. بحيث تعرضت 
هذه الملكيات للتخريب والبيعء وتم التفريط فيهاء لأنها لن تتوافق مع الصياغة الجديدة لمصر 
تحت لواء المعاهدة. 

إن حرص الدستور على وجود نص لحلف اليمين لرئيس الجمهورية؛ ونائبه. وعضو مجلس 
الشعب. وأعضاء الوزارة. وهو نص صريح على احترام الدستور والقانون. ورعاية مصلحة 
الشعب. والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه. لم يمنع المعاهدة ث بهذ 
فهي التي انتهكت الدستور والقانون. ومن أجلها جرى تخريب وسائل الإنتاج المملوكة 
للشعب. لمصلحة الملكيات الفردية وسيطرة رأس المال. وهي التي أقرّت بعدم سيادة مصر 
على كامل أراضيهاء وعدم استقلال القرار والإرادة السياسية. 

















ي ‏ مشروعية سيل الارتباطات التي انفقت على التفريط والخضوع 

إن الجلوس مع إسرائيل والتفاوض معهاء وعقد معاهدات, وتقديم تنازلات» وطرح 
مبادرات. هو الطريق الذي وضعت المعاهدة علاماته لتكون دللا ومرشدا لمريديه. الذين 
استندوا إلى المعاهدة التي مثلت المشروعية والقاعدة لكل من اختار طريق التنازلات؛ وجلس 
خانعاً خاضعاً أمام العدو. لقد أعطت المعاهدة إشارة البدء لماراثون الأنظمة؛ لييدأ سيل من 
المبادرات والاتفاقيات والمعاهدات. التي قد في الاسم والتفاصيل؛ لكنها اتفقت جميعاً 
على هدف واحد هو التفريط في فلسطين؛ والانحناء أمام إسرائيل» والخضوع للولايات 
المتحدة, والتفريط في السيادة والاستقلال الوطني. وكلها تنازلات تستمد مشروعيتها من 
مشروعية المعاهدة. وتكتسب صدقيتها من صدقية المعاهدة. وتعترف بالفضل والريادة 
للمعاهدة. 








527 


القد تحول الصراع العربي ‏ الإسرائيلي إلى صراع بين الأنظمة العربية» لطرح مبادرات وعقد 
معاهدات تكرّس الهوان, مثلما كانت الحال في مؤتمر مدريد عام 1991» الذي تمخض فتولدت 
عنه اتفاقية (أوسلو )١‏ عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الرغم من أن 
المفاوضات بدأت في مؤتمر مدريد. وجرت وقانع المعاهدة في أوسلو بالنرويج؛ فإن التوقيع 
كان لدى الراعي الرسمي الأمريكي في واشنطنء واستمرت أوسلو لتنجب أوسلو أخرى أطلق 
عليها (أوسلو 2): التي جرت وقانعها في طابا والتوقيع كالعادة في واشنطن. 

وانطلقت مملكة الأردن مهرولة نحو إسرائيل لتوقع معها انفاقية رسمية باسم «معاهدة وادي 
عربة»؛ عام 1994. وعندما أعلنت المقاومة الفلسطينية أن السلاح هو الحلء ولا بديل من 
المقاومة والكفاح الاسترداد الأرضء كان الملا في شرم الشيخ عام 1996 يتآمرون علانية؛ من 
خلال مؤتمر أطلقوا عليه اسم "مكافحة الإرهاب». وأطلق عليه البعض الآخر «مؤتمر صائعي 
السلام»؛ وكانت الولايات المتحدة في صدارة المؤتمر» وكانت إسرائيل في مقدمة الحضور 
بصفتها من المتضررين من «الإرهاب». وتسابقت الأنظمة العربية على الحضور وتأكيد إيماتهم 
بحق العدو في الأمن والأمان. الذي لن يتحقق إلا بمزيد من العنف والبطش ضد المقاومة 
الباسلة. 





واستمرت التنازلات اسم «واي ريفر». وتارة باسم «مبادرة السلام العربية»: وأحياناً 
بمسمى "إسراطين». وانطلقت الأنظمة العربية مهرولة على طريق كامب دبفيد؛ وصار كل 











يتباهى بمبادرته. وكل يفتخر بتنازلاته. وأصبحت فلسطين وليمة دسمة في معاهدات التفريط. 
وصارت الارض العربية تُنتهك وتُستباح على موائد التسوية. وتصافحت الأيدي على حساب 


الأمة. واستمرت الطريق التي أسست المعاهدة معالمها. 


ك ‏ الاعتراف بحق القوى الطائفية في الانفصال وإقامة دولة طائفية 

دائماً هناك مخططات جاهزة؛ تنفد باسم الطائفية أو العصبيات أو العرقيات؛ تثيرها 
وتستخدمها الأنظمة المستبده في بعض الأوقات» تمريراً لإجراءات قمعية, أو تبريراً لممارسات 
تنسم بالقسوة والعنف. والحال نفسها بالنسية إلى القوى الاستعمارية التي تستخدمها وفق قاعدة 
وتنفيذاً لمخططات تستهدف بلداً ما أو أمة ماء بغرض إضعافها وتقيمها وإثارة 
الاضطرابات داخلهاء وثم السيطرة عليها وإخضاعها. 

جاء اعتراف مصر بإسرائيل لُكسب هذه المخططات شرعية» وصار من حق كل جماعة 
تتكون من أفراد يجمعهم رابط ما أن تنادي بحقها في إقامة دولة» ثم تستأصل قطعة من الوطن 
الذي تجد فيه مرتعاً وتعلنه دولة؛ ثم تقابل باعتراف. وتعقد معها اتفاقيات. ولها في نموفج 
إسرائيل مثال وعبرة» إذ أسست بة أركانها على فكرة إقامة وطن قومي لليهود. كما أن 














528 


المفكر اليهودي النمساوي نائان برنام. الذي يديئون له بالفضل في المصطلح والدعوة» قد 
عرّف الصهيونية بأنها نهضة سياسية .ف عودتهم الجماعية إلى فلسطينء كما أكد 
أن الصهيونية ترى أن القومية والعرق والشعب شيءٌ واحد. إضافة إلى دعم أثرياء اليهود أمثال 
روتشيلد ومنتيفيوري و«جمعية أحباء صهيون» و«الوكالة اليهودية» و«المنظمة الصهيونية 
العالمية». في العمل على استيطان اليهود في فلسطين» وتشجيع الهجرة إليهاء وممارسة وسائل 
عدة ساهمت في تطور الحركة الصهيونية؛ ووصل بها المطاف إلى اغتصاب أرض عربية هي 
فلسطين؛ وإعلاتها دولة لهم. وصولاً إلى اعتراف مصري بشرعية دولتهم. وإنكار الحق العربي 
في الأرض. ثم تتوالى الاعترافات العربية والاتفاقيات والمبادرات التي تشرّع وتقر بالحق 
الصهيوني في فلسطينء وتنكر على الفلسطينيين عرويتهم وحقهم في وطنهم. 








ل نشوية الهوية العربية والقضاء على العقيدة القتالية العربية 

إن الاعتراف بإسرائيل» وإقرار حقها في فلسطين؛ كانا بمنزلة صدمة تربوية وفكرية وعقائدية 
اللمواطن العربي. الذي عاش وترعرع وتربى على وثقافة - مقاومة إسرائيل» وأنه لا بديل 
من استرداد فلسطين العربية. لقد عملت المعاهدة على تشويه إيمان المواطن العربي وتشويشه: 
ليس بحقه في فلسطين فحسبء بل في عروبتها من الاساس. إن المواطن الذي كان يمني نفسه 
دوماً بحمل السلاح ضد عدو طالما تفاخر بارتكابه شتى المجازر ضد العرب وأبشعهاء وسلب 
أرضهمء واستباح مقدراتهمء وانتهك حرماتهم. وجد النظام بلا خجل يمد يده لمصاقحة هذا 
العدوء ومستعداً لتقديم كافة التنازلات سعياً لنيل رضاء. واتقاء شره. 

في الوقت الذي يهتف الشعب العربي ياسم فلسطين العربية؛ أعلنت المعاهدة؛ كما أوسلو 
لاحقاًء أن فلسطين دولة للعدو الصهيوني. وفي الوقت الذي يفخر فيه الشعب العربي 
بالمقاومة؛ أعلنت المعاهدة؛ كما أوسلوء أنها الن تسمح بأعمال عدائية ضد إسرائيل. 1 
كان راسخاً في الوجدان أن لا حرية لوطن ولا سيادة في ظل وجود قوات أجنبية على أرضه» 
جاءت المعاهدة لترحب بوجود قوات في سيناء» وتفرر هي طبيعة العلاقة ين مصر وقطعة من 
أرضها. أما الجندي المقاتل الذي يتدرب على خوض المعارك وفق قتالية لا تقبل 
التهاون في حت الوطن؛ ولا تعرف التنازل عن شبر من أرضه. ولا تؤمن إلا بالشهادة طريقاً 
للنصر؛ فوجئ بأن الدم المراق أصبح مستباحاً على موائد التفاوضء وأن الأرض قابلة 
اللتفاوض. وأن لا صوت يعلو فوق صوت التفاوض والمهادنة؛ وأن الخضوع والركوع أمام 
العدو ليسا عاراً. وأصبح معتاداً ومألوفاً أن يرى القوات الأجنبية تطأ أرضه؛ ولا يخطو خطوة 
إلا بأمرهم وتعليماتهم. وفي اللحظة نفها التي يشاهد فيها المجازر الصهيونية تستبيح بني 
وطنه. يرى قادته يجالسون هؤلاء القتلة. ويشربون معهم نخب الوطن. لقد سمع هذا الجندي 











529 


المقائل وهو في ساحة المعركة أن إسرائيل تصلها إمدادات ومعونات» وعلم كما علم الجميع 
بأن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء هذه الإمدادات والمعوئات» لم يكن سراً ولم يكن 
تخميئاً؛ فالولايات المتحدة هي التي أعلنت ذلك؛ وهددت بها علانية» واليوم صارت الولايات 
المتحدة هي الصديق, وهي صاحبة النصح والرشد؛ وهي من انتمنتها مصر على الارض» 
وأعطتها مفاتيح سيناء. 

اليوم صار الوطن العربي سوقاً تجارية» وقاعدة عسكرية أمريكية, لقد صار حمل السلاح في 
وجه العدو جريمة, والمقاومة رعونة ومغامرة. في ظل المعاهدة صارت كل قيم النضال والجهاد 
والكفاح من أجل حرية الوطن جريمة يعاقب عليها القانون. كل هذه مفاهيم وتعاليم مشوّهة 
ومتناقضة ومشرّشة» وهو ما سعت إليه المعاهدة لمحو الهوية العربية: والقضاء على ثقافة 
المقاومة؛ لذا كان لا بد من جيل يقرأ التاريخ وفقاً للتأريخ الصهيوني» ويرى ثقافته من المنظور 
الأمريكي؛ جيل يرى المساومة على الدم مهارة» والتفاوض على الأرض ذكاةء والخضوع أمام. 
العدو حكمة؛ والاستعانة بالاجنبي دهاءً. ويرى الانفصال عن الأمة حقاً وضرورة. لذاء كان لا بد 
من إقامة علاقات ثقافية مع إسراتيل» كي تكتمل الدائرة وتصير أكثر إحكاماً. وهو ما أقرته 
المعاهدة في ملحق (3): بروتوكول في شأن علاقات الطرفين ‏ المادة الثالثة ‏ فقرة )١(‏ و(2)» 
التي تنص على الآتي: 

«الفقرة (1) يتفق الطرفان على إقامة علاقات ثقافية عادية؛ بعد إتمام الانسحاب المرحلي. 

الفقرة (2) يتفق الطرفان على أن التبادل الثقافي» في كافة الميادين» أمر مرغوب فيه وعلى 
أن يدخلا في مفاوضات. في أقرب وقت ممكن. وفي موعد لا يتجاوز ستة أشهر بعد إتمام 
الانسحاب المرحليء بغية عقد اتفاق ثقافي». كما أقرت تبادل السفراء وإقامة علاقات 
دبوماسية؛ وهو ماجاء في الملحق نفسه في المادة الأولى: «يتفق الطرفان على إقامة علاقات 
دبلوماسية وقنصلية وتبادل السفراء» عقب الانسحاب المرحلي». وهو نفه ما أكدته إحدى 
وثائق المعاهدة؛ وهي رسالة من السادات إلى كارتر في شأن تبادل العلاقات الدبلوماسية بين 

اثيل: عزيزي السيد الرئيس ‏ استجابة لرجانكم. أستطيع أن أؤكد أنه في خلال شهر 

ام انسحاب إسرائيل إلى الخط المؤقت طبقا لمعاهدة السلام بين مصر 
وإسرائيل» فإن مصر سوف ترسل سفيراً مقيماً لدى إسرائيل» وسوف تستقبل سفيرً إسرائيليا 
مقيما بمصر». 

وفي النهاية إن كانت الحرب تخلّف وراءها حطاماء لكن يبقى الوطن محتفظاً باستقلاله 
وسيادته وعزته. فإن التفاوض على الوطنء والمساومة على الدم والتفريط في الأرضء لا تجني 
سوى العار. 

























د 


2 أهداف إسرائيل من المعاهدة 

كانت اتفاقيتا كامب دايفيد اللتان وقعهما السادات مع إسرائيل عام 01978 وما ترتب عليهما 
من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. بمنزلة بداية لعصر جديد في السياسة الخارجية 
المصرية» ليس إزاء إسرانيل فحسبء بل في ما يتعلق بالدول العربية» والقرى الإقليمية والدولية 
أيضاً. 

وخلال السنوات الماضية منذ الشورة في كانون الثاني/يناير 2201١‏ استدعى المصريون - 
نخبة ورأياً عاماً ‏ معاهدة «السلام» المصرية الإسرائيلية. و«السلام مع إسرائيل بصفة عامة إلى 
مائدة حواراتهم اليومية كما لم يحدث من قبل ونال المعاهدة ما نالها من شرح وتفسير وتحليل 
وانتقادات. وتزايدت الدعوات إلى ضرورة إلغانهاء أو تعديلها. على الأقلء بما أعاد إلى الأذهان 








الفترة التي تلت توقيع الاتفاقية والمعاهدة قبل ما يزيد على أربعين عاماً. مضافاً إلى ذلك؛ هذه 
المرةء عودة الحديث عن احتمالات اندلاع مواجهات بين مصر وإسرائيل» وبخاصة في حال تم 
إلغاء المعاهدة. 


وقد تطورت الأمور عقب الثورة إلى أن لجأ البعض إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري 
للمطالبة بإلغاء المعاهدة» على اعتبار أنها تقيد حرية مصر وسيادتها داخل سيناء لمصلحة 
إسرائيل» إلا أن محكمة القضاء الإداري قد حكمت برفض تلك الدعوى في 30 تشرين الأول/ 
أكتوبر عام 2012 معللة ذلك بأن المعاهدة هي عمل من أعمال السيادة التي يختص بها رئيس 
الجمهورية» وبالتالي فهي تخرج عن نطاق إشراف القضاء. 
عانت العلاقات المصرية ‏ الإسرائيلية؛ أو بالأحرى «معاهدة السلام». عبر 
أكثر من أربعين عاماًء عدداً من العقبات أو التحديات,. التي يتمثل أهمها بما يأتي: 

أولاً. المحاولات الإسرائيلية المتكررة لاختراق الأمن القومي المصري. عبر محاولاتها 
توظيف العديد من الجواسيسء وشبكات التجسس على مصر. 

ثاني محاولات إسرائيل الحد من قدرات مصر العسكرية وممارسة ضغوط عليها في هذا 
الإطارء وبخاصة مع الولايات المتحدة, التي أصبحت المصدر الأساسي للتسليح المصري. 








وبصفة عامق. 












وسورية؛ إذ كان فشل اتفاقيتي كامب دايذ 
السنوات التالية لتوقب قبع المعاهدة ستشهد كثرا من الركود والإحباط في مسار حل تلك 3 
بكل تداعياتها على العلاقات المصرية ‏ الإسرائيلية» وبخاصة أن منظمة التحرير الفلطينية قد 
انظرت إلى اتفاقيتي كامب دايفيد ومعاهدة «اللام» المصرية ‏ الإسرائيلية بأنها تشكل كارثة. 
لا سبيل لحد آثارها السلية في القضية الفلسطينية. 


اذى 


رابعاًء تمثل السعي الإسرائيلي للحد من الدور الإقليمي لمصرء والتأثير فيهء ومحاولة 
إسرائيل الهيمئة على المنطقة العربية» من خلال طرح فكرة مشروع «نظ ام الشرق الأوسطى. 
الذي يقوم على محاولة إسقاط النظام العربي» عبر إعادة هيكلة المنطقة وإقامة نظام إقليمي 
جديد لها فيه موقع الريادة. 

خامساًء الصورة النمطية السلبية التي تكونت لدى الرأي العام المصري عن إسرائيل» بصفتها. 
دولة عنصرية عدوانية توسعية. على القوة العسكرية والعدوان على الآخرين. فهي مجتمع 
صّمم بحيث يكون في حال حرب دائمة» وهي الصورة التي أسهمت السياسات الإسرائيلية ف 
تدعيمها عبر الأعوام الأربعين الماضية» بل إن تلك السياسات قد فرضت حالاً من التوتر الدائم 
على العلاقة بين الجانبين. وهو الأمر الذي جعل العلاقات المصرية ‏ الإسرائيلية دائماً أسيرة 
سحابة لا تنقشع من الريبة والشكوك بين الجانبين. 

تلضكه يأني تحدي عدم الاستقرار في المنطقة؛ ودور إسرائيل في ذلك بحيث شهدت 
المنطقة حروباً وتوترات عدة» مثل حروب الخليج. وانتفاضتين 
إسرائيلية ضد قطاع غزة. وحرب لبنان. والثورات العربية وما تمخض عنها من انفلات أمني في 




















سيناء. 
أخيراًء استمرار الجدال بشأن المعاهدة بين الإلغاء والتعديل؛ وأيضاً بشأن جدواهاء وبخاصة 
في ظل الحديث عن المعونة الأمريكية, والالتزامات الأمريكية بموجب المعاهدة؛ وتفجير خط 





الغاز عقب ثورة كانون الثان ي/ينايرء والهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة. وعدم تحقق 
وعود الرفاهية الاقتصادية للمصريين» جراء «السلام»؛ وربما الجدال والانقسام بشأن فكرة 
«اللامء نقها. 

إن من الثايت تاريخياً أن الحركة الصهيونية تعمل دائماً وق مخططات طويلة الأمد. والعبرة 
دائماً في الوصول إلى النتائج» فكان الهدف من المعاهدة هو العمل على القضاء على الدور 
المصري نهانياً. والسيطرة على مصرء بعيداً من الأعمال العسكرية. من خلال العمل على عدة 
محاور أساسية! 

المحور الأول؛ أن إسرائيل بعد حرب عام 1967» وبالتكلفة التي لحقتها في حرب الاستنزاف» 
وما الحقها من يعات نوكت" أن موةهتها المشكزيا:ع معن خاقة وبافظة الخلفة: وأن كنا 
الها نتائج حقيقية حقيقية سياسية أو عسكرية على أرض الواقع» وتأكد ذلك بعد الانتصار العسكري 
العربي في حرب عام 1973ء ثم بدأ العمل على تحطيم دور مصر في المنطقة؛ وعزلها عن أمنيها 








كتاب الوعي العربي (سبنسير بلول 3017). انظر 


52 


العربية والإسلامية؛ وحصارها بعدد من البنود التي تجعل لإسرائيل الحجة الدولية باللجوء إل 
غذ شروطهاء وتنقض عهودهاء 
يأ كبيراً معهاء وفي الوقت نفسه جعل زمام المبادرة. 

والتفوق ميدانياً لمصلحة إسرائيل. لذلك جرى الاتفاق على أن يكون أكثر من ثلثي مساحة 
سيناء منزوع السلاحء وهو ما يضمن لها الخطوة الأولى في حال إعادة الاحتلال بعد تدمير 
مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. 

المحور الثاني؛ عدم ا والاكتفاء فقط ببعض مشروعات السياحة؛ التي فكرت فيها 
إسرائيل في جنوب سيناء» وأن يظل وسط سيناء وشمالها مهجورين. مع العلم بأن سيناء بها من 
المعادن التي لو استغلت لنقلت مصر نقلة نوعية وصناعية كبرىء وأن أهالي هذه المناطق. لشدة 
الفقرء لا بد من أن يكونوا صداعاً دائماً وأبدياً في رأس الحكومة المصرية. وحتى لا تنتقل 
الكثافة السكانية ا ل ا م ا 01 
شوارعء لآن الوقائعم والتاريخ تنبت أن هذه النوعية من الحروب لا تستطيع تحملها 
النظامية, لأنها تحتاج إلى عدد كبير من المقاتلين» يتتقلون من شارع إلى آخر. ومن 
آخرء وهو ما لا يستطيع الإسرائيليون صنعه لاسباب كثيرة. 

المحور الثالث, أن تنم زيارات سياحية دائمة ومتكررة من اليهود في إسرائيل» ومن كل أنحاء. 
العالم» إلى سيناء لتذكيرهم بادعائهم أنها «جزء لا يتجزأ من أرض الميعاد»؛ وتخلق نوعاً من 
الحنين والرغبة ليكونوا نفسياً لقرار إعادة احتلال سيناء في أي وقت. بل لقد امتد الأمر 
إلى إعفائهم من تأشيرة الدخول إليها! والدليل على ذلك هو استطلاع للرأي ظهر في منتصف 
شهر آذار/مارس 2009 في إسرائيل» وأبدى فيه كثير من الإسرائيليين بنسبة 89 بالمئة رغيتهم 
الملحة في إعادة احتلال سيناء مرة أخرى. 

المحور الرابع» القضاء على دور مصر من خلال استخدام المعاهدة. ووضعها كسكين ذات 
نصل حاد على رقبة مصر دائماً وأبداً. عن طريق بيع القطاع العام وهدمه. وجعل الملكية في 
المشروعات الكبرى في أيدي أفراد لا في يد الدولة. متعلمين من درس القطاع العام بعد عام 
97 بحيث إن المشروعات الكبرى التي أقامها جمال عبد الناصر: الحديد والصلبء الد 
العالي» شركات النصر لصناعة السيارات والتعدين؛ الفوسفات, كيماء الغزل والنسيج» 
الحاويات» مجمع الالومنيوم» وسواها؛ كل هذه المشروعات التي كانت تمتلكها الدولة؛ ني 
صورة القطاع العام؛ هي التي مولت المجهرد الحربي المصري بعد الضربة الموجعة في عام 
1967 وهي التي جعلت الاقتصاد المصري يتماسك. وأن يحوّل كل دخله لإعادة بناء القوات 
المسلحة. ووضع مصر بشكل اقتصادي مطمئن. وكذلك الدور الرائع الذي أدّته البنوك الوطنية» 
من إعادة استثمار أموال المودعين في مشروعات تخدم المجهود الحربي؛ وأن تعود عائداتها 
















7 











ددى 


لمصلحة الدولة المصرية» لا لمصلحة أفراد يحولون كل أموالهم أولاً بأول إلى الخارجء فهذا 
يعني أنه لا اقتصاد عند المواجهة. وحتى البنوك التي تنم خحصخصتها وبيعها تضع أموال مودعيها 
وتستثمرها في خارج مصرء أي أنه انهيار لمفهوم اقتصاد الدولة من الداخلء فلا دولة ولا تنمية 
ولا تطوير ولا صناعة ولا زراعة» وتكون الحال إلى ما آلت إليه مصرء ويخاصة في عهدي 
السادات ومبارك وأن الاستمرار في هذه السياسة سوف يقضي نهائياً على الدولة المصرية. 






وحينها لن تضيع سيناء فقط؛ بل تضيع الصحراء الشرقية كاملة؛ وينحصر المصريون في الجانب 
الغربي من نهر النبلء تحقيقاً لاسطورة «أرض الميعاد من النيل إلى الفرات». 


المحور الخامس» وهو التخطيط الدقيق الذي تقوم به الحركة الصهيونية» فهي تخطط جيداً 
على الأمد الطويل: ولا تخفى «برتوكولات حكماء صهيون» في هذا السياقء التي وُضعت في 
أواخر القرن السابع عشرء وجرى تنفيذها في أوائل القرن التاسع عشر وحتى الآن. لقد استغلت 
إسرائيل» بشكل ثاقبء المعاهدة» التي أعطتها في مصر ما لم تستطع تحصيله من ثلاث حروب 
مجتمعة عام 1948 وعام 1956 وعام 1967, وهو وضع منهجية العمل السياسي وتحديدها في 
مصر. فإن من يعمل في السياسة في مصرء ويكون صاحب القرار» لا بد من أن يكون ممن يقبل 
بإسرائيل» ويقبل العمل معهاء والتطبيع معهاء سواء كان نظاماً رسمياً أو معارضاً. بل إن قانون 
إنشاء الاحزاب المصرية اشترط؛ لإنشاء أي حزب سياسيء أن يكون من ضمن شروط الموافقة 
عليه أن يضع لانحته التأسيسة قبوله إسرائيل؛ وأن الاستشناء الوحيد في ذلك هو عند إنشاء 
الحزب الناصري. وأقيمت دعوى أمام المحكمة الدستورية العلياء قفست بعدم دستورية 
هذه الفقرة. أما سائر الأحزاب مت وافقت على القبول بإسرائيل. 

المسعور الشاشسسء جو عياق ايز تابن بن وجاك السيناة والأملام والانن للإطراة والاكلاة 
الدائمين والأبديين على المعاهدة» وعلى المناداة دائماً باستمرار التطبيع مع إسرائيل» وعلى 
.تجميل شكل إسرائيل في الإعلام» وعلى عدم ظهورها بأنها العدوء على عقيدة أهل السنة في 
مصر. وأن العدو الحقيقي هو إيران. بل لو ظهر من المصريين من يدعم المقاومة وينشدها فهو 
عدو للمصريين. وبدآت هذه الحركة في أوائل عام 1984. أما الآن فرجال الدولة هم من يجمّلون 
صورة إسرائيل. 
المحور السابعء دعم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي؛ ذلك هو الظاهر على السطح 
الولايات المتحدة ومصرء من ناحية» وبين إسرائيل ومصرء من ناحية. وإن كان في حقيقته 
تحّلاً كاملاً إلى دعم النظام الرأسمالي والسياسات النيوليبرالية؛ ودعم بعض رجال الأعمال 
على التعامل بشكل مباشر مع إسرائيل» للقضاء على ما كان يسمى في الماضي الرأسمالية 
المصرية الوطنية» وتبعاً لذلك ظهره اقية الكويز». ثم اتفاقية تصدير الغاز الطبيعيء وكذلك 
تصدير الإسمنت والحديد لإسرائيل. 




















524 


المحور الثامن» تغيير العقيدة القتالية للجيش المصري؛ ففي الماضي كانت تُعتبر إسرائيل 
هي العدو الأول للأمتين العربية والإسلامية؛ وتحولت الآن إسرائيل إلى دولة صديقة وجارة؛ وأن 
العدو الأول هو الإرهاب, وبالتالي حصر فكرة القنال» والتنظيم والتكتيك الحربيين في مكافحة 
الإرهاب. والأمن الحدودي. والمراقبة البحرية؛ والبحث والإنقاذ والمساعدات الإنسانية وهو 
ما يعني تحول القوة العسكرية القتالية إلى قوه شرطة للحماية والتأمين فقط. كما حدث في كثير 
من دول أفريقياء وكان 
التوسع في مجال الاستشمارات الاقتصادية والمشروعات المدنية: وهي التي تحقق مكاسب 
واسعة للجنرالات, الذين صاروا شديدي الشراء من ورائهاء وأن دفاعهم عن تلك المكاسب 
كوت اللي وا لمنع أي تغير سياسي حقيقي؛ وتداول سلمي للسلطة في مصره ويهذا 
ن إسرائيل من أن با وتتعاون معها بشكل فجء لا مع من ي: 
مواقف أو قرارات سياسية واقتصادية ضد رغبتها وبقاتها. وعو ما شر تجول علد من المنناعات 
الحربية والعسكرية في مصر إلى صناعات مدنية» توقفت عن إنتاج السلاح والذخيرة؛ وأنتجت 















المحور التاسع؛ خنق مصر اقتصادياً؛ بتدمير الزراعة والصناعة» ومنع إقامة مشروعات 
صناعية كبرى عملاقة: يمكن أن يُستخدم في بناء عسكري. وبالتالي تحويل مصر إلى مستهلك 
كبير. لا ينتج أي شيء للتصديرء ويحقق معدلات دخل اقتصادية عالية؛ تدعم الاقتصاد المصري 
وتجعله قوياء يستطيع أن يصمد في أية مواجهه عسكرية. مع صرف الأنظمة الحكومية: والرؤساء. 
المتوالين. إلى سد عجز الموازنة بالاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين» وتُنهب هذه 
القروض من الحكام وتابعيهم» ويبقى للشعب المديونية وفواندهاء وهو ما يمكن تفسيره 
بالاستعمار الاقتصادي. وتكون منظمة التجارة العالمية واتفاقياتها المشبوهة «الغات». وفتح 
الحدود. وسائل لذلكء يتبعها شركات متعددة الجنسيات» يتحكم فيها الصهايئة بمزيد من 
الإحكام والسيطرة. 

المحور العاشر. القضاء على فكره الديمقراطية في المجتمعات العربية والإسلامية» 
ومنع قيام دول على أساس ديمقراطي حقيقي. تتوافر فيه آليات ديمقراطية جادة» ني 
المساءلة والمحاسبة والمراجعة, واختيار الحكام والنواب؛ وإبعاد الأمن عن الاختيارات 
السياسية. وإبعاد الجيوش عن العمل السياسيء وهي ما يعني استمرار دولة العواجيز التي 
شاخت سياسياً واقتصادياء وأصبحت غير قادرة على العطاء. وأن بقاء هؤلاء العواجيز 
يحقق مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة» ويحفظ لأصحاب المصلحة من رجال المال 
والإعلام سطوتهم. ويحفظ للعسكريين سلطتهم وامتيازاتهم؛ ويحفظ للأحزاب السياسية 
الهشة البقاء والرضا بالفتات» ويستمر مسلسل الفشل والانهيار الاقتصادي والسياسي 


535 


والاجتماعي والأخلاقي والثقافي» وهو الشكل الأمثل للحفاظ على أمن إسرائيل» ويبقي 
صحيحاً قول رنيس الموساد الأسبق» حين قال في لقاته مع طلاب إحدى الجامعات: «نحن 
قد اخترقنا كل مؤسسات الدولة في مصرء الأمر الذي يصعب على أي رئيس أن يفك هذه 
الشبكة». 

المحور الحادي عشرء ترسيخ الإرهاب في سيناء. ما يُعتبر من مواريث المعاهدة. للإحاطة 
حر ع وا 1 





اتها المجحفة. 

2 لسن لد ار 0 اء أية مطارات أو موانئ حربية في أي مكان على 
أرض سيناء» كما لا يجوز لأسطولها استخدام الموانئ الموجودة فيها. ولا يجوز لمصر الاحتفاظ 

قناة السويسء وإلى مدى 85 كيلومتراً إلا بفرقة مشاة واحدة» وعدد محدود من الأسلحة 
الثقيلة. ولايسع هذه القوة أن تخطو خطوة واحدة خارج هذا القطاع الضيق المحدد لها 
والمسمى القطاع الطولي (0. 

أما ثلاثة أرباع سيناء» الواقعة شرق تلك المنطقة وحتى الحدود مع إسرائيل» وهي المنطقة 
التي يعيث فيها الإرهاب فادا. فظلت تعاني فراغاً أمياً على مدى عقود. إذ لم يُسمح لمصر 
بالاحتفاظ فيها بأية قوات عسكرية مقاتلة أو مسلحة بأسلحة ثقيلة. وهي المنطقة الطولية (ب)» 
حيث لا يحت لمصر الاستعانة بأكثر من أربع كتائب من حرس الحدود. على أن يقتصر تسليحها 
على الأسلحة الخفيقة. 

أما المنطقة (ج) الممتدة بطول الشريط الحدودي من رفح شمالاً حتى خليج العقبة وشرم 
الشيخ جنوباًء فلا يجوز لمصر أن تنشر فيها جيشهاء ولا يحق لها الاستعانة فيها سوى بقوات 
اشرطة مدنية تقوم مقام حرس الحدوده ذراً للرماد في العيون. 

فضلاً عن ذلك. فرضت المعاهدة على مصر أن ترابط على أراضيها قوات دولية يقيادة 
عسكرية أمريكية» قوامها نحو 2000 جنديء للقيام بمهام التفتيش والاستطلاع والمراقبة: للتأكد 
من التزام مصر بالمعاهدة. أما إسرائيل» فلم تقبل بوجود قوات أجنبية داخل حدودهاء ولم 




















تستقبل سوى المدنيين من المراقبينء لا يزيد عددهم على 5 مراقبين؛ لتبقى سيادتها على 
الأرض التي احتازتها غيلة ومكراً سيادة كاملة محصنة. تحميها الولايات المتحدة بكل ثقلها 


السياسي والعسكري. 


536 


هكذاء وعلى مدى عقود, مُحرمت مصر حمايةٌ حدودها الشرقية حمايةٌ عسكرية ناجزة» 
التصبح سيناء مرتعاً للجواسيس» وعصابات الإتجار بالبشر وبالسلاح وبالمخدرات. وأخيراً 
جماعات التطرف والإرهاب. 

ثم راح البعض يشير جهلاً بأصابع الاتهام إلى أهل سيناء» وتتعالى ضدهم صيحات 
التخوين» ودعوات التهجير القسري؛ المتفقة مع رغيات إسرائيل وآمالها. أما الأصوات الأكثر 
تعقلاً والأفل تطرفاً فأرجعت تنامي البيئة الحاضنة للإرهاب في سيناء إلى نقص التنمية 
والتهميش والإهمال. لكن نقص التنمية والتهميش والإهمال لم يفرز آفة الإرهاب بهذه الصورة. 
في مناطق حدودية أخرىء تمركزت فيها القوات المسلحة المصرية. وأحكمت السيطرة عليها. 
ولم تُمنع بإرادة أمريكية إسرائيلية من ممارسة وجودها السيادي عليها. ففي سيناء كان الفراغ 
الأمني الذي أحدثته المعاهدة بمنزلة كرة الشلج التي راحت تكبر ونيدأء لتعمل على التحام 
عناصر تلك البيئة الحاضنة للإرهاب. في سيناء. المعاهدة وليس سواها كانت على امتداد 
الزمان هي الحاضنة. 

لكن الانكى والأشد إيلاماًء هي تلك النغمة المترددة على أنفام الساسة الإسرائيليين» وفي 
أعمدة صحافتهم ١‏ مصر وإسرائيل صارتا في خندق واحد في الحرب على 
الإرهاب. وبأن التنسيق الأمني قد يتطور إلى تحالف عسكري عربي لو تفاقم الأمرء ورأت 
إسرائيل ضرورة للذود عن أمنها المقدس. إذ تنص المعاهدة بوضوح على أن «يتعهد كل طرف 
بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب. أو الأفعال العدوانية» أو أفعال العنف. أو التهديد 
بهاء من داخل أراضيه. أو بواسطة قوات نة لسيطرته؛ أو مرابطة على أراضيه ضد السكان 
أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر». 

تلك كوارث المعاهدة؛ الأمر الذي يؤكد ويقطع أنه لا سيادة للمصريين على أراضيهم 

















عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وغير ذلك. إنما هي سيادة إسرائيلية بدعم أمريكي وإكراه دوليء 
ودليل ذلك هو «مذكرة التفاهم الأمريكية ‏ الإسرائيلية»؛ الموقعة بين الطرفين في الولايات 





المتحدة عام 1979 فور التوقيع على «معاهدة السلام» بين مصر وإسرائيل؛ والتي أكدت فيها 
الولايات المتحدة» وضمنت لإسرائيل؛ أنه في حال نقض مصر المعاهدة سوف تتدخل الولايات 
المتحدة عسكرياً لمصلحة إسرائيل» ورفضت تماماً إبرام «مذكرة تفاهم» مع مصر لمعالجة نقض 
إسرائيل المعاهدة» بزعم أن العدوان يأني فقط من العرب. وأن إسرائيل «دولة سلام»! 

وبعد مرور كل هذه السنوات على حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 لا يزال السؤال 
معلقاً: لماذا قعل السادات ذلك كله؟! ربما يمكن. بعد قراءة هذه الدراسة. إدراك: كم كان 
السادات عبقرياً.. كما يقولون؟! وكم كان سابقاً لعصره؟ 





537 


3 - مذكرة التفاهم السرية الأمريكية ‏ الإسرائيلية 

في مفاجأة من العيار الثقيل كشفت بروتوكولات أمريكية مصنفة في «متهى السرية» في شأن 
«معاهدة السلام المصرية ‏ الإسرائيلية» سر النود السرية ني ل تدخل فيه مصرء بل رفضتها 
بقوة في يوم التوقيع نفسه. بحيث ورد البنود في إطار اتفاقية أمري 
إليها أجهزة الاستخبارات المصرية فجر ليلة التوقيع النهاني على المعاهدة. 
إلى السادات. الأمر الذي شكل صدمة اللوفد المصري. 

وسجلت البنود السرية لمذكرة التفاهم في ثلاث صفحات. من الصفحة الرقم (455) إلى 
الصفحة الرقم (457). ضمن سجلات ملفات الأمن القومي الأمريكية ‏ قسم وثائق «معاهدة 
السلام المصرية ‏ الإسرائيلية»: المحفوظة لدى الإدارة الأمريكية. ووقع عليها عن الطرف. 
الأمريكي سايروس فانس وزير الخارجية» وعن الطرف الإسرائيلي مناحم بيغين رئيس وزراء 
إسرائيل» كما وقع عليها جيمي كارتر الرئيس الأمريكي. الجدير بالذكر أن سبب توقيع وزير 
الخارجية الأمريكية على اتفاقية الينود السرية أنه المسؤول المباشر عن تقدير حجم المعونات 
السنوية التي تقرها إدارته للدول ١‏ 

وكشف جهاز الاستخبارات العامة المصرية تفاصيل مذكرة التفاهم الأمريكية ‏ الإسرائيلية 
ووضعها على مكتب السادات في توقيت متأخر من مساء الأحد 25 آذار/مارس 1979 
سيجرى التوقيع على المعاهدة صباح اليوم التالي 26 آذار/مارس. مل الموضوع صدمة حقيقية 
له لكن بات من المستحيل سياسياً إمكان التراجع عن التوقيع؛ أو التفكير في الانسحاب من 
«معاهدة السلام»» ومع ذلك كشفت الصفحة الرقم (455) من سجلات بروتوكولات «محادثات 
السلام» اعتراض الوفد المصري بقوة على تلك الينود السرية. وسجلت تلك الصفحة الموقف 
المصري الواضح وتدخل الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر ووزير الخارجية. وطبقاً 
السجلات الكواليس السرية الامريكية؛ تقدم مصطفى خليل في الساعات الأولى من فجر يوم 
6 آذار/مارس 1979ء يوم التوقيع على «معاهدة السلام» مع إسرا بخطابين أرسلهما رسمياً 
إلى وزير الخارجية الأمريكي فانس اعتُبرا شديدي اللهجة؛ رفض فيهما مصطفى خليل» باسم 
الحكومة والوفد المصريء التوقيع الأمريكي الإسرائيلي يومي 5 و26 آذار/مارس 1979 سراً 
على مذكرة تفاهم ثنائية خلف ظهر السادات؛ ومن دون علم مصرء أو حتى استطلاع رأيها 
والتشاور معها. 

وبمطالعة توقيت إرسال البرقيتين المصريتين» يتضح أن الأولى أرسلت إلى فانس في ساعة 
مبكرة فجر يوم 26 آذار/مارس 1979ء أما الثانية فأرسلها خليل قبل ساعة واحدة من بده مراسم 
التوقيع على «معاهدة السلام» ظهر الاثنين الموافق 26 آذار/مارس 1979. 


























528 


وطبقاً للسجلات الرسمية الأمريكية «متهى السرية» كان نص البرقية المصرية الأولى التي 
أرسلها خليل إلى «فانس» فجر 26 آذار/مارس 1979 كالآتي: 

«فجر 26 آذار/مارس 1979 

مكتب وزير الخارجية المصري 

عزيزي السيد فانس وزير الخارجية الأمريكية 

القد فوجئنا بشدة عندما نما إلى علمنا اليوم موضوع الاتفاقية الأمريكية ‏ الإسرائيلية التي 
وُقعت وتم الاتفاق عليها في كواليس معاهدة السلام المفروض أنها يين مصر وإسرائيل. 

حيث لم يتم اطلاعنا نهانياً عليهاء ولم يعلمنا أحد بوجودهاء أو حتى بمحتواهاء مع أن ما 
ورد بها يؤثر يشكل مباشر على مسار العلاقات المستقبلية بين بلديناء كما يؤثر في الاساس على 
مبدأ تحقيق السلام العادل. 

إن مضمون مسودة الاتفاقية وبين إسراتيل ووصلت إليناء تعد مصدر قلق 
بالغ وخطير بالنسية للحكومة المصر, نقف على اعتاب مفترق طرق تاريخية من أجل 
صناعة السلام الذي اختارته مصر بوضوح وبإصرار لا يتزعز 
نخشى أن بنود نص الاتفاقية السرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تشير إلى 
عدم التزام مصر مستقبلاً بشروط معاهدة الام التي نوشك على توقيعهاء وكذلك عدم التزام 
مصر بما عليها تجاه تحقيق السلام» وهذه الفرضية تقوض أي أساس بُنيت عليه فكرة السلام. 

بل الأكثر من هذا أن تلك الاتفاقية ينكما اقض مع ما جاء واتفق عليه في البند رقم 6 فقرة. 
2 من معاهدة السلام التي وافقنا على توقيعها اليوم بواشنطنء وهو البند المحدد أن الطرفين 
يتحملان مسؤولية التزاماتهما تجاه معاهدة السلام. 

ولا شك في أنك تسفق معي على أن الدور المفاجئ الذي انتهجته الولايات المتحدة؛ عند 
توقيع تلك الاتفاقية السرية مع إسرائيل» يمثل خروجاً عن نهج التفاهم الذي على أساسه وافقت 
مصر أن تلعب الولايات المتحدة دور الحكم والشريك. هذا الدور الجديد الذي تلعبه الآن 
الولايات المتحدة الأمريكية يشوّه صورة واشنطن في عيون الأطراف الأخرى المحايا 

إن الولايات المتحدة الأمريكية ستأخذ على عاتقها اليوم مهمة الحََكم المخرّل بإعطاء الرأي 
المحايد في تنفيذ وضبط معاهدة السلام» وتحديد المخاطر التي يمكن أن تحدث مسقبلاً من 
أي طرف» يقوم بخرق التزاماته تجاه المعاهدة. 

ولذلك أطلب أن تحدد الولايات المتحدة الأمريكية التزامها بالبند السابع من المعاهدة؛ التي 
تلزم الطرفين بضرورة تسوية النزاعات على أساس عدالة واضحة في التعامل من قبل الولايات 
المتحدة الأمريكية, للحفاظ على ميزان التعهدات النابعة والمبنية على المعاهدة. 




























و53 


ولذلك تعتبر الاتفاة بينكما وكأنها حكم مسيق للتعامل مع أي نزاع محتمل» حيث وقعت 
الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل على تعهدات والتزامات تقوم فيها واشنطن باتخاذ وسائل 
وخطوات لتعديل أي موقف محتمل. يتعارض أو يهدد بخرق بنود معاهدة السلام. 

ونحن نرى أن تعهدكم هذا خطير جداًء يلزم الولايات المتحدة الموائقة والصمت المسبق 
والمضمون على كل استخدام للقوة من قبل إسرائيل أي كانت» تجاه كل خرق يمكن وقوعه دون 
قصد أو نية سيئة من الطرف الآخر. 

الذلك نحن نعارض كل محاولة من أجل تعديل مواقف الاطراف من نص المعاهدة.» 
نيل» في الوقت الذي تتخاضى فيه الولايات المتحدة 
الأمريكية عن الكثير من العناصر المحيطة والمرتبطة بمعاهدة السلام. 

كما نعارض بنفس الطريقة أية محاولة لمنح أي طرف حقوقاً خاصة ومعيئة» في شأن حرية 
الإبحار والطيران» في الوقت الذي يُمنع فيه هذا الح السيادي الأصيل للطرف الآخر. 
بين الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل قد تناول طريقة التعامل 
أي هجوم محتمل على إسرائيل» ونحن نعتقد أن هذا المعنى يتعارض 
ا رك ا ا كه 7 12 
التوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بعد ساعات معدودة من الآن. 

الأكثر من هذا أن مصر قد علمت أن الخطاب الامريكي الذي أرسل إلى رئيس الوزراء 
الإسرائيلي منذ قليل اليوم 26 آذار/مارس 1979 من قبل الرئيس الأمريكي يحدد الآني: 

في حال خرق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيلء أو في حال وجود خطر يهدد معاهدة 
السلامء تتشاور الولايات المتحدة الأمريكية؛ بناء على طلب أي من الجانبين» أو بناء على 
طلبهما معاء حول القرارات المفروض اتخاذهاء وأن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ كل ما تراه 
مناسباً وضرورياً من جانبها دون الرجوع إلى الأطراف من أجل الدفاع عن احترام معاهدة 
السلام. 

وعلى هذا تشدد الحكومة المصرية على أن تلك المعاني الفضفاضة: التي ذكرت وتضمتها 
الاتفاقية الموقعة سراً اليوم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل» تضر بمسيرة السلام في 
المستقبل. 

ولذلك من المسموح أن نقول: إن مصر لا ترى نفسها ملتزمة طبقاً لما جاء في تلك 
السرية بينكماء بأية تعهدات أو التزامات أياً كانت. إذا لم يتم التشاور معها حول تلك النقاط 
التي شملتها الاتفاقية بينكما من البداية». 


















54 


وطبقاً لما كشفته البروتوكولات الأمريكية الرسمية «منتهى السرية» اعترضت الولايات 
المتحدة على لهجة البرقية المصرية الاولى التي أرسلها خليل واعتبرها البيت الأبيض تدخلاً 
في شأن أمريكي سيادي. فطلب السادات من خليل أن يحرر برقية ثانية في الموضوع ذاته يبرز 
فيها النقاط التي تهم مصر في الأساسء كي يسجل بذلك من الوهلة الأولى موقف مصر 
الرسمي من تلك الاتفاقية السرية بحيث جاءت كالآتي: 





«التوقيع الدكتور: مصطفى خليل 

رئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية 

6 آذار/مارس 1979 

مكتب وزير الخارجية المصري 

عزيزي السيد فانس وزير الخارجية الأمريكية 

استكمالاً لبرقيتي الأولى إليك في شأن الاتفاقية الامريكية الإسرانيلية السرية أريد أن أخبرك 
بالآني: 


إن مصر لا تعارض حق الولايات المتحدة الأمريكية السيادي. وفي الحقيقة لا تعارض حق 
أي حكومة أخرى بالعالم ترى اتخاذ ما يلزم من إجراءات سيادية لتنفيذ سياساتها الخارجية. 
الكن تحتفظ الحكومة المصرية لنفسها بحق عدم اتخاذ ما تجده مناسباً وعملياً من اتفاقيات 
أمريكية جانبية مع إسرائيل؛ تجدها الحكومة المصرية ضد المصالح المصرية مباشرة. 

ولذلك أعلن لك أن مضمون الاتفاقية بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيؤثر بشكل مباشر 

تطبيق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في المستقبل» وبالتأكيد أنت تعلم مدى تطلع 
مصر لتقوية علاقاتها الودية بين القاهرة وواشنطنء» على أن تستخدم تلك العلاقات المميزة 
لإقرار السلام العادل والاستقرار الدائم في منطقة الشرق الأوسط. 

هذه التطلعات تقدمها مصر على معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل» كخطوة مهمة ياتجاه 
تسوية شاملة لمشكلة الشرق الأوسطء وطبقاً لهذا الكلام أحيطك علماً أن مصر قد شعرت 
بالحزن الشديد عندما اكتشفت أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لديها استعداد لتوقيع اتفاقية 
هي في الاصل موجُهة ضد مصر. 

إن الاتفاقية بينكم وبين إسرائيل لا تخدم السلام» وغير مفيدة نهانياً للسلام؛ بل على العكس 
فإن مضمونها ومحتواها يؤثر سلباً على تحقيق مسيرة السلام» ويشكل خطراً على التوازن 
والاستقرار في المنطقة» ولذلك تعلمكم مصر بمعارضتها ورفضها السيادي التام على تلك 
الاتفاقية للأسباب الآنية: 





541 





أن الاتفاقية تتعارض مع روح الصداقة القائمة 
الأمريكية؛ ولا تساهم في تقوية العلاقات يينناء ولهذا أ* 
مصر في شأن محتوى تلك الاتفاقية السرية. 

أن مضمون تلك الاتفاقية السرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تأسس على 
اتهامات مسيقة ضد مصرء مع توقعكم أن الخروقات ستكون من جانب مصر وحدهاء فما بالكم 
الو حدثت تلك الخروقات من قبل إسراتيل؟ 
نما طبقاً لاتفاقكما السري فإن التصرف والحكم سيكون بيد واشنطن وإسرائيل في 





شهر كامل ونحن نعمل على تحقيق اتفاق متكامل لمعاهدة سلام نهائية, وبرغم ذلك 
لم تبلغوا مصر نية الولايات المتحدة التوقيع مع إسرائيل على الاتفاقية السرية؛ التي علمنا بها 
بطرقنا الخاصة؛ وليس بالطرق السياسية والدبلوماسية المتعارف عليها في إطار التشاور 
والتفاوض الرسمي. 

- لقد توصلت مصر لمودة الاتفاقية بينكما فقط في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 25 آذار/ 
مارس 1979؛ أى قبل أقل من يوم واحد من مراسم التوقيع النهائي والرسمي على نص معاهدة 
السلام الشاملة والنهائية بين مصر وإسرائيل اليوم في واشنطن 26 آذار/مارس 1979. 

لقد كانت رغبتنا أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية شريكاً محايداً للتوصل إلى السلام: 
ومن ثم المحافظة عليه وليس أن تقوم الولايات المتحدة بتبني مزاعم أحد الاطراف على 
حساب الطرف الآخر. 

إن الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تفترض بسوء نية أن مصر 
هي الطرف المحتمل قيامه بخرق تعهداته تجاه معاهدة السلام النهائية. 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية تفهمها مصر كحلف جانبي» نشأ ووقعت عليه 
الولايات المتحدة مع إسرائيلء حيث دخل حيز التنفيذ ضد مصر من اليوم 26 آذار/مارس 1979 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية تمنح الولايات المتحدة حقوقاً خاصة: لم يعلن 
عنها في أي وقت من التفاوض علناً أمام مصرء حتى توافق أو ترفض» لانه حق أصيل من 
حقوقهاء كما لم يقم أحد من قبل بالتفاوض أو حتى التشاور مع مصر على ما وقعت واشنطن 


















الأمريكية الإسرائيلية السرية تعطي الولايات المتحدة الحق في فرض أساليب 
وتدابير» وبتعبير آخر مبسط أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر في أي 


542 


وقت تراء» وهذه الخطوة وهذا الفهم يجعلنا نتشكك بقوة في ما يمكن أن يحدث مستقيلاً» بما 
يؤثر على الوضع القائم في كل منطقة الشرق الأوسط. 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية تضمنت ألفاظاً وعبارات ومصطلحات سياسية 
ا اخر اللروقات؟ جين 








3 ل الأمريكية الإسرائيلية السرية تحدد أن الالنزام بمساعدة مصرء بما يلزم اقتصادياً 
وعسكرياً لتأدية دورها في تنفيذ بنود معاهدة السلام. متعلق بشكل كامل بما تراه الولايات 
المتحدة الأمريكية. وهي أشياء ومعانٍ موجهة كلها ضد طرف واحد فقط هو مصر. 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية تضع العلاقات المصرية ‏ الأمريكية محل 
الفحص. كما تظل تلك العلاقات مقيدة برؤية الطرف الثالث إسرائيل. مما يقيد من التزامات 
الولايات المتحدة النهائية تجاه مصر 

إن الانفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية حددت أن تقوم الولايات المتحدة مستقبلاً تحمل 
جميع م بها إسرائيل ضد مصرء بما يعني ذلك بوضوح أن الخروقات 
والخطر متوقع حدوثه من جانب مصرء وأن الخطر الوحيد على معاهدة السلام سيأتي من 
مصر؟ 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية تعطي وتمنح الولايات المتحدة الأمريكية حق 
فرض وجود أمريكي عسكري في المنطقة, بناء على الاتفاقية السرية بينكم وبين إسرائيل» وهذا 
لاتقبله مصر جملة وتفصيلاً وبشكل نهائي كامل. 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية تلقي بظلال الشكوك الكبيرة حول النوليا الحقيقية 
للولايات المتحدة الأمريكية؛ فيما يخص مسيرة السلام؛ ما يمكن معه اتهام أمريكا بالاتفاق مع 
إسرائيل حول وجود أمريكي دائم بالمنطقة؛ وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات عسكرية 
واستراتيجية خطيرة على الاستقرار في المنطقة. 

إن الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية ستؤثر سلباً على العلاقات المصرية الأمريكية. 
وبالتأكيد ستلزم دولاً عربية أخرى لاتخاذ مواقف أكثر تشدداً ضد مسيرة السلام» وستمنح 
الاتفاقية السرية أء افية لرفض تلك الدول العربية المشاركة في مسيرة السلام. 

ن الاتفاقية الامريكية الإسرائيلية السرية ستمهد الطريق والارض لاتفاقيات أخرى ستنشأ 
في المنطقة ضد ما جاء ينص ١‏ الأمريكية الإسرائيلية. 





ات أية 

















541 


ومن كل ما سبق أحيطك علماً أن الحكومة المصرية لن تعترف أبداً ونهائياً بكل ما جاء 

قاقية الأمريكية الإسرائيلية السرية» وأن الحكومة المصرية تعتبرها من الآن كأن لم تكنء بل 
غير قائمة ومنتهية» وأن تلك الاتفاقية بمثابة مستند ليس له أي تأثير بكل ما يخص الشأن 
المصري. 





التوقيع الدكتور: مصطفى خليل 
رئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية 
6 آذار/مارس 41979 


بعد الكشف بشكل حصري عن تفاصيل الرد المصري السيادي» يمكن لأول مرة عرض بنود 
مذكرة التفاهم الأمريكية ‏ الإسرائيلية السرية» والتي رفضتها مصرء من واقع السجلات الأمريكية 
«منتهى السرية» لبروتوكولات «معاهدة السلام» وهي كالآتي: 

فى البند الثامن من الاتفاقية السرية الفقرة الرابعة (ب)» تعهدت الولايات المتحدة بتأمين 
حصول إسرائيل على النفط الأمريكي كبديل من النفط. حتى المصري المسروق من حقول 
سيناء. كما تعهدت الولايات المتحدة ببناء مجمع صهاريج عملاق في ميناء مديئة أشدود على 
البحر الأبيض المتوسط على نفقة الإدارة الأمريكية» لتخزين الاحتياطي اللازم لتعويض إسرائيل 
عن فقد مصادر الطاقة من حقول النفط المصرية» وذلك صباح الأول من أيلول/سبتمبر 1990 
من دون إلزام الطرف المصري بأية التزامات مالية. 

وتلتزم إسرائيل طبقاً للبند رقم 68# الفقرة السابعة من اتفاقية البنود السرية بالتباحث عسكرياً 
اية من يوم 26 آذار/مارس 1979ء قبل القيام بأية عملية عسكرية ضد الأراضي 
أن يكون أي هجوم بموافقة أمريكية مكتوبة من الكونغرس الأمريكيء وبشرط 
موافقة ثلثي الأعضاء. 

تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية, طبقاً للفقرة الثامنة من البند الثامن من مذكرة التفاهم 
السرية باستخدام حق الفيتو ‏ حق الاعتراض ‏ على أي قرار يصدر مستقبلاً بهدف إدانة دولة 
إسرائيل في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة. 

مع ملاحظة أن الفقرتين التاسعة والعاشرة من هذا البند حجبتهما الإدارة الأمريكية بشكل 
تام» وهما فقرتان «منتهى السرية» تخضعان لقانون أسرار الأمن القومي الامريكي والامن القومي 
الإسرائيلي لعام 01957 ولا يمكن طبقاً لخاتم المانع القانوني الفدرالي الكشف عنهما نهانياً 
لي طرف ثالث غير الولايات المتحدة وإسرائيل. مع ذلك» فإحدى الفقرتين تناولت موضوع 
تلغيم الحدود الإسرائيلية مع سورية على هضبة الجولان» بما يسمى «الألغام النووية؛» وهي 

















4و5 


ألغام صغيرة لها قدرة تدميرية نووية تمنع في ساعة الطوارئ القصوى الاجتياح السوري لحدود 
إسرائيل. 

تطور سلاح الطيران: بينما جاءت الفقرة الحادية عشرة من تلك الاتفاقية السرية كالآتي: 

تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بتحديث وتطوير جيش الدفاع الإسرائيلي» وبخاصة سلاح 
الطيران» بما يحقق له التفوق الدائم على الجيوش العربية المختلفة وقت السلم والحرب. 

مع ضرورة التشاور مع إسرائيل» لاستطلاع رأيها أولاً في شأن قوائم طلبيات السلاح العربية 
المقدمة للولايات المتحدة» وأن تلتزم وزارة الدقاع الأمريكية بتقديم نسخ من طلبيات السلاح 








العربية إلى إسرائيل. 

وكان من أهم وأخطر ينود مذكرة التفاهم السرية أنه في حال نشوب حرب شاملة بالمنطقة 
تقوم بها مصر والسعودية ضد إسرائيل» تلتزم واشنطن بفتح مخازن سلاحها الاستراتيجي للجيش 
الإسرائيلي. 





وكشفت السجلات الأمريكية «منتهى السرية» مواقع مخازن السلاج الأمريكي في إسرائيل» 
ت في أربع نقاط شمالاً وجنو, اشرقاً وغرباً في مناطق عسكرية 
محظور دخولها على الجيش الإسرائيلي, إلا في ساعات الطوارئ الحربية القصوى. وتكدس 
الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المخازن الستة التي تطلق عليها اسم «مخازن الاحتياطي 
الاستراتيجي» كل أنواع السلاح الحديث بأنواعه وأشكاله؛ منها ثلاثة مخازن شُيدت بالكامل 
تحت الارض بأنفاق طبيعية» وأخرى شرق إسرائيل وجنوبها. كما يوجد مخزن واحد عملاق 
انها الأحدث في العالم طبياً وعسكرياء بسعة 50 
.م معركة شاملة تدوم لمدة عام. من دون الحاجة إلى تقل أية 








وتدير تلك المواقع السنة وزارة الدفاع الأمريكية» بواسطة فرقة أمريكية 
والمهندسين والفنين والعسكريين, تعدادها 150 ضابطاً يقيم أفرادها !: 
أسرهم. 

وتتوزع تلك القراعد الأمريكية الست لاحتياطي السلاح الأمريكي الاستراتيجي في هرتسليا 
دل ليم يني ايه تاسارد الدخول إليها ملحقة ب: مطار بن غوريون الدولي 








5 أخرى بالقرب من «قاعدة عوفدا» العسكرية الإسرائيلية جنوب إسرائيل» وتبعد 
0 كيلومتراً شمال مدينة إيلات بالقرب من الحدود الأردنية ‏ الإسرائيلية» وجُّددت تلك القاعدة 
الأمريكية عام 1980. 


545 


كما توجد قاعدة ثالثة في قاعدة «نباطيم' الجوية الإسرائيلية: تأسست عام 1947 شمال 
مديئة ديمونة الإسرائيلية الشهيرة في صحراء النقب الشمالية بالقرب من مديئة عراد. 

وطبقاً لبنود الانفاقية الأمريكية ‏ الإسرائيلية السرية» التي اعترضت مصر عليها في حينه» 
.تمتلك تلك المخازن الأمريكية الاستراتيجية للسلاح تعريفات «كودية» خاصة هي على التوالي: 

موقع (51) وموقع (52)؛ وموقع (53)؛ وموقع (54). وهو المخزن الطبي العسكري الأمريكي 
العملاق الأكبر في العالم والشرق الأوسطء ثم موقع (56)» وموقع (57)» وهو طبقاً لمذكرة 
التفاهم أكثر المواقع سرية وحراسة وخطورة على وجه الإطلاق. حيث توجد فيه (12) 
تحمل رؤوساً أمريكية نووية من أحجام مختلفة» وموقع ذلك المخزن يقع في الأراضى 
العسكرية المحظورة التابعة لمفاعل ديمونة النووي داخل صحراء النقب. 

ومن واقع بنود المذكرة. لا تفتح تلك المواقع لإسرائيل؛ إلا في حالات تهديد الحروب 
الشاملة من جانب مصر والسعودية عليهاء وبشرط موافقة ثلثي أعضاء الكونغرسء وفي حضور 
الرئيس الأمريكي نفسه. 

وطبقاً لمذكرة التفاهم السرية تقوم وزارة الدفاع الأمريكية سنوياً بتجديد الاسلحة المكدّسة 
في تلك المخازن. وما يستبدل منها ويكون غالباً في حال المصنع يورد كمعونات عسكرية 
للدول التي تحصل على المعونات العسكرية الأمريكية. ومنها مصر وإسرائيل. 

وطبقاً للتفاصيل الحصرية؛ يقع أحد تلك المخازن على الحدود الإسرا 
اسلاج الهندسة العسكرية الأمريكية في أنفاق أرضية» ونفذت عمليات البناه شركات ألمانية 
متخصصة بتشيد التحصينات المضادة للصواريخ النووية. 

وخارج السجلات الأمريكية «منتهى السرية» ‏ معاهدة السلام» سجل الظهور الأول لقدرات 
تلك المخازن الأمريكية العملاقة في أثناء حرب لبنان وبالتحديد يوم 6 حزيران/يونيو 1982 
عندما سلمت واشنطن إسرائيل الموقعين (55) و(56) الواقعين بالقرب من اللحدود اللبنانية. 

الغريب أن السجلات الأمريكية السرية تعترف بوضوح بأن الفكرة وراء تشيد تلك المخازن 
الأمريكية داخل إسرائيل نبعت من حرب عام 1973 عندما وجدت الولايات المتحدة مشكلات 
في نقل المعدات العسكرية إلى إسرائيل لتعويض خسارتها الفادحة خلال المعارك حتى يوم 12 
.تشرين الأول/أكتوير 1973. 

والمثير في المعلومات أن عملية فتح تلك المخازن تحتاج إلى فاكس واحد مشفَّر بطريقة 
خاصة, يصدر من الكونغرس الأمريكي مباشرة لمكتب السفير الأمريكي في تل أبيب» ليقوم 
بنفه بفك شيفرتهه وم يسلم الخطاب إلى الحكومة الإسرائيلية للتصرف. 


















546 


4- حل مجلس الشعب 

ربما كانت «معاهدة السلام» بين مصر وإسرائيل هي أهم حدث سياسي شهدته مصرء في 
النصف الثاني من القرن العشرين» بعد ثورة 23 تموز/يوليو 01952 من زاوية التأثيرات والنتائج» 
والمعنى والمغزى. من هذا المنظورء من الأمور ذات الدلالة عرض «التسلسل التاريخي» لهذم 
المعاهدة من لحظة التوقب قبع إلى لحظة الاستفتاء عليهاء التي تعني أن مصر قد أصبحت ملتزمة 
رسمياً بها؛ والذي جرى على النحو الآني"*: 

0/26 جرى توقيع معاهدة «السلام؟ بين مصر وإسرائيل في واشنطن. 

4/4 : وافق مجلس الوزراء المصري بالإجماع في جلسة واحدة على الاتفاق. 

4/5 أحيلت الاتفاقية على «لجنة مشتركة» تضم لجان العلاقات الخارجية والشؤون 
العربية والأمن القومي والتعبئة القومية في مجلس الشعب لإعداد تقرير عنها. 

في 1979/4/7: اجتمعت اللجنة المشتركة ودرست واطلعت على (31) وثيقة» تتضمن مئات 
الأوراق والمستندات والخرائط» وفيها ما ينص على نزع سلاح ثلشي سيناء. 

4/8 أصدرت اللجنة المشتركة تقريرها بالموافقة على المعاهدة. 

9 ا انعقد مجلس الشعب لمناقشة المعاهدة وتقرير اللجنة المشتركة في جلسة عامة 
وقرر إعطاء 10 دقائق فقط كل متحدث من الأعضاه. 

0 أغلق باب المناقشة بعد إعطاء الكلمة لعدد 30 عضواً فقط. وتصدى لها نواب 
أحزاب الوفد. والتجمع؛ والتحالف العربي الإشتراكي, اعتراضاً على الصلح مع إسرائيل» من 
حيث المبدأ. 

1/410 








: وفي الجلسة نفسها جرى التصويت على المعاهدة وكانت نتيجته: 
9 عضواً موا 
١5‏ عضواً معترضأه 
عضو واحد امتنع؟ 
#اعسراتود 
في :1979/4/1١‏ أصدر السادات قراراً بحل مجلس الشعب» وبإجراء استفتاء على المعاهدة» 

وعلى عشرة موضوعات مختلفة» خبطة واحدة. 





(3) اعظرة 
الأيرية. 1980). 





التعب. مضابط مجلس الشعب خلال القترة 75 1979 (القاهرة الهبئة العامة لشزون السطايع. 


547 


9 رجرى استفتاء الشعب على المعاهدة» من دون أن تنشر وثائقهاء ومن دون أن 
يتعرف إلى محتوياتها. 
0 ااأعلنت و 





الداخلية أن نتيجة الاستفتاء كانت على النحو الآتي: 

وافق الشعب على المعاهدة, التي لم يقرأها ولم يتعرف إلى بنودهاء بنسبة 92.2 بالمثة. 

ووافق في الوقت نفسه على حل مجلس الشعب. الذي كان قد وافق هو الآخر على 
المعاهدة ذاتها. وجاءت نسبة الموافقة 99.5 يالمثة. 

منذ تلك اللحظة» أصبحت مصر ملتزمة رسمياً بالمعاهدة. 

كان المجلس قد بدأ مناقشاته بشأن المعاهدة منذ صباح السبت 7 نيسان/أبريل ٠1979‏ ففي 
هذا اليوم عُقدت لجنة مشتركة» من لجان العلاقات الخارجية» والشؤون العربية» والأمن القوميء 
وحضرها مصطفى خليل؛ رئيس الوزراء ووزير الخارجية. وفكري مكرم عبيد؛ نانب رئيس 
الوزراء» وبطرس غاليء وزير الدولة للشؤون الخارجية» وحلمي عبد الآخر. وزير الدولة لشؤون 
مجلس الشعبء وحسن أبو سعدة. رئيس هيئة العمليات بوزارة الدفاع» واستمعت اللجنة إلى 
شرح وافٍ من خليل وغالي وأبو سعدة: ثم عقد المجلس جلسته العامة لمناقشة المعاهدة يوم 9 
نيسان/أبريل» ووافق الأعضاء على اقتراح رئيس المجلس بأن تكون مدة مداخلة كل نائب عشر 
دقائق. لآن الذين طلبوا المداخلة زاد على 60 ناتبء ارتفعوا إلى سبعين بعد أن ألقى مقرر اللجنة 
فؤاد محبي الدين تقريرها. 

بدأ سيد مرعي حديثه» واستمر ساعتين بعد أن حصل رئيس المجلس على موافقة النواب 
بتجاوزه المدة المحددة سلفاً بحدود 10 دقائق, والغريب أن مرعي لم يدافع عن المعاهدة بل 
هاجم الدول العربية وقادتهاء وقال إنهم لم يدعموا مصر إلا بأحد عشر مليار جنيه فقط منذ عام 
7 حتى عام 1979 أي خلال 12 عاماً. فسئل: وماذا عن التسليح؟ فقال ليس لدي بيانات» 
فرد العضو الناصري كمال أحمد: إنكم بهذه الصورة لا تناقشون المعاهدة, لكنكم تناقشون 
إعلان الحرب على العرب. واستمر المجلس في الاستماع إلى النواب في جلسة المساء. 

وفي اليوم التالي (10 نيسان/أبريل) واصل جلساته وكان محمود القاضي نائب الإسكندرية 
هو المتحدث في المساء. باسم النواب الرافضين للمعاهدة؛ وهم محمود القاضيء ممتاز نصار. 
خالد محيي الدين؛ الدكتور محمد حلمي مراد؛ عادل عيد كمال أحمد. صلاح أبو إسماعيل» 
قباري عبد الله أحمد محمد إبراهيم يونسء محمد كمال عبد المجيد, أحمد ناصرء طلعت 
جد الرخعن» مب لمن براضت توه زتتيم» تمد طدة ولت التكتور متمد ابل ابا 
وقوطع القاضي أكثر من مرة واختدم كلمته قائلاً: «من فوق هذا المبر أقول للسيد مناحم 
بيغينء رئيس حكومة إسرائيل؛ إن الشعب المصري لم ولن يرحب بك في مصرء وإذا كنت ترى 











548 


أنك قد كسبت جولة بهذه المعاهدة؛ فإنني أقول إن النضال سيستمر من أجل مصرء مصر التي 
نعيش على أرضهاء وإنني أرفض هذه المعاهدة جملة وتفصيلاً». 

بلغ عدد المتحدثين 30 نائباً من بين 270 ثم أعلن أبو طالب» كالمعتاد. أنه تلقى مذكرة من 
عشرين عضواً تطالب بإقفال باب ١‏ .حصل على الموافقة بذلك» وأخذ التصويت على 
المعاهدة. وبعد إعلانه نتيجتهاء وقفت الناتبة فايدة كامل» زوجة وزير الداخلية. وهتفت: عاش 
الرئيس محمد أنور السادات؛ عاشت مصرء عاشت مصرء وردد المؤيدون وراءهاء واستكملوا 
«بلادي بلادي/لك حبي وفؤادي»: فوقف المعارضون يرددون: «والله زمان يا سلاحي/ 
لك في كفاحي». وانسحبوا. 
قدم صوفي أبو طالبء رئيس مجلس الشعب (البرلمان)؛ التهنئة إلى النواب الذين بقوا في 
«بعد أن قالت الأمة. ممثلة فيكمء كلمتهاء أقول ونقول جميعاً لأنفسناء مبروك». 
الموافقة 329 نائباً على المعاهدة. في مقابل رفض ١5‏ نائباً. وامتناع نائب واحد. 
٠ 7‏ رفع «أبو طالب» الجلسة؛ معلناً عن عودة المجلس إلى الانعقاد في الساعة 
الحادية عشرة صباح يوم السبت 28 نيسان/أبريل 1979ء ويبدو أن رئيس المجلس «لم يكن 
حصيفا». قفي اليوم التالي ١١‏ نيسان/أبريل 01979 أصدر السادات قراراً باستفتاء الشعب على 
حل المجلس. وعلى المعاهدة. ويعلق محمود القاضيء في كتابه بعنوان: البيوت الزجاجية: 
«هذا المجلس يضم 95 بالمئة من المؤيدين للحكومة؛ ولقوا جزاء سنمار فيعد أن وافقوا على 
المعاهدة بأغلبية ساحقة. وسط عاصفة من التصفيق والتهليل والغناء. الذي قادته السيدة فايدة 
كامل تم حله. بصورة غير مسبوقة في تاريخ العالم». ويطرح سيف الدولة عدة أسئلة بشأن تلك 
المفارقة: «هل كان رئيس المجلسء وكان من أقرب معاوني رئيس الجمهورية إليه حينئف: يعلم 
بأمر حل المجلس أم لا يعلم؟ إذا كان غير ذلك فمع من إذا تشاور رئيس الجمهورية في ضرورة 
حل المجلس؟ وإذا كان عالماً. فلماذا أخفى على المجلس مصيره المعروف. ودعاه إلى 
الانعقاد يوم 28 نيسان/أبريل؟. أم أن رئيس الجمهورية ساءه أن يعترض على المعاهدة 15 
عضوا؟ وإذا كان ذلك كذلك, فماذا أعدت الدولة ليأني مجلس الشعب الجديد مدرّباً على 
الإجماع؟* 

القد وافق مجلس الشعب على قرار رئيس الجمهورية بإبرام المعاهدة, التي لم يقرأها أحد 
من النواب» ثم قام السادات بعمل استفتاء شكلي للموافقة على المعاهدة؛ ثم قام في اليوم 
التالي بحل مجلس الشعب الذي وافق عليهاء وبذلك اغتصب السادات سلطات 
الشعب. 
































549 


خاتمة 


في ضوء ما تقدم. ٠‏ يمكن القول إن انتصار الحركة الصهيونية في انتزاع الاعتراف العربي 
الرسمي ل ا 0 
نقوقاً - 








ل بالمعنى الرسمي الدارج 
لي 1 والقادمة. 26 0 المتخيّل بين هاتين 
نِ لو تم التوصل إلى تعايش - سوف يصبح أشبه ما يكون بتعايش في ظل «السلام 
الإسرايلي» ورهاً بتوجهانه وسياساته وممارسانه إلى حد بعيد. وأية تسوية يمكن التوصل إليها 

مع إسرائيل لا بد من أن تعكس حقيقة الانتصار التاريخي للحركة الصهيوة ولن يكون 
تلان بين شل ابسن سن شكال السنوية وشكل اخ راجها نال اف في طبيعة 
«الانتصار الصهيوني»؛ إنما سيتركز الاختلاف على مدى ما تعكسه هذه التسوية من ثقل ذلك 
«الاتتصار»؛ أو حجمه. 

الذلك» فإن أية «تسوية» لا بد من أن تعبتر عن غلبة إسرائيل وعقيدتها الصهيونية؛ ويمكن 
0 الغلبة لفترة طويلة» وليس أدل على ذلك من سيطرة مفهوم «الأمن 
الإسرائيلي» على اتفاقيات التسوية ومعاهداتها كافة. وكانت تلك عجيبة العجان 
دول غير نووية بضرورة نوع خاص من الأمن لدولة نووية: ويعتبر ذلك بغير شك أحد مؤشرات 
نجاح إسرائيل في حصر الصراع العربي ‏ الإسرانيلي كله في مسألة «أمن إسرائيل». وتكفي هنا 
شهادة الكاتب البريطاني تشارلز دوغلاس هيوم, الذي ينطلق من تأييد إسرائيل» ن 

















العسكري. كما حاولت أن 
واحدة من أكثر دول المنطقة 1 


اك 





لقد دعل النظام العربي مرحلة ماع ل ا 
التسوية. وإذا كانت المراحل الأولى قد تسببت بتشتيت الطاقة. واستنزاف الإمكانات العربية, إلا 
أنها رفعت معنويات النظام. وشكلت حافزاً لنموه وتطوره السياسي والعقائدي. وتأتي المرحلة 
الحالية في صورة مواجهة, يمكن أن تكون أخيرة» لأنها تعمل على فرض تسوية «غير عريية» 
على النظام العربي؛ إذ تسعى إسرائيل إلى الانتقاص من شرعية هذا النظام واستمراره» يما 
تطرحه من عدة شروط؛ منها: 

ارا 3 2 التسوية على دفعات متالية. وبشكل ثثاتي بين إسرائيل وكل دولة عربية على 
ِ تتضمن بنوداً تؤكد تحصين العلاقات السلمية الجديدة. ثم 
يؤكد النظر إلى #بعاهدات واتفاقيات اللام» القائمة. في علاقتها بمستقبل «التسوية العا 
وفي علاقتها بالمستقبل العربي. ملاحظتين: 

١‏ إن إبرام الاتفاقيات بالحابع الذي حدث. يعني حقيقة ترتفع فوق الأحكام القيمية. حقيقة 
السوية». وتتفق تلك الحقيقة مع التصور الإسرائيلي للتسوية؛ فإسرائيل لم تدّخر وسعاً 

أن السزيمع الأطراف ارب لذين ترى هم خطرا سانيا مها اء على أمل أن 
0 . وينطوي هذا المنهج على خطر جيم في 
الأجل الطويل؛ إذ هو لن يزيل أسباب الصراعء وليس من شأنه إعادة الاستقرار إلى المنطقة» بل 
إنه على العكس يهدد في الصميم التسوية ذاتهاء ويحمل في طياته أء 
وقد يصل إلى الحرب يمضاعفاتها الخطيرة. مع ذلك؛ ألا يحقق هذا «الخطر الجسيمء أهداف 
«إسرائيل الكبرى» في الأجل الطويل أيضاًء بحيث تكون التسوية بالنسبة إليها مجرد «هدنة 

























سلمية»؟ 
2 إن التسوية التي اتخذت شكل المحادثات الثنانية المنفصلة» حققت لإسرائيل هدفاً 
يتمثل بتخطي مشكلة الشرعية من ناحية؛ وتحويل عملية التشكيك في الشرعية إلى الطرف 





الآخر من ناحية أخرى؛ بمعنى لة الشرعية لم تعد ترتبط بحال إسرائيل؛ بل إنهاء على 
العكس من ذلك, أصبحت مرتبطة بحال الشعب الفلسطيني» على الرغم من أنه صاحب الحق 
الأصيل التاريخي والشرعي في الأرض الفلسطيئية. وهنا تحديداً تكمن «الهزيمة الكاملة. أي 
«هزيمة الإرادة»... من دون قتال! 

من ناحية أخرى. يلاحظ أن القرار العربي الرسمي لم يعد معناً بالمواجهة العسكرية مع 
إسرائيل؛ بتأثير التركيب الاجتماعي للطبقات الحاكمة» وحقيقة مصالحها وانتماءاتها وتوجهاتها 
الداخلية والخارجية» فضلاً عما طرأ من تغير على سلم الولويات لديها. لتلك الاسباب» 


552 


لا ببدو أن في وسع العرب ‏ في الأجل المتوسط على الأقل ‏ أن يحققوا هدف التحرير واستعادة. 
الارض والحقوق. حتى في حدها الأدنى: أرض وحقوق 5 حزيران/يونيو 1967 من خلال 
حسم عسكري استرانيجي. بخاصة بعد أن حسم القرار العربي الرسمي أمره فاعتبر أن «السلام 
خيار استراتيجي». مهما كان خيار العدو! 

ثانا إن إسرائيل لن تتعامل مع «نظام إقليمي* في المنطقة. إلا إذا كانت عضراً أصيلاً في 
تفاعلاته» لذلك تطرح بديلاً لوجود النظام العربي متمشلاً ب نظام الشرق الأوسط»؛ وتسعى عن 
طريق اتفاقياتها الثناني انظم» لتفاعلاء أو ثلاثية. تكون في أحد أطرافها. وتهدف 
إلى أن تكون لتفاعلات هذه النظم الفرعية أسبقية من الناحية العملية» إن لم تكن من الناحية 
القانونية. على تفاعلات أطرافها العرب مع الأطراف العربية الأخرى غير المتفاعلة مع إسرائيل. 

ومن المعروف أن التوقيع على المعاهدة المصرية ‏ الإسرائيلية قد تعطل لنحو ستة أشهر؛ 
نتيجة لإصرار إسرائيل على أن تتضمن المعاهدة نصاً قاطعاً يجعل لهذه المعاهدة الأولوية على 
أية معاهدات أخرى سيق أن التزمت بها مصرء والمعنى المباشر لذلك يتمثل بميثاق جامعة 
الدول العربية» واتفاقية الدفاع المشترك بين دول الجامعة. وقد أصرت مصر على رفض هذا 
النص حتى تم التوصل إلى «مخر بإضافة مهمة تنص على أن يكون ذلك وقق المادة 
(103) من ميثاق الأمم المتحدة, التي تنص على الآني: «إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها 
أعضاء الامم المتحدة وفقاً لاحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة 
بالتزاماتهم المترتبة على هذا . 






















في ظل التفوق والتقدم الإسرائيليين كأمر واقع؛ يتمثل بوضع 
اوضية؛ بحيث تأتي الاتفاقيات انعكاساً لهذه الأوضاع. لاشك 
في أن الاختلال في ميزان القوى العسكرية بين الدول العربية وإسرائيل بات اختلالاً فادحاً على 
صعيد الأسلحة التقليدية. وذلك بسبب تقدم الصناعة العسكرية الإسرائيلية» وحيازتها قدرة 
تكنولوجية هائلة. يضاف إلى ذلك أن إسرائيل نجحت في احتكار السلاح النووي» وهي لذلك 
باتت قادرة على استعمال هذا الرادع الاستراتيجي لمنع أي بلد عربي من التخطيط لحرب 
ضدهاء بل صار في وسعها أن تمارس بواسطته عمليات مختلفة من الابتزاز السياسي للنخب 
العربية الحاكمة. فضلاً عن الدعم السخي الذي تتلقاه من الولايات المتحدة التي تلتزم بأمن 
إسرائيل» وبضمان تفوقها الاستراتيجي على البلدان العربية مجتمعة. ليست هناك حاجة إلى 
تفصيل القول بأن الولايات المتحدة تربطها علاقة خاصة بكل من اليهود. والصهيونية؛ وإسرانيل. 
إن الولايات المتحدة تقر بذلك رسميا وشعبياء ويقرّ به يهودهاء وتقرّ به إسرائيل. من هذا 
المنظورء تمكن الإ بعدين: أولهماء تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني؛ وثانيهماء التسلق 
اليهودي الصهيوني إلى قمة السلطة؛ ومكمن القرار التنفيذي والتشريعي الأمريكي. لذلك يجب 












لزنن 


أن يوضع في الاعتبار أن ما يجري في المرحلة الحالية هو فصل جديد تسعى الولايات 
المتحدة ‏ حتى قبل إسرائيل - إلى أن يكون فصلاً أخيراً لحم هذا الصراع التاريخي بين النظام 
العربي و١نظام‏ الشرق الأوسطط» لمصلحة الأخير إن كل الشواهد الدولية والسياسية المتواترة 
: تكون الأكثر 
«خريطة سايكس ‏ بيكو»؛ فتلك الخريطة القديمة كانت عملية مجرد «توزيع إرث" 
رجل مريض: الإمبراطورية العثمانية: لكن الخريطة الجديدة تهدف إلى أن تكون «شهادة ميلادء 
لا مجرد «إعلام إرث» لرجل مريض مات. 














الثقافي في البلدان العربية على التفسير الصهيوني للتار: 
شعوب المنطقة. وإعاد: ف 
وإعادة صياغة النظرة العربية تجاه إسرائيل. في هذا |! 
إلى حد بعيد وغريب» المنطق الصهيوني بشأن مسأ 
الكنيست إلى «المبرر القانوتي والأخلاقي لإقامة 

إن إسرائيل بهذه الشروط. سواء ما يمكن استنتاجه من ممارسات التسوية التي بدأت عقب 
حرب 1973 أو من نصوص معاهدات السلام واتفاقياته» تستهدف إحداث صدع خطير في 
خريطة التفاعلات العربية؛ إذ إنها تجعل من إسرائيل؛ بموافقة دول عربية. طرفاً مباشراً في هذه 
التفاعلات. وفي هذه الحال» يكون النظام العربي على وشك أن يفقد ركيزته الأساسية. وهي 
عقيدته القومية التي تمنحه الصفة العربية. 

ومن المهم أن يلاحظ أن هذه «الشروط» تمثل في حد ذاتها «تهديداً مرحلياً لعملية السلام 
نفسهاء لأنها تطالب البلدان العربية التي عقدت «معاهدات واتفاقيات إسرائيل؛ بأن 
تتخلى عن هويتها العربية. وكل 
أن هذه الشروط تمثل تهديداً مستقبلياً لكل «معاهدات واتفاقيات السلام؛ التي تم التوصل إليهاء 
حتى مع افتراض التوصل إلى تسوية شاملة بالمعنى الرسمي الدارج حالياء لآن الاتفاقيات 
الثنانية تم إبرامها في ظل استمرار الصراع مع بعض الدول العربية» ومن المنطق أن يكون لحال 
السلام الشامل انعكاساتها على تلك الاتفاقيات. ومثال ذلك الترتيبات الأمنية التي فرضت على 
سيناء. بذريعة «استمرار الصراع مع أطراف عربية أخرى». والتي لا يبررها غير مناخ الحرب» 
الابناء السلام. 

معنى ذلك إن نزعة التحرر الوطني والتغيير الاجتماعي في المنطقة ستجد نفسها رهيئة 
الانتصار الصهيوني ومفاهيم «السلام الإسرائيلي» ومقتضياته وشروطه. فالتسوية في ظل «الحقبة 
الإسرائيلية»» ليست في الواقع سوى «سلام؛ المنتصرين على المنهزمين. ومن الواضح أن هذا 






سبقت الإشارة إلى تجاوز السادات 
إسرائيل». حين أشار في خطابه أمام 





















554 






الا غالب ولا مغلوب». فالتسوية في ظل هذا السياق تعني أن 
إسرائيل كدولة صهيونية سوف تزداد رسوخاً وتوطداً كوجود غريب في جسد الوطن العربي» من 
دون أن تكون منه في شيء؛ ومن دون أن تحظى بقبوله ورضاه؛ بينما هي تسعى للهيمنة عليه 
وفرض شروطها بشأن «السلام». من هناء يكتسب منهج «رفض التسوية» شرعيته وجدارته 
وأهميته التاريخية في هذه المرحلة الجديدة من مراحل الصراع؛ حتى إذا لم يؤدٌ إلى أبعد من 
ذلك. 

لقد اعتقد موشيه دايان أن حرب حزيران/يونيو 1967 كانت «الحرب التي أنهت كل 
الحروب»» فخاب اعتقاده. وظن السادات أن حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 «هي آخر 
الحروب». فأكدت إسرائيل أنه كان واهماً. ولسوف يثبت الزمن العربي أن 0 التي مي 
كل الحروب»؛ والتي ستكون «هي آخر الحروب». هي حرب إزالة !. 
أعددت مساهمة متواضعة في الإجابة عن هذا السؤال الكبير» أعتقد أنها مقبولة ص ا 
عملي أصدرتها في كتاب بالعنوان ذاته: إزالة إسرائيل,"". 








(1) مجدي حساد. إزلة إسوائيل (بيروت: مركز باحث للدراسات والاستشارات. 2017). 


555 


المراجع 


1- العربية 

كتب 

إبراهيم. سعد الدين. كيسنجر وصراع الشرق الأوسط. بيروت: دار الطليعة, 1975. 

أبو طالب. حسن. علاقات مصر العربية؛ 1970 - 1981 (مرحلة السادات). بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية؛ 1998. (سلسلة أطروحات الدكتوراه؛ 32) 

أبو الغيط. أحمد. شاهد على الحرب والسلام. القاهرة: دار نهضة مصر للنشر. 2013. 

.. شهادتي: السياسة الخارجية المصرية؛ 2004 2011. القاهرة: دار نهضة مصر 
اللنشر 2013. 

أبو الفضل. مدحت. كنت تائباً لرئيس المخابرات. القاهرة: مؤسسة الأهرام؛ 2016 

أبو النور. عبد المحسن. الحقيقة عن ثورة يوليو. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1982. 

إسماعيل؛ محمد حافظ. أمن مصر القومي في عصر التحديات. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة 
والنشرء 1987 

إمام. عبد الله. انقلاب السادات.. أحداث مايو 1971. القاهرة: دار الخيال. 1980. 

.. علي صبري يتذكر: بصراحة عن السادات. القاهرة: دار الخيال. 1999 











أوبلانس؛ إدجار. حرب أكتوبر: العبور والثغرة. ترجمة سامي الرزاز. القاهرة: سيناء للنشر. 
988 

الايوبي. الهيشم. اتفاق فصل القوات الثاني في سيناء. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر 1975 


557 





بار جوزيف؛ يوري. «الملاك»!: الجاسوس الذي أنقذ إسرائيل. ترجمة فادي فؤاد. بيروت: 
الدار العربية للعلوم ‏ ناشرون. 2017. 

البدري. حسنء طه المجذوب وضياء الدين زهدي. حرب رمضان: الجولة العربية الإسرائيلية 
الرابعة. أكتوبر 1973. القاهرة: الشركة المتحدة للنشر 1974. 

بريماكوف. يفجيني. الكواليس السرية للشرق الأوسط (النصف الثاني من القرن العشرين وبداية 
القرن الحادي والعشرين). ترجمة نبيل رشوان. القاهرة: المركز القومي للترجمة. 2016. 

بطرس غالي؛ بطرس. طريق مصر إلى القدس: قصة الصراع من أجل السلام في الشرق الأوسط. 
القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر. 1997. 

بلوم؛ هوارد. عشية الدمار: القصة الخفية لحرب يوم كيبور. القاهرة: دار أخبار اليوم؛ 2004. 

بهاء الدينء أحمد. محاوراتي مع السادات. القاهرة: دار الهلال 1987. 

بير؛ ويليام (محرر). أسرار حرب أكتوبر في الوثائق الأمريكية. ترجمة خالد داود؛ مراجعة 
إسماعيل داود. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشرء 2004. 

ترجمة الوثائق السرية الإسرائيلية عن حرب أكتوبر 1973. القاهرة: المركز القومي للترجمة؛ 





204 
تشيرجي. دان. أمريكا والسلام في الشرق الأوسط. ترجمة محمد مصطفى غنيم. القاهرة: دار 
الشروق, 1993. 


ثابت» أحمد. الحصاد المر: اختزال قضية فلسطين. عمّان: دار وائل للنشر والتوزيع: 2003. 

الجمسيء محمد عبد الغني. حرب أكتوير: مذكرات الجمسي. القاهرة: دار الميدان للنشر 
والتوزيع؛ 2014. 

حماد. مجدي. إزالة إسرائيل. بيروت: مركز باحث للدراسات والاستشارات؛ 2017. 

مستقيل التسوية: 30 عاماً من سلام عابر. بيروت: دار النهضة العربية: 2007. 

حماد. محمد (معد). وزير داخلية عبد الناصر. شعراوي جمعة: شهادة للتاريخ. القاهرة: مركز 
الأهرام للنشرء 2015. 

الحمش. منير. السلام المدان. ط 2. القاهرة: مكتبة مدبولي؛ 1980. 

الخالدي؛ رشيد. الانحاد السوفياتي وكامب دايفيد. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية: 
196 

خليل؛ عبد المنعم. مذكرات الفريق عبد المنعم خليل: حروب مصر المعاصرة. القاهرة: دار 
المستقبل العربي. 1982 

الخولي؛ لطفي. مدرسة السادات السياسية واليسار المصري. باريس: منشورات العالم العربيء 
92 


558 


دايان. موشيه. الاختراق: رؤية شخصية للمباحثات المصرية ‏ الإسرائيلية. القاهرة: الهيئة العامة 
اللاستعلامات؛ 1977. (ككتب 764) 

دريفوسء روبرت. لعبة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي. ترجمة 

روت: مركز دراسات الإسلام والغرب. 2006. 

رضوان. طارق. عام الحسم ‏ السادات والناس: مصر عام 71. القاهرة: الهيئة المصرية العامة 














اللكتاب» 2015. 

رياض. محمود. مذكرات محمود رياض. القاهرة: دار المستقبل العربي؛ 1985 1986. 3 مج. 
مج البحث عن السلام والصراع في الشرق الأوسط؛ 1948 1978 
مج 2: الأمن العربي بين الإنجاز والفشل. 
مج 3: أميركا والعرب. 

الريدي. عبد الرؤوف. رحلة عمر.. مصر وأمريكا معارك الحرب والسلام. القاهرة: دار نهضة. 
مصر للتشر. 2010. 

زامير. تسفي. بعينين مفتوحتين ‏ رئيس الموساد يحذر: فهل إسرائيل مصغية؟. [د. م.: د. ن.]ء 
201 


زعيراء إيلي. مذكرات رئيس المخابرات الحربية الإسرا: حرب يوم الغفران: الواقع يحطم 
الاسطورة. ترجمة توحيد مجدي. القاهرة: المكتبة الثقافية, 1996. 

زهران؛ جمال علي. السياسة الخارجية لمصر: 1970 1981. القاهرة: مكتبة مدبولي؛ 1987. 

الزيات؛ محمد عبد السلام. مذكرات محمد عيد السلام الزيات: السادات ‏ القناع والحقيقة. 
القاهرة: جريدة الأهالي. 1982. (كتاب الأهالي؛ 18) 

الساداتء أنور. البحث عن الذات: قصة حياتي. القاهرة: المكتب المصري الحديث؛ 1972. 

سماحة؛ جوزيف. سلام عابر: نحو حل عربي للمسألة اليهودية. بيروت: مؤسسة عز الدين 
اللطباعة والنشر. 1993. 

سويد؛ محمود. من كامب دايفيد إلى المعاهدة: خلفية القرار الإسرائيلي. ييروت: مؤسسة 
الدراسات الفلسطينية, 1989. 

اوثائق حرب أكتوبر. القاهرة: المكتب المصري الحديث» 1975. 

. وثائق 15 مايو. القاهرة: المكتب المصري الحديث؛ 1976 

سيد أحمد. محمد. بعد أن تسكت المدافع. بيروت: دار القضاياء 1975. 

سيف الدولة: عصمت. هذه المعاهدة. بيروت: دار المسيرة, 1979. 

سيل؛ باتريك. الأسد: الصراع على الشرق الأوسط. ببروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشرء 


8 























559 


الشاذلي سعد الدين. حرب أكتوير: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. ط 2. القاهرة: رؤية 
اللنشر والتوزيع؛ 2011. 

شرف؛ سامي. سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر: شهادة سامي شرف. ط 2. القاهرة: المكتب. 
المصري الحديث؛ 2014. 

شوفاني؛ الياس. طريق بيجين إلى القاهرة: من تسوية إلى حلف. بيروت: مؤسسة الدراسات 
الفلسطيية, 1978. 

صبري؛ موسى. السادات: الحقيقة والأسطورة. القاهرة: المكتب المصري الحديث؛ 1985. 

ب . وثائق حرب أكتوير. القاهرة: المكتب المصري الحديث. 1975. 

عبد السلام؛ جعفر. معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة 


والنشر 1980. 
عبد المجيد. عصمت. مذكرات ديبلوماسي: زمن الانكسار والانتصار. القاهرة: دار الشروق» 
989 





العربي. نبيل. طابا.. كامب دايفيد.. الجدار العازل: صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى 
المحكمة الدولية. القاهرة: دار الشروق»؛ 2012. 
عز الدين؛ أحمد. أحمد كامل يتذكر: من أوراق رئيس المخابرات المصرية الأسبق. القاهرة: 





دار الهلال؛ 2016. 

العقاد. صلاح. السادات وكامب دايفيد: الاتفاقات وأصولها التاريخية. القاهرة: مكتبة مدبوليء 
عو 

عوض. فاتن. السادات ‏ 35 عاماً على كامب دايقيد. ط 3. القاهرة: مؤسسة الطوبجي للتجارة 
والطباعة والنشر؛ 2008. 

عوضء محسن. الاستراتيجية الإسرائيلية لتطبيع العلاقات مع الدول العربية. بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العرية 1988. 


العوضي؛ محمد سعد. حسن التهامي يفتح ملفاته من احتلال فلسطين إلى كامب دايقيد: 
عبد الناصر.. السادات وسكين المخابرات الأميركية. القاهرة: دار ديوان؛ 1998. 

غالب. مراد. مذكرات مراد غالب: مع عبد الناصر والسادات: سنوات الانتصار وأيام المحن. 
القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر؛ 2001. 

غربال؛ أشرف. صعود وانهيار علاقات مصر وأمريكا: الاتصالات السرية مع عبد الناصر 
والسادات. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشرء 2004. 

فانس. سايروس. خيارات صعبة: مذكرات. بيروت: المركز العربي للمعلومات؛ 1984. 

فهمي. إسماعيل. التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط. ط 2. القاهرة: دار الشروق» 
2008 





560 


فوزي. محمد. استراتيجة المصالحة. القاهرة: دار المستقبل العربي؛ 1986 

. حرب أكتوبر عام 1973: دراسة ودروس. القاهرة: دار المستقبل العربي. 1985. 

ب . ففذكرات القريق أول: حرب الثلاث سنوات: 1967 1970. القاء 
العربي. 1984. 

القاضي. محمود. البيوت الزجاجية. القاهرة: دار الموقف العربي؛ 1981. 

كامل؛ محمد إبراهيم. السلام الضائع في كامب دايفيد. القاهرة: الأهالي 1987 

كوانت؛ وليام. عملية السلام: الدبلوماسية الأميركية والنزاع العربي ‏ الإسرائيلي منذ 1967. 





















القاهرة: مركز الأهرام للترجمة وا 
.. كامب دايفيد بعد عشر سنوات. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر 1989. 
الليثي؛ عمرو. العميل دة صعود وسقوط أشرف مروان. القاهرة: دار الشروق؛ 2009. 
مائيرء جولدا. قصة حياتي: إعترافات جولدا مائير. ترجمة عزيز عزمي. القاهرة: مؤسسة دار 
التعاون الطبع والنشر, 1979. 
المجدوب. طه. سنوات الإعداد وأيام النصر. يونيو 1967 أكتوير 1973. القاهرة: مركز الاهرام. 
اللترجمة والنشر, 1999. 
مجلس الشعب. مضابط مجلس الشعب خلال القترة 75 1979, القاهرة الهيئة العامة لشؤون 
المطابع الأميرية. 1980 


محمد عبد العليم. الخطاب الساداتي: تحليل الحقل الإيديولوجي للخطاب الساداتي. القاهرة: 
جريدة الأهالي؛ 1990. (كتاب الأهالي؛ رقم 27) 


مرتضى. سعد. مهمتي في إسرائيل: مذكرات أول سفير مصري في تل أبيب. القاهرة: دار 


الشروق للنشر والتوزيع؛ 2008. 
المعاهدة المصرية الإسرائيلية: نصوص وردود أفعال. بيروت: مؤسة الدراسات الفلسطينية 
1979 


نعيم. محمد. رجل السادات في الموساد: اعترافات جنرال إسرائيلي عن أشرف مروان في 
الموساد. القاهرة: أخبار اليوم؛ قطاع الثقافة. 2017. 

هويدي, أمين. 50 عاماً من العواصف: ما رأيته قلته. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشرء 
04 








. الفرص الضائعة. بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر: 1992 





. لعبة الأمم في الشرق الأوسط: نحن وأمريكا وإسرائيل. القاهرة: دار المستقبل 
العربي؛ 1990. 

هيرست» ديفيد وإيرين بيسون. السادات. ترجمة محمد مطاوع. القاهرة: دار الكتب للنشر 
والتوزيع؛ 2016. 


56 





اللترجمة والتوزيعء 1 

. سنوات الغليان. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر 1988. 

مبارك وزماته من المنصة إلى الميدان. القاهرة: دار الشروق؛ 2011. 

. المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل؛ ج 2: عواصف الحرب وعواصف السلام. 

دار الشروق؛ 1996. 

هيوم. تشارئز دوجلاس. العرب وإسرائيل. القاء 
مترجمة) 

واصل. عبد المنعم. الصراع العربي ‏ الإسرائيلي. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية: 2002. 

وايزمان عيزرا. الحرب من أجل السلام. ترجمة غازي السعدي. عمّان: دار الجليل؛ 1984. 

وزارة الخارجية. مبادرات السلام التي قام بها الرئيس محمد أنور السادات. القاهرة: الهيئة العامة 
الشؤون المطابع الأميرية. 1977. 

. معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وملحقاتها والانفاق التكميلي الخاص بإقامة 

الحكم الذاتي الكامل في الضفة الغربية وقطاع غزة الموقعان في واشنطن في 26 مارس 

9 . القاهرة الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميريق 1979. 

. وثائق تطبيع العلاقات بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل. القاهرة الهيئة 
العامة لشؤون المطابع الأميريق 1983. 

يوسف» يوسف حسن. المشير الجمسي ‏ الجنرال الصامت من الميلاد.. حتى الممات. القاهرة: 
كنوز للنشر والتوزيع. 2012. 















الهيئة العامة للاستعلامات؛ 1969. (كتب 











دوريات 


أكتوير: 19 آذار/مارس 1979. 
حوراني. فيصل. «قراءة سياسية لوثائق كامب دايفيد.» مجلة شؤون فلسطينية: العدد 84 ت 








الثاني/ ليلل 
رفعت. وائل. «كامب دايفيد دمرت مصر وأضاعت العرب.» كتاب الوعي العربي: سبتمبر/ 


أيلول 2017. 


52 


روز اليوسف: العدد 2109» 9 أيار/مايو 2012. 

زرنوقة. صلاح سالم. #خبرة التفاوض العربي مع إسرائيل (ملاحظات عامة).» السياسة الدولية: 
السنة 34. العدد 133 تموز/يوليو 1998. 

سعودي. داليا. «الإرهاب وميراث كامب دايفيد.» الشروق: 2017/3/6. 

سعيد؛ عبد المنعم. «أشرف مروان..!.» المصري اليوم: 2018/9/18. 

. ه«المفاجأة الإسترات 

السيد صالح. محمد. «حكايات السبت.؟ الشروق: 2018/9/22 

الشحات؛ سعيد. «ذات يوم.. كيسنجر يحمل رسالة سرية من السادات إلى جولدا مانير.» 
الشروق: 2016/12/13 

يوم 9 نوفمبر 1973.. كيسنجر يكشف: «مصر في طريقها للسلام مع 














عهد كارتر والصراع العربي ‏ الإسرائيلي.» مجلة شؤون 
فلسطينية: العدد 86. كانون الثاني/يناير 1979 
اكامب دايفيد وفلسطين.» مجلة شؤون فلسطينية: العدد 85: كانون الأو ل/ديسمبر 





غازيت. شلومو. «لماذا اعتمدنا على العميل المصري أشرف مروان.» هآرتس: 2018/4/24 

فياض. علي. «تجربة التفاوض الفلسطيني." شؤون الأوسط: العدد 74 تموز/يوليو - آب/ 
أغسطس 1998. 

. «التجربة الدبلوماسية الفلسطينية.» مجلة الدراسات الفلسطينية: العدد 27 صيف 











6وول. 

«قضايا التسوية والصراع العربي ‏ الإسرائيلي: مقابلة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل.' أجرى 
الحوار مجدي حماد. المستقبل العربي: السنة 4. العدد 31: أيلول/سبتمبر 1981. 

قورة» نزيه. "من يخاف كامب دايفيد.» مجلة شؤون فلسطينية: العدد 83. تشرين الأول /أكتوبر 
ليله 

««النبأ الذهبي» الذي أنقذ إسرائيل من الهزيمة في حرب أكتوبر.» إسرائيل اليوم: 2017/9/29. 





مؤتمرات 


المؤتمر العلمي السنوي للاقتصاديين المصريينء 6- 8 أيار/مايو 1983. 
مؤتمر كامب دايفيد. القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام؛ 1978 





563 





20/5 


لنتآجعما كالهميدللا مه ملم" امول دع بجبملكذا] أمممعت! ل تلع مركا .انهه وم مسن سمع8 
.1971 ,عسوت بلا كهصومة]لعامه8 صطدك :لتحم 


.2002 ,وو" هوا فعا تهمنامتق طسه؟ بأعمجها زه :جبمنعتاط ا .ممتطه .ممسهممه 

اثلا نموا مم3 عدا تانر «رتطعسمننماء 3 عوابا جطاممتا ها الع*| طالاا تررك 116 . 
عمتطوتاطن5 امعلمعمعله! ععدم5 عنمممت. امرةت) حااده5 .اعمط عالء ثاب علا مم8 
.2016 ,منمام 

982 ,تعاكسء5 مه ممطا8 :مارملا بجع ل١‏ ,لاد جم جك ددمل ا عملشمة! مسال مدع 

.982 .متفسةم صهالتمع قاط تعلمملا بحهوا١!‏ ,جمماها معممها مانالا . 

ننوأأوط عفدم" انمع تع سا جر معنم ماع02 .ععامصرة لمقدء 1 لمة ا علممواخ ,عيومء 9 
.94 كوعم" زللوك اثونا متحاوساه© عاكلا بحك!! معزاعم لالده ورمع 111 


عم" عطآ عارولا بما! .ععدمريت 1 أعمجدا جه كعنهامناى متا .افأهطدمطعلا ,تطمامداز 
.7 ,كوممم 


.أهوهنلكه )| «مسكاء زه :جبماى 71 بلاسلا علا صة «عاط اععراعن8 716 .للهومه ,بعادوعكا 
.1986 .ؤكامه8 عدولا عادولا ولع 


.979 ,مبدمء8 علناذا نضاط ممماقه8 .عجوم( معيم/! مفائطا 716 بخ بصمعل! بمعومتوكتكا 

.982 .م بق مسومقا علنانا قالط بمماومظ .لمجمعرامرنا إه ومع 

تظالط ممماوه8ا تتتمسعلة كزيل[ عتسراه! تاسرامم 71١6‏ تلمع نم8 إه عجمعلا 
.1999 ,مندمع8 علنائية 

.2018 تعافسح5 لمه ممصند بعارو/ بحعل! بومنلال ذ مم5 .مس5 بع لمعلح 

رمم مرك هرر0 0 جا عهنااميك ذمعتتعسا جامعسصماا عرلا معلمك .ال فممطعتها ,مسلط 
.1992 نم5 للمد ممطذة بعلرو/ سمل .لجاز 

مه مم5 نض ,0 لمماة .«منعز »0 ل« ييسيم لاا مارو || اممعم .هامعطمة بمعااعواطمةا 
.1962 ,كمممط برانومع نزولا 

وماك يعارل" حعل! :1981-1987 رارك عتو[ة كسةا ع5 ع1 جلئعا! .80 ,لت سهمماةا 
.1987 بماعساطا5 همه 

جزامت اه اقلمك أنه جنهةةا برف امه جفطرمعاسه5 ذ عترمط «عماجزاة7 ممع وها لطوامالا 
.4 يكمدهعا ة فعمالخ بعاتملا حم لة ادم 


























كامء نواعم 


.1971 بعطصعمه9 13 لم ,1969 بمسمك" 17 عام مكبوملة 


564 


فهرس 





آل ثاني» خليفة بن حمد: 459 

آل سعودء سلطان بن عبد العزيز: 272 274 
110-109 447 

آل سعود» فيصل بن عبد العزيز: 273 106- 
وك اك 4لعقاك قلك فقك 7قلك 
0 3اك 232 234 238 247 257 
2 265 348-346 432 458 

أباظة» محمد شامل: 548 

أباظة» وجيه: 205 

إبراهيم عبد المنعم: 548 

أبو إسماعيل؛ صلاح: 548 

أبو سعدة» حسن: 548 

أبو طالب. صوفي: 549 

الغيط. أحمد: 470, 475. 485 493 





أبو النورء عبد المحسن: 149 213 


أبو وافيه محمود: 205 


الاتحاد الاشتراكي العربي (مصر): 10 36 
4ك 6ك 6ق 462 82 36 122 128 
47ل وفك اكلد2كك قكك اتلك تقل 
9ا-0ول فول تول وول لنت ال 
218-27 310227 404 

اتفاق فك الاشتباك الأول (1974): 070 347 
378-76 

اتفاق فك الاشتباك الثاني (1975): 379 
44 وال 421 فقق 6فف 453 

السرية (1979): 





344-54 546 
اتفاقية أوسلو (1993): 529-528 
اتفاقية كامب دايفيد (17 أيلول/ سبتمبر 
8 5ل 7ل 2ق 49 30 20ل كقل 
9 220-219 222 283 369 فقت 


387 429 438 0فف 442 463 466- 
8 470 473 497-475 502-500 
فم 509-507 532-531 

أثرتون» ألفرد: 475 

أحداث (إنقلاب) مايو «ثورة التصحيح" 
(1971): ملك فى فى 82 05ل 108 





كال قشل وكل 73ل 77ل مقك تقل 
2-188ول كاك 219-217 222 225 
256 ف40 430 

أحمد, كمال: 548 

الإخوان المسلمون: 359 109 16-114ل» 
21-9ل 6ذك تكلء 206 212 قا 
04 504-503 

أدهمء كمال: 73 91-90. 110-106 112- 
قال قاك 62اتقل فك مقكء للك 
2 256 284 432 439 

أرنسون. شلومو: 331 

الاستعمار: 21-20 208, 507 515 

استيئوء كمال رمزي: 149 

الأسد حافظ: 76 79-78 149-148 242 
25 305 326 329 332 337-335 
348 358 378 412 4417 434 456- 
0 489 

الإسلامبولي» خالد: 488 

إسماعيل؛ أحمد: 83 119 162-161 
9 224 231-230 234 284-كقق. 
290-27 292 297-294 302-301 
310-06 313 كاق 319 0326 333 
336 360 

إسماعيل» حافظ: 66 725 اق 8الء 60ل 
7 242 246-وه2 3-292و2 306 
6 319 323 336 وك 433 

إسماعيل» محمد عثمان: 206 

أشكولء ليفي: 35 37 43 

إمامء عبد الله: 145 190 0192 393 

الإمبريالية: 23 2178 225, 399 

الأمم المتحدة 
- مجلس الأمن الدولي 


القرار رقم (242): 18 236-34 40 
2 قف اى وى قذء 40اعقفل. 
45 ققل 79ل 323 وكق 371 
79 فلك 467 479 الف 497- 
499 06ى 508 512 
القرار رقم (338): اىق 327 364 
79 الف ذف 498-497 508 
أمينء. عبد المثعم: 101-100 118-117 
7 66 97ل 396 
أمين» علي: 405 
أمينء مصطفى: 103. 405 
انتفاضة الخبز (1977): 0394 422 4هه-5هه 
أندرويوف. يوري: 2192 252 
أنديرلان» شارل: 100 
الاتفتاح الاقتصادي: 2395 405, 445 
أوبلانسء إدغار: 2259 376 
إيبان, أيا: 24 38 143 
إيتان» رافي: 273 
إيراك إيري: 436-435 
أيزنهاور» دوايت: 27 32-31 0167 179 
أيلتس: هيرمان: 071 431 494 








ندع 


باراك» أهارون: 488. 490, 492, 496 
بار-جوزيف» يوري: 254 256 258, 264 
بارليف» حاييم: 318-317 

البازء أسامة: 429-428 485, 491-490 
البدري» حسن: 329-328 

بدوي» أحمد: 80, 299 

بدوي» حاقظ: 228 

البرادعي» محمد: 429-428 





براون» هارولد: 487 


444 

1 3 83-82 كقل 233 
20 323 326-325 334 336 410- 
اله 

بريماكوف» يفغيني: 164-162 241 

بسماركء أوتو قون: 18١‏ 

بكرء إبراهيم: 46 

البكرء أحمد حسن: 34711١‏ 

بلوم؛ هوارد: 262 








اليناء حسن: 503 

بن اليعازرء ديفيد: 2268 ,313-31١‏ 342- 
343 

بن غوريون» ديقيد: 219 23 32-31 545 





البنك الدولي: 26 394 522 535 

بهاء الدينء أحمد: 033-32 اق 088 221 
472 

بهلوي» محمد رضا: 440 

بودغورني, نيكولاي: 185 226 

بورشيغرافء أرنو: 167 246 

بورقيية» الحييب: 459 

بومبيدوء جورج: 140 142 

بومدين» هواري: ١1ل‏ 348-347 

بيان 30 آذا ر/مارس (1968): 200 

بيرغس» دونالد: الل 43 100 117 30ل 
4 63ل 66-165 72-170 7و 
396 

بيرغمان. أهارون: 263-262 
يز شيمون: |06 011١‏ 422 شهه 





بيغينء مناحيم: 33 37 40 243 052 69 
8 اال قد 220 383 385 387 
الف ولك 424-421 427-426 اقف 
438-46 440 الجف 447-444 454- 
56 464-463 476-469 491-478 
3 497-495 502-501 506-505 
0ك 538 548 





تاجرء مهدي: 90 

ترامب» دونالد: 398 

ترومان» هاري: 174 

ترون» يوجين: 117 119 162 219 

تشاوشيسكوء نيكولاي: 232 078 0383 426- 
7 437-436 443 447-446 510 

التلمساني» عمر: 116ء 2120 136 

تنظيم الضباط الأحرار (مصر) :55 

التنظيم الطليعي (مصر): 62) 96 150 155 
72 وق 7و وول 218 

التهامي. حسن: 73 11ل 120 384 417 
426-423 الف 464 491 

اق فق 87 40ل 42ل 








تيتوه جوزيف بر 
75 234 


أي قا 


ثغرة الدفرسوار: 77 245 286 317-315 
44 

ثورة 23 تموز/يولير (1952): 0ل 018 21 
م تق فى وى قال 7لك 20ك لقلء 


567 


-393 226 218 216 193 190-19 
547 504 453 404 4 





ثورة 25 يناير 2011 (مصر): 532-531 
الثورة الإيرانية (1979): 235 

ثورة ظفار: 440 

الثورة اليمنية (1962): 107 








جامع محمود: 205 

جلود عبد السلام: 256 

الجمال؛ رفعت: 279 

الجمال. علي حمدي: 435 

الجمسيء عبد الغني: 24 35 039 070 75 
09ل الك 243 250-249 271 287- 
2 298 301 307-306 309 322 
335 343-341 353 377-376 383- 
4 466-464 472 495-494 

جمعان. ضافي: 46 

جمعف شعراوي: 63-62 101 105 18ل 

اذل 40-137ل 45ا-مكل قكل 166- 





7 70ل-2تل 4قا-كقل ققلء لول 
دوا-6ولء 202-199 205 
4 396 

الجمل» مصطفى: 328 

جرنون. ليندون: 28-27 4ق 36 31 
4 234 239-238 368 


-212 9 


ماعن 

حائط الصواريخ المصري: 25-24, 29 42 
46-45 قف 97 21ل 235 265 271 
309-308 354 410 

حاقظء مثير: 203 

حرب الاستنزاف (1970-1967): 224-22 
27 وت 02ل كمك 29ل فول مول 
5ل 235 255 259 279 286 532 

الحرب الباردة: 238 394 440 503 

الحرب العالمية الثائية (1945-1939): 20 
3ل 175-74 28 389 

الحرب العربية ‏ الإسرائيلية (1948): 018 32 

الحرب العربية ‏ الإسرائيلية (1956): 21 
428 430 

الحرب العربية ‏ الإسرائيلية (1967): 19-18 
اك 23 27-26 29 34-33 47-46 
وف كف 24 38 7ق 102-تمك كلك 
43)-قول وتل وقلء وول 208-207 
8 224 234-كدك 238 240 209 
79 299 14 23ق 328 340 367 
408-07 10ل 467-466 332 555 

الحرب العربية ‏ الإسرائيلية (1973): 10 
26-4 3ت-كق وق 49 اق 40 فى 
72-7١‏ 75-74 77 84-80 97-96 
06-105 09ل ذلك فلك 23ل 
35ل اقل فول 67ل 177ل 225-223 
كذ 237 اف 243-فهق 246 اك 
255-253 260-258 264 266 0271 
2853-2 286-285 290-288 0303 
3071-6 اق 323 329 35ق 0339 
44 347-346 0كق 362 377-375 








4 396 406 408 1-410 اف 3ا4 
اذك 434 افك 448 452 466-464 
2 الى 2ذق 7ذى 54ك-وكق 

حرب اليمن (1970-1962): 30 07ل الل 
14ل 189 

حركة حدتو (مصر): 032 100 

حركة فتح: 46 

حزب الوفد (مصر): 30 113ء 186 218 
364 

الحسن الثاني (ملك المغرب): 11 120 
0 424-423 426 الى ذفف وكف 
464 511-510 

حسنين, أحمد: 2113 364 

حسنين» مجدي: 158 

الحسين بن طلال (ملك الأردن): 90 64ل 
57 262 وك4 478 496 

حسين» صدام: 347 

الحكيم» توفيق: 230 509 

حمروشء أحمد: 100 

حمودة» بدوي: 229-228 

حناء إسحق: 203 





خاشقجي. عدنان: 112-111 439 
الخالدي» وليد: 430 





خطة جرانيت |: 26 42 46 121 215 

317 308 305 256 243 

خطة جرانيت 2: 46 78 2121 242: 256 
208 


2 





خطة القاهرة (200): 026 46 121 125- 
26 2295 308 316 354 

خلف. صلاح (أبو إياد): 6ه 

خليل, عبد المنعم: 126-125 319 

خليل. مصطفى: 405 3ا5 338 الحق, 
فى 548 

الخميني» روح الله: 117» 160 

الخولي؛ لطفي: 220 226 








دالاسء جون فوستر: 23 
داوود ضياء الدين: 149 152 155 157- 
2135 





دايانف موشيه: 19 32 فى 79 105 الل 
28-127 وذا-مفل فول أجل 200 
244-243 256-254 259 263 208 
275-84 280 282 285 292 310- 
2 3185 331-330 مك3 ذكق 357 
6 384 7لى 421 427-424 اقف 
438 اجحل 447 456-455 64ل 466 
3 477-476 489-485 555 

دريفوس» روبرت: 0112 503 

الدليمي, أحمد: 439 441 

دوفرجيه. موريس: 61 

ديستان, جيسكار: 51١‏ 

دي مارنشء ألكندر: 439 





ديتزء سيمحا: 334 433 





ف 


رابين» إسحاق: 40-39 43 72 مهل 171 
0 369 379 420 امه 

اراسك» دين: 36-35 

رايت» لورنس: 488-487 

رستون» جيمس: 38 

رشاد» يوسف: 59 

رضاء عبد الرؤوف: 325 





روجرزف وليم: 28 37 كف 8ك 0ل 9ل 
ول هذا تفل فول دكا قكل تقل 
65 70-167 ققل 207 209 219 
28 335 362-361 





روكفلر ديقيد: 285 

رياضء محمد: 461 477 

رياض» محمود: 24 34 37-36 82 01ل 
0ل 27ل مقل تقل قتاد لفل فول 
55ل 68ل 72-170 فول قولء وكق 
6ه 

ريتشاردسونء إليوت: 165 

الريدي؛ عبد الرؤوف: 491 

ريغان, روتائد: 1١1‏ 





زائيفي» أهارون: 275 
زاعيراء إيلي: 255-253 259 264-262 
3 277275 


زاميرء تسفي: 254-253 259, 265-264 
312-30 

زايد سعد: 200 

زغلول» سعد: 186 203 

زكيء طه: 430191 

الزيات» محمد حسن: 44. 67 

الزيات» محمد عيد السلام: 159 161 202- 
3 218-217 226 229-228 


ازينهم» محمود: 548 


ب من - 


الادات. جيهان: 37 89-88 202 205 
0 3-212ان 229 256 

سالم ممدوح: 436 

السباعي. يوسف: 468 

أسري» حسين: 30 364 

سعد الدين» مرسي: 273 

السعدني؛ محمود: 192 

سعيد إدوارد: 430 

السعيدء محمد: 204 

سليمان. عمر: 273 

السمانء علي: 273 

سوكارتوء أحمد: 176 

سوهارتو: 176 

سيسكوء جوزيف: 38 40 13201272101 
فدل دول كقكء 7قلء وك 72-171 
4 197 200 207 367-366 396 


سيكوتوري, أحمد: 113 440 





الشاء إلي» سعد الدين: 25 7262 77-74 
اق 83 8ق و0 224-223 اق 
245 259 283 285 288 298-296 
305-60 307 0309 313-كاق 319- 
0 326 328. 332 335 350-348 
40-ال4 

شارون. آرييل: ١الء‏ فول 299-298 304 
2 320318 ادف موه 

شاريت» موشيه: 30 

الشافعي. حسين: 150-149 184 196 

شافيط. شبتاي: 254 





شاميرء إسحق: 431 

الشاهد صلاح: 160 214-213 

شرابي» هشام: 430 

اشرف. سامي: 46. 464-63 467 082 89 
05ل 48ل 3-152كلء ككل 184-كقل. 
8 اولعتول 4ول-مول وول ممق 
213-09 229 252 263 

لبيب: 41ل 152 213155 

شليمء آفي: 280 

شو إن لاي: 141 

شوقيء علي: 31 

شيرين. إسماعيل: 30 

شيهان. إدوارد: 232 

الشيوعية: 32 73 227-226 1-440 4ه 





57 


د فل د 

صادق, محمد: 73 82 09ل 59ل 184ل 
5 4و1 205-203 222 231-230 
305 اله 

صالح. محمد السيد: 273-272 

الصباح» سعاد: 262 

الصباح, عيد الله مبارك: 90 

صبريء علي: 82 105 142 146-145 
4-149كلء مكل #كل 84-183 187- 
قل فول 7-196ول وول 201 209 
3 215 219 226-225 229 393 

صبريء موسى: 56 123 0191 0329 394 
429 435 1و4 

صدقيء عزيز: 161 2203 217, 233, 325 

الصراع العربي ‏ الإسرائيلي: 9 12-1١‏ 20 
3 فق 38 فى اى 34-53 ا4 65- 
66 98-97 08ك ملك 30-129ل مفلل 
79 2ق مول 219 224-223 0238 
0 329 348 356-355 367 0و3 
393-92 5و3 397 399 408 412 
الف 423 425 427 430- لدف اف 
3ه 452 454 3مك 467 اقك 489 
0ق 517-قاقى 528 55١‏ 

صندوق النقد الدولي: 394 450. 535 

الصهيونية: 19-18 243, 393 2397 399 
2 426 452 306 508 0اك 514- 
6اى واكى 532:529-528. 34ى 55١‏ 


5 


طلاس» مصطفى: 459 


طلعت» حسن: 193-192 
طهء أحمد: 548 
طوقان, قدري حافظ: 33-32 


لع 

عامرء عبد الحكيم: 6221 

عبد الآخرء حلمي: 548 

عيد الله إسماعيل صبري: 226 

عيد اللى قباري: 548 

عبد الجواد. محمد: 436-435 

عبد الحافظء فرزي: 30 153 اولء 193 
اذه 

عبد الحميد. هايل (أبو الهول): 46 

عبد الرحمن» طلعت: 548 

عيد الكريم فريد: 662 192 

عبد المجيدء عصمت: 429 

عيد المجيدء محمد كمال: 548 

عبد الناصرء جمال: 10-9 049-15 |5- 
دك فك-رى وق 62-كق 448-67 31 
2ه تق وقداف 5ودوولك مولومل 
2لدتلك واللعلقك تقل مقتدجقل 
1-129ذلء 6تادوقل 42ل جقل 46ا- 
47ل مكافكل مكادتقل و5لع2قل 
64ا-ق6ل 78-173 #0ادلقكء ققا- 
6ق 0-189ولء 200-193 208-204 
اات-ذاك 219-215 222 224-كيتق. 
27 233-ك3ك 239-237 242 249 
52 256-255 259 266 272-271 
79 285 295, 305-304 310-309 
4 6ال 328 و33 4هد-كيق وكق. 
2 368 371 373 فقت اوت-ذوق 


397-395, 400 404 407 410-409 
2 424 428. 433 4438 448-و44. 
7 485 303 517509 533 

عبد الوهاب» محمد: 189 

عبودء أحمد: 30 

عبيد» فكري مكرم: 548 

عشمان. أمين: 59 113ء 363 489 

عثمان» عثمان أحمد: 217 

العرابي» إبراهيم: 300 304 

العربي. نيل: 470 415 494-491 

عرفات» ياسر: 46: 0383 388 

عروق» محمد: 203 

عزمي. إسماعيل: 304 

العلاقات المصرية ‏ السوفياتية: 8260.11 
25 338 410 

عليء طلعت حسن: 328 

عليء كمال حسن: 405 

عملية الدكتور عصفور: 101 106-103 
8 تاك 32ل ككل 66اء7قكء 70ل 
4و 197 237 396 

عملية «نيكل جراس»: 343 

عوضء فاتن: 280 442 479 

عوض» لويس: 509 

عيد. عادل: 548 











5 6 - 
٠‏ شلومو: 269 
غالب» مراد: 60-59 82 فى 101-100 
وك اقل 173 234-232 238 338- 
وق 344-343 421 438 





غاليء بطرس: 455 |46. 477. 483 491- 
92 الى قفو 

غانديء أ: 14 

غربال» أ: )6 171 362 485-484 

غروميكوء أندريه: 142 

غولدييرغ, آرثر: 34 493 501 

غولدمان» ناحوم: 32 243 






5505 


فائقء محمد: 204-203 213 

فاروق الأول (ملك مصر): 230 87 113 

فانسء سايروس: 0222 412 419 422 
47 476 478 485 487 490 538- 


ودى 541 





فهمي إسماعيل: 033 262 72-70 079 81- 
دق اك اتلك ذو 327-326 329 
وك 364 385-383 388-387 390 
7 8-412 الى 429-426 438-437 
46 461-460 0477 496-495 

فهميء مصطفى أبو زيد: 228 

فورد» جيرالد: 420 480 

لوزي ين ويد 

فوزي» محمد: 25 46-45 اك 71 82 
الل 05ل 23-121 27-125 لذا- 
2 ذا 38 ذككء 720170 90ل 
196-94 200-198 204 213 225 
229-8. 237 285 305 310-308 
37 


فوزي» محمود: 27 149 153 |16 167- 
65 170 173 86ل 234 316 

فينوغرادوف. فلاديمير: 2309 336 

دق - 

القاضي. محمود: 549-548 

القدومي» فاروق: 46 

القذافي» معمر: 26 11ل 113 150-146 
7 423-422 489 

القضية الفلسطينية: 19 34-كق 4403 416 
426 429-428 و4 ككف 469 475- 
6 478 480 482 489 492 فمى. 
وك الى 53١‏ 

القمة العربية 1967 (المخرطوم): 519 

القمة العربية 1974 (الرباط): 51١‏ 

القرمية العربية: 46 64 116 0373 45١‏ 
دك اذ 


5008 


كارتر» جيمي: 52 69 80-79 87 219- 
2 369 فقق 18-411اك 422-420 
426 431-428 443-فف 447 473- 
78 485-480 495-487 497 501- 
2 504-كمك 521 530 538 

كاريوكاء تحية: 226 

كامل» أحمد: 468 119 156-155 /19- 
توك 8و 252212-21 

كاملء حسن: 431 

كامل» فايدة: 549 


كاملء محمد إبراهيم: 17 220 429 474 
477-76 492-489 494 508 


كايز» دورين: 85 
الكبيسيء باسل: 388 
كرافت» جوزيف: 0363 371 





كروسمان» ريتشارد: 32 





كوانت» وليام: 332-331 342 477 490 
492 فو 

كورييل هنري: 32, 100 

كوسيغينء أليكسي: 032 48 185 239 
339-336 343- موق 410 

كوليكوفء فيكتور: 338 344-343 

كير» مالكوم: 407 

كيسلرء روتائد: 11١‏ 

كيسنجر هثري: 028 48 5١‏ 60 65-64 
7 30-69 22 لق ملك ذلك قلاك 
قال 8الءواك كقك 3مادتقك لقلء 
220-29 223 32-231 كدق 238 
2 250-246 252 265 270 280 
4 288-287 290-دو 8اتدواق 
325-321 336-327 339 2-341فق 
0347-5 اكق 356-353 379-359 
2 414 417 420 422 425 432- 
ذف كدف 443 7لك اكف قكف كوف 
داك 


كيلمان» هريرت: 65 








البران» أهاروز 

الجنة أغرانات: 083 2253 268 272: 2274 
34076 

اللوزي. سليم: 320 

الليشي» عمرو: 252 


3-5 

مأمون. سعد: 125 296, 320 

مؤتمر ياندونغ (1955): 21 

مؤتمر جنيف لللام (1973): 2223 374 
الف-4اف ولف 422 425-424 4دفى 
اكف 454 

مؤتمر مدريد لللام (1991): 528 

مائير» غولدا: 24 38-37 40 44 48 60 
4-83ق موا-اولك كملء 22ل 28ل 
ذا 42ل فول دقل وول تك ففق. 
0 2255 2257 0259 0263 0266 268- 
0 278-276 296 298 312-311 
318-7 323 327 333-330 0340 
343-2: 356 0359 0363 367-366 
375-13 379-378 اذك 438 

الماحيء سعد الدين: 301 431 

ماركوسء فرنائد: 112 

ماكلوي» رويرت: 31 

ماهرء علي: 31 

ماهرء محمد علي: 228 

مبادرة روجرز: 38-37 46-40 4ق 297 
2 29ل و3 قذاء كقلء 207 0304 
0 لاك 425 






ميارك حسني: 18ء 207 273-271 460 
466 478 

متولي. سعد الدين: 160 

محادثات الكيلر (101): اى 335) 359- 
0 376 494 

المحجوب. عيد السلام: 273 

محمدء محسن: 435 

محبي الدين» خالد: 548 

محبي الدين, زكريا: 63-62 198 393 

محبي الدين» فؤاد: 548 

مراد؛ محمد حلمي: 548 

مرتضىء سعد: 511-510 

مرسيء فؤاد: 226 

مرعي» سيد: |21 424217 548 

مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 
بالأهرام: 329 405 497 

مروان» أشرف: 113 115ء 204, 213, 246- 
7 269-252 273-271 0275 278- 
0 283-282 313 439 

معاهدة السلام المصرية ‏ الإسرائيلية (26 
آذار/ مارس 1979): 52 133 135 388- 
9 408. 467 473 500 502 507 
2ك 6اك-واكى 327-521 29ك-فدى 
542-536 549-547 اكى 553 

معاهدة الصداقة والتعاون المصرية السوفياتية 
(1971): الال 225 227 392 421 

معاهدة وادي عربة (1994): 528 

معوض» جلال: 206 

منصفء عاطف: 304 

منصورء أحمد: 212 

منصورء أنيس: 429 








منظمة التحرير الفلسطينية: 388: 414-413 
6 434 450 453 455 469-468 
4 479-478 496 ك0ىق 309 الك 
528 531 

منظمة الو. 








ناتنغ» أنتوني: 30 

نادي السفاري: 113 441-439 

ناصرء أحمد: 548 

الناصرية: 2510 54 95 101 105 108- 
ول اك قال 22ل 27ل 29ا-مقلء 
تقل 45ا-وفل ول اكاسلكل كقا- 
وكل 74ل 78-176 لقادوول فول 
198-56 200 203-202 211-206 
219-23 224-كنك 228 اذك 237 
252 396-391, 404-403 503 

ناصف. عبد الهادي: 180 182 215 

ناصفء الليثي: 160-159 184 188-187 
6ولء 198 202 204 213 

نتنياهوء بنيامين: 283 

انجيب. محمد: 31, 56 113,87 

النحاس» مصطفى: 59 113 137 86ل 





نصارء ممتاز: 548 
نصرء صلاح: 210 

نصيري» نعمت الله: 440-439 
النميري» جعفر: 0112 124 


نيكون. ريتشارد: 228-27 40-39 442 48 
2 ال كلل 33ل ف4كء 63 166- 
67 69ل 234 242-241 245 247 
0 322 328 334-330 342-341 
346-45 345 359 362-361 405 
0 480 


53-0 


هاندل» مايكل: 281 

هدنة رودس (1949): 18 

حربوت إببقوتل: 702 

الهضيي» حسن: 14 1ء 119 

هويدي. أمين: 78 105-104 186-184 
263 272 

هيث. إدوارد: 142 339 

هيرست» ديفيد: 85-84 0193 232, 423 

هيكل محمد حسنين: 031-3001511 41- 
5ف 2ق 4ك-كق 38-57 42 46 49 
5 6ق 88-لى اول 6-105وك 08ل 
داك قال وتاعمول ك4ردوفل 
اك 53ا-فكل 7كل 159 - اقل 173- 
76 0قلدققلء اولك 4ول-7ولء 202 
205-04 212-207 218-214 223- 
كن و24 اك 267 272-271 اوت 
4 303-302 309 قلق 325-322 


328-327 337-336 355 362-361 
65 369-368 371 407 فهه-دمى. 
448 458 489-488 494 

هيلمزء ريشارد: 247 

هيوم, تشارلز دوغلاس: 55١‏ 


واصلء عبد المنعم: 296 300, 320 

وايزمان, عيزرا: ال 24 220 384 464 
0 485-484 489 496-495 

الوحدة العربية: 106 150 175 178 390 
94 397 449 509 

: الى 108-107 303 

2 


ووخيزت بو 


ويلي» بارتود 






5-3-0 

يادين» إيغال: 254 

يارنغ» غونار: 35, 40, 43, 100-99 140- 
43ل كفل 68ل 241 

ياريفء أهارون: 2105 335 

يوستء تشارلز: 501 

يوسفء أبو سيف: 226 

يونسء أحمد: 154 

يونس» أحمد محمد إبراهيم: 548